الوصف
عقيدة الأئمة الأربعة، كتاب قيّم فيه بيان ما يجب على الإنسان تعلمه واعتقاده، من مسائل التوحيد، وأصول الدين وبعض ما يتعلّق بها، مأخوذةٌ من كتب العقائد للأئمة الأربعة: الإمام أبو حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، وأتباعهم رحمهم الله تعالى، والذين اجتمعوا على عقيدة أهل السنة والجماعة ، ولم يختلفوا عليها.
ترجمات أخرى 12
المحاور
إعداد:
نخبة من طلبة العلم
تقديم فضيلة الشيخ
صلاح بن محمد البدير
إمام وخطيب المسجد النبوي، والقاضي بالمحكمة العامة بالمدينة المنورة
الحمد لله الذي حكم فأحكم، وحلَّل وحرَّم، وعرَّف وعلَّم، وفقًّه في دينه وفهَّم, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , مهد قواعد الدين بكتابه المحكم , الذي هو هدايةُ لجميع الأمم, وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله, المبعوث للعالمين ,من عرب وعجم بملَّة حنيفيةٍ وشِرْعة بالمكلفين بها حفيّة,فلم يزل يدعو بها وإليها، ويناضل ببراهينها عليها، ويحمي بقواطعها جانبيها، ﷺ وأصحابه السائرين على ذلك السبيل، وسائر المنتمين إلى ذلك القبيل، أما بعد:
فقد اطلعت على هذه الرسالة الموسومة بـ (عقيدة الأئمة الأربعة رحمهم الله) والذي قام بإعدادها مجموعة من طلبة العلم, ووجدتها موافقة للعقيدة الصحيحة؛ سالكة في تقرير مسائلها , منهج سلفنا الكرام ,المبني على الكتاب والسنة. ولأهمية موضوعها وما اشتملت عليه من مسائل, فإنّي أوصى بطباعتها, ونشرها, سائلاً المولى القدير أن ينفع بها كل من قرأها, وأن يجزي من أعدها خير الجزاء , وأوفاه, وصلى الله وسلم على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين
إمام المسجد النبوي وخطيبه
والقاضي بالمحكمة العامة بالمدينة المنورة
صلاح بن محمد البدير
الحمدُ للهِ رَبّ العَاَلمِينَ وَالصَّلاةُ والسَّلامُ عّلى نبينا مُحمَد سَيّدِ المُرْسَلينَ، وعَلى آَلِهِ وَأصْحَابهِ أجْمَعين، أمَّا بَعْدُ:
فهَذِهِ رِسَالةُ مختصرة , فِيمَا يَجِبُ عَلى الإنسَان تعلمه واعتقاده, من مسائل التوحيد , وأصول الدين وبعض ما يتعلّق بها, مأخوذةٌ من كتب العقائد للأئمة الأربعة: الإمام أبو حنيفة, والإمام مالك, والإمام الشافعي, والإمام أحمد بن حنبل، وأتباعهم رحمهم الله تعالى, والذين اجتمعوا على عقيدة أهل السنة والجماعة , ولم يختلفوا عليها,ككتاب الفقه الأكبر لأبي حنيفة رحمه الله المتوفى عام (150هـ), والعقيدة الطحاوية للطحاوي المتوفى عام (321هـ) وشرحها للعلامة أبي العز الحنفي المتوفى عام (792هـ) , ومقدمة الرسالة لابن أبي زيد القيرواني المالكي المتوفى عام (386هـ), وأصول السنة لابن أبي زمنين المالكي المتوفى عام (399هـ), والتمهيد شرح الموطأ لابن عبد البر المالكي المتوفى عام (463هـ) والرسالة في اعتقاد أهل الحديث للصابوني الشافعي المتوفى عام (449هـ) , وشرح السنة للمزني تلميذ الشافعي المتوفى عام (264هـ), وأصول السنة للإمام أحمد بن حنبل المتوفى عام (241هـ), وكتاب السنُّة لابنه عبد الله المتوفى عام (290هـ), وكتاب السُّنة للخلال الحنبلي المتوفى عام (311هـ), وكتاب البدع والنهي عنها لابن وضاح الأندلسي المتوفى عام (287هـ), وكتاب الحوادث والبدع لأبي بكر الطرطوشي المالكي المتوفى عام (520هـ), وكتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة المقدسي الشافعي المتوفى عام (665هـ)، وغيرها من كتب الأصول والاعتقاد التي ألفها الأئمة وأتباعهم, دعوةً للحق , وصيانةً للسنة والعقيدة, ورداً للبدع والأباطيل والخرافات.
ومادمت - أخي المسلم مُتَّبعاً لأحد أئمة هذه المذاهب, فهذه عقيدة إمامك, فكما تتبعه في الأحكام, فاتبعه في العقيدة.
وقد رُتبت هذه الرسالة على طريقة السُؤَال وَالجَواب تيسيراً لإيصال المعلومة وتثبيتها.
والله نسألُ أن يوفق الجميع لقبول الحق والإخلاص فيه، والمتابعة لرسوله ﷺ
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
ج/ فَقُلْ: ربَي اللهُ، المَالك، الخَالقُ، المدبر، المصور، المربي، المصلح لعباده، القائم بشؤونهم, لا يوجد شيء إلا بأمره، ولا يتحرك ساكن إلا بإذنه وإرادته.
ج/ فَقُلْ: عرفته بما فطرني عليه من العِلْم به والإقرار الفطري بوجوده وتعظيمه والخوف منه، كما عرفته بالنظر والتَأمُّل في آياتِه ومَخْلوقاِتهِ؛ كما قال الله تعالى: } وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ{ سورة فصلت, فهذه المخلوقات العظيمة بهذا الانتظام والدقة والجمال لا تكون مُوجدةً لنفسها ولابدّ لها من خالق ٍ موجدٍ لها من العدم, وهي برهانٌ قاطع على وجود خالق قادر عظيم حكيم, وكلُّ الخلق - إلاشذاذاً من الملاحدة - مٌقرّون بخالقهم ومالكهم ورازقهم ومدبّر أمورهم, وَمِن مَخْلوقاتِهِ: السَّمَوَات السبع والأرضون السبع وَمَا فيِهنّ من المخلوقات التي لا يعلم عددها وحقيقتها وأحوالها, ولا يقوم بكفايتها ورزقها إلا الله الحيّ القيوم الخالق العظيم, قال تعالى: } إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{ الأعراف: (54) .
ج/ فَقُلْ: دِيني الإسلام، وهو الاِسْتِسْلاَمُ لِلَّهِ بِالْتَّوْحِيدِ، وَالاِنْقِيَادُ لَهُ بِالْطَّاعَةِ، وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الْشِّرْكِ وَأَهْلِهِ؛ كما قال تعالى }إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ{ آل عمران: 19 وقال تعالى } وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ آل عمران: 85، فلا يقبل الله ديناً غير دينه الذي بعث بهِ نبينا محمداً ﷺ لأنه ناسخ لجميع الشرائع السابقة, ومن اتبع ديناً غير الإسلام فهو ضالُّ عن الهدى, وفي الآخرة من الخاسرين الداخلين جهنّم وبئس المصير.
ج/ فَقُلْ : أركانُ الإيمان ستة وهي: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بأن القدر كله خيره وشره من الله تعالى.
ولا يتمُ إيمان أحد إلا إذا آمن بها جميعاً على الوجه الذي دلَّ عليه كتاب الله وسُنة رسوله ﷺ, ومن جحد شيئاً منها فقد خرج عن دائرة الإيمان, والدليل على ذلك قوله عز وجل " } لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ { البقرة: الآية 177 وقوله ﷺ عندما سئل عن الإيمان قال: (أن تؤمن بالله، وملائكتة، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره) رواه مسلم.
ج/ فَقُلْ: الإيمانُ باللهِ هو التصديق والإيقان والإقرار بوجوده سبحانه، وبواحدانيته في ربوبيتهِ، وَألوهيتهِ، وأسمائهِ وصِفاتهِ.
ج/ فقل: هو التصديق والجزم بوجودهمْ، وصفاتهم، وقدراتهم، وعَملهمْ وما يؤمرون به، وبأنّهم خلقٌ كريمٌ عظيمٌ خلقهم الله من نور, قال تعالى: } لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ { (سورة التحريم:6)، ولهم أجنحة مثنى وثلاث ورباع وأكثر من ذلك, وعددهم عظيم, ولا يعلم عددهم إلا الله سبحانه وتعالى. وكَّلفهم الله بمهام عظيمة فمنهم حملة العرش, والموكلون بالأرحام, وحفظ الأعمال, وحفظ العباد, وخزنة الجنّة, وخزنة النار, وغيرها من المهام, وأفضلهم جبريل عليه السلام, وهو المكلف بالوحي المنزّل على الأنبياء. فنؤمن بهم جملة وتفصيلاً كما أخبر ربنا تبارك وتعالى في كتابه وسنة رسوله ﷺ، ومن أنكر الملائكة أو زعم أن حقيقتهم على غير ما أخبر الله سبحانه وتعالى فهو كافرٌ, لتكذيبه خبر الله تعالى، وخبر رسوله ﷺ.
ج/ فقل: هو أن توقن وتشهد أنّ الله تعالى قد أنزل على أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام كُتُباً قد ذكر منها تعالى في كتابه: صحف إبراهيم, والتوراة, والإنجيل, والزَّبور, والقرآن, فأنزل صحف إبراهيم على إبراهيم, والتوراة على موسى, والإنجيل على عيسى, والزّبور على داود, والقرآن على محمد خاتم أنبيائه عليهم الصلاة والسلام.
وأفضلها هو القرآن الذي هو كلام الله تعالى؛ تكلم به حقيقة لفظه ومعناه من الله, وأسمعه جبريل عليه السلام وأمره بتبليغه نبيه محمداً عليه الصلاة والسلام , قال تعالى: } نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ{ (الشعراء:193) وقال تعالى: } إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا { (الإنسان: 23)، وقوله تعالى: } فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ{ التوبة (6).
وقد حفظه الله تعالى من التحريف والزيادة والنقصان, وهو محفوظ في السطور وفي الصدور إلى أن يقبض الله أرواح المؤمنين قبل قيام الساعة في آخر الزمان, فيرفعه إليه تعالى فلا يبقى منه شيء.
ج/ فقل: أعتقد جازماً أنهم بشرٌ, وأنّهم صفوة بني آدم, وأن الله سبحانه وتعالى اصطفاهم واختارهم لتبليغ شرعه الذي أنزله على عباده, فيدعونهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له, والبراءة من الشرك وأهله.
والنبوةٌ اجتباءٌ واصطفاء من الله, لا تُنال باجتهادٍ ولا بكثرةِ طاعة ولا بصلاح أو ذكاء، قال تعالى } اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ { (سورة الأنعام: 124).
وأوّلٌ الأنبياء هو آدم عليه السلام, وأول الرسل هو نوح عليه السلام، وخاتمهم هو أفضلهم محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, ومن أنكر نبياً فقد كفر, ومن ادعى النبوة بعد محمد ﷺ فهو كافر مكذب لله حيث قال: } ما كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ {، وقال ﷺ :(ولا نبي بعدي).
ج/ فقل: بالتصديق الجازم واليقين الذي لاشك فيه والإقرار بوقوع جميع ما أخبر الله عن وقوعه بعد الموت من السؤال في القبر, والنعيم فيه والعذاب, والبعث والنشور، وحشر الخلائق للحساب والقضاء, وما يكون في عرصات القيامة , من الوقوف الطويل, ودنو الشمس قدر ميل , والحوض, والميزان, والصحف, ونصب الصراط على متن جهنم, وغير ذلك من حوادث وأهوال ذلك اليوم العظيم, حتى يدخل أهل الجنة الجنة, وأهل النّار النّار, كما جاء مفصلاً في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ. ويدخل في الإيمان باليوم الآخر التصديق بما هو ثابت من أشراط الساعة وعلاماتها من كثرة الفتن، والقتل، والزلازل، والخسوف، وخروج الدجال، ونزول عيسى عليه السلام، وخروج يأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، وغير ذلك من الأشراط.
وكلَّ ذلك ثابت في كتاب الله وأخبار رسوله ﷺ الصحيحة المدوّنة في كتب الصّحاح والسنن والمسانيد .
ج/ فَقُلْ: نعم، قال الله تعالى عن قوم فرعون: } النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ{ (سورة غافر:46)، وقوله تعالى: } وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ{ (الأنفال:50)، وقوله سبحانه وتعالى: } يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ{ إبراهيم (27), وفي الحديث القدسي الطويل عن البراء رضي الله عنه (..... فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي, فأفْرِشُوه من الجنة وألْبسُوه من الجنة, وافتحوا له باباً إلى الجنة فيأتيه من رَوحها وطيبها, ويُفسح له في قبره مدّ بصره, وإنّ الكافر فذكر موته قال: فتعاد روحه في جسده, ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري, فيقولان:ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري, فينادي مناد من السماء: أن قد كذب فافْرِشُوه من النار وألْبسُوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار, فيأتيه من حرها وسمومها, ويُضيّق عليه قبرُه حتى تختلف فيه أضلاعه)، زاد في رواية : (ثم يُقيَّض له أعمى أبكم معه مرزبّة من حديد لو ضُرب بها جبلُ لصار تراباً, فيضربه بها ضربة يسمعها من بين المشرق والمغرب إلا الثقلين) رواه أبو داود . لهذا أمرنا بالاستعاذة من عذاب القبر في كل صلاة .
ج/ فَقُلْ: نعم يرون ربهم في الآخرة , ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى } وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ{ (القيامة:22-23)، وقوله ﷺ: (إنكم ترون ربكم) أخرجه البخاري ومسلم, وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله ﷺ في إثبات رؤية المؤمنين لربهم تبارك وتعالى, وأجمع على ذلك صحابةُ رسول الله ﷺ والتابعون لهم بإحسان, فمن كذّب بالرؤية فقد حادّ الله ورسوله ﷺ, وخالف سبيل المؤمنين من صحابة رسول الله ﷺ ومن تبعهم بإحسان .أما في الدنيا فلا يمكن الرؤية لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) ولما طلب نبي الله موسى عليه السلام رؤية الله في الدنيا كما في قوله سبحانه وتعالى }وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي..{ (الأعراف 143).
ج/ فقل: باليقين الجازم بأنّ كلَّ شيء يكون بقضاء الله وقدره, فلا يكون شيءٌ إلا بمشيئته, وهو خالق أفعال العباد خيرها وشرها, وفطر العباد على الخير وقبول الحق, وأعطاهم العقول الـمُمَيِّزة, وجعل لهم الإرادة التي يختارون بها, وبيّن لهم الحق وحذرهم من الباطل, فهدى من شاء بفضله، وأضل من شاء بعدله, وهو الحكيم العليم الرحيم, لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون.
ومراتب القدر أربعٌ وهي:
المرتبة الأولى: الإيمان بعلم الله أنه محيط بكل شيء, فهو عالم بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف سيكون.
المرتبة الثانية: الإيمان بأن الله كتب كلَّ شيء .
المرتبة الثالثة: الإيمان بأنه لا يكون شيء إلا بمشيئته.
المرتبة الرابعة: الإيمان بأن الله خالق كلَّ شي , فهو خالق الذوات والأفعال والأقوال والحركات والسكنات والصفات لكل شي في العوالم العلوية والأرضية , وأدلةٌ ما سبق متوافرةٌ في الكتاب والسنة.
ج/ فَقُلْ: لا يطلق القول بأن الإنسان مسير أو أنه مخير فكلاهما خطأ، فنصوص الكتاب والسنة قد دلت على أنّ للإنسان إرادةً ومشيئةً، وأنّه فاعلٌ حقيقة, لكن كلُّ ذلك لا يخرج عن علم الله وإرادته ومشيئته, ويبيَّن ذلك قوله تعالى: } لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين{ (التكوير:28-29). وقوله تعالى } فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56) { المدثر 55-56.
ج/ فَقُلْ: لا يصح الإيمان بدون عمل بل لابدّ من العمل, لأنّ العمل ركن في الإيمان ,كما أن القول ركنه الآخر, وهذا ما أجمع عليه الأئمة أنّ الإيمان قولٌ وعمل، والدليل قوله تعالى: } وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا{ (طه:75) فاشترط الله الإيمان والعمل جميعاً لدخوله الجنة.
ج/ فقل: خمسة هي: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وصوم رمضان، وإيتاء الزكاة، وحج بيت الله الحرام.
قال رسول الله ﷺ: (بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ)متفق عليه.
ج/ فقل: شَهادة أنْ لاَ إلهَ إلاَ اللهُ: أيْ لا مَعْبودَ حقٌ إلاَّ اللهُ كَمَا فيِ قوله تعالى: }وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ { (الزخرف: 28)، وقوله تعالى: } ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ { (سورة لقمان 29).
وَمَعنى شَهَادَةِ أنَّ مُحَمداً رسُولُ اللهِ أن نوقن ونقرٌ أنَّهُ عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ, وَأنَّهُ عَبدٌ لاَ يُعبَدُ، وَنَبيٌ لاَ يُكذَّبُ، يُطاعُ فِيمَا أمَرَ، وَيُصدَّقُ فِيمَا أخبَرَ، وَيُجتَنبُ مَا نَهَى عنهُ وَزَجزَ، وَألاَ يُعَبدَ اللهُ إلا بمَا شَرَعَ.
وحقه ﷺ على أمته هو التوقير والإجلال والمحبة الإتباع المطلق في كلّ وقت وحين حسب الاستطاعة, قال الله سبحانه وتعالى: } قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ{ آل عمران (31) .
ج/ فَقُلْ: كلمة التوحيد ليست مجرد كلمة تقال دون اعتقاد وقيام بمقتضياتها واجتناب لنواقضها, بل لها سبعة شروط استخرجها العلماء باستقراء الأدلة الشرعية, فدوّنوها مستدلين لها بالأدلّة من الكتاب والسنة وهي:
1- العلم بمعناها نفياً وإثباتاً، العلم بأن الله وحده لا شريك له هو المستحق للعبادة وما دلّت عليه من نفي الألهية عما سوى الله ومعرفة مقتضياتها ولوازمها ونواقضها المنافية للجهل، قال تعالى: } فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ{ (محمد:19)، وقوله سبحانه: } إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ{ (الزخرف:86)، وقال ﷺ: (من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة) رواه مسلم.
2- اليقين وهو الاعتقاد الجازم بها المنافي للشك والريب أي الراسخ في القلب الثابت فيه , قال تعالى: } إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ{ (الحجرات: 25)، وقال ﷺ: (من قال أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة) رواه مسلم.
3- الإخلاص المنافي للشرك، وذلك بتنقية العبادة وتخليصها من أي شائبة شرك أو رياء قال تعالى:}أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ{ (الزمر:3)، وقوله تعالى: }وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ{ (البينة:5)، وقال ﷺ: (أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أو نفسه) رواه البخاري.
4- المحبة لهذه الكلمة ولما دلت عليه، والسرور بذلك، ومحبة أهلها وموالاتهم , وبغض ما يناقضها والبراءة من الكافرين، قال تعالى: } ومن النَّاس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبُّونهم كحبِّ اللهِ والَّذين آمنوا أشدُّ حُباً للهِ { (البقرة: 165 (، وقال ﷺ: (ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ، وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ ؛ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) رواه مسلم.
5-الصدق المنافي للكذب؛ بموافقة القلب والجوارح للسان الذي نطق بكلمة التوحيد، فتصدق الجوارح القلب بما قاله فتقوم بالطاعة الظاهرة والباطنة قال تعالى: } فلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذين صَدَقُوا ولَيَعْلَمَنّ الكاذبين { (العنكبوت: 3)، وقال تعالى: } والَّذي جاء بالصِّدق وصدَّق به أولئك هُمُ الْمتَّقون { (الزمر: 33)، وقالﷺ: (من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمّداً رسول الله صادقاً من قلبه دخل الجنة (رواه أحمد.
6- الانقياد بالخضوع لله إفراداً له بالعبادة والاتيان لحِقوقها فعلاً للأوامر واجتناب النواهي بإخلاص ورغبة ورجاء ورهبة لله تعالى , قال تعالى: }وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له{ (الزمر:54)، وقال تعالى:} ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسنٌ فقد استمسك بالعُروة الوُثقى { (لقمان: 22).
7- القبول المنافي للرد وذلك بقبول القلب للكلمة ولما دلت عليه واقتضته, لكن لا يقبلها ممن دعاه إليها؛ تعصباً أو تكبراً، قال تعالى:} إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ { (الصافات:35(. فهذا لا يكون مسلماً.
ج/ فَقُلْ: هو مُحَمَدٌ بْنُ عَبْدِ اللهِ بن عَبْدِ المطَّلب بن هَاشمِ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ. اصْطفاهُ اللهُ تَعَالى مِن قُرَيْشِ وَهُمْ صَفْوة وَلدِ إسْمَاعِيلَ بن إبراهيم عليهما السلام، بَعثه إلىَ الإنْسِ والجنِ, وَأنزَلَ عَليْهِ الكتَابَ وَالحِكمَة , وجعله خير الرسل وأفضلهم عليه الصلاة والسلام .
ج/ فَقُلْ: أول مَا فرَضَ اللهُ عَلى عِبَادِهِ الإيمَانَ به سبحانه والكُفْرَ بالطَّاُغوتِ، كما في قوله تعالى } وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ{ (النحل: 36) والطَّاغُوتُ: ما يُجَاوِزُ بهِ العَبْدُ حدَّهُ من مَعْبودٍ، أوْ مَتْبُوع أوْ مُطاع.
ج/ فقل: قد بيّن الله ذلك أوضح البيان, وأنه تعالى خَلق الخلق الإنس والجنّ لِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لا شَريِكَ لهُ، وَذلك بطَاعَتِهِ بامتِثَال مَا أمَر بهِ وتَركِ ماَ نَهى عنه؛ قال تعالى: } وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{ الذاريات: 56، وقال تعالى: } وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا{ النساء: 36.
ج/ فَقُلْ: هي كُلُّ مَا يُحِبُّهُ اللهُ ويرْضَاهُ مِنَ الأقوَال وَالأعْمَال البَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ, والتي أمرنا الله سبحانه باعتقادها أو قولها أو فعلها، كخوفه ورجائه ومحبته سبحانه، والاستعانة والاستغاثة به، والصلاة، والصيام.
ج / فقل: إنَّ الدعَاءَ مِنْ أعظَمِ أنوَاع العِبَاداتِ، كَمَا قال تعالى } وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ{ غافر: 60، وفي الحديث: قال ﷺ: (الدعاء هو العبادة) رواه الترمذي. ولأهميته وعظمته من الدين ورد فيه أكثر من ثلاثمائة آية في القرآن الكريم. والدعاء نوعان : دعاء عبادة , ودعاء مسألة , وكل واحد منهما مستلزم للأخر .
- دعاء العبادة : هو التوسل إلى الله تعالى لحصول مطلوب , أو دفع مكروب , أو كشف ضر بإخلاص العبادة له وحده . قال الله تعالى } وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ {(الأنبياء 87-88).
- دعاء المسألة : هو طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع , أو كشف ضر , قال تعالى } رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { (آل عمران 16)
والدعاء بنوعية هو لبٌ العبادة وخلاصتها, وهو أيسرها طلباً، وأسهلها فعلاً، وأعظمها منزلة وأثراً , وهو من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب بإذن الله تعالى .
ج/ فَقُلْ: لا يقبل العمل عند الله حتى يتوفّر فيه شرطان:
الشرط الأول: أن يكون العمل خالصاً لله، ودليله قوله تعالى: } وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ{ (سورة البينة:5)، وقوله تعالى: } فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا{ (سورة الكهف110).
الشرط الثاني: أن يكون موافقاً للشريعة التي جاء بها رسول الله ﷺ , ودليله قوله تعالى: } قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ{ (آل عمران:31)، وقوله ﷺ: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم . وإذا كان العمل ليس موافقاً لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقبل وإن كان صاحبه مخلصاً .
ج/ فَقُلْ: لا , ولابد من اجتماع صلاح النية وهو إخلاص العمل لله مع العمل وفق شريعة رسول الله ﷺ، والدليل قوله تعالى: } فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا{ (سورة الكهف:110) فاشترط الله في الآية لقبول العمل صلاح النية، وأن يكون العمل صالحاً موافقاً لشريعة رسول الله ﷺ.
ج/ فَقُلْ: ثلاثة أنواع:
1- توحيد الربوبية: وهو الاعتقاد الجازم بأن الله هو الخالق الرازق المدبر للخلق أجمعين لا شريك له ولا معين, وهو توحيد الله بأفعاله، قال الله تعالى: }هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ{ (فاطر:3)، وقال الله تعالى: } إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ{ (الذاريات:85)، وقال الله تعالى: } يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ { (السجدة:5). وقال تعالى } أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{ (الأعراف:54).
2- تَوحيدُ الأسَماءِ والصِفاتِ: وهوَ الاعتقادُ بأن للهِ الأسماءَ الحسنى والصفاتِ الكَاملةِ الثَابتةِ فيِ الكِتابِ والسنةِ مَن غَيرِ تكييف ولا تَمثيلٍ ولا تحريف ولاَ تعطيلٍ وأنه ليسَ كَمثِلهِ شَيء، قال الله تعالى } لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{ (الشورى:11)، وقال تعالى: } وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا{.
3- توحيد الألوهية: وهو إفراد الله بالعبادة وحده لا شريك له، وهو توحيد الله بأفعال العباد التعبّدية، قال الله تعالى: } وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ{ (البينة:5)، وقال تعالى: } وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ{ (الأنبياء: 25). وهذا التقسيم للتوضيح العلمي , وإلاٌ فهي متلازمة في اعتقاد الموحد المتبع للكتاب والسنة.
ج/ فقل : هو الشِرْكُ, قال الله تعالى: } لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ { المائدة: 72 وقال تعالى: } إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ{ النساء: 48، فكونه سبحانه وتعالى لا يغفره دليل على أنه أعظم الذنوب, ويوضح ذلك قول الرسول ﷺ لما سئل: أي الذنب أعظم ؟ فقال ﷺ :(أن تجعل لله نداً وهو خلقك ...) متفق عليه والند: هو المساوي والمماثل.
والشرك: أن يَجْعَلَ أحدٌ لله نِداً -أي مساوياً, ونظيراً- مِن مَلكٍ أو رَسُولِ أو وَلِيِّ ونحو ذلك، فيعتقد فيه شيئاً من صفات الربوبية أو خصائصها من خلق أو مُلْكٍ أو تدبير, أو يتقرّب إليه فيَدْعُوهُ، أوْ يَرْجُوهُ، أوُ يَخافُهُ، أوُ يَتَوكّلُ عَليهِ، أوْ يَرْغَبُ إليهِ مِن دُونِ اللهِ أو مع الله، فيصرف له شيئاً من أنواع العبادات المالية أو البدنية الظاهرة أو الباطنة.
ج/ فَقُلْ قسمان :
1- الشرك الأكبر: وهو صرف نوع من أنواع العبادة لغير الله كالتوكّل على غيره, أو طلب المدد من الأموات, أو الذبح لغير الله، أو النّذر لغير الله، أو السجود لغير الله , أو الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى,كالاستغاثة بالغائبين أو بالأموات, ولا يفعل هذه الجهالات إلا من اعتقد قدرتهم على الاستجابة وفِعلِ مالا يقدر عليه إلا الله. فيكون بذلك معتقداً في ذلك المخلوق شيئاً من خصائص الربوبية, فيخضع له ويذلُّ له ذُلَّ العبودية فيعتمد عليه, ويبتهل إليه ويستغيث به ويناديه سائلاً إياه ما لا يستطيعه أيّ مخلوق. وعجيبٌ أن يُستغاث بعاجزٍ لا يملك لنفسه ضرّاً ولا نفعاً، ولا يملك موتاً ولا حياةً ولا نشوراً, ومن هو عاجزٌ عن دفع الضّر عن نفسه كيف يملكه لغيره, وما هذا الصنيع إلاّ كاستغاثة الغريق بالغريق, فياسبحان الله كيف تنطمس بصائر بعضهم وتذهب عقولهم، فيفعلون هذا الشرك المضّاد للشريعة، المناقض للعقول، المخالف للمحسوس.
2- الشرك الأصغر: كيسير الرياء كما في قوله ﷺ :(أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فسئل عنه فقال: الرياء) رواه مسلم، وكالحلف بغير الله قال ﷺ :(من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) رواه الترمذي.
ج/ فَقُلْ: نوعان:
1- كفر أكبر: مخرج من الملةّ وهو ما كان مناقضاً لأصل الدين كمن سب الله أو دينه أو نبّيه أو سخر أو استهزأ بشيءِ من الشريعة والدين, أو ردّ على الله خبره أو أمره أو نهيه, فكذب بما أخبر الله به ورسوله, أو أنكر شيئاً فرضه الله على عباده, أو استباح ما حرّم الله ورسوله ﷺ, قال الله تعالى: } قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ{ (التوبة: 65-66).
2- كفر أصغر: وهو ما سماه الدليل الشرعي كفراً, وليس بالأكبر ويسمى كفر النعمة أو الكفر الأصغر كقتال المسلم، والتبرؤ من النسب، والنياحة, ونحو ذلك من خصال الجاهلية , قال ﷺ (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) رواه البخاري, وقال ﷺ :(اثنتان في الناس هما بهم كفرٌ: الطعن بالأنساب, والنياحة على الميت) رواه مسلم, فهذا الأعمال لا تخرج من الملة ولكنها من الكبائر والعياذ بالله .
ج: فَقُلْ: نوعان: نفاق أكبر, ونفاق أصغر.
والنفاق الأكبر: هو إظهار الإيمان وإبطان الكفر, وهذا من أعظم آثاره بغض دين الإسلام وكراهية انتصاره وبغض أهله المسلمين, والسعي لمحاربتهم وإفساد دينهم .
والنفاق الأصغر: هو التشبه بأعمال المنافقين من دون إبطان الكفر، كمن إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان؛ قال ﷺ :(آية المنافق ثلاث إذا حدّث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا وعد أخلف) رواه البخاري.
فقل: الناقض هو المبطل والمفسد، متى طرأ على الشيء أبطله، وأفسده، كنواقض الوضوء التي من فعلها بطل وضوءه ولزمه إعادته، ومثله نواقض الإسلام إذا فعلها العبد فسد وبطل إسلامه، وخرج فاعلها من دائرة الإسلام إلى الكفر، وقد ذكر العلماء في أبواب الردة وحكم المرتد أنواعاً كثيرة مما قد يرتد به المسلم عن دينه ويحل دمه وماله، وأخطرها وأعظمها وأكثرها وقوعاً، وما اتفق العلماء عليه ؛ عشرةُ نواقض هي:
الأول: الشرك في عبادة الله تعالى، قال الله تعالى:} إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ{ (النساء:116) وقال تعالى: } إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ{ (المائدة:72)، ومن ذلك دعاء غير الله، والاستغاثة والاستعاذة بهم، والنّذر والذبح لهم كمن يذبح للجن أو للقبر, أو للولي حيّاً أو ميتاً لجلب خير أو دفع ضرٍ كما يصنعه جهلةٌ مخدوعون بأكاذيب وشبهات دجاجلة ضالّين.
الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم، ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم في حصول مطالبه ورغباته الدنيوية والأخروية، فقد كفر إجماعاً، قال الله تعالى: } قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا{ (الجن:20).
الثالث: من لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحّح مذهبهم كفر,قال تعالى } وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ{)التوبة :30) لأنّ الرضا بالكفر كفرٌ, ولا يصح الدين إلا بالكفر بالطاغوت باعتقاد بطلان غير دين الإسلام وبغضه والبراءة منه ومن أهله, ومجاهدتهم قدر المستطاع .
الرابع: من اعتقد أنَّ غير هدى النبي ﷺ أكمل من هديه، أو أنَّ حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يُفضّل حكم الطواغيت وقوانين البشر وأحكامهم على حكم الله ورسوله,قال تعالى } فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{ (النساء : 65) ومن يُقدّم طرائق مشايخ الضلال ومحدثاتهم وبدعهم على السنُّة الصحيحة وهو يعلم أنها سُنّة نبوية, فمن صنع هذا فهو كافر بالإجماع.
الخامس: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول ﷺ ولو عمل به فقد كفر، قال تعالى: } ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ{ (محمد:9) .
السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول ﷺ كمن يسخر ببعض أحكامه وشرائعه وسُننه أو أخباره, أو يستهزئ بما أعده الله من الثواب للمطيعين، أو العقاب للعاصين مما أخبر الله عنه ورسوله ﷺ ؛فقد كفر، والدليل قوله تعالى: } قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُم{ (التوبة:65-66).
السابع: السّحر ولا يكون إلا باستخدام الجن والشياطين والإشراك بهم وفعل الكُفريات لنيل رضاهم، ومنه الصرف والعطف المؤثر في مشاعر الناس وعواطفهم، فمن فعله أو رضيَ به فقد كفر، والدليل قوله تعالى: } وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ{ (البقرة:102).
الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم ونٌصرتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى:} وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{ (المائدة:51).
التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعهم الخروج عن شريعة محمد ﷺ كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر، لقوله تعالى: } وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ (آل عمران:85) .
العاشر: الإعراض عن دين الله، لا يتعلمه ولا يعمل به، والدليل قوله تعالى: } وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ{ (السجدة:22 , والمراد بالإعراض عن دين الله هو : عدم تعلم ما يلزمه مما لا يصح دينه إلا بمعرفته من أصول دينه .
بعد ذكر هذه النواقض يحسٌن بنا ذكر تنبيهين مهمّين هما :
1) أن ذكر هذه النواقض للحذر منها, وتحذير الناس عنها, فإن الشياطين وأعوانهم المخرّفين المضليّن يتربصون بالمسلمين, فيستغلون غفلة بعضهم وجهْلهِم ليخرجوهم من دائرة الحق إلى الباطل, وليصرفوهم عن طريق الجنة إلى النار.
2) أن تنزيل هذه النواقض على الواقع من مهمة العلماء الراسخين في العلم, فهم الذين يَعلَمون الأدلة والأحكام والضوابط لتنزيل الأحكام على الناس , وليس كلٌّ أحد يجوز له ذلك .
ج/ فقيل: لا يحُكم لأحد بجنة أو نار إلا من ورد النص فيهم، لكن يرجى للمحسن الثواب ويخُاف على المسيء العقاب, ونقول كل من مات على الإيمان فمآله إلى الجنة , وكل من مات على الشرك والكفر فهو من أهل النار وبئس القرار .
ج/ فقيل: لا يحكم على المسلم بالكفر بسبب مقارفته الذنوب والمعاصي ولو كانت كبائر , مادامت ليست من المكفرات التي دلت عليها النصوص الشرعية في الكتاب والسنة وقال بها الصحابة والأئمة, ويبقى على إيمانه ويكون من عصاة أهل التوحيد ما لم يقع في الكفر الأكبر أو الشرك الأكبر أو النفاق الأكبر.
ج/ أمر اللسان عظيم , فبكلمة يدخل المرء في الإسلام وقد يخرج منه بكلمة , والعياذ بالله. وفلتات اللسان وزلاّته تتفاوت, فمنها الكلمة الكفرية التي تبطل الإيمان وتحبط الإعمال, كسَبِّ الله , أو سب رسوله ﷺ, أو كلمات وصف المعظّمين والأولياء بأوصاف الربوبية, والاستغاثة بهم ونسبة الخير وما يحصل للإنسان إليهم, ومنها ألفاظ مدحهم المبالغ فيه وجعلهم فوق البشرية, والحلف بهم , أو الاستهزاء بالشريعة والسخرية بأحكامها, ومنها كلمات التسخط من أحكام الله الشرعية, أو التسخط والاعتراض على أحكام القدر المؤلمة من المكاره الحاصلة في الدنيا من مصائب في البدن والمال والولد، وغيرها.
ومن الكبائر التي تضر الإيمان وتنقصه الغيبة والنميمة, فلنحذر غاية الحذر ولنحفظ ألسنتنا عن كل لفظ مخالف ٍ لشرع الله وسنة نبيّه ﷺ, قال ﷺ: (إنّ العبد ليتكلمُ بالكلمةِ من رضوان الله لا يُلقي لها بالاً يرفعهُ الله بها درجاتٍ, وإنّ العبد ليتكلّمُ بالكلمةِ من سخط الله لا يُلقي لها بالاً يهوي بها في جهنَّم)رواه البخاري .
ج/ فَقُلْ: لا ينقطع عمل المؤمن إلا بالموت، والدليل قوله تعالى: }وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ{ (الحجرات: 99) واليقين هنا الموت, بدليل قوله ﷺ عن عثمان بن مظعون لما مات: (أما عثمان فقد جاءه والله اليقين) أخرجه البخاري. ولأن النبي ﷺ لم يترك العمل في حياته، وليس معنى اليقين هنا درجة من الإيمان يقف عندها المؤمن عن العمل أو يرتفع عنه العمل ,كما يزعمه بعض المنحرفين.
ج/ فَقُلْ : الذي يدبّر أمر السموات والأرض ومن فيهن وما بينهن هو اللهُ وحده لا شريك له, لا مالك غيره, ولا شريك له ولا معين ولا ظهير له سبحانه وبحمده, قال تعالى: } قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ { (سبأ:22).
ج/ فقل: من اعتقد هذا فقد أجمع العلماء على كفره , لأنه اعتقد بوجود مشارك لله في الربوبية.
ج/ فَقُلْ: لا يعلمُ الغيبَ إلا الله ولا يحيي الموتى إلا الله، والدليل قوله تعالى: } وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ{ (الأعراف:188) فإذا كان رسول الله ﷺ أفضل الخلق لا يعلم الغيب فمَنٌ دونه أولى وأحرى أن لا يعلم الغيب.
وأجمع الأئمة الأربعة على أن من أعتقد أن رسول الله ﷺ يعلم الغيب أو يحيي الموتى, فهو مرتدّ عن الإسلام, لأنه كذَّب الله الذي أمر رسوله ﷺ أن يقول للإنس والجن: } قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ{ (الأنعام:50)، وقال تعالى: }إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ{ (لقمان 34). فالنّبي ﷺ لا يعلم من الغيب إلا ما أوحى الله به إليه وعلّمه إياه, ولم يدَّعِ رسولُ الله ﷺ يوماً أنه أحيا أحداً من أصحابه أو أحداً من أولاده الذين ماتوا قبله، فكيف بمن هم دون النبي ﷺ .
ج/ فَقُلْ: كل من كان مؤمناً تقياً فهو لله وليُّ، والدليل قوله تعالى: } أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ{ (يونس:62-63) وليست خاصة بأحد من المؤمنين دون أحد, ولكن مراتبها تتفاوت , والتقوى تعني فعل ما أمر الله ورسوله ﷺ واجتناب ما نهى الله عنه ورسوله ﷺ, ولكل مؤمن من الولاية بقدر إيمانه وطاعته .
ج/ فَقُلْ: الآية لا تعني جواز دعائهم أو الاستغاثة أو الاستعاذة بهم, بل فيها بيان منزلتهم وأنهم لا خوف عليهم في الدنيا والآخرة، ولا هم يحزنون في الآخرة وفيها دعوة للتخلّق بالولاية بتوحيد الله وبطاعته ورسوله ﷺ لنيل البشرى بقوله تعالى: } لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {، ودعاءُ غير الله شركُ كما تقدم بيانه .
ج/ فقل: من كان ولياً من غير الأنبياء فإنه ليس بمعصوم من الوقوع في الصغائر أو الكبائر, فقد وقع من غير واحد من أكابر الأولياء والصالحين بعض الزلات والكبوات والهفوات, ولكنهم يسارعون إلى التوبة والإنابة, فيغفر الله لهم.
ج/ فَقُلْ: الصحيح أنّ الخضر نبيُ من أنبياء الله, مات قبل مولد النبي ﷺ لأن الله تعالى قال: } وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُون{ (الأنبياء:34) ولو كان حياً لتبع الرسول ﷺ وجاهد معه، لأن نبينا محمد ﷺ أرسل إلى الثقلين جميعاً، قال تعالى: }قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا{ (الأعراف:158)، والنبي ﷺ قال: (أرأيتكم ليلتكم هذه فإن رأس مئة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد) رواه البخاري , وهذا دليل على أن الخضر ميّت من الأموات, وعلى هذا فهو لا يسمع نداء من ناداه, ولا يهدي من ضلّ عن الطريق إذا استهداه. وما يُذكر من أخبار لُقْياه لبعض الناس وقصص رؤيته ومجالسته وأخذ بعضهم عنه, فهي أوهامُ أو أكاذيب صريحة لا تروج على من رزقه الله العلم والعقل والبصيرة .
ج/ فَقُلْ: الموتى لا يسمعون لقول الله تعالى }وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُور{ (فاطر:22)، وقوله } إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى{(النمل:50)، ولا يستجيبون لمن دعاهم , قال تعالى:} وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ{ (سورة فاطر: 13-14)، وقوله تعالى: } وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ{ (الأحقاف:5)
ج/ فَقُلْ: هي أصوات شياطين الجن, يوهمون الجهلة أنّ هذا هو صوت صاحب القبر حتى يفتنوهم ويلبسوا عليهم دينهم ويُضلُّوهم, وأصحاب القبور لا يسمعون ولا يستجيبون لمن يدعوهم أو يناديهم بنص القرآن الكريم , قال تعالى }إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى{ (النمل:80)، وقال تعالى: }إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ{ (فاطر:14)، وقال تعالى: } وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ{ (فاطر:22). فكيف يجيبونهم وهم في عالمهم البرزخي, لا علاقة لهم بأهل الدنيا , قال تعالى: } وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ{ (الأحقاف:5).
ج/ فَقُلْ: هم لا يستجيبون لمن ناداهم, ولا يقدرون على إجابة من دعاهم أو استغاث بهم , قال تعالى: } وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ{ (سورة فاطر:13-14) وياخيبة من خدعته الشياطين ودعاة الضلالة فزينوا له دعاء الأموات والمقبورين من الأنبياء والأولياء والصالحين, قال تعال: } وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ {.
ج/ فَقُلْ: إن معنى أحياء في هذه الآية أنهم يحيون حياة نعيم برزخية ليست كحياة الدنيا, لأن أرواح الشهداء تُنعّم في الجنّة, ولهذا قال سبحانه: }عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ{ . فهم في دار أخرى لهم حياةٌ وأحوالُ ليست كحياتهم وأحوالهم في الحياة الدنيا. فإنهم لا يسمعون من دعاهم ولا يستجيبون لهم كما سبق في الآيات, فلا تعارض بينها , ولهذا كانت الآية } يُرْزَقُونَ{ وليست (يَرْزقون) .
ج/ فَقُلْ شركُ أكبر لقوله تعالى: } فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ{ (الكوثر:2)، وقوله تعالى: } قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{ (الأنعام:162-163)، وقوله ﷺ (لعن الله من ذبح لغير الله) رواه مسلم.
والقاعدة تقول (ما كان صرفه لله عبادة فصرفه لغير الله شرك) .
ج/ فَقُلْ: من الشرك الأكبر لقوله ﷺ :(من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) رواه البخاري، فالنَّذر عبادةُ قوليه ماليةُ أو بدنية, بحسب ما ينذر الناذر , فهو إلزام النفس بمالم يجب عليها شرعاً رجاء حصول مطلوب أو دفع مرهوب أو شكر نعمة حلت أو نقمة رحلت, وهي من العبادات التي لا يجوز صرفها لغير الله. لأن الله أثنى على الموفين بالنذور , قال تعالى } يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا { (الإنسان :7) .
والقاعدة تقول : كل فعل أثنى الله جل وعلا على فاعله فهو داخل في العبادة وما كان عبادة فصرفه لغير الله شرك .
ج/ فَقُلْ: تتضح الإجابة بمعرفة أنواع الاستعاذة الثلاث وهي :
1- الاستعاذة التوحيدية العبادية : وهي الاستعاذة بالله من كل ما تخافه قال تعالى } قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ { سورة الفلق . قال تعالى } قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ { سورة الناس .
2- الاستعاذة المباحة : وهي الاستعاذة بالمخلوق الحي الحاضر القادر فيما يقدر عليه وما كان (بالمقدورات الشرعي) قال عليه الصلاة والسلام (فمن وجد ملجأ أو معاذاً فليفعل به) رواه مسلم
3- الاستعاذة الشركية : وهي الاستعاذة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله قال تعالى (وأنه كان رجال الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ) الجن:6)
ج/ فَقُلْ: أقول ما أرشدني إليه رسول الله ﷺ قال: (من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر من خلق، لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك) رواه مسلم.
ج/ فَقُلْ: هذا من الشرك الأكبر المحبط للإعمال المخرج من الملّة الموصل للهلاك السرمدي الأبدي لمن وقع فيه ولم يتب منه قبل الممات, لقوله تعالى: } أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ{ (النمل:62) يعني لا يجيبه إلا الله ولا يكشفه إلا الله، فوبخّ سبحانه من يستغيث بغيره بصيغة الاستفهام , ولأن الاستغاثة بالله عبادة واستعانة, قال تعالى: } إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ { (الأنفال:9) وقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبي ﷺ قال :(لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعيرُ له رُغاء فيقول : يا رسول الله أغثني, فأقول: قد أبلغتك, لا أملك لك من الله شيئاً, لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس لها حمحمة فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك) أخرجاه. ومن المعلوم أنه يجوز لنا أن نستغيث بالحيّ الحاضر الذي نشاهده, وليس بغائب، وذلك فيما يقدر عليه، والاستغاثة بالمخلوق الحيّ تعني طلب المساعدة منه فيما يستطيعه البشر، كما طلب صاحب موسى من موسى عليه السلام المساعدة على عدوهما، قال تعالى: }فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ{ (القصص:15) أما الاستغاثة بالغائبين من الإنس والجنّ وأصحاب القبور , فأجمع الأئمّة على بطلانها وحرمتها وأنها من الشرك .
ج: فَقُلْ: لا يجوز, حيث أجمع الأئمة على تحريم كلّ اسم معبّد لغير الله، ويجب تغيير الاسم المعبد لغير الله كعبد النبي, أو عبد الرسول, أو عبد الحسين، أو عبد الكعبة وغيرها من أسماء التعبيد لغير الله تعالى . وأحب الأسماء إلى الله (عبد الله , وعبد الرحمن) كما في الحديث عن رسول الله ﷺ: (إنّ أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) رواه مسلم. ويجب تغيير الأسماء المعبدة لغير الله وهذا متعلق بالأحياء المسمّين بأسماء معبدة لغير الله.
ج/ فَقُلْ: هذا من الشرك لقوله ﷺ: (من علق تميمة فقد أشرك) رواه أحمد في مسنده, وقوله ﷺ :(لا يبقينَّ في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت) رواه البخاري. وقوله ﷺ: (من عقد لحيته أو تقلّد وتراً أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإنّ محمداً برئٌ منه) رواه أحمد، وقوله ﷺ :(إنّ الرٌّقى والتمائم والتّولة شرك) رواه أبو دواد، وقولهﷺ: (من علق تميمة فلا أتم الله له) رواه ابن حبان في صحيحه. وخاب من تعلق بالأوهام والخرافات, ففي الحديث (من تعلق شيئاً وكل إليه) .
والتولة: سحرٌ يُعمل يعتقدون أنه يُحبب الرجل إلى زوجته أو يُفرّق بينهما, ويعملونه أيضاً لإلقاء البغضاء بين الأحبة والقرابة.
والتمائم: شيء يعلّق على الأولاد دفعاً للعين والحسد.
ومعنى التميمة قال المنذري : (خرزةّ كانوا يعلّقونها يرون أنّها تدفع عنهم الآفات)، وهذا جهل وضلالة، لأنها ليست سبباً لاشرعاً ولا قدراً, وهذا يشمل لبس الأساور وتعليق الِخرق والحُجُب في الإنسان، والدابة، والسيارة، والبيت.
ج/ فقل: هو طلب البركة والخير بواسطة أسباب يفعلها الإنسان رجاء حصول الخير له ونيل مراده وما يحب.
ج/ فقل: التبرُّك قسمان :
1ـــــ تبرُّك مشروع دل الكتاب والسنة على مشروعيته وانتفاع فاعله به, ولا يجوز اعتقاد البركة في شيء إلا بدليل من الكتاب والسنة فلا مدخل للعقول والاستحسان فيها, فلا نعلم أن هذا الشيء مبارك أو فيه بركة إلا بالخبر من الخالق الحكيم تبارك وتعالى, أو من رسوله ﷺ، والبركة والخير كله في متابعة الكتاب والسنّة, ومنها نعلم الذوات المباركة وكيف نتبرّك بها كالتبرّك بذات الرسول ﷺ وما ينفصل منه من ريق وشعر، وما يباشر بدنه من لباس, وهذا خاص به ﷺ , وما ثبت أنه متعلق به ومنه من شعر ولباس, وأهل الخرافة يكذبون ويزعمون أن لديهم شعراً من شعره، وثياباً من ثيابه, وهذا كله للتلاعب بعقول بعض المسلمين, وإفساد دينهم وسلب دنياهم.
والقسم الثاني: التبرُّك الممنوع؛ المحرّم؛ الموصل للشرك بالله كالتبرُّك بذوات الصالحين وما ينفصل منهم, والتبرُّك بقبورهم بالصلاة والدعاء عندها, والتبرُّك بترابها باعتقادها دواءً, ومثله التبرُّك أو الطواف أو تعليق الخرِق بكل بقعة ومكان وحجر وشجر يعتقد فضله, وقد عُلم أنه لا يوجد ما يشرع تقبيله ومسحه إلا الحجر الأسود في الكعبة وركنها, وماعدا ذلك فممنوع التمسح به وتقبيله والطواف به .وهو من الشرك الأكبر لمن اعتقد أنه يهب البركة بذاته , أو من الشرك الأصغر لمن زعم انه سبب للبركة .
ج/ فَقُلْ: هذا اعتقاد وعمل محدث مبتدع لأن أصحاب نبينا محمد ﷺ أعلم الأمة وأفضلها وأفهمها وأحرصها على الخير وأعرفها بفضل أهل الفضل, لم يتبركوا بآثار أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم, ولم يتتبعوا آثارهم وهم أفضل الأمة بعد الأنبياء، لأنهم يعلمون بأن ذلك خاص بالنبي ﷺ، وقد قطع عمر رضي الله عنه شجرة بيعة الرضوان خوفاً من الغلو بها , والسلف الصالحون هم أحرص الناس على الخير, ولو كان تَتَبّع آثارهم خيراً وفيه فضل لسبقونا إليه .
ج/ فَقُلْ: هذا من الشّرك , فقد روى الإمام أحمد والترمذي عن أبي وَاقِدٍ الليْثيَّ، قالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى حُنَيْنٍ، وَنَحْنُ حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ، وَلِلْمُشْرِكِينَ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا، وَيَنُوطُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ، يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ، قَالَ: فَمَرَرْنَا بِالسِّدْرَةِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (اللَّهُ أَكْبَرُ ! إِنَّهَا السُّنَنُ، قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: } اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ { (الأعراف:138) لتركبن سنن من كان قبلكم).
ج/ فقل: لا يجوز الحلف بغير الله تعالى, قال ﷺ :(من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) رواه البخاري . ونهى ﷺ عن الحلف بغير الله كما في قوله ﷺ : (لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغي) رواه مسلم, و الطواغي: جمع طاغوت. بل جعل ﷺ ذلك من الشرك ,كما في قوله ﷺ: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك), وقال ﷺ :(من حلف بالأمانة فليس منا) رواه الإمام أحمد وابن حبان والحاكم بإسناد صحيح .
فليحذر المسلم من الحلف بالنّبي، أو الولي، أو بالشرف، أو بالأمانة، أو بالكعبة، وغيرها من المخلوقات.
ج/ فَقُلْ: لا يجوز اعتقاد ذلك لأنّه لا تأثير لها البتة في ذلك, ولا يُصَدِّق أرباب الخزعبلات إلا ضعافُ العقول ومتّبعو الأوهام, واعتقاد ذلك من الشرك لقوله ﷺ في الحديث القدسي:(إن الله يقول: من قال مطرنا بفضل الله ورحمته, فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب, ومن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا, فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) رواه البخاري ومسلم, فكانت الجاهلية تعتقد أن للنجوم تأثيراً في مجيء المطر.
ج/ فَقُلْ: لا يجوز الاعتقاد أن للأبراج والكواكب والنجوم تأثيراً على ما يقع للإنسان في حياته, ولا يُستكشف بها عن المستقبل, لأن علم الغيب خاص بالله، قال تعالى: } قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ{ (سورة النمل: 65), ولأن الله وحده جالب الخير ودافع الشر, ومن اعتقد أن لها تأثيراً في كشف المغيبات وسعادة أو شقاء من ولد في وقت ذلك البرج أو زمن ظهور الكواكب، أو أن للنجوم أثراً في إسعاده أو شقاوته فقد جعلها شريكاً مع الله فيما هو من حقوقه وخصائص ربوبيته ومن صنع هذا فقد كفر, والعياذ بالله .
ج/ فَقُلْ : يجب على المسلمين جميعاً الحكم بما أنزل الله, لقوله تعالى } وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ{ (سورة المائدة49)، وقد عاب الله على من يتتبّع قوانين البشر بقوله تعالى: }أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ{ (المائدة:50).
ج/فقل: الشفاعة هي التوسُّط أو توسيط الغير لجلب نفع وخير، أو دفع شرَّ وضرّ .
ج: فَقُلْ: ثلاثة أنواع:
1- الشفاعة المثبتة التي لا تطلب إلا من الله، قال الله تعالى:} قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا{ (الزمر:44) , وهي الشفاعة للسلامة من عذاب النّار والفوز بنعيم الجنة، ولها شرطان:
أ- الإذن للشافع أن يشفع، كما قال الله تعالى: } مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ{ (البقرة: 255).
ب- الرضا عن المشفوع له، كما قال تعالى: } وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى{ (الأنبياء:28) وقد جمعها الله سبحانه وتعالى بقوله } وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى { (النجم:26) . فمن أراد أن تناله الشفاعة, فليسألها الله سبحانه, فهو مالكها والآذن بها, ولا يسأل غيره، لقوله ﷺ: (إذا سألت فاسأل الله) رواه الترمذي، فتقول: يا الله اجعلني ممن يشفع فيهم نبيك ﷺ يوم القيامة.
2ــ الشفاعة المنفية التي تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليها إلا الله وهي: الشفاعة الشركية.
3- الشفاعة الدنيوية بين الخلق، وهي الشفاعة بين المخلوقين الأحياء في الدنيا فيما يقدرون عليه، ويحتاجه بعضهم من بعض في حوائج الدنيا, وهذه مستحبة إذا كانت في الخير، ومحرمة إذا كانت في الشر، كما في قوله تعالى:} مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا{ (النساء: 85).
ج/ فَقُلْ: الشفاعة ملك لله تعالى,كما قال الله تعالى: } قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا{ (الزمر:44) فنسألها من الله مالكها والآذن بها؛ طاعة لرسوله ﷺ الذي قال: (إذا سألت فاسأل الله) رواه الترمذي, فنقول: اللهم اجعلنا ممن يشفع فيهم رسولك ﷺ يوم القيامة.
ج/ فقل: هذا من الشرك الأكبر, لأن الله تعالى ذم من جعل بينه وبين الله شفعاء قال الله تعالى عنهم } وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ { (يونس:18)،وصمهم الله بالشرك فقال سبحانه وتعالى } عَمَّا يُشْرِكُونَ { ثم حكم عليهم بالكفر فقال } إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ{ (الزمر:3) وقوله تعالى عنهم أنهم يقولون عن الشفعاء: } وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى { (الزمر:3)
ج/ فَقُلْ: إن طلب الاستغفار منه خاصٌّ بحياته ﷺ, وليس بعد مماته, ولم يثبت عن الصحابة رضي الله عنهم ولا أصحاب القرون المفضلة عنهم بخبر صحيح أنهم كانوا يطلبون من الرسول ﷺ أن يستغفر لهم بعد مماته، ولأن النبي ﷺ لما طلبت منه عائشة رضي الله عنها الدعاء وأن يستغفر لها بعد مماتها قال لها : (ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك) رواه البخاري, فالحديث يُفسَّر الآية, وإنَّ طلب الاستغفار من الرسولﷺ خاصٌّ في حياته وليس بعد مماته, ولم يقع طلب الاستغفار منه بعد وفاته إلاّ من بعض المتأخرين بعد انقضاء القرون الفاضلة, وانتشار المحدثات, وغلبة الجهل, فصنع بعضهُم ذلك مخالفاً نهج السلف الصالحين الراسخين, والأئمة المهديّين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان .
ج/ فقل: معناها التقرب إليه بطاعته واتباع رسوله ﷺ, فهذه هي الوسيلة التي أمر الله بها لتٌقرّبنا إليه تعالى، وذلك أن الوسيلة هي : الشيء الموصل للمطلوب ولا يوصل إلى المطلوب إلا ما شرعه الله ورسوله من التوحيد وفعل الطاعات وليست الوسيلة التوجه للأولياء والمقبورين فهذا من قَلْب المسمَّيات, وتسمية الأشياء بغير اسمها, وما هذه إلا خدعة من شياطين الإنس والجن لإضلال الناس عن طريق الهدى الموصل للجنّة.
ج/ فَقُلْ: أصل التوسل هو التقرب، وفي الشرع هو التقرب إلى الله تعالى بطاعته وعبادته، واتباع نبيه ﷺ، وبعمل كل ما يحبه الله ويرضاه.
ج/ فَقُلْ: التوسل نوعان: مشروع، وممنوع.
ج/ فقل:
(أ) التوسل إلى الله بأسمائه قال تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فأدعوه بها)، وصفاته؛ كما في قوله ﷺ :(يا حي يا قيوم برحمتك استغيث)، فهذا توسّلٌ إلى الله بصفة الرحمة.
(ب) التوسل إلى الله بصالح العمل الخالص لله الموافق لسنة رسوله ﷺ, كمن يقول: اللهم بإخلاصي لك، وإتباعي سنة نبيك ﷺ اشفني وارزقني، كالإيمان بالله سبحانه وبرسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى } رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ { (آل عمران : 193) وبعد هذا التوسل دعوا الله فقالوا } رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ { (آل عمران : 194) وكما توسل أصحاب الصخرة إلى الله بصالح عملهم أن يفرج عنهم ما هم فيه كما في حديث ابن عمر رضي الله عنه الذي في الصحيحين أن النبي ﷺ حدَّثَ الناس عن قصة النفر الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار، فسألوا الله بأعمالهم الصالحة أن يفرجها عنهم حتى انفرجت.
(ج) التوسل بدعاء العبد الصالح الحاضر القادر كمن يطلب من رجل صالح أن يدعو الله له كطلب الصحابة رضي الله عنهم من العباس أن يدعو الله أن يغيثهم, وطلب عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أويس القرني أن يدعو له, وكما في طلب أبناء يعقوب منه عليه السلام؛ قال تعالى: } قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ { (سورة يوسف 97).
ج/ فقل: هو التوسل الذي أبطله الشرع؛ كمن يتوسل بالأموات ويطلب منهم المدد والشفاعة، فهذا توسل شركي بإجماع الأئمة, ولو كان المتوسلٌ بهم من الأنبياء أو الأولياء، قال تعالى: } وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى{ (الزمر:3)، ثم أعقب وصفهم بالحكم عليهم, فقال تعالى: } إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ { (الزمر: 3) فحكم عليهم بالكفر والخروج من الدين, وكذلك من التوسل الممنوع ما سكت عنه الشرع, لأن التوسل عبادة والعبادة توقيفية كالتوسل بالجاه أو بالذوات أو بغيرها,كقول بعض الناس:اللهم اغفر لي بجاه الحبيب، أو اللهم إنا نسألك بنبيك أو بجاه الصالحين أو بتربة فلان .. الخ, فإن هذا لم يشرعه الله ولا رسوله, فيكون بدعة يجب تجنبها، ولم يُعرف فعل هذا النوع والذي سبقه عن السلف الصالحين من الصحابة والتابعين, وأئمة الهدى المهديّين رضي الله عنهم أجمعين .
ج/ فَقُلْ: نوعان:
1- زيارة مشروعة مأجور صاحبها لعلتين وهما :
(أ) تذكر الآخرة، لقوله ﷺ (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكر الآخرة) رواه مسلم.
(ب) السلام على الموتى والدعاء لهم، فنقول : (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين ... الخ) فينتفع الزائر والمزور .
2- زيارة غير مشروعة آثمٌ صاحبها، وهي التي يُقصد فيها الدعاء عند قبورهم, أو التوجه إلى الله بهم, وهذه بدعة تصل بصاحبها وتزلّ به إلى الشرك, أو الاستغاثة بالأموات والاستشفاع بهم وطلب المدد منهم, وهذا هو الشرك الأكبر لقول الله تعالى: } ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ{ (فاطر: 13ـــ14).
ج/ فَقُلْ: أقول ما أرشد إليه النبي ﷺ أصحابه إذا زاروا المقابر أن يقولوا: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غداً مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) رواه مسلم, ثم أدعو الله لهم بالرحمة والمغفرة ورفعة الدرجة, وغيرها من الدعوات الطيبة .
ج/ فَقُلْ: إن دعاء الله عند قبور الصالحين بدعة محدثة، وهي وسيلة إلى الشرك, وقد ورد عن علي بن الحسين رضي الله عنه أنّه رأى رجلاً يدعو الله عند قبر النبي ﷺ فنهاه، وقال إن رسول الله ﷺ قال: (لا تتخذوا قبري عيداً) أخرجه الضياء المقدسي في (المختارة:428).وأعظم القبور قبرٌ حوى أطهر وأشرف جسد وأفضل إنسان وأكرم الخلق على الله وهو قبره ﷺ, ولم يكن يعرف قط بإسناد صحيح عن أحدٍ من الصحابة رضي الله عنهم أنه كان يأتي لقبره ﷺ فيدعو الله عنده, وهكذا التابعون لهم بإحسان لم يكونوا يتحرّون الدعاء عند قبور الصحابة وأكابر الأمة, وإنما هي نزغة شيطانية استخف بها عقول بعض المتأخرين فاستحسنوا ما استقبحه أسلافهم الصالحون واجتنبوه ونهوا عنه لعلمهم بسوئه وشناعة مآله, وغفل عن ذلك المتأخرون الأقل علماً وعقلاً وفهماً وفضلاً، فوقعوا في أحابيل الشيطان وجرّهم باستحسان البدع إلى هوة الشرك السحيقة, والعياذ بالله .
ج/ فقل: الغلوّ هو مجاوزة الحد المشروع بتعدّي ما أمر الله به, ويكون الغلوّ بالزيادة على المطلوب شرعاً والمأذون فيه,ويكون بالترك على سبيل التعبد .
ومن أنواع الغلو المهلك: الغلوّ في الأنبياء والصّالحين برفعهم فوق منزلتهم, والزيادة فيما يستحقون من الحب والإجلال ومنحهم صفات الربوبية أو صرف شيء من العبادات لهم, والمبالغة في مدحهم والثناء عليهم بما يجعلهم في مرتبة الإله .
ومن الغلوّ: التعبّد لله بالترك الدائم للمباحات التي خلقها الله سبحانه وتعالى لمصالح الناس من الطعام والشراب وما يحتاجه الإنسان من نوم ونكاح.
ومن الغلوّ الممقوت: الحكم على المسلمين الموحدين بالتكفير وما يتبع ذلك من براءٍ، وهجر،ٍ ومقاتلةٍ، وعدوان، واستباحة الأعراض والأموال والدماء.
ج / فقل: قد تكاثرت الأدلة في الكتاب والسنة التي تنهى عن الغلوّ, وتحذّر منه, كما في قوله تعالى: } وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ { سورة ص86)، ونهى عز وجل بني إسرائيل عن الغلوّ في الدين؛ قال تعالى: } لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ{ (سورة النساء 171)، وقال ﷺ :(إياكم والغلوّ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)أخرجه أحمد, وقال ﷺ :(هلك المتنطعون, هلك المتنطعون,هلك المتنطعون)أخرجه مسلم.
ج/ فقل: لا يجوز الطواف بغير الكعبة، لأن الله عز وجل خص بيته بالطواف به؛ فقال سبحانه: } وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ{ (الحج:29)، ولم يأذن لنا ربنا بغير ذلك, لأنّ الطواف عبادة، وقد حذرنا من إحداث أي عبادة, فلا عبادة إلا بدليل صحيح من الكتاب والسنة، فابتداع عبادة بلا برهان شرعيٍّ، محادة, وصرفها لغير الله شرك محبطٌ للعمل مخرج من الملّة الحنيفية إلى الكفر والعياذ بالله .
ج/ فقيل: لا يجوز شد الرحال تعظيماً لبقعة ومكان باعتقاد فضله وفضل السفر إليه إلا للمساجد الثلاثة، لقوله ﷺ: (لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ, وَمَسْجِدِي هَذَا, وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى) رواه مسلم.
ج/ فقل: جميع هذه الأحاديث مكذوبة على النبي ﷺ، وإنما يروجها أصحاب البدع وعُبّاد الأضرحة, والذي يقول للشيء كن فيكون هو الله وحده لا شريك ولا كفوا له ولا مثيل له, سبحانه وبحمده, لا يستطيع ذلك ولا يملكه أحدٌ من الخلق لا الأنبياء ولا الأولياء، قال الله تعالى: } إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ{ (سورة يس: 82). وقال تعالى } أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{ (الأعراف : 54) قدم ماحقه التأخير ليفيد الحصر وهو حصر الخلق والتدبير له وحده لا شريك له .
ج/ فقل: هو من المحرمات الغليظة، والبدع الخطيرة، ومن أعظم الوسائل المؤدية للوقوع في الشرك, فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ في مرض موته الذي لم يقم منه: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) قالت عائشة رضي الله عنه: (يُحذَّر ما صنعوا) متفق عليه, وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال قبل أنّ يموت بخمس: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد, فإني أنهاكم عن ذلك) رواه مسلم. والمساجد المبنية على القبور لا تجوز الصلاة فيها, وإذا بني المسجد على قبر أو قبور وجب هدمه, أما إذا بني المسجد على غير القبر، ثم دفن فيه ميت فلا يهدم المسجد, ولكن يفتح القبر وينقل من دفن فيه من المسجد إلى المقابر العامة.
ج/ فقيل: البناء على القبور بدعة منكرة لما فيها من غلو في تعظيم من دفن في ذلك القبر، وهو ذريعة إلى الشرك، فيجب إزالة ما بني على القبور وتسويتها قضاء على هذه البدعة وسداً لذريعة الشرك, فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي الهياج الأسدي حيان بن حصين قال: قال لي علىٌ رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ﷺ: (ألاَّ تَدَع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سوّيته).
ج/ فَقُلْ: دفن في حجرة عائشة رضي الله عنها ومضى على قبره خارج المسجد أكثر من 80 سنة, ووسع أحد الخلفاء الأمويين المسجد النبوي فصارت الحجرة كأنها داخل المسجد, ولم يقبل الخليفة نهي العلماء في زمنه وتحذيرهم من إدخال الحجرة في المسجد. وقد قال ﷺ محذّراً من بناء المساجد على القبور: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد, ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) رواه مسلم، ولعن رسول الله ﷺ المتخذين على القبور المساجد والسرج كما في الحديث الذي رواه أهل السنن. وقد وقع ما خافه ﷺ على أمته وحصل ما حذرّ منه, بسبب غلبة الجهل, وتلبيسات مشايخ الخرافة والبدع, فصاروا يتقرّبون إلى الله بما هو من المحادّة له، والمخالفة لرسوله ﷺ من وضع القبور وبناء الأضرحة في المساجد، ووضع الستور عليها, وإسراجها، والطواف بها، ووضع صناديق النّذور عليها, فانتشرت الشركيات والضلالات باسم محبة الصالحين وتوقيرهم والتوجه بهم لرب العالمين ليستجيب دعاء السائلين, وكلُّ هذا من ميراث الضّالين السابقين, قال ﷺ :(لتّتبعن سنن من كان قبلكم حذوا القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه) متفق عليه .
ج/ فَقُلْ: أجمع الأئمة الأربعة بل الأمُّة كُلّها على أن الصحابة رضي الله عنهم لم يدفنوا رسول الله ﷺ حتى فارقت روحه جسَده ,لأنّه لا يعقل أن يدفنوه وهو حيٌّ !! ولأنّهم نصبوا خليفة له من بعده, وطالبت ابنته فاطمة رضي الله عنها بميراثها منه, ولم ينُقل عن أحد من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم من الأئمة الأربعة أنّ رسول الله ﷺ خرج للناس بعد موته ودفنه، فمن يدعي أنه ﷺ يخرج للناس من قبره فهو مخرّف وكاذبّ تلاعبت به الشياطين مفتر على الله وعلى رسول الله ﷺ, كيف والله سبحانه وتعالى يقول: } وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ{، وقوله تعالى: }إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ{، فقرن الله سبحانه وتعالى الخبر بموته ﷺ، وموت الناس ليتبين أنه موت حقيقي وانتقالٌ من هذه الدار إلى دار البرزخ التي لا خروج منها إلاّ إلى عرصات القيامة للحساب والجزاء بعد البعث والنشور والخروج من القبور, ومما يناسب في الرد على الجهلة والمخرفين المعتقدين خروجه ﷺ من قبره ما قاله الإمام القرطبي المالكي المتوفى في (656هـ) في كتابة المفُهْم عن خرافة خروجه ﷺ من قبره : (وهذا يدرك فساده بأوائل العقول, ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها, وأن لا يراه رائيان في آن واحد في مكانين, وأن يحيا الآن ويخرج من قبره, ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه, ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده, ولا يبقى من قبره فيه شئ, فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب, لأنه جائز أن يُرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره, وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مُسْكةٍ من عقْل) انتهى .
ج/ فَقُلْ: البدعة هي ما تعبد به العبد ربه على غير دليل شرعي,وهي نوعان: بدعة مُكفَّرة كمن يطوف بالقبر تقرّباً لصاحبه, وبدعةٌ يأثم صاحبها من غير كفر, كمن يُقيم مولداً لنبيَّ أو وليَّ دون اشتماله على شركيات وكفريات. وليس في الإسلام بدعة حسنة , لأن كل البدع ضلالة , بدليل قوله ﷺ: (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)، وفي رواية :(وكل ضلالة في النار) رواه الإمام أحمد والنسائي, ولم يستثن ﷺ من البدع شيئاً, والبدع كلها محرمة وصاحبها غير مأجور لأنها استدراك على المشرَّع وزيادةٌ في الدين بعد كماله وتمامه, وهي مردودة على صاحبها, بدليل قوله ﷺ: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم، وقوله: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) متفق عليه، وقوله(أمرنا) أي الإسلام.
ج/ فَقُلْ: (من سنّ سنة حسنة) أي من عمل عملاً جاء به الإسلام وقد نسيه الناس, أو دعا إلى ما جاء به الكتاب والسنة, مما جهله الناس فله أجر من تبعه, لأن هذا الحديث سببه الدعوة إلى الصدقات على فقراء كانوا يسألون, ومن قال: (من سنّ سنة حسنة) هو الذي قال: (كلُّ بدعة ضلالة)، والسنَّةُ مصدرها الكتاب والسنة, والبدعة ليس لها أصل في الكتاب ولا في السنة, بل هي محض استحسان بعض العقول المتأخرة .
ج/ فَقُلْ: إنّ قول عمر رضي الله عنه (نعمت البدعة) يقصد معناها اللغوي وليس معناها الشرعي, لأنَّ عمر رضي الله عنه لم يقل تلك الكلمة إلا في صلاة التراويح التي سنّها النبي ﷺ, فكان فعله موافقاً لفعل النبي ﷺ, وما كان إحياء لفعل النبي ﷺ فليس ببدعة بل هو تجديدُ وتذكيرٌ للناس بما تُرك ونسي ودعوة إلى فعل شرعي دعا إليه رسول الله ﷺ وفعله, وأما فعل عثمان رضي الله عنه فهو ممن دعا النبي ﷺ إلى الاقتداء بسنته مع بقية الخلفاء الراشدين حين قال ﷺ: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)، وغير الخلفاء الراشدين ليسوا كذلك لأنّ النبي ﷺ حصر السنة به وبالخلفاء الراشدين, ولم يذكر غيرهم وقد كان الصحابة رضي الله عنهم أشد الناس تحذيراً من البدع والمحدثات, ومن ذلك أنّ ابن مسعود رضي الله عنه قال لقوم ابتدعوا شيئاً في الدين حين يذكرون الله ذكراً جماعياً بكيفية معينة محدثة وهم يقصدون خيراً: (سبقتم محمداً ﷺ وصحبه علماً, أو أتيتم ببدعة ظلماً), ولما قالوا له: (أردنا خيراً), قال لهم:(ما كلُ مّنْ أراد الخير أصابه) رواه الدرامي في سننه، وكثيراً ما يردّد في مجالسه لأصحابه :(اتّبعوا ولا تبتدعوا), وقال ابن عمر رضي الله عنه : (كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة).
ج/ فَقُلْ: الاحتفال بالمولد النبوي لم يأت في الكتاب ولا في السنة فليس له دليل شرعي, ولم يثبت عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم, ولم يَقُلْ به أحدٌ من الأئمة الأربعة, ولو كان خيراً وطاعة لسبقونا إليه. ويذكر أهل الاحتفال أنهم يحتفلون بمولده ﷺ إظهاراً لمحبته, ومحبةُ رسول الله ﷺ فرضُ عين على كل مسلم لا يصح إيمانه إلا بمحبته ﷺ , وتكون بطاعته لا بالاحتفال بمولده, وأولُّ من فعل هذه البدعة هم العبيديون الباطنية المتزندقة المتسمَّوْن بالفاطميّين, وذلك بعد موت النبي ﷺ بأربعة قرون, ويحتفل أهل المولد به في يوم الاثنين وهو يوم وفاته ﷺ, والحقيقةُ أنَّ الاحتفال بمولده ﷺ ليس إلا مضاهاة لفعل النصارى في احتفالهم بمولد عيسى عليه السلام, وقد أغنانا الله عن البدع والمحدثات ومخترعات الأمم الضالة بالشريعة التامة الصافية النقيّة الزّكيّة والحمد لله رب العالمين .
ج/ فَقُلْ : السحر لا يجوز تَعلُّمه وتعليمه , والعملُ به كفرٌ, لقوله تعالى: } وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ َ{ (البقرة: 102)، وقوله تعالى: } يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ{ (سورة النساء:51).
الجبت: قد فُسرَّ بالسحر، فقرن الله السحر بالطاغوت، فكما أن الإيمان بالطاغوت كفر, فكذلك العمل بالسحر كفر, فمن لوزام الكفر بالطاغوت اعتقاد بطلان السحر، وأنه علم خبيث مفسدٌ للدين والدنيا، وتجب مجانبته، والبراءة منه ومن أهله.
قال تعالى } وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ{ (الفلق: 4)، وقال ﷺ: (اجتنبوا السبع الموبقات...) فذكر منهن السحر, وفي الحديث: (من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك) رواه النسائي, وروى البزار : (ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سُحر له)، وعقوبة الساحر هي القتل فلقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه للولاة: (أن اقتلوا كل سَاحر وسَاحرة) رواه البخاري, وعن جندب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حد السحر ضربهُ بالسيف)رواه الترمذي وقد قتلت حفصة رضي الله عنها جارية لها سحرتها .
ج/ فَقُلْ: ما يفعله المشعوذون مما ذُكر هو مما تتعاون معهم الشياطين في فعله, وبعضه مما تُسحر به أعين الناسِ, فيرَوْن ما ليس بحقيقة أنّه حقيقة, كما فعل السحرة بموسى عليه السلام والناسَ الذين شهدوا الواقعة التي ذكرها الله في القرآن، وقد خُيِّل لموسى أنّ حبال السحرة تسعى, والحقيقة أنّها لا تسعى، كما قال الله تعالى: } يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى{ (طه:66)، ولو قٌرئ عند المشعوذين آية الكرسي وسورتا المعوذتين والفاتحة وخواتيم البقرة وغيرها من الآيات لبطل السحر والشعوذة بإذن الله تعالى، وانكشف زيف المشعوذين ودجلهم وظهر للناس باطلهم وكذبهم.
ولا تكون الكرامة إلا للصالحين الموحدين السالمين من البدع والخرافات، والكرامة حصول خير للمؤمن أو دفع شرّ عنه ولا يعني هذا أنه أفضل من غيره من المؤمنين ممّن لم تقع لهم كرامة, وشأن الكرامة أن تُكتم ولا تُشهر, ولا يُؤكل بها ويُخادع الناس بها.
ج/ فَقُلْ: لا يجوز الذهاب إلى الساحر أو الساحرة لسؤالهم وتلقي العلاج منهم, لنهي النبي ﷺ عن ذلك, والدليل أنه لما سئل رسول الله ﷺ عن النشرة وهي حل السحر بسحر مثله قال: (هي من عمل الشيطان) يعني النشرة رواه أبو داود, ولا يجوز شيءٌ من عمل الشياطين ولا ينتفع فيه، ولا خير يرتجى منه.
ج/ فَقُلْ: المحافظة على أذكار الصباح والمساء, وخاصة: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات صباحاً ومساءً، وقول: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق), وتعويذ الأهل والأولاد: (أعيذكم بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة) كما في الحديث، وقراءة سور الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات صباحاً ومساءً, وآية الكرسي, والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة ليلاً, وأكل سبع تمرات صباحاً .
وبعد وقوع السحر: القراءة على المسحور مباشرة بالآيات القرآنية، والأدعية الواردة في السنة النبوية، والحجامة, وإتلاف المواد التي تم السحر بها عند كشفها, وسيبطل السحر ويُشفى المسحور بإذن الله تعالى.
ج/ فَقُلْ: الذهاب إليهم وسؤالهم والاستماع لأكاذيبهم محرمٌ علينا إلا لمن يريد إظهار كذبهم وفضح دجلهم وكشف خزعبلاتهم من العلماء القادرين على ذلك, ويجب الحذر من كلَّ مُدّعٍ لعلم الغيب, والتحذير من دجلهم وخداعهم للمغفّلين, ويا خيبة من صدّق أكاذيبهم وأباطيلهم وتخرّصاتهم, قال ﷺ: (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ) رواه أهل السنن. وقال ﷺ: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاةٌ أربعين ليلة) رواه مسلم.
ج/ فَقُلْ: هذا حديث مكذوب ومفترى على رسول الله ﷺ، فكيف ينهى عن السحر ويدعو إلى تعلمه.
ج/ فقل: الصحابةُ رضي الله عنهم وذلك أنه لما كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء صار صحابته هم أفضل من صحب الأنبياء جميعاً وأفضلهم أبو بكر قال عليه الصلاة والسلام (ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر) ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم, ثم بقية العشرة. والصحابة يحب بعضهم بعضاً، ولهذا سمى علي رضي الله عنه أولاده بأسماء الخلفاء من قبله، فمن أسماء أولاده أبو بكر و عمر و عثمان، وكذب من قال: إن الصحابة لا يحبون المؤمنين من آل البيت وأن آل البيت لا يحبون الصحابة , فهذه من افتراءات أعداء آل البيت والصحابة رضوان الله عليهم.
ج/ فقل: يجب محبتهم واحترامهم وتوقيرهم جميعاً والترضي عنهم جميعاً, لأن الله رضي عنهم, ولم يستثن منهم أحداً ؛كما قال الله تعالى } وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ { (التوبة:100) وقال تعالى } لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ { (الفتح:18)، وقال الله عنهم: } وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى { (الحديد 10), ويجب محبة أمهات المؤمنين واحترامهن، ويحرم سب إحداهن لأن ذلك من كبائر الذنوب؛ قال الله تعالى: } وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ{ (سورة الأحزاب:6)، فجميع زوجات النبي ﷺ أمهات للمؤمنين لأن الله لم يستثن واحدة منهن, وقد جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال النبي ﷺ: (لا تسبوا أصحابي فلو أنَّ أحدَكم أنفق مثل أُحدٍ ذهباً، ما بلغ مُدَّ أحدهم، ولا نصيفه) رواه البخاري ومسلم.
ولا عجب من هذه المنزلة الكريمة لهم, فهم من بذلوا أنفسهم وأموالهم لنصرة دين الله, وحاربوا القريب والبعيد من المعارضين لدعوة رسول الله ﷺ, وهجروا الأهل، وهاجروا من الأوطان في سبيل الله, وهم سبب كل خير وفضل تناله الأمة إلى قيام الساعة, فلهم مثل أجور جميع من جاء بعدهم من المؤمنين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, لم يكن مثلهم في السابقين من الأمم ولا يكون مثلَهم بعدهم, رضي الله عنهم وأرضاهم, وويل لمن عاداهم وسبَّهم وقدح فيهم, ونال من أحد منهم .
ج/ فَقُلْ: عقوبته اللعن والطرد والإبعاد عن رحمة الله قال ﷺ: (من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) رواه الطبراني, والواجب الإنكار الشديد على من سبَّ أحداً من الصحابة أو سب إحدى أمهات المؤمنين رضوان الله عليهم أجمعين, ويجب على وليَّ الأمر والجهات المختصّة تأديب ومعاقبة من يقع منه ذلك تأديباً بليغاً .
ج/ فَقُلْ: لا يجوز هذا القول والاعتقاد, وهو من أعظم أنواع الكفر فهو تكذيب لله وردٌّ لحكمه, وتسويةٌ بين الكفر والإيمان والحق والباطل, وكيف يستريب عاقلٌ ببطلان التسوية والجمع بين دين الله ودين الطواغيت ؟ وكيف يجتمع التوحيد والشرك والحق والباطل ؟! فدين الإسلام هو الحق وما عداه فهو الباطل, وقد أكمل الله دينه وأتّم نعمته، قال تعالى: } الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا{ (المادة 3)، فلا يجوز أن ينقص منه, أو يزاد فيه, أو يُساوى به غيره من ملل الكفر وأديان الطواغيت أو يُجمع معها, ولا يَعتقد جواز هذا مسلمٌ عاقلٌ, ولا يسعى إليه من يملك ذرةً من عقل وإيمان, قال تعالى: }وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ آل عمران: 85، وقال ﷺ: (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمّة يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ, ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به إلاّ كان من أصحاب النار) رواه مسلم.
ج/ فقل: يتحقق بالإيمان للفرد والجماعة والأمّة كل خير في الدنيا والآخرة من فتح البركات من السماء والأرض, قال تعالى: } وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{ (سورة الأعراف 96).
وكذلك يحصل بتحقيق الإيمان طمأنينة القلب وراحة البال وانشراح الصّدر, قال تعالى: } الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ { (سورة الرعد 28). والمؤمن الموحد لربه المتّبع لسنّة رسوله حقاً وصدقاً يعيش حياة طيبة فهو ناعم البال مطمئن القلب لا يضجر، ولا يغتمّ، ولا تتسلّط عليه الشياطين بالوساوس والتخويف والحزن, ولا ييأس ولا يشقى في دنياه, ويسعد في جنّات النعيم في أخراه، قال تعالى: } مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ (سورة النحل 97).
فاحرص أخي المسلم وأختي المسلمة أن تكونوا من الفائزين بهذه البشارة الداخلين في أهل هذا الوعد الرّباني الكريم .
أخي الكريم ... أختي الكريمة
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين, وأتمّ علينا النّعمة, وهدانا لدين الإسلام دين الحق والتوحيد والسعادة الدنيوية والأخروية, ومن المهمّ ـــــ أيّها الكريم ــــ السعي للتزود من العلم الشرعي المستمدّ من الكتاب والسنة بفهم من رضي الله عنهم ورضوا عنه, لنكون ممّن يَعبُد الله على بصيرة, ونَسلم من الوقوع في الشبهات ومُضلاّت الفتن, وكلُّ أحدٍ مهما علَتْ مرتبته مأمور بالتزود من العلم ومحتاج إليه, وها هو نبيُّك صلوات الله وسلامه عليه قد أمره ربُّه بالتزود من العلم؛ قال تعالى: } فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ { ((محمد:19), وأرشده لسؤال ربّه المزيد منه؛ قال تعالى :} وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا{ (طه:114). فَسرْ ـــ أيها الموفّق على هدي نبيّك وإمامك محمد ﷺ , وابشر بالخير والرفعة في الدارين؛ قال تعالى: } يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ{ (المجادلة: 11).
وبعد التعلّم ..كن مع العاملين بما عملوا, واجتهد في نشر الخير والعلم لتلحق بركب الصالحين المصلحين, ولتَنَال أجر من دَعَوْتهم, ويكتب لك ثواب من استجاب لك, ولاشيء بعد القيام بالفرائض أفضل من نشر العلم والدعوة للخير, وما أعظم أثر الدعاة إلى الحق على الناس , فهم المُنقذون بإذن الله لمنْ غَرِق في ظلمات الجهل والضّلالات والخرافات, الآخذون بأيديهم إلى سبيل السلام والنّور والهداية وطريق الجنة .. والحمد لله رب العلمين ,,