×
جدبد!

تطبيق موسوعة بيان الإسلام

احصل عليه الآن!

دين الإسلام تعرضه نصوص القرآن وسنة خير الأنام (العربية)

إعداد: فهد بن حمد المبارك

الوصف

أراد المؤلف بهذا الكتاب عرضَ دين الإسلام بالأدلة النقلية، واحتجَّ على من يُعارضه بالأدلة العقلية؛ لأن دين الإسلام إنما بيَّنه الله ورسوله بالأدلة النقلية، فأراد المؤلف الرجوعَ بذلك إلى الأصل؛ وقد أوضح معنى كلمة التوحيد بمعانٍ مبسطة جدًا، ورأى أن هذا هو الأسلوب المناسب لذلك، وقبل هذا قدر أن الله هو الخالق لعباده وما خلقهم إلا لطاعته ثم عرض بإيجازٍ شيئًا من سير الرسل عليهم السلام، وهو في كل ذلك متمسك بالنقل فقط، ثم ذكر شيئًا من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وحياته الدعوية، ثم تكلم عن أركان الإسلام، وأركان الإيمان، وشيء من تعاليمه وأخلاقه وأعظم ما أمر به وأعظم ما نهى عنه، والكبائر، ثم ذكر عناية المسلمين بدينهم وبحديث نبيهم وتميزهم عن غيرهم من الاسم بذلك عن طريق علم الجرح والتعديل، ثم ختم كتابه هذا بأن نبَّه القارئ الكريم بأمور وضعها بأنها بين الناس وبين الدين، وقد أجاد في وصفه هذا.

تنزيل الكتاب

دين الإســــلام

الجزء الأول

إعداد / فهـــد بن أحمــد المبارك

راجعه

الشيخ / عبد العزيز السدحان الشيخ / عبدا لله العبيد

بسم الله الرحمن الرحيم

دين الإسلام :

أراد المؤلف بهذاالكتاب عرض دين الإسلام بالأدلة النقلية واحتج على من يعرضه بالأدلة العقلية لأن دين الإسلام إنما بينه الله ورسوله بالأدلة النقلية فأراد المؤلف الرجوع بذلك إلى الأصل .

وقد أوضح المؤلف معنى كلمة التوحيد بمعاني مبسطة جداً رأى أن هذا هو الأسلوب المناسب لذلك وقبل هذا قدر أن الله هو الخالق لعباده وما خلقهم إلا لطاعته ثم عرض بإيجاز بعض من سير الرسل عليهم السلام وهو في كل ذلك متمسك بالنقل فقط ثم ذكر شيء من سيرة الرسول ﷺ‬ وحياته الدعوية ثم تكلم عن أركان الإسلام ، وأركان الإيمان، وشيء من تعاليمه وأخلاقه وأعظم ما أمر به وأعظم ما نهى عنه والكبائر، ثم ذكر عناية المسلمين بدينهم وبحديث نبيهم وتميزهم عن غيرهم من الاسم بذلك عن طريق علم الجرح والتعديل ثم ختم كتابه هذا بأن نبه القارئ الكريم بأمور وضعها بأنها بين الناس وبين الدين وقد أجاد في وصفه هذا .

المقـدمة

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يُضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم كثيراً .

أما بعد ..

فإن الحاجة ماسةٌ اليومَ إلى وجود مؤلَّف مبسط مختصر، يعرض دين الإسلام بشموليته، سواء فيما يتعلق بالاعتقاد، أو العبادة، أو المعاملة، أو الآداب، أو غير ذلك، يستطيع القارئ له أن تتكون لديه فكرة واضحة شاملة متكاملة عن دين الإسلام، ويجد فيه الداخل في دين الإسلام مرجعاً أولياً في تعلم أحكامه وآدابه وأوامره ونواهيه، ويصبح هذا الكتاب في متناول الدعاة إلى الله يترجمونه إلى كافة اللغات، ويدفعونه إلى كل سائل يسأل عن دين الإسلام، وكل داخل يدخل فيه، فيهتدي بذلك من شاء الله هدايته، وتقوم الحجة والبلاغ على أهل الزيغ والضلال .

أ- منهج الكتاب :

وقبل الشروع في كتابة هذا المؤلف، لا بد من وضع مسارات وضوابط يلتزمها المؤلف؛ حتى يتحقق من خلالها الهدف الرئيس لهذا الكتاب، ونذكر من ذلك الضوابط التالية:

أَنْ يُعرض هذا الدين من خلال نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وليس من خلال الأساليب البشرية، والطرق الكلامية في المحاورة والإقناع وذلك لعدة أمور:

أ- أنه بسماع كلام الله تعالى، وفهم مراده يهتدي من شاء الله هدايته وتقوم الحجة على الضال المعاند، كما قال تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ)[التوبة:6]، وربما لا تقوم الحجة والبلاغ بالأساليب البشرية والطرق الكلامية التي يعتورها النقص والخلل .

ب– أن الله أمرنا بإبلاغ دينه ووحيه كما أنزل، ولم يأمرنا باختراع طرق كلامية من عند أنفسنا لهداية الناس نظن أننا نصل بها إلى قلوبهم، فلماذا نشغل أنفسنا بما لم نؤمر به ونعرض عن ما أمرنا به؟

ج- أن أساليب الدعوة الأخرى، مثل الحديث بتوسع عن انحرافات الخصوم، والرد عليهم، سواء في مجال العقيدة، أو العبادة أو الأخلاق أو الآداب أو الاقتصاد، أو استخدام المجادلات الفكرية والعقلية، كالحديث عن إثبات وجود الله –تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً-، أو الحديث عن التحريف الموجود في الإنجيل والتوراة وكتب الديانات الأخرى، وبيان تناقصها وبطلانها.

كل ذلك يصلح أن يكون مدخلاً لخلخلة الخصوم في مبادئهم واعتقاداتهم، ويصلح كذلك لأن يكون زاداً ثقافياً للمسلم –مع أنه لا يضره الجهل به- لكن لا يصلح مطلقاً أن يكون أساساً ومنطلقاً تقوم عليه الدعوة إلى الله.

د- أن الذين يدخلون إلى الإسلام بهذه الطرق السالفة، ليس بالضرورة أن يكونوا مسلمين حقاً، فقد يدخل أحدهم في هذا الدين إعجاباً بقضية معينة بسط له الحديث عنها، وقد يكون غير معتقد لقضايا رئيسية أخرى من أمور الدين، كمن يعجب -مثلاً- بمزايا الاقتصاد الإسلامي؛ لكنه لا يؤمن بالدار الآخرة، أو لا يؤمن بوجود الجن والشياطين وغير ذلك.

وهذه النوعية من الناس ضررها على الإسلام أكثر من نفعها.

هـ- أن للقرآن سلطان على النفوس والقلوب، فإذا خُلِّيَ بينه وبينها استجابت له النفوس الزكية، وترقت في معارج الإيمان والتقوى، فلماذا يحال بينه وبينها؟!.

أن لا تتدخل ردود الأفعال، وضغط الواقع، والخلفيات السابقة في عرض هذا الدين، بل يعرض هذا الدين كما نزل، متبعاً في ذلك منهجه هو في مخاطبة الناس والتدرج بهم في مدارج الاستقامة.

أن يتوخى في الكتابة بساطة الأسلوب، والاختصار قدر الإمكان، بحيث يسهل حمل الكتاب وتداوله بين الناس.

وبين يديك أخي الكريم محاولة لإيجاد هذا المؤَلَّف المنشود، أو بتعبير أصح، بين يديك بداية محاولة لإيجاد هذا المؤَلَّف، أما إكماله على الوجه المطلوب، فمسؤولية ذلك تقع على عاتقك وعاتق القراء الكرام من أمثالك.

لقد بذلنا نحن الجهد واستفرغنا الوسع، ولا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها، وبقي دورك أنت أيها القارئ الكريم في المساهمة في هذا العمل.

فجرد -بارك الله فيك- قلمك الأحمر؛ لتحذف به ما تشاء وتضيف به ما تشاء تصحح عبارة وتضيف أخرى، تلغي فكرة وتضيف أخرى، في كلمات أو في أسطر أو في صفحات أو في الكتاب كله.

المهم أن يتعرض هذا العمل لنقد شديد، وإثراء مفيد، ومن ثَم يعرض النقد والتعديل مع الأصل على أهل العلم؛ ليخرج لنا بعد ذلك كتاب شارك في تأليفه الجميع ورضيه أصحاب الشأن من العلماء والدعاة، يعبر تعبيراً صحيحاً عن دين الإسلام فيترجَم إلى مئات اللغات ويطبع منه ملايين النسخ.

وهب أننا أنهينا هذا العمل، وترجمنا هذا الكتاب، وطبعنا منه عشرة ملايين نسخة، ووصلت إلى يد عشرة ملايين إنسان، فآمن بما فيه من آيات وأحاديث واحد بالمائة منهم فقط، وكفر بذلك وأعرض عنه تسعة وتسعون بالمائة، وأقبل علينا هذا الواحد يسعى وهو يخشى، يريد الإيمان والتقوى، فهل تعلم أخي الكريم أن هذا الواحد بالمائة يعني دخول مائة ألف إنسان إلى دين الإسلام؟ وهذا بلا شك إنجاز عظيم، ولئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم.

بل لو لم يؤمن من هؤلاء المدعوين أحد، وأعرضوا جميعاً عن هذا الدين، فإننا نكون أدينا الأمانة وبلغنا الرسالة التي حملنا الله إياها.

إن مهمة الدعاة إلى الله ليست في إقناع الناس بهذا الدين، أو -بتعبير القرآن- في الحرص على هدايتهم (إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِل)[النحل:37]، ولكن مهمتهم الأساسية هي مهمة نبيهم صلى الله عليه وسلم القائل له ربه -جل وعلا- (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)[المائدة:67].

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن نكون جميعاً متعاونين على تبليغ دين الله إلى الناس كافة، وأن يجعلنا مفاتيح للخير، ودعاة إليه، مغاليق للشر صمداً أمامه، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد .

ب- محتويات الكتاب :

عزيزي القارئ:

هذا الكتاب الذي بين يديك يعرفك بدين الإسلام، بصورة مبسطة شاملة لجميع نواحيه (عقائــده -آدابه- تشريعاته- سائر تعاليمه) .

وقد راعيت في ذلك عدة أمور رئيسة :

أولاً: التركيز على أساسيات الدين التي قام عليها .

ثانياً: الاختصار قدر المستطاع .

ثالثاً: عرض الإسلام من خلال مصادره الأصلية (القرآن الكريم، أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم) بحيث يقف القارئ وجهاً لوجه أمام منابع الإسلام الأساسية يستقي منها مباشرة هديه وتعاليمه .

وستجد عزيزي القارئ بعد وصولك إلى نهاية الكتاب، أنه قد تكونت لديك فكرة واضحة عن دين الإسلام، تستطيع بعدها أن تتدرج في رفع رصيد المعرفة عن هذا الدين .

إن هذا الكتاب الذي بين يديك يهم طائفة كبيرة من الناس، فهو يعني بالدرجة الأولى الراغبين في اعتناق دين الإسلام، وتعلم عقائده وآدابه وأحكامه .

كما يعني أولئك المهتمين بالتعرف على الأديان لا سيما الأديان التي يعتنقها مئات الملايين من البشر، وهو يعني كذلك أصدقاء الإسلام المتعاطفين معه المعجبين ببعض خصاله، ويعني أيضاً أعداء الإسلام وخصومه المناوئين له، الذين ربما يكون جهلهم به أحد الأسباب الرئيسية لهذا العداء وتلك الكراهية.

وممن يعنيهم هذا الكتاب بدرجة كبيرة، أولئك المسلمين الذين يرغبون في شرح دين الإسلام للناس، فهذا الكتاب يختصر لهم الجهد ويسهل عليهم المهمة.

وقد تجد أيها القارئ الحصيف -إذا لم تكن لديك فكرة مسبقة عن دين الإسلام- أنك بحاجة إلى شيء من التركيز المكثف والقراءة المتأنية لمعرفة المعاني التي يحتويها هذا الكتاب، فلا تضجر من ذلك. علماً بأننا نرحب بأي استفسار يرد منك ونعدك بالإجابة عليه قدر المستطاع، ونأمل منك تعبئة النموذج المعد في نهاية الكتاب وإرساله إلينا للاستفادة منه في تطوير الكتاب إلى المستوى الذي يرضى عنه قارؤوه.

1-كلمة التوحيد

لا إله إلا الله

القاعدة الأساسية لدين الإسلام هي كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) وبدون هذه القاعدة الصلبة لا يقام بناء الإسلام الشامخ، إنها أول كلمة يجب أن يتلفظ بها الداخل في دين الإسلام مؤمنا بها معتقداً لجميع معانيها ومدلولاتها. فما معنى لا إله إلا الله ؟

لا إله إلا الله تعنـــــي :

- لا خالق للوجود إلا الله .

- لا مالك ومتصرف في هذا الوجود إلا الله .

- لا معبود يستحق العبودية إلا الله .

أ- الله الخالق :

الله هو الذي خلق هذا الكون الفسيح الجميل البديع. هذه السماء بنجومها الهائلة، وكواكبها السيارة، تسير في نظام متقن، وحركة رائعة، ما يمسكهن إلا الله. وهذه الأرض بجبالها ووديانها وهضابها وأنهارها، بأشجارها وزروعها، بهوائها ومائها، ببرها وبحرها، بليلها ونهارها، بمن سكن فيها ومن مشى عليها إنما خلقها الله وأوجدها من العدم.

قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ*وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ*لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)[يـس:38 -40].

(وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ*تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ*وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ*وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ)[ق:7-10].

هذا خلق الله جل وعلا، جعل الأرض قراراً، وأودع فيها خاصية الجذب بمقدار يتناسب مع حاجة الحياة عليها، فلا يزيد فتصعب الحركة عليها، ولا يقل فتتطاير الأحياء منها، وكل شيء عنده بمقدار.

وأنزل من السماء ماءً طهوراً لا تقوم الحياة إلا به (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَي)[الأنبياء:30]، فأخرج به النبات والثمرات، وسقى به الأنعام والإنسان، وهيأ الأرض لتحتفظ به، فسلكه فيها ينابيع وأنهاراً .

وأنبت به حدائق ذات بهجة بأشجارها وأزهارها وورودها وجمالها الأخّاذ . الله الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين.

إن أول إنسان خلقه الله هو أبو البشر آدم عليه السلام، خلقه من طين، ثم سواه وصوره ونفخ فيه من روحه، ثم خلق منه زوجه. ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين .

قال الله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ*ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ*ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)[المؤمنون:12-14].

وقال سبحانه: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ*أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ*نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ*عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ)[الواقعة:58-61].

تأمل في خلق الله لك تجد عجباً من الأجهزة الدقيقة والأنظمة المحكمة التي لا تعرف عن عملياتها إلا القليل فضلاً عن أن تتحكم فيها، فهذا جهاز متكامل لهضم الطعام، يبدأ بالفم يقطِّع الطعام إلى قطع صغيره ليسهل هضمه ثم البلعوم ثم ترمى اللقمة إلى الحنجرة فيفتح لها لسان المزمار (اللهاة) باب المريء ويسد عليها باب القصبة الهوائية ثم تنزلق اللقمة إلى المعدة بواسطة المريء المتحرك حركات دودية، وفي المعدة تستمر عملية الهضم حيث يتحول الطعام إلى سائل يسمى (سائل الكيموس) الذي تفتح له فتحة البواب في المعدة ويتجه إلى الإثنى عشر حيث تستمر عملية الهضم التي هي تحويل المادة الخام من الطعام إلى مادة مناسبة صالحة لتغذية خلايا الجسم، ثم منها إلى الأمعاء الدقيقة حيث تستكمل عمليات الهضم النهائية فتصحب المواد الزلالية أحماضاً أمينية، والمواد النشوية سكراً، والمواد الدهنية أحماضاً دهنية وجلسرين، ويصبح الطعام بهذه الصورة صالحاً لأن يمتص بواسطة الخملات الموجودة في الأمعاء ليجري مع تيار الدم. وذلك جهاز متكامل لدورة الدم الممتد في شرايين معقدة لو فردتها لزاد طولها على آلاف الكيلو مترات متصلة بمحطة ضخ مركزية تسمى القلب لا تكل ولا تمل في نقل الدماء خلال تلك الشرايين .

وهناك جهاز آخر للتنفس، ورابع للأعصاب، وخامس لاستخراج الفضلات، وسادس وسابع وعاشر مما نزداد كل يوم معرفة بها وما نجهله فينا أكثر مما نعرفه. فمن خلق هذا الإنسان بهذا الإتقان إلا الله ؟!

لذلك فإن أعظم خطيئة في الوجود أن تجعل لله نداً وهو خلقك .

انطلق بقلب متفتح وروح شفافة، وتأمل في بديع صنع الله تعالى هذا الهواء الذي تستنشقه ويتسرب إليك في كل مكان، بلا لون يكدر الأبصار، ولو انقطع عنك دقائق معدودات لفارقت الحياة، إن هذا الماء الذي تشربه، وذلك الطعام الذي تأكله، وهذا الإنسان الذي تحبه، وهذه الأرض التي تمشي عليها، وتلك السماء التي تنظر إليها، كل ما تراه عينك وما لا تراه من المخلوقات مما كبر أو صغر، كل ذلك من خلق الله الخلاق العليم.

إن التفكر في مخلوقات الله تعرفنا بعظمة الله وقدرته، وإن من أعظم الناس حمقاً وجهلاً وضلالاً من يرى هذا الخلق البديع العظيم المتناسق المتقن، الدال على الحكمة الباهرة والقدرة المطلقة، ثم لا يؤمن بالخالق الذي أوجدها من العدم. قال الله تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ*أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ)[الطور:35 ،36] .

إن الله سبحانه وتعالى تعرفه الفطر السليمة دون حاجة إلى تعليم، فقد أوجد في تكوينها التوجه والالتجاء إليه ولكنها تُضَلَّل وتبعد عنه سبحانه .

ولهذا فإذا أصابتها كارثة أو جائحة أو مأزق شديد وكربات وواجهت الخطر المحدق في البر أو البحر لجأت مباشرة إلى الله تستمد منه العون والخلاص مما هي فيه، والله سبحانه يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء .

هذا الخالق العظيم أكبر من كل شيء، بل لا يقاس شيء من خلقه به، فهو العظيم الذي لا حد لعظمته ولا يحيط به أحد علماً . الموصوف بصفة العلو على خلقه فوق سماواته.

(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى:11] لا يشبهه شيء من خلقه وما خطر ببالك فالله ليس كذلك.

يرانا سبحانه من فوق سماواته ونحن لا نراه (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الأنعام:103]، بل لا تتحمل حواسنا وقوانا أن نراه في هذه الدنيا.

لقد طلب ذلك أحد أنبياء الله وهو موسى عليه السلام، لمّا كلمه الله عند جبل الطور: فقال رب أرني أنظر إليك فقال له الله تعالى: (لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)[الأعراف:143]، فالجبل العظيم الشامخ إنهار وتصدع من تجلي الله له فكيف يستطيع الإنسان ذلك بقواه الضعيفة الهزيلة.

ومن صفات الله سبحانه وتعالى أنه على كل شيء قدير (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْض)[فاطر:44].

بيده الحياة والموت. يحتاج إليه كل مخلوق، وهو غني عن كل مخلوق قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[فاطر:15].

ومن صفاته سبحانه العلم المحيط بكل شيء (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[الأنعام:59]، يعلم ما تتكلم به ألسنتنا وتعمله جوارحنا بل وما تكنه صدورنا (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)[غافر:19] .

فالله سبحانه مُطّلع علينا خبير بأحوالنا لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء لا يغفل ولا ينسى ولا ينام. قال تعالى: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) [البقرة:255] .

له صفات الكمال المطلق الذي لا نقص فيه ولا عيب .

له الأسماء الحسنى والصفات العلى . قال تعالى (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الأعراف:180].

والله سبحانه لا شريك له في ملكه ولا ند ولا ظهير .

منزه سبحانه عن الزوجة وعن الولد بل هو الغني عن ذلك كله قال الله تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *اللَّهُ الصَّمَدُ*لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ)[ الإخلاص:1-4]. قال الله تعالى:

(وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا)[ مريم:88-93] .

وهو سبحانه المتصف بصفات الجلال والجمال والقوة والعظمة والكبرياء والملك والجبروت.

وهو أيضاً المتصف بصفات الكرم والمغفرة والرحمة والإحسان فهو الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء.

والرحيم الذي سبقت رحمته غضبه.

والكريم الذي لا حد لكرمه ولا تنفذ خزائنه.

وأسماؤه كلها حسنى تدل على صفات الكمال المطلق الذي لا ينبغي إلا لله .

والتعرف على صفاته سبحانه يزيد القلب محبة وإجلالاً، وخشية وخضوعاً لله .

ولهذا فإن معنى لا إله إلا الله أن لا يصرف شيء من العبودية إلا لله فلا معبود بحق إلا الله فالله هو المتصف بصفات الألوهية والكمال وهو الخالق الرازق المنعم المحيي المميت المتفضل على خلقه فهو وحده المستحق للعبادة لا شريك له .

ومن رفض عبادة الله أو عبد غير الله، فقد أشرك وكفر .

فلا يكون السجود والركوع والخضوع والصلاة إلا لله .

ولا يستغاث إلا بالله ولا يتوجه بالدعاء إلا إلى الله، ولا تطلب الحاجات إلا من الله، ولا يتقرب بأي قربة وطاعة وعبادة إلا لله (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[الأنعام:162،163].

ب- لماذا خلقنا الله ؟

خلقنا الله عز وجل لعبادته، وليختبر نجاحنا في تحقيق هذه العبادة، فمن عبد الله وأحبه وخضع له وأطاع أوامره واجتنب نواهيه. نال رضا الله ورحمته ومحبته وجازاه الجزاء الحسن، ومن رفض عبادة الله الذي خلقه ورزقه، واستكبر عنها، ورفض الانقياد لأوامر الله واجتناب نواهيه فقد باء بغضب الله وسخطه وأليم عقابه. فالله جل وعلا لم يخلقنا عبثاً ولم يتركنا سدى، وإن من أجهل الناس وأحمق الناس من ظن أنه خرج إلى هذه الدنيا ووُهِب له السمع والبصر والعقل، ثم عاش في هذه الحياة فترة من الزمن ثم مات، ولا يدري لماذا جاء إلى هذه الدنيا، وإلى أين سيذهب بعدها، والله جل وعلا يقول: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ)[المؤمنون:115].

ولا يستوي عنده من كان منا يؤمن به ويتوكل عليه ويتحاكم إليه ويحبه ويخضع له ويتقرب إليه بالعبادات ويبحث عن ما يرضيه في كل موقع، ومن كان يكفر بالله الذي خلقه وصوره ويكذب بآياته ودينه ويرفض الخضوع لأمره.

فالأول ينال التكريم والثواب والمحبة والرضى والآخر يصيبه السخط والغضب والإهانة والعقاب.

حيث يبعث الله الناس بعد موتهم من قبورهم ويجازي المحسن منهم بالنعيم والتكريم في جنات النعيم ويعاقب المسيء المستكبر الرافض لعبادة الله بالعذاب في دار الجحيم.

ولك أن تتخيل عظم التكريم والثواب للمحسن عندما يكون هذا الثواب والتكريم من الله الغني الكريم الذي لا حد لكرمه ورحمته ولا تنفذ خزائنه . إن هذا الثواب سيكون قمة في النعيم لا ينتهي ولا يزول (وهذا ما سنتحدث عنه لاحقاً) .

وكذلك لك أن تتخيل شدة العقوبة وأليم العذاب وعظم الإهانة للكافر، عندما تصدر من الله الجبار العظيم المتكبر الذي لا حد لجبروته وكبريائه .

2- محمد رسول الله:

الإيمان برسالة محمد ﷺ‬ هو الشق الثاني للركن الأساسي من أركان الإسلام، والقاعدة الرئيسية التي يقوم عليها بناؤه.

ويصبح الفرد مسلماً بعد أن ينطق بالشهادة بهما فيشهد أن لا إله إلا الله ويشهد أن محمداً رسول الله.

أ- فما معنى الرسـول؟ ومن هو محمد؟ وهل هناك رسل آخرون غيــره؟

هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذه الصفحات.

الرسول هو رجل في الذروة العليا من صدق الحديث وحسن الأخلاق، يختاره الله من الناس فيوحي إليه بما يشاء من أوامر الدين أو أمور الغيب ويؤمر بتبليغها للناس فالرسول بشر، مثله مثل كافة البشر، يأكل كما يأكلون، ويشرب كما يشربون، ويحتاج إلى ما يحتاجه البشر، لكنه يتميز عنهم بالوحي الذي يأتيه من الله فيطلعه على ما يشاء من أمور الغيب وأوامر الدين التي يبلغها للناس، ويتميز عنهم أيضاً بعصمة الله له من الوقوع في كبائر الذنوب أو أي أمر يخل بتبليغ رسالة الله للناس.

وسنسرد بعض قصص الرسل السابقين قبل محمد صلى الله عليه وسلم؛ ليتبين لنا أن رسالة الرسل واحدة وهي الدعوة إلى عبادة الله وحده .

ب- أول هؤلاء الرسل بعد آدم (1)أبو البشر: نوح عليه السلام :

وقد كان بينه وبين آدم عشرة قرون، أرسله الله إلى قومه بعد أن ضلوا وأصبحوا يعبدون آلهة غير الله، فكانوا يعبدون الأصنام والأحجار والقبور، فبعثه الله إليهم يردهم إلى عبادة الله وحده، كما أخبرنا الله تعالى بذلك بقوله: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)[الأعراف:59]، واستمر يدعو قومه إلى عبادة الله زمناً طويلاً فما آمن معه إلا قليل فدعا ربه قائلاً: (رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا *وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا *وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا * مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا *وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) [نوح:5-14] ومع هذا الجهد المتواصل والحرص العجيب على هداية قومه إلا أنهم كذبوه وسخروا منه وألصقوا به تهم الجنون.

فأوحى الله إليه أنه (لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)[هود:36]، وأمره بصناعة سفينة يحمل فيها كل من آمن معه (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ *فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ * حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ *وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ *وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ* قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ* قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ) [هود:38-48].

ج- الرسول هود عليه السلام .

ثم بعد فترة من الزمن أرسل الله إلى قبيلة عاد في منطقة تسمى الأحقاف –بعد أن ضلوا وعبدوا غير الله- أرسل إليهم رسولاً منهم هو (هود) عليه السلام .

أخبرنا الله تعالى عن ذلك بقوله: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ* قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ* أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ* قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ * فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ)[الأعراف:65-72].

فأرسل الله عليهم ريحاً صرصراً في ثمانية أيام تدمر كل شيء بأمر ربها وأنجى الله هوداً والذين آمنوا معه.

د- الرسول صالح عليه السلام .

ثم مضت فترة من الزمن ونشأت قبيلة ثمود في شمال الجزيرة العربية وضلوا عن الهدى كما ضل مَن قبلهم، فأرسل الله إليهم رسول منهم هو (صالح) عليه السلام وأيده بآية تدل على صدقه، وهي ناقة عظيمة ليس لها نظير في المخلوقات، وأخبرنا الله تعالى بخبره فقال: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ* قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُون َ* قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ* فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ* فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ *فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ)[الأعراف:73-79].

هـ- الرسول إبراهيم عليه السلام

ثم بعث الله بعد ذلك إبراهيم عليه السلام إلى قومه بعد أن ضلوا وعبدوا الكواكب والأصنام، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ * وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُون * قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ *وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ)[الأنبياء:50-70].

ثم هاجر إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل بعد ذلك من فلسطين إلى مكة، وأمره الله وابنه إسماعيل ببناء الكعبة المشرفة، ودعا الناس للحج إليها وعبادة الله عندها.

(وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)[البقرة:125].

و- الرسول لوط عليه السلام

ثم بعد ذلك أرسل الله لوطاً إلى قومه وكانوا قوم سوء يعبدون غير الله ويرتكبون الفاحشة فيما بينهم قال الله تعالى (وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ*إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ*وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) [الأعراف:80-82] فأنجاه الله وأهله إلا امرأته كانت من الكافرين حيث أمره الله أن يخرج من القرية ليلاً هو وأهله، فلما جاء أمر الله جعل عاليها سافلها وأمطر عليها حجارة من سجيل منضود .

ز- الرسول شعيب عليه السلام

ثم بعث الله بعد ذلك إلى قوم مدين أخاهم شعيباً بعد أن ضلوا عن الهدى وانتشرت فيهم الأخلاق السيئة والاعتداء على الناس والتطفيف في المكيال والميزان، فأخبرنا الله عنهم بقوله: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ * وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ * قاَلَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ * قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ * وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ * فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ * فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ)[الأعراف:85-93].

وأرسل الله بعد ذلك رسلاً كثيرين إلى أمم الأرض وما من أمة إلا خلا فيها نذير.. أخبرنا الله عن بعضهم ولم يخبرنا عن كثير منهم وكلهم يرسلون برسالة واحدة هي أمر الناس بعبادة الله وحده لا شريك له، ونبذ عبادة غير الله. قال الله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)[النحل:36] .

ح- الرسول موسى عليه السلام.

ثم نشأ في مصر ملك طاغية متكبر، يقال له فرعون يدعي الألوهية ويأمر الناس بأن يعبدوه ويذبح من يشاء منهم ويظلم من يشاء، فأخبرنا الله تعالى عنه بقوله: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ *وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ

(1)* فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ * فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ * فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِين * وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ * وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ * فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ * اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ * قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ)[القصص:4-35]

فانطلق موسى وأخوه هارون إلى فرعون –الملك المتكبر- يدعوانه إلى عبادة الله رب العالمين: (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ *قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ * قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ* يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ * فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ * لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ *فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ *قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ * فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ * فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ* فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ * قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ * إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ *وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ * فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ *فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ *وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ *إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)[الشعراء:23-67].

فلما أدرك فرعون الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، قال الله تعالى: (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ*فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ)[يونس:91 ،92] .

وأورث الله (قوم موسى) الذين كانوا يُستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي بارك فيها ودمر ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون.

وأنزل الله بعد ذلك على موسى كتاب التوراة، فيه هدى للناس ونور يدلهم على ما يحبه الله ويرضاه وفيه بيان الحلال والحرام الذي يجب على بني إسرائيل (قومِ موسى) اتباعه .

ثم تُوفي موسى عليه السلام وبعث الله بعده كثيراً من الأنبياء إلى قومه -بني إسرائيل- يدلونهم على الطريق الصحيح كلما هلك نبي خلفه نبي آخر .

قص الله بعضهم علينا مثل داود وسليمان وأيوب وزكريا، ولم يقصص علينا كثيراً منهم. ثم ختم هؤلاء الأنبياء بعيسى بن مريم عليه السلام، الذي كانت حياته مليئة بالعجائب ابتداءً بمولده حتى رفعه إلى السماء .

تعرضت التوراة التي أنزلها الله على موسى على مر الأجيال للتحريف والتبديل على يد اليهود الذي يزعمون أنهم أتباع موسى عليه السلام وموسى بريء منهم والتوراة التي بين أيديهم لم تعد هي التوراة المنزلة من عند الله حيث أدخلوا فيها ما لا يليق صدوره عن الله، ووصفوا الله فيها بصفات النقص والجهل والضعف -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- قال الله تعالى في وصفهم: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)[البقرة:79] .

ط- الرسول عيسى عليه السلام

لقد كانت مريم بنت عمران البتول الطاهرة عابدة من العابدات المتّبعات لأوامر الله المنزلة على الأنبياء من بعد موسى، وكانت من الأسرة التي اصطفاها الله على العالمين. كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)[آل عمران:33]. وبشرتها الملائكة باصطفاء الله لها: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ*يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ)[آل عمران:42 ،43].

ثم أخبر الله سبحانه وتعالى كيف خلق عيسى في رحمها دون أن يكون له أب . كما في قول الله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا *قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا *قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا * فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا * فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا * ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ * وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ)[مريم:16-36].

فلما دعا عيسى عليه السلام الناس إلى عبادة الله، استجاب له من استجاب ورفض الدعوة كثير من الناس واستمر في دعوته يدعو الناس إلى عبادة الله؛ لكن كثير منهم كفر به وعاداه بل تألبوا عليه وحاولوا قتله! فقال الله تعالى له: (يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [آل عمران:55]. فألقى الله شُبهه على أحد الذين يطاردونه فقبضوا عليه يظنونه عيسى بن مريم عليه السلام فقتلوه وصلبوه وأما عيسى بن مريم الرسول فقد رفعه الله إليه . وقبل أن يغادر الدنيا بشر أصحابه بأن الله سيبعث رسولاً آخر اسمه أحمد ينشر الله به الدين. قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)[الصف:6].

ثم مضت فترة من الزمن انقسم فيها أتباع عيسى وخرجت منهم طائفة غلت فيه وزعمت بأن عيسى ابن الله –تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- وقد سول لها ذلك أن رأت عيسى عليه السلام ولد بدون أب فأخبر الله عن ذلك بقوله: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[آل عمران:59].فليس خلق عيسى بدون أب أعجب من خلق آدم بدون أب ولا أم.

ولذلك فالله يخاطب بني إسرائيل في القرآن ليبتعدوا عن هذا الكفر بقوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً * لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا *فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا)[النساء:171-173].

ويخاطب الله عيسى يوم القيامة بقوله: (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ *مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[المائدة:116-119].

ولذلك فالمسيح عيسى بن مريم -عليه السلام- بريء من هذه الملايين التي تسمي نفسها بالمسيحية ويعتقدون بأنهم أتباع المسيح .

3- محمد رسول الله (خاتم الأنبياء والمرسلين)

وبعد رفع عيسى عليه السلام مضت فترة طويلة من الزمن قرابة خمسة قرون ازداد انحراف الناس عن الهدى، وانتشر فيهم الكفر والضلال وعبادة غير الله تعالى، فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة في أرض الحجاز بالهدى ودين الحق؛ ليعبد الله وحده لا شريك له، وزوده بالآيات والمعجزات الدالة على نبوته ورسالته وختم به المرسلين، وجعل دينه خاتم الأديان وحفظه من التبديل والتغيير حتى نهاية الحياة الدنيا وقيام الساعة فمن هو محمد ؟ ومن هم قومه؟ وكيف أرسله؟ وما دلائل نبوته؟ وما هي تفاصيل سيرته؟

هذا ما سنحاول بيانه بإذن الله في هذه الصفحات الموجزة .

أ- نسبه وشرفه.

هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب من قبيلة قريش وقريش من العرب ولد في مكة عام 571 لميلاد المسيح -عليه السلام- . توفي والده وهو جنين فنشأ يتيماً تحت كفالة جده عبد المطلب ثم لما توفي جده كفله عمه أبو طالب.

ب- صفاته .

ذكرنا أن الرسول المختار من عند الله لا بد أن يكون في الذروة العليا من سمو النفس وصدق الحديث وحسن الأخلاق، وكذلك كان محمد صلى الله عليه وسلم فقد نشأ صادقاً أميناً حسن الخلق طيب الحديث فصيح اللسان محبوباً من القريب والبعيد معظماً في قومه ومحترماً بينهم لا يلقبونه إلا بالأمين، وكانوا يضعون عنده أماناتهم إذا سافروا .

وبالإضافة إلى حسن خلقه فقد كان جميل الخلقة لا تمل العين من رؤيته أبيض الوجه واسع العينين طويل أهداب العينين أسود الشعر عريض المنكبين، ليس بالطويل ولا القصير ربعة بين الرجال وهو إلى الطول أقرب.

يصفه أحد أصحابه فيقول: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حُلة يمانية فما رأيت أحسن منه قط" . وكان أمياً لا يقرأ ولا يكتب في قوم أميون قلَّ من يحسن القراءة والكتابة فيهم. لكنهم كانوا أذكياء أقوياء الذاكرة سريعوا البديهة.

ج- قريش والعرب .

كان قوم النبي صلى الله عليه وسلم وعشيرته يسكنون في مكة المكرمة بجانب البيت الحرام والكعبة المشرفة التي أمر الله إبراهيم -عليه السلام- وابنه إسماعيل ببنائها.

لكنهم مع تطاول الزمن انحرفوا عن دين إبراهيم (عبادةِ الله الخالصة) ووضعوا-هم والقبائل التي حولهم- أصناماً من الحجر والشجر والذهب حول الكعبة، وقدَّسوها واعتقدوا أن بيدها النفع والضر! وابتدعوا طقوساً من العبادات لها، ومن أشهرها صنم هُبل، الذي كان أكبر الأصنام وأعظمها شأناً . إضافة إلى أصنام أخرى وأشجار خارج مكة تعبد من دون الله، وتحاط بهالة من القداسة مثل اللاَّت والعزَّى ومناة، وكانت حياتهم مع البيئات التي حولهم مليئة بالبطر والفخر والخيلاء والاعتداء على الآخرين والحروب الطاحنة، وإن كانت فيهم بعض الأخلاق الحسنة مثل الشجاعة وإكرام الضيف وصدق الحديث وغيرها .

د- بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.

ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم من العمر أربعين سنه وكان في غار حراء خارج مكة نزل عليه أول وحي من السماء من عند الله فجاءه الملك جبريل، فغطه وقال له: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، ثم غطه ثانية حتى بلغ منه الجهد مبلغاً، فقال له: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، ثم غطه الثالثة حتى بلغ من الجهد مبلغاً أشد فقال له: اقرأ، فقال: ماذا أقرأ ،قال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[العلق:1-5].

ثم ذهب الملك وتركه، فرجع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بيته وزوجه خائفاً مذعوراً، فقال لزوجته خديجة: زمليني إني خشيت على نفسي فقالت له زوجه: كلا والله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتعين على نوائب الحق .

ثم جاءه جبريل على صورته التي خلقه الله عليها، قد سد ما بين الأفق فقال يا محمد أنا جبريل وأنت رسول الله.

ثم تتابع الوحي من السماء آمراً الرسول بدعوة قومه إلى عبادة الله وحده وإلى تحذيرهم من الشرك والكفر فبدأ يدعو قومه واحداً واحداً الأقرب فالأقرب؛ ليدخلوا في دين الإسلام فأول من آمن به زوجه خديجة بنت خويلد، وصديقه أبو بكر الصديق وابن عمه علي بن أبي طالب.

ثم لما علم قومه بدعوته بدأوا يواجهونه ويكيدونه ويعادونه. خرج على قومه صباحاً ذات يوم فناداهم بأعلى صوته "واصباحاه" وهي كلمة يقولها من أراد أن يجمع الناس فتتابع قومه يجتمعون ليسمعوا ما يقال لهم . فلما اجتمعوا قال لهم: " أرأيتم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد . فقال عمه أبو لهب –وهو أحد أعمامه كان هو وزوجته من أشد الناس عداوة للرسول صلى الله عليه وسلم-: تباً لك ألهذا جمعتنا . فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ*مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ*سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ*وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ*فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ)[المسد:1-5].

ثم استمر الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الإسلام، ويقول لهم قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، فقالوا أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب .

وتنزلت الآيات من عند الله تدعوهم إلى الهدى وتحذرهم من الضلال الذي هم فيه، والتي كان منها قول الله تعالى: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ *فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ) [فصلت:9-13].

لكن هذه الآيات وتلك الدعوة لم تزدهم إلا عتواً واستكباراً عن قبول الحق؛ بل أخذوا يشتدون في تعذيب كل من دخل في دين الإسلام، وخاصة من المستضعفين الذين ليس لهم من يحميهم، فيضعون على صدر أحدهم الصخرة الكبيرة، ويجرونه في الأسواق في شدة الحر ويقولون له اكفر بدين محمد أو ارض بهذا العذاب حتى مات منهم من مات من شدة التعذيب .

وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان في حماية عمه أبو طالب الذي يحبه ويحنو عليه، وهو من كبار قبيلة قريش المهيبين، غير أنه لم يدخل في الإسلام .

وحاولت قريش أن تساوم الرسول صلى الله عليه وسلم على دعوته فعرضوا عليه الأموال والملك والمغريات شرط أن يكف عن الدعوة إلى هذا الدين الجديد الذي يسيء إلى آلهتهم التي يقدسونها ويعبدونها من دون الله، فكان موقف الرسول صلى الله عليه وسلم صارماً قاطعاً؛ لأن هذا أمر أمره الله به ليبلغه للناس، ولو تخلى عن هذا الأمر لعذبه الله. وقال لهم إني أريد الخير لكم وأنتم قومي وعشيرتي "والله لو كذَّبتُ الناس كلهم ما كذبتكم ولو غششتُ الناس كلهم ما غششتكم" .

ولما لم تُجدِّ المساومات في وقف الدعوة، ازدادت عداوة قريش للرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه. وطلبت قريش من أبي طالب أن يسلمها محمد صلى الله عليه وسلم لتقتله، ويعطونه ما يشاء أو يكف عن الصدع بدينه بينهم، فطلب منه عمه أن يكف عن الدعوة إلى هذا الدين.

فاستعبر الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: " يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الدين ما تركته حتى يُظهره الله أو أهلك دونه" .

فقال عمُّه: امض فقل ما شئت والله لا يصلون إليك بشيء حتى أقتل دونك ولما حضرت الوفاة أبا طالب وعنده بعض كُبراء قريش جاءه الرسول صلى الله عليه وسلم يُلح عليه في الدخول في الإسلام ويقول له: يا عم قل كلمة أحاجُّ لك بها عند الله قل لا إله إلا الله فقال له الكبراء أترغب عن دين عبد المطلب (أترغب عن دين الآباء والأجداد) فاستعظم أن يترك دين آبائه ويدخل في دين الإسلام فمات مشركاً . فحزن النبي صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً على وفاة عمه على الشرك. فأخبره الله تعالى بقوله: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)[القصص:56].

ولحق الإيذاء بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة عمه أبي طالب، فكانوا يأخذون الأوساخ (من الحيوانات) ويضعونها على ظهره وهو يصلي عند الكعبة .

ثم خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مدينة الطائف ليدعو أهلها إلى الإسلام، (وهي مدينة تبعد عن مكة 70 كلم) فواجه أهل الطائف دعوته أشد مما فعل أهل مكة، وأغْروا سفهاءهم برجم النبي صلى الله عليه وسلم وطردوه من الطائف فاتبعوه يرمونه بالحجارة حتى أدموا عقبيه الشريفتين.

فتوجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه يدعوه ويستنصره، فأرسل الله إليه الملك فقال له إن ربك سمع مقالة قومك لك، فإن شئت أطبق عليهم الأخشبين -أي الجبلين الكبيرين- قال: لا ولكن أرجوا الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده وحده ولا يشرك به شيئاً .

ثم رجع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة واستمرت العداوة والمواجهة من قومه لكل من آمن به، ثم جاء نفر من مدينة يثرب –التي أصبحت تسمى بعد ذلك باسم المدينة المنورة- إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الإسلام فاسلموا، فأرسل معهم أحد أصحابه يقال له مصعب بن عمير يعلمهم تعاليم الإسلام، فأسلم على يديه كثير من أهل المدينة .

وجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من العام القادم يبايعونه على الإسلام، ثم أمر أصحابه المضطهدين بالهجرة إلى المدينة المنورة فهاجروا جماعات وأفراداً -وأُطلق عليهم لقب المهاجرين- وتلقاهم أهل المدينة بالتكريم والترحاب والقبول وأضافوهم في بيوتهم وتقاسموا معهم أموالهم ومنازلهم – وسُموا بعد ذلك بالأنصار- .

ثم لمّا علمت قريش بهذه الهجرة قررت قتل النبي صلى الله عليه وسلم فقرروا أن يحاصروا منزله الذي يبيت فيه فإذا خرج ضربوه بالسيف ضربة رجل واحد، فأنقذه الله منهم وخرج من بينهم وهم لا يشعرون، ولحق به أبو بكر الصديق وأمر علياً بالبقاء في مكة ليرد الأمانات المودعة عند الرسول إلى أصحابها.

وفي طريق الهجرة جعلت قريش جائزة ثمينة لمن يقبض على محمد صلى الله عليه وسلم حياً أو ميتاً لكن الله أنجاه منهم فوصل إلى المدينة مع صاحبه سالماً .

فاستقبله أهل المدينة بالبشر والترحاب والفرح الشديد، وخرجوا جميعاً من دورهم لاستقبال رسول الله يقولون جاء رسول الله جاء رسول الله .

استقر المقام بالرسول صلى الله عليه وسلم، فبدأ في المدينة أولاً ببناء المسجد لتقام فيه الصلوات، فجعل يعلم الناس شرائع الإسلام ويقرئهم القرآن ويربيهم على مكارم الأخلاق فالتف حوله أصحابه يتعلمون منه الهدى وتزكوا به نفوسهم وترتفع به أخلاقهم وتعمقت محبتهم للرسول صلى الله عليه وسلم وتَأَثَّروا بصفاته العالية وقويت رابطة الأخوة الإيمانية بينهم، وأصبحت المدينة بحق المدينة المثالية التي تعيش في جو من السعادة والإخاء لا فرق عند سكانها بين غني ولا فقير ولا أبيض ولا أسود ولا عربي ولا عجمي ولا يفضل بعضهم بعضاً إلا بالإيمان والتقوى، وتكوَّن من هؤلاء الصفوة أفضل جيل عرفه التاريخ .

وبعد سنة من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم بدأت المواجهات والمعارك بين الرسول وأصحابه ضد قبيلة قريش، ومن سار معها في عداء دين الإسلام.

فوقعت أول معركة بينهم، وهي معركة بدر الكبرى في واد بين مكة والمدينة، فأيد الله المسلمين وكان عددهم 314 مقاتلاً على قريش وكان عددهم 1000 مقاتل وانتصروا انتصاراً مظفراً قتل فيه من قريش سبعون معظمهم من الكبراء والقادة وأسر سبعون وفر الباقون .

ثم جاءت معارك أخرى بين الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم في آخرها (بعد خروجه من مكة بثمان سنين) أن يُسِّير جيشاً قوامه 10,000 مقاتل ممن دخلوا في دين الإسلام إلى مكة المكرمة ليغزوا قريشاً في عقر دارها ويدخلها عنوة وينتصر عليهم انتصاراً ساحقاً، ويهزم قبيلته التي أرادت قتله وعذبت أصحابه وصدت عن الدين الذي جاء به من عند الله .

فجمعهم بعد ذلك الانتصار الشهير وقال لهم: "يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: فاذهبوا فأنتم الطلقاء فعفا عنهم وترك لهم حرية اعتناق دين الإسلام".

فكان هذا سبباً في دخول الناس في دين الإسلام أفواجاً فأسلمت الجزيرة العربية كلها ودخلت في دين الإسلام .

ولم تمض فترة قصيرة من الزمن حتى حج الرسول صلى الله عليه وسلم فحج معه 114,000 ممن دخلوا حديثاً في دين الإسلام .

فوقف يخطب فيهم يوم الحج الأكبر يبين لهم أحكام الدين وشرائع الإسلام ثم قال لهم: لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ألا فليبلغ الشاهد الغائب، ثم نظر إليهم فقال: ألا هل بلغت فقال الناس: نعم فقال: اللهم فاشهد. ألا هل بلغت فقال الناس: نعم، فقال: اللهم فاشهد.

ثم رجع الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الحج إلى المدينة، وخطب الناس يوماً فقال لهم إن عبداً خيره الله بين الخلود في الدنيا أو ما عند الله فاختار ما عند الله، فبكى الصحابة وعلموا أنه يقصد نفسه وأنه قرب انتقاله من هذه الحياة الدنيا، وفي يوم الاثنين الثاني عشر من الشهر الرابع الهجري في السنة الحادية عشر من الهجرة اشتد المرض على الرسول صلى الله عليه وسلم، وبدأته سكرات الموت فنظر إلى أصحابه نظرة الوداع وأوصاهم بالمحافظة على الصلاة وأسلم روحه الشريفة وانتقل إلى الرفيق الأعلى .

صُدم الصحابة –رضوان الله عليهم- بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبلغ بهم الحزن والأسى مبلغه، وأثرت فيهم الفجيعة أثرها حتى أن أحدهم، وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه قام شاهراً سيفه من هول المفاجأة يقول لا أسمع أحداً يقول مات رسول الله إلا ضربت عنقه.

فقام أبو بكر الصديق يذكره بقول الله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)[آل عمران:144] . فما سمع عمر هذه الآية حتى سقط مغشياً عليه .

هذا هو محمد رسول الله، وخاتم الأنبياء والمرسلين بعثه الله إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة .

أيده الله بالقرآن الكريم كلام الله المنزل من السماء الذي (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[فصلت:42]، والذي لو اجتمع البشر من أول الدنيا إلى آخرها على أن يأتوا بمثله لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً .

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ * وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[البقرة:21-25]، فهذا القرآن مكون من مائة وأربعة عشر سورة فيها أكثر من ستة آلاف آية، والله يتحدى البشر على مر العصور أن يأتوا بسورة واحدة من مثل سور القرآن، وأقصر سورة في القرآن مكونة من ثلاث آيات فقط.

فإن استطاعوا ذلك فليعلموا أن هذا القرآن ليس من عند الله . وهذه من أعظم المعجزات التي أيدها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، كما أيده الله بمعجزات أخرى خارقة للعادة فمنها:

هـ- تأييد النبي صلى الله عليه وسلم بالمعجزات:

1- أنه كان يدعو الله ويضع يده في الإناء فينبع الماء من بين أصابعه ويشرب الجيش من هذا الماء وعددهم يزيد على الألف .

2- وكان يدعو الله ويضع يده في الطعام فيكثر الطعام في الصحفة حتى يأكل منه 1500 من الصحابة.

3- وكان يرفع يديه إلى السماء يدعو الله بإنزال المطر، فلا يفارق مكانه حتى يتساقط الماء من وجهه الشريف من أثر المطر.

ـ ومعجزات أخرى كثيرة.

ـ وأيده الله بحفظه فلا يصل إليه أحد ممن يريد قتله وإخماد النور الذي جاء به من عند الله، كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس)آلاية[المائدة:67].

ـ لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم – مع تأييد الله له- قدوة حسنة في كل أعماله وأقواله، وكان أول منفذ للأوامر التي تتنزل عليه من الله، وكان أحرص الناس على فعل العبادات والطاعات، وأكرم الناس، لا يبقي في يده شيء من المال إلا أنفقه في سبيل الله على المساكين والفقراء والمحتاجين، بل حتى الإرث قال لأصحابه: "إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة" .(1).

أما أخلاقه فلا يصل إليها أحد، ما صحبه أحد إلا أحبه من سويداء قلبه، فيصبح الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين.

يقول أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما مسست كفاً أطيب ولا ألين ولا أطيب رائحة من كف رسول الله ولقد خدمته عشر سنين فما قال لي لشيء صنعته لم صنعته ولا لشيء لم أصنعه لِمَ لمْ تصنعه " (2).

ذلك محمد رسول الله الذي أعلى الله قدره ورفع ذكره في العالمين فلا يُذكر إنسان في الوجود اليوم وقبل اليوم كما يذكر، فمنذ ألف وأربعمائة سنة وملايين المآذن في أنحاء الأرض تصدح كل يوم خمس مرات بقولها "أشهد أن محمداً رسول الله" مئات الملايين من المصلين يرددون في صلواتهم يومياً عشرات المرات " أشهد أن محمداً رسول الله" .

و- الصحابة الكرام

حمل الصحابة الكرام دعوة الإسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وانطلقوا بها في مشارق الأرض ومغاربها، وكانوا بحق خير دعاة لهذا الدين فقد كانوا أصدق الناس لهجة وأعظمهم عدلاً وأكثرهم أمانة وأحرصهم على هداية الناس ونشر الخير بينهم .

تخلقوا بأخلاق الأنبياء وتأسوا بصفاتهم، فكان لهذه الأخلاق أثرها الظاهر في قبول شعوب الأرض لهذا الدين فدخلت تباعاً في دين الله أفواجاً من غرب أفريقيا إلى شرق آسيا إلى وسط أوربا رغبة منها في هذا الدين دون قسر أو إكراه .

إنهم صحابة رسول الله أفضل الناس بعد الأنبياء، أشهرهم الخلفاء الراشدون الأربعة الذين حكموا دولة الإسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وهم:

1- أبو بكر الصديق .

2- عمر بن الخطاب.

3- عثمان بن عفـان .

4- علي بن أبي طالب.

يشعر المسلمون نحوهم بكل عرفان وتقدير، ويتقربون إلى الله تعالى بمحبة رسوله ومحبة أصحاب رسوله من الذكور والإناث ويجلونهم ويعظمونهم وينزلونهم في منزلتهم اللائقة بهم.

ولا يبغضهم ولا ينتقص من قدرهم إلا من كان كافراً بدين الإسلام حتى لو ادعى أنه مسلم .

4- أركان الإسلام

أ- الركن الأول: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .

وهي أول كلمة يجب أن يقولها الداخل في دين الإسلام، فيقول: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله) معتقداً لجميع معانيها، كما فصلناه فيما سبق .

فيعتقد أن الله هو الإله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وأنه هو الخالق وما سواه مخلوق وأنه هو وحده الإله المستحق للعبادة، فلا إله إلا هو ولا رب سواه ويعتقد أن محمداً عبد الله ورسوله؛ المنزل عليه الوحي من السماء المبلغ عن الله أمره ونهيه يجب تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر .

ب- الركن الثاني: إقام الصلاة .

وهي خمس صلوات في اليوم (وسيأتي الحديث بالتفصيل بمشيئة الله عن كيفية أداء الصلاة في الجزء الثاني من الكتاب) .

وفي الصلاة تبرز ملامح العبودية والخضوع لله تعالى، فالعبد يقف خاشعاً يتلو آيات القرآن ويعظم الله بأنواع الذكر والثناء يركع له ويخر له ساجداً، فيناجيه ويدعوه ويسأله من فضله العظيم فهي صلة بين العبد وربه الذي خلقه ويعلم سره وجهره وتقلبه في الساجدين وهي سبب لمحبة الله لعبده وقربه منه ورضاه عنه ومن تركها استكباراً عن العبودية لله غضب الله عليه ولعنه وخرج من دين الإسلام.

ج- الركن الثالث: الزكاة .

وهي نسبة معينة من رأس المال فرضها الله على الأغنياء تعطى للفقراء والمساكين المستحقين من أفراد المجتمع لرفع العوز والحاجة عنهم ومقدارها في النقود اثنان ونصف في المائة من رأس المال، توزع على من تجب لهم الزكاة سنوياً .

وهذا الركن سبب في انتشار التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع مع زيادة المحبة والألفة والتعاون بينهم وزوال الأحقاد والضغائن من الطبقات الفقيرة على مجتمعات الأغنياء والموسرين.

(وسنتحدث بمشيئة الله بشيء من التفصيل في الجزء الثاني من الكتاب عن مقدار الزكاة في الحيوانات والثمار والحبوب وعروض التجارة كما نبين وقت إخراجها وأصناف المستحقين لها) .

د- الركن الرابع: صوم رمضان .

الصوم: هو الإمساك عن الأكل والشرب وغشيان الزوجات، بنية التعبد لله من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .

وشهر رمضان الذي فرض الصيام فيه، هو الشهر التاسع من الأشهر القمرية، وهو الشهر الذي بدأ فيه نزول القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم .

قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه)[البقرة:185]

ومن الفوائد العظيمة للصوم التعود على الصبر وتقوية ملكة التقوى والإيمان في القلب، ذلك أن الصوم سر بين العبد وبين الله فالإنسان يستطيع إذا انفرد في مكان أن يأكل ويشرب ولا يعلم بافطاره أحد، فإذا ترك ذلك تعبداً لله وهو يعلم أنه لا يطلع عليه في عبادته هذه إلا الله.

كان ذلك سبباً في زيادة الإيمان والتقوى عنده، ولذلك أجر الصائمين عظيم عند الله بل لهم باب خاص في الجنة اسمه باب الريان .

هـ- الركن الخامس: حج البيت الحرام .

ويفرض على المسلم أداءه مرة واحدة في العمر، فإن زاد على ذلك كان تطوعاً قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)[آل عمران:97]. فيسافر المسلم إلى أماكن الشعائر في مكة المكرمة في شهر الحج وهو آخر الأشهر الهجرية القمرية، وقبل دخوله مكة يتجرد المسلم من ملابسه ويلبس لباس الإحرام وهو عبارة عن ردائين أبيضين.

ثم يقوم بأعمال الحج المختلفة من طواف بالكعبة المشرفة وسعي بين الصفا والمروة ووقوف بعرفة ومبيت بمزدلفة وغير ذلك مما سنذكره بمشيئة الله مفصلاً في نهاية الكتاب.

والحج أكبر تجمع للمسلمين على وجه الأرض يسود بينهم التآخي والتراحم والتناصح، لباسهم واحد ومناسكهم واحدة لا فضل لأحد منهم على الآخر إلا بالتقوى وأجر الحج عظيم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حج ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) .(1)

5- أركان الإيمان

لا يصح إسلام المسلم حتى يؤمن بالأمور التالية، والتي يُعبر عنها بأركان الإيمان الستة وهي كالتالي :- أن يؤمن :

ـ بالله .

ـ وملائكته .

ـ وكتبه .

ـ ورسله .

ـ وباليوم الآخر .

ـ وبالقدر خيره وشره.

وسيأتي الحديث بالتفصيل بمشيئة الله عن هذه الأركان الستة، في الجزء الثاني من هذا الكتاب.

6- تعاليم الإسلام وأخلاقه

أ- المأمورات

هذه بعض أخلاقيات الإسلام وآدابه التي يحرص على تأدب المجتمع المسلم بها نسردها بشكل موجز مختصر نحرص فيها على استنباط هذه الأخلاق، وتلك الآداب من مصادر الإسلام الرئيسية، كتاب الله (القرآن الكريم) وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .

- أولاً: صدق الحديث:

يُلزم الإسلام أتباعه المنتسبين إليه بصدق الحديث، ويجعله سمة لازمة لهم لا يجوز لهم بحال من الأحوال أن يتخلوا عنها، ويحذرهم أشد التحذير من الكذب وينفرهم عنه بأبلغ عبارة وأبين وصف قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة:119]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)(1)

والكذب ليس من صفات المؤمن بل هو من صفات المنافق (2)قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان)(3) .

ولذا تتطبع الصحابة الكرام بصفة الصدق حتى قال أحدهم ما كنا نعرف الكذب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

- ثانياً: أداء الأمانات والوفاء بالعهود والمواثيق والعدل بين الناس:

قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْل)[النساء:58]، وقال سبحانه: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً*وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [الإسراء:34 ،35] .

ومدح المؤمنين بقوله: (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ)[الرعد:20] .

- ثالثاً: التواضع وعدم التكبر:

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم من أكثر الناس تواضعاً، يجلس بين أصحابه كواحد منهم ويكره أن يقوم له الناس إذا حضر ولقد كان صاحب الحاجة يأخذ بيده فينطلق به فلا يرده حتى يقضي حاجته، وقد أمر المسلمين بالتواضع فقال: (إن الله أوحى لي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد) (1).

- رابعاً: الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير:

قال الله تعالى: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ)[البقرة:272]، وقد مدح الله المؤمنين بقوله: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً)[الإنسان:8]. والكرم والجود صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن اقتدى به من المؤمنين، لا يبقى عنده شيء من مال إلا أنفقه في وجوه الخير. قال جابر رضي الله عنه -أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم-: " ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، شيئاً قط فقال لا" وحث على إكرام الضيف فقال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) (2).

- خامساً الصبر واحتمال الأذى:

قال الله تعالى: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[لقمان:17]، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين)[البقرة:153]وقال تعالى: (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل:96]، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الناس صبراً واحتمالاً للأذى وعدم المجازاة بالسيئة؛ آذاه قومه وهو يدعوهم إلى الإسلام وضربوه حتى أدموه فيمسح الدم عن وجهه ويقول: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) (3).

- سادساً: الحياء:

المسلم عفيف حيي، والحياء شعبة من شعب الإيمان، وهو دافع للمسلم إلى كل خلق فاضل، ويمنع صاحبه من البذاءة والفحش في القول والفعل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحياء لا يأتي إلا بخير)(1) .

- سابعاً: بر الوالدين:

بر الوالدين والإحسان إليهما وحسن التعامل معهما وخفض الجناح لهما من الواجبات الأساسية في دين الإسلام، ويزداد هذا الواجب تأكيداً كلما تقدم الوالدان في الكبر واحتاجا إلى ولدهما . وقد أمر الله تعالى ببرهما في كتابه وأكد على عظيم حقهما فقال سبحانه: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً)[الإسراء:23، 24] .

وقال سبحانه: (وَوَصَّيْنَا الْإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)[لقمان:14] .

وسأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحق الناس بحسن صحبتي قال: أمك، قال: ثم من، قال: أمك، قال: ثم من، قال: أمك، قال: ثم من، قال: أبوك)(2) .

ولذلك فالإسلام يوجب على المسلم طاعة والديه في جميع ما يأمران به إلا أن يكون معصية لله فعند ذلك لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق قال الله تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً)[لقمان:15]، كما يوجب عليه توقيرهما وخفض الجناح لهما وتكريمهما بالقول والفعل وبرهما بكل ما يستطيع من أنواع البر كإطعامهما وكسوتهما وعلاج مريضهما ودفع الأذى عنهما والدعاء والاستغفار لهما وإنفاذ وعدهما وإكرام صديقهما.

- ثامناً: حسن الخلق مع الآخرين:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً)(3)

وقال صلى الله عليه وسلم: (إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً)(1) .

ووصف الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[القلم:4]. وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتتم مكارم الأخلاق) (2)لذلك يجب على المسلم أن يكون حسن الخلق مع والديه باراً بهما كما أسلفنا حسن الخلق مع أولاده مربياً لهم تربية حسنة معلماً لهم تعاليم الإسلام مبعداً لهم عن كل ما يضرهم في الدنيا والآخرة منفقاً عليهم من ماله حتى يبلغوا سن الاعتماد على النفس والقدرة على الكسب، وكذلك فهو حسن الخلق مع زوجه وإخوانه وأخواته وأقاربه وجيرانه والناس أجمعين يحب لإخوانه ما يحب لنفسه. واصلاً لرحمه وجيرانه يوقر كبيرهم ويرحم صغيرهم ويعود ويواسي منكوبهم عملاً بقوله تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيل)[النساء:36]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره) (3).

- تاسعاً: الجهاد في سبيل الله تعالى لنصرة المظلوم وإحقاق الحق ونشر العدل

قال الله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة:190] وقال سبحانه وتعالى: (وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً)[النساء:75] .

فهدف الجهاد الإسلامي إحقاق الحق، ونشر العدل بين الناس، وقتال الذين يظلمون العباد ويضطهدونهم ويمنعونهم من عبادة الله واعتناق دين الإسلام، وهو بالمقابل يرفض فكرة إجبار الناس بالقوة على الدخول في دين الإسلام قال الله تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)[البقرة:256] .

وخلال المعارك لا يجوز للمسلم قتل المرأة ولا الطفل الصغير ولا الشيخ المسن بل يقاتل المحاربين الظالمين .

ومن قُتل في سبيل الله تعالى فهو شهيد وله المنزلة والأجر والثواب عند الله تعالى قال الله تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ*فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)[آل عمران:169،170] .

- عاشراً: الدعاء والذكر وتلاوة القرآن:

كلما ازداد إيمان المؤمن ازداد ارتباطه بالله تعالى ودعاءه له وتضرعه بين يديه بقضاء حاجاته في الدنيا وغفران ذنوبه وسيئاته ورفع درجاته في الآخرة، والله كريم جواد يحب أن يسأله السائلون قال سبحانه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)[البقرة:186] فالله يجيب الدعاء إذا كان خيراً للعبد، ويثيب العبد على هذا الدعاء .

وكذلك من صفات المؤمن كثرة ذكر الله تعالى ليلاً ونهاراً سراً وجهراً فيعظم الله تعالى بأنواع التعظيم والذكر مثل قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وغير ذلك من صيغ ذكر الله تعالى وقد رتب على ذلك الأجر العظيم والثواب الجزيل من الله تعالى: قال الرسول صلى الله عليه وسلم (سبق المفرِّدون قالوا: وما المفردون يا رسول الله قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات) (1). وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الأحزاب:41 ،42] . وقال سبحانه: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) [البقرة:152] . ومن الذكر تلاوة كتاب الله – القرآن الكريم – فكلما أكثر العبد من تلاوة القرآن وتدبره زادت منزلته عند الله .

يقال لقارئ الكريم يوم القيامة (اقرأ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها)(2) .

- الحادي عشر: تعلم العلم الشرعي وتعليمه للناس والدعوة إليه:

قال صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة) وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع) (1).

وقال صلى الله عليه وسلم (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) (2)وقال صلى الله عليه وسلم (إن الملائكة ليصلون على معالم الناس الخير)(3) . وقال صلى الله عليه وسلم (من دعا إلى هدى كان له مثل أجر من عمل به لا ينقص من أجورهم شيئاً)(4).

وقال سبحانه: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33]

- الثاني عشر: الرضى بحكم الله ورسوله:

عدم الاعتراض على أمر شرعه الله، فالله سبحانه هو أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، ولا يتأثر حكمه بأهواء العباد وأطماع المستبدين، ومن رحمته أن شرع لعباده ما في مصلحتهم في الدنيا والآخرة، وألا يكلفهم في ذلك ما لا يطيقون . ومن مقتضى العبودية له، التحاكم إلى ما شرعه الله في كل أمر مع تمام الرضى القلبي بذلك .

قال الله تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[النساء:65] . وقال سبحانه: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)[المائدة:50] .

ب- المحرمات والمنهيات

- أولاً: الشرك: (صرف أي نوع من أنواع العبودية لغير الله تعالى):

كمن يسجد لغير الله أو يدعو غير الله ويطلب منه قضاء حاجاته أو يذبح القرابين لغير الله أو يقدم أي نوع من أنواع العبودية لغير الله، سواء كان هذا المدعو حياً أو ميتاً أو قبراً أو صنماً أو حجراً أو شجراً أو ملكاً أو نبياً أو ولياً أو حيواناً أو غير ذلك كل هذا من الشرك الذي لا يغفره الله تعالى للعبد إلا أن يتوب ويدخل في الإسلام من جديد .

قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً)[النساء:48] . فالمسلم لا يعبد إلا الله عز وجل ولا يدعو إلا الله ولا يخضع إلا لله قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[الأنعام:162، 163] .

ومن الشرك أيضاً: اعتقاد أن لله زوجة أو ولداً – تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- أو اعتقاد أن هناك آلهة غير الله تتصرف في هذا الوجود (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)[الأنبياء:22] .

- ثانياً: السحر، الكهانة، وادعاء علم الغيب:

السحر والكهانة كفر، ولا يكون الساحر ساحراً إلا بصلته بالشياطين، وعبادته من دون الله فلذلك لا يجوز للمسلم الذهاب إلى السحرة ولا يجوز له تصديقهم فيما يكذِّبون به من ادعائهم علم الغيب، وفيما يخبرون من الحوادث والأخبار التي يزعمون وقوعها في المستقبل .

قال الله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)[النمل:65]، وقال سبحانه: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً*إِلَّا مَنِ ارْتَ ضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً)[الجـن:26، 27]

- ثالثاً: الظلم:

والظلم باب واسع يدخل فيه كثير من أعمال السوء والصفات القبيحة التي تؤثر على الفرد، يدخل فيه ظلم الفرد لنفسه، وظلمه لمن حوله، وظلمه لمجتمعه، بل وظلمه لأعدائه، وقد أخبرنا الله تعالى بأنه لا يحب الظالمين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) (1). وقال صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) (2).

- رابعاً: قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق:

وهي جريمة عظيمة في دين الإسلام توعد الله عليها بالعذاب الأليم ورتب عليها أقسى العقوبات في الدنيا وذلك بقتل القاتل إلا أن يعفو أولياء المقتول، قال الله تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)[المائدة:32]، وقال سبحانه: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)[النساء:93] .

- خامساً: الاعتداء على الناس في أموالهم:

سواءً بالسرقة أو الغصب أو الرشوة أو الاحتيال أو غير ذلك، قال الله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[المائدة:38] . وقال سبحانه: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)[البقرة:188]، وقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)[النساء:10].

فالإسلام يحارب بقوة الاعتداء على أموال الآخرين، ويشدد في ذلك، ويرتب على المعتدي العقوبات الغليظة الزاجرة له ولأمثاله المخلين بنظام وأمن المجتمع .

-سادساً: الغش والغدر والخيانة:

في كافة المعاملات من بيع وشراء ومعاهدات وغير ذلك، وهي صفات ذميمة نهى الإسلام عنها وحذر منها .

قال الله تعالى: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [المطففين:1-5]. وقال صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا)(1) . وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً)[النساء:107].

- سابعاً: الاعتداء على الناس:

في أعراضهم بالسب والشتم والغيبة والنميمة والحسد وسوء الظن والتجسس والسخرية وغير ذلك. يحرص الإسلام على إقامة مجتمع نظيف طاهر؛ تسوده المحبة والأخوة والوئام والتعاون ولذلك فهو يكافح وبشدة جميع الأمراض الاجتماعية المؤدية إلى تفكك المجتمع وبروز الشحناء والبغضاء والأنانية بين أفراده.

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ)[ الحجرات:11، 12].

كما أن الإسلام يحارب وبشدة التفرقة العنصرية والتمييز الطبقي بين أفراد المجتمع فالكل في نظره سواسية لا فضل لعربي على عجمي ولا أبيض على أسود إلا بما يحمله الواحد منهم في قلبه من دين وتقوى. يتنافس الجميع على حد سواء في الأعمال الصالحة، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[الحجرات:13] .

- ثامناً: لعب القمار -الميسر- وشرب الخمر وتعاطي المخدرات:

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)[المائدة:90، 91].

- تاسعاً: أكل لحم الميتة والدم ولحم الخنزير:

وجميع المتقذرات الضارة بالإنسان، وكذلك الذبائح المتقرب بها لغير الله تعالى قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[البقرة:172، 173] .

- عاشراً: مقارفة الزنا وعمل قوم لوط:

الزنا عمل خبيث مفسد للأخلاق والمجتمعات ومسبب لاختلاط الأنساب وضياع الأسر وفقدان التربية الصحيحة، وأولاد الزنى يشعرون بمرارة الجريمة وكراهية المجتمع، قال الله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً)[الإسراء:32].

وهو سبب لانتشار الأمراض الجنسية المدمرة لكيان المجتمع؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما انتشرت الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأمراض التي لم تكن في أسلافهم)(1) .

ولذلك أمر الإسلام بسد جميع المنافذ المؤدية إليه، فأمر المسلمين بغض أبصارهم لأن النظرة المحرمة هي بداية الطريق إلى الزنا، وأمر النساء بالستر والحجاب والعفاف، حتى يصان المجتمع من رذيلة الفواحش، وبالمقابل أمر بالزواج وحث عليه ورغب فيه بل ووعد بالأجر والمثوبة حتى على المتعة الجنسية التي يمارسها الزوجان وذلك كي تنشأ أسر كريمة عفيفة مؤهلة لتكون محاضن تربوية ناجحة لطفل اليوم ورجل الغد .

- الحادي عشر: أكل الربا:

الربا دمار للاقتصاد، واستغلال لحاجة المحتاج إلى المال، سواء كان تاجراً في تجارته أو كان فقيراً لحاجته. وهو إقراض المال إلى أجل معين مقابل زيادة معينة عند سداد المال، فالمرابي يستغل حاجة الفقير المحتاج إلى المال ويثقل ظهره بالديون المتراكمة الزائدة عن رأس المال.

والمرابي يستغل حاجة التاجر أو الصانع أو المزارع أو غيرهم ممن يحركون الاقتصاد .

يستغل حاجتهم الماسة إلى السيولة النقدية فيفرض عليهم جزءاً زائداً من الأرباح فيما يقرضهم دون أن يكون شريكاً لهم فيما يتعرضون له من مخاطر الكساد والخسارة .

وإذا خسر هذا التاجر تراكمت عليه الديون وسحقه هذا المرابي، بينما لو كانوا شركاء في الربح والخسارة، هذا بجهده وهذا بماله، كما أمر الإسلام، لدارت عجلة الاقتصاد بشكل مستمر في مصحلة الجميع.

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[البقرة:278، 279، 280].

- الثاني عشر: الشح والبخل:

وهو دليل على الأنانية وحب الذات، فيكنز هذا البخيل ماله ويرفض إخراج زكاته للفقراء والمساكين متنكراً لمجتمعه رافضاً لمبدأ التعاون والأخوة التي أمر الله ورسوله بها. قال الله تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)[آل عمران:180] .

- الثالث عشر: الكذب وشهادة الزور:

وقد قدمنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً).

ومن أنواع الكذب الممقوت ما يكون شهادة الزور وقد بالغ النبي صلى الله عليه وسلم في التنفير منها والتحذير من عواقبها، فرفع بذلك صوته قائلاً لأصحابه: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور)(1) فما زال يكررها تحذيراً للأمة أن تقع فيها .

- الرابع عشر: الكبر والغرور والعجب والخيلاء:

الكبر والغرور والخيلاء، صفات قبيحة مستهجنة مبغوضة في دين الإسلام وقد أخبرنا الله تعالى بأنه لا يحب المتكبرين، وقال عنهم في الدار الآخرة (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِين)[الزمر:60]، فالمتكبر المغرور المعجب بنفسه مبغوض من الله مبغوض من خلقه.

ج- التوبة عن المحرمات

هذه الكبائر والمحرمات التي ذكرناها، يجب على كل مسلم أن يحذر حذراً شديداً من الوقوع فيها، فإن كل عمل يعمله الإنسان يجازى عليه يوم القيامة. إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً .

وإذا سقط المسلم في شيء من هذه المحرمات، فليبادر مباشرة إلى التوبة منها، واللجوء إلى الله وطلب المغفرة منه، وعليه إن كانت توبته صادقة أن يقلع عن هذا الذنب الذي وقع فيه، ويندم على ما فعل، ويعزم على أن لا يعود إليه وإن كانت وقعت منه مظلمة لأحد أن يردها أو يطلب منه الصفح، عند ذلك تكون توبته صادقة ويتوب الله عليه ولا يعاقبه عليها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

وعليه أن يستغفر الله كثيراً، بل على كل مسلم أن يكثر من الاستغفار مما يلم به من أخطاء صغيرة أو كبيرة، قال الله تعالى: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً)[نوح:10]، فكثرة الاستغفار والإنابة إلى الله صفة المؤمنين المخبتين قال الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ*وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ)[الزمر:53، 54]

د- عناية المسلمين بصحة نقل هذا الدين .

لما كانت أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته هي المبينة لكلام الله تعالى الشارحة للأوامر والنواهي في دين الإسلام، عَني المسلمون عناية عظيمة بصحة نقل الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجتهدوا اجتهاداً عظيماً في تصفية هذه النقول من الزيادات التي ليست من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي بيان الأقوال المكذوبة عليه صلى الله عليه وسلم ووضعوا لذلك أدق القواعد والنظم التي يجب أن تراعى في نقل هذه الأحاديث من جيل إلى جيل.

وسنتحدث بشكل مختصر جداً عن هذا العلم (علم الحديث) حتى يتبين للقارئ ذلك الأمر الذي تميزت به الأمة الإسلامية عن سائر الملل والنحل فيما يسرها الله له من حفظ دينه صافياً نقياً لا تختلط به الأكاذيب والخرافات على مر العصور والأزمنة.

لقد اعتمد نقل كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم على أمرين رئيسين هما:

الحفظ في الصدور، والكتابة في السطور، وكان المسلمون الأولون من أكثر الأمم قدرة على الحفظ الدقيق والاستيعاب الواسع لما يتميزون به من صفاء الذهن وقوة الذاكرة، وهذا معلوم بين لمن اطّلع على سيرهم، وسبر أخبارهم، لقد كان الصحابي يسمع الحديث من فمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيحفظه جيداً وينقله بدوره بعد ذلك للتابعي الذي يحفظه، ثم يبلغه لمن بعده، وهكذا يستمر إسناد الحديث إلى أحد علماء الحديث الذي يكتب هذه الأحاديث، ويحفظها عن ظهر قلب ويجمعها في كتاب ويقرأ هذا الكتاب على تلاميذه فيحفظون هذه الأحاديث ويكتبونها، ثم يقرأونها على تلاميذهم وهكذا دواليك، حتى تصل هذه الكتب إلى جميع الأجيال اللاحقة بهذه الطريقة وهذا الأسلوب.

ولهذا فلا يقبل مطلقاً حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دون معرفة إسناده من الرواة الذين نقلوا هذا الحديث إلينا .

وترتب على هذا الأمر أيضاً علم آخر تميزت به أمة الإسلام عن سائر الأمم هو علم الرجال أو علم الجرح والتعديل .

وهو علم يُعنى بمعرفة حال هؤلاء الرواة الذين ينقلون أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . فيعنى بسيرهم الذاتية، بتاريخ ولادتهم ووفاتهم بمعرفة شيوخهم وتلاميذهم وتوثيق العلماء المعاصرين لهم ومدى ضبطهم وإتقانهم للحفظ، وما يتحلون به من الأمانة وصدق الحديث إلى غير ذلك من الأمور التي تهم عالم الحديث ليتأكد من صحة الحديث المروي عن طريق هذه السلسلة من الرواة .

إنه علم انفردت به هذه الأمة حرصاً منها على صحة الكلام المنسوب إلى نبيها، ولا يوجد في التاريخ كله من أوله إلى يومنا هذا أن حدث هذا الجهد الضخم الهائل من العناية بحديث أحد من الناس مثلما عني بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .

إنه علم ضخم مدون في كتب عنيت عناية تامة برواية الحديث، وذكرت السير الذاتية المفصلة لآلاف الرواة لا لشيء إلا أنهم كانوا الواسطة في نقل أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأجيال التي تليهم، ولم يكن في هذا العلم مجاملة لأحد من الناس بل هو كالميزان في دقة النقد يقال عن الكذاب بأنه كاذب، والصادق بأنه صادق وسيء الحفظ، وقوي الحفظ بأنه كذلك ووضعوا لذلك أدق القواعد التي يعرفها أهل هذا الفن.

ولا يكون الحديث صحيحاً عندهم إلا إذا اتصلت سلسلة الرواة بعضها ببعض، وتوفر في هؤلاء الرواة العدالة وصدق الحديث مع قوة الحفظ والضبط وإذا أردنا أن نطلَّ من نافذة صغيرة على هذا البحر الواسع من علم الحديث فلنأخذ مثالاً واحداً على ذلك .

نفتح مثلاً الكتاب العظيم صحيح البخاري صـ 1/126 لنقرأ فيه قوله:

حدثنا أبو نعيم حدثنا زكريا عن عامر قال سمعت النعمان بن بشير يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا إن حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)(1) فمن هو أبو نعيم ومن هو زكريا ومن هو عامر ومن هو النعمان بن بشير المذكورين في سند هذا الحديث متى ولدوا ومتى فارقوا الحياة وما هو حظهم من الأمانة وضبط الأحاديث ومن هم شيوخهم الذين رووا عنهم الأحاديث ومن هم تلاميذهم الذين تلقوا عنهم الأحاديث. كل ذلك نجده مدوناً في كتب علم الرجال (علم الجرح والتعديل) .

إفتح مثلاً كتاب تهذيب التهذيب المتخصص في ذكر السير الذاتية لهؤلاء الرواة بأوضح صورة وأدق تفصيل . للتتعرف على أبي نعيم هذا تجده يخبرك عنه بقوله:

1) أبو نعيم: هو الفضل بن دكين وهو لقبه واسمه: عمرو بن حماد بن زهير بن درهم التيمي روى عن الأعمش وأيمن بن جزيل وسلمة بن نبيط والثوري ومالك بن أنس وابن أبي زائده وغيرهم.

روى عنه البخاري، فأكثر وأبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن راهوية، وغيرهم، ولد سنة ثلاثين ومائة في آخرها .

قال حنبل عن أحمد (أبو نعيم أعلم بالشيوخ وأنسابهم وبالرجال) وقال يعقوب بن سفيان: (أجمع أصحابنا على أن أبا نعيم كان غاية في الإتقان). توفي سنة ثماني عشرة ومائتين انتهى مختصراً .

تهذيب التهذيب (8/270-276).

ويحدثك عن زكريا فيقول:

2) زكريا: ابن أبي زائدة خالد بن ميمون بن فيروز، أبو يحيى الكوفي روى عن أبي إسحاق السبيعي، وعامر الشعبي، وسِماك وغيرهم، روى عنه ابنه يحيى والثوري وأبو نعيم وغيرهم .

قال القطان: ليس به بأس، قال النسائي ثقة، وقال عبد الله عن أبيه: ثقة حلو الحديث، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث . توفي سنة 147هـ . وقال ابن قانع: كان قاضياً بالكوفة .انتهى مختصراً .

تهذيب التهذيب 3/329

ويحدثك عن عامر فيقول:

3) عامر الشعبي: هو عامر بن شراحيل بن عبد، وقيل عامر بن عبد الله بن شراحيل الشعبي الحميري الكوفي، من شعب همدان روى عن سعد بن أبي وقاص، وزيد بن ثابت وأبي هريرة والنعمان بن بشير، وغيرهم روى عنه: أبو إسحاق السبيعي وزكريا وابن أبي زائدة والأعمش وغيرهم، كان مولده لست سنين خلت من خلافة عمر، قال العجلي: سمع من ثمانية وأربعين من الصحابة . وقال مكحول: ما رأيت أفقه منه، وقال ابن معين وأبو زرعة وغيرهم، أنه توفي سنة ثلاث عشرة ومائة وقيل (4) وقيل (6) وقيل (7) انتهى مختصراً .

تهذيب التهذيب 5/65

ويحدثك عن النعمان بن بشير:

4) النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس بن زيد الأنصاري الخزرجي، له ولأبيه صحبة، كان أول مولود في الإسلام من الأنصار بعد الهجرة بأربعة عشر شهراً، كان قاضي دمشق بعد فضالة ابن عبيد توفي سنة خمس وستين . انتهى مختصراً .

الإصابة في تمييز الصحابة 3/559

وكلما كثرت رواية الراوي للأحاديث كلما كانت الترجمة عنه عميقة وواسعة وشاملة لكثير من حياته، وكلما قلت روايته للحديث قلت العناية بترجمته واختصرت في أسطر قليلة .

الأمر الآخر في علم الحديث

هو في تعدد سلسلة الإسناد للحديث الواحد، بحيث يصل الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طريق أكثر من سلسلة من سلاسل الرواة، فيكون للحديث الواحد إسنادان أو ثلاثة أو أربعة أسانيد وأحياناً عشرة أسانيد وأحياناً أكثر من ذلك .

وكلما تعددت سلسلة الإسناد كلما قوي الحديث وازدادت الثقة في نسبته للرسول صلى الله عليه وسلم . فالحديث الذي يرويه أكثر من عشرة من الثقات في كل طبقاته يسمى الحديث المتواتر وهو أنواع النقل لدى المسلمين، وكلما كانت القضية هامة في دين الإسلام كبيان أركان الإسلام مثلاً كانت الروايات المتواترة لها أكثر، وتعددت أسانيد الرواية لها، وكلما كانت القضية من الفروع والمستحبات كانت الأسانيد الراوية لها أقل والاهتمام بها أضعف .

وأعلى اهتمام بالرواية اهتم المسلمون في دقة النقل هو نقل القرآن الكريم حيث لقي عناية عالية كتابة في السطور وحفظاً في الصدور، وإتقاناً لألفاظه ومخارج حروفه وطريقة قراءته، وقد نقله بأسانيد الرواية الآلاف إلى الآلاف عبر الأجيال المتعاقبة، ولذلك لم تدخل إليه يد التحريف ولا التبديل على مر السنين فالمصحف الذي يقرأ في المغرب هو نفس المصحف الذي يقرأ في المشرق هو نفس المصحف الموجود في شتى بقاع الأرض مصداقاً لقول الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر:9] .

هـ- وبعــد:

فهذا هو دين الإسلام الذي يعلن إفراد الله تعالى بالألوهية، شعاره (لا إله إلا الله)، هذا هو دين الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده ديناً .

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً)[المائدة:3].

هذا هو دين الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].

هذا هو دين الإسلام الذي من آمن به وعمل صالحاً كان من الفائزين في جنات النعيم (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً)[الكهف:107،108] .

هذا هو دين الإسلام، ليس حكراً على طائفة من الناس، وليس خاصاً بجنس من البشر، بل من آمن به ودعا الناس إليه كان أولى الناس به وكان هو الأكرم عند الله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)[الحجرات:13].

وعلينا أن ننبه القارئ الكريم على أمور مهمة تحول بين الناس وبين هذا الدين وتصدهم عن الدخول فيه .

أولاً: الجهل بدين الإسلام عقيدة وشريعة وآداباً –والناس أعداء ما جهلوا- ولذا فعلى المهتم بمعرفة دين الإسلام أن يقرأ ثم يقرأ ثم يقرأ ثم يقرأ حتى يتعرف على هذا الدين من مصادره الأصلية ولتكن القراءة بروح حيادية عادلة تبحث عن الحق بكل تجرد .

ثانياً: التعصب للدين والعادات والثقافات التي ينشأ عليها الفرد دون أن يفكر بعمق وروية في صحة الدين الذي نشأ عليه، وتتحرك فيه العصبية القومية فترفض كل دين آخر غير دين آبائه وأجداده فالتعصب يغمض العينين ويسد الآذان ويحجر على العقول، فلا يفكر المرء بحرية وحياد ولا يفرق بين الظلمات والنور .

ثالثاً: أهواء النفس ورغباتها وشهواتها، فإنها تسير التفكير والإرادة إلى حيث تريد وتدمر الإنسان من حيث لا يشعر وتمنعه بقوة من قبول الحق والانقياد له .

رابعاً: وجود بعض الأخطاء والانحرافات عند بعض المسلمين وتنسب زوراً وبهتاناً إلى دين الإسلام، والإسلام منها بريء، وليتذكر الجميع أن دين الله ليس مسئولاً عن أخطاء البشر .

وإن أسهل طريق لمعرفة الحق والهدى أن يتوجه الإنسان بقلبه إلى الله منيباً مخبتاً يتضرع إليه يسأله أن يهديه الصراط المستقيم والدين القويم الذي يحبه الله ويرضاه وينال العبد الحياة الهنية والسعادة الأبدية التي لا يشقى بعدها أبداً وليعلم بأن الله يجيب دعوة الداعي إذا دعاه قال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186]



(1) ستأتي قصة خلق الله لآدم أبو البشر .

(1) جعلته أمه في التابوت، وألقت به في اليم .

(1) الحديث أخرجه الإمام أحمد (2/463) وإسناده صحيح كما ذكر أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (19/92) (لا تقتسم ورثتي ديناراً ما تركت بعد نفقة نسائي مئونة عامل فهو صدقة) .

(2) أخرجه البخاري (4/230) .

(1) الحديث أخرجه البخاري (2/164) كتاب الحج، باب فضل الحج المبرور.

(1)

(2) المنافق من يظهر أنه مسلم لكنه في حقيقة أمره واعتقاده القلبي غير مؤمن بدين الإسلام .

(3) الحديث أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب علامة المنافق (1/15) .

(1) الحديث أخرجه مسلم (17/200) كتاب الجنة باب الصفات التي يعرف بها أهل الجنة .

(2)

(3) الحديث أخرجه البخاري: كتاب المرتدين باب (5) (9/20).

(1) الحديث أخرجه البخاري: كتاب الأدب باب الحياء (8/35)

(2) الحديث أخرجه البخاري: كتاب الأدب باب من أحق الناس بحسن الصحبة (8/2) .

(3) الحديث أخرجه أبو داود: كتاب السنة باب الدليل على زيادة ونقصانه (5/6)، والترمذي كتاب الرضاع باب ما جاء في حق المرأة على زوجها (3/457) وقال الترمذي: حسن صحيح وفي حكم الألباني: انظر صحيح أبي داود (3/886).

(1) الحديث أخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم (4/230) بلفظ (إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً).

(2) الحديث أخرجه الأمام أحمد في المسند (17/80) وقال أحمد شاكر إسناده صحيح، وأخرجه البخاري في الأدب، والبيهقي في شعب الإيمان، والحاكم في المستدرك .

(3) الحديث أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره: (8/13).

(1) الحديث أخرجه مسلم: كتاب الذكر والدعاء – باب الحث على الذكر (17/4) .

(2)

(1) الحديث أخرجه الترمذي: أبواب العلم، باب فضل الفقه في العبادة(4/153)، وأبو داود: كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم (4/5857)، وابن ماجة في المقدمة (1/81) وصححه الألباني (صحيح الجامع (5/302).

(2) الحديث أخرجه البخاري: كتاب الفضائل، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه (6/236).

(3) الحديث أخرجه الترمذي: كتاب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة (5/50) بسياق أطول.

(4) أخرجه مسلم: كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة (16/ 227) .

(1) أخرجه مسلم :كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم (16/132).

(2) أخرجه البخاري: كتاب المظالم والغصب، باب أعن أخاك ظالماً أو مظلوماً: (3/168)

(1) الحديث أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب قول النبي (من غشنا فليس منا) (2/109).

(1) الحديث أخرجه ابن ماجة: كتاب الفتن، باب العقوبات (2/1333)، وقال عنه الألباني: حسن (صحيح ابن ماجة)(2/370).

(1) الحديث أخرجه البخاري: كتاب الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور (3/225).

(1) الحديث أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه (1/20) .