الوصف
أحكام الجنائز في ضوء الكتاب والسنة : كتاب يحتوي على بيان مفهوم الجنائز، وأحكام غسل الميت، وتكفينه، والصلاة عليه، وأحكام حمل الجنازة واتباعها وتشييعها، وأحكام الدفن وآدابه، وأحكام التعزية، وفضلها، وأحكام زيارة القبور وآدابها، وأحكام إحداد المرأة على زوجها؛ وغيرها من المسائل.
ترجمات أخرى 2
أحكام الجنائز في ضوء الكتاب والسنة
مفهوم، واغتنام، ومواعظ، وآداب، وحقوق وصبر،
واحتساب، وفضائل، وأحكام
في ضوء الكتاب والسنة
تأليف الفقير إلى الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخليله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذه رسالة في ((أحكام الجنائز)) بيّنت فيها بتوفيق الله تعالى: مفهوم الجنائز، والأمور التي ينبغي للمسلم العناية بها عناية فائقة؛ لاغتنام الأوقات والأحوال بالأعمال الصالحة قبل فوات الأوان، وذكرت الأمور التي تعين على الاستعداد للآخرة بالأعمال الصالحة، والاجتهاد في حال الصحة والفراغ في الأعمال الصالحة؛ لتكتب للمسلم في حال العجز والسقم، وذكرت أسباب حسن الخاتمة، وبيّنت آداب المريض الواجبة والمستحبة، وآداب زيارة المريض، والآداب الواجبة والمستحبة لمن حضر وفاة المسلم، وذكرت الأمور التي تجوز للحاضرين وغيرهم، والأمور الواجبة على أقارب الميت، والأمور المحرَّمة على أقارب الميت وغيرهم، وبيّنت النعي الجائز، والمحرَّم، ثم ذكرت العلامات التي تدل على حسن الخاتمة، وبيّنت فضائل الصبر والاحتساب على المصائب، ثم بيّنت أحكام غسل الميت، وتكفينه، والصلاة عليه، وأحكام حمل الجنازة واتباعها وتشييعها، وأحكام الدفن وآدابه، وآداب الجلوس والمشي في المقابر، ثم ذكرت أحكام التعزية، وفضلها، وبيّنت أن القُرَب المهداة إلى أموات المسلمين تصل إليهم حسب الدليل، ثم ذكرت أحكام زيارة القبور وآدابها، وختمت ذلك بذكر أحكام إحداد المرأة على زوجها، وذكرت أصناف المعتدات، وقد اجتهدت أن ألتزم في ذلك بالدليل من الكتاب والسنة أو من أحدهما ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
وقد استفدت كثيراً من تقريرات شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله - ومن كتب العلامة محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - والعلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله تعالى-.
وقد أفردت هذه الرسالة من كتابي ((صلاة المؤمن)) ليسهل الانتفاع بها.
والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي؛ فإنه خير مأمول، وأكرم مسؤول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله، وسلم، وبارك، على عبده ورسوله نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أبو عبد الرحمن
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
حرر بعد مغرب يوم الثلاثاء الموافق 1/1/1424هـ
:بفتح الجيم لا غير: جمع جِنَازة.
والجنازة: بكسر الجيم وفتحها لغتان، والكسر أفصح.
وقيل: ((الجَنَازَةُ)) بالفتح للميت، وبالكسر ((الجِنازةُ)) للنعش عليه ميت. وقيل: عكسه([1]).
قال الإمام ابن الأثير: ((والجنازة بالكسر والفتح: الميت بسريره، وقيل: بالكسر: السرير، وبالفتح: الميت))([2]).
وقال الفيروزآبادي:((الجِنَازةُ:الميت، ويفتح، أو بالكسر:الميت وبالفتح: السرير، أو عكسه، أو بالكسر:السرير مع الميت))([3])، والله تعالى أعلم([4]).
قال الإمام النووي - رحمه الله -:((الجنازة مشتقة من جنز إذا سُتِرَ))([5]).
لقول الله تعالى: ] وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ الله وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ الله هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الـْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الـْمُحْسِنِينَ [([6]).
وقال تعالى: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [([7]).
وقال الله ﷻ: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ الله وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الـْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَلَن يُؤَخِّرَ الله نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [([8]).
فكل مفرِّط يندم عند الاحتضار يسأل طول المدة ولو شيئاً يسيرا؛ ليستعتب ويستدرك ما فاته، وهيهات كان ما كان، وأتى ما هو آتٍ، وكلٌّ بحسب تفريطه، أما الكفار فكما قال الله تعالى([9]): ] وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ [([10]).
وقال تعالى:]حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الـْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [([11]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي ﷺ: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ))([12]). وهذا يدل على أن من لم يستعمل نعمة الصحة والفراغ فيما ينبغي فقد غُبِنَ؛ لكونه باعهما بثمنٍ بخسٍ، ولم يُحمد رأيه في ذلك، ولاشكَّ أن المرء لا يكون فارغاً حتى يكون مكفياً صحيح البدن، فمن حصل له ذلك فليحرص على أن لا يُغبَن بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه، ومن شُكْرِه امتثالُ أوامره واجتنابُ نواهيه، فمن فرَّط في ذلك فهو المغبون، والذي يوفَّق لذلك قليل من الناس، ومعلوم أن الإنسان قد يكون صحيحاً ولا يكون متفرِّغاً لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنياً ولا يكون صحيحاً، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، وتمام ذلك: أن الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملها في معصية الله فهو المغبون؛ لأن الفراغ يعقبه الشغل، والصحة يعقبها السقم، ولو لم يكن إلا الهرم كما قيل:
يسر الفتى طولُ السلامة والبقا | فكيف ترى طول السلامة يفعل | |
يُرد الفتى بعد اعتدال وصحةٍ | ينوء إذا رام القيامَ ويحملُ([13]) |
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺلرجل وهو يعظه: ((اغتنم خمساً قبل خمس: شبابَك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغِناك قبل فقرك، وفراغَك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك))([14]).
ورحم الله الإمام البخاري فقد أحسن حين قال:
اغتنم في الفراغ فضل ركوع
فعسى أن يكون موتك بغتة
كم صحيح رأيت من غير سَقم ٍ
ذهبت نفسه الصحيحة فلتة( )
وقد أحسن البستي – رحمه الله – حين قال:
يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته
أتطلب الربح فيما فيه خسران؟
أقبل على النفس واستكمل فضائلها
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان( )
ولا ريب أنه ينبغي الاستعداد لما بعد الموت بالأعمال الصالحة، والتوبة من جميع الذنوب؛ لأن الموت قد يأتي بغتة، قال الإمام البخاري – رحمه الله –: ((بابُ موتِ الفُجاءة([15]): البغتة))، ثم ذكر حديث سعد بن عبادة tحين قال للنبي ﷺ: ((إن أمي افتُلتت نفسها، وأظنها لو تكلمت تصدَّقتْ، فهل لها أجر إن تصدَّقتُ عنها؟ قال: ((نعم))([16]).
وعن عبيد بن خالد السلمي tعن النبي ﷺ قال:((موت الفَجْأَةِ أخذةُ أسَفٍ([17])))([18]).
وكره بعض السلف موت الفجأة([19])؛ لما في ذلك – والله أعلم – من خوف حرمان الوصية، وترك الاستعداد للمعاد بالتوبة، وغيرها من الأعمال الصالحة، وقد نقلت كراهة موت الفجاءة عن الإمام أحمد، وبعض الشافعية، ونقل الإمام النووي: أن جماعة من الأنبياء والصالحين ماتوا موت الفجأة؛ قال الإمام النووي – رحمه الله –: ((وهو محبوب للمراقبين))([20]).قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله –:((وبذلك يجتمع القولان))([21]).
وورد ما يؤيد عدم كراهة موت الفجاءة للمؤمن، فعن عبد الله بن مسعود t قال: ((موت الفجاءة تخفيف على المؤمن، وأسف على الكافر)) هذا لفظ عبد الرزاق، والطبراني في المعجم الكبير، ولفظ ابن أبي شيبة: ((موت الفجاءة راحة على المؤمنين، وأسف على الكفار))([22]).
ورُوي من حديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((سألت رسول الله ﷺ عن موت الفجأة؟ فقال: ((راحة للمؤمن وأخذة أسَفٍ للفاجر))([23]).
وعن عبد الله بن مسعود وعائشة رضي الله عنهما قالا: ((موت الفجاءة رأفة بالمؤمن، وأسف على الفاجر))([24]).
وما أحسن ما استشهد به الإمام البيهقي – رحمه الله – في كتاب الجنائز، باب موت الفجاءة([25]) من حديث أبي قتادة t أن رسول الله ﷺ مُرَّ عليه بجنازة فقال: ((مستريح ومستراح منه)) قالوا: يا رسول الله! ما المستريح والمستراح منه؟ فقال: ((العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا، والعبد الفاجر يستريح منه العباد، والبلاد، والشجر، والدواب))([26]).
وثبت في الحديث: ((ما من عبد يموت له عند الله خير يسره أن يرجع إلى الدنيا وأن له الدنيا وما فيها إلا الشهيد؛ لما يرى من فضل الشهادة، فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى))([27]).
فينبغي الاستعداد، قال شيخنا الإمام ابن باز – رحمه الله –: ((فينبغي الاستعداد؛ ولهذا كان من دعاء رسول الله ﷺ: ((اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجاءَةِ نقمتك، وجميع سخطك([28])))([29]).
وما أجمل ما قاله محمود الوراق:
مضى أمسُك الماضي شهيداً مُعدَّلاً | وأعقبه يوم عليك جديدُ | |
فإن كنت بالأمس اقترفت إساءةً | فثنِّ بإحسانٍ وأنت حميدُ | |
فيومك إن أعتَبتَه عاد نَفعُهُ | عليك وماضي الأمس ليس يعودُ | |
ولا تُرجِ فِعلَ الخير يوماً إلى غدٍ | لعلَّ غداً يأتي وأنت فقيدُ([30]) |
وقال آخر:
نسير إلى الآجال في كل لحظةٍ | وأيامنا تطوى وهُنَّ مراحل | |
ولم أرَ مثل الموتِ حقّاً كأنه | إذا ما تخطته الأماني باطلُ | |
وما أقبح التفريط في زمن الصبا | فكيف به والشيب للرأس شاملُ | |
ترحَّلْ من الدنيا بزادٍ من التقى | فعُمْرُك أيامٌ وهنّ قلائلُ([31]) |
وما أحسن ما قاله الشاعر الحكيم:
من فاته الزرع في وقت البذار فما | تراه يحصد إلا الهمّ والندما |
وقال آخر:
نتوب من الذنوب إذا مرضنا | ونرجع للذنوب إذا برينا | |
وكم عاهدت ثم نقضت عهداً | وأنت لكل معروف نسيتا |
لتكتب للمسلم في حال عجزه عن العمل؛ لحديث أبي موسى الأشعري t قال: قال رسول الله ﷺ: ((إذا مرض العبد أو سافر كُتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً))([32]).
1 – الإكثار من ذكر الموت والاستعداد للقاء الله تعالى: ينبغي للمسلم أن يكثر من ذكر الموت، ويبادر بالأعمال الصالحة قبل أن يأتيه الموت بغتة فيندم حين لا ينفع الندم؛ لحديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: ((أكثروا ذِكْرَ هاذِم اللذَّات))([33]) يعني الموت، وفي لفظ لابن حبان: ((أكثروا ذكر هاذِم اللذات، فما ذكره عبد قط وهو في ضيقٍ إلا وسَّعه عليه، ولا ذكره وهو في سعةٍ إلا ضيقه عليه))([34])، وفي لفظ لابن حبان أيضاً: كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول: ((أكثروا من ذكر هاذِم اللذات))([35])، فالموت يقطع اللذات ويزيلها، والحديث دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يغفل عن ذكر أعظم المواعظ وهو الموت، قال الإمام الصنعاني: ((وقد ذكر في آخر الحديث فائدة الذكر بقوله: ((فإنكم لا تذكرونه في كثير إلا قلَّلهُ، وقليل إلا كثَّره))([36]).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:كنت مع رسول الله ﷺ فجاءه رجل من الأنصار فسلم على النبي ﷺ ثم قال:يا رسول الله! أي المؤمنين أفضل؟ قال: ((أحسنهم خُلُقاً)) قال: فأي المؤمنين أكيس([37])؟ قال: ((أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم لما بعده استعداداً، أولئك الأكياس))([38]).
قال الله تعالى: ] كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الـْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الـْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الـْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ [([39]).
وقال جلَّ وعلا: ] أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الـْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ [([40]).
وقال I:]وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الـْمَوْتِ بِالـْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ[([41]).
وقال الله ﷻ:] فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الـْحُلْقُومَ*وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ*وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لا تُبْصِرُونَ* فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ*تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [([42]).
وقال الله تعالى: ] قُلْ إِنَّ الـْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [([43]).
وقال تعالى: ] كَلا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الـْمَسَاقُ [([44]).
وقال الله ﷻ: ] تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الـْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الـْمَوْتَ وَالـْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [([45]).
وقال الله ﷻ: ] قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الـْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ [([46]).
وقال سبحانه: ] وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الـْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى الله مَوْلاَهُمُ الـْحَقِّ أَلاَ لَهُ الـْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الـْحَاسِبِينَ [([47]).
قال زُهير بن أبي سلمى:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه | ولو رام أسباب السماء بسلم([48]) |
وقال آخر:
الموت باب كل الناس داخله | فليت شعري بعد الباب ما الدار | |
الدار جنة خلدٍ إن عملت بما يرضي | الإله، وإن فرطت فالنارُ |
وعن سهل بن سعد t قال: جاء جبريل إلى النبي ﷺ فقال: ((يا محمد عِشْ ما شئتَ فإنك ميتٌ، وأحببْ من شئتَ فإنك مفارقُه، واعملْ ما شئتَ فإنك مَجزيٌّ به))، ثم قال: ((يا محمد شرف المؤمن قيام الليل، وعزُّه استغناؤه عن الناس))([49]).
وما أحسن ما قال الشاعر الحكيم:
وما هذه الأيام إلا مراحل | يحثُّ بها داعٍ إلى الموت قاصداً | |
وأعجب شيء لو تأملت أنها | منازل تطوع والمسافر قاعد([50]) |
وقال آخر:
أيا ويح نفسي من نهار يقودها | إلى عسكر الموت وليلٍ يذودُها([51]) |
2 – ذكر القبر والبلى؛ لحديث هانئ مولى عثمان t قال: كان عثمان إذا وقف على قبرٍ بكى حتى يَبُلَّ لحيته، فقيل له: تُذكرُ الجنة والنارُ فلا تبكي وتبكي من هذا؟ فقال: إن رسول الله ﷺ قال: ((إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينجُ منه فما بعده أشدُّ منه)) قال:وقال رسول الله ﷺ:((ما رأيت منظراً قطُّ إلا والقبرُ أفظعُ([52]) منه))([53]).
والقبر أقرب شيء للإنسان، وشدته أمارة للشدائد كلها، وهو أشد وأشنع المناظر في الدنيا، وحيث خُصَّ بمناظر الدنيا اندفع ما يتوهم أن هذا ينافي قوله:((فما بعده أشدُّ منه)) على أنه يمكن الجواب إذا عمم بأنه أفظع من جهة الوحشة، والوحدة، وغيره أشد عذاباً منه فلا إشكال([54]).
وعن أبي هريرة t قال:قال رسول الله ﷺ:((ليس شيء من الإنسان إلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عَجْبُ الذَّنب، ومنه يُركَّبُ الخلق يوم القيامة))([55]).
3 – قصر الأمل والاستعداد للموت بالأعمال الصالحة، قال الله تعالى: ] ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [([56]).
قال علي بن أبي طالب t: ((ارتحلت الدنيا مدبرةً، وارتحلت الآخرة مقبلةً، ولكل واحدةٍ منها بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عملٌ ولا حساب، وغداً حسابٌ ولا عمل))([57]).
وعن عبد الله بن مسعود t قال: خطَّ النبي ﷺ خطّاً مربعاً، وخطَّ خطّاً في الوسط خارجاً منه، وخطَّ خُطَطاً صغاراً إلى الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال: ((هذا الإنسان وهذا أجَلُهُ محيطٌ به – أو قد أحاط به – وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخُطَطُ الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا))([58]).
وعن أنس t قال: خطَّ النبي ﷺ خطوطاً فقال: ((هذا الأمل وهذا أجله، فبينما هو كذلك إذ جاءه الخط الأقرب))([59]).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:أخذ رسول الله ﷺ بمنكبي فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)).
وكان ابن عمر يقول: ((إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك))([60]).
وقال بعض السلف:
سبيلك في الدنيا سبيل مسافرٍ | ولابد من زادٍ لكل مسافرِ | |
ولابد للإنسان من حملِ عُدَّةٍ | ولاسيما إن خاف صولة قاهرِ([61]) |
وقال الألبيري – رحمه الله تعالى –:
فليست هذه الدنيا بشيء | تسؤك حِقبة وتسرُّك وقتَا | |
وغايتُها إذا فكرت فيها | كفيِّك أو كحلمك إذا حلمتا | |
سُجنت بها وأنت لها محبُّ | فكيف تُحبُّ ما فيه سُجنتا | |
وتُُطعمكَ الطعام وعن قريبٍ | ستطعم منك ما فيها طعِمتا | |
وتشفق للمصرِّ على المعاصي | وترحمه ونفسك ما رحمتا([62]) |
وعن أبي هريرة t قال:سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((لا يزال قلب الكبير شابّاً في اثنتين:في حب الدنيا وطول الأمل))([63]).
وعن أنس t قال: قال رسول الله ﷺ: ((يَكْبرُ ابنُ آدم ويكبَرُ معه اثنتان: حب المال وطول العمر)) ولفظ مسلم: ((يهرمُ ابن آدم وتشبُّ منه اثنتان: الحرص على المال والحرص على العمر))([64]). ومعناه أن قلب الشيخ كامل الحب للمال متحكم في ذلك كاحتكام قوة الشاب في شبابه، وسماه شابّاً إشارة إلى استحكام حبه للمال أو هو من باب المشاكلة والمطابقة([65]). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز – رحمه الله – يقول: ((يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنان)) أي يقوى معه اثنان، هذه طبيعة الإنسان: حب الدنيا وطول الأمل إلا من رحم الله، فالواجب على المؤمن أن يحذر، وأن يعتبر هذه الدار مزرعة، فيجتهد في الزرع للآخرة، حتى يحصد يوم القيامة ما ينفعه))([66]).
وما أحسن قول بعض السلف الصالح:
إنّا لنفرح بالأيام نقطعها | وكل يومٍ مضى يدني من الأجل | |
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً | فإن الربح والخسران في العمل([67]) |
وقال آخر:
تزوّد للذي لابد منه | فإن الموت ميقات العباد | |
أترضى أن تكون رفيق قوم | لهم زاد وأنت بغير زاد |
وقال آخر:
تزود من التقى فإنك لا تدري | إذا جنَّ ليلٌ هل تعيش إلى الفجر | |
فكم من صحيحٍ مات من غير علةٍ | وكم من عليل عاش حيناً من الدهر |
وقال أبو العتاهية:
وما أدري وإن أمَّلت عُمراً | لعلي حين أصبح لست أُمسي | |
ألم تر أن كلَّ صباح يوم | وعمرك فيه أقصر منه أمسِ([68]) |
وقال آخر:
يا من بدنياه اشتغل | وغرَّه طولُ الأمل | |
الموت يأتي فجأةً | والقبر صندوقُ العمل |
عن أنس t قال: قال رسول الله ﷺ: ((لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كالصَّرمة بالنار))([69]).
وعن أبي هريرة t قال:قال رسول الله ﷺ:((لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر،ويكون الشهر كالجمعة،وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة،وتكون الساعة كاحتراق السعفة أو الخوصة))([70]).
وتقارب الزمان بقلّة البركة فيه، قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله –: ((قد وُجد في زماننا هذا من سرعة الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا))([71]). وقيل: سرعة الزمان بسبب وسائل الاتصالات السريعة.
4 – القناعة وغنى النفس والتوكل على الله ﷻ؛لحديث عبد الله بن مسعود t قال:قال رسول الله ﷺ:((من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تُسدَّ فاقتُهُ، ومن نزلت به فاقةٌ فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجلٍ أو آجلٍ))([72]).ولفظ أبي داود:((من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسدَّ فاقته، ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى:إما بموتٍ عاجلٍ أو غِنىً عاجلٍ))([73]).
وعن أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال: ((ليس الغنى عن كثرة العَرَضِ ولكن الغنى غنى النفس))([74]).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: ((قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافاً، وقنعه الله بما آتاه))([75]).
وعن أبي سعيد الخدري t عن النبي ﷺ قال: ((إن هذا المال خَضِرةٌ حُلوةٌ فمن أخذه بحقه ووضعه في حقه فنِعْمَ المعونةُ هُوَ، ومن أخذه بغير حقِّه كان كالذي يأكل ولا يشبع))([76]).
وعن أبي هريرة tقال: قال رسول الله ﷺ: ((من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلِّم من يعمل بهنَّ؟ فقال أبو هريرة: فقلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعدَّ خمساً، وقال: اتقِ المحارمَ تكنْ أعبدَ الناس، وارضَ بما قسم الله لك تكنْ أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً، وأحبَّ للناس ما تحبُّ لنفسك تكن مسلماً، ولا تكثر الضحكَ، فإن كثرةَ الضحكِ تميتُ القلبَ))([77]).
وعن سلمةَ بنِ عُبيد الله بن مِحْصَن الأنصاري عن أبيه قال:قال رسول الله ﷺ:((من أصبح منكم آمناً في سربه([78])، معافىً في جسده، عنده قوتُ يومه، فكأنما حيزت([79]) له الدنيا ))([80]).
وعن أبي سعيد الخدري tأن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله ﷺ فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم حتى إذا نفد ما عنده قال: ((ما يكن عندي من خير فلن أدّخرَه عنكم، ومن يستعففْ يعفَّه الله، ومَن يستغنِ يُغنهِ الله، ومن يتصبَّر يُصَبِّرْهُ الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيرٌ وأوسعُ من الصبر))([81]).
وعن أبي هريرة tقال:قال رسول الله ﷺ:((انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم))([82]).
فينبغي أن ينظر المسلم إلى من هو فوقه في الدين فيقتدي به وينافسه في الطاعات، وينظر إلى من هو دونه في الدنيا فيحمد الله تعالى([83]).
ومن لم يقنع كان كالذي يأكل ولا يشبع، وقد حذر النبي ﷺ عن الطمع، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:سمعت النبي ﷺ يقول:((لو كان لابن آدم واديان من مالٍ لابتغى ثالثاً، ولا يملأُ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب)).وفي لفظ للبخاري:((ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب)).وفي لفظ لمسلم:((ولا يملأ نفس ابن آدم إلا التراب، والله يتوب على من تاب))([84]).
وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه خطب في مكة فقال: ((يا أيها الناس، إن النبي ﷺ كان يقول: ((لو أن ابن آدم أعطي وادياً ملآن من ذهب أحب إليه ثانياً، ولو أعطي ثانياً أحب إليه ثالثاً، ولا يسدُّ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوبُ الله على من تاب))([85]).
وعن أنس t قال: قال رسول الله ﷺ: ((لو أن لابن آدم وادياً من ذهب أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب ويتوب الله على من تاب)). ولفظ مسلم: ((لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب))([86]).
وفي حديث أبي موسى الأشعري t: ((لو كان لابن آدم واديان من مالٍ لابتغى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب))([87]).
وسمعت شيخنا ابن باز – رحمه الله – يقول: ((والمقصود من هذا كله الحذر من الانشغال بالمال والفتنة بالمال، وأن المؤمن ينبغي أن يكون أكبر همه العمل للآخرة، وأن لا ينشغل بالدنيا وشهواتها، فهو لم يخلق لها، [وإنما] خلق ليعمل فيها للآخرة فلا ينبغي أن ينشغل بها عما خُلِقَ له))([88]).
ويوضح ذلك حديث أبي هريرة t عن النبي ﷺ أنه قال: ((إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم))([89]).
وفي حديث عمرو بن عوف الأنصاري t في قصة قدوم أبي عبيدة من البحرين: ((أظنكم قد سمعتم أنَّ أبا عبيدة قد جاء بشيء)) قالوا:أجل يا رسول الله، قال: ((فأبشِروا وأمِّلوا ما يسُّركم، فوالله لا الفقرَ أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلكَكُم كما أهلكتهم))وفي رواية:((وتلهيكم كما ألهتهم))([90]).
5 – الإكثار من التفكر في أحوال المحتضرين.جاء في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة بيان أحوال المحتضرين عند الموت، ومن ذلك على سبيل المثال ما يأتي:
قال الله تعالى: ] كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ، وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الـْمَسَاقُ [([91]) يعظ الله تعالى عباده بذكر حال المحتضر عند السياق، وأنه إذا بلغت روحه التراقي – وهي العظام المكتنفة لثغرة النحر، التي بين ثغرة النحر والعاتق – فحينئذ يشتد الكرب والأهوال ثبتنا الله هناك بالقول الثابت، وفي هذه الحال تُطلب كل وسيلة وسبب يُظن أنه يحصل بها شفاء، ولكن إذا جاء قضاء الله وقدره فلا مردَّ له([92]).
وقال الله تعالى: ] فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الـْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الـْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّـةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الـْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لـَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ [([93]).
فقوله تعالى: ] فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ [ الروح ] الـْحُلْقُومَ [ أي الحلق وذلك حين الاحتضار، كما قال تعالى: ] كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الـْمَسَاقُ [ ولهذا قال هاهنا: ] وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ [ أي المحتضر وما يكابده من سكرات الموت ] وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ [ أي بعلمنا وملائكتنا، ] وَلَكِن لا تُبْصِرُونَ [ أي ولكن لا ترونهم، كما قال تعالى في الآية الأخرى: ] وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الـْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى الله مَوْلاَهُمُ الـْحَقِّ أَلاَ لَهُ الـْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الـْحَاسِبِينَ [([94]) وقوله تعالى: ] فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [ معناه: فهلا ترجعون هذه النفس التي قد بلغت الحلقوم إلى مكانها الأول ومقرها من الجسد ] إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ [ يعني محاسبين، وقيل:] إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ [ يعني غير مصدقين أنكم تدانون وتبعثون وتجزون فردوا هذه النفس، وقيل:المعنى غير موقنين، وقيل:غير معذبين مقهورين([95]).
وقد ذكر الله ﷻ أحوال الطوائف الثلاث: المقربين، وأصحاب اليمين، والمكذبين الضالين في أول هذه السورة في دار القرار، ثم ذكر أحوالهم في آخرها عند الاحتضار، والموت وهي ثلاثة أحوال كذلك:
* فقال: ] فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الـْمُقَرَّبِينَ [ أي إن كان الميت من المقربين، وهم الذين فعلوا الواجبات، والمستحبات، وتركوا المحرمات، والمكروهات، وبعض المباحات ] فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّـةُ نَعِيمٍ [ أي فلهم ((روح)) راحة، وطمأنينة، وسرور، وبهجة، ونعيم القلب والروح، ورحمة، وفرح، واستراحة، وراحة من الدنيا، ورخاء، ورزق، قال الإمام ابن كثير – رحمه الله تعالى –:((وكل هذه الأقوال متقاربة))([96])، ] وَرَيْحَانٌ [ هو اسم جامع لكل لذة بدنية من أنواع المآكل والمشارب وغيرهما، وقيل: الريحان: هو الطِّيب المعروف، فيكون تعبيراً بنوع الشيء عن جنسه العام([97])، وقوله: ] وَجَنَّـةُ نَعِيمٍ [ جامعة للأمرين كليهما، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فَبُشِّرَ المقربون عند الاحتضار بهذه البشارة التي تكاد تطير منها الأرواح من الفرح والسرور، كما قال تعالى: ] إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الـْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالـْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الـْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ [([98]) ويفسر ذلك قوله تعالى: ] لـَهُمُ الْبُشْرَى فِي الـْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [([99]). وأن هذه البشارة المذكورة هي البشرى في الحياة الدنيا([100]).
وقال النبي ﷺ: (( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه))، قالت عائشة رضي الله عنها أو بعض أزواجه: إنا لنكره الموت؟ قال: ((ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بُشِّر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حُضِرَ بُشِّر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، فكره لقاء الله وكره الله لقاءه)). وفي رواية مسلم: ((ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بُشِّر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله، فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بُشِّر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه)). وفي لفظ لمسلم: ((والموت قبل لقاء الله))([101]).
قال الإمام ابن كثير–رحمه الله–في قوله:] فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّـةُ نَعِيمٍ [ أي فلهم روح وريحان، وتبشرهم الملائكة بذلك عند الموت، كما في حديث البراء: أن ملائكة الرحمة تقول: ((أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه، اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان))([102])، وحديث البراء t له ألفاظ منها: ((إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن على وجوههم الشمس معهم أكفان من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت u حتى يجلس عند رأسه فيقول:أيتها النفس الطيبة [وفي رواية المطمئنة] اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان...)) الحديث وفيه:((وإن العبد الكافر [وفي رواية: الفاجر] إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة [غلاظ شداد] سود الوجوه معهم المسوح [من النار] فيجلسون منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول:أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب...)) الحديث([103]).
وعن أبي هريرة t أن النبي ﷺ قال: ((إذا حُضِرَ المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء، فيقولون: اخرجي راضية مرضيّاً عنك إلى روح وريحان وربٍّ غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك، حتى إنه ليتناوله بعضهم بعضاً، حتى يأتون به السماء، فيقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض! فيأتون به أرواح المؤمنين، فَلَهُمْ أشد فرحاً به من أحدكم بغائبه يقدم عليه، فيسألونه: ما فعل فلان؟ ماذا فعل فلان؟ فيقولون: دَعُوه؛ فإنه كان في غمِّ الدنيا، فإذا قال: أما أتاكم؟ قالوا: ذُهِبَ به إلى أمِّهِ الهاوية، وإن الكافر إذا حُضِر أتته ملائكة العذاب بمسْحٍ، فيقولون: اخرجي ساخطة مسخوطاً عليك إلى عذاب الله ﷻ، فتخرج كأنتن ريح جيفة، حتى يأتون به باب الأرض، فيقولون: ما أنتن هذه الريح! حتى يأتون به أرواح الكفار))([104]).
وعن أبي هريرة t يرفعه: ((إذا خرجت روح المؤمن تلقَّاها ملكان يصعدانها، فذكر من طيب ريحها وذكر المسك، ويقول أهل السماء: روح طيبة جاءت من قبل الأرض، صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه، فينطلق به إلى ربه ﷻ، ثم يقول: انطلقوا به إلى آخر الأجل، وإن الكافر إذا خرجت روحه وذكر من نتنها، وذكر لعناًً، ويقول أهل السماء: روح خبيثة جاءت من قبل الأرض، فيقال: انطلقوا به إلى آخر الأجل))([105]).
قال الله تعالى:] يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الـْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [([106])،قال الإمام ابن كثير – رحمه الله –:((وهذا يقال لها عند الاحتضار وفي يوم القيامة أيضاً،كما أن الملائكة يبشرون المؤمن عند احتضاره وعند قيامه من قبره،فكذلك هاهنا))([107]).
وعن أبي هريرة t أيضاً، عن النبي ﷺ قال: ((الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل صالحاً قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة، كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، فلا يزال يقال لها، حتى تخرج، ثم يُعرج بها إلى السماء، فيُفتح لها، فيقال: من هذا؟ فيقولون: فلانٌ، فيقال: مرحباً بالنفس الطيبة، كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، فلا يزال يُقال لها ذلك حتى يُنتهى بها إلى السماء التي فيها الله ﷻ، وإذا كان الرجل السوء قال: اخرجي أيتها النفس الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغسَّاق، وآخر من شَكْلِه أزواج، فلا يزال يُقال لها ذلك حتى تخرج، ثم يُعرج بها إلى السماء، فلا يفتح لها، فيُقال: من هذا؟ فيُقال: فلان،فيُقال:لا مرحباً بالنفس الخبيثة،كانت في الجسد الخبيث،ارجعي ذميمة،فإنها لا تفتح لك أبواب السماء،فيُرسل بها من السماء،ثم تصير إلى القبر))([108]).
* ] وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ [ وهم الذين أدَّوا الواجبات، وتركوا المحرمات، وإن حصل منهم بعض التقصير في بعض الحقوق التي لا تخل بتوحيدهم، وإيمانهم، فهذا المحتضر تبشِّره الملائكة بالسلامة، وأنه لا بأس عليه، وأنه من أصحاب اليمين، وأنه قد سلم من عذاب الله، وتُسلّم عليه الملائكة([109])، وقيل: سلام حاصل لك من إخوانك أصحاب اليمين: أي يسلمون عليه ويحيُّونه عند وصوله إليهم، ولقائهم له، أو يقال له: سلام لك من الآفات، والبليات، والعذاب؛ لأنك من أصحاب اليمين الذين سلموا من الذنوب الموبقات([110]).
* ] وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الـْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ [ أي وأما إن كان المحتضر من المكذبين بالحق الضالين عن الهدى ] فَنُزُلٌ [ أي ضيافة، ] مِّنْ حَمِيمٍ [ وهو الماء المذاب الذي يُصهر به ما في بطونهم والجلود، ويُغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه، بئس الشراب وساءت مرتفقاً ] وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ [ التي تحيط به وتغمره من جميع جهاته، نسأل الله العافية([111]).
* وينبغي للمؤمن أن لا ينسى سكرات الموت وشدته، ويذكر ذلك دائماً حتى يكون على استعداد للقاء الله تعالى، فعن عبد الله بن مسعود t قال: دخلت على رسول الله ﷺ وهو يوعك([112]) فمسسته بيدي، فقلت: يا رسول الله إنك توعك وعكاً شديداً، فقال رسول الله ﷺ: ((أجلْ إني أوعك كما يوعكُ رجلان منكم)) قال:فقلت:ذلك أن لك أجرين، فقال رسول الله ﷺ: ((أجل ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه [شوكة فما فوقها] إلا حطَّ الله بها سيئاته كما تَحطُّ الشجرة ورقها))([113]).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما رأيت أحداً أشدَّ عليه الوجع من رسول الله ﷺ))([114]).
قالت عائشة رضي الله عنها:((فلا أكره شدة الموت لأحد أبداً بعد النبي ﷺ))([115]).
وفي حديث آخر عن عائشة رضي الله عنها وفيه: ((أن النبي ﷺ عند موته جعل يديه في إناء صغير فيه ماء يدخلهما في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول: لا إله إلا الله، إن للموت سكرات)). وفي لفظ مسلم: ((اللهم اغفر لي، وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى))([116]).
ومن أشمل الأحاديث في ذلك حديث البراء بن عازب قال: ((خرجنا مع النبي ﷺ في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولمَّا يُلحد، فجلس رسول الله ﷺ [مستقبل القبلة]، وجلسنا حوله، وكأنَّ على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت في الأرض، [فجعل ينظر إلى السماء، وينظر إلى الأرض، وجعل يرفع بصره ويخفضه، ثلاثاً]، فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر، مرتين أو ثلاثاًً [ثم قال: اللهم إن أعوذ بك من عذاب القبر] [ثلاثاً]، ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأنَّ وجوهَهم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحَنوط([117]) من حَنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت u([118]) حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة (وفي رواية: المطمئنة)، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، فيأخذها، (وفي رواية: حتى إذا خرجت روحه صلى عليه كل مَلَك بين السماء والأرض، وكل مَلَك في السماء، وفُتحت له أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يُعرج بروحه من قبلهم)، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط [فذلك قوله تعالى: ] تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ [، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها فلا يمرّون – يعني – بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان ابن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها، إلى السماء التي تليها، حتى ينتهي به إلى السماء السابعة، فيقول الله ﷻ: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، ] وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الـْمُقَرَّبُونَ [ فيكتب كتابه في عليين، ثم يقال]: أعيدوه إلى الأرض، فإني [وعدتهم أني] منها خلقتهم، وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فـ[يرد إلى الأرض، و] تُعاد روحه في جسده، [قال: فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه] [مدبرين]، فيأتيه مَلَكان [شديدا الانتهار] فـ[ينتهرانه، و] يُجلسانه فيقولان له: من ربُّك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك: فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجلُ الذي بُعث فيكم؟ فيقولُ: هو رسول الله ﷺ، فيقولان له: وما عِلْمُكَ؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فآمنت به، وصدَّقت، فينتهره فيقول: مَن ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وهي آخر فتنة تُعرض على المؤمن، فذلك حين يقول الله ﷻ: ] يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الـْحَيَاةِ الدُّنْيَا [، فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد ﷺ، فينادي مناد في السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، قال: [وفي رواية: يُمَثلُ له] رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرُّك، [أبشر برضوان من الله، وجناتٍ فيها نعيمٌ مقيمٌ]، هذا يومك الذي كنت تُوعَد، فيقول له: [وأنت فبشرّك الله بخير] من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير، فيقولُ: أنا عملك الصالح [فوالله ما علمتك إلا كنت سريعاً في طاعة الله، بطيئاً في معصية الله، فجزاك الله خيراً]، ثم يُفتح له باب من الجنة، وباب من النار، فيقال: هذا منزلك لو عصيت الله، أبدلك الله به هذا، فإذا رأى ما في الجنة قال: رب عجِّلْ قيام الساعة، كيما أرجع إلى أهلي ومالي، [فيقال له: اسكنْ].
قال: وإن العبد الكافر (وفي رواية: الفاجر) إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة [غلاظ شداد]، سود الوجوه، معهم المسوح([119]) [من النار]، فيجلسون منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول:أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخطٍ من الله وغضبٍ، قال: فتفرَّق في جسده فينتزعها كما يُنتزع السُّفودُ [الكثير الشُّعب من الصوف المبلول، [فتُقطع معها العروق والعصب]، [فيلعنه كل مَلَك بين السماء والأرض، وكل مَلَك في السماء، وتُغلق أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله ألا تعرج روحه من قبلهم]، فيأخذها، فإذا أخذها، لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وُجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها،فلا يمرُّون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا:ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون:فلان ابن فلان – بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا،حتى ينتهيَ به إلى السماء الدنيا،فيُستفتح له، فلا يُفتح له،ثم قرأ رسول الله ﷺ:] لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الـْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الـْجَمَلُ فِي سَمِّ الـْخِيَاطِ [([120]) فيقول الله ﷻ:اكتبوا كتابه في سجِّين، في الأرض السفلى، [ثم يقال:أعيدوا عبدي إلى الأرض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى]، فتطرح روحه [من السماء] طرحاً [حتى تقع في جسده]، ثم قرأ: ] وَمَن يُشْرِكْ بِالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [ فتعاد روحه في جسده،[قال:فإنه ليسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه].
ويأتيه ملكان [شديدا الانتهار،فينتهرانه،و] يجلسانه،فيقولان له:مَن ربك؟ [فيقول: هاهْ،هاهْ([121]) لا أدري،فيقولان له:ما دينك؟ فيقول:هاهْ هاهْ لا أدري]،فيقولان:فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فلا يهتدي لاسمه،فيقال:محمد! فيقولُ:هاهْ هاهْ لا أدري [سمعت الناس يقولون ذاك!قال:فيقال:لا دريت]،ولا تلوت]،فيُنادي منادٍ من السماء أن:كذب، فأفرشوا له من النار،وافتحوا له باباً إلى النار،فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه،ويأتيه (وفي رواية:ويُمثل له) رجل قبيح الوجه،قبيح الثياب،مُنتن الريح،فيقول:أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت تُوعَد،فيقول:[وأنت فبشَّرك الله بالشر] من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر! فيقول:أنا عملك الخبيث،[فوالله ما علمتُ إلا كنتَ بطيئاً عن طاعة الله،سريعاً إلى معصية الله]،[فجزاك الله شراً، ثم يُقيَّض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة!لو ضُرب بها جبل كان تراباً فيضربه ضربة حتى يصير بها تراباً،ثم يعيده الله كما كان، فيضربه ضربة أخرى،فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين،ثم يُفتح له باب من النار،ويمهد من فرش النار]، فيقول:ربِّ لا تقم الساعة([122])))([123]).
6 – التفكُّر في أحوال الظالمين عند الاحتضار وما تفعل بهم الملائكة نسأل الله العافية.
قال الله تعالى: ] وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الـْمَوْتِ وَالـْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الـْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى الله غَيْرَ الـْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [([124]).
وقال تعالى: ] وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الـْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الـْحَرِيقِ [([125]).
وقال الله ﷻ: ]فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الـْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [([126]).
وقال I: ] حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الـْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [([127]).
قال ابن كثير رحمه الله: ((وذلك أن الكافر إذا احتضر بشَّرته الملائكة بالعذاب، والنكال، والأغلال، والسلاسل، والجحيم، والحميم، وغضب الرحمن الرحيم، فتفرق روحه في جسده، وتعصي، وتأبى الخروج، فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم، وقد وردت الأحاديث المتواترة في كيفية احتضار المؤمن والكافر عند الموت، وهي مقررة عند قوله تعالى: ] يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الـْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ الله الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ الله مَا يَشَاءُ([128]) [([129]).
7 – تَذَكُّر الحمل على الأكتاف وتشييع الناس له؛ لحديث أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله ﷺ: ((إذا وُضِعَت الجنازةُ فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدِّموني قدِّموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها أين تذهبون بها؟ يسمع صوتها كلُّ شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لَصَعِقَ))([130]).
وفي رواية عن أبي هريرة t عند النسائي: ((إذا وضع الميت على السرير))([131])، فدل على أن المراد بالجنازة في هذا الحديث: الميت، أما في غير هذا الحديث فلفظ الجنازة يُطلق على الميت، وعلى السرير الذي يُحمل عليه أيضاً، وقد يُطلق على السرير وعليه الميت معاً([132]), وقد قال الإمام البخاري – رحمه الله –: باب قول الميت وهو على الجنازة))([133]) أي السرير([134])، قال الإمام الحافظ ابن حجر – رحمه الله –: ((قوله: ((إذا وُضعت الجنازة)) يحتمل أن يريد بالجنازة نفس الميت وبوضعه جعله في السرير، ويحتمل أن يريد السرير، والمراد وضعها على الكتف، والأول أولى؛ لقوله بعد ذلك: ((فإن كانت صالحة قالت...))، فإن المراد به الميت، ويؤيده رواية عبد الرحمن بن مهران عن أبي هريرة tالمذكورة بلفظ: ((إذا وُضع المؤمن على سريره يقول قدِّموني([135])))([136]). قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله –: ((وظاهره أن قائل ذلك: هو الجسد المحمول على الأعناق، وقال ابن بطال: إنما يقول ذلك الروح، ورده ابن المنير بأنه لا مانع أن يرد الله الروح إلى الجسد في تلك الحال؛ ليكون ذلك زيادة في بشرى المؤمن وبؤس الكافر)). ثم قال ابن حجر: ((ولا حاجة إلى دعوى إعادة الروح إلى الجسد قبل الدفن؛ لأنه يحتاج إلى دليل، فمن الجائز أن يُحدث الله النطق في الميت إذا شاء، وكلام ابن بطال فيما يظهر لي أصوب))([137]).
ومما يدل على عظم الأمر حديث أبي هريرة t عن النبي ﷺ أنه قال: ((أسرعوا بالجنازة، فإن تكُ صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تكُ سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم))، ولفظ مسلم: ((وإن تكُ غير ذلك))([138])، ويزيد الأمر اعتناءً حديث أبي قتادة t أن رسول الله ﷺ مُرَّ عليه بجنازة فقال: ((مستريح ومُستراحٌ منه))، قالوا: يا رسول الله: ما المستريح والمستراح منه؟ فقال: ((العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا، والعبد الفاجر يستريح منه: العباد، والبلاد، والشجر، والدواب))([139]).
8 – تذكُّر فتنة القبر وسؤال منكر ونكير، وسماع قرع نعال الأصدقاء والأصحاب عندما يولّون مُدبرين؛لحديث أنس بن مالك t:أن رسول الله ﷺ قال:((إن العبد إذا وُضِعَ في قبره وتولى عنه أصحابه – وإنه يسمع قرع نعالهم – أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ لمحمد ﷺ،فأما المؤمن فيقول:أشهد أنه عبد الله ورسوله. فيقال له:انظر إلى مقعدك من النار،قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، فيراهما جميعاً)).
[قال قتادة:وذُكر لنا أنه يفسح له في قبره،ثم رجع إلى حديث أنس قال]:((وأما المنافق والكافر فيقال له:ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول:لا أدري،كنت أقول ما يقول الناس.فيُقال:لا دريتَ ولا تليتَ، ويُضرب بمطارق من حديد ضربةً فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين))([140]).
ولفظ حديث أنس t في سنن أبي داود: ((إن نبي الله ﷺ دخل نخلاً لبني النجار، فسمع صوتاً ففزع، فقال:((من أصحاب هذه القبور؟)) قالوا: يا رسول الله ناس ماتوا في الجاهلية، فقال: ((تعوذوا بالله من عذاب النار، ومن فتنة الدجال)) قالوا: ومِمَّ ذاك يا رسول الله؟ قال: ((إن المؤمن إذا وُضِع في قبره أتاه ملك، فيقول له:ما كنت تعبد؟ فإنِ اللهُ هداه، قال: كنت أعبد الله، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله،فما يسأل عن شيء غيرها،فيُنطلق به إلى بيت كان له في النار، فيقال له:هذا بيتك كان لك في النار،ولكن الله عصمك ورحمك فأبدلك به بيتاً في الجنة،فيقول:دعوني حتى أذهب وأبشر أهلي،فيقال له: اسكنْ.
وإنَّ الكافر إذا وُضَع في قبره أتاه ملك، فينتهره فيقول له: ما كنت تعبد؟ فيقول: لا أدري: فيقال له: لا دريت ولا تليت، فيقال له: فما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: كنت أقول ما يقول الناس، فيضربه بمطرق من حديد بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها الخلق غير الثقلين)). وفي لفظ: ((إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه يسمع قرع نعالهم فيأتيه مَلَكان فيقولان له... وأما الكافر والمنافق فيقولان له... يسمعها من يليه غير الثقلين))([141]).
وفي حديث البراء t أن العبد المؤمن تعاد روحه في جسده، وإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه مُدبرين، فيأتيه مَلَكان شديدا الانتهار فينتهرانه، ويُجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله ﷺ، فيقولان له: وما عِلْمُك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به، وصدَّقت، فينتهره فيقول: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وهي آخر فتنة تُعرض على المؤمن، فذلك حين يقول الله ﷻ:] يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الـْحَيَاةِ الدُّنْيَا [، فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد ﷺ، فينادي منادٍ في السماء: أنْ صدق عبدي فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، قال: فيأتيه من رَوحها وطيبها، ويُفسح له في قبره مَدَّ بصره... ثم ذكر ﷺ في الحديث أن العبد الكافر وفي رواية الفاجر: تُعاد روحه في جسده، فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولَّوا عنه، ويأتيه مَلَكان شديدا الانتهار، فينتهرانه، ويُجلسانه فيقولان له:مَن ربك؟ فيقول:هاهْ، هاهْ لا أدري، فيقولان له:ما دينك؟فيقول:هاهْ هاهْ لا أدري، فيقولان:فما تقول في هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فلا يهتدي لاسمه، فيقال:محمد!فيقولُ:هاهْ هاهْ لا أدري، سمعت الناس يقولون ذلك، قال:فيقال:لا دريتَ، ولا تلوتَ، فيُنادي منادٍ من السماء أن:كذب عبدي فافرشوا له من النار وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرّها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه([142]).
وفي لفظ حديث البراء مختصراً في حديث مسلم عن النبي ﷺ قال: ] يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الـْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [([143]) قال:نزلت في عذاب القبر، يقال له:من ربك؟ فيقول:ربي الله، ونبيي محمد ﷺ، فذلك قوله ﷻ: ] يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الـْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [.
ولفظه عند البخاري: ((إذا أُقعد المؤمن في قبره أُتي ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فذلك قوله: ] يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الـْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [([144]).
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قام رسول الله ﷺ خطيباً فذكر فتنة القبر التي يُفتتن فيها المرء، فلما ذكر ذلك ضجَّ المسلمون ضجة))([145])، وفي سنن النسائي أن سبب ضجة الصحابة y قول النبي ﷺ: ((قد أوحي إليّ أنكم تُفتنون في القبور قريباً من فتنة الدجال))([146]).
ولفظ حديث أسماء عن عائشة رضي الله عنهما عند البخاري: أن النبي ﷺ قال في خطبته بعد أن صلى الكسوف: ((ما من شيء لم أكن أُريته إلا [وقد] رأيته في مقامي هذا، حتى الجنة والنار، وإنه قد أُوحي إليَّ أنكم تُفتنون في القبور مثل أو قريباً من فتنة المسيح الدجال، يُؤتى أحدكم فيقال له: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن أو قال الموقن فيقال:ما علمك بهذا؟ فيقول:هو رسول الله، هو محمد ﷺ، جاءنا بالبينات والهدى، فآمنا، وأجبنا، واتبعنا، وصدقنا، فيقال له: نَمْ صالحاً قد كنا نعلم أنك كنت لمؤمناً به، وأما المنافق أو قال المرتاب شك هشام فيقال له: ما علمك بهذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلتُهُ))([147])، وفي لفظ لمسلم عن عائشة رضي الله عنها ترفعه: ((إني قد رأيتكم تُفتنون في القبور كفتنة الدجال...)) قالت عائشة: فكنت أسمع رسول الله ﷺ بعد ذلك يتعوذ من عذاب النار وعذاب القبر))([148]).
قال الإمام النووي – رحمه الله –: ((فيه إثبات عذاب القبر، وفتنته، وهو مذهب أهل الحق، ومعنى: تُفتنون: تُمتحنون، فيقال: ما علمك بهذا الرجل، فيقول المؤمن: هو رسول الله، ويقول المنافق: سمعت الناس يقولون شيئاً فقلت، هكذا جاء مُفسَّراً في الصحيح، وقوله: ((كفتنة الدجال)) أي فتنة شديدة جداً، وامتحاناً هائلاً، ولكن يثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت))([149]).
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: ((إذا قُبر الميت أو قال: أحدكم، أتاه ملكان، أسودان، أزرقان، يقال لأحدهما: المنكر، والآخر النكير، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول ما كان يقول: هو عبد الله ورسوله، أشهدأن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً في سبعين ثم ينوَّر له فيه، ثم يقال له: نَمْ، فيقول أرجع إلى أهلي فأخبرهم؟ فيقولان: نَمْ كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحبُّ أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك، وإن كان منافقاً قال: سمعت الناس يقولون([150]) فقلت مثله، لا أدري، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقال للأرض: التئمي عليه فتلتئم عليه فتختلف فيها أضلاعه، فلا يزال معذباً حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك))([151]).
ورواية ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة t لفظها: ((إن الميت إذا وُضع في قبره فإنه يسمعُ خفق نعالهم حين يولون عنه، فإن كان مؤمناً، كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن شماله، وكان فعل الخيرات: من الصدقة، والصلة، والمعروف، والإحسان إلى الناس، عند رجليه. فيُؤتى من قبل رأسه، فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل، ثم يُؤتى عن يمينه، فيقول الصيام: ما قِبلي مدخل، ثم يُؤتى عن يساره، فتقول الزكاة: ما قِبلي مدخل، ثم يُؤتى من قبل رجليه، فتقول فعل الخيرات: من الصدقة، والصلة، والمعروف، والإحسان إلى الناس: ما قِبلي مدخل، فيقال له: اجلس فيجلس، وقد مُثِّلَت له الشمس وقد أُدنيت للغروب، فيقال له: أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه؟ وماذا تشهد به عليه؟ فيقول: دعوني حتى أصلي، فيقولون([152]): إنك ستفعل، أخبرني عما نسألك عنه، أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه، وماذا تشهد عليه؟ قال: فيقول: محمد أشهد أنه رسول الله، وأنه جاء بالحق من عند الله. فيقال له: على ذلك حييت وعلى ذلك مُتَّ، وعلى ذلك تبعث إن شاء الله، ثم يُفتح له باب من أبواب الجنة، فيقال له: هذا مقعدك منها، وما أعدَّ الله لك فيها، فيزداد غِبطةً وسروراً، ثم يُفتح له بابٌ من أبواب النار، فيقال له: هذا مقعدك منها وما أعد الله لك فيها لو عصيته، فيزداد غبطة وسروراً، ثم يُفسح له في قبره سبعون ذراعاً، ويُنوّر له فيه، ويُعاد الجسد لما بدأ منه، فتجعل نسمته في النَّسَم الطيب وهي طير يعلق في شجر الجنة، قال: فذلك قوله تعالى: ] يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الـْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [([153]). قال: وإن الكافر إذا أُتي من قبل رأسه، لم يوجد شيء، ثم أُتي عن يمينه، فلا يوجد شيء، ثم أُتي عن شماله، فلا يوجد شيء، ثم أُتي من قبل رجليه فلا يوجد شيء، فيُقال له: اجلس، فيجلس خائفاً مرعوباً، فيقال له: أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ماذا تقول فيه؟ وماذا تشهد به عليه؟ فيقول: أي رجل؟ فيقال: الذي كان فيكم، فلا يهتدي لاسمه حتى يقال له: محمد، فيقول: ما أدري سمعت الناس قالوا قولاً، فقلت كما قال الناس، فيُقال له: على ذلك حييت، وعلى ذلك مت، وعلى ذلك تبعث إن شاء الله، ثم يفتح له باب من أبواب النار فيُقال له: هذا مقعدك من النار، وما أعد الله لك فيها، فيزداد حسرة وثبوراً، ثم يفتح له باب من أبواب الجنة، فيُقال له: ذلك مقعدك من الجنة، وما أعد الله لك فيه لو أطعته فيزداد حسرةً وثبوراً، ثم يُضيَّقُ عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، فتلك المعيشة الضنكة التي قال الله: ] فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى([154]) [([155]).
وأما رواية ابن ماجه عن أبي هريرة t عن النبي ﷺ فلفظها: ((إن الميت يصير إلى القبر، فيُجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع ولا مشعوف([156])، ثم يقال له: فيم كنت؟ فيقول: كنت في الإسلام، فيقال له: ما هذا الرجل؟ فيقول:محمد رسول الله ﷺ، جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه، فيقال له:هل رأيت الله؟ فيقول:ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فيُفرج له فرجة قِبَل النار، فينظر إليها يحطم بعضها بعضاً، فيقال له:انظر إلى ما وقاك الله، ثم يُفرج له قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له:هذا مقعدك، ويقال له: على اليقين كنت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله، ويُجلس الرجل السوء في قبره فزعاً مشعوفاً، فيقال له:فيم كنت؟ فيقول:لا أدري، فيقال له:ما هذا الرجل؟ فيقول:سمعت الناس يقولون قولاً فقلته، فيُفرج له فرجة قبل الجنة، فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال له:انظر إلى ما صرف الله عنك، ثم يُفرج له فرجة قِبل النار، فينظر إليها يحطم بعضها بعضاً، فيقال له: هذا مقعدك، على الشك كنت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله تعالى([157]).
وفي حديث جابر عند ابن ماجه عن النبي ﷺ قال: ((إذا دخل الميت القبر مُثِّلت له الشمس عند غروبها، فيجلس يمسح عينيه ويقول: دعوني أصلي))([158])، والمقصود الميت المسلم، كما تقدم في حديث أبي هريرة t.
9 – تذكُّر نعيم القبر وعذابه؛ لأدلة قطعية كثيرة جدّاً، من القرآن الكريم([159]) والأحاديث الشريفة التي بلغت حد التواتر([160]) ومنها:
حديث أبي طلحة: أن نبي الله ﷺ أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلاً من قريش فقذفوا في طويٍّ([161]) من أطواء بدر خبيث مخبث، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة([162]) ثلاث ليالٍ، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشُدَّ عليها رحلها ثم مشى وتبعه أصحابه وقالوا: ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته، حتى قام على شَفةِ الركيِّ([163]) فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: ((يا فلان ابن فلان، ويا فلان ابن فلان، أيَسرُّكم أنكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقّاً، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقّاً؟)) قال: فقال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها؟ فقال رسول الله ﷺ: ((والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم)) قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله: توبيخاً، وتصغيراً، ونقمةً، وحسرةً وندماً))([164]).
* واختلف العلماء – رحمهم الله تعالى – في سماع الأموات؛لقوله تعالى:]إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الـْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [([165]). وقال تعالى في سورة الروم: ] فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الـْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [([166]). وقوله تعالى: ] وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ [([167]).
ذكر الإمام الشنقيطي – رحمه الله – أنه لا يصح في تفسير ذلك من أقوال العلماء إلا تفسيران:
الأول: ] فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الـْمَوْتَى [ أي لا تسمع الكفار الذين أمات الله قلوبهم، إسماع هدى وانتفاع؛لأن الله ختم على قلوبهم، فهم لا يسمعون الحق سماع اهتداء وانتفاع.
الثاني: أن المراد بالموتى الذين ماتوا بالفعل، ولكن المراد بالسماع المنفي خصوص السماع المعتاد الذي ينتفع صاحبه به، وأن هذا مَثَلٌ ضربه الله للكفار،والكفار يسمعون الصوت ولكن لا يسمعون سماع قبول واتباع.
ثم تكلم رحمه الله عن مسألة سماع الموتى في قبورهم وأطال رحمه الله، واختار أنهم يسمعون كلام مَنْ كلَّمهم، وقال: إنه الذي يقتضي الدليل رجحانه، وبيّن أنّ من استدل بقول عائشة رضي الله عنها فقد غلط، وبيّن أنّ سماع الموتى ثبت عنه ﷺ في أحاديث صحيحة لا مطعن فيها، ولم يذكر ﷺ أن ذلك خاص بإنسان ولا بوقت، ولم يثبت في الكتاب ولا في السنة شيء يخالف ذلك، ثم ذكر رحمه الله: كلام النبي ﷺ لأهل بدر، وسلامه على الأموات كالأحياء، فدل ذلك على أنهم يسمعون التسليم عليهم، وذكر ما ذكره الإمام ابن القيم في كتابه الروح من الآثار الكثيرة التي تدل على معرفة الموتى بزيارة الأحياء، وردّ الله ﷻ أرواح الموتى عليهم أثناء سلام أقربائهم عليهم حتى يردوا عليهم السلام، وقد انتصر لسماع الموتى ابن تيمية رحمه الله([168]) وتلميذه ابن القيم في كتابه ((الروح)) وغيره. والإمام ابن كثير في تفسيره حيث قال:((والصحيح عند العلماء رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ لما لها من الشواهد على صحتها من وجوه كثيرة من أشهر ذلك ما رواه ابن عبد البر مصححاً له عن ابن عباس مرفوعاً: ((ما من أحد يمرُّ بقبر أخيه المسلم كان يعرفه في الدنيا فيسلّم عليه إلا ردّ الله عليه روحه حتى يردَّ عليه السلام)) ثم ذكر آثاراً كثيرة جدّاً عن الصحابة y،وعن التابعين رحمهم الله([169]) والله ولي التوفيق([170]).
وسمعت شيخنا ابن باز – رحمه الله – يقول: الأقوال في سماع الأموات ثلاثة:
القول الأول: يسمعون مطلقاً.
القول الثاني: لا يسمعون مطلقاً.
القول الثالث: التفصيل: يسمعون فيما جاءت به النصوص، ولا يسمعون في غير ذلك، وهذا القول هو الصواب، وأنهم يسمعون فيما جاءت به النصوص فقط، كسماع قرع النعال، وكقوله [ﷺ لصناديد قريش] ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا يجيبون، وعند الزيارة والسلام عليهم، وهذا القول جيد))([171]).
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: أن أرواح الأحياء إذا قُبضت تجتمع إلى أرواح الموتى([172])، وأن الأرواح العليا تنزل إلى الأرواح الدنيا، والأدنى يصعد إلى الأعلى، وأن الروح تُعاد إلى اللّحد أحياناً، كرد الروح إذا سُلِّم على القبر حتى يرد السلام على من سلم عليه([173])، وقد تجتمع الأرواح مع تباعد المدافن، وقد تفترق مع اجتماع المدافن([174]).
* والشهداء في حياة عظيمة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: ((لمَّا أُصيب إخوانكم بأُحُد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر، ترد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم، ومقيلهم، قالوا: من يبلِّغ إخواننا عنا أنَّا أحياء في الجنة نُرزق، لئلاّ يزهدوا في الجهاد، ولا يتَّكلوا عند الحرب؟ فقال الله سبحانه: أنا أبلّغهم عنكم. قال: فأنزل الله: ] وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ([175]) [([176]).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ((الصحيح الذي عليه الأئمة وجماهير أهل السنة: أن الحياة، والرزق، ودخول الأرواح الجنة ليس مختصّاً بالشهيد، كما دلّت على ذلك النصوص الثابتة، ويختصُّ الشهيد بالذكر؛ لكون الظانّ يظن أنه يموت فينكل عن الجهاد، فأخبر بذلك، ليزول المانع من الإقدام على الجهاد والشهادة))([177]).
* وعذاب القبر ونعيمه حق لا شك فيه، وقد ظهر في هذا الحديث ما يدل على ذلك، فقد قال عمر t للنبي ﷺ حينما خاطب صناديد قريش بعد إلقائهم في قليب بدر: يا رسول الله ما تكُلِّم من أجساد لا أرواح لها))؟ فقال ﷺ: ((والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم)). قال قتادة: ((أحياهم الله حتى أسمعهم قوله: توبيخاً، وتصغيراً ونقمة، وحسرة، وندماً))، وهذا يؤكد أهمية بيان عذاب القبر؛ ولهذا خاطب النبي ﷺ صناديد قريش يُوبِّخُهم؛ لإعراضهم وعنادهم التام في الدنيا عن دين الإسلام، بل وقفوا في طريقه وقاتلوا أهله؛ ولأهمية التحذير من عذاب القبر ذكر الله ﷻ عذاب آل فرعون في البرزخ فقال ﷻ: ] وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [([178]).
وقال ﷻ في عذاب الكفار في الدنيا والبرزخ: ] فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاَقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ * يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ * وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [([179]).
وقد ذكر البراء بن عازب، وابن عباس، وعلي y أنّ قوله ﷻ: ] وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [ هو عذاب القبر، وقيل: هو الجوع في الدنيا والمصائب التي تصيبهم في الدنيا، ورجح الإمام الطبري –رحمه الله- أن ذلك يشمل الأمرين، وأن للذين ظلموا أنفسهم بكفرهم به عذاباً دون يومهم الذي فيه يصعقون، وذلك يوم القيامة، فعذاب القبر دون يوم القيامة؛ لأنه في البرزخ، والجوع، والمصائب التي تصيبهم في أنفسهم وأموالهم وأولادهم دون يوم القيامة، ولم يخُصص نوعاً من ذلك أنه لهم دون يوم القيامة دون نوعٍ بل عمَّ([180]).
* وقد بين النبي ﷺ للناس عذاب القبر في أحاديث كثيرة، ومن ذلك قوله ﷺ: ((إنَّ أحدكم إذا مات، عُرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله عليه يوم القيامة))([181]).
* وعن زيد بن ثابت t قال: بينما النبي ﷺ في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه، إذ حادت به([182]) فكادت تلقيه، وإذا أقْبُر ستة أو خمسة أو أربعة، فقال: ((من يعرف أصحاب هذه الأقبر))؟ قال رجل: أنا، قال: ((فمتى مات هؤلاء))؟ قال: ماتوا في الإشراك، فقال: ((إن هذه الأمة تُبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه))، ثم أقبل علينا بوجهه فقال:((تعوَّذوا بالله من عذاب القبر)) قالوا:نعوذ بالله من عذاب القبر، قال:((تعوَّذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن)) قالوا:نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قال:((تعوَّذوا بالله من فتنة الدجال)) قالوا:نعوذ بالله من فتنة الدجال))([183]).
* وعن أبي أيوب t قال:خرج رسول الله ﷺ بعدما غربت الشمس فسمع صوتاً فقال:((يهودُ تُعذَّبُ في قبورها))([184]).
* وعن أنس t قال: قال نبي الله ﷺ: ((إن العبد إذا وُضِعَ في قبره وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فيُقعدانِهِ فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟)) محمد ﷺ ((فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، فيراهما جميعاً))، [قال قتادة: ((وذُكر لنا أنه يفسح له في قبره)) ثم رجع إلى حديث أنس قال] ((وأما المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت، ويُضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين))([185]).
* وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: ((إذا أُقعد المؤمن في قبره أُتي ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فذلك قوله: ] يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الـْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [([186]).
* وفتنة القبر كانت تُحْدِثُ عند الصحابة خشوعاً لله وإقبالاً عظيماً إلى طاعته حينما يُذَكِّرهم رسول الله ﷺ، فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: ((قام رسول الله ﷺ خطيباً فذكر فتنة القبر التي يُفتتن بها المرء، فلما ذكر ذلك ضجَّ المسلمون ضجّةً))([187]).
* والقبر له ضغطة لا ينجو منها أحد، لكن هذه الضغطة ضغطة سخط وغضب على المجرمين، وضغطة فرح وسرور للمؤمنين([188]).
فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله ﷺ قال: ((هذا الذي تَحرّك له العرش، وفُتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة، لقد ضُمَّ ضمةً ثم فُرج عنه))([189]) يعني سعدَ بن معاذ t فينبغي للمسلم أن يسأل الله العافية؛ فإن للقبر ضغطة، فلو نجا أو سلم أحد منها لنجا سعد بن معاذ.
* ومما يزيد الأمر وضوحاً في عذاب القبر قوله ﷺ: ((أسرعوا بالجنازة، فإن تكُ صالحة فخيرٌ تقدمونها إليه، وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم))([190]).
* وعن أبي سعيد الخدري tأن رسول الله ﷺ قال: ((إذا وُضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت يا ويلها أين تذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعه لَصَعِق))([191]).
* ولهول عذاب القبر أمر رسول الله ﷺ أمته بالاستعاذة منه دُبُرَ كل صلاة، فقال ﷺ: ((إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جنهم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسح الدجال))([192]).
* وكان هو ﷺ يدعو في صلاته فيقول: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم)) فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم يا رسول الله؟ فقال: ((إن الرجل إذا غَرِمَ حدّث فكذب ووعد فأخلف))([193]).
* ولاشك أن القبور لها ظلمة إلا من نوَّر الله قبره بالإيمان والعمل الصالح، فعن أبي هريرة t أن امرأة سوداء كانت تقمّ المسجد، أو شابّاً، ففقدها رسول الله ﷺ، فسأل عنها أو عنه فقالوا: مات، قال: ((أفلا آذنتموني)) فكأنهم صغَّروا أمرها أو أمره فقال: ((دلّوني على قبره)) فدلّوه فصلى عليها ثم قال: ((إن هذه القبور مملوءة ظلمةً على أهلها، وإن الله ﷻ ينوِّرها لهم بصلاتي عليهم))([194]).
* ومن أعظم الأحاديث في عذاب القبر حديث البراء بن عازب t وفيه أن العبد المؤمن يفسح له في قبره مد بصره، وأن العبد الفاجر يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه([195]).
* وعن هانئ مولى عثمان قال: كان عثمان إذا وقف على قبر بكى حتى يبلّ لحيته، فقيل له تُذْكَرُ الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا؟ فقال: إن رسول الله ﷺ قال: ((إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينجُ منه فما بعده أشدُّ منه)) وقال:قال رسول الله ﷺ: ((ما رأيت منظراً قطّ إلا والقبر أفظع منه))([196]).
* ومما يزيد المسلم يقيناً أن النبي ﷺ قال عن أرواح المؤمنين في البرزخ: ((إنما نسمة المؤمن طائر يُعلق في شجر الجنة: حتى يرجعه الله تبارك وتعالى إلى جسده يوم يبعثه))([197]).
* وأرواح الشهداء أعظم من ذلك: فإن ((أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل))([198]).
* ولاشك أن أحكام الدنيا على الأبدان والأرواح تبع لها، وأحكام البرزخ على الأرواح والأبدان تبع لها، فإذا كان يوم القيامة كان الحكم والنعيم أو العذاب على الأرواح والأجساد جميعاً([199]).
* وعذاب القبر هو عذاب البرزخ، فكل من مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه، قُبِرَ أو لم يقبر، أو أكلته السباع، أو أُحرق حتى صار رماداً أُو نسف في الهواء؛ فإنه يصل إلى روحه وبدنه من النعيم أو العذاب ما يصل إلى القبور([200]).
* وأحاديث عذاب القبر ونعيمه وسؤال الملكين تبلغ حد التواتر؛ فقد بلغت الأحاديث في ذلك سبعين حديثاً([201]).
* ومما يجير من عذاب القبر معرفة الأسباب التي يُعذّب بها أصحاب القبور والابتعاد عنها، والأسباب المنجية من عذاب القبر والعمل بها.
* أما أسباب عذاب القبر فمنها: الجهل بالله، وإضاعة أوامره، وارتكاب معاصيه، والنميمة، وترك الاستبراء من البول، والكذب الذي يبلغ الآفاق، وترك العمل بالقرآن والنوم عنه بالليل، والزنا، وأكل الربا، والتثاقل عن الصلاة المفروضة، وترك الزكاة المفروضة، وأكل لحوم الناس بالغيبة والوقوع في أعراضهم، وعذاب الميت بما نيح عليه، وغير ذلك من أسباب عذاب القبر التي ينبغي للمسلم أن يحذر منها.
* وأما أسباب النجاة من عذاب القبر فكثيرة، منها: تجنب الأسباب التي تسبب عذاب القبر، ومن أنفع أسباب النجاة أن يجلس المسلم عندما يريد النوم فيحاسب نفسه فيما خسره وربحه في يومه، ثم يجدد له توبة نصوحاً فينام على تلك التوبة.
* ومن أسباب النجاة من عذاب القبر: الموت مرابطاً في سبيل الله تعالى، والشهادة في سبيل الله تعالى، وغير ذلك من الأسباب النافعة([202]).
فينبغي للمسلم أن يذكر دائماً: عذاب القبر ونعيمه، اللهم عافني وسلمني وأعذني من عذاب القبر، ووالديَّ وذريتي، وأهلي، ومشايخي، وجميع المؤمنين.
* ومما يوضح أسباب عذاب القبر ما ثبت في الأحاديث الصحيحة، ومنها حديث سمرة بن جندب t قال: كان رسول الله ﷺ يُعنى مما يكثر أن يقول لأصحابه: ((هل رأى أحد منكم من رؤيا؟)) قال فيقص علينا ما شاء الله أن يقص، وإنه قال لنا ذات غداة: ((إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما [وفي رواية: فأخذا بيدي فأخرجاني إلى الأرض المقدسة] [وفي رواية: أرض مقدسة] وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر هاهنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به المرة الأولى. قال: قلت لهما: سبحانه الله، ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلُّوبٍ من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، قال: وربما قال أبو رجاء فيشق. قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى. قال: قلت سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على مثل التنور، قال: وأحسب أنه كان يقول: فإذا فيه لغط وأصوات، [وفي رواية: أعلاه ضيِّق وأسفله واسع يتوقد تحته ناراً] قال: فاطَّلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللَّهب ضَوْضَوا قال: قلت لهما: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق. قال: فانطلقنا فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول أحمر مثل الدم، [وفي رواية: فانطلقنا فأتينا على نهر من دم] وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجراً فينطلق يسبح ثم يرجع إليه، كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجراً. قال: قلت لهما: ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق. قال: فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء رجلاً مرآة، وإذا عنده نار يحشها ويسعى حولها، قال قلت لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق. فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل لون الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولاً في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قطُّ. قال: قلت لهما: ما هذا، وما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق. فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قطُّ أعظمَ منها ولا أحسن. قال: قالا لي: ارقَ، فارتقيت فيها قال: فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففُتح لنا، فدخلناها فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء، قال: قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، قال: وإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المحض من البياض فذهبوا فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة. قال: قالا لي: هذه جنة عدن، وهذاك منزلك. قال: فسما بصري صُعُداً فإذا قصر مثل الربابة البيضاء. قال: قالا لي: هذاك منزلك، قال: قلت لهما: بارك الله فيكما، ذراني فأدخله، قالا: أما الآن فلا، وأنت داخله [وفي رواية: فانطلقنا حتى أتينا على روضة خضراء فيها شجرة عظيمة وفي أصلها شيخ وصبيان فصعدا بي في الشجرة وأدخلاني داراً لم أرَ قطُّ أحسن منها، فيها رجال شيوخ، وشباب، ونساء وصبيان ثم أخرجاني منها فصعدا بي الشجرة فأدخلاني داراً هي أحسن وأفضل فيها شيوخ وشبان] قال: قلت لهما: فإني قد رأيت منذ الليلة عجباً، فما هذا الذي رأيت؟ قال: قالا لي: أما إنا سنخبرك:
* أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ بالقرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة [وفي رواية: يفعل به إلى يوم القيامة].
* وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق [وفي رواية: يصنع به ما رأيت إلى يوم القيامة].
* وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور فهم الزناة والزواني.
* وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويُلقم الحجر فإنه آكل الربا.
* وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها فإنه مالك خازن جهنم.
* وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم ﷺ وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة. قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله ﷺ وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله ﷺ: وأولاد المشركين [وفي رواية: والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين وأما هذه الدار فدار الشهداء، وأنا جبريل، وهذا ميكائيل، فارفع رأسك فرفعت رأسي فإذا فوقي مثل السحاب، قالا: ذاك منزلك، قلت: دعاني أدخل منزلي، قالا: إنه بقي لك عمر لم تستكمله، فلو استكملت أتيت منزلك].
* وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسناً وشطر قبيحاًًً فإنه قوم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً تجاوز الله عنهم))([203]).
* ومن ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرَّ النبي ﷺ بحائط من حيطان المدينة أو مكة فسمع صوت إنسانين يُعذَّبان في قبورهما، فقال النبي ﷺ: ((يُعذَّبان وما يُعذَّبان في كبير)) ثم قال: ((بلى، كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة)) ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين فوضع على كل قبر منهما كسرة، فقيل له: يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال ﷺ: ((لعله أن يخفف عنها ما لم تيبسا)) وفي لفظ لمسلم: ((وكان الآخر لا يستنزه عن البول، أو من البول))([204]).
* وعن أبي هريرة t قال:قال رسول الله ﷺ:((أكثر عذاب القبر من البول))([205])، وجاء من حديث أنس t بلفظ:((تنزَّهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه))([206]).
10 – الحَذَرُ من التنافس في الدنيا والانشغال بها عن طاعة الله ﷻ؛لأن النبي ﷺ قال:((فوالله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتُهلككم كما أهلكتهم)) [وفي لفظ:((وتُلهيكم كما ألهتهم))]([207])، قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في فوائد هذا الحديث:((وفيه أن المنافسة في الدنيا قد تجر إلى هلاك الدين))([208])؛((لأن المال مرغوب فيه فترتاح النفس لطلبه، فتمنع منه، فتقع العداوة المقتضية للمقاتلة، المفضية إلى الهلاك))([209])، وقوله ﷺ: ((وتُلهيكم كما ألهتهم))، دليل على أن الانشغال بالدنيا فتنة، قال الإمام القرطبي – رحمه الله –:((تُلهيكم)) أي تشغلكم عن أمور دينكم وعن الاستعداد لآخرتكم([210])، كما قال الله ﷻ: ] أَلـْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الـْمَقَابِرَ [([211]).
وهذا يؤكد للمسلم أن التنافس في الدنيا والانشغال بها شر وخطر؛ ولهذا قال ﷺ: ((إن أكثر ما أخاف عليكم ما يُخرج الله لكم من بركات الأرض))، قيل: وما بركات الأرض؟ قال: ((زهرة الدنيا))، ثم قال: ((إن هذا المال خَضِرة حلوة... من أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو، ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع [ويكون عليه شهيداً يوم القيامة]))([212]).
وعن قيس بن حازم قال: دخلنا على خباب t نعوده، فقال: ((إن أصحابنا الذين سلفوا مضوا ولم تنقصهم الدنيا، وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعاً إلا التراب، ولولا أن النبي ﷺ نهانا أن ندعو بالموت لدعوتُ به))، ثم أتيناه مرة أخرى وهو يبني حائطاً له فقال: ((إن المسلم يؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب))([213])، قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: ((أي الذي يوضع في البنيان، وهو محمول على ما زاد على الحاجة))([214])، وذكر – رحمه الله – آثاراً كثيرة في ذم البنيان ثم قال: ((وهذا كله محمول على ما لا تمس الحاجة إليه مما لابد منه للتوطن وما يقي البرد والحر))([215])، وقد بين الله ﷻ حقيقة الدنيا فقال: ] إِنَّمَا مَثَلُ الـْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [([216]).
وقال ﷻ: ] اعْلَمُوا أَنَّمَا الـْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلـَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ الله وَرِضْوَانٌ وَمَا الـْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاّ مَتَاعُ الْغُرُورِ [([217]).
وقال ﷻ: ] وَاضْرِبْ لـَهُم مَّثَلَ الـْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا * الـْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الـْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً [([218]).
ولا شك أن الإنسان إذا لم يجعل الدنيا أكبر همه وفقه الله وأعانه، فعن معقل بن يسار t قال:قال رسول الله ﷺ: ((يقول ربكم تبارك وتعالى: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأْ قلبك غنى وأملأْ يديك رزقاً، يا ابن آدم لا تباعد عني فأملأُ قلبك فقراً وأملأُ يديك شغلاً))([219]).
وعن أبي هريرة tعن النبي ﷺ قال: ((إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأْ صدرك غنى وأسدَّ فقرك، وإن لم تفعل ملأتُ يديك شغلاً ولم أسدَّ فقرك))([220]).
ولا شك أن كل عمل صالح يُبتغى به وجه الله فهو عبادة.
وعن زيد بن ثابت tقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((من كانت الدنيا همه فرّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له، ومن كانت الآخرة نيته، جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة))([221]).
وقد ذم الله الدنيا إذا لم تُستخدم في طاعة الله ﷻ فعن أبي هريرة t قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله، وما والاه، وعالمٌ، أو متعلم))([222]).
وهذا يؤكد أن الدنيا مذمومة مبغوضة من الله وما فيها، مبعدة من رحمة الله إلا ما كان طاعة لله ﷻ([223])؛ ولهوانها على على الله ﷻ لم يُبلِّغ رسولَه ﷺ فيها وهو أحب الخلق إليه، فقد مات ﷺ ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعاً من شعير([224])، ومما يزيد ذلك وضوحاً وبياناً حديث سهل بن سعد t يرفعه: ((لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء))([225])، فينبغي للمسلم أن لا ينافس في الدنيا، ولا يحزن عليها، وإذا رأى الناس يتنافسون في الدنيا، فعليه تحذيرهم، وعليه مع ذلك أن ينافسهم في الآخرة. والله المستعان.
11 – طلب حسن الخاتمة بالقول والعمل: لا شك أن طلب حسن الخاتمة يكون بالدعاء، وبعمل جميع الأسباب المؤدية إلى حسن الختام؛ لأن من رغب في شيء وحرص عليه جَدَّ في طلبه بالدعاء والضراعة إلى الله ﷻ واجتهد في بذل الأسباب؛ قال الله ﷻ: ] وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ الله لَمَعَ الـْمُحْسِنِينَ [([226]).
وقد ثبت في الحديث: أن الأعمال بالخواتيم؛ قال النبي ﷺ: ((وإنما الأعمال بخواتيمها))([227]).
ومما يعين المسلم على طلب حسن الخاتمة معرفته بعض ما ثبت عن النبي ﷺ في حسن الخاتمة وسوئها ومن ذلك: حديث عبد الله بن مسعود t قال: حدثنا رسول الله ﷺ وهو الصادق المصدوق: ((إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكاً بأربع كلمات: فيكتب عمله، وأجله، ورزقه، وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار))([228]).
وقد يعمل الرجل الزمن الطويل بالطاعات ويبتعد عن المعاصي والسيئات ثم قبل موته يرتكب الجرائم والموبقات ويترك الواجبات، فيهجم عليه الموت فجأة فيختم له بخاتمة السوء، وبالعكس؛ ولهذا قال ﷺ: ((إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة، ثم يختم له عمله بعمل أهل النار، وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار، ثم يُختم له عمله بعمل أهل الجنة))([229]).
قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله – على حديث الباب:((وقوله:((فيما يبدو للناس)) إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك وأن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس، من جهة عمل سيئ ونحو ذلك فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت، وكذلك قد يعمل الرجل عمل أهل النار وفي باطنه خصلة خفية من خصال الخير، تغلب عليه تلك الخصلة في آخر عمره، فتوجب له حسن الخاتمة))([230]).
وينبغي للمسلم أن يعمل بالأسباب التي توصل إلى حسن الخاتمة ويبتعد عن جميع الأسباب التي تنشأ عنها سوء الخاتمة، ومن ذلك ما يأتي:
السبب الأول:خوف الله ﷻ والخشية من سوء الخاتمة، فقد كان السلف الصالح يخافون من سوء الخاتمة، فيحسنون العمل؛لأن الخوف مع الرجاء يبعث على إحسان العمل؛فعن أبي هريرة t قال:قال رسول الله ﷺ: ((ن خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة))([231])؛ولهذا كان الصحابة y ومن بعدهم من السلف يخافون على أنفسهم النفاق، ويشتد قلقهم منه؛لأن المؤمن يخاف على نفسه النفاق الأصغر، ويخاف أن يغلب عليه عند الخاتمة فيخرجه إلى النفاق الأكبر؛لأن دسائس السوء من أسباب سوء الخاتمة([232]).
* وقد ذُكِرَ عن عمر بن الخطاب t أنه قال لحذيفة t: ((نشدتك بالله هل سمَّاني لك رسول الله ﷺ منهم))؟ - يعني من المنافقين – قال: لا، ولا أبرئ بعدك أحداً، يعني لا يكون مفشياً سرَّ رسول الله ﷺ([233]).
* وقال عبد الله بن أبي مليكة: ((أدركت ثلاثين من أصحاب النبي ﷺ كلهم يخاف النفاق على نفسه، وما منهم من أحد يقول: إن إيمانه على إيمان جبريل وميكائيل))([234]).
* وقال إبراهيم التيمي – رحمه الله -: ((ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذباً))([235]).
* ويذكر عن الحسن: ((ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق))([236]).
* ويذكر عن أبي الدرداء tأنه قال: ((لأن أستيقن أن الله تقبَّل لي صلاة واحدة أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها، إن الله يقول: ] إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ الـْمُتَّقِينَ [([237]).
السبب الثاني: التوبة من جميع الذنوب والمعاصي وإتباعها بالأعمال الصالحة؛ لأن التسويف في التوبة من أسباب سوء الخاتمة؛ ولهذا قال الله I: ] وَتُوبُوا إِلَى الله جَمِيعًا أَيُّهَا الـْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [([238]).
وقال I: ] نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ [([239]).
ولا شك أن: ((التائب من الذنب كمن لا ذنب له))([240]).
ولابد مع التوبة من الأعمال الصالحة؛ لقوله ﷻ: ] وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لـِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالـِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [([241])، وقال I بعد أن ذكر عقاب المشرك، وقاتل النفس بغير حق، والزاني: ] إِلاّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالـِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا [([242]).
وعن أنس t قال: قال رسول الله ﷺ: ((إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله)) فقيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: ((يوفقه لعمل صالح قبل الموت))([243]).
وعن عمرو بن الحَمَقِ tقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((إذا أراد الله بعبدٍ خيراً عَسَلَهُ)) قالوا: وكيف يعسله؟ قال: ((يفتح الله ﷻ له عملاً صالحاً بين يدي موته حتى يرضى عنه جيرانه، أو من حوله))([244]).
السبب الثالث: الدعاء بحسن الخاتمة وإظهار الافتقار إلى الله ﷻ، ولهذا كان النبي ﷺ يُكثر الدعاء بالثبات على دين الله ﷻ فعن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي ﷺ:كان أكثر دعائه:((يا مقلب القلوب ثبّتْ قلبي على دينك)) قالت: قلت:يا رسول الله ما أكثر دعاءك:يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك؟ قال:((يا أم سلمة إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ)) فتلا معاذ: ] رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا [([245]).
وعن أنس t قال: كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول: ((يا مقلب القلوب ثبّتْ قلبي على دينك))، فقلت: يا رسول الله، آمنا بك، وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: ((نعم، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف شاء))([246]).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: ((إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد، يصرفه حيث يشاء))، ثم قال رسول الله ﷺ: ((اللهم مُصرّف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك))([247]).
وكان ﷺ يدعو: ((اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة))([248]).
وعن أبي هريرة tقال:كان رسول الله ﷺ يتعوذ من: ((جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء))([249]).
فينبغي للمسلم أن يُكثر من هذه الأدعية التي هي من أسباب حسن الخاتمة، وعليه أن يُكثر من ((لا حول ولا قوة إلا بالله)) فعن عبد الله بن
السبب الرابع: قصر الأمل من أسباب حسن الخاتمة، وطول الأمل ضد ذلك؛ قيس tقال:قال رسول الله ﷺ:((يا عبد الله بن قيس ألا أدلُّك على كنز من كنوز الجنة))؟ فقلت:بلى يا رسول الله، قال:((قل لا حول ولا قوة إلا بالله))([250]).لأن قصر الأمل يَحثُّ صاحبه على اغتنام الأوقات والأعمال الصالحة؛ ويؤكد ذلك حديث عبد الله بن عمر t قال: أخذ رسول الله ﷺ بمنكبي فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك([251]).
وعن عبد الله بن مسعود tقال: خطَّ النبي ﷺ خطّاً مربعاً، وخطَّ خطّاً في الوسط خارجاً منه، وخطَّ خُططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال: ((هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به، أو قد أحاط به، وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخُطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا))([252]).
وعن أبي هريرة tقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((لا يزال قلب الكبير شابّاً في اثنتين: في حب الدنيا وطول العمر))([253]).
وعن أنس tقال:قال رسول الله ﷺ:((يهرم ابن آدم وتشبُّ منه اثنتان: الحرص على المال، والحرص على العمر))([254]).
فينبغي للمسلم أن لا يركن إلى الدنيا؛ فإنها متاع زائل، والله المستعان.
السبب الخامس: بغض المعاصي والابتعاد عنها من أسباب حسن الخاتمة، وضدّ ذلك حبها وإلفها. فينبغي للمسلم أن يُبغض كل ما حرمه الله ورسوله ﷺ؛ لأن الإنسان إذا أصرَّ على المعاصي ومات على ذلك كان ذلك من أسباب سوء الخاتمة، وبُعِثَ على ما مات عليه؛ ولهذا قال ﷺ: ((من مات على شيء بعثه الله عليه))([255]).
السبب السادس: الصبر عند المصائب من أسباب حسن الخاتمة، وضد ذلك الجزع أو الانتحار من أسباب سوء الخاتمة، أسأل الله العفو والعافية لي ولأهل بيتي وجميع المؤمنين.
فينبغي للمسلم الصبر ابتغاء وجه الله ﷻ فعن صهيب t قال: قال رسول الله ﷺ: ((عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له))([256])، ولا شك أن المصائب تُكفِّر الخطايا والسيئات.
فينبغي للعبد المسلم: الصبر، والثبات، واحتساب الأجر والثواب على الله ﷻ فعن ابن مسعود tأن النبي ﷺ قال: ((ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حطَّ الله به سيئاته كما تحطُّ الشجرة ورقها))([257]).
وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله ﷺ يقول: ((ما يصيب المؤمن من وصبٍ([258]) ولا نصبٍ([259]) ولا سقمٍ، ولا حزنٍ، حتى الهمّ يهمّه إلا كُفِّر به من سيئاته))([260]).
السبب السابع: حسن الظن بالله ﷻ من أسباب حسن الخاتمة، وسوء الظن بالله من أسباب سوء الخاتمة، فينبغي للعبد أن يعلم أن الله ﷻ لا يظلم مثقال ذرة، ولا يظلم الناس شيئاً، وهو عند ظن عبده به؛ قال النبي ﷺ: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني...))([261]).
وعن جابر tقال: سمعت رسول الله ﷺ قبل وفاته بثلاث يقول: ((لا يمُوتنَّ أحدكم إلا وهو يُحسن الظن بالله))([262]).
السبب الثامن: معرفة ما أعده الله ﷻ من النعيم المقيم للمؤمنين، من أسباب حسن الخاتمة؛ لأن هذا العلم يَحثُّ على العمل، والاستقامة على طاعة الله ﷻ رغبة فيما عنده ﷻ من الثواب، قال الله ﷻ: ] وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الـْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ [([263]).
فينبغي للمسلم أن يعلم أن مستقر أرواح المؤمنين في الحياة البرزخية في الجنة، فعن عبد الله بن أحمد، عن أبيه، عن الشافعي، عن مالك، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب، عن أبيه كعب أن رسول الله ﷺ قال: ((إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة، حتى يرجعه الله تبارك وتعالى إلى جسده يوم يبعثه))([264]).
أما أرواح الشهداء فهي أعظم من ذلك، فقد ثبت في الصحيح أن: ((أرواحهم في جوف طير خضرٍ، لها قناديل معلّقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل...))([265]).
فينبغي للمسلم أن يعمل بهذه الأسباب الحسنة ويبتعد عن أسباب سوء الخاتمة. أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحسن لنا جميعاً الخاتمة، وأن يوفقنا لِمَا يحبه ويرضاه.
12 - معرفة قصر الحياة الدنيا، وأنها كيوم أو بعض يوم مهما عاش الإنسان فحياته قصيرة جداً، قال الله تعالى: ] كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ لَهُ الـْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [([266]).
وقال سبحانه: ] كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الـْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [([267]).
وقال ﷻ: ] وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاءِ الله وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ [([268])، وهذا يدل على سرعة انقضاء الدنيا، وأن الناس إذا حشروا كأنَّه ما مر عليهم نعيم ولا بؤس وهم يتعارفون بينهم كحالهم في الدنيا، ففي هذا اليوم يربح المتقون ويخسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين إلى الصراط المستقيم والدين القويم([269]).
وقال الله ﷻ: ] أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ [([270]).
وقال ﷻ: ] وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ [([271]).
وقال I: ] قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ * قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاّ قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [([272]).
وقال تعالى: ] وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الـْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ [([273]).
وقال تعالى: ] يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الـمُجْرِمِينَ يَومَئِذٍ زُرْقًا * يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُم إن لَّبِثْتُمْ إلاَّ عَشْرًا * نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُم طَرِيقَةً إن لَّبِثْتُمْ إلاَّ يَوْمًا [([274]).
وقال ﷻ: ] كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ [([275]).
وقال الله ﷻ في الساعة:] كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [([276]).
وقال I:] يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً [([277]).
وقال ﷻ: ] وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ [([278]).
وعن المستورد أخي بني فهر قال:سمعت رسول الله ﷺ يقول:((ما مَثَل الدنيا في الآخرة إلا مَثَل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليمِّ فلينظرْ بمَ يرجع))([279]).
وعن أبي هريرة tقال:قال رسول الله ﷺ:((الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر))([280]).
فينبغي للعبد المسلم أن يزهد في هذه الدنيا القصيرة ويتزود بالأعمال الصالحة، ويعلم أنه مهما طال عمره فهو قصير، ولكن يغتنمه فيما يرفع منزلته عند الله ﷻ، ويقيه من عذابه، فإن طال عمره وهو ملتزم بطاعة الله ﷻ فهو خير له، فعن عبد الله بن بُسر tأن أعرابيّاً قال: يا رسول الله! من خير الناس؟ قال: ((مَن طال عمره وحسن عمله))([281]).
وعن أبي بكرة t: أن رجلاً قال: يا رسول الله! أي الناس خير؟ قال: ((مَن طال عمره وحسن عمله)) قال: فأي الناس شر؟ قال: ((من طال عمره وساء عمله))([282]).
وأعمار أمة محمد ﷺ قصيرة من الستين إلى السبعين لمن أطال الله عمره، وقليل من يجوز ذلك؛ لحديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: ((عمر أمتي من ستين سنة إلى سبعين سنة)). وفي لفظ: ((أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك))([283]).
وهذا العمر حجة على من لم يستعمله في طاعة الله ﷻ، فعن أبي هريرة tعن النبي ﷺ قال: ((أعذر الله إلى امرئ أخَّر أجله حتى بلّغه ستين سنة))([284]).
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز –رحمه الله– يقول: ((وهذا يوجب الحذر وأن المؤمن يأخذ حذره، ولا سيما إذا بلغ ستين))([285]).
وما أحسن ما قاله الشاعر الحكيم:
وما أقبح التفريط في زمن الصبا | فكيف به والشيب للرأس شامل |
13 - معرفة فضل البكاء من خشية الله تعالى يورث الخير الكثير؛ لحديث أبي هريرة tقال: قال رسول الله ﷺ: ((لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم))([286]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:سمعت رسول الله ﷺ يقول:((عينان لا تمسّهما النار:عين بكت من خشية الله،وعين باتت تحرس في سبيل الله))([287]).
وعن أبي ذر tقال: قال رسول الله ﷺ: ((إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أطَّت السماء وحُقَّ لها أن تئطَّ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا ومَلَك واضع جبهته ساجداً لله، والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله))([288]).
وعن أنس tقال: خطب النبي ﷺ خطبة ما سمعت مثلها قطُّ، قال: ((لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً)) قال: فغطَّى أصحاب رسول الله ﷺ وجوههم ولهم خنين، فقال رجل: من أبي؟ قال: ((أبوك فلان)). وفي رواية فقال عبد الله بن حذافة: من أبي؟ فقال: ((أبوك حذافة)) فلما أكثر ﷺ من قوله: ((سلوني؟)) برك عمر فقال: رضينا بالله ربَّا وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، فسكت النبي ﷺ ثم قال: ((والذي نفسي بيده لقد عرضت عليَّ الجنة والنار آنفاً في عرض هذا الحائط فلم أرَ كاليوم في الخير والشر))([289]).
وعن أبي هريرة tقال: قال أبو القاسم ﷺ: ((والذي نفس محمد بيده لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً))([290]).
ولو لم يكن في فضل البكاء من خشية الله إلا أنه يدخل صاحبه في ظلّ الله يوم لا ظل إلا ظلّه لكفى؛ لقوله ﷺ: ((سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه)) وذكر منهم: ((رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه )) ([291])، وقد أثنى الله ﷻ على من بكى من خشيته في آيات كثيرة، ومن ذلك:
قوله تعالى: ] وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الـْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [([292]).
وقوله تعالى: ] وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ [([293]).
وقوله تعالى في أهل العلم إذا سمعوا القرآن: ] وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا [ ([294]).
وقوله تعالى في الأنبياء وممن هدى سبحانه: ] إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا [([295]).
1 - الصبر والاحتساب: يجب على المريض الصبر وهو: حبس النفس عن الجزع والتسخط، واللسان عن الشكوى إلى المخلوق، والجوارح عن عملها ما يقتضي التسخّط: كلطم الخدود، وشقّ الجيوب، وحثو التراب على الرؤوس، ونتف الشعر، والدعاء بدعوى الجاهلية، ونحو ذلك([296]).
أما الشكوى إلى الله فمطلوبة بإجماع المسلمين([297]).
قال الله ﷻ: ] إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ [([298]).
وقال ﷻ: ] وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الـْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [([299]).
وقال I:]كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الـْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالـْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [([300]).
وقال ﷻ: ] مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَالله لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [([301]).
وقال تعالى: ] مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ الله وَمَن يُؤْمِن بِالله يَهْدِ قَلْبَهُ وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [([302]).
وقال تعالى: ] وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الـْخَوفْ وَالـْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ *أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الـْمُهْتَدُونَ [([303]).
وقال تعالى: ] وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [([304]).
وقال تعالى: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ [([305]).
وقال رسول الله ﷺ: ((الصبر ضياء))([306]).
وعن صهيب tقال: قال رسول الله ﷺ: ((عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له))([307]).
وعن أنس t قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((إن الله ﷻ قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة)) يريد عينيه([308]).
وعن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله ﷺ عن الطاعون فأخبرها ((أنه كان عذاباً يبعثه الله على من شاء فجعله رحمة للمؤمنين([309])، فليس من عبد يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابراً محتسباً يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد))([310]).وقال ﷺ: ((... إنما الصبر عند الصدمة الأولى))([311]).
وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: ((ما يصيب المسلم من نَصَبٍ([312]) ولا وَصَبٍ([313]) ولا هَمٍّ، ولا حزْنٍ، ولا أذىً، ولا غمٍّ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه))([314]).
وعن عبد الله بن مسعود tقال:قال رسول الله ﷺ:((ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حطَّ الله سيئاته كما تحطُّ الشجرة ورقها))([315]).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: ((ما من مسلم يُشاك شوكةً فما فوقها، إلا كُتب له بها درجة ومُحيت عنه بها خطيئة))([316]).
وعن أبي هريرة tقال: قال رسول الله ﷺ: ((من يُرد الله به خيراً يُصِبْ([317]) منه))([318]).
وعن أنس tيرفعه: ((إن عِظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السُّخْط))([319]).
وعن مصعب بن سعد عن أبيه tقال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشدُّ بلاءً؟ قال: ((الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيُبْتلَى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلباً، اشتدَّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقّةٌ ابتلي على حسب دينه، فما يبرحُ البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة))([320]).
2 - لا يُسأل البلاء؛ لحديث العباس بن عبد المطلب tقال: قلت: يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله؟ قال: ((سل الله العافية)) فمكثت أياماً ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله، فقال لي: ((يا عباسُ يا عمَّ رسول الله: ((سل الله العافية في الدنيا والآخرة))([321])؛
ولحديث أبي بكر الصديق tأن النبي ﷺ قال على المنبر: ((سلوا الله العفو والعافية؛ فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية))([322])؛
ولحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان من دعاء رسول الله ﷺ: ((اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوّل عافيتك، وفجأة نقمتك، وجميع سخطك))([323])؛
ولحديث أبي هريرة tأن النبي ﷺ ((كان يتعوّذ من سوء القضاء، ومن درك الشقاء، ومن شماتة الأعداء، ومن جهد البلاء))([324]).
3 - الإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى.
الإيمان بالقدر أصل من أصول الإيمان وركن من أركانه؛ لقول الله تعالى: ] إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [([325])؛
ولحديث عمر tمن حديث جبريل المشهور وفيه: ((... أخبرني عن الإيمان؟ [فقال رسول الله ﷺ]: ((أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره))([326]).
والقدر في اللغة: بمعنى التقدير، وهو مصدر: قَدَر يَقْدُرُ قَدَراً، وقد تسكّن دالُه، وهو عبارة عما قضاه الله وحكم به من الأمور، ومنه ((ليلة القدر)) وهي الليلة التي تُقدَّرُ فيها الأرزاق وتُقضى، ومنه حديث الاستخارة: ((فاقدُرْه لي ويسِّره)) أي اقضِ لي به وهيِّئه([327]).
والقدر في الشرع: هو تقدير الله تعالى لكل شيء، بعلمه الأزلي الأبدي، الذي لا أول لابتدائه، ولا نهاية لانتهائه، وعلمه ﷻ أنها ستقع في أوقات معلومة عنده، وعلى صفات مخصوصة، وكتابته سبحانه لذلك، ومشيئته النافذة له، ووقعها على حسب ما قدرها، وأنه ﷻ الخالق لكل شيء القادر عليه([328]).
وأما معنى القضاء: فهو في اللغة: إحكام الأمر وإتقانه، وإنفاذه لجهته([329])، وأصل القضاء القطع والفصل، يقال: قضى يقضي فهو قاضٍ إذا حكم وفصل، وقضاء الشيء: إحكامه، وإمضاؤه، والفراغ منه، فيكون بمعنى الخلق.
والقضاء في اللغة جاء على وجوه مرجعها إلى انقطاع الشيء وتمامه، وكل ما أُحكم عمله، أو أُتمّ، أو خُتم، أو أدِّيَ، أو أُوجب، أو أُعلم، أو أُنفذ، أو أُمضي، فقد قُضيَ، وقد جاءت هذه الوجوه كلها في الحديث([330]).
وأما العلاقة بين القضاء والقدر ففي ذلك أقوال:
القول الأول:قال ابن الأثير رحمه الله: ((ومنه القضاء المقرون بالقدر:المراد بالقدر التقدير، وبالقضاء الخلق، فالقضاء والقدر أمران متلازمان، لا ينفك أحدهما عن الآخر؛لأن أحدهما بمنزلة الأساس، والآخر بمنزلة البناء، فمن رام الفصل بينهما، فقد رام هدم البناء ونقضه([331]).
القول الثاني: قيل: القضاء: هو الحكم الكلي الإجمالي في الأزل، والقدر: جزيئات ذلك الحكم وتفاصيله([332])، والمعنى: أن القضاء: هو العلم السابق الذي حكم الله به في الأزل، والقدر هو وقوع الخلق على وزن الأمر المقضي السابق([333]) عكس القول الأول.
القول الثالث: قيل: القضاء من الله تعالى أخص من القدر؛ لأنه الفصل بين التقدير، فالقدر هو التقدير والقضاء هو الفصل والقطع، وقد ذكر بعض العلماء: أن القدر بمنزلة المُعدِّ للكيل، والقضاء بمنزلة الكيل، وهذا يبين أن القدر ما لم يكن قضاءً فمرجوٌّ أن يدفعه الله، فإذا قضى فلا مدفع له([334]).
القول الرابع: قيل: القضاء والقدر: إذا اجتمعا افترقا، فيصبح لكل واحد منهما مفهوم، وإذا افترقا اجتمعا بحيث إذا أفرد أحدهما دخل فيه الآخر، أي إذا افترقا فهما مترادفان، فإذا قيل: هذا قدر الله فهو شامل للقضاء، وإذا قيل: هذا قضاء الله، فهو شامل للقدر، أما إذا ذكرا جميعاً [هذا قدر الله وقضاؤه] فلكل واحد منهما معنى:
فالتقدير: هو ما قدره الله في الأزل أن يكون في خلقه.
وأما القضاء: فهو ما قضى به سبحانه في خلقه من إيجاد أو إعدام، أو تغيير، وعلى هذا يكون التقدير سابقاً.
واختار هذا القول الرابع العلامة ابن عثيمين رحمه الله([335]).([336])
ومن الأدلة العظيمة التي تدل على عظم منزلة الإيمان بالقضاء والقدر ما ثبت عن عبد الله بن عمر t من قوله في القدرية: ((والذي يحلف به ابن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر..))([337]).
وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله ﷺ، وفي يده كتابان، فقال: ((أتدرون ما هذان الكتابان))؟ فقلنا: لا يا رسول الله! إلا أن تخبرنا، فقال للذي في يده اليمنى: ((هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة، وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أُجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم، ولا ينقص منهم أبداً)). ثم قال للذي في شماله: ((هذا كتاب من رب العالمين، فيه أسماء أهل النار، وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم، فلا يزاد فيهم، ولا ينقص منهم أبداً)) فقال أصحابه: ففيمَ العمل يا رسول الله! إن كان أمرٌ قد فُرِغَ منه؟ فقال: ((سدِّدوا وقارِبوا، فإن صاحب الجنة يُختم له بعمل أهل الجنة، وإن عمل أيَّ عمل، وإن صاحب النار يُختَمُ له بعمل أهل النار، وإن عمل أيَّ عمل)) ثم قال رسول الله ﷺ بيديه فنبذهما ثم قال: ((فرغ ربكم من العباد: فريق في الجنة وفريق في السعير))([338]).
وحديث ابن الديلمي، قال: وقع في نفسي شيء من هذا القدر([339])، خشيت أن يفسد عليَّ ديني وأمري، فأتيت أُبي بن كعب فقلت: أبا المنذر! إنه قد وقع في قلبي شيء من هذا القدر؛ فخشيت على ديني وأمري، فحدثني من ذلك بشيء، لعل الله أن ينفعني به، فقال: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو كان لك مثل جبل أحد ذهباً، أو مثل جبل أحد تنفقه في سبيل الله ما قُبِلَ منك حتى تؤمن بالقدر، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار، ولا عليك أن تأتي أخي عبد الله بن مسعود فتسأله، فأتيت عبد الله فسألته فذكر مثل ما قال أُبيّ. وقال لي: ولا عليك أن تأتي حذيفة، فأتيت حذيفة فسألته، فقال مثل ما قالا، وقال: ائتِ زيد بن ثابت فاسأله، فأتيت زيد بن ثابت فسألته، فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((لو أن الله عذَّب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو كان لك جبل أحد ذهباً – أو مثل جبل أحد ذهباً – تنفقه في سبيل الله ما قبله منك حتى تؤمن بالقدر كله، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك([340])، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مُتَّ على غير هذا دخلت النار))([341]).
وحديث سهل بن سعد الساعدي t: ((أن رسول الله ﷺ التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول الله ﷺ إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله ﷺ رجل لا يدع لهم شاذّة ولا فاذّة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ مِنَّا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله ﷺ: ((أما إنه من أهل النار))، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه، قال: فخرج معه كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال: فجُرِحَ الرجل جُرحاً شديداً، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه في الأرض، وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله ﷺ قال: أشهد أنك رسول الله، قال: ((وما ذاك))؟ قال: الرجل الذي ذكرت آنفاً أنه من أهل النار، فأعظمَ الناسُ ذلك، فقلت: أنا لكم به، فخرجت في طلبه، ثم جُرِحَ جُرحاً شديداً، فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه. فقال رسول الله ﷺ عند ذلك: ((إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة))([342]).
وفي رواية: ((.. أيُّنا من أهل الجنة إذا كان هذا من أهل النار؟ فقال رجل من القوم لأتبعنه...))([343]).
وفي رواية: ((نظر النبي ﷺ إلى رجل يقاتل المشركين - وكان من أعظم الناس غَنَاء عنهم - فقال: ((من أحبَّ أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا))، فتبعه رجل فلم يزل على ذلك حتى جُرح فاستعجل الموت، فقال بذبابة سيفه فوضعه بين ثدييه، فتحامل عليه حتى خرج من بين كتفيه، فقال النبي ﷺ: ((إن العبد ليعمل – فيما يرى الناس – عمل أهل الجنة وإنه لمن أهل النار، ويعمل – فيما يرى الناس – عمل أهل النار وهو من أهل الجنة، وإنما الأعمال بخواتيمها))([344]).
وفي رواية: ((وإنما الأعمال بالخواتيم))([345]).
ظهر في هذا الحديث أهمية الإيمان بالقدر([346])؛ لأن النبي ﷺ قال لرجل ظاهره الصلاح والشجاعة في الجهاد: ((إنه من أهل النار)) وقال: ((إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعلم عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة))، وهذا يدل على أن الله ﷻ قد قدَّر المقادير، فعن علي بن أبي طالب t عن النبي ﷺ أنه قال: ((ما منكم من أحد، ما من نفس منفوسةٍ إلا كُتِبَ مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة)) فقال رجل: يا رسول الله أفلا نتَّكل على كتابنا وندع العمل؟ فمن كان منَّا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، وأما من كان منَّا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة؟ قال: ((أما أهل السعادة فيُيَسَّرون لعمل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسَّرون لعمل الشقاوة، ثم قرأ ] فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالـْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْـحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [([347]).قال ابن رجب – رحمه الله –: ((ففي هذا الحديث أن السعادة والشقاوة قد سبق الكتاب بهما، وأن ذلك مقدّر بحسب الأعمال، وأن كلاًّ ميسر لما خُلِقَ له من الأعمال التي هي سبب السعادة أو الشقاوة))([348]).
ولاشك أن الله ﷻ إنما يهدي من كان أهلاً للهداية، ويضل من كان أهلاً للضلالة، قال ﷻ : ] فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ وَالله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [([349]).
وقال I: ] فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ [([350]).
فبين سبحانه أن أسباب الضلالة لمن ضل إنما هي بسبب من العبد نفسه، والله ﷻ لا يظلم الناس شيئاً، ولكنّ الناس أنفسهم يظلمون، قال I: ] إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [([351]).
وقال ﷻ :]إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [([352]). ويجمع الإيمان بالقضاء والقدر أربع مراتب إذا آمن بها العبد فقد استكمل الإيمان بهذا الأصل العظيم.
المرتبة الأولى: العلم، فيؤمن العبد إيمانا جازماً أن علم الله محيط بكل شيء، وأنه يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، وأن الله ﷻ علم بما الخلق عاملون، بعلمه الأزلي، وعلم جميع أحوالهم وأعمالهم: من الطاعات، والمعاصي، والأرزاق، والآجال، وعلم حركاتهم، وسكناتهم، ومن منهم من أهل الجنة، ومن منهم من أهل النار، قال I: ] إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [([353]).
وقال ﷻ : ] وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [([354]) فبنى تقديره I لمقادير الخلائق على هذا العلم السابق الأزلي، وقدّر مقادير الخلائق: من السعادة والشقاوة وغير ذلك بحسب الأعمال التي سبق علمه بها من خير وشر([355]).
المرتبة الثانية: كتابة الله ﷻ لجميع الأشياء والمقادير في اللوح المحفوظ: الدقيقة والجليلة، ما كان وما سيكون.
قال I: ]أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [([356])، وقد جمعت هذه الآية بين المرتبتين السابقتين.
وقال ﷻ : ]مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [([357]).
وقال I: ] وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ[([358]).
ولهذا قال رسول الله ﷺ: ((كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة)) قال: ((وكان عرشه على الماء))([359]).
وقال عبادة بن الصامت t لابنه: يا بني، إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، قال: ربِّ وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة)) يا بني إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((من مات على غير هذا فليس مني))([360])، وفي لفظ للإمام أحمد: ((إن أول ما خلق الله تبارك وتعالى القلم، ثم قال اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة))([361]).
المرتبة الثالثة: مشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة التي لا يعجزها شيء فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وما في السموات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله I، قال الله ﷻ : ] وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ الله رَبُّ الْعَالَمِينَ [([362]).
المرتبة الرابعة: الخلق، فالله ﷻ خالق كل شيء، وما سواه مخلوق له I، لا إله غيره ولا رب سواه.
قال ﷻ :]الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ[([363])، ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسوله ﷺ، ونهاهم عن معصيته، وهو سبحانه يحب المحسنين، والمتقين، والمقسطين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا يحب الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأمر بالفحشاء، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد، وهو الحكيم العليم([364]).
وعلى العبد أن يبذل الأسباب، ويسأل الله التوفيق والهداية، ويعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ولا يظلم مثقال ذرة، قال I: ] فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [([365]).
فينبغي للمسلم أن يعقد قلبه على هذا الأصل معتمداً على الأدلة من الكتاب والسنة، ولا يخوض فيما لا علم له به، ويحث الناس على النشاط والقوة، والاستعانة بالله وتفويض المقادير إلى الله ﷻ وأن يتركوا العجز والكسل([366])، قال النبي ﷺ: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قَدَرُ الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان))([367])، ولهذه العقيدة السليمة قال الله تعالى: ] قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ الله لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الـْمُؤْمِنُونَ [([368]).
4 – الابتعاد والحذر كل الحذر من الاغترار بالأعمال:إن من الأمور التي ينبغي للمسلم أن يعتني بها ويوجه الناس إلى الحذر منها:الاغترار بالأعمال؛ولهذا عندما قتل الرجل نفسه أعظم الصحابة y ذلك؛لأنهم نظروا إلى شجاعته، وقتاله العظيم، ولم يعرفوا الباطن، ولا المآل فأعلم الله الخبيرُ العليمُ النبيَّ ﷺ بعاقبة هذا الرجل؛لسوء مقصده وخبث نيته([369]) ، قال الإمام القرطبي – رحمه الله – في فوائد هذا الحديث:((... فيه التنبيه على ترك الاعتماد على الأعمال، والتعويل على فضل ذي العزة والجلال))([370]).
وقال الإمام النووي – رحمه الله –: ((فيه التحذير من الاغترار بالأعمال، وأنه ينبغي للعبد أن لا يتكل عليها، ولا يركن إليها، مخافة انقلاب الحال للقدر السابق، وكذا ينبغي للعاصي أن لا يقنط ولغيره أن لا يُقنِّطه من رحمة الله))([371])؛ ولهذا قال النبي ﷺ: ((سدِّدوا وقارِبوا، وأبشِروا، فإنه لن يُدخلَ الجنةَ أحداً عملُهُ)) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا، إلا أن يتغمدَّنيَ الله منه برحمة. واعلموا أن أحبَّ العمل إلى الله أدومُه وإن قلَّ))([372]).
وقد مدح الله الخائفين على أعمالهم الصالحة يخشون أن لا تقبل منهم، فقال ﷻ:] وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [([373])، قالت عائشة رضي الله عنها للنبي ﷺ: أهو الذي يزني ويسرق ويشرب الخمر؟ قال: ((لا يا بنت أبي بكر [أو يا بنت الصِّدِّيق]، ولكنه الرجل يصوم، ويتصدق، ويصلي، ويخاف أن لا يتقبل منه))([374]).
فينبغي للمسلم أن يعلم أن الاعتماد على الله ﷻ في كل شيء، والطمع في رحمته مع إحسان العمل وإخلاصه لله ﷻ وعدم الغرور والإعجاب بالأعمال. والله المستعان.
5 – الجمع بين الخوف والرجاء:
يظهر من الحديث السابق أنه ينبغي للمسلم أن يجمع بين الخوف والرجاء؛ لأن الإنسان لا يدري هل هو من أهل الجنة أو من أهل النار، وقد ذكر ابن حجر – رحمه الله – عن ابن بطال – رحمه الله – أنه قال: ((في تغييب خاتمة العمل عن العبد حكمة بالغة، وتدبير لطيف؛ لأنه لو علم وكان ناجياً أُعجب وكسل، وإن كان هالكاً ازداد عتوّاً، فحُجِب عنه ذلك؛ ليكون بين الخوف والرجاء))([375]).
فالأمن من مكر الله ﷻ ينافي كمال التوحيد؛ ولهذا قال الله ﷻ: ] أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ الله فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلاَّ الْقَوْمُ الـْخَاسِرُونَ [([376]).
وعن عقبة بن عامر t عن النبي ﷺ: ((إذا رأيت الله يعطي العبدَ من الدنيا على معاصيه ما يحبُّ فإنما هو استدراج))([377]). ثم تلا رسول الله ﷺ: ] فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ [([378]).
والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله ينافي كمال التوحيد أيضاًًً؛ ولهذا قال الله ﷻ : ] وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ [([379]).
وقال ﷻ:]وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ الله إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ[([380]).
والقنوط: استبعاد الفرج واليأس منه، وهو يقابل الأمن من مكر الله، وكلاهما ذنب عظيم([381]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ سئل عن الكبائر؟ فقال: ((الشرك بالله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله))([382]).
وقال ابن مسعود t: ((أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله))([383]).
ومعنى الأمن من مكر الله: أي أمن الاستدراج بما أنعم الله به على عباده من صحة الأبدان، ورخاء العيش، وهم على معاصيهم([384]).
واليأس من روح الله:أي قطع الرجاء من رحمة الله ومن تفريجه للكربات([385]).
والقنوط من رحمة الله: هو أشدُّ اليأس([386]).
وهذا فيه التنبيه على الجمع بين الرجاء والخوف، فإذا خاف فلا يقنط ولا ييأس بل يرجو رحمة الله([387]).
وعن أنس بن مالك t أن النبي ﷺ دخل على شاب وهو في الموت فقال: ((كيف تجدك؟)) قال: أرجو الله يا رسول الله، وأخاف ذنوبي. فقال رسول الله ﷺ: ((لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه مما يخاف))([388]).
فينبغي للمسلم أن يكون بين الرجاء والخوف، وقد ذكر بعض علماء نجد أنه يغلِّب في الصحة جانب الخوف؛ لأنه إذا غلَّب الرجاء على الخوف فسد القلب، أما في حالة المرض فيغلِّب الرجاء، لكن مع الجمع بين الرجاء والخوف في جميع الأحوال([389]).
ولابد أن يكون الرجاء والخوف مع المحبة الكاملة؛ قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله –: ((وكان بعض السلف يقول: من عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حَروريٌّ، ومن عبده بالحب وحده فهو زِنديقٌ، ومن عبده بالخوف والرجاء والمحبة فهو موحِّد مؤمن، وسبب هذا أنه يجب على المؤمن أن يعبد الله بهذه الوجوه الثلاثة: المحبة, والخوف، والرجاء، ولابد له من جميعها، ومن أخل ببعضها فقد أخل ببعض واجبات الإيمان))([390])، وكلام بعض الحكماء يدل على أن الحب ينبغي أن يكون أغلب من الخوف والرجاء([391]).
وأسأل الله ﷻ أن يرزقني وجميع المسلمين خشيته في السر والعلانية.
6 – يَرضى بقدر الله وقضائه I: لاشك أن الرضا بالقضاء الذي هو وصف الله ﷻ واجب: كعلمه، وكتابته، ومشيئته، وخلقه؛ فإن الرضى بذلك من تمام الرضا بالله ربّاً، ومالكاًً، ومدبِّراً، وإلهاً؛ لأنه كله خير، وعدل، وحكمة يجب الرضى به كله([392]).
وأما القضاء الذي هو المقضي فهو نوعان:
النوع الأول: ديني شرعي يجب الرضا به، وهو من لوازم الإسلام، كقول الله تعالى:] وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ [([393]).
وكقوله تعالى: ] فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [([394]).
النوع الثاني: الكوني القدري، فهذا النوع على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: يجب الرضا به: كالنعم التي يجب شكرها ومن تمام شكرها الرضا بها.
القسم الثاني:لا يجوز الرضا به:كالمعائب، والذنوب التي يسخطها الله.
القسم الثالث: ما يُستحب الرضا به على الصحيح ولا يجب: كالمصائب، من مرض، أو فقر، أو حصول مكروه، أو فقد محبوب، أو نحو ذلك؛ فيجب الصبر على ذلك، أما الرضا الذي هو مع ذلك طمأنينة القلب وسكونه، وتسليمه عند المصيبة، وأن لا يكون فيه تمني أنها ما كانت فهذا لا يجب على الصحيح بل يستحب؛ لأن فيه صعوبة جداً على النفوس عند أكثر الخلق؛ فلهذا لم يوجبه الله ولا رسوله وإنما هو من الدرجات العالية، وهو مأمور به استحباباً([395]).
وهذا كله في الرضا بالقضاء الذي هو المقضي، وأما القضاء الذي هو وصفه سبحانه وفعله: كعلمه، وكتابته، وتقديره، ومشيئته، وخلقه، فالرضا به من تمام الرضا به ربّاً، وإلهاً، ومالكاً، ومدبراً، فبهذا التفصيل يتبيّن الصواب، ويزول اللبس في هذه المسألة العظيمة التي هي مفرق طرق بين الناس([396])([397]).
قال شيخنا عبد العزيز بن عبد الله ابن باز –رحمه الله–: ((عند المصيبة ثلاثة أمور: الصبر وهو واجب، والرِّضى سُنّة، والشكر أفضل))([398]).
7 – لا يُنسب الشرُّ إلى الله ﷻ؛ لقول النبي ﷺ في دعاء الاستفتاح في صلاة الليل: ((وجهت وجي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي، ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً؛ إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك))([399]).
فقوله ﷺ: ((والشر ليس إليك)) يبيّن أن الله ﷻ منزَّه عن الشر، وكل ما نسب إليه فهو خير، والشر إنما صار شرّاً، لانقطاع نسبته إليه، فلو أضيف إليه لم يكن شرّاً.
وهو I خالق الخير والشر، فالشر في بعض مخلوقاته لا في خلقه وفعله. وخلقه وفعله، وقضاؤه خير كله، فالقدر من حيث نسبته إلى الله لا شر فيه بوجه من الوجوه؛ لأنه علم الله، وكتابته، ومشيئته، وخلقه وذلك خير محض وكمال من كل وجه، فالشر ليس إلى الرب بوجه من الوجوه: لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وإنما الشر يدخل في بعض مخلوقاته فالشر في المقضي لا في القضاء([400]).
فالإيمان بالقدر خيره وشره يراد به المقدور خيره وشره.
وقد يكون المقدور خيراً بالنسبة إلى محل، وشرّاً بالنسبة إلى محل آخر، وإن لم يعلم جهة الخير فيها كثير من الناس، مثال ذلك القصاص؛ وإقامة الحدود؛ فإن ذلك شر بالنسبة إليهم لا من كل وجه بل من وجه دون وجه، وخير بالنسبة إلى غيرهم؛ لما فيه من مصلحة الزجر، وكذلك الأمراض وإن كانت شروراً من وجه فهي خير من وجوهٍ عديدة([401]).
والحاصل أن الشر لا ينسب إلى الله ﷻ.
8 – يحمد الله على كل حال؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله ﷺ إذا رأى ما يحب قال: ((الحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات)) وإذا رأى ما يكره قال: ((الحمد لله على كل حال))([402])؛
ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء النبي ﷺ إلى بعض بناته وهي في السَّوْق([403])، فأخذها ووضعها في حجره حتى قُبضت فدمعت عيناه فبكت أمُّ أيمن، فقيل لها: أتبكين عند رسول الله ﷺ؟ فقالت: ألا أبكي ورسول الله ﷺ يبكي؟ قال: ((إني لم أبكِ، وهذه رحمة، إن المؤمن تخرج نفسه من بين جنبيه وهو يحمد الله ﷻ(( وفي لفظ: فصاحت أم أيمن، فقيل: أتبكين عند رسول الله ﷺ؟ قالت: ألست أراكَ تبكي يا رسول الله؟ قال: ((لست أبكي، إنما هي رحمة، إن المؤمن بكل خير على كل حال، إن نفسه تخرج من بين جنبيه وهو يحمد الله ﷻ))([404]).
وعن أبي هريرة t قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((يقول الله ﷻ: إن عبدي المؤمن عندي بمنزلة كل خير([405]) يحمدني، وأنا أنزع نفسه من بين جنبيه))([406]).
9 – يُحسن الظن بالله تعالى؛ لحديث جابر t قال: سمعت رسول الله ﷺ قبل موته بثلاثة أيام يقول: ((لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله ﷻ))([407])؛ ولحديث أبي هريرة t قال: قال النبي ﷺ: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي...))([408]).
وفي رواية لابن حبان: ((إن الله تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن بي خيراً فله، وإن ظن شرّاً فله))([409]).
قال الإمام النووي – رحمه الله -: قال العلماء: هذا تحذير من القنوط وحث على الرجاء عند الخاتمة، ومعنى حسن الظن بالله تعالى: أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه، قالوا: وفي حالة الصحة يكون خائفاً راجياً، ويكون سواء، وقيل: يكون الخوف أرجح، فإذا دنت أمارات الموت غلَّب الرجاء أو محضه؛ لأن مقصود الخوف الانكفاف عن المعاصي والقبائح، والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال، وقد تعذر ذلك، أو معظمه في هذا الحال فاستحب إحسان الظن المتضمن للافتقار إلى الله تعالى، والإذعان له))([410]).
ويؤيد ذلك حديث جابر الآخر عن النبي ﷺ أنه قال: ((يُبعث كل عبدٍ على ما مات عليه))([411]).
قال الإمام النووي – رحمه الله تعالى -: ((معناه يبعث على الحالة التي مات عليها))([412]).
وعن جابر t عن النبي ﷺ أنه قال:((من مات على شيء بعثه الله عليه))([413]).
10 - يُطهِّر ثيابه ويختار أجملها؛ لحديث أبي سعيد الخدري t أنه لما حضره الموت، دعا بثياب جُدد، فلبسها، ثم قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها))([414]). وقيل: الثياب المراد بها هنا: الأعمال([415]).
11 - لا يتمنى الموت لضرٍّ نزل به؛ لحديث أنس t قال: قال رسول الله ﷺ: ((لا يتمنينَّ أحدُكم الموت لضر نزل به، فإن كان لابدَّ متمنياً للموت، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي))([416]).
وعن قيس بن أبي حازم قال: دخلنا على خباب نعوده وقد اكتوى سبع كيَّات فقال: إن أصحابنا الذين سلفوا مضوا ولم تنقصهم الدنيا، وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعاً إلا التراب، ولولا أن النبي ﷺ نهانا أن ندعوَ بالموت لدعوت به، ثم أتيناه مرة أخرى وهو يبني حائطاً له فقال: ((إن المسلم ليؤجر في كل شيء إلا في شيء يجعله في هذا التراب))([417]).
وعن أبي هريرة t قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((لن يُدْخِلَ أحداً عَمَلُهُ الجنة)) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((لا، ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضلٍ ورحمة)) [وفي لفظ: إلا أن يتغمدني الله برحمةٍ منه وفضلٍ] [وفي لفظ: ((إلا أن يتغمدني الله بمغفرة منه ورحمة]، فسدِّدوا، وقاربوا، ولا يتمنى أحدكم الموت إما محسناً فلعلّه أن يزداد خيراً، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب))([418]).
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: ((لا يتمنينَّ أحدكم الموت ولا يدعو به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً))([419]).
وعن أم الفضل رضي الله عنها: أن رسول الله ﷺ دخل عليهم، وعباس عم رسول الله ﷺ يشتكي فتمنى عباس الموت، فقال له رسول الله ﷺ: ((يا عمّ! لا تتمنَّ الموت، فإنك إن كنت محسناً فأن تؤخَّر تزدد إحساناً إلى إحسانك خير لك، وإن كنت مسيئاً فأن تؤخر فتستعتب من إساءتك خير لك، فلا تتمنى الموت))([420]).
وفي حديث عمار tيرفعه وفيه:((اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي...))([421]).
12 - لا بأس أن يتداوى المريض؛ لحديث جابر tعن رسول الله ﷺ أنه قال: ((لكل داءٍ دواءٌ فإذا أُصيب دواءُ الداء برأ بإذن الله تعالى))([422])؛
ولحديث أبي هريرة tعن النبي ﷺ قال: ((ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاءً))([423])؛
ولحديث أسامة بن شريك، قال:قالت الأعراب يا رسول الله: ألا نتداوى؟ قال: ((نعم يا عباد الله تداووا؛ فإن الله ﷻ لم يضع داءً إلا وضع له دواءً غير داءٍ واحدٍ)) قالوا: يا رسول الله! وما هو؟ قال: ((الهرم))، وفي لفظ لأحمد: ((تداووا عباد الله؛ فإن الله ﷻ لم ينزل داء إلا أنزل معه شفاء إلا الموت والهرم)). وفي لفظ لأحمد أيضاً: ((تداووا؛فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، عَلِمَه من عَلِمَه، وجَهِلَهُ من جهله)).وفي لفظ لابن ماجه قالوا:يا رسول الله!ما خير ما أعطي العبد؟ قال:((خلق حسن))([424]).
وعن عبد الله بن مسعود tيرفعه: ((ما أنزل داءً إلا قد أنزل له شفاء، عَلِمَهُ مَن عَلِمَهُ، وجَهِلَهُ مَن جَهِلَهُ))([425]).
ولا شك أن الأدوية من قدر الله تعالى([426])، وقد قال أبو عبيدة بن الجراح لعمر حينما لم يدخل بالجيش الشام بسبب وجود الطاعون بها: ((أفراراً من قدر الله؟)) فقال عمر t: ((لو غيرك قالها يا أبا عبيدة – وكان عمر يكره خلافه، نعم نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله...)) ([427]).
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله –:((فقد تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات وإبطال قول من أنكرها،ويجوز أن يكون قوله ﷺ:((لكل داء دواء)) على عمومه حتى يتناول الأدواء القاتلة، والأدواء التي لا يمكن الطبيب أن يبرئها،ويكون الله ﷻ قد جعل لها أدوية تبرئها، ولكن طوى علمها عن البشر،ولم يجعل لهم إليه سبيلاًًًًً؛لأنه لا علم للخلق إلا ما علّمهم الله، وهذا أحسن المحملين في الحديث...)) ([428]).
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ((هذه الأحاديث تدل على شرعية التداوي بالطرق المباحة، وهو خير مِنْ تَرْك الدواء؛ لأن الدواء يعينه على الطاعة، والمرض قد يعوقه عن الطاعات))([429])، وقال رحمه الله: ((الله قدر الداء وقدَّر الدواء، فكلٌّ من قدر الله))([430])، وسمعته أيضاً يقول: ((ترك الأسباب عجز، والتوكل هو الاعتماد على الله والعمل بالأسباب))([431])، وقال: ((وتعطيل الأسباب فيه فساد الدين والدنيا، أما حديث السبعين [ألف] الذين يدخلون الجنة بغير حساب فهو من باب الأفضلية، وإذا احتاج إلى الاسترقاء، أو الكي فلا حرج))([432]).
وكنت أسمعه يرجح أن التداوي يكون مستحبّاً فقط، ولا يكون واجباً على الصحيح.
وذكر العلامة ابن عثيمين – رحمه الله تعالى – خلاف العلماء:
القول الأول: منهم من قال: يجب التداوي.
القول الثاني: منهم من قال: يستحب ولا يجب.
القول الثالث: منهم من قال: ترك التداوي أفضل، ولا ينبغي أن يتداوى الإنسان.
القول الرابع: قال بعض العلماء: إذا كان الدواء مما عُلِمَ أو غَلَبَ على الظن نفعه بحسب التجارب فهو أفضل، وإن كان من باب المخاطرة فتركه أفضل.
قال:والصحيح أنه يجب إذا كان في تركه هلاك، مثل:السرطان الموضعي، والسرطان الموضعي بإذن الله إذا قُطِع الموضع الذي فيه السرطان، فإنه ينجو منه، لكن إذا تُرِك انتشر في البدن، وكانت النتيجة هي الهلاك، فهذا يكون دواء معلوم النفع؛لأنه موضعي يُقطع ويزول، وقد خرق الخضر السفينة، لإنجاء جميعها، فكذلك البدن إذا قطع بعضه من أجل نجاة باقيه كان ذلك واجباً، وعلى ذلك فالأقرب أن يقال ما يلي:
أ – أن ما عُلِمَ أو غلب على الظن نفعه مع احتمال الهلاك بعدمه فهو واجب.
ب – أن ما غلب على الظن نفعه، ولكن ليس هناك هلاك محقق بتركه فهو أفضل؛ لأمر النبي ﷺ بذلك؛ ولأنه من الأسباب النافعة، والإنسان ينتفع بوقته ولاسيما المؤمن المغتنم للأوقات كل ساعة تمر عليه تنفعه؛ ولأن المريض يكون ضيق النفس لا يقوم بما ينبغي أن يقوم به من الطاعات، وإذا عافاه الله انشرح صدره، وانبسطت نفسه، وقام بما ينبغي أن يقوم به من العبادات، فيكون الدواء إذاً مُراداً لغيره فيُسنُّ.
ج – أن ما تساوى فيه الأمران فتركه أفضل؛ لئلا يُلقي الإنسانُ بنفسه إلى التهلكة من حيث لا يشعر([433]).
13 – يرقي نفسه؛ لحديث عثمان بن أبي العاص tأنه شكا إلى رسول الله ﷺ وجعاً يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله ﷺ: ((ضع يدك على الذي تألَّم من جسدك، وقل: بسم الله ثلاثاً، وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر))([434]).
وعن عائشة رضي الله عنها ((أن النبي ﷺ كان ينفث على نفسه في مرضه الذي مات فيه بالمعوذات، فلما ثَقُلَ كنت أنا أنفث عليه بهنَّ وأمسح بيد نفسه لبركتها)) قال الراوي: فسألت ابن شهاب الزهري: كيف كان ينفث؟ قال: كان ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه، ولفظ مسلم: ((أن النبي ﷺ كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح عنه بيده رجاء بركتها))([435]).
14 – يؤدِّي الحقوق لأصحابها إن تيسر له ذلك، وإلا كتبها، وأوصى بها واستعجل بذلك؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: ((من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره، ومن مات وعليه دين فليس ثَمَّ دينار ولا درهم ولكنها الحسنات والسيئات، ومن خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه حُبِسَ في ردغة الخبال([436]) حتى يأتي بالمخرج مما قال))([437]).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما حضر أحدٌ دعاني أبي من الليل فقال: ما أراني إلا مقتولاً في أول من يقتل من أصحاب النبي ﷺ، وإني لا أترك بعدي أعزَّ عليَّ منك غير نفس رسول الله ﷺ، وإن عليَّ ديناً فاقضِ واستوصِ بأخواتك خيراً، فأصبحنا فكان أول قتيل، ودفن معه آخر في قبرٍ ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذ هو كيوم وضعته هنيّةً غير أذنه [فجعلته في قبر على حدة]([438]).
ويستعجل في مثل هذه الوصية الواجبة في الحقوق التي تلزمه: كالحج إن لم يحج، والدَّين، والنذر، والكفَّارات، والودائع وغير ذلك؛ فإنه يلزمه أن يوصي بهذه الحقوق([439])؛ لقوله ﷺ: ((ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده))([440]).
والمعنى ما الحزم والاحتياط للمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده إذا كان له شيء يريد أن يوصي فيه؛ لأنه لا يدري متى تأتيه المنية فتحول بينه وبين ما يريد من ذلك([441])؛ ولهذا قال ابن عمر رضي الله عنهما: ((ما مرت عليَّ ليلة منذ سمعت رسول الله ﷺ قال ذلك إلا وعندي وصيتي([442]).
قال العلامة عبد الرحمن القاسم رحمه الله: ((والمعنى: لا ينبغي له أن يمضي عليه زمان وإن كان قليلاً إلا ووصيته مكتوبة عنده، وذكر الليلتين تأكيد لا تحديد، فلا ينبغي أن يمضي عليه زمان وإن كان قليلاً إلا ووصيته مكتوبة عنده؛ لأنه لا يدري متى يدركه الموت))([443]).
فيجب على المسلم المريض وغيره أن يحذر الظلم؛ ولهذا قال عمر t لمولاه: ((واتق دعوة المظلوم؛ فإن دعوة المظلوم مستجابة))([444]). وقد حذر الله ﷻ من الظلم فقال: ] وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ * وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ * وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ [([445]).
وقال ﷻ:] يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلـَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلـَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [([446]).
وقال ﷻ: ] وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [([447]).
وقال سبحانه: ] وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِالله إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [([448]).
وعن أبي ذر t عن النبي ﷺ فيما يرويه عن الله تبارك وتعالى أنه قال: ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا...)) ([449]).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: ((اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم))([450]).
وقد ثبت عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: ((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرَّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة))([451]).
وعن أبي هريرة tأن رسول الله ﷺ قال: ((أتدرون من المفلس؟)) قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: ((إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار))([452]).
والظالم يؤدي ما عليه من حقوق الخلق حتى البهائم يقتصُّ بعضها من بعض؛ ولهذا قال النبي ﷺ: ((لتؤدَّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء))([453]).
والظلم للعباد يوجب النار وإن كان يسيراً، فعن أبي أمامة tأن رسول الله ﷺ قال: ((من اقتطع حق امرئٍ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة)) فقال له رجل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: ((وإن كان قضيباً من أراك))([454]).
والله ﷻ وإن أمهل الظالم وذهبت الأيام والشهور، فإنه لا يغفل عنه ولا ينساه؛ ولهذا ثبت من حديث أبي موسى tأن النبي ﷺ قال: ((إن الله ﷻ يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته))([455])، ثم قرأ: ] وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [([456]).
وقد أمر النبي ﷺ بنصر المظلوم، فقال: ((... ولينصر الرجل أخاه ظالماً أو مظلوماً، إن كان ظالماً فلينهه فإنه له نصر، وإن كان مظلوماً فلينصره))([457]).
وعن أنس tقال: قال رسول الله ﷺ: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ قال: ((تأخذ فوق يديه))([458]).
وينبغي لكل مسلم أن يتحلل من كانت له عنده مظلمة قبل أن يكون الوفاء من الحسنات؛ قال النبي ﷺ: ((من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فَحُمِلَ عليه))([459]).
وقد يكون الظلم للرعية أو الأهل والذرية فيستحق الظالم العقاب على ذلك، قال الرسول ﷺ: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة))([460]).
وقد حذر النبي ﷺ من دعوة المظلوم، قال ﷺ لمعاذ بن جبل t: ((... واتق دعوة المظلوم؛ فإنها ليس بينها وبين الله حجاب))([461]).
ومن أمثلة ذلك قصة سعيد بن زيد مع أروى بنت أُوَيس؛ فإنها ادَّعتْ عليه أنه أخذ شيئاً من أرضها، فخاصمته إلى مروان بن الحكم فقال: ((أنا كنت آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعت من رسول الله ﷺ؟ قال: وما سمعت من رسول الله ﷺ؟ قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((من أخذ شبراً من الأرض ظلماً طوّقه إلى سبع أرضين([462]) يوم القيامة)) فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد هذا، فقال:اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها، واقتلها في أرضها [وفي رواية:واجعل قبرها في دارها]، قال: فرأيتها عمياء تلتمس الجدر تقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيد، فبينما هي تمشي في الدار [وفي رواية:تمشي في أرضها] مرت على بئر في الدار، فوقعت فيها، فكانت قبرها))([463]).
ومن صور استجابة دعوة المظلوم على من ظلمه، قصة سعد بن أبي وقاص t فعن جابر بن سمرة t قال: ((شكا أهل الكوفة سعداً إلى عمر tفعزله واستعمل عليهم عماراً، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يُحسن يصلي، فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحاق إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي، قال أبو إسحاق:أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله ﷺ ما أخرِمُ عنها، أصلي صلاة العشاء فأركد في الأوليين وأخفف في الأخريين، قال:ذاك الظن بك يا أبا إسحاق، فأرسل معه رجلاً أو رجالاً إلى الكوفة، فسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدع مسجداً إلا سأل عنه،ويثنون معروفاً حتى دخل مسجداً لبني عبس فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة يُكنى أبا سعدة، قال: أما إذا نشدتنا فإن سعداً كان لا يسير في السرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية. قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً قام رياء وسمعة فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن، وكان بعد إذا سئل يقول:شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد، قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن([464]).
والأحاديث تؤكد على أن دعوة المظلوم مستجابة حتى ولو كان فاجراً فاسقاً، فعن أبي هريرة tقال: قال رسول الله ﷺ: ((دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه))([465]).
وقد ذكر الإمام ابن عبر البر – رحمه الله – آثاراً كثيرة عن السلف الصالح يحذرون فيها من الظلم ويبينون فيها استجابة دعوة المظلوم، ثم قال – رحمه الله –: ولقد أحسن القائل:
نامت جفونك والمظلوم منتبه | يدعو عليك وعين الله لم تنم([466]) |
والظلم في الحقيقة:وضع الأشياء في غير مواضعها([467])، وهو على قسمين:
القسم الأول: ظلم النفس، وهو نوعان:
النوع الأول: ظلم النفس بالشرك الذي لا يغفره الله إذا مات العبد عليه قبل التوبة منه.
النوع الثاني: ظلمها بالمعاصي التي يكون صاحبها تحت المشيئة إذا لم يتب منها، إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذبه بقدر معصيته ثم يخرجه من النار ويدخله الجنة، بعد التطهير من إثم المعصية.
القسم الثاني: ظلم العبد لغيره من الخلق وهذا لا يترك الله منه شيئاً بل يعطي المظلوم حقه من الظالم ما لم يستحلّه في الدنيا([468]).
والله ﷻ إذا عاقب الظالمين على ظلمهم لم يظلمهم؛ ولهذا قال ﷻ: ] إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [([469]).
وقال ﷻ: ] إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [([470]).
وقال I: ] مَنْ عَمِلَ صَالـِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِّلْعَبِيدِ [([471]).
وقال سبحانه: ] وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالـِحَاتِ وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْمًا وَلاَ هَضْمًا [([472]).
أسأل الله العافية لي ولجميع المسلمين في الدنيا والآخرة.
15 – يُشرع له أن يوصي بالثلث فأقل لغير وارث، ويُشهد على ذلك؛ ولاشك أن الصدقة في حال الصحة أعظم أجراً؛ لحديث أبي هريرة tقال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجراًً؟ قال: ((أن تَصدَّقَ وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان))([473]).
وعن أبي حبيبة الطائي قال: أوصى إليَّ أخي بطائفة من ماله، فلقيت أبا الدرداء فقلت: إن أخي أوصى إلي بطائفة من ماله فأين ترى لي وضعه: في الفقراء، أو في المساكين، أو المجاهدين في سبيل الله؟ فقال: أما أنا فلو كنت لم أعدل بالمجاهدين، سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((مثل الذي يعتق عند الموت كمثل الذي يهدي إذا شبع))، ولفظ النسائي: ((مثل الذي يعتق أو يتصدق عند موته مثل الذي يهدي بعدما يشبع))([474]).
وعن أبي هريرة tقال:قال رسول الله ﷺ:((إن الله تصدَّق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم))([475]).
ولا يزيد في الوصية على الثلث؛ لحديث سعد بن أبي وقاص tقال: عادني رسول الله ﷺ في حجة الوداع من وجع أشفيت منه على الموت، قلت: يا رسول الله بلغ بي ما ترى من الوجع وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة، أفأتصدق بثلث مالي؟ قال: ((لا))، قلت: أفأتصدق بشطره؟ قال: ((لا))، ثم قال: ((الثلث والثلث كبير))، أو كثير ((إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكفَّفون الناس، وإنك لن تُنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك))([476]). قال: قلت: يا رسول الله أُخلَّفُ بعد أصحابي؟ قال: ((إنك لن تُخلَّف فتعمل عملاً صالحاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة، ثم لعلك تخلّف حتى ينتفع بك أقوام ويضرُّ بك آخرون... وفي لفظ لمسلم: ((عادني النبي ﷺ فقلت: أوصي بمالي كله؟ فقال: ((لا))، قلت: فالنصف؟ فقال: ((لا))، قلت: أبالثلث؟ فقال: ((نعم، والثلث كثير)).
والأفضل أن يوصي بأقل من الثلث والثلث جائز؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: لو غضَّ الناس إلى الربع؛ لأن رسول الله ﷺ قال: ((الثلث والثلث كثير))([477]).
ولا وصية لوارث؛لحديث أبي أمامة الباهلي t قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول في خطبته عام حجة الوداع: ((إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث))([478]).
أما الوصية للوالدين والأقربين الذين يرثون الموصي فهي منسوخة بآية الميراث، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: ] إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ [ فكانت الوصية كذلك حتى نسختها آية الميراث))([479]).
قال العلامة السعدي – رحمه الله –:((واعلم أن جمهور المفسرين يرون أن هذه الآية منسوخة بآية المواريث، وبعضهم يرى أنها في الوالدين والأقربين غير الوارثين، مع أنه لم يدل على التخصيص بذلك دليل، والأحسن في هذا أن يقال:إن هذه الوصية للوالدين والأقربين مجملة ردَّها الله تعالى إلى العرف الجاري، ثم أن الله تعالى قدر للوالدين الوارثين وغيرهما من الأقارب الوارثين هذا المعروف في آيات المواريث بعد أن كان مجملاً، وبقي الحكم فيمن لم يرثوا من الوالدين الممنوعين من الإرث وغيرهما، ممن حجب بشخص أو وصف، فإن الإنسان مأمور بالوصية لهؤلاء، وهم أحق الناس ببره، وهذا القول تتفق عليه الأمة، ويحصل به الجمع بين القولين المتقدمين؛لأن كلاًّ من القائلين بهما كل منهم لحظ ملحظاً واختلف المورد، فبهذا الجمع يحصل الاتفاق والجمع بين الآيات، فإن أمكن الجمع كان أحسن من ادّعاء النسخ الذي لم يدلَّ عليه دليل صحيح))([480]).
ويَشهد على وصيته رجلان عدلان من المسلمين، فإن لم يوجدا فرجلان من غير المسلمين، على أن يستوثق منهما عند الشك بشهادتهما حسبما جاء بيانه في قول الله تبارك وتعالى: ] يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الـْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الـْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِالله إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ الله إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ * فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِالله لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا الله وَاسْمَعُواْ وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [([481]).
16 – يحرم عليه الإضرار في الوصية؛ لقول الله تعالى: ] مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ الله وَالله عَلِيمٌ حَلِيمٌ [([482])؛ ولحديث أبي سعيد الخدري tأن رسول الله ﷺ قال: ((لا ضرر ولا ضرار، من ضارَّ ضارَّه الله، ومن شاقَّ شاقَّ الله عليه))([483]).
((والإضرار في الوصية من الكبائر))([484])، قال الإمام الشوكاني: ((ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما([485]) وقد جاء الوعيد لمن ضارّ في الوصية([486])، قال ابن الأثير – رحمه الله تعالى –: ((المضارّة: إيصال الضرر إلى شخص، ومعنى المضارة في الوصية: أن لا يمضيها، أو ينقص منها، أو يوصي لغير أهلها ونحو ذلك))([487]).
ومن الإضرار بالوصية: الوصية بالمال كله؛ لحديث عمران بن حصين رضي الله عنهما أن رجلاً أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول الله ﷺ، فجزأهم أثلاثاً ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين))([488]).
وفي لفظ: ((فقال له قولاً شديداً))([489]).
وفي لفظ لأحمد:((أن رجلاً أعتق عند موته ستة رَجْلَةٍ([490]) فجاء ورثته من الأعراب فأخبروا رسول الله ﷺ بما صنع، قال:((أوفعل ذلك؟)) قال: ((لو علمنا إن شاء الله ما صلينا عليه)) قال:فأقرع بينهم فأعتق منهم اثنين([491]).
وعن أبي زيد الأنصاري ((أن رجلاً أعتق ستة أعبدٍ عند موته ليس له مال غيرهم، فأقرع بينهم رسول الله ﷺ، فأعتق اثنين وأرق أربعة))([492]).
وزاد أبو داود: ((وقال: يعني النبي ﷺ: ((لو شهدته قبل أن يدفن لم يدفن في مقابر المسلمين))([493]).
17 – يُقلِّم أظفاره ويحلق عانته، ويأخذ من شاربه إن كان له شارب؛ لحديث أبي هريرة t في قصة خبيب، وفيه أن خبيباً t عندما علم بأن المشركين أجمعوا على قتله استعار من ابنة الحارث موسى يستحد به، فأعارته...)) ([494]).
18 – يجتهد أن يكون آخر كلامه: لا إله إلا الله، لعل الله أن يلهمه ذلك؛ لحديث معاذ بن جبل t قال: قال رسول الله ﷺ: ((من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة))([495]).
وعن أبي ذر t قال: قال رسول الله ﷺ: ((أتاني آتٍ من ربي فأخبرني – أو قال: بشرني – أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة))([496]).
وقيل لوهب بن منبه: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فُتح لك وإلا لم يُفتح))([497]).
1 – زيارة المريض حق على أخيه المسلم؛لحديث أبي هريرة t قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:((حق المسلم على المسلم خمس:رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس))، وفي لفظ لمسلم:((حق المسلم على المسلم ست)) قيل:ما هن يا رسول الله؟ قال: ((إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس حمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه))([498]).
وعن البراء بن عازب tقال: أمرنا رسول الله ﷺ بسبع ونهانا عن سبع:أمرنا باتباع الجنائز،وعيادة المريض،وإجابة الداعي،ونصر المظلوم، وإبرار المقسم،ورد السلام،وتشميت العاطس،ونهانا عن آنية الفضة، وخاتم الذهب،والحرير،والديباج،والقسي،والإستبرق [وعن المياثر] ([499]).
وعن أبي موسى الأشعري tقال: قال رسول الله ﷺ: ((أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني))([500]).
2 – ينوي بعيادة المريض القيام بحق أخيه المسلم والحصول على الثواب العظيم؛ لحديث ثوبان tقال: قال رسول الله ﷺ: ((عائد المريض في مخرفة الجنة حتى يرجع))، وفي لفظ: ((من عاد مريضاً لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع))، وفي لفظ: ((إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع))، وفي لفظ: قيل: يا رسول الله! وما خرفة الجنة؟ قال: ((جناها))([501]).
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: ((إن الله ﷻ يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما علمت أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي))([502]).
وجاء علي t إلى الحسن يعوده فوجد عنده أبا موسى، فقال علي tأعائداً جئت أم زائراً؟ قال: لا بل عائداً، فقال علي: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((ما من مسلم يعود مسلماً غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة))([503]).
ولفظ ابن ماجه: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((من أتى أخاه المسلم عائداً مشى في خرافة الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة، فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن كان مساء صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح))([504]).
وعن أبي هريرة tقال: قال رسول الله ﷺ: ((من عاد مريضاً نادى منادٍ من السماء: طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً))([505]).
3 – يدعو للمريض بالشفاء؛ لحديث ابن عباس tعن النبي ﷺ قال: ((من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك: إلا عافاه الله من ذلك المرض))([506]).
وعن سعد بن أبي وقاص t في حديثه الطويل، وفيه: أن النبي ﷺ جاء إليه يعوده ووضع يده على جبهته ثم مسح بيده على صدره وبطنه، ثم قال: ((اللهم اشف سعداً، اللهم اشف سعداً)) ثلاث مرار([507]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ دخل على أعرابي يعوده، قال: وكان النبي ﷺ إذا دخل على مريض يعوده قال:((لا بأس، طهور إن شاء الله))([508]).
4 – يدعوه إلى التوبة وإحسان الظن بالله ويذكره الوصية؛لما تقدم في إحسان الظن بالله ﷻ؛ولحديث سعد بن مالك قال: عادني رسول الله ﷺ وأنا مريض، فقال: ((أوصيت؟)) قلت: نعم، قال: ((بكم؟)) قلت: بمالي كله في سبيل الله، قال: ((فما تركت لولدك؟)) قلت: هم أغنياء بخير، قال: ((أوصِ بالعشر)) فما زلت أناقصه حتى قال: ((أوصِ بالثلث والثلث كثير))([509])؛ ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه، يبيت ليلتين، إلا ووصيته مكتوبة عنده))([510]).
5 – يدعوه إلى الإسلام إن كان كافراً؛ لحديث أنس t أن غلاماً من اليهود كان مَرِضَ فأتاه النبي ﷺ يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: ((أسلم))، فنظر إلى أبيه، فقال له أبوه: أطع أبا القاسم، فأسلم، فقام النبي ﷺ وهو يقول: ((الحمد لله الذي أنقذه بي من النار))([511]).
وقد عاد رسول الله ﷺ عمه أبا طالب في مرض الوفاة ودعاه إلى أن يقول: لا إله إلا الله، ولكنه أبى وقال: هو على ملة عبد المطلب. وأبى أن يقول هذه الكلمة العظيمة([512]).
6 – يُبيِّن له فضل المرض وما يُكفِّر من السيئات؛ لحديث أم العلاء قالت: عادني رسول الله ﷺ وأنا مريضة، فقال: ((أبشري يا أم العلاء! فإن مرض المسلم يُذهب الله به خطاياه، كما تذهب النار خبث الذهب والفضة))([513]).
وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة([514]).
7 – يلقنه إذا كان في حالة النزع: ((لا إله إلا الله))؛ لحديث أبي سعيد الخدري tقال: قال رسول الله ﷺ: ((لقنوا موتاكم لا إله إلا الله))([515]).
ولحديث أنس tأن رسول الله ﷺ عاد رجلاً من الأنصار، فقال: ((يا خال قل: لا إله إلا الله)) فقال: أخالٌ أم عمٌّ؟ فقال: ((بل خال)) فقال: فخيرٌ لي أن أقول : لا إله إلا الله؟ فقال النبي ﷺ: ((نعم))([516]).
8 – لا يقول في حضور المريض إلا خيراً؛لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت:قال رسول الله ﷺ:((إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيراً، فإن الملائكة يؤمّنون على ما تقولون))([517]).
9 – يوجه المحتضر إلى القبلة إن تيسر؛ لحديث أبي هريرة tقال: قال رسول الله ﷺ: ((إن لكل شيء سيداً، وإن سيد المجالس قبالة القبلة))([518])؛ ولحديث عمير بن قتادة الليثي – وكانت له صحبة – أن رجلاً سأله فقال: يا رسول الله! ما الكبائر؟ فقال: ((هُنَّ تِسعٌ...)) فذكر معناه... زاد ((وعقوق الوالدين المسلمين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياءً وأمواتاً))([519]).
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول عن هذا الحديث: ((له شواهد، وهو دليل على توجيه المحتضر، ووضعه في قبره مستقبلاً القبلة))([520]). قال الإمام الشوكاني – رحمه الله –: ((والأولى الاستدلال لمشروعية التوجيه بما رواه الحاكم والبيهقي عن أبي قتادة أن البراء بن معرور أوصى أن يُوجَّه إلى القبلة إذا احتُضر، فقال رسول الله ﷺ:((أصاب الفطرة))([521]).
وروى البيهقي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك في قصةٍ ذكرها، قال: وكان البراء بن معرور أول من استقبل القبلة حيّاً وميتاً([522]).
وجاء عن حذيفة t أنه قال: ((وجِّهوني إلى القبلة))([523]).
ويذكر عن الحسن قال: ذكر عمر الكعبة، فقال: ((والله ما هي إلا أحجار نصبها الله قبلة لأحيائنا، ونوجه إليها موتانا))([524]).
وسئل الإمام شيخنا عبد العزيز ابن باز – رحمه الله –: هل يشرع توجيه المحتضر إلى القبلة؟ فأجاب: ((نعم، يستحب ذلك عند أهل العلم، لقوله ﷺ: ((البيت الحرام قبلتكم أحياءً وأمواتاً([525])))([526])، وقال رحمه الله في كيفية توجيه المحتضر إلى القبلة: ((يجعل على جنبه الأيمن ووجه إلى القبلة كما يوضع في اللحد))([527]).
1 – يغمض إذا خرجت الروح ولا يقول من حضره إلا خيراً؛لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت:دخل رسول الله ﷺ على أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه ثم قال:((إن الروح إذا قُبض تبعه البصر)) فضج ناس من أهله فقال:((لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير؛فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون)) ثم قال:((اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونوِّر له فيه))([528]).
2 – يُدعى له؛لما في حديث أم سلمة السابق فيقال: ((اللهم اغفر لفلان، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره ونوِّر له فيه)).
3 – يُغطَّى بثوب يستر جميع بدنه؛لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: سُجِّي([529]) رسول الله حين مات بثوب حَبِرةٍ))([530])، ولفظ البخاري:((أن رسول الله ﷺ حين توفي سُجي ببردٍ حِبَرة))([531]).
4 – لا يُغطَّى رأس المحرم ولا وجهه؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما في الرجل الذي وقصته راحلته وهو محرم، وفيه قول النبي ﷺ:((اغسلوه بماء وسدر، وكفِّنوه في ثوبيه، ولا تُخمِّروا رأسه ولا وجهه؛فإنه يُبعث يوم القيامة ملبياًً)) وفي رواية:((ولا تُحنِّطوه))وفي رواية:((ولا تطيِّبوه))([532]).
5 – يُعجَّل بتجهيزه وإخراجه إذا بان موته، وقاموا بحقوقه: من الغسل، والتكفين، والصلاة؛ لحديث أبي هريرة tعن النبي ﷺ أنه قال: ((أسرعوا بالجنازة فإن تكُ صالحةً فخير تقدمونها إليه، وإن تكُ سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم))([533]).
6 – يُدفنُ في البلد الذي مات فيه، ولا ينقل إلى غيره، لأن النقل ينافي الإسراع المأمور به في حديث أبي هريرة t المتقدم.
وحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما كان يوم أحد جاءت عمتي بأبي لتدفنه في مقابرنا فنادى منادي رسول الله ﷺ: ((ردوا القتلى إلى مضاجعها)) وفي لفظ أبي داود: ((إن رسول الله ﷺ يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم، فرددناهم))([534]).
ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها لما مات أخٌ لها بوادي الحبشة فَحُمِلَ من مكانه:((ما أجد في نفسي أو يحزنني في نفسي إلا أني وددت أنه كان دفن في مكانه))([535]).
قال الإمام النووي في الأذكار كما ذكر الألباني في أحكام الجنائز([536]): ((وإذا أوصى بأن ينقل إلى بلد آخر لا تنفذ وصيته، فإن النقل حرام على المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون وصرح به المحققون)).
وكان شيخنا ابن باز – رحمه الله – يقول: ((حتى لو أوصى الميت أن ينقل إلى مكة أو المدينة لا تُنفذ وصيته؛ لأن الصحابة y لم يوصوا بذلك)) سمعت ذلك منه رحمه الله.
7 – لو مات في غير مولده دفن مكانه وكان خيراً له؛لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: مات رجل بالمدينة ممن وُلد بها، فصلى عليه رسول الله ﷺ، ثم قال: ((يا ليته مات بغير مولده!)) قالوا: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: ((إن الرجل إذا مات بغير مولده قيس من مولده إلى منقطع أثره في الجنة))([537]).
8 – يُبادر بقضاء دينه بعد موته من ماله، فإن لم يكن له مال فعلى الدولة، فإن لم تقم به وتطوَّع به بعض الحاضرين جاز؛ لحديث سعد بن الأطول: أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالاً قال: فأردت أن أنفقها على عياله، فقال النبي ﷺ: ((إن أخاك محتَبسٌ بدينه فاقضِ عنه))، فقال: يا رسول الله: قد أدَّيت عنه إلا دينارين ادَّعَتْهُما امرأة وليس لها بينة، قال: ((فأعطها فإنها مُحقّة))([538]).
وعن سمرة بن جندب t: ((أن النبي ﷺ صلَّى على جنازة، فلما انصرف قال: ((أهاهنا أحد من آل فلان؟)) [فسكت القوم، وكان إذا ابتدأهم بشيء سكتوا] فقال ذلك مراراً [ثلاثاً لا يجيبه أحد] [فقال رجل: هو ذا] قال: فقام رجل يجرُّ إزاره من مؤخر الناس [فقال له النبي ﷺ: ((ما منعك في المرتين الأوليين أن تكون أجبتني؟] أما إني لم أُنوّه باسمك إلا لخير، إن فلاناً – لرجل منهم – مأسور بدينه [عن الجنة فإن شئتم فافدوه، وإن شئتم فأسلموه إلى عذاب الله])) فلو رأيت أهله ومن يتحرَّون أمره قاموا فقضوا عنه [حتى ما أحد يطلبه شيء] ([539]).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ((مات رجل فغسلناه، وكفناه، وحنطناه، ووضعناه لرسول الله ﷺ حيث توضع الجنائز، عند مقام جبريل، ثم آذنا رسول الله ﷺ بالصلاة، فجاء معنا [فتخطى] خُطىً، ثم قال: ((لعلَّ على صاحبكم ديناً؟)) قالوا: نعم ديناران، فتخلّف [قال: ((صلوا على صاحبكم))] فقال له رجل منا يقال له: أبو قتادة: يا رسول الله هما عليَّ، فجعل رسول الله ﷺ يقول: ((هما عليك، والميت منهما برئ؟)) فقال: نعم، فصلى عليه، فجعل رسول الله ﷺ إذا لقي أبا قتادة يقول: (وفي رواية: ثم لقيه من الغد فقال): ما صنعت الديناران؟ [قال: يا رسول الله إنما مات أمس] حتى كان آخر ذلك (وفي الرواية الأخرى: ثم لقيه من الغد فقال: (ما فعل الديناران؟) قال: قد قضيتهما يا رسول الله، قال: ((الآن حين بردت عليه جلده))([540]).
وعن أبي هريرة tأن رسول الله ﷺ كان يُؤتى بالرجل الميت عليه الدين، فيسأل: ((هل ترك لدينه من قضاء؟)) فإن حُدِّث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال: ((صلُّوا على صاحبكم)) ولما فتح الله عليه الفتوح قال: ((أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي وعليه دين فعليَّ قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته))([541]).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: ((يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين))([542]).
9 – تُنفَّذ وصيته: الثلث فأقل؛لأن إنفاذ الوصية واجب، والإسراع بالتنفيذ إما واجب أو مستحب؛لأن الوصية إن كانت في واجب، فللإسراع في إبراء ذمته، وإن كانت في تطوع فللإسراع في الأجر له، والوصية إما واجبة وإما تطوع، قال أهل العلم:فينبغي أن تنفذ قبل أن يدفن([543]).
وعن أبي هريرة tعن النبي ﷺ قال: ((من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله))([544]).
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: ((نفس المؤمن معلقة بدَيْنه حتى يُقضَى عنه))([545]).
1 – كشف وجه الميت.
2 – تقبيله.
3 – البكاء عليه بدمع العين.
وفي ذلك أحاديث منها على سبيل الإيجاز ما يأتي:
الحديث الأول:عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:لما أصيب أبي يوم أحد فجعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي وجعلوا ينهونني، ورسول الله ﷺ لا ينهاني، قال:وجعلت فاطمة بنت عمرو تبكيه، فقال رسول الله ﷺ:((تبكيه أو لا تبكيه، مازالت الملائكة تظلّه بأجنحتها حتى رفعتموه))([546]).
الحديث الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت: أقبل أبو بكر tعلى فرسه من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد [وعمر يكلم الناس]، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة رضي الله عنها فتيمم النبي ﷺ وهو مُسجَّىً ببردة حبرة، فكشف عن وجهه ثم أكب عليه، فقبل [بين عينيه]، ثم بكى فقال: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، لا يجمع الله عليك موتتين: أما الموتة الأولى التي كتبت لك فقد متها))، وفي رواية: ((لقد مت الموتة التي لا تموت بعدها))([547]).
الحديث الثالث:عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قّبَّل عثمان بن مظعون وهو ميت، وهو يبكي، أو قال:عيناه تذرفان.ولفظ ابن ماجه:((قَبَّل رسول الله ﷺ عثمان بن مظعون وهو ميِّتٌ، فكأني أنظر إلى دموعه تسيل على خدَّيه)) ([548]).
الحديث الرابع: عن أنس tقال: دخلنا مع رسول الله ﷺ على أبي أسيف القين([549]) – وكان ظئراً([550]) –لإبراهيمu– فأخذ رسول الله ﷺ إبراهيم فقبّله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك، وإبراهيم يجود بنفسه([551])، فجعلت عينا رسول الله ﷺ تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف t: وأنت يا رسول الله؟فقال: ((يا ابن عوف إنها رحمة))، ثم أتبعها بأخرى، فقال: ((إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يَرْضَى ربُّنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون))([552]).
الحديث الخامس:حديث عبد الله بن جعفر tأن النبي ﷺ أمهل آل جعفر – ثلاثاً – أن يأتيهم ثم أتاهم فقال:((لا تبكوا على أخي بعد اليوم...)) ([553]).
4 – صنع الطعام لأهل الميت؛ لحديث عبد الله بن جعفر tقال: قال رسول الله ﷺ: ((اصنعوا لآل جعفر طعاماً؛ فإنه قد أتاهم أمر يشغلهم))([554]).
1 – الصبر والرضا بالقدر لقوله تعالى: ] وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الـْخَوفْ وَالـْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الـْمُهْتَدُونَ [([555]).
وعن أنس بن مالك tقال:((مر رسول الله ﷺ بامرأة عند قبرٍ وهي تبكي، فقال لها:((اتقي الله واصبري))، فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي!قال:ولم تعرفه! فقيل لها: هو رسول الله ﷺ فأخذها مثل الموت، فأتت باب رسول الله ﷺ فلم تجدعنده بوابين، فقالت: يا رسول الله إني لم أعرفك، فقال رسول الله ﷺ: ((إنما الصبر عند أول الصدمة))([556]).
2 – الاسترجاع، وهو أن يقول: ((إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها))([557])، ويأتي التفصيل في ذلك في فضل الصبر على المصائب بعد صفحات إن شاء الله تعالى.
ولا ينافي الصبر أن تمتنع المرأة من الزينة كلِّها، حداداً على وفاة ولدها أو غيره إذا لم تزد على ثلاثة أيام، إلا على زوجها، فتحد أربعة أشهر وعشراً؛ لحديث زينب بنت أبي سلمة قالت: ((دخلت على أم حبيبة زوج النبي ﷺ فقالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((لا يحلُّ لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر [أن] تحدَّ على ميِّتٍ فوق ثلاث، إلا على زوجٍ أربعة أشهر وعشراً)) ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست، ثم قالت: ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله ﷺ يقول...)) فذكرت الحديث([558]).
ولكنها إذا لم تحد على غير زوجها، إرضاءً للزوج وقضاءً لوطره منها، فهو أفضل لها، ويُرجى لهما من وراء ذلك خير كثير كما وقع لأم سُليْمٍ وزوجها أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنهما ولا بأس من أن أسوق هنا قصتهما في ذلك – على طولها – لما فيها من الفوائد والعظات والعبر، قال أنس t: ((قال مالك أبو أنس لامرأته أم سليم – وهي أم أنس – إن هذا الرجل – يعني النبي ﷺ يحرم الخمر – فانطلق حتى أتى الشام فهلك هناك فجاء أبو طلحة، فخطب أم سُليم، فكلمها في ذلك، فقالت: يا أبا طلحة! ما مثلك يرد، ولكنك امرؤ كافر، وأنا امرأة مسلمة لا يصح لي أن أتزوجك! فقال: ما ذاك دهرك! قالت: وما دهري! قال: الصفراء والبيضاء! قالت: فإني لا أريد صفراء ولا بيضاء، أريد منك الإسلام، [فإن تُسلِم فذاك مَهري، ولا أسألك غيره]، قال: فمن لي بذلك؟ قالت:لك بذلك رسول الله ﷺ، فانطلق أبو طلحة يريد النبي ﷺ ورسول الله ﷺ جالس في أصحابه، فلما رآه قال:جاءكم أبو طلحة غُرَّةُ الإسلام بين عينيه، فأخبر رسول الله ﷺ بما قالت أم سليم، فتزوجها على ذلك.
قال ثابت (وهو البناني أحد رواة القصة عن أنس): فما بلغنا أن مَهْراً كان أعظم منه أنها رضيت الإسلام مهراً، فتزوجها وكانت امرأة مليحة العينين، فيها صغرٌ، فكانت معه حتى ولد له بُني، وكان يحبه أبو طلحة حبّاً شديداً، ومرض الصبي [مرضاً شديداً]، وتواضع أبو طلحة لمرضه أو تضعضع له، [وكان أبو طلحة يقوم صلاة الغداة يتوضأ، ويأتي النبي ﷺ فيصلي معه، ويكون معه إلى قريب من نصف النهار، ويجيء يقيل ويأكل، فإذا صلى الظهر تهيأ وذهب، فلم يجئ إلى صلاة العتمة] فانطلق أبو طلحة عشية إلى النبي ﷺ (وفي رواية: إلى المسجد) ومات الصبي فقالت أم سليم: لا ينعين إلى أبي طلحة أحد ابنه حتى أكون أنا الذي أنعاه له، فهيأت الصبي [فسجت عليه] ووضعته [في جانب البيت]، وجاء أبو طلحة من عند رسول الله ﷺ حتى دخل عليها [ومعه ناس من أهل المسجد من أصحابه] فقال: كيف ابني؟ فقالت: يا أبا طلحة ما كان منذ اشتكى أسكن منه الساعة [وأرجو أن يكون قد استراح!] فأتته بعشائه [فقربته إليهم فتعشوا، وخرج القوم] [قال: فقام إلى فراشه، فوضع رأسه]، ثم قامت فتطيبت، [وتصنعت له أحسن ما كانت تَصَنَّع قبل ذلك]، [ثم جاءت حتى دخلت معه الفراش، فما هو إلا أن وجد ريح الطيب كان منه ما يكون من الرجل إلى أهله]، [فلما كان آخر الليل] قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوماً أعاروا قوماً عارية لهم، فسألوهم إياها أكان لهم أن يمنعوهم؟ فقال: لا؛ قالت: فإن الله ﷻ كان أعارك ابنك عارية، ثم قبضه إليه، فاحتسب واصبر! فغضب ثم قال: تركتِني حتى إذا وقعت بما وقعت به نعيتِ إلي ابني! [فاسترجع، وحمد الله] [فلما أصبح اغتسل]، ثم غدا إلى رسول الله ﷺ [فصلى معه] فأخبره، فقال رسول الله ﷺ: ((بارك الله لكما في غابر ليلتكما))، فثقلت من ذلك الحمل، وكانت أم سليم تسافر مع النبي ﷺ، تخرج إذا خرج، وتدخل معه إذا دخل، وقال رسول الله ﷺ: ((إذا ولدت فأتوني بالصبي)). [قال: فكان رسول الله ﷺ في سفر وهي معه، وكان رسول الله ﷺ إذا أتى من سفر لا يطرقها طروقاً، فدنوا من المدينة، فضربها المخاض، واحتبس عليها أبو طلحة، وانطلق رسول الله ﷺ، فقال أبو طلحة: يا رب إنك لتعلم أنه يعجبني أن أخرج مع رسولك إذا خرج، وأدخل معه إذا دخل، وقد احتُبست بما ترى، قال: تقول أم سُليم: يا أبا طلحة ما أجد الذي كنت أجد فانطلقا، قال: وضربها المخاض حين قدموا] فولدت غلاماً، وقالت لابنها أنس: [يا أنس! لا يطعم شيئاً حتى تغدو به إلى رسول الله ﷺ، [وبعثت معه بتمرات]، قالت: فبات يبكي، وبت مجنحاً عليه([559])، أكالئه حتى أصبحت، فغدوت إلى رسول الله ﷺ]، [وعليه بردة]، وهو يسم إبلاً أو غنماً [قدمت عليه]، فلما نظر إليه، قال لأنس: ((أولدت بنت ملحان؟)) قال: نعم، [فقال: ((رويدك أفرغ لك))]، قال: فألقى ما في يده، فتناول الصبي وقال: (([أمعه شيء؟)) قالوا: نعم، تمرات]، فأخذ النبي ﷺ [بعض] التمر [فمضغهن، ثم جمع بزاقه]، [ثم فغر فاه، وأوجره إياه]، فجعل يحنك الصبي، وجعل الصبي يتلمظ: [يمص بعض حلاوة التمر وريق رسول الله ﷺ، فكان أول من فتح أمعاء ذلك الصبي على([560]) ريق رسول الله ﷺ فقال: ((انظروا إلى حب الأنصار التمر))، [قال: قلت: يا رسول الله: سمّه، قال:] [فمسح وجهه] وسماه عبد الله، [فما كان في الأنصار شاب أفضل منه]، [قال: فخرج منه رَجِل([561]) كثير، واستشهد عبد الله بفارس]))([562]).
1 – النياحة؛ لحديث أبي مالك الأشعري: أن النبي ﷺ قال: ((أربعٌ في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركوهن:الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة)) وقال: ((النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب))([563]).
وعن أبي هريرة tقال: قال رسول الله ﷺ: ((اثنتان في الناس هما بهما كفر: الطعن في الأنساب والنياحة على الميت))([564]).
وعن أم عطية رضي الله عنها قالت: أخذ علينا رسول الله ﷺ مع البيعة ألا ننوح فما وفّت منا امرأة إلا خمس: أم سليم، وأم العلاء، وابنة أبي سبرة امرأة معاذ – أو ابنة أبي سبرة وامرأة معاذ))([565]).
وعن أبي موسى t قال: لما أصيب عمر tأقبل صهيب من منزله حتى دخل على عمر، فقام بحياله يبكي، فقال له عمر: علام تبكي؟ أعليَّ تبكي؟ قال: إي والله لعليك أبكي يا أمير المؤمنين، فقال: والله لقد علمت أن رسول الله ﷺ قال: ((من يُبكى عليه يُعذَّب)) وفي رواية لمسلم عن أنس أن عمر بن الخطاب لما طُعِنَ عَوَّلَتْ عليه حفصة فقال: يا حفصة أما سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((المُعوَّلُ عليه يعذب)) وعَوَّل عليه صهيبٌ فقال عمر: يا صهيب أما علمت: ((أن المعوَّل عليه يعذب)) وفي لفظ للبخاري: أن عمر لما أصيب دخل صهيب يبكي يقول: واأخاه، واصاحباه، فقال t: يا صهيب أتبكي عليَّ، وقد قال رسول الله ﷺ:((إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه))، وفي رواية للبخاري:((إن الميت ليعذب ببكاء الحي))([566]).
واختلف العلماء رحمهم الله في المراد بهذا الحديث، ومن ذلك قول الجمهور: وهو أن الحديث محمول على من أوصى بالنوح عليه، أو لم يُوصِ بتركه مع علمه بأن الناس يفعلونه عادة. وقيل: معنى ((يُعذَّب)) أي يتألَّم بسماعه بكاء أهله ويرق لهم ويحزن، وذلك في البرزخ، ونصر ابن تيمية وابن القيم هذا القول([567]).
وسمعت شيخنا ابن باز – رحمه الله – يقول: الميت يعذب ببكاء أهله، والله أعلم بالكيفية([568]).
2 – الدعوى بدعاء الجاهلية.
3 – ضرب الخدود.
4 – شق الجيوب؛ لحديث ابن مسعود t قال: قال رسول الله ﷺ: ((ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية)) وفي لفظ للبخاري: ((ليس منَّا من لطم الخدود...)) ([569]).
5 – رفع الصوت عند المصيبة.
6 – حلق الشعر؛لحديث أبي بردة عن أبي موسى قال:وجع أبو موسى وجعاً فغشي عليه ورأسه في حجر امرأته من أهله،فصاحت امرأةٌ من أهله،فلم يستطع أن يرد عليها شيئاً، فلما أفاق قال:أنا بَرِيءٌ مما برئ منه رسول الله ﷺ؛فإن رسول الله ﷺ:((بَرِئ من الصالقة،والحالقة، والشاقة))([570]).
7 – الويل والدعاء به.
8 – نشر الشعر؛ لحديث امرأة من المبايعات قالت: كان فيما أخذ علينا رسول الله ﷺ في المعروف الذي أخذ علينا أن لا نعصيه فيه: أن لا تخمش وجهاً، ولا ندعو ويلاً، ولا نشق جيباً، ولا ننثر شَعراً))([571]).
9 – النعي المحرم، وهو ما كانت الجاهلية يفعلونه، فقد كانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الأحياء والأسواق، أو يركب المخبر على دابة ويصيح في الناس([572])، قال ابن الأثير رحمه الله:((يقال:نعى الميت ينعاه نعياً ونعيَّا:إذا أذاع موته وأخبر به، وإذا ندبه.. والمشهور في العربية أن العرب كانوا إذا مات منهم شريف، أو قُتِلَ بعثوا راكباً إلى القبائل ينعاه إليهم، يقول نعاءِ فلاناً، أو يا نعاء العرب:أي هلك فلان أو هلكت العرب بموت فلان))([573]).
ومن ذلك أن الناعي يصعد على الجبل، أو السور المرتفع، أو على سطوح المنازل وينادي يصيح:أنعى فلاناً([574])، أو الإخبار بإتيان الآتي إلى الحي من الأحياء وصياحه:أنعى إليكم فلان بن فلان([575])، فهذا النعي محرم، ومن عادات الجاهلية، فلا يجوز للمسلم أن يعمل هذا العمل ولا يرضى به، وقد ظهر مما تقدم:أن النعاة: هم المخبرون بموت من مات، وأن الناعية: هي النائحة([576])، وأن المحرم من النعي ما كان على عادة الجاهلية، أما المباح من النعي فسيأتي بضوابطه إن شاء الله تعالى.
يجوز الإخبار بالوفاة إذا لم يقترن بذلك، ما يشبه نعي الجاهلية، وقد يجب إذا لم يكن عنده من يقوم بالواجب من حقوق الميت المسلم، من: الغسل، والتكفين، والصلاة عليه، ودفنه.
ومن النصوص التي تدل على جواز هذا النعي حديث أبي هريرة t: أن رسول الله ﷺ نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، خرج إلى المصلى فصفَّ بهم وكبَّر أربعاً. ولفظ مسلم: ((أن رسول الله ﷺ نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه فخرج بهم إلى المصلى وكبر أربع تكبيرات))، وفي لفظ: ((نعى لنا رسول الله ﷺ النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه فقال: ((استغفروا لأخيكم))))([577]).
وعن جابر t ((أن رسول الله ﷺصلَّى على النجاشي فكنت في الصف الثاني أو الثالث)) وفي لفظ:((... أصحمة النجاشي)) وفي لفظ:قال النبي ﷺ حين مات النجاشي: ((مات اليوم رجل صالح فقوموا صلوا على أخيكم)).
وفي لفظ لمسلم: ((فكبر عليه أربعاً)). وفي لفظ له: ((مات اليوم عبد لله صالح)). وفي لفظ: ((إن أخاً لكم مات فقوموا فصلوا عليه))([578]).
وعن أنس بن مالك tقال:ال النبي ﷺ:((أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبدالله بن رواحة فأصيب))، وإن عيني رسول الله ﷺ لتذرفان، ((ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففُتِحَ له))([579]).
وقد ترجم الإمام البخاري – رحمه الله – لحديث أبي هريرة وأنس، بقوله: ((باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه)). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى على هذه الترجمة: ((وفائدة هذه الترجمة: الإشارة إلى أن النعي ليس ممنوعاً كله، وإنما نهى عما كان أهل الجاهلية يصنعونه، فكانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور، والأسواق...)) ثم قال: ((وقال ابن المرابط: مراده أن النعي الذي هو إعلام الناس بموت قريبهم مباح، وإن كان فيه إدخال الكرب والمصائب على أهله، لكن في تلك المفسدة مصالح جمة؛ لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة لشهود الجنازة، وتهيئة أمره، والصلاة عليه، والدعاء له، والاستغفار، وتنفيذ وصاياه، وما يترتب على ذلك من الأحكام)). ثم قال: قال ابن العربي: يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات:
الأولى: إعلام الأهل والأصحاب فهذا سنة.
الثانية: دعوة الحفل للمفاخرة فهذه تكره.
الثالثة:الإعلام بنوع آخر:كالنياحة، ونحو ذلك فهذا حرام))([580]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((مات إنسان كان رسول الله ﷺ يعوده، فمات بالليل فدفنوه ليلاً، فلما أصبح أخبروه فقال: ((ما منعكم أن تعلموني؟)) قالوا: كان الليل فكرهنا – وكانت ظلمة – أن نشق عليك، فأتى قبره فصلى عليه))([581]).
وقد ترجم الإمام البخاري – رحمه الله – لهذا الحديث بقوله: ((باب الإذن بالجنازة)) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((والمعنى الإعلام بالجنازة إذا انتهى أمرها؛ ليُصلَّى عليها، قيل هذه الترجمة: تغاير التي قبلها من جهة: أن المراد بها الإعلام بالنفس وبالغير، قال الزين بن المنير: هي مرتبة على التي قبلها؛ لأن النعي إعلام من لم يتقدم له علم بالميت، والإذن إعلام بتهيئة أمره وهو حسن))([582]).
وعن أبي هريرة tأن امرأة سوداء كانت تقمُّ المسجد أو شابّاً فقدها رسول الله ﷺ فسأل عنها أو عنه، فقالوا: مات، قال: ((أفلا كنتم آذنتموني)) قال فكأنهم صغروا أمرها أو أمره، فقال: ((دلّوني على قبره)) فدلوه فصلى عليها، ثم قال: ((إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله ﷻ ينورها بصلاتي عليهم))([583]).
ويستحب للمخبر أن يطلب من الناس أن يستغفروا للميت؛لحديث أبي هريرة المتقدم في قصة النجاشي، وفي بعض رواياته:لما نعى للناس النجاشي قال:((استغفروا لأخيكم))([584]).
وحديث أبي قتادة في قصة إخبار النبي ﷺ بقتل زيد بن حارثة، وجعفر، وعبد الله بن رواحة، وفي القصة: ((ألا أخبركم عن جيشكم هذا الغازي؟ إنهم انطلقوا فلقوا العدوَّ فأصيب زيدٌ شهيداً، فاستغفروا له، فاستغفر له الناس،ثم أخذ اللواء جعفر بن أبي طالب فشدَّ على القوم حتى قُتِلَ شهيداً أشهد له بالشهادة،فاستغفروا له،ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فأثبت قدميه حتى قتل شهيداً،فاستغفروا له،ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد...))([585]) الحديث([586]).
وقال الإمام ابن الملقن – رحمه الله تعالى –:
((النعي على ضربين:
أحدهما: مجرد إعلام؛ لقصد ديني كطلب كثرة الجماعة تحصيلاً للدعاء للميت، وتتميماً للعدد الذي وُعِدَ بقبول شفاعتهم له: كالأربعين، والمائة مثلاً، أو لتشييعه وقضاء حقه في ذلك، وقد ثبت في معنى ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ((هلا آذنتموني به))([587])، ونعيه عليه الصلاة والسلام أهل مؤتة:جعفراً، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة([588]).
الثاني: فيه أمر محرم مثل:نعي الجاهلية المشتمل على ذكر مفاخر الميت، ومآثره، وإظهار التفجع عليه، وإعظام حال موته، فالأول مستحب، والثاني محرم، وعليه يُحمل نهيه عليه الصلاة والسلام عن النعي كما أخرجه الترمذي وصححه([589])، وهذا التفصيل هو الذي تقتضيه الأحاديث الصحيحة([590]).
1 – نطقه بالشهادة عند الموت من أعظم البشارات بحسن الخاتمة؛ لحديث معاذ بن جبل t قال: قال رسول الله ﷺ: ((من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة))([591]).
2 – الموت برشح الجبين؛ لحديث بريدة بن الحصيب tأنه كان بخراسان فعاد أخاً له وهو مريض، فوجده بالموت، وإذا هو بعرق جبينه، فقال: الله أكبر سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((موت المؤمن بعرق الجبين))([592])، وكلام بريدة في رواية الإمام أحمد صريح في أن العرق على ظاهره، وفي معنى الحديث قولان:
أحدهما: أنه عبارة عما يكابده من شدة السياق الذي يعرق دون جبينه، وذلك تمحيصاً لذنوبه.
والثاني:أنه كناية عن كدِّ المؤمن في طلب الحلال وتضييقه على نفسه بالصوم والصلاة حتى يلقى الله تعالى([593]).
3 – الموت ليلة الجمعة أو نهارها، لما رُوي وذُكِرَ عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله ﷺ: ((ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر))([594]).
4 – الاستشهاد في ساحة القتال؛ لقول الله تعالى: ] وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ *يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ وَأَنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الـْمُؤْمِنِينَ [([595]).
وعن المقدام بن مَعْدِيكرب tعن رسول الله ﷺ قال: ((للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويُرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن الفزع الأكبر، ويُحلَّى حلية الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويُشَفَّع في سبعين إنساناً من أقاربه))([596]).
وهذه بشارة عظيمة، وعلامة على حسن الخاتمة، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن شهداء أمة النبي ﷺ كثير: منهم من قتل في سبيل الله كما تقدم، ومنهم ما يأتي:
5 – من مات في سبيل الله تعالى فهو شهيد، يعني لم يباشر الحرب ولو لم يشاهده وبأي صفة مات.
6 – المطعون شهيد، وهو الذي يموت بالطاعون، وهو الوباء.
7 – المبطون شهيد، وهو الذي يموت من علة البطن، كالاستسقاء وهو انتفاخ الجوف،والإسهال،وقيل: هو الذي يموت بداء بطنه مطلقاً.
8 – الغَرِقُ شهيد، وهو الذي يموت غريقاً في الماء، يروى بغير ياء كحذِر، ويروى بالياء، وهو للمبالغة: كعليم.
9 – وصاحب الهدم شهيد، وهو الذي يموت تحت الهدم.
10 – والحريق شهيد، وهو الذي يموت بحرق النار، ومن فرط في هذه الثلاثة ولم يتحرز حتى أصابه شيء من ذلك فمات فهو عاصٍ وأمره إلى الله، إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه([597]).
11 – صاحب ذات الجنب شهيد، وهي قرحة تكون في الجنب وورم شديد باطناً.
12 – المرأة تموت بُجمع شهيدة، ويقال بضم الجيم وكسرها وهي المرأة تموت حاملاً، وقد جمعت ولدها في بطنها، وقيل: هي البكر، وصحح القرطبي والنووي الأول([598]).
13 – من قتل دون ماله فهو شهيد.
14 – من قتل دون أهله فهو شهيد.
15 – من قتل دون دينه فهو شهيد.
16 – من قتل دون دمه فهو شهيد.
17 – من قتل دون مظلمته فهو شهيد.
18 – السِّلُّ شهادة، بكسر السين، وضمها وتشديد اللام، وهو داءٌ يحدث في الرئة يؤول إلى ذات الجنب، وقيل:زكام أو سعال طويل مع حمى هادية، وقيل:غير ذلك([599]).
فقد بيّن النبي ﷺ الشهداء في غير المعركة في عدة أحوال، وخصال، وأدلة هذه الخصال ثابتة في السنة، فعن أبي هريرة tأن رسول الله ﷺ قال: ((الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغَرِقُ، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله))([600]).
وعن أنس t عن النبي ﷺ أنه قال: ((الطاعون شهادة لكل مسلم))([601]).
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: ((ما تعدون الشهيد فيكم؟)) قالوا: يا رسول الله، من قتل في سبيل الله فهو شهيد، قال: ((إن شهداء أمتي إذاً لقليل)) قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: ((من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد)) وفي رواية: ((والغريق شهيد))([602]).
وعن جابر بن عتيك tعن النبي ﷺ أنه قال: ((الشهداء سبعة، سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغَرِقُ شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، والحَرِقُ شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجُمعٍ شهيد))([603]).
وعن عبادة بن الصامت t يرفعه إلى النبي ﷺ: ((إن في القتل شهادة، وفي الطاعون شهادة، وفي البطن شهادة، وفي الغرق شهادة، وفي النفساء يقتلها ولدها جمعاء شهادة))([604]).
وعن راشد بن حبيش أن رسول الله ﷺ دخل على عبادة بن الصامت يعوده في مرضه، فقال رسول الله ﷺ:((أتعلمون من الشهيد من أمتي؟)) فقال عبادة t:يا رسول الله الصابر المحتسب، فقال رسول الله ﷺ: ((إن شهداء أمتي إذاً لقليل: القتل في سبيل الله ﷻ شهادة، والطاعون شهادة، والبطن شهادة، والنفساء يجرها ولدها بسره إلى الجنة، والحرق، والسِّلُّ))([605]).
وعن سعيد بن زيد tيرفعه للنبي ﷺ: ((من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد))([606]).
وعن سويد بن مقرن يرفعه:((من قتل دون مظلمته فهو شهيد))([607]).
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله –:((والذي يظهر أنه ﷺ أُعلِمَ بالأقل ثم أُعْلِمَ زيادة على ذلك، فذكرها في وقت آخر، ولم يقصد الحصر في شيء من ذلك، وقد اجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة، فإن مجموع ماقدمته مما اشتملت عليه الأحاديث التي ذكرتها أربع عشرة خصلة))([608]). قلت: وهي التي اشتملت عليها هذه الأحاديث التي ذكرتها فيما تقدم.
19 – الموت مرابطاً في سبيل الله تعالى؛ لحديث سلمان tقال:معت رسول الله ﷺ يقول:((رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأُجري عليه رزقه، وأمن الفتان))([609]).
20 – الموت على عمل صالح؛ لحديث حذيفة t عن النبي ﷺ: ((من قال: لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن صام يوماً ابتغاء وجه الله خُتِمَ له بها دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة))([610]).
وعن أنس يرفعه: ((إذا أراد الله بعد خيراً استعمله)) فقيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: ((يوفقه لعمل صالح قبل الموت))([611]).
وعن عمر بن المحبق يرفعه:((إذا أراد الله بعبد خيراً عسله)) قالوا:وكيف يعسله؟ قال:((يفتح الله ﷻ له عملاً صالحاً بين يدي موته حتى يرضى عنه جيرانه أو من حوله))([612]).
وعن جابر يرفعه: ((من مات على شيء بُعِثَ عليه))([613]).
21 – ثناء الناس على الميت؛ من جمع من المؤمنين الصادقين أقلهم اثنان من جيرانه العارفين به من ذوي الصلاح والعلم موجب له الجنة بفضل الله ﷻ ومن علامات حسن الخاتمة؛ لحديث أنس tقال: مُرَّ على النبي ﷺ بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال: ((وجبت)) ثم مرَّ بأخرى فأثنوا عليها شرّاً أو قال غير ذلك، فقال: ((وجبت)) فقيل: يا رسول الله! قلت لهذا: وجبت، ولهذا: وجبت، فقال: ((شهادة القوم للمؤمن شهادة الله في الأرض)). وفي لفظ: فقال عمر بن الخطاب t: ما وجبت؟ قال: ((هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرّاً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض)). ولفظ مسلم: ((وجبت، وجبت، وجبت، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض))([614]). وفي حديث عمر tقال: قال النبي ﷺ: ((أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة)) قلنا: وثلاثة: قال: ((وثلاثة)) قلنا: واثنان؟ قال: ((واثنان)) ثم لم نسأله عن الواحد([615]).
وفي حديث أنس زيادة عند الحاكم: ((ما من مسلم يموت يشهد له أربعة من أهل أبيات جيرانه الأقربين أنهم لا يعلمون منه إلا خيراً إلا قال الله تبارك وتعالى:قد قبلت قولكم أو قال:هادتكم وغفرت له ما لا تعلمون))([616]).
وفي حديث أنس عند الحاكم أيضاً: ((... إن لله ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من خير أو شر))([617]).
وعن أبي هريرة t: ((... الملائكة شهداء الله في السماء وأنتم شهداء الله في الأرض))([618]).
والله ﷻ أكرم الأكرمين وهو أرحم الراحمين([619]).
1 – صلوات الله ورحمته وهدايته للصابرين: قال الله تعالى: ] وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الـْخَوفْ وَالـْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الـْمُهْتَدُونَ [([620]).
] وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [ أي بشرهم بأنهم يُوفَّوْن أجورهم بغير حساب، فالصابرون هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة، والمنحة الجسيمة، ثم وصفهم بقوله: ] الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ [ وهي كل ما يؤلم القلب أو البدن، أو كليهما، كما تقدم في الآيات، ومن ذلك موت الأحباب، والأولاد، والأقارب، والأصحاب، ومن أنواع الأمراض في بدن العبد أو بدن من يحبه، ] قَالُواْ إِنَّا لِله [ أي مملوكون لله، مدبرون تحت أمره، وتصريفه، فليس لنا من أنفسنا وأولادنا، وأموالنا شيء، فإذا ابتلانا بشيء فقد تصرف أرحم الراحمين بمماليكه وأموالهم فلا اعتراض عليه، بل من كمال عبودية العبد: علمه بأن وقوع البلية من المالك الحكيم الذي أرحم بعبده من نفسه ووالدته، فيوجب له ذلك الرضا عن الله، والشكر له على تدبيره؛لما هو خير لعبده وإن لم يشعر بذلك، ومع أننا مملوكون لله فإنا إليه راجعون يوم المعاد، فمجاز كل عامل بعمله، فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفراً عنده، وإن جزعنا وسخطنا لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر، فكون العبد لله وراجع إليه من أقوى أسباب الصبر ] أُولَـئِكَ [ الموصوفون بالصبر المذكور ] عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ [ أي ثناء من الله عليهم ] وَرَحْمَةٌ [ عظيمة، ومن رحمته إياهم أن وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الأجر ] وَأُولَـئِكَ هُمُ الـْمُهْتَدُونَ [ الذين عرفوا الحق، وهو في هذا الموضع علمهم بأنهم لله، وأنهم إليه راجعون، وعملوا به، وهو هنا: صبرهم لله([621]).
قال أمير المؤمنين عمر t: ((نعم العدلان ونعمة العلاوة ] أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ [ فهذان العدلان، ] وَأُولَـئِكَ هُمُ الـْمُهْتَدُونَ [ فهذه العلاوة، وهي ما توضع بين العدلين، وهي زيادة في الحمل، فكذلك هؤلاء أعطوا ثوابهم وزيدوا أيضا))([622]).
2 – الاستعانة بالصبر من أسباب السعادة، قال الله تعالى: ] وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ [([623]).
3 – محبة الله للصابرين، قال الله ﷻ:] وَالله يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [([624]).
4 – معية الله للصابرين: قال الله ﷻ: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ [([625]).
5 – استحقاق دخول الجنة لمن صبر، قال الله تعالى: ] أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا [([626]).
6 – الصابرون يوفون أجورهم بغير حساب، فلا يوزن لهم، ولا يكال لهم إنما يغرف لهم غرفا، وبدون عدٍّ ولا حدٍّ، ولا مقدار([627])، قال الله تعالى: ] إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ [([628]).
7 – جميع المصائب مكتوبة في اللوح المحفوظ، من قبل أن يخلق الله الخليقة ويبرأ النسمة، وهذا أمر عظيم لا تحيط به العقول بل تذهل عنده أفئدة أولي الألباب، ولكنه على الله يسير([629])، قال الله ﷻ: ] مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَالله لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [([630]).
8 – ما أصاب من مصيبة في النفس، والمال والولد، والأحباب، ونحوهم إلا بقضاء الله وقدره، قد سبق بذلك علمه وجرى به قلمه، ونفذت به مشيئته، واقتضته حكمته، فإذا آمن العبد أنها من عند الله فرضي بذلك وسلم لأمره، فله الثواب الجزيل والأجر الجميل، في الدنيا والآخرة، ويهدي الله قلبه فيطمئن ولا ينزعج عند المصائب، ويرزقه الله الثبات عند ورودها، والقيام بموجب الصبر فيحصل له بذلك ثواب عاجل، مع ما يدخره الله له يوم الجزاء من الثواب([631])، قال الله تعالى: ] مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ الله وَمَن يُؤْمِن بِالله يَهْدِ قَلْبَهُ وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [([632])، قال علقمة عن عبد الله: ] وَمَن يُؤْمِن بِالله يَهْدِ قَلْبَهُ [ هو الرجل الذي أصابته مصيبة رضي بها وعرف أنها من الله))([633]).
وما أحسن ما قال ابن ناصر الدين الدمشقي رحمه الله تعالى:
سبحان من يبتلي أناساً | أحبَّهم والبلاءُ عطاءُ | |
فاصبرْ لبلْوى وكن راضياً | فإن هذا هو الدواءُ | |
سلِّم إلى الله ما قضاه | ويفعل الله ما يشاءُ([634]) |
9 – الله تعالى يجزي الصابرين بأحسن ما كانوا يعملون، قال تعالى: ] مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [([635]) قَسَمٌ من الرب تعالى مؤكَّدٌ باللام أنه يجازي الصابرين بأحسن أعمالهم: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة؛ فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً: أي ويتجاوز عن سيئاتهم([636])، ولله دَرُّ أبي يعلى الموصلي القائل:
إني رأيت وفي الأيام تجربة | للصبر عاقبة محمودة الأثر | |
وقلّ من جدَّ في أمره يحاوله | واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر([637]) |
10 – ما يقال عند المصيبة والجزاء والثواب والأجر العظيم على ذلك، فعن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، اللهم أْجُرْني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا أجره الله في مصيبته واخلف له خيراً منها)) قالت أم سلمة،فلما توفي أبو سلمة tقلت كما أمرني رسول الله ﷺ، فأخلف الله لي خيراً منه رسول الله ﷺ، وفي لفظ: ((ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: ((إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، اللهم أْجُرْني في مصيبتي وأخلِفْ لي خيراً منها...)) الحديث([638]). وفي لفظ ابن ماجه: ((إنَّا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك أحتسب مصيبتي فأْجُرْني فيها وعوِّضني خيراً منها))([639]).
وحديث أبي موسى الأشعري عن النبي ﷺ أنه قال: ((إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول:ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسمُّوه بيت الحمد))([640]).
قال ابن ناصر الدين رحمه الله تعالى:
يجري القضاء وفيه الخير نافلة | لمؤمن واثق بالله لا لاهي | |
إن جاءه فرحٌ أو نابه ترحٌ | في الحالتين يقول الحمد لله([641]) |
11 – الأجر العظيم والثواب الكثير والفوز بالجنة لمن مات حبيبه المصافي فصبر وطلب الأجر من الله تعالى، فعن أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال: يقول الله تعالى: ((ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضت صفيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة))([642])، قوله: ((جزاء)) أي ثواب وقوله: ((إذا قبضت صَفِيَّه))، وهو الحبيب المصافي: كالولد، والأخ، وكل ما يحبه الإنسان، والمراد بالقبض قبض روحه وهو الموت: ... وقوله: ((ثم احتسبه إلا الجنة)) والمراد: صبر على فقده راجياً من الله الأجر والثواب على ذلك. والاحتساب: طلب الأجر من الله تعالى خالصاً.
ووجه الدلالة من هذا الحديث أن الصفي أعم من أن يكون ولداً أم غيره، وقد أفرد ورتب الثواب بالجنة لمن مات له فاحتسبه))([643]).
وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((صفيه: حبيبه: كولده، أو أبيه، أو أمه، أو زوجته))([644]).
12 – أشد الناس بلاءً: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل؛ لحديث مصعب بن سعد عن أبيه t قال: قلت: يا رسول الله أيُّ الناس أشدُّ بلاءً؟ قال: ((الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل: يُبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صُلباً اشتدَّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقّةٌ ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة))([645]).
أكثر وأصعب بلاء: أي محنة ومصيبة؛ لأنهم لو لم يبتلوا لتوهم فيهم الألوهية؛ وليتوهن على الأمة الصبر على البلية؛ ولأن من كان أشد بلاء كان أشد تضرعاً، والتجاء إلى الله تعالى، ((ثم الأمثل فالأمثل)) أي الفضلاء، والأشرف فالأشرف والأعلى فالأعلى رتبة ومنزلة، فكل من كان أقرب إلى الله يكون بلاؤه أشد؛ ليكون ثوابه أكثر، ((فإن كان في دينه صلباً)) أي قوياً شديدا ((اشتد بلاؤه)) أي كمية وكيفية، ((فما يبرح البلاء)) أي ما يفارق([646]).
ومما يزيد ذلك وضوحاً وتفسيراً، حديث أبي هريرة t يرفعه: ((إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل، فما يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها))([647]).
13 - من كان بلاؤه أكثر فثوابه وجزاؤه أعظم وأكمل؛ لحديث أنس t عن النبي ﷺ قال: ((إن عِظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط))([648]).
المقصود الحث على الصبر على البلاء بعد وقوعه، لا الترغيب في طلبه للنهي عنه، فمن رضي بما ابتلاه الله به فله الرضى منه تعالى وجزيل الثواب، ومن سَخِطَ: أي كره بلاء الله وفزع ولم يرض بقضائه تعالى، فله السخط منه تعالى وأليم العذاب، ومن يعمل سوءاً يُجز به([649]).
ولا شك أن الصبر ضياء كما قال النبي ﷺ: ((والصبر ضياء))([650]).
والضياء: هو النور الذي يحصل فيه نوع حرارة وإحراق كضياء الشمس بخلاف القمر، فإنه نور محض فيه إشراق بغير إحراق، ولما كان الصبر شاقّاً على النفوس يحتاج إلى مجاهدة النفس، وحبسها، وكفها عما تهواه، كان ضياءً([651])؛ ولهذا والله أعلم يُوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب، بفضل الله ﷻ.
14 - ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة حتى يلقى الله وما عليه خطيئة؛ لأنها زالت بسبب البلاء([652])؛ لحديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة: في نفسه، وماله، وولده، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة))([653]).
15 - فضل من يموت له ولد فيحتسبه، عن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله ﷺ:((ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث([654]) إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم))([655]).والولد يشمل الذكر والأنثى.
وعن عبد الله بن مسعود t قال: قال رسول الله ﷺ: ((ما تعدّون الرّقوب([656]) فيكم؟)) قال: قلنا: الذي لا يولد له. قال: ((ليس ذاك بالرقوب، ولكنه الرجل الذي لم يقدم من ولده شيئاً))([657]).
16 - من مات له ثلاثة من الولد كانوا له حجاباً من النار؛ ودخل الجنة؛ لحديث أبي هريرة t عن النبي ﷺ: ((من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كان له حجاباً من النار أو دخل الجنة))([658]). وفي مسلم أنه قال لامرأة مات لها ثلاثة من الولد: ((لقد احتظرت بحظار شديد([659]) من النار))([660])؛ ولحديث عتبة بن عبدٍ t قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد، لم يبلغوا الحنث إلا تلقَّوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل))([661]).
17 - من قدم اثنين من أولاده دخل الجنة؛لحديث أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال لنسوة من الأنصار:((لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبه إلا دخلت الجنة))، فقالت امرأة منهن:أو اثنين يا رسول الله؟ قال: ((أو اثنين))([662])، قال النووي رحمه الله:((وقد جاء في غير مسلم ((وواحد))([663]).
وعن أبي صالح ذكوان عن أبي سعيد الخدري t قال: جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ، فقالت: يا سول الله، ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله، قال: ((اجتمعن يوم كذا وكذا))، فاجتمعن فأتاهن رسول الله ﷺ، فعلّمهن مما علّمه الله قال:((ما منكن من امرأة تقدم بين يديها من ولدها ثلاثة إلا كانوا لها حجاباً من النار)) فقالت امرأة:واثنين، واثنين، واثنين؟فقال رسول الله ﷺ:((واثنين، واثنين، واثنين))([664]).
18 - من مات له واحد من أولاده فاحتسبه وصبر دخل الجنة؛ لحديث أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال: يقول الله تعالى: ((ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة))([665]). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وهذا يدخل فيه الواحد فما فوقه وهو أصح ما ورد في ذلك، وقوله: ((فاحتسب)) أي صبر راضياً بقضاء الله راجياً فضله))([666])، وذكر ابن حجر رحمه الله أنه يدخل في ذلك حديث قرة بن إياس، وسيأتي في الحديث الآتي([667]).
وسيأتي أيضاً حديث أبي موسى الأشعري t الذي فيه قوله ﷺ: ((ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد)) فهو يدل على أن من مات له ولد واحد دخل الجنة([668]).
19 - من مات له ولد فاحتسبه وجده ينتظره عند باب الجنة، بفضل الله ﷻ ورحمته؛ لحديث قرة بن إياس t أن رجلاً كان يأتي النبي ﷺ ومعه ابن له، فقال له النبي ﷺ: ((أتحبه؟)) فقال: يا رسول الله أحبك الله كما أحبه، ففقده النبي ﷺ، فقال: ((ما فعل ابن فلان؟)) قالوا: يا رسول الله مات، فقال النبي ﷺ لأبيه: ((أما تحب أن لا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك؟)) فقال رجل: يا رسول الله: أله خاصة أو لكلنا؟ فقال: ((بل لكلكم))، ولفظ النسائي: ((ما يسرك أن لا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته عنده يسعى يفتح لك))([669]).
20 - المؤمن إذا مات ولده سواء كان ذكراً أو أنثى وصبر واحتسب وحمد الله على تدبيره وقضائه بنى الله له بيتاً في الجنة وسماه بيت الحمد؛ لحديث أبي موسى الأشعري t أن رسول الله ﷺ قال:((إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته:قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون:نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد))([670]).
وعن أبي سلمى راعي رسول الله ﷺ ((بخ بخ – وأشار بيده لخمس – ما أثقلهن في الميزان: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه))([671]).
21 -السقط يجرُّ أمَّه بسرره إلى الجنة؛لحديث معاذ بن جبل t عن النبي ﷺ: قال: ((والذي نفسي بيده إن السقط ليجرُّ أُمَّهُ بسَرَرِه إلى الجنة إذا احتسبته))([672]).
22 - ومما يشرح صدر المسلم ويبرِّد حرَّ مصيبته أن أولاد المسلمين في الجنة، قال الإمام النووي رحمه الله بعد أن ساق الأحاديث في فضل من يموت له ولد فيحتسبه: ((وفي هذه الأحاديث دليل على كون أطفال المسلمين في الجنة، وقد نقل جماعة فيهم إجماع المسلمين))، ونقل عن المازري قوله: ((ونقل جماعة الإجماع في كونهم من أهل الجنة قطعاً؛ لقوله تعالى: ] وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلـْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ [([673])([674]).
ويدل عليه حديث أبي هريرة أن أولاد المسلمين في الجنة، ((وأن أحدهم يلقى أباه فيأخذ بثوبه أو بيده فلا يتركه حتى يدخله الله وأباه أو قال: أبويه الجنة))([675]). وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((أجمع المسلمون على أن أولاد المسلمين في الجنة، أما أولاد الكفار ففيهم خلاف، وأصح ما قيل فيهم أنهم يمتحنون يوم القيامة، أو هم من أهل الجنة بدون امتحان وهو أصح))([676]). وهو الصواب([677])؛ لحديث سمرة بن جندب t في الحديث الطويل وفيه: ((وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة)) فقال بعض المسلمين:يا رسول الله:وأولاد المشركين؟فقال رسول الله ﷺ:((وأولاد المشركين))([678]).
23 - من تصبّر ودرّب نفسه على الصبر صبَّره الله وأعانه وسدّده؛ لحديث أبي سعيد الخدري t، عن النبي ﷺ، وفيه: ((ومن يستعفف يعفّه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبَّر يصبّره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من الصبر))([679]).
24 - من أراد الله به خيراً أصابه بالمصائب؛ليثيبه عليها([680])؛لحديث أبي هريرة t قال:قال رسول الله ﷺ: ((من يُرد الله به خيراً يُصِبْ منه))([681]).وسمعت شيخنا عبدالعزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول: ((أي بالمصائب بأنواعها، وحتى يتذكر فيتوب، ويرجع إلى ربه))([682]).
25 - أمر المؤمن كله خير في السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء؛ لحديث صهيب t قال: قال رسول الله ﷺ: ((عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاءُ شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيراً له))([683]).
26 - المصيبة تحطُّ الخطايا حطّاً كما تحطّ الشجرة ورقها؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: ((ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفَّر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها))([684]).
وعن عبد الله t عن النبي ﷺ أنه قال: ((ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحطُّ الشجرة ورقها))([685]).
وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: ((ما يُصيب المؤمن من نصب، ولا وصب، ولا همّ، ولا حزن، ولا أذى، ولا غمٍّ حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه))([686])، وفي لفظ: ((ما يصيب المؤمن من وَصَب([687])، ولا نَصَب([688])، ولا سَقم...)).
27 - يجتهد المسلم في استكمال شروط الصبر التي إذا عمل بها المسلم المصاب حصل على الثواب العظيم والأجر الجزيل، وتتلخص هذه الشروط في ثلاثة أمور:
الشرط الأول:الإخلاص لله ﷻ في الصبر؛لقول الله ﷻ: ] وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ [([689])، ولقوله ﷻ في صفات أصحاب العقول السليمة:]وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالـْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لـَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ[([690])، وهذا هو الإخلاص في الصبر المبرأ من شوائب الرياء وحظوظ النفس.
الشرط الثاني: عدم شكوى الله تعالى إلى العباد؛ لأن ذلك ينافي الصبر ويخرجه إلى السخط والجزع؛ لحديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: ((قال الله تعالى: إذا ابتليت عبدي المؤمن ولم يشكني إلى عوّاده أطلقته من إساري، ثم أبدلته لحماً خيراً من لحمه، ودماً خيراً من دمه، ثم يستأنف العمل))([691]).
والله در الشاعر الحكيم حيث قال:
وإذا عرتك بليّة فاصبر لها | صبر الكريم فإنه بك أعلم | |
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما | تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم([692]) |
الشرط الثالث: أن يكون الصبر في أوانه ولا يكون بعد انتهاء زمانه؛ لحديث أنس بن مالك t قال: مرَّ النبي ﷺ بامرأة تبكي عند قبر فقال:((اتقي الله واصبري)) [فقالت]: إليك عنِّي فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي، فأتت باب النبي ﷺ فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: ((إنما الصبر عند الصدمة الأولى))([693]).أي الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر الجزيل؛لكثرة المشقة فيه، وأصل الصدم الضرب في شيء صلب، ثم استعمل مجازاً في كل مكروه حصل بغتة([694]).
28 - أمور لا تنافي الصبر ولا بأس بها ومنها:
الأمر الأول: الشكوى إلى الله تعالى؛ فالتضرع إليه ودعاؤه في أوقات الشدة عبادة عظيمة، فإن الله أخبر عن يعقوب بقوله: ] فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَالله الـْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [([695]).
وقال: ] فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى الله أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الـْحَكِيمُ [([696]).
وقال:] إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ [([697]).
وأيوب عليه الصلاة والسلام أخبر الله عنه ] وَأَيـُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [([698]).
وقال الله تعالى عنه: ] إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [([699])، فإذا أصاب العبد مصيبة فأنزلها بالله وطلب كشفها منه فلا ينافي الصبر([700]).
الأمر الثاني: الحزن ودمع العين؛ فإن ذلك قد حصل لأكمل الخلق نبينا محمد بن عبد الله ﷺ؛ لحديث أنس t قال:دخلنا مع رسول الله ﷺ على أبي سيف القين([701]) – وكان ظئراً([702]) لإبراهيم u – فأخذ رسول الله ﷺ إبراهيم فقبَّله وشمَّهُ، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه([703])، فجعلت عينا رسول الله ﷺ تذرفان([704])، فقال له عبد الرحمن بن عوف t: وأنت يا رسول الله([705])؟ فقال: ((يا ابن عوف إنها رحمة)) ثم أتبعها بأخرى([706])، فقال: ((إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يَرْضَى ربُّنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون))([707]).قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((ووقع في حديث عبد الرحمن بن عوف نفسه:((فقلت:يا رسول الله تبكي أو لم تنه عن البكاء؟وزاد فيه:((إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين:صوت عند نغمة لهوٍ ولعبٍ ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة:خمش وجوه، وشق جيوب، ورنة شيطان)). قال:((إنما هذه رحمة، ومن لا يَرحم لا يُرحم))([708]).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((هذا الحديث يفسِّر البكاء المباح، والحزن الجائز، وهو ما كان بدمع العين، ورقة القلب من غير سخط لأمر الله، وهو أبين شيء وقع في هذا المعنى، وفيه مشروعية تقبيل الولد وشمه، ومشروعية الرضاع، وعيادة الصغير، والحضور عند المحتضر، ورحمة العيال، وجواز الإخبار عن الحزن وإن كان الكتمان أولى، وفيه وقوع الخطاب للغير وإرادة غيره بذلك، وكل منهما مأخوذ من مخاطبة النبي ﷺ ولده مع أنه في تلك الحالة لم يكن ممن يفهم الخطاب لوجهين: أحدهما: صغره، والثاني نزاعه. وإنما أراد بالخطاب غيره من الحاضرين إشارة إلى أن ذلك لم يدخل في نهيه السابق، وفيه جواز الاعتراض على من خالف فعله ظاهر قوله؛ ليظهر الفرق))([709]).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:((اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتاه النبي [ﷺ] يعوده مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود y، فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله([710]) فقال: ((قد قضى؟)) قالوا: لا يا رسول الله، فبكى النبي ﷺ، فلما رأى القوم بكاء النبي ﷺ بَكَوْا، فقال: ((ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذِّبُ بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا([711]) – و أشار إلى لسانه – أو يرحم([712])، وإن الميت يعذَّب ببكاء أهله عليه))([713])، وكان عمر t يضرب فيه بالعصا، ويرمي بالحجارة، ويحثي بالتراب))([714]).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((في هذا إشعار بأن هذه القصة كانت بعد قصة إبراهيم ابن النبي ﷺ؛ لأن عبد الرحمن بن عوف كان معهم في هذه ولم يعترضه بمثل ما اعترض به هناك، فدل على أنه تقرر عنده العلم بأن مجرد البكاء بدمع العين من غير زيادة على ذلك لا يضر))([715]).
وفي حديث أسامة بن زيد t في قصة لصبي لإحدى بنات رسول الله ﷺ حينما قال النبي ﷺ لرسول ابنته:((ارجع إليها فأخبرها:إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبرْ ولتحتسب)) فأرسلتْ إلى رسول الله ﷺ وأقسمت عليه أن يحضر، فقام النبي ﷺ وقام معه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأسامة معهم، وحينما رفع الصبي للنبي ﷺ وهو في النزع، فاضت عيناه، فقال له سعد:ما هذا يا رسول الله؟ قال:((هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء))([716]).
وقد روى أنس بن مالك t قال: ((شهدنا بنتاً لرسول الله ﷺ، قال: ورسول الله ﷺ جالس على القبر، قال: فرأيت عينيه تدمعان))([717]).
29 – الأمور التي تعين على الصبر على المصيبة بفقد الأحباب كثيرة منها ما يأتي:
الأمر الأول: معرفة جزاء المصيبة وثوابها وهذا من أعظم العلاج الذي يبرد حرارة المصيبة، وتقدمت الأدلة على ذلك.
الأمر الثاني: العلم بتكفيرها للسيئات وحطها كما تحط الشجرة ورقها([718]).
الأمر الثالث:الإيمان بالقدر السابق بها وأنها مقدرة في أم الكتاب كما تقدم.
الأمر الرابع: معرفة حق الله في تلك البلوى، فعليه الصبر والرضا، والحمد والاسترجاع والاحتساب.
الأمر الخامس: أن يعلم أن الله قد ارتضاها له واختارها وقسمها، وأن العبودية تقتضي رضاه بما رضي له به سيده ومولاه، فإن لم يوفِ قدر المقام حقه فهو لضعفه، فلينزل إلى مقام الصبر عليها، فإن نزل عنه نزل إلى مقام الظلم وتعدي الحق.
الأمر السادس: العلم بترتبها عليه بذنبه، فإن لم يكن له ذنب كالأنبياء والرسل فلرفع درجاته.
الأمر السابع: أن يعلم أن هذه المصيبة دواء نافع ساقه إليه العليم بمصلحته الرحيم به، فليصبر ولا يسخط ولا يشكو إلى غير الله فيذهب نفعه باطلاً.
الأمر الثامن: أن يعلم أن عاقبة هذا الدواء: من الشفاء والعافية والصحة وزوال الآلام ما لم تحصل بدونه، قال الله تعالى: ] وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَالله يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [([719]).
وقال ﷻ: ] فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [([720]).
الأمر التاسع: أن يعلم أن المصيبة ما جاءت لتهلكه وتقتله، وإنما جاءت لتمتحن صبره وتبتليه، فيتبين حينئذ: هل يصلح لاستخدامه وجعله من أوليائه وحزبه أم لا؟ وفضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
الأمر العاشر: أن يعلم أن الله يربي عبده على السراء والضراء، والنعمة والبلاء، فيستخرج منه عبوديته في جميع الأحوال([721]).
الأمر الحادي عشر: معرفة طبيعة الحياة الدنيا على حقيقتها؛ فهي ليست جنة نعيم ولا دار مقام إنما ممر ابتلاء وتكليف؛ لذلك فالكيِّس الفطن لا يفجأ بكوارثها، ولله دَرُّ القائل:
إن لله عباداً فطنا | طلَّقوا الدنيا وخافوا الفتنا | |
نظروا فيها فلما علموا | أنها ليست لحيٍّ وطنا | |
جعلوها لجةً واتخذوا | صالح الأعمال فيها سفنا |
فالحياة الدنيا لا تستقيم على حال ولا يقر لها قرار، فيوم لك ويوم آخر عليك، قال الله تعالى: ] إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ الله الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَالله لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [([722]).
وقد أحسن أبو البقاء الرندي القائل:
لكل شيء إذا ما تم نقصانُ | فلا يغر بطيب العيش إنسانُ | |
هي الأيام كما شاهدتها دول | فمن سره زمن ساءته أزمان([723]) |
الأمر الثاني عشر: معرفة الإنسان نفسه؛ فإن الله هو الذي منح الإنسان الحياة فخلقه من عدم إلى وجود، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، فهو ملك لله أولاً وآخراً، وصدق لبيد بن ربيعة t القائل:
وما المال والأهلون إلا ودائعُ | ولابد يوماً أن تُرَدَّ الودائعُ |
الأمر الثالث عشر: اليقين بالفرج، فنصر الله قريب من المحسنين، وبعد الضيق سعة، ومع العسر يسرٌ؛ لأن الله وعد بهذا ولا يخلف الميعاد، وقال سبحانه: ] إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [([724]).
وقد أحسن القائل:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى | ذرْعاً وعند الله منها المخرجُ | |
ضاقت فلما استحكمت | حلقاتها فُرجت وكنت أظنها لا تفرجُ |
وقد وعد الله ﷻ بحسن العوض عما فات؛ فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً كما قال الله تعالى: ] وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي الله مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [([725]).
ولله دَرُّ القائل:
وكل كسر فإن الله يجبره | وما لكسر قناة الدين جبران([726]) |
الأمر الرابع عشر: الاستعانة بالله فما على العبد إلا أن يستعين بربه أن يعينه، ويجبر مصيبته، قال تعالى:] اسْتَعِينُوا بِالله وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِله يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [([727])، ومن كانت معية الله معه فهو حقيق أن يتحمل ويصبر على الأذى.
الأمر الخامس عشر: التأسي بأهل الصبر والعزائم، فالتأمل في سير الصابرين وما لاقوه من ألوان الابتلاء والشدائد يعين على الصبر ويطفئ نار المصيبة ببرد التأسي، قال الله تعالى لنبيه ﷺ: ] فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِل لـَّهُمْ [([728]).
الأمر السادس عشر: استصغار المصيبة، قال النبي ﷺ: ((يا أيها الناس أيما أحدٍ من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعزَّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحداً من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي))([729]).
وكتب بعض العقلاء إلى أخ له يعزيه عن ابن له يقال له: محمد، فنظم الحديث الآنف شعراً فقال:
اصبر لكل مصيبة وتجلد | واعلم أن المرء غير مخلد([730]) | |
وإذا ذكرت محمداً ومصابَهُ | فاذكر مصابك بالنبي محمد |
الأمر السابع عشر: العلم أن المصيبة في غير الدين أهون وأيسر عند المؤمن، ولله دَرُّ القائل:
وكل كسر فإن الله يجبره | وما لكسر قناة الدين جبران |
وذكر أن امرأة من العرب مرت بابنين لها وقد قتلوا فقالت: الحمد لله رب العالمين، ثم قالت:
وكل بلوى تصيب المرء عافية | ما يُصَبْ يوماً يلقى الله في النار([731]) |
الأمر الثامن عشر: العلم بأن الدنيا فانية وزائلة، وكل ما فيها يتغير ويزول؛ لأنها إلى الآخرة طريق، وهي مزرعة للآخرة على التحقيق، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة:
أما الأدلة من الكتاب:
1 – فقال الله تعالى: ] وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكئوُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لـَمَّا مَتَاعُ الـْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [([732]).
2 – وقال الله تعالى: ] إِنَّمَا مَثَلُ الـْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [([733]).
3 – وقال ﷻ: ] وَاضْرِبْ لـَهُم مَّثَلَ الـْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا [([734]).
4 – وقال تعالى: ] وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الـْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ [([735]).
5 – وقال تعالى: ] تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [([736]).
6 – وقال تعالى:]كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الـْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [([737]).
7 – وقال الله تعالى: ] فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الـْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [([738]).
8 – وقال سبحانه: ] وَمَا الـْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلـَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [([739]).
9 – وقال الله ﷻ: ] وَمَا هَذِهِ الـْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لـَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الـْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [([740]).
10 – وقال تعالى: ] اعْلَمُوا أَنَّمَا الـْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلـَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ الله وَرِضْوَانٌ وَمَا الـْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ [([741]).
11 – وقال تعالى:]كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ *وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الـْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [([742]).
12 – وقال تعالى ذاكراً لقول مؤمن آل فرعون: ] يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الـْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ [([743]).
وأما الأدلة من السنة المطهرة، فقد زهَّد النبي ﷺ الناس في الدنيا، ورغَّبهم في الآخرة، بفعله وقوله ﷺ.
1 – أما فعله فمنه حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((خرج النبي ﷺ من الدنيا ولم يشبع من خبر الشعير))([744]).
2 – وقالت: ((ما أكل آل محمد أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر))([745]).
3 – وقالت: ((إنا كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أُوقِدت في أبيات رسول الله ﷺ نارٌ، فقال عروة:ما كان يقيتكم؟ قالت:الأسودان: التمر والماء))([746]).
4 – وقال ﷺ: ((لو كان لي مثل أُحد ذهباً ما يسرني أن لا يمر عليَّ ثلاث وعندي منه شيء إلا أرصُدُهُ لدَيْن))([747]).
5 – وقد ثبت عنه ﷺ أنه اضطجع على حصير فأثَّر في جنبه، فدخل عليه عمر بن الخطاب t، ولما استيقظ جعل يمسح جنبه فقال: يا رسول الله لو أخذت فراشاً أَوْثَرَ من هذا؟ فقال ﷺ: ((ما لي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها))([748]).
6 – وقال أبو هريرة t: ((ما شبع آل محمد من طعام ثلاثة أيام حتى قُبض))([749]). والمقصود أنهم لم يشبعوا ثلاثة أيام متوالية، والظاهر أن سبب عدم شبعهم غالباً كان بسبب قلة الشيء عندهم، على أنهم قد يجدون ولكن يؤثرون على أنفسهم([750]).
7 – وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان فراش رسول الله ﷺ من أَدَم وحشوُهُ ليف))([751]).
8 – ومع هذا كان يقول ﷺ: ((اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً))([752]).
9 – وقال ﷺ: ((قد أفلح من أسلم، ورُزِق كفافاً، وقنَّعَهُ الله بما آتاه))([753]).
وأما قوله في التزهيد في الدنيا والتحذير من الاغترار بها، فكثير، ومنه:
10 – حديث مطرِّف عن أبيه t قال: أتيت النبي ﷺ وهو يقرأ: ] أَلـْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ [ قال: ((يقول ابن آدم: مالي، مالي، وهل لك من مالك يا ابن آدم إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت أمضيت))([754]).
11 – وعن أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال: ((يقول العبد: مالي مالي إنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى، [و] ما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس))([755]).
12 – وقال النبي ﷺ مرة لأصحابه ((أيكم مال وراثه أحب إليه من ماله؟)) قالوا: يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه.قال:((فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر))([756]).
13 – ودخل النبي ﷺ السوق يوماً فمرَّ بجدي صغير الأذنين ميت، فأخذه بأذنه ثم قال: ((أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟)) قالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: ((أتحبون أنه لكم؟)) قالوا: والله لو كان حياً كان عيباً فيه؛ لأنه أسكُّ([757])، فكيف وهو ميت؟ فقال: ((فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم))([758]).
14 – وعن سهل بن سعد t قال: قال رسول الله ﷺ: ((لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء))([759]).
والدنيا مذمومة إذا لم تستخدم في طاعة الله ﷻ:
15 – فعن أبي هريرة t قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((ألا إن الدنيا ملعونةٌ، ملعون ما فيها إلا ذكرُ الله، وما والاهُ، وعالمٌ، أو متعلمٌ))([760])، وهذا يؤكد أن الدنيا مذمومة، مبغوضة من الله وما فيها، مبعدة من رحمة الله إلا ما كان طاعة لله ﷻ؛ ولِهوانها على الله ﷻ لم يبلِّغ رسوله ﷺ فيها وهو أحب الخلق إليه.
16 – فقد مات ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعاً من شعير([761]).
وقوله: ((وما والاه)) أي ما يحبه الله من أعمال البر، وأفعال القرب، وهذا يحتوي على جميع الخيرات، والفاضلات، ومستحسنات الشرع، وقوله: ((وعالم أو متعلم)) العالم والمتعلم: العلماء بالله، الجامعون بين العلم والعمل، فيخرج منه الجهلاء، والعالم الذي لم يعمل بعلمه، ومن يعلم علم الفضول، وما لا يتعلق بالدين. والرفع في ((عالم أو متعلم)) على التأويل: كأنه قيل: الدنيا مذمومة لا يحمدُ مما فيها ((إلا ذكر الله وما والاه، وعالم أو متعلم))([762])، فإذا رأى العاقل من ينافسه في الدنيا فعليه أن ينصحه ويحذره وينافسه في الآخرة([763]).
17 – وفي قصة أبي عبيدة t عندما قدم بمال من البحرين فجاءت الأنصار وحضروا مع رسول الله ﷺ صلاة الصبح، فلمَّا صلى بهم الفجر، تعرَّضوا له، فتبسَّم حين رآهم وقال: ((أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء؟)) قالوا: أجل يا رسول الله، قال: ((فأبشروا، وأمِّلوا ما يسرُّكم، فوالله لا الفقرَ أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم))، وفي رواية: ((وتلهيكم كما ألهتهم))([764]).
18 – وفي حديث أبي سعيد الخدري t عن النبي ﷺ: ((إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض)) قيل: وما بركات الأرض؟ قال: ((زهرة الدنيا))، ثم قال: ((إن هذا المال خَضِرَة حلوة...من أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو، ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع [ويكون عليه شهيداً يوم القيامة])) ([765]).
19 – وقال خبَّاب t: ((إن المسلم يؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب))([766]). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((أي الذي يوضع في البنيان، وهو محمول على ما زاد على الحاجة))([767]).
وذكر رحمه الله آثاراً كثيرة في ذم البنيان ثم قال: ((وهذا كله محمول على ما لا تمس الحاجة إليه مما لابد منه للتوطن وما يقي البرد والحر))([768]).
والمسلم إذا لم يجعل الدنيا أكبر همه وفقه الله وأعانه.
20 – فعن معقل بن ياسر t قال: قال رسول الله ﷺ: ((يقول ربكم تبارك وتعالى: يا ابن آدم تفرَّغ لعبادتي أملأ قلبك غنىً وأملأ يديك رزقاً، يا ابن آدم لا تباعد عني فأملأ قلبك فقراً وأملأ يديك شغلاً))([769]).
21 – وفي حديث أبي هريرة t عن النبي ﷺ قال: ((إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم تفرَّغ لعبادتي أملأ صدرك غنىً وأسدُّ فقرك، وإن لم تفعل ملأت يديك شغلاً ولم أسدَّ فقرك))([770]). قال ذلك عندما تلا: ] مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ [([771]).
ولاشك أن كل عمل صالح يُبتغى به وجه الله فهو عبادة، بل وحتى الأعمال المباحة.
22 – وعن زيد بن ثابت t قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((من كانت الدنيا همَّه فرَّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة))([772]).
23 – وعن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله ﷺ: ((من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه؛ جعل الله فقره بين عينيه، وفرَّق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدِّر له))([773]).
24 – وعن أبي موسى الأشعري t أن رسول الله ﷺ قال:((من أحب دنياه أضرَّ بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى))([774]).
25 – وعن أبي موسى الأشعري t أنه لما حضرته الوفاة قال: يا معشر الأشعريين ليُبلِّغِ الشاهد الغائب، إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((حلاوة الدنيا مرةُ الآخرة، ومرةُ الدنيا حلاوة الآخرة))([775]).
الأمر التاسع عشر: العلم بأن الله تعالى يجمع بين المؤمن وذريته، ووالديه وأهله، ومن يحب في الجنة، وهذا الاجتماع الذي لا فراق بعده؛ لقول الله تعالى: ] وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلـْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ [([776])، قال الإمام ابن كثير رحمه الله: ((يخبر الله تعالى عن فضله وكرمه، وامتنانه، ولطفه بخلقه، وإحسانه: أن المؤمنين إذا اتبعتهم ذريتهم في الإيمان يُلحقهم بآبائهم في المنزلة وإن لم يبلغوا عملهم؛ لتقر أعين الآباء بالأبناء عندهم في منازلهم، فيجمع بينهم على أحسن الوجوه بأن يرفع الناقص العمل بكامل العمل ولا ينقص ذلك من عمله ومنزلته، للتساوي بينه وبين ذلك))([777]). وهذا فضله تعالى على الأولاد ببركة عمل الآباء، وأما فضله على الآباء ببركة دعاء الأولاد فثبت في حديث أبي هريرة t، قال: قال رسول الله ﷺ: ((إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يا رب أنَّى لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك))([778])، قال العلامة السعدي رحمه الله: ((وهذا من تمام نعيم أهل الجنة أن ألحق الله بهم ذريتهم الذين اتبعوهم بإيمان:أي الذين لحقوهم بالإيمان الصادر من آبائهم فصارت الذرية تبعاً لهم بالإيمان، ومن باب أولى إذا تبعتهم ذريتهم بإيمانهم الصادر منهم أنفسهم، فهؤلاء المذكورون يُلحقهم الله بمنازل آبائهم في الجنة وإن لم يبلغوها جزاء لآبائهم وزيادة في ثوابهم، ومع ذلك لا ينقص الله الآباء من أعمالهم شيئاً))([779]).وهذا هو الفوز العظيم.
نسأل الله تعالى أن يجمعنا في الفردوس الأعلى مع آبائنا،وذرياتنا، وأزواجنا،وجميع أهلينا،وأحبابنا إنه على كل شيء قدير،وبالإجابة جدير.
ولاشك أن من فارق ذريته وأهله، وأحبابه في الآخرة فقد خسر خسراناً مبيناً، كما قال الله تعالى: ] قُلْ إِنَّ الـْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الـْخُسْرَانُ الـْمُبِينُ [([780])، أي تفارقوا فلا التقاء لهم أبداً، وسواء ذهب أهلوهم إلى الجنة وقد ذهبوا هم إلى النار، أو أن الجميع أسكنوا النار ولكن لا اجتماع لهم ولا سرور، وهذا هو الخسران المبين الظاهر الواضح))([781]).
وقال الله ﷻ: ] وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ * وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الـْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ [([782])، قال الإمام ابن كثير رحمه الله: ((أي ذُهِبَ بهم إلى النار فعدموا لذتهم في دار الأبد، وخسروا أنفسهم، وفُرِّق بينهم وبين أحبابهم، وأصحابهم، وأهاليهم، وقراباتهم فخسروهم))([783]).
وقَدْ ذُكِرَ أن بعض الصالحين مات له ابن فجزع عليه جزعاً شديداً، حتى امتنع عن الطعام والشراب، فبلغ ذلك الإمام محمد بن إدريس الشافعي، فكتب إليه، ومما كتب إليه:
إني معزِّيك لا أنِّي على ثقةٍ | من الحياة ولكن سنة الدين | |
فما المعزَّى بباقٍ بعد ميته | ولا المعزِّي ولو عاشا إلى حين([784]) |
يراعى في تغسيل الميت الأمور الآتية:
الأمر الأول: معرفة العلامات التي تدل على خروج الروح بالموت([785]).
1 - شخوص البصر:أي انفتاحه؛لحديث أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت:دخل رسول الله ﷺ على أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه، ثم قال: ((إن الروح إذا قبض تبعه البصر))([786]).
2 – انخساف الصدغين؛لارتخاء الفك السفلي؛ولارتخاء الأعضاء عموماً.
3 – ميل الأنف إلى اليمين أو الشمال.
4 – انفصال الكفين؛ لاسترخاء عصب اليد فتبقى كأنها منفصلة.
5 – استرخاء الرجلين، فتلين وتسترسل بعد خروج الروح؛لصلابتها قبله.
6 – سكون القلب ووقوف ضرباته تماماً.
7 – امتداد جلدة الوجه أحياناً([787])([788]).
ويُغني عن ذلك كله شهادة الأطباء الثقات بأن فلاناً قد مات وخرجت روحه من جسده تماماً بلا شك ولا ريب.
الأمر الثاني:آدابٌ يحتاج إليها الميت عقب موته، من أهمها:
1 - تغميض عينيه؛ لحديث أمِّ سلمة رضي الله عنها([789]).
2 - يُدعى له؛ لحديث أمِّ سلمة السابق، فيقال: ((اللهم اغفر لفلان [باسمه] وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره ونوِّر له فيه))([790]).
3 - شد لحييه؛ لإقفال فمه، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ويستحب شدُّ لحييه بعصابة عريضة يربطها من فوق رأسه؛ لأن الميت إذا كان مفتوح العينين والفم فلم يغمض حتى يبرد، بقي مفتوحاً فيقبح منظره، ولا يؤمن دخول الهوام فيه، والماء في وقت غسله))([791]) ([792])، ومعلوم أنه بعد أن يبرد تبقى العينان مغمضتين والفم مغلقاً، فيحسن منظره.
4 - تليين مفاصله، مفاصل اليدين، والرجلين، وهو أن يرد ذراعيه إلى عضديه، وعضديه إلى جنبيه، ثم يردهما، ويرد ساقيه إلى فخذيه، وفخذيه إلى بطنه، ثم يردهما؛ ليكون ذلك أبقى للينه، فيكون ذلك أمكن للغاسل: من غسله، وتكفينه، وتمديده، وخلع ثيابه، وهذه الصفة تستحب في موضعين: عقب موته قبل قسوتها ببرودته، وإذا شُرِعَ في غسله، وإن شق ذلك لقسوة عظام الميت أو غيرها تركه؛ لأنه لا يؤمن أن تنكسر أعضاؤه ويصير به ذلك إلى المثلة([793]).
5 - تخلع ثيابه ويستر بثوب يكون شاملاً للبدن كله، أما خلع الثياب؛ فلقول الصحابة y حينما مات رسول الله ﷺ، قالت عائشة رضي الله عنها: لما أرادوا غسل النبي ﷺ قالوا:والله ما ندري أنجرِّدُ رسول الله ﷺ كما نجرِّدُ موتانا؟ أم نغسله وعليه ثيابه؟ فلما اختلفوا، ألقى الله عليهم النوم، حتى ما منهم رجل إلا وذَقْنُهُ في صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت، لا يدرون من هُوَ:أن اغسلوا النبي ﷺ وعليه ثيابه، فقاموا إلى رسول الله ﷺ فغسلوه وعليه قميصُهُ، يصبون الماء فوق القميص، ويدلكونه بالقميص دون أيديهم، وكانت عائشة تقول:لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه))([794]).
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ويستحب خلع ثياب الميت؛ لئلا يخرج منه شيء يفسُدُ به، ويتلوث بها إذا نزعت عنه...))([795]).
وأما ستره بثوب يغطي جميع بدنه؛فلحديث عائشة رضي الله عنها،قالت:((سُجِّي رسول الله ﷺ حين مات بثوب حَبِرةٍ))([796])،إلا المحرم،فلا يغطى رأسه ولا وجهه؛لحديث ابن عباس رضي الله عنهما،وفيه:((ولا تخمِّروا رأسه ولا وجهه...))([797]).
6 - يوضع على بطنه شيء ثقيل، ليمنع انتفاخه إذا لم يعجل بتغسيله، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ويُجعل على بطنه شيء من الحديد كمرآة أو غيرها؛ لئلا ينتفخ بطنه...))([798]). وقد ورد ذلك في بعض الآثار عن أنس t، وعن الشعبي رحمه الله([799])، ولكن إذا أُسرع بالجنازة في تجهيزها، أو وُضعت في ثلاجة وأُمِنَ من انتفاخ البطن فلا داعي لذلك([800]).
7 - يُجعل على سرير غسله أو لوح؛ لأنه أحفظ له، ولا يُترك على الأرض؛لئلا يُسرع إليه التغير، ويجعل منحدراً نحو رجليه([801])، قال الإمام البيهقي رحمه الله، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ((لما فُرغَ من جهاز رسول الله ﷺ يوم الثلاثاء وُضِعَ على سريره في بيته ﷺ))([802]).
الأمر الثالث: الإسراع بتجهيزه؛ لحديث أبي هريرة t عن النبي ﷺ أنه قال: ((أسرعوا بالجنازة فإن تكُ صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تكُ سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم))([803])؛ ولحديث أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله ﷺ: ((إذا وُضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدِّموني قدِّموني، وإن كانت غير صالحة قالت:يا ويلها أين تذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق))([804]).
الأمر الرابع: معرفة الفضل والأجر العظيم، لمن تولَّى غسل الميت المسلم، وستر عليه ما يكره، وأخلص في ذلك ابتغاء وجه الله تعالى، لا يريد به جزاء ولا شكوراً إلا من الله ﷻ، ولا يريد شيئاً من أمور الدنيا؛ لحديث أبي رافع t قال: قال رسول الله ﷺ: ((من غسل مسلماً فكتم عليه، غفر الله له أربعين مرة، ومن حفر له فأجنه أُجريَ عليه كأجر مسكن أسكنه إياه إلى يوم القيامة، ومن كفّنه كساه الله يوم القيامة من سندس وإستبرق الجنة))([805]). وهذا لفظ البيهقي، ولفظ الحاكم: ((من غسل ميتاً فكتم عليه غفر له أربعين مرة، ومن كفَّن ميتاً كساه الله من سندس وإستبرق الجنة، ومن حفر لميت قبراً فأجنه فيه أُجري له من الأجر كأجر مسكن أسكنه إلى يوم القيامة)). ولفظ الطبراني في المعجم الكبير: ((من غسل ميتاً فكتم عليه غفر له أربعين كبيرة، ومن حفر لأخيه قبراً حتى يجنه فكأنما أسكنه مسكناً مرة حتى يُبعث))؛ ولقول النبي ﷺ: ((ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه...))([806])؛ ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما وفيه: ((ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة))([807])، وغير ذلك من الأدلة والآثار الواردة([808])، ولا بأس بالإخبار بما يشاهده الغاسل من علامات الخير: كبياض الوجه، أو التبسم، أو غير ذلك من العلامات التي تبشر بالخير، أما العلامات التي تدل على الشر فلا يخبر بها؛ لأن ذلك يحزن أهل الميت ويؤذيهم، وهو من الغيبة، لكن لو قال: إن بعض الأموات يكون أسودَ، أو غير ذلك فلا بأس([809]).
قال الإمام ابن قدامة – رحمه الله -:((وإن رأى حسَناً مثل: أمارات الخير:من وضاءة الوجه، والتبسم، ونحو ذلك استحب إظهاره؛ ليكثر الترحُّم عليه، ويحصل الحث على مثل طريقته والتشبه بجميل سيرته...))([810]).
الأمر الخامس: معرفة حرمة المسلم ومنزلته وكرامته حيّاً وميتاً؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: ((إن كسر عظم المؤمن ميتاً مثل كسره حيّاً)). وهذا لفظ أحمد، ولفظ أبي داود وابن ماجه: ((كسر عظم الميت ككسره حيّاً))([811]). وهل يجوز للإنسان أن يتبرع بشيء من أعضائه في حياته أو يوصي بذلك مع موته؟ اختلف العلماء في ذلك([812]).
الأمر السادس: حكم تغسيل الميت: فرض كفاية إذا فعله من فيه كفاية سقط الإثم عن الباقين، وإن تركوه كلهم أثموا كلهم؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما في الذي وقصته راحلته أن النبي ﷺ قال فيه: ((اغسلوه بماءٍ وسدر))([813])، والأمر يقتضي الوجوب، ومن المعلوم أنه لا يريد من كل واحد من المسلمين أن يغسل هذا الميت إنما يوجه الخطاب للعموم، فإذا قام به بعضهم كفى([814])؛ ولحديث أمِّ عطية رضي الله عنها وفيه أمر النبي ﷺ للنساء اللاتي يغسلن ابنته ((اغسلنها ثلاثاً أو خمساً، أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك))([815]).
الأمر السابع: لا يغسل الذكر إلا الرجال أو الزوجة والأمة، ولا يغسل الأنثى إلا النساء أو الزوج؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((رجع رسول الله ﷺ من البقيع فوجدني وأنا أجد صُداعاً في رأسي، وأنا أقول: وارأساه! فقال: ((بل أنا يا عائشة وارأساه!)) ثم قال: ((ما ضرَّك لو مُتِّ قبلي فقمتُ عليك فغسَّلتك، وكفَّنتك، وصليتُ عليك، ودفنتك))([816]).
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسَّل النبي ﷺ غيرُ نسائه))([817]).
قال الإمام الشوكاني رحمه الله:((فيه دليل على أن المرأة يغسلها زوجها إذا ماتت وهي تغسله قياساً،وبغسل أسماء لأبي بكر لما تقدم،وعلي لفاطمة كما أخرجه الشافعي،والدارقطني،وأبو نعيم والبيهقي بإسناد حسن([818])،ولم يقع من سائر الصحابة إنكار على عليّ وأسماء فكان إجماعاً))([819]).
وقال الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز–رحمه الله-: ((تغسيل المرأة زوجها أمر لا بأس به إذا كانت خبيرة بذلك، وقد غسل علي t زوجته فاطمة، وغسلت أسماء بنت عميس زوجها أبا بكر الصديق t))([820]).
وقال:((أما غير الزوجة كالأم والبنت فلا يجوز للرجل تغسيلهما ولا غيرهما من محارمه النساء،ويلحق بالزوجة المملوكة التي يباح له وطؤها فلا بأس بغسلها إذا ماتت؛لأنها كالزوجة،وهكذا البنت الصغيرة التي دون السبع،لا حرج على الرجل في تغسيلها سواء كان محرماً أو أجنبيّاً عنها؛ لأنها لا عورة لها، وهكذا المرأة لها تغسيل الصبي الذي دون السبع))([821]).
وإن مات رجل بين نساء له سبع سنين فأكثر، فإنهن لا يغسلنه إلا أن يكون معهن زوجة أو مملوكة، وكذلك لو ماتت امرأة بين رجال لها سبع سنين فأكثر؛ فإنهم لا يغسلونها إلا أن يكون أحد الرجال سيداً أو زوجاً، وكذلك لو تعذر تغسيل الميت؛ لكونه محترقاً، أو عند عدم الماء، ففي هذه الصور المتقدمة ييمم الميت؛ لأن التربة الطاهرة تقوم مقام الماء في تغسيل الميت في هذه الأحوال([822]).
الأمر الثامن: شهيد المعركة الذي مات في موضعه لا يغسل؛ لحديث جابر بن عبد الله t قال: كان النبي ﷺ يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول:((أيهما أكثر أخذاً للقرآن؟)) فإذا أشير له إلى أحدهما قدَّمه في اللحد، وقال:((أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة))، وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلوا ولم يُصلِّ عليهم)).وفي رواية أنه ﷺ قال: ((ادفنوهم في دمائهم)) يعني يوم أحد ولم يغسلهم([823]).ولفظ أحمد:((لا تغسلوهم؛ فإن كل جرح أو كل دم يفوح مسكاً يوم القيامة،ولم يصلَّ عليهم))([824]).
وجريح المعركة إذا مات بعدها متأثراً بجراحه يُغَسَّل ويُكفَّن ويُصلَّى عليه، وله أجر الشهيد إذا خلصت نيته، وكذلك المقتول ظلماً يغسل ويصلى عليه، وله أجر الشهيد، وفضل الله يؤتيه من يشاء([825]).
الأمر التاسع: المحرم لا يُطيَّب ولا يُحنَّط ولا يُغطَّى رأسه ولا وجهه؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته([826])، - أو قال: فأوقصته – فقال رسول الله ﷺ: ((اغسلوه بماءٍ وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنِّطوه، ولا تخمِّروا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبِّياً))، وفي لفظ لمسلم: ((... ولا تخمِّروا رأسه ولا وجهه))([827]).
الأمر العاشر: لا يَغْسِلُ الميت إلا: المسلم، العاقل، المميز، الأمين([828]) الثقة، العارف بأحكام الغسل، والأولى به وصيه العدل([829])؛ لما رُوي أن أبا بكر الصديق t أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس رضي الله عنها فقامت بذلك([830])، وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين ففعل([831])، ويتولى غسله إن لم يكن له وصي من كان أعرف بسنة الغسل، لاسيما إذا كان من أهله وأقاربه؛ لأن الذين تولوا غسل النبي ﷺ كانوا كذلك، فقد قال سعيد بن المسيب، قال علي بن أبي طالب t:((غسلت رسول الله ﷺ، فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أرَ شيئاً وكان طيِّباً حيّاً وميتاًً ﷺ، وولي دفنه وإجنانه دون الناس أربعة: علي، والعباس، والفضل، وصالح مولى رسول الله ﷺ، ولحد رسول الله ﷺ لحداً، ونصب عليه اللبن نصباًً)). ولفظ ابن ماجه: عن علي t قال: لما غَسَّل النبي ﷺ ذهب يلتمس منه ما يلتمس من الميت فلم يجده، فقال: ((بأبي الطيِّبُ! طبتَ حيّاً وميتاًً))([832]).
وفي مرسل الشعبي أنه غسل النبي ﷺ مع علي t: الفضل – يعني ابن عباس – وأسامة بن زيد([833]).
الأمر الحادي عشر: صفة غسل الميت: المشتمل على الواجبات والسنن على النحو الآتي:
1 – يُجعل على سرير في مكان مستور عن جميع الأنظار([834])، ويكون المكان مسقوفاً بسقفٍ إن أمكن؛ ليكون أكمل في الستر فيكون في بيت أو خيمة، أو غرفة، أو نحو ذلك([835]).
2 – لا يحضره إلا من يباشر تغسيله أو من يحتاج إليه المغسل؛ ليساعده؛ لأن الميت ربما كان به عيب يستره في حياته ولا يحب أن يطلع عليه الناس، وربما بدت عورة الميت من غير قصد الغاسل فيشاهدها من يحضر، فلا يحضره أحد أثناء التغسيل([836]) إلا من يضطر المغسل إليه؛ ليساعده على التغسيل، وإذا ظهر عيب وجب أن يستره المغسل ومن يساعده، وإذا ظهرت علامات الخير استحب الإخبار بها؛ ليدعى له ويقتدى بصفاته الحسنة([837])([838]).
3 – يليِّن مفاصله، وهو أن يرد ذراعيه إلى عضديه، وعضديه إلى جنبيه، ثم يردهما، ويرد ساقيه إلى فخذيه، وفخذيه إلى بطنه، ثم يردهما؛ ليكون ذلك أبقى للينه، فيكون ذلك أمكن للغاسل: من تغسيله، وتمديده، وخلع ثيابه، وتكفينه، وقد ذكر الإمام ابن قدامة رحمه الله: أن ذلك يستحب في موضعين: عقب موته قبل قسوتها وبرودته، وإذا شرع في غسله؛ وإن شق ذلك لقسوة الميت أو غيرها تركه؛ لأنه لا يؤمن أن تنكسر أعضاؤه، ويصير به ذلك إلى المثلة([839]).
4 – يوضع على عورة الميت سِتر من سرته إلى ركبته تدخل من تحت ثيابه وتلف على عورته؛لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يرفعه:((وإذا أنكح أحدكم عبده أو أجيره فلا ينظر إلى شيء من عورته؛ فإنما أسفل من سرته إلى ركبته من عورته))([840])، ولا ينظر إلى فخذ حي ولا ميت([841]).
5 – يُجَرَّد من ثيابه بعد ستر عورته كما تقدم؛ لأن أصحاب النبي ﷺ قالوا حينما مات عليه الصلاة والسلام: ((والله ما ندري أنجرِّدُ رسول الله ﷺ كما نُجرِّدُ موتانا أم نغسله وعليه ثيابه...)) ([842]) فدل ذلك أنهم كانوا يجرِّدون الموتى وينزعون عنهم الثياب قبل التغسيل.
6 – تُقلّم أظفاره، ويقص شاربه؛ لأن هذا من تنظيف الميت إذا كانت طويلة؛ لأن هذا من نظافة الميت، وتجميله، وتحسينه، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ويستحب تقليم أظفار الميت وقصّ شاربه؛ لأن ذلك سنة في حياته))([843]).
وقال الإمام ابن باز رحمه الله: ((يستحب قص شاربه وقلم أظفاره، وأما حلق العانة ونتف الإبط فلا أعلم ما يدل على شرعيته، والأولى ترك ذلك؛ لأنه شيء خفي وليس بارزاً: كالظفر، والشارب))([844])([845]).
7 – يبدأ فيحني الميت حنياً رفيقاً لا يبلغ به الجلوس، فيرفع رأسه إلى قرب جلوسه ويمرُّ بيده على بطنه فيعصره عصراً رفيقاً، لأجل أن يُخرج منه ما كان مستعدّاً للخروج من النجاسات؛ لئلا يخرج بعد الغسل أو بعد التكفين فيلوث الكفن ويفسد الغسل – ويكثر صب الماء حين العصر صبّاً كثيراً؛ ليذهب بما يخرج من النجاسات فلا تظهر رائحته، والأولى أن يكون في المكان الذي يغسل فيه الميت بخور مما يتدخن به الناس من عود ونحوه؛ لئلا يتأذى برائحة الخارج – إلا الحامل فلا يعصر بطنها؛ لئلا يؤذي الجنين([846]).
8 – يلف الغاسل على يده اليسرى خرقةً أو قفازاً أو كيساً فينجِّيه بها فيغسل فرجه فيصب الماء من تحت الإزار أو المنشفة التي قد وضعت على جميع عورة الميت، ويبالغ في تنظيف الفرجين حتى ينقي ما بهما من نجاسة، ولا يمس عورته بغير حائل؛ لأن النظر إلى العورة يحرم، فلمسها أولى بالتحريم([847])، ثم يلقي هذه الخرقة أو القفاز.
9 - يلف الغاسل على يده خرقة أخرى أو ليفة أو نحوهما: كالقفاز؛ لأن الصحابة y غسلوا رسول الله ﷺ وعليه قميصه يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم...))([848]).
10 - يوضئه وضوءه للصلاة، ثم يبدأ بالميامن وأعضاء الوضوء والقفاز على يده؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: ((ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها))([849]). فينوي القيام بالوضوء والغسل، ويقول: بسم الله، ثم يغسل يديه ثلاثاً، ثم يأخذ خرقة خشنة فيبلها بالماء ويجعلها على أصبعيه ثم يدخل أصبعيه بين شفتيه فيمسح أسنانه وينظفها، ويدخل أصبعيه في منخريه وينظف المنخرين ولا يدخل الماء في فمه ولا في منخريه، وإنما يكتفي ببل الخرقة وينظف بها أسنانه ومنخريه ثلاثاً؛ ليقوم ذلك مقام المضمضة والاستنشاق؛ لقول النبي ﷺ: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم))([850]). ويغسل وجهه ثلاثاً، ويغسل يديه: اليمنى إلى المرفق ثلاثاً، ثم اليسرى ثلاثاً، ويمسح رأسه إدباراً وإقبالاً، ثم يُحلّق بأصبعيه على أذنيه فيمسحهما، ويغسل رجله اليمنى إلى الكعب ثلاثاً، واليسرى ثلاثاً.
11 - يُؤتى بالسدر فيغسل رأسه برغوة السدر، يبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر، بعد أن يُخَضّ ويُرجّ حتى يكون له رغوة فيغسل رأسه ولحيته؛يفعل ذلك ثلاث مرات؛لأن النبي ﷺ كان يبدأ بعد الوضوء بغسل رأسه في الجنابة([851]).
12 - يبدأ بغسل جسد الميت فيبدأ بشقه الأيمن؛ لقوله ﷺ: ((ابدأن بميامنها))([852]) فيغسل يده اليمنى وصفحة عنقه، وشق صدره الأيمن، وجنبه، وفخذه، وساقه، وقدمه فيكون الغسل من كتفه الأيمن حتى نهاية قدمه اليمنى، يدلكه باليد داخل القفاز مع صب الماء وإدخال اليد من تحت الساتر الذي يستر عورة الميت، ويكون الغسل بالماء والسدر مع ثفل السدر([853])([854])، ثم يقلبه على جنبه الأيسر ويغسل شق ظهره الأيمن وما يليه، وكل ما لم يغسله من هذا الجنب، ثم يقلبه فيعيده على ظهره ويغسل يده اليسرى وصفحة عنقه، وشق صدره الأيسر، وجنبه، وفخذه، وساقه، وقدمه، فيكون الغسل من كتفه اليسرى حتى نهاية قدمه اليسرى يدلكه باليد داخل القفازين مع صب الماء وإدخال اليد من تحت الساتر، ويكون الغسل بالماء والسدر كما تقدم، ثم يقلبه على جنبه الأيمن ويغسل شقه الأيسر مع شق ظهره وما يليه، وكل ما لم يغسله من هذا الجنب، ثم يعم سائر جسده بالماء، ويكرر هذا الغسل ثلاث مرات، أو خمس مرات أو سبعاً، أو أكثر من ذلك على حسب ما يرى الغاسل؛فإن خرج شيء من بطنه أعاد إنجاءه وأعاد الوضوء والغسل، ولا يعد الوضوء إلا إذا خرج شيء، فإن استمر الخارج سد مكانه بالقطن، وأحكمه، ثم أعاد الوضوء والغسل، ويجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً، ليشده ويطيبه ويبرده؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: ((اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر))، قالت: قلت: وتراً؟ قال: ((نعم، واجعلن في الأخيرة كافوراً أو شيئاً من كافور...))([855]).
ويُنقض شعر الميت إن كان له شعر، ويُمشط، ويُضفر شعر المرأة ثلاثة قرون: قرنيها، وناصيتها، ويُلقى خلفها؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها([856]). وسمعت شيخنا الإمام عبدالعزيز ابن باز رحمه الله يقول: ((ويضفر الرأس ثلاثة قرون حتى ولو كان رجلاً ويجعل وراءه))([857]).
وإذا فرغ الغاسل من غسل الميت نشفه بمنشفة ثم توضع هذه المنشفة المبللة خفيفاً على الأخرى الساترة للعورة فتسحب المنشفة المبللة كثيراً من تحتها فيكون الميت جاهزاً للتكفين([858]).
والسقط لأربعة أشهر أو أكثر يُغسل ويُصلى عليه؛ لحديث المغيرة بن شعبة يرفعه: ((... والسّقط يُصلَّى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة))([859])، ويُكفّن ويُقبر في مقابر المسلمين، ويُسمَّى، ويُعَقُّ عنه؛ لأن الروح قد نفخت فيه، فهو إنسان))([860]).
الأمر الثاني عشر: السنة الاغتسال من غسل الميت؛ لحديث أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال: ((من غسل الميت فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ)).ولفظ ابن ماجه:((من غسل ميتاً فليغتسل))([861])، وهذا الأمر للوجوب ولكن يصرف الوجوب إلى الاستحباب أحاديث أخرى، فقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما:((ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه، فإن ميتكم ليس بنجس، فحسبكم أن تغسلوا أيديكم))([862])، وقول ابن عمر رضي الله عنهما:((كنا نغسل الميت، فمنا من يغتسل ومنا من لم يغتسل))([863]).
فيعمل بالأحاديث كلها، فيكون الغسل من غسل الميت سنة وليس بواجب([864]).
قال سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله: ((وقال:بعضهم إن الحكمة في ذلك – والله أعلم – جبر ما يحصل للغاسل من الضعف بسبب مشاهدة الميت، وذكر الموت، وما بعده، وهو معنى مناسب))([865])، والله أعلم([866]).
يراعى في تكفين الميت الأمور الآتية:
الأمر الأول: حكم تكفين الميت المسلم، فرض كفاية، إذا فعله من فيه كفاية سقط الحرج والإثم عن الباقين، وإن تركوه كلهم أثموا كلهم؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة الرجل الذي وقصته راحلته؛ أن النبي ﷺ قال فيه: ((اغسلوه بماء وسدر، وكفّنوه في ثوبيه))([867])، وهذا أمر والأصل في الأمر الوجوب.
الأمر الثاني: معرفة الفضل والأجر العظيم لمن تولَّى تكفين الميت المسلم؛ لحديث أبي رافع، وفيه: أن النبي ﷺ قال: ((... ومن كفَّن ميتاً كساه الله من سندس وإستبرق الجنة...))([868]).
الأمر الثالث: الكفن أو ثمنه من مال الميت؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه أن النبي ﷺ قال في المحرم: ((اغسلوه بماء وسدر، وكفّنوه في ثوبيه))([869])؛ ولحديث خباب t في قصة مصعب بن عمير t وأنه كفن في نمرة له، وفي لفظ: بردة([870])، ولكن لو تبرع أحد بكفنه فلا بأس ولا حرج([871]).
الأمر الرابع: يُكفَّن المحرم في ثوبيه الذي مات فيهما ولا يُغطَّى رأسه، ولا وجهه، ولا يُطيَّب؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما في الذي وقصته راحلته: ((اغسلوه بماء وسدر وكفِّنوه في ثوبيه، ولا تحنِّطوه، ولا تخمِّروا رأسه فإنه يُبعث يوم القيامة ملبياً)). وفي لفظ لمسلم: ((ولا تخمِّروا رأسه ولا وجهه...))([872]).
الأمر الخامس: يكفن الشهيد في ثيابه التي قتل فيها، ويستحب تكفينه بثوب واحد أو أكثر فوق ثيابه، أما تكفينه في ثيابه التي مات فيها؛ فلحديث عبد الله بن ثعلبة t أن رسول الله ﷺ قال يوم أحد: ((زمِّلوهم في ثيابهم)) قال: وجعل يدفن في القبر الرهط، قال: وقال: ((قدِّموا أكثرهم قرآناً)). ولفظ النسائي: ((زمِّلوهم بدمائهم، فإنه ليس كَلْمٌ يُكْلَمُ إلا يأتي يوم القيامة يَدْمَى: لونه لون الدم، وريحه ريح المسك))([873])؛ ولحديث جابر t: ((وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلوا ولم يصلَّ عليهم))([874]).
وأما استحباب تكفينه بثوب واحد أو أكثر فوق ثيابه التي قتل فيها؛ فلحديث شداد بن الهاد t([875])، ولحديث الزبير بن العوام t([876]).
الأمر السادس: يكون الكفن سابغاً طائلاً يستر جميع بدن الميت؛ لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي ﷺ خطب يوماً فذكر رجلاً من أصحابه قُبِضَ فكُفِّن في كفن غير طائل وقُبِرَ ليلاً فزجر النبيُّ ﷺ أن يُقبر الرجل بالليل حتى يُصلَّى عليه إلا أن يضطر الإنسان إلى ذلك، وقال النبي ﷺ: ((إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه))([877]).
الأمر السابع: إذا ضاق الكفن ستر به رأس الميت وما طال من جسده، ويجعل على الباقي المكشوف شيئاً من الإذخر أو الحشيش أو غيره؛ لحديث خباب t في قصة مصعب بن عمير، وأن النبي ﷺ قال في نمرة أو بردة مصعب: ((غطّوا بها رأسه، واجعلو على رجليه من الإذخر)) أو قال: ((ألقوا على رجليه من الإذخر)). وفي لفظ: ((فأمرنا النبي ﷺ أن نغطي رأسه وأن نجعل على رجليه من الإذخر))([878])([879]).
الأمر الثامن: إذا قلَّت الأكفان وكثر الموتى جاز تكفين الجماعة منهم في الكفن الواحد، ويقدم أكثرهم قرآناً إلى القبلة؛ لحديث أنس بن مالك t قال:((أتى رسول الله ﷺ على حمزة يوم أحد، فوقف عليه، فرآه قد مُثِّل به، فقال: ((لولا أن تجدَ صفية في نفسها لتركته حتى تأكله العافية، حتى يحشر يوم القيامة في بطونها)). قال: ثم دعا بنمرة فكفنه فيها، فكانت إذا مُدَّت على رأسه بدت رجلاه، وإذا مُدَّت على رجليه بدا رأسه، قال: فكثر القتلى وقلَّت الثياب، قال: فكُفِّن الرجل والرجلان والثلاثة في الثوب الواحد، ثم يدفنون في قبر واحد، فجعل رسول الله ﷺ يسأل عنهم؛ أيهم أكثر قرآناً فيقدِّمه إلى القبلة، قال: فدفنهم رسول الله ﷺ ولم يصلِّ عليهم))([880]).وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أن معنى الحديث أنه كان يقسم الثوب الواحد بين الجماعة فيكفن كل واحد في بعضه للضرورة، وإن لم يستر إلا بعض بدنه، يدل عليه تمام الحديث أنه كان يسأل عن أكثرهم قرآناً فيقدِّمه في اللحد، فلو أنهم في ثوب واحد جملة لسأل عن أفضلهم قبل ذلك كيلا يؤدي إلى نقض التكفين وإعادته))([881]).
الأمر التاسع: إحسان الكفن؛ لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: ((إذا كفّن أحدكم أخاه فليحسن كفنه))([882])؛ ولحديث أبي قتادة t قال: قال رسول الله ﷺ: ((إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه))([883]).
الأمر العاشر: يستحب في الكفن ما يأتي:
1 - يستحب البياض؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: ((البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفِّنوا فيها موتاكم، وإن خير أكحالكم الإثمد، يجلو البصر وينبت الشعر))([884]).
2 - يكون ثلاثة أثواب؛ لحديث عائشة رضي الله عنها ((أن رسول الله ﷺ كُفِّن في ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة))([885]).
3 - تجمير الكفن ثلاثاً لغير المحرم، وهو التبخير بالعود أو غيره؛ لحديث جابر t قال: قال رسول الله ﷺ: ((إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثاً))([886]). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وأوصى أبو سعيد، وابن عمر، وابن عباس أن تجمر أكفانهم بالعود، وقال أبو هريرة: يجمر الميت))([887]).
الأمر الحادي عشر: لا يغالى في الكفن ولا يزاد فيه على ثلاثة أثواب؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر نظر إلى ثوب عليه كان يمرض فيه به ردع من زعفران،فقال:اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفِّنوني فيها، قلت:إن هذا خلق؟ قال:إن الحيَّ أحقُّ بالجديد من الميت،إنما هو للمهلة))([888]).
وسمعت شيخنا الإمام ابن باز يقول: ((يكفي الوسط المناسب ولا يتحرَّى أحسن شيء، ولا يتكلَّف؛ لأن مصيره إلى الدود والفناء والزوال في القبر، فيكفي الخام الأبيض))([889]).
الأمر الثاني عشر: كفن الرجل والمرأة، الواجب فيه الثوب الساتر لجميع بدن الميت، والمستحب ثلاثة أثواب، وإذا كُفِّنت المرأة في خمسة أثواب فحسن: إزار، وخمار، وقميص، ولفافتين، فتؤز بالمئزر، ثم تلبس القميص، ثم تخمّر، ثم تلفّ باللفافتين، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((قال ابن المنذر: أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن تكفن المرأة في خمسة أثواب، وإنما استحب ذلك؛ لأن المرأة تزيد في حال حياتها على الرجل في الستر؛ لزيادة عورتها على عورته، فكذلك بعد الموت، ولما كانت تلبس المخيط في إحرامها وهو أكمل أحوال الحياة استحب إلباسها إياه بعد موتها، والرجل بخلاف ذلك، فافترقا في اللبس بعد الموت لافتراقهما فيه في الحياة، واستويا في الغسل بعد الموت لاستوائهما فيه في الحياة))([890])([891]).
الأمر الثالث عشر: صفة تكفين الميت: أولى الناس بتكفين الميت هو أولى الناس بغسله كما تقدم، وصفة التكفين الكامل المشتمل على الواجبات والسنن على النحو الآتي:
1 - تُقصُّ الأربطة من نفس عرض الكفن وتكون وترية: سبعة، أو خمسة، أو غير ذلك، ثم توضع على النعش بالتساوي.
2 - تجمّر الأكفان([892]) ثلاث مرات بعد رشها بماء ورد أو غيره ليعلق فيها البخور والرائحة.
3 - يكفن الرجل في ثلاث لفائف بيض.
4 - تبسط اللفافة الأولى على النعش أو على سرير تكفين الميت، ثم يذرُّ عليها حنوطاً، وهو أخلاط من الطيب ويجعل عليها كافوراً.
5 - ثم يبسط فوق اللفافة الأولى اللفافة الثانية ويجعل فوقها حنوطاً وكافوراً.
6 - ثم يبسط فوق اللفافة الثانية اللفافة الثالثة ويجعل فوقها حنوطاً وكافوراً ولا يجعل فوق العليا من الظاهر وعلى النعش حنوطاً؛ لأن أبا بكر t قال: ((لا تجعلوا على أكفاني حنوطاً))([893]).
7 - يوضع على اللفائف خرقة مثل التبان([894]) مشقوقة الطرف من الأعلى ومن الأسفل ويجعل عليها حنوطاً في قطن، وهذه الخرقة تمسك الحنوط المخلوط من المسك والكافور ليكون بين إليتي الميت.
8 - يُنقل الميت على الأكفان بساتر العورة الذي يستر عورته، ويجعل الزائد من أطراف الكفن عند رأسه أطول مما عند رجليه، ويجعل الميت مستلقياً على ظهره.
9 - يُؤتى بدهن العود أو المسك أو غير ذلك من الأطياب الطيبة، وقد قال النبي ﷺ: ((والمسك أطيب الطيب))([895])، ويجعل من الطيب على مواضع السجود: على ركبتيه، ويديه، وجبهته وأنفه، وأطراف قدميه تشريفاً وإكراماً لهذه الأعضاء؛ لسجودها لله تعالى، ويوضع من هذا الطيب على حلقه، وعلى عينيه، وأنفه، وتحت إبطيه، وعلى سرته، وعلى أذنيه؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يتتبع مغابن الميت ومرافقه بالمسك))([896]). وإن طيب جسد الميت كله فلا بأس؛ لأن أنس بن مالك t طُلي بالمسك([897])، وطلي ابن عمر ميتاً بالمسك([898]).
10 - تُوضع يداه محاذيتين لجنبيه، ويربط التبان بأخذ شقه الأعلى والأسفل من اليمين، ثم يربط جيداً، ثم يؤخذ شقه الأعلى والأسفل من اليسار ثم يربط جيداً مثل ربط الحفائظ؛ لكي تمسك هذه الحفاظة الحنوط بين إليتي الميت، وتشد وتجمع مثانته وإليتيه؛ ليمنع ما ينزل من بطن الميت على الأكفان لو حصل ذلك حتى تستمر طهارتها إلى أن يوضع في قبره. ولا يطيب الميت بالورس ولا الزعفران؛ لأنهما إنما يستعملان للغذاء والزينة، وهو غير لائق بالميت؛ ولأنه ربما ظهر لونه على الكفن، ولا فرق في ذلك بين المرأة والرجل.
11 - يبدأ بإحكام الكفن فيرد طرف اللفافة الأولى التي من جانب الميت الأيسر على طرفها الذي على شق الميت الأيمن، ثم يُردّ طرفها الأيمن على شقه الأيسر، من رأسه إلى رجليه، قال ابن قدامة رحمه الله: ((وإنما استحب ذلك؛ لئلا يسقط عنه الطرف الأيمن إذا وضع على يمينه في القبر))([899]). ثم يسحب ساتر العورة، ثم يأخذ شق اللفافة الثانية الأيسر فيرده على شقه الأيمن، ثم يرد الأيمن على شقه الأيسر، ثم يأخذ شق اللفافة الثالثة الأيسر فيرده على الأيمن، ثم شقها الأيمن على شقه الأيسر، ويجعل أكثر الزائد عند رأسه كما تقدم؛ لأن رأسه أحق بالستر من رجليه؛ ولشرفه، ويدل على ذلك تكفين مصعب بن عمير كما تقدم.
12 - يبدأ بالأربطة، فيبدأ بالرباط على الرأس وما زاد من اللفائف يرد على وجه الميت، ويربط بالزائد من الرباط نفسه، ثم يربط ما تحت الرجلين، وما زاد من اللفائف يرد على رجليه ويربط بالزائد من الرباط نفسه، فإن كانت الأربطة سبعة، فالرباط الثالث على صدره، والرابع على بطنه، والخامس على إليتيه، والسادس على فخذيه، والسابع على ساقيه، وإن كانت خمسة أربطة أو ثلاثة فلا بأس، لكن توزع على أعلاه، ووسطه، وأسفله، قال الإمام ابن باز رحمه الله:((ليس في ذلك حد، لكن الثلاثة تكفي في أعلاه، وأسفله، ووسطه، وإن اكتفي باثنين فلا بأس، لكن المهم ضبط الكفن حتى لا ينتشر))([900]).
ويكون ربط الأربطة من ناحية جنبه الأيسر ربطاً يسهل حله إذا وضع في القبر على جنبه الأيمن.
13 - تكفن المرأة في خمسة أثواب بيض من قطن إن تيسر البياض: إزار، وخمار، وقميص، ولفافتين؛ لما تقدم، وإن كفنت كالرجل فلا بأس، لكن الأفضل أن تكفن في خمسة أثواب. والواجب ثوب يستر جميع جسد الميت، سواء كان كبيراً، أو صغيراً، ذكراً كان أو أنثى، وأما ما تقدم فهو الأفضل والأكمل([901]).
يراعى في الصلاة على الميت الأمور الآتية:
الأمر الأول:حكم الصلاة على الميت:فرض كفاية؛ لمفهوم قول الله تعالى:]وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِالله وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ [([902])، فلما نهى عن الصلاة على المنافقين دلَّ على أن الصلاة على المؤمنين شريعة قائمة وهو كذلك([903])؛ ولأن النبي ﷺ كان يصلي على أموات المسلمين باستمرار، وكان يقول أحياناً: ((صلوا على صاحبكم))([904]).
الأمر الثاني: فضل الصلاة على الميت، لقد تفضل الله ﷻ على عباده المؤمنين بأن وعدهم بالأجر العظيم على الصلاة على أموات المسلمين، فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: ((من اتّبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً وكان معه حتى يُصلَّى عليها، ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط))([905]).
وعن سعد بن أبي وقاص t أنه كان قاعداً عند عبدالله بن عمر إذا طلع خباب صاحب المقصورة، فقال:يا عبدالله بن عمر، ألا تسمع ما يقول أبو هريرة؟ إنه سمع رسول الله ﷺ يقول:((من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها، ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أجر كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد)) فأرسل ابن عمر خباباً إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره ما قالت؟ وأخذ ابن عمر قبضة من حصباء المسجد يقلبها في يده حتى رجع إليه الرسول فقال:قالت عائشة:صدق أبو هريرة، فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض، ثم قال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة)).وفي لفظ:((قيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول:سمعت رسول الله ﷺ يقول:((من تبع جنازة فله قيراط من الأجر)). فقال ابن عمر:أكثر أبو هريرة علينا، فبعث إلى عائشة فسألها فصدقت أبا هريرة، فقال ابن عمر، لقد فرطنا في قراريط كثيرة))([906]).
وسئل شيخنا ابن باز رحمه الله عمن صلى على خمس جنائز فهل له بكل جنازة قيراط؟ فأجاب: نرجو له قراريط بعدد الجنائز، لقوله ﷺ: ((من صلى على جنازة فله قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان))([907]). وما جاء في معنى ذلك من الأحاديث وكلها دالة على أن القراريط تتعدد بعدد الجنائز.. وهذا من فضل الله سبحانه وجوده وكرمه على عباده فله الحمد والشكر لا إله غيره ولا رب سواه والله ولي التوفيق([908]).
وسئل شيخنا ابن باز رحمه الله عن حكم السفر لأجل الصلاة على الميت؛ فقال: ((لا حرج في ذلك))([909]).
الأمر الثالث: فضل الله ﷻ على عبده المسلم الميت بشرعية الصلاة عليه، وقبول شفاعة إخوانه فيه؛ لحديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي ﷺ أنه قال: ((ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه))([910])؛ ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه))([911]).
وقد جمع أهل العلم بين حديث المائة، والأربعين، فسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله يقول: ((قال أهل العلم في الجمع بين حديث المائة وحديث الأربعين:إن حديث المائة أولاً، ثم تفضل الله ﷻ وجعل الأربعين يقومون مقام المائة في قبول الشفاعة، وبكل حال فالحديثان يدلان على استحباب كثرة الجمع على الجنائز))([912]).
الأمر الرابع: شهيد المعركة لا يُصلَّى عليه؛ لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وفيه: ((... وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يُغسَّلوا ولم يصلَّ عليهم))([913]). أما الذي يُجرح في المعركة ثم يموت بعد ذلك فإنه يُصلّى عليه، وكذلك شهداء غير المعركة يُصلى عليهم، كالذي يموت بالهدم، والغرق، والسل، والمقتول ظلماً على الصحيح، وغيرهم من الشهداء الذين يموتون في غير معركة الجهاد، يغسلون ويصلى عليهم.
الأمر الخامس: السقط والطفل يصلى عليهما ويُدعى لوالديهما؛ لحديث المغيرة بن شعبة t يرفعه وفيه: ((والسقط يُصلَّى عليه ويُدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة)). وفي لفظ: ((والطفل يُصلَّى عليه))([914]).
الأمر السادس: الإمام الأعظم لا يصلِّي على الغال وقاتل نفسه، بل يصلي عليه سائر الناس؛ لحديث زيد بن خالد الجهني: أن رجلاً من المسلمين توفي بخيبر، وأنه ذُكِرَ لرسول الله ﷺ فقال: ((صلّوا على صاحبكم)) قال: فتغيرت وجوه القوم لذلك، فلما رأى الذي بهم قال: ((إن صاحبكم غلَّ في سبيل الله)) ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزاً من خرز اليهود ما يساوي درهمين))([915])؛ ولحديث جابر بن سمرة، قال: أُتي النبي ﷺ برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصلِّ عليه))([916]).
وسمعت الإمام ابن باز رحمه الله يقول عن حديث زيد بن خالد: ((دل الحديث على فوائد: أن ولي الأمر لا يصلي على الغال، وأنه يُصلِّي على العاصي)) وقال عن حديث جابر: ((قاتل نفسه أتى جريمة عظيمة فلا يصلي عليه الإمام أو كبار البلد والجماعة ويصلي عليه غيرهم))([917]).
الأمر السابع: يُصلى على من قُتل حدّاً؛ لحديث جابر t أن رجلاً من أسلم جاء إلى النبي ﷺ فاعترف بالزنا، فأعرض عنه حتى شهد على نفسه أربع مرات، فقال له النبي ﷺ: ((أبك جنون؟)) قال: لا.قال: ((أحصنت؟)) قال: نعم، فأمر به فرجم بالمصلى، فلما أذلفته الحجارة فرَّ، فأُدرِك فَرُجِم حتى مات، فقال له النبي ﷺ خيراً وصلّى عليه))([918]).
وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه صلى على الغامدية([919])، وصلى على الجهنية([920]).
وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول عن هذا الحديث:((يدل على أنه يُصلَّى على من أُقيم عليه الحد؛لأن الحد قد طهره،ورواية من قال لم يصلِّ على ما عز أثبت منها من أثبت الصلاة عليه،فالصواب أنه صلى على ماعز))([921]).
الأمر الثامن: الصلاة على الغائب بالنية، فيستقبل القبلة ويصلى عليه إن لم يصلَّ عليه أو كان له شأن في الإسلام، وقد ثبت أن النبي ﷺ صلى على النجاشي؛ لحديث جابر t أن النبي ﷺ صلى على النجاشي، فكنت في الصف الثاني أو الثالث، وفي لفظ قال النبي ﷺ: ((قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش فهلمَّ فصلُّوا عليه)). قال: فصففنا فصلى النبي ﷺ ونحن صفوف. وفي لفظ: ((أن النبي ﷺ صلى على أصحمة النجاشي فكبّر عليه أربعاً)). وفي لفظ: ((قوموا فصلوا على أخيكم أصحمة))([922]).
وعن أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ نعى النجاشيَّ في اليوم الذي مات فيه، خرج إلى المصلى فصف بهم، وكبر أربعاً. وفي لفظ: ((نعى لنا رسول الله ﷺ النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه فقال: ((استغفروا لأخيكم)). وفي لفظ: ((وكبر عليه أربع تكبيرات))([923]).
وعن عمران بن حصين t قال: قال رسول الله ﷺ: ((إن أخاكم قد مات فقوموا فصلوا عليه)) يعني النجاشي([924]). وفي لفظ للترمذي: قال لنا رسول الله ﷺ: ((إن أخاكم النجاشي قد مات، فقوموا فصلوا عليه)). قال: فقمنا فصففنا كما يصفُّ على الميت، وصلينا عليه كما يُصلَّى على الميت))([925])، والأقرب والله تعالى أعلم: أنه يُصلَّى على الميت الغائب([926]) في حالتين:
الحالة الأولى:أن يموت في أرض ليس بها من يصلي عليه.
الحالة الثانية:إذا كان فيه منفعة عظيمة للمسلمين:كالعالم الكبير الذي نفع الله بعلمه فانتفع به الناس،أو كالإمام الذي نفع الله به البلاد والعباد؛ فأقام العدل بين الناس وذَبَّ عن شريعة الإسلام،أو غير ذلك ممن نفع الله بهم الإسلام نفعاً ظاهراً،وهذا ما اختاره شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله فقد سمعته يقول:((دلَّ ذلك على أنه يُصلى على الغائب صلاة الغائب على الخواص:كالعالم،أما من قال:إن الصلاة على النجاشي؛لأنه لم يصلَّ عليه فهذا بعيد؛لأنه ملك عظيم [فكيف] لا يصلي عليه أحد من رعيته، هذا من أبعد الأشياء،أو مستحيل،والمعروف والعادة أن الملوك إذا أسلموا تبعهم بعض خواصهم))([927])،وسمعته رحمه الله يقول أيضاً: ((واختلف العلماء في الصلاة على الغائب:[فـ]منهم من قال:لا يُصلَّى على أحد إلا النجاشي،ومنهم من قال:يقاس على النجاشي من كان مثله، فيصلى على من له شأن في نصر الإسلام والمسلمين، وهذا عليه أئمة الدعوة))([928])([929]).
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وتتوقف الصلاة على الغائب بشهر كالصلاة على القبر))([930])، والله ﷻ أحكم الحاكمين والموفق للصواب([931]).
وصفة الصلاة على الغائب كصفة الصلاة على الجنازة الحاضرة.
الأمر التاسع: مشروعية الصلاة على القبر إلى شهر، وحكم الصلاة على الجنازة وتكرارها؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((انتهى رسول الله ﷺ إلى قبر رطب، فصلَّى عليه، وصفوا خلفه، وكبر أربعاً))([932])؛ ولحديث أبي هريرة t:أن امرأة سوداء كانت تقمّ المسجد – أو شاباً – ففقدها رسول الله ﷺ فسأل عنها – أو عنه – فقالوا: مات، قال: ((أفلا كنتم آذنتموني؟)) قال: فكأنهم صغَّروا أمرها – أو أمره – فقال: ((دلوني على قبره)) فدلوه فصلى عليها ثم قال: ((إن هذه القبور مملوءة ظلمةً على أهلها، وإن الله ﷻ ينوِّرها لهم بصلاتي عليهم))([933]).
وعن أنس t أن النبي ﷺ صلى على قبر([934]).
وعن سعيد بن المسيب t ((أن أمَّ سعدٍ ماتت والنبي ﷺ غائب، فلما قدم صلى عليها، وقد مضى لذلك شهر))([935]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ((أن النبي ﷺ صلى على قبر بعد شهر))([936]). وعنه ((أن النبي ﷺ صلى على ميت بعد ثلاث))([937]).
وعن زيد بن ثابت t:أنهم خرجوا مع رسول الله ﷺ ذات يوم فرأى قبراً جديداً، فقال:((ما هذا؟)) قالوا:هذه فلانة – مولاة بني فلان، فعرفها رسول الله ﷺ – ماتت ظهراً وأنت نائم قائل، فلم نُحبَّ أن نوقظك بها، فقام رسول الله ﷺ وصف الناس خلفه وكبر عليها أربعاً، ثم قال:((لا يموت فيكم ميت ما دمت بين أظهركم إلا آذنتموني به، فإن صلاتي له رحمة))([938]).
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وجملة ذلك أن من فاتته الصلاة على الجنازة، فله أن يصلي عليها ما لم تدفن، فإن دفنت فله أن يصلي على القبر إلى شهر، هذا قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ وغيرهم، روي ذلك عن أبي موسى، وابن عمر، وعائشة y....))([939]).
وسمعت الإمام شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى يقول عن الأحاديث السابقة: ((هذه الأحاديث فيها تحديد الصلاة على الميت بعد موته في حدود شهر، وفي ذلك تواضع النبي ﷺ، فلم ينقل عن النبي ﷺ الصلاة على الميت أكثر من شهر، والصلاة توقيفية، أما رواية صلاته على الشهداء بعد ثمان سنوات فيقال: بأنه دعا لهم ولم يصلِّ عليهم))([940])، وسمعته يقول: ((هذا يدل على رحمته ﷺ بالمسلمين، وفيه فضل كناسة المساجد، ومشروعية الصلاة على القبر، وأكثر ما ورد في الصلاة على القبر شهر؛ لأنه ﷺ صلى على أم سعدٍ بعد شهر، أما ما زاد فالأصل عدم ذلك، أما ما ذكر من صلاته على قتلى أحد، فيحتمل أنه دعا لهم كدعوات الجنازة، ويحتمل أن هذا خاص به يودع الأحياء والأموات))([941]). والله ﷻ أعلم([942]).
وأما إعادة الصلاة على الجنازة وتكرارها فالصواب من أقوال أهل العلم: ((إنه لا بأس ولا مانع من إعادة صلاة الجنازة لسببٍ، كمن يُصلِّيها مع الناس، ثم يعيدها مع من يصلِّيها؛ وهذا مثل من يصلِّي الفريضة في مسجد ثم يذهب لمسجدٍ آخر لحاجةٍ، فوجد الناس يصلُّون فيه؛ فإنه يعيدها معهم، وتكون له نافلة، فكذلك صلاة الجنازة، أما إعادة الفريضة بدون سببٍ فلا، وكذلك لا تعاد صلاة الجنازة بدون سببٍ على الصحيح))([943])([944]).
وصفة الصلاة على القبر كصفة الصلاة على الجنازة؛ لهذه الأحاديث.
الأمر العاشر: موقف الإمام من الرجل والمرأة في صلاة الجنازة، يقف عند رأس الرجل ووسط المرأة؛ لحديث أبي غالب قال: صليت مع أنس بن مالك على جنازة رجل فقام حيال رأسه، ثم جاؤوا بجنازة امرأة من قريش، فقالوا: يا أبا حمزة صلِّ عليها، فقام حيال وسط السرير، فقال له العلاء بن زياد: هكذا رأيت النبي ﷺ قام على الجنازة مقامك منها؟ ومن الرجل مقامك منه؟ قال: نعم، فلما فرغ قال: احفظوا))([945]).
وعن سمرة بن جندب t قال: ((صليت وراء النبي ﷺ على امرأة ماتت في نفاسها فقام رسول الله ﷺ للصلاة عليها وَسْطَهَا))([946]).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((وكان من هديه ﷺ أنه كان يقوم عند رأس الرجل ووسط المرأة))([947]).
الأمر الحادي عشر: الصلاة على أنواع من الجنائز، إذا اجتمعت جنائز عديدة من الرجال والنساء صُلِّي عليها صلاة واحدة، وجعلت الذكور ولو كانوا صغاراً مما يلي الإمام، وجنائز الإناث مما يلي القبلة؛ لحديث نافع أن ابن عمر صلى على تسع جنائز جميعاً فجعل الرجال يلون الإمام، والنساء يلين القبلة، فصفهن صفّاً واحداً، ووضعت جنازة أم كلثوم بنت علي، امرأة عمر بن الخطاب وابن لها يقال له زيد، وضعا جميعاً، والإمام يومئذ سعيد بن العاص، وفي الناس ابن عمر، وأبو هريرة، وأبو سعيد، وأبو قتادة، فوضِعَ الغلام مما يلي الإمام، فقال رجل فأنكرت ذلك، فنظرت إلى ابن عباس وأبي هريرة، وأبي سعيد، وأبي قتادة فقلت: ما هذا؟ قالوا: هي السنة))([948]).
وعن عمار مولى الحارث بن نوفل ((أنه شهد جنازة أم كلثوم وابنها فجعل الغلام مما يلي الإمام، فأنكر ذلك، وفي القوم ابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأبو قتادة، وأبو هريرة، فقالوا: هذه السنة))([949]).
وعن مالك بن أنس بلغه: أن عثمان بن عفان، وأبا هريرة، وابن عمر، كانوا يصلون على الجنائز بالمدينة: الرجال، والنساء، فيجعلون الرجال مما يلي الإمام، والنساء مما يلي القبلة([950]).
وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول عن هذه الأحاديث:((أفادت هذه الأحاديث أن السنة أن يقف الإمام حذاء وسط المرأة ويصلي عند رأس الرجل، وإذا كانوا جماعة يجمعون:يجعل الرجل مما يلي الإمام، والصبي وراءه، والمرأة وراءهما، والطفلة الصغيرة وراء المرأة مما يلي القبلة، وكون سعيد سوَّى بين رأس الرجل والمرأة ليس بجيد وإنما الصواب أن يجعل رأس الرجل حذاء وسط المرأة حتى يقف الإمام منهما موقف السنة))([951])([952]).
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ولا خلاف بين أهل العلم في جواز الصلاة على الجنائز دفعة واحدة، وإن أفرد كل جنازة بصلاة جاز))([953]).
فإن كان الأموات نوعاً واحداً أي إذا تعدد الرجال مثلاً قدم إلى الإمام أفضلهم؛ لأن النبي ﷺ كان يسأل الصحابة عن أكثر الشهداء أخذاً للقرآن فيقدمه في اللحد([954])، وهذا يؤخذ منه أن الأفضل أو العالم هو الذي يقدم مما يلي الإمام، ثم الأفضل فالأفضل([955]).
الأمر الثاني عشر: جواز الصلاة على الجنائز في المسجد؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: أنها أمرت أن يُمرَّ بجنازة سعد بن أبي وقاص في المسجد فتصلي عليه، فأنكر الناس ذلك عليها، فقالت: ما أسرع ما نسي الناس، ما صلى رسول الله ﷺ على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد)). وفي لفظ: ((ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به، عابوا علينا أن يُمرَّ بجنازة في المسجد، وما صلى رسول الله ﷺ على سهيل بن بيضاء إلا في جوف المسجد)).
وفي لفظ: ((والله لقد صلَّى رسول الله ﷺ على ابني بيضاء في المسجد: سهيل وأخيه))([956]).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:قال الخطابي:((وقد ثبت أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما صُلِّي عليهما في المسجد، ومعلوم أن عامة المهاجرين والأنصار شهدوا الصلاة عليهما، وفي تركهم الإنكار دليل على جوازه))([957])، وقال ابن القيم رحمه الله: ((ولم يكن من هديه ﷺ الراتب الصلاة عليه في المسجد، وإنما كان يصلي على الجنازة خارج المسجد، وربما كان يصلي أحياناً على الميت في المسجد كما صلى على سهيل بن بيضاء وأخيه في المسجد، ولكن لم يكن ذلك سنته وعادته([958]).
ثم قال رحمه الله بعد ذكر بعض أقوال العلماء في ذلك: ((والصواب ما ذكرناه أولاً، وأن سنته وهديه الصلاة على الجنازة خارج المسجد إلا لعذر، وكلا الأمرين جائز، والأفضل الصلاة عليها خارج المسجد، والله أعلم))([959]).
وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((لا بأس بالصلاة على الجنازة في المسجد لهذين الحديثين، لكن لو جعل مصلى واسع للصلاة على الجنائز والعيد كان أفضل إذا تيسر))([960]).
وسمعته يقول عن حديث عائشة رضي الله عنها: ((هذا يدل على جواز الصلاة في المسجد وإن كان في الغالب يُصلَّى على الجنائز في المصلى كما يُصلَّى في مُصلَّى العيد، والسر في ذلك والله أعلم أن الجنائز قد يكثر فيها الأتباع، وصُلّي على النبي ﷺ في المسجد، وعلى الصديق وعمر في المسجد، ولو جعل مصلى خارج المسجد أو في البلد فلا بأس))([961])، والله تعالى الموفق للصواب([962]).
الأمر الثالث عشر: مشروعية تكثير الجمع والصفوف على صلاة الجنازة، أما تكثير الجمع في صلاة الجنازة؛ فلحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ أنه قال: ((ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه))([963])؛ ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه))([964]).
وأما تكثير الصفوف في صلاة الجنازة؛ فلحديث مالك بن هبيرة وفيه ابن إسحاق وقد عنعن كما تقدم: ((ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب))، قال فكان مالك إذا استقل أهل الجنازة جزأهم ثلاثة صفوف للحديث([965]).
قال العلامة الألباني: ((ويستحب أن يصفوا وراء الإمام ثلاثة صفوف فصاعداً لحديثين رويا في ذلك: الأول عن أبي أمامة قال: ((صلى رسول الله ﷺ على جنازة ومعه سبعة نفر فجعل ثلاثة صفّاً، واثنين صفّاً، واثنين صفّاً))([966])، والثاني عن مالك بن هبيرة.
ثم ذكره كما قد تقدم وقد سبق أن حديث ابن هبيرة فيه ابن إسحاق وقد عنعن([967]).
وقال الإمام البخاري رحمه الله: ((باب الصفوف على الجنازة)) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله على هذه الترجمة: ((وأشار المصنف بصيغة الجمع إلى ما ورد في استحباب ثلاثة صفوف وهو ما رواه أبو داود وغيره من حديث مالك بن هبيرة مرفوعاً: ((من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب))، وحسنه الترمذي وصححه الحاكم، وفي رواية له: ((إلا غفر له))، قال الطبري: ينبغي لأهل الميت إذا لم يخشوا عليه التغير أن ينتظروا به اجتماع قوم يقوم منهم ثلاثة صفوف لهذا الحديث)) انتهى كلام الحافظ رحمه الله([968]).
وقال الإمام الشوكاني رحمه الله: ((وأقل ما يسمى صفّاً رجلان، ولا حد لأكثره))([969])([970])، والله ﷻ الموفق للصواب([971]).
الأمر الرابع عشر: تحريم الصلاة على الكفار والمنافقين؛ لقول الله تعالى: ] وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِالله وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ [([972]). وقد نزلت عندما صلى رسول الله ﷺ على عبد الله بن أبي سلول المنافق المعروف([973]).
وعن سعيد بن المسيب عن أبيه أنه أخبره: أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله ﷺ فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، قال رسول الله ﷺ لأبي طالب: ((يا عم قل: لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله)) فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله ﷺ يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال رسول الله ﷺ: ((أما والله لأستغفرنَّ لك ما لم أنه عنك)) فأنزل الله تعالى فيه:] مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لـَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الـْجَحِيمِ [([974])، وأنزل الله تعالى في أبي طالب فقال لرسول الله ﷺ: ] إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ الله يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالـْمُهْتَدِينَ [([975])([976]).
فلا يُصلَّى على المشركين ولا المنافقين، ولا يُدْعَى لهم بالرحمة ولا المغفرة، ولا يُتَرحّم عليهم، ويُلحَق بالمشركين والكفار من أتى بناقض من نواقض الإسلام ولم يتب منه ومات عليه، ولا يُصلَّى على تارك الصلاة متعمداً جاحداً لوجوبها بالإجماع، وكذلك على الصواب لا يُصلَّى على تارك الصلاة مطلقاً ولو لم يجحد وجوبها؛ لأن الصواب من أقوال أهل العلم: أن تارك الصلاة يكفر كفراً أكبر والعياذ بالله.
الأمر الخامس عشر: وقت صلاة الجنازة يُصلى على الجنازة في أي وقت إلا في ثلاثة أوقات:
الأول: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع.
والثاني: حين يقوم قائم الظهيرة – أي حال استواء الشمس في وسط السماء ومعناه حين لا يبقى للقائم في الظهيرة ظل في المشرق ولا في المغرب – حتى تميل الشمس إلى جهة الغروب.
والثالث: حين يغيب حاجب الشمس حتى تغرب؛ لحديث عقبة بن عامر الجهني t قال: ((ثلاث ساعات كان رسول الله ﷺ ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيَّف الشمس للغروب حتى تغرب))([977]). وهذه الأوقات الثلاثة قصيرة جداً لا يؤثر الانتظار فيها على الميت ولا يشق على الناس، أما أوقات النهي الأخرى: بعد صلاة الصبح، وبعد العصر فلا حرج في الصلاة على الجنازة فيها؛ لأن صلاة الجنازة من الصلوات ذوات الأسباب التي يجوز أن تصلى في أوقات النهي؛ولهذا قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ((يصلى على الجنازة بعد الصبح، وبعد العصر، إذا صليتا لوقتهما))([978]). وثبت عن ابن عمر أيضاً أنه قال لأهل جنازة جيء بها بعد صلاة الصبح بغلس وكان الوقت يتسع للصلاة عليها قبل طلوع الشمس: ((إما أن تصلوا على جنازتكم الآن، وإما تتركوها حتى ترتفع الشمس))([979])، وكان ابن عمر رضي الله عنهما لا يصلي إلا طاهراً ولا يصلي عند طلوع الشمس ولا غروبها ويرفع يديه))([980]).
وعن ابن جريج قال: ((أخبرني زياد أن عليّاً أخبره أن جنازة وضعت في مقبرة أهل البصرة حين اصفرت الشمس فلم يُصلَّ عليها حتى غربت الشمس فأمر أبو برزة المنادي فنادى بالصلاة، ثم أقامها فتقدم أبو برزة فصلى بهم المغرب، وفي الناس أنس بن مالك، وأبو برزة من الأنصار، من أصحاب النبي ﷺ ثم صلوا على الجنازة))([981]).
قال الإمام الخطابي رحمه الله ما ملخصه: ((واختلف الناس في جواز الصلاة على الجنازة والدفن في هذه الساعات الثلاث، فذهب أكثر أهل العلم إلى كراهية الصلاة عليها في هذه الأوقات، وروي عن ابن عمر وهو قول: عطاء، والنخعي، والأوزاعي، والثوري، وأصحاب الرأي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وكان الشافعي يرى الصلاة والدفن أي ساعة من ليل أو نهار، وقول الجماعة أولى لموافقة الحديث))([982]).
وقال شيخنا ابن باز رحمه الله عن حديث عقبة بن عامر في النهي عن الصلاة على الجنازة في الساعات الثلاث المذكورة في الحديث: ((...لا تجوز الصلاة في هذه الأوقات على الميت ولا دفنه فيها؛لهذا الحديث الصحيح))([983])([984]). وهذا يعمُّ الصلاة عليه في القبر، فلا يُصلَّى على القبر في هذه الأوقات الثلاثة، أما في وقت النهي الموسَّع فهي من ذوات الأسباب كما تقدم([985]).
الأمر السادس عشر: أحق الناس بالإمامة في صلاة الجنازة: وصيُّه الذي أوصى أن يصلِّي عليه ثم الوالي، أما الوصي؛ فلأنه إجماع الصحابة على ذلك، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وأولى الناس بالصلاة عليه من أوصى إليه بذلك؛ لإجماع الصحابة على الوصية بها؛ فإن أبا بكر أوصى أن يصلي عليه عمر([986])، وعمر أوصى أن يصلي عليه صهيب([987])، [وقيل: أوصى عمر إلى الزبير فصلى عليه]([988])، وابن مسعود أوصى بذلك الزبير([989])، وأبو بكرة أوصى أبا برزة([990])، وأم سلمة أوصت به سعيد بن زيد([991])، وعائشة أوصت إلى أبي هريرة([992])، وأوصى به أبو سريحة إلى زيد بن أرقم فجاء عمر بن حريث وهو أمير الكوفة ليتقدم، فقال ابنه:أيها الأمير إن أبي أوصى أن يصلي عليه زيد بن أرقم فقدَّم زيداً([993])؛ولأنها حق للميت فقُدِّم وصيه بها كتفريق ثلثه))([994])، وأوصى يونس بن جبير أن يصلي عليه أنس بن مالك([995]).
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وهذه قضايا انتشرت فلم يظهر لها مخالف فكان إجماعاً...))([996]).
وأما الوالي أو وكيله فيكون أولى الناس بالصلاة على الميت بعد الوصي، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((أكثر أهل العلم يرون تقديم الأمير على الأقارب في الصلاة على الميت...))([997])، قال أبو حازم:((إني لشاهد يوم مات الحسن بن علي، فرأيت الحسين بن علي يقول لسعيد بن العاص – ويطعن في عنقه ويقول:تقدم فلولا أنها سنة ما قدمتك، [وسعيد أمير على المدينة يومئذ]، وكان بينهم شيء))([998]).
وإن صلِّي عليه في المسجد فإمام المسجد الراتب أولى؛لقول النبي ﷺ: ((لا يؤمن الرجلُ الرجلَ في سلطانه))([999])، وإمام المسجد سلطان في مسجده، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:((فإن كان في مكان غير المسجد فأولى الناس به وصيه، فإن لم يكن له وصي فأقرب الناس إليه))([1000])، قلت:بشرط أن يكون القريب أعلم الحاضرين والله أعلم، وإلا صلى عليه الأعلم الأفقه ثم من يليه على حسب الترتيب في أولى الناس بالإمامة.
وإمام المسجد أولى بالصلاة على الجنازة من الشخص الموصى له بأن يصلي على الميت. قال الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله: ((إمام المسجد أولى بالصلاة على الجنازة من الشخص الموصى له؛ لقول النبي ﷺ: ((لا يؤمن الرجلُ الرجلَ في سلطانه))([1001])، وإمام المسجد هو صاحب السلطان في مسجده))([1002]).
الأمر السابع عشر: أركان صلاة الجنازة وشروطها:
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((الواجب في صلاة الجنازة: النية، والتكبيرات، والقيام، وقراءة الفاتحة، والصلاة على النبي ﷺ، وأدنى دعاء للميت، وتسليمة واحدة، ويشترط لها شرائط المكتوبة إلا الوقت، وتسقط بعض واجباتها عن المسبوق...))([1003]).
وقال العلامة مرعي بن يوسف في دليل الطالب: ((وشروطها ثمانية: النية والتكليف([1004])، واستقبال القبلة، وستر العورة، واجتناب النجاسة، وحضور الميت إن كان بالبلد، وإسلام المصلي والمصلى عليه، وطهارتهما ولو بتراب لعذر، وأركانها سبعة:القيام في فرضها، والتكبيرات الأربع، وقراءة الفاتحة، والصلاة على محمد ﷺ، والدعاء للميت، والسلام، والترتيب))([1005]).
وذكر ابن قدامة في الكافي: أن سننها سبع: رفع اليدين مع كل تكبيرة، والاستعاذة قبل القراءة، والإسرار بالقراءة، يدعو لنفسه ولوالديه وللمسلمين بدعاء النبي ﷺ، يقف بعد التكبيرة الرابعة قليلاً، يضع يمينه على شماله على صدره، الالتفات على يمينه في التسليم))([1006]).
الأمر الثامن عشر: صفة الصلاة على الجنازة المشتملة على الواجبات والسنن على النحو الآتي:
1 - يتوضأ كما أمر الله تعالى؛ ولقول النبي ﷺ:((لا تُقبل صلاة بغير طهور))([1007]).
2 - يقوم الإمام عند رأس رجل ووسط امرأة؛لحديث أنس بن مالك t أنه صلى عند رأس جنازة رجل وعند وسط امرأة، ورفع ذلك إلى النبي ﷺ([1008])؛ولحديث سمرة t ((أن النبي ﷺ صلى على امرأة فقام للصلاة عليها وسْطها))([1009]).
3 - يصف المأمومون خلف الإمام كصفوف الصلاة المفروضة؛ لحديث جابر t: ((أن النبي ﷺ صلَّى على النجاشي فكنت في الصف الثاني أو الثالث)). وفي لفظ: ((فصففنا فصلى النبي ﷺ ونحن صفوف))([1010]).
4 - يسوي الإمام الصفوف؛ لعموم الأدلة في ذلك([1011]).
5 - يستقبل القبلة والجنائز أمامه على الصفة المذكورة آنفاً([1012]).
6 - يكبر التكبيرة الأولى تكبيرة الإحرام قائماً قاصداً بقلبه فعل الصلاة على الجنازة أو الجنائز، متقرباً لله تعالى، قائلاً: ((الله أكبر)) رافعاً يديه مضمومتي الأصابع ممدودة إلى حذو منكبيه أو إلى حيال أذنيه؛ لما تقدم من الأدلة([1013])؛ ولحديث أبي هريرة، وجابر ((أن النبي ﷺ صلى على النجاشي وكبر عليه أربع تكبيرات))([1014]). أما رفع اليدين في التكبيرة الأولى من صلاة الجنازة؛ فلحديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ: ((كبر على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة ووضع اليمنى على اليسرى))([1015]).
قال الإمام ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على أن المصلي على الجنازة يرفع يديه في أول تكبيرة يكبرها))([1016]).
7 - يضع يده على صدره بعد أن ينزلهما من الرفع: اليمنى يقبضها على ظهر كفه اليسرى، والرسغ والساعد؛ لحديث أبي هريرة المذكور آنفاً؛ولحديث وائل بن حُجر([1017])، وحديث سهل بن سعد([1018]).
8 - يقول: ((أعوذ بالله من الشيطان الرجيم سرّاً؛ لقول الله تعالى: ] فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [([1019]).
9 - يقول: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) سرّاً؛ لحديث أنس t([1020]).
10 - يقرأ الفاتحة سرّاً؛ لحديث عبادة بن الصامت t أن رسول الله ﷺ قال: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))([1021])؛ ولحديث أبي أمامة أنه قال: ((السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتة، ثم يكبر ثلاثاً، والتسليم عند الآخرة))([1022])؛
ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما، ((قال طلحة بن عبد الله بن عوف قال: صليت خلف ابن عباس رضي الله عنهما على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب، قال: لتعلموا أنها سنة))([1023]).
وقال شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله تعالى عن حكم قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة: ((واجبة، كما قال ﷺ: ((صلوا كما رأيتموني أصلي...))([1024]). وقال عليه الصلاة والسلام: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) متفق عليه))([1025]). وقال رحمه الله عن الجهر بالفاتحة أحياناً: ((الجهر بها في بعض الأحيان لا بأس به، وإن قرأ معها سورة قصيرة فلا بأس أيضاً، بل هو أفضل؛ لأنه قد ثبت عن النبي ﷺ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وإن اقتصر على الفاتحة كفى))([1026]).
11 - يقرأ سورة قصيرة بعد الفاتحة، أو بعض الآيات القصيرة وهذه القراءة سنة؛لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال طلحة بن عبد الله بن عوف:صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، وجهر حتى أسمعنا، فلما فرغ أخذت بيده فسألته فقال:((سنة وحق))([1027]).
وقال شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى في حكم قراءة سورة بعد الفاتحة في صلاة الجنازة: ((قراءة سورة بعد الفاتحة أفضل كما ثبت ذلك عن النبي ﷺ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما))، وقال في موضع آخر: ((الصلاة على الميت صفتها: أن يكبر الإمام ويتعوذ، ويسمي، ويقرأ الفاتحة، ويستحب أن يقرأ معها سورة قصيرة مثل: الإخلاص، أو العصر، أو بعض الآيات...))([1028]).
12 - يكبر التكبيرة الثانية رافعاً يديه حذو منكبيه أو حذو أذنيه، ثم يردهما على صدره؛ لما تقدم من الأدلة؛ ولما رُوِيَ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ((أن النبي ﷺ كان إذا صلى على الجنازة رفع يديه في كل تكبيرة))([1029]). وأورد البخاري أن عبد الله بن عمر: كان يرفع يديه: أي في كل تكبيرة على الجنازة))([1030]). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وقد صح عن ابن عباس أنه كان يرفع يديه في تكبيرات الجنازة، رواه سعيد بن منصور))([1031])، ورُوِيَ عن خلق من السلف أنهم كانوا يرفعون أيديهم في كل تكبيرة في صلاة الجنازة([1032])([1033]).
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله عن أثر ابن عمر: ((صح عن ابن عمر موقوفاً، وله حكم الرفع؛ لأن مثله لا يثبت بالاجتهاد))([1034]).
وقال شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله: ((السنة رفع اليدين مع التكبيرات الأربع كلها؛ لما ثبت عن ابن عمر، وابن عباس، أنهما كانا يرفعان مع التكبيرات كلها، ورواه الدارقطني مرفوعاً من حديث ابن عمر بسند جيد))([1035])([1036]).
13 - يصلي على النبي ﷺ كما يصلي في التشهد في صلاة الفريضة؛ لحديث أبي أمامة t أنه أخبره رجل من أصحاب النبي ﷺ: أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب، بعد التكبيرة الأولى سرّاً في نفسه، ثم يصلي على النبي ﷺ، ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات [الثلاث] لا يقرأ في شيء منهن، ثم يسلم تسليماً خفيّاً [حين ينصرف] [عن يمينه] والسنة أن يفعل من وراءه مثلما فعل إمامه]))([1037]).
قال الإمام ابن باز رحمه الله: ((... ويصلي على النبي ﷺ مثل ما يصلي عليه في التشهد الأخير...))([1038]).
14 - يكبر التكبيرة الثالثة رافعاً يديه حذو منكبيه أو حذو أذنيه، ثم يرد يديه على صدره؛ لما تقدم من الأدلة.
15 - يدعو للميت بالدعاء المأثور ويخلص له الدعاء؛ لحديث أبي هريرة t قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء))([1039])، فيقول:
أ - ((اللهم اغفر لحيِّنا وميِّتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفَّه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تُضلَّنا بعده))([1040]).
ب - ((اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نُزُلَه، ووسِّعْ مُدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقِّهِ من الخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار)) [وفي لفظ: [وقِهِ فتنةَ القبر]([1041]).
ج – ((اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك، وحبل جوارك، فقه من فتنة القبر، وعذاب القبر، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر له وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم))([1042]).
د - ((اللهم عبدك، وابن أمتك، أحتاج إلى رحمتك، وأنت غني عن عذابه، إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه)) [ثم يدعو ما شاء الله أن يدعو]([1043]).
هـ - الدعاء للطفل في الصلاة عليه صلاة الجنازة، يقول: ((اللهم اغفر لحينا وميتنا، وحاضرنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأُنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده))([1044]).
* ((اللهم أعذه من عذاب القبر))([1045]).
* ((اللهم اجعله لنا فرطاً([1046]) وسلفاً وأجراً))([1047]).
((اللهم اغفر لوالديه وارحمهما))([1048]).
* وإن قال: ((اللهم اجعله فرطاً لوالديه، وذخراً، وسلفاً، وأجراً، وأفرغ الصبر على قلوبهما، ولا تفتنهما بعده، ولا تحرمهما أجره، اللهم ثقِّل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، اللهم اجعله في كفالة إبراهيم، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، وأجره برحمتك من عذاب الجحيم، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله،اللهم اغفر لأسلافنا،وأفراطنا، ومن سبقنا بالإيمان))([1049]) فحسن.
16 - يكبر التكبيرة الرابعة رافعاً يديه حذو منكبيه أو أذنيه، ويردهما على صدره؛ لعموم الأدلة؛ولما تقدم من الأدلة([1050]).
17 - يقف بعد التكبيرة الرابعة قليلاً([1051]).
18 - يسلم تسليمة واحدة عن يمينه قائلاً: ((السلام عليكم ورحمة الله))؛ لأن التسليمة الواحدة ثبتت عن عشرة من أصحاب النبي ﷺ أنهم كانوا يسلمون في صلاة الجنازة تسليمة واحدة خفيفة عن يمينه، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وأبو هريرة، وواثلة بن الأسقع، وابن أبي أوفى، وزيد بن ثابت، وعلي بن أبي طالب، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف، قال الإمام ابن القيم: ((فهؤلاء عشرة من الصحابة)) y([1052]) وكان عبد الله بن عمر إذا صلى على الجنازة يسلم حتى يسمع من يليه))([1053]).
الأمر التاسع عشر: المسبوق في صلاة الجنازة، يستحب له أن يقضي ما فاته من صلاة الجنازة؛ لقول النبي ﷺ: ((فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا))([1054])، قال الإمام عبدالعزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله: ((... فإذا أدرك الإمام في التكبيرة الثالثة كبر وقرأ الفاتحة، وإذا كبر الإمام الرابعة كبر بعده وصلى على النبي ﷺ، فإذا سلم الإمام كبر المأموم المسبوق ودعا للميت موجزاً، ثم يكبر الرابعة ويسلم))([1055]).
وإذا أدرك الإمام بين تكبيرتين كبر في الحال وقرأ الفاتحة، ثم يكبر بعد إمامه التكبيرة التي أدركها فيصلي على النبي ﷺ، ثم إذا سلم الإمام يكبر ويدعو للميت بإيجاز، ثم يكبر ويسلم، وهكذا يعتبر ما أدركه هو أول صلاته، وما يقضيه هو آخرها؛ لقول النبي ﷺ: ((فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا))([1056])([1057]).
يراعى في حمل الجنازة واتباعها وتشييعها الأمور الآتية:
الأمر الأول: حكم حمل الجنازة فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين([1058]).
الأمر الثاني: أقسام اتباعها: ثلاثة أقسام:
1 - يصلي عليها ثم ينصرف، وله قيراط من الأجر؛ للحديث الآتي.
2 - يتبعها إلى القبر ثم يقف حتى تدفن؛ لحديث أبي هريرة t أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: ((من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان أجر كل قيراط مثل أُحُدٍ، ومن صلى عليها ثم رجع كان له مثل أحُدٍ))([1059]).
3 - يقف بعد الدفن يستغفر للميت ويسأل الله له التثبيت؛ لحديث عثمان بن عفان t قال: كان النبي ﷺ إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: ((استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل))([1060]). والجمع بين هذه الأقسام أكمل في عظم الأجر واتباع السنة.
الأمر الثالث: فضل اتباع الجنائز، فقد ثبت في حديث أبي هريرة t السابق أن النبي ﷺ قال: ((من اتبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً وكان معه حتى يُصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن؛ فإنه يرجع بقيراط)) وفي لفظ: قيل: وما القيراطان؟ قال: ((مثل الجبلين العظيمين)). وفي لفظ لمسلم: ((قيل وما القيراطان؟ قال: ((أصغرهما مثل أحد))([1061])؛ ولحديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: ((من أصبح اليوم منكم صائماً؟)) قالو أبو بكر: أنا. قال: ((فمن اتبع منكم اليوم جنازة؟)) قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟)) قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟)) قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله ﷺ: ((ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة))([1062]).
ولفظ البخاري في الأدب المفرد: ((ما اجتمعت هذه الخصال في رجل في يوم إلا دخل الجنة))([1063]).
الأمر الرابع: اتباع الجنازة حق على المسلم لأخيه المسلم؛ لحديث أبي هريرة t قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((حق المسلم على المسلم ست))، قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: ((إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمِّتْه، وإذا مرض فعُدْه، وإذا مات فاتبعه))([1064]).
وعن البراء بن عازب t قال: أمرنا رسول الله ﷺ بسبع ونهانا عن سبع: ((أمرنا باتباع الجنائز، وعيادة المريض، وإجابة الداعي، ونصر المظلوم، وإبرار المقسم، ورد السلام، وتشميت العاطس...)) الحديث([1065])؛ ولحديث أبي سعيد الخدري t يرفعه: ((عودوا المريض، واتبعوا الجنائز تذكركم الآخرة))([1066]).
الأمر الخامس: يحمل الميت على حسب الحال والتيسير، ولا يتكلف الإنسان ما لم يرد بذلك سنة صحيحة فالأمر فيه واسع([1067]).
الأمر السادس: لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار ولا بما يخالف الشرع؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((نهى رسول الله ﷺ أن تُتبع جنازة معها رانَّةٌ))([1068])([1069]).
وعن أبي بردة قال: ((أوصى أبو موسى الأشعري حين حضره الموت فقال: لا تتَّبعوني بمجمرٍ، قالوا له: أسمعت فيه شيئاً؟ قال: نعم، من رسول الله ﷺ))([1070]).
وأوصى عمرو بن العاص في وصيته: ((فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة، ولا نار))([1071])([1072]).
وقال قيس بن عباد: ((كان أصحاب النبي ﷺ يكرهون رفع الصوت عند الجنائز))([1073]).
الأمر السابع: القيام للجنازة إذا مرت مشروع؛ لحديث عبد الله بن عمر عن عامر بن ربيعة عن النبي ﷺ قال: ((إذا رأى أحدكم جنازة فإن لم يكن ماشياً معها فليقم حتى يخلِّفها أو تخلِّفَهُ أو توضع من قبل أن تُخلِّفه)). وفي لفظ: ((إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تُخلِّفكم([1074]) أو توضع))([1075]).
وعن أبي سعيد الخدري t عن النبي ﷺ قال: ((إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع))([1076]).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: مر بنا جنازة، فقام لها النبي ﷺ فقلنا: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي؟ قال: ((إذا رأيتم الجنازة فقوموا))([1077])، ولفظ مسلم: ((إن الموتَ فزعٌ فإذا رأيتم الجنازة فقوموا)).
وعن سهل بن حنيف وقيس بن سعد بن أبي ليلى أنهما كانا قاعدين بالقادسية فمرُّوا عليهما بجنازة فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الأرض – أي من أهل الذمة – فقالا: إن النبي ﷺ مرت به جنازة فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: ((أليست نفساً))([1078]).
والصواب أن هذه الأحاديث تدل على مشروعية القيام للجنازة إذا مرت لمن كان قاعداً؛ لأمر النبي ﷺ بذلك؛ ولفعله عليه الصلاة والسلام، أما حديث علي بن أبي طالب t أن النبي ﷺ ((قام ثم قعد))، وفي لفظ: ((رأينا رسول الله ﷺ قام فقمنا، وقعد فقعدنا –يعني في الجنازة–))([1079]) فهذا يدل على أن الأمر بالقيام للجنازة للاستحباب، والقعود للجواز، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى بعد أن ذكر خلاف العلماء: ((فيكون الأمر للندب والقعود بياناً للجواز، ولا يصح دعوى النسخ في مثل هذا؛ لأن النسخ إنما يكون إذا تعذر الجمع بين الأحاديث ولم يتعذر والله أعلم))([1080])([1081]).
ورجح الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى ما ذهب إليه الإمام النووي في الجمع بين الأحاديث([1082]).
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول: ((وهذا يدل على أن السنة القيام للجنازة ولو كانت كافرة؛ فإن للموت فزعاً، وهذا القيام سنة وليس بواجب؛ لأن النبي ﷺ قام وقعد، فدل ذلك على أن القيام ليس بواجب وإنما هو سنة))([1083]).
الأمر الثامن: من تبع الجنازة فلا يجلس حتى توضع على الأرض؛ لحديث أبي سعيد t عن النبي ﷺ قال: ((إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع))([1084]). وقد فسّر الإمام البخاري رحمه الله قوله: ((حتى توضع)) فقال: ((باب من تبع جنازة حتى توضع عن مناكب الرجال فإن قعد أمر بالقيام))([1085])، وهذا يوضح أن معنى قوله ﷺ: ((حتى توضع)) أي على الأرض قبل اللحد. وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله: ((والصواب أن الجنازة إذا وضعت في الأرض جلسوا: أي قبل اللحد))([1086]).
وحديث علي t أن النبي ﷺ قام ثم قعد يدل على أن القيام حتى توضع للاستحباب.
قال شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله: ((السنة لمن تبع الجنازة ألا يجلس حتى توضع من أعناق الرجال على الأرض، وأما الانصراف فإن المشروع لمتبعها ألا ينصرف حتى توضع في القبر ويفرغ من دفنها، وهذا كله على سبيل الاستحباب...))([1087]).
الأمر التاسع: النساء لا يتبعن الجنائز؛ ويصلين عليها؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: ((نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا))([1088]).
قال شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله:((المقصود بالنهي: النهي عن اتباعها إلى المقبرة،أما الصلاة عليها فمشروعة للرجال والنساء، وكان النساء يصلين على الجنائز مع النبي ﷺ،ويفهم [من قول أم عطية ولم يعزم علينا] أن النهي عندها غير مؤكد،والأصل في النهي التحريم؛لقول النبي ﷺ:((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه،وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم))([1089]).وذلك يدل على تحريم اتباع النساء للجنائز إلى المقبرة،أما الصلاة على الميت فإنها مشروعة لهن كالرجال،والله ولي التوفيق.
الأمر العاشر: الإسراع بالجنازة من غير رمل مشروع؛ لحديث أبي هريرة t عن النبي ﷺ أنه قال: ((أسرعوا بالجنازة، فإن تكُ صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تكُ سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم))([1090])؛ ولحديث أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله ﷺ: ((إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدِّموني قدِّموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها أين تذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق))([1091]).
قال الإمام شيخنا ابن باز رحمه الله في المقصود بالإسراع بالجنازة: ((المقصود: المشي، ويدخل ضمناً الصلاة عليها، وتغسيلها، والسرعة في تجهيزها، وظاهر الحديث يعم الجميع من حيث المعنى))([1092]).
وسمعته رحمه الله يقول: ((السنة الإسراع بالجنازة، ومعنى ذلك أن يكون مشياً قوياً دون الرمل؛ ليقدمها إلى الخير إن كانت صالحة))([1093]).
الأمر الحادي عشر: الماشي يمشي مع الجنازة كيف شاء،والراكب خلفها؛ لحديث المغيرة بن شعبة t عن النبي ﷺ أنه قال:((الراكب [يسير] خلف الجنازة،والماشي حيث شاء منها،[خلفها، وأمامها،وعن يمينها،وعن يسارها، قريباً منها]،والطفل يصلى عليه، [ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة]))([1094]).
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((والسنة المشي لمن قدر عليه، ولا بأس بالركوب عند الحاجة، والراكب يمشي خلف الجنازة، والماشي أمامها، وعن يمينها، وعن شمالها، [ومن خلفها]))([1095]).
الأمر الثاني عشر: المشي في تشييع الجنازة أفضل من الركوب؛ لحديث ثوبان t أن رسول الله ﷺ أُتي بدابة وهو مع الجنازة فأبى أن يركبها، فلما انصرف أُتي بدابة فركب، فقيل له؟ فقال: ((إن الملائكة كانت تمشي فلم أكن لأركب وهم يمشون فلما ذهبوا ركبت))([1096]).
ولا بأس بالركوب إذا انصرف من الجنازة؛ لحديث جابر بن سمرة t قال: أتي النبي ﷺ بفرس معروري([1097]) فركبه حين انصرف من جنازة أبي الدحداح ونحن نمشي حوله، وفي لفظ: ((صلى رسول الله ﷺ على أبي الدحداح ثم أُتي بفرس عُري، عقله([1098]) رجل فركبه فجعل يتوقّصُ به([1099]) ونحن نتبعه نمشي خلفه، قال: فقال رجل من القوم: إن النبي ﷺ قال: ((كم من عِذقٍ مُعلَّقٍ – أو مُدلًّى – في الجنة لابن الدحداح أو قال شعبة: لأبي الدحداح))([1100]).
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((والسنة المشي لمن قدر عليه، ولا بأس بالركوب عند الحاجة))([1101]).
فدل حديث ثوبان وحديث سمرة على أن الركوب بعد الانصراف عن الجنازة جائز([1102]).
الأمر الثالث عشر:السنة حمل الجنازة على الأعناق إذا تيسر ذلك، ويجوز حملها على السيارة لغرض صحيح كبعد المقبرة فتحصل بذلك مشقة؛لأن حملها على السيارة أو غيرها من الوسائل يفوت الغاية المقصودة وهي حملها وتشييعها، وهي تذكر الآخرة كما قال النبي ﷺ: ((واتَّبعوا الجنائز تذكركم الآخرة))([1103]).
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: ((الأفضل حملها على الأكتاف؛ لما في ذلك من المباشرة بحمل الجنازة؛ ولأنه إذا مرت الجنازة بالناس في الأسواق عرفوا أنها جنازة ودعوا لها؛ ولأنه أبعد عن الفخر والأبهة، إلا أن يكون هناك حاجة أو ضرورة فلا بأس أن تحمل على سيارة، مثل: أن تكون أوقات أمطار، أو حر شديد، أو برد شديد، أو قلة المشيعين))([1104]).
الأمر الرابع عشر: وضع المكبة التي توضع فوق المرأة على النعش وتغطى بثوب لتستر جسم المرأة عن أعين الناس،والمكبة تعمل من خشب،أو جريد،أو قصب مثل القبة فوقها ثوب تكون فوق السرير. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله:((ويستحب أن يترك فوق سرير المرأة شيء من الخشب أو الجريد مثل القبة يترك فوقه ثوب،ليكون أستر لها،وقد روي أن فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله ﷺ أول من صُنِعَ لها ذلك بأمرها([1105])([1106]).
ونقل العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله كلام أهل المذاهب الأربعة وأنهم كلهم أعلنوا أنه أستر للمرأة وأن ذلك يستحب([1107])([1108]).
يراعى في دفن الميت الأمور الآتية:
الأمر الأول: حكم دفن الميت فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وإن تركوه كلهم أثموا كلهم([1109])؛ لقول الله تعالى: ] ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ [([1110]) والمعنى أن الله ﷻ أكرمه بدفنه، ولم يجعله ملقى للسباع والطيور، وهذه مكرمة لبني آدم دون سائر الحيوانات، وقال الله ﷻ:] أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا *أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا [([1111])، وقد أرشد الله تعالى قابيل إلى دفن أخيه هابيل: ] فَبَعَثَ الله غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ [([1112]) فكانت سُنّة في بني آدم؛ ولأن في ترك جثة ابن آدم أذىً وهتكاً لحرمته فوجب دفنه))([1113]).
الأمر الثاني: فضل دفن الميت؛ لحديث أبي رافع t قال: قال رسول الله ﷺ: ((من غسل مسلماً فكتم عليه غفر الله له أربعين مرة، ومن حفر له فأجنه أجري عليه كأجر مسكن أسكنه إياه إلى يوم القيامة، ومن كفَّنه كساه الله يوم القيامة من سندس وإستبرق الجنة))([1114])؛ ولحديث أبي هريرة t يرفعه: ((من اتبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً وكان معه حتى يُصلَّى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط مثل أحد...))([1115]).
الأمر الثالث: لا يدفن الميت في أوقات النهي الثلاثة المضيَّقة إلا لضرورة؛ لحديث عقبة بن عامر يرفعه: ((ثلاث ساعاتٍ كان رسول الله ﷺ ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمسُ بازغةً حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب))([1116]).
الأمر الرابع:لا يدفن مسلم مع كافر ولا كافر مع مسلم،بل يدفن المسلم في مقابر المسلمين والكافر يُوارى مع المشركين؛لأحاديث منها: حديث أبي طلحة t أن النبي ﷺ أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلاً من قريش فقذفوا في طويٍّ من أطواء بدر خبيث مخبث))([1117]).وحديث بشير مولى رسول الله ﷺ، قال:بينما أنا أمشي مع رسول الله ﷺ مر بقبور المشركين فقال:((لقد سبق هؤلاء خيراً كثيراً)) ثلاثاًً،ثم مر بقبور المسلمين،فقال:((لقد أدرك هؤلاء خيراً كثيراً)) وحانت من رسول الله ﷺ نظرة فإذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان فقال:((يا صاحب السبتيتين ويحك ألق سبتيتيك)) فنظر الرجل فلما عرف رسول الله ﷺ خلعهما فرمى بهما))([1118])؛ولحديث علي t قال:قلت للنبي ﷺ:إن عمك الشيخ الضال مات فمن يواريه؟ قال:((اذهب فوارِ أباك ولا تُحدثنَّ حدثاً حتى تأتيني)) فواريته ثم جئت فأمرني فاغتسلت، ودعا لي، وذكر دعاءً لم أحفظه))([1119]).
الأمر الخامس: السنة الدفن في المقبرة؛ لأن النبي ﷺ كان يدفن الموتى في مقبرة البقيع، كما تواترت بذلك الأخبار، ولم ينقل عن أحد من السلف أنه دفن في غير المقبرة، إلا ما تواتر أن النبي ﷺ دفن في حجرته، وذلك من خصوصياته ﷺ([1120]).
الأمر السادس: الشهداء يدفنون في أماكن استشهادهم في أرض المعركة ولا ينقلون إلى المقابر؛ لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله ﷺ من المدينة إلى المشركين ليقاتلهم، وقال أبي عبد الله: يا جابر بن عبد الله لا عليك أن تكون في نِظاري أهل المدينة حتى تعلم إلى ما يصير أمرنا فإني والله لولا أني أترك بناتٍ لي بعدي لأحببت أن تقتل بين يديَّ، قال: فبينما أنا في النظارين إذ جاءت عمتي بأبي وخالتي عادلتهما([1121]) على ناضح فدخلت بهما المدينة؛ لتدفنهما في مقابرنا إذ لحق رجل ينادي: ألا إن النبي ﷺ يأمركم أن ترجعوا بالقتلى فتدفنوها في مصارعها حيث قتلت، فرجعنا بهما فدفناهما حيث قُتلا))([1122]).
الأمر السابع: الدفن ليلاً فيه تفصيل، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن النبي ﷺ خطب يوماً فذكر رجلاً من أصحابه قُبض فكفِّن في كفنٍ غير طائل، وقُبِرَ ليلاً، فزجر النبي ﷺ أن يقبر الرجل بالليل حتى يُصلَّى عليه إلا أن يضطر الإنسان إلى ذلك، وقال النبي ﷺ: ((إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه))([1123]). وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: مات إنسان كان رسول الله ﷺ يعوده، فمات بالليل فدفنوه ليلاً، فلما أصبح أخبروه فقال: ((ما منعكم أن تعلموني؟)) قالوا: كان الليل فكرهنا – وكانت ظلمة – أن نشقَّ عليك فأتى قبره فصلَّى عليه))([1124]).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما علمنا بدفن رسول الله ﷺ حتى سمعنا صوت المساحي من آخر الليل ليلة الأربعاء...))([1125]) قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ((وقد اختلف العلماء في الدفن في الليل، فكرهه الحسن البصري إلا لضرورة، وقال جماهير العلماء من السلف والخلف: لا يكره، واستدلوا بأن أبا بكر الصديق t وجماعة من السلف دفنوا ليلاً من غير إنكار، وبحديث المرأة السوداء، والرجل الذي كان يقم المسجد فتوفي ليلاً فدفنوه ليلاً، وسألهم النبي ﷺ عنه فقالوا: توفي ليلاً فدفناه في الليل فقال: ((ألا آذنتموني؟)) قالوا: كانت ظلمة. ولم ينكر عليهم، وأجابوا عن هذا الحديث([1126]) أن النهي كان لترك الصلاة ولم ينه عن مجرد الدفن بالليل، وإنما نهى لترك الصلاة أو لقلة المصلين، أو عن إساءة الكفن أو عن المجموع كما سبق...))([1127]).
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله يقول على مجموع الأحاديث التي وردت:((هذه الأحاديث تدل على جواز الدفن ليلاً، وأما ما جاء في النهي عن ذلك فهذا إذا كان فيه تقصير في الصلاة عليه؛ ولهذا جاء في صحيح مسلم أن النبي ﷺ نهى عن الدفن ليلاً حتى يُصلى عليه.
والخلاصة:أنه إذا كان هناك تقصير في حق الميت:من غسل،أو كفن، أو صلاة على الميت فلا يدفن ليلاً،أما إذا كملت حقوقه فلا بأس بدفنه ليلاً))([1128]).
وسمعته في موضع آخر يقول: ((أما رواية مسلم فزجر فيها النبي ﷺ عن قبر الرجل حتى يُصلَّى عليه، فتأخير الميت ليصلى عليه إذا كان تأخيرها أفضل لكثرة الجمع، والحاصل أن مجموع الأحاديث تفيد أن الأفضل تأخير الصلاة عليه إذا كان تأخيرها أكمل، أما إذا صُلِّي عليه في العشاء أو المغرب فلا كراهة. ومما يدل على هذا ما جاء في مسلم: ((ثلاث ساعات كان رسول الله ﷺ ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب))، وهذا يدل على أنها إذا غابت زال النهي، وأن الصلاة عليه بعد الغروب والدفن بعده لا حرج فيه، وقد دفن النبي ﷺ ليلاً، ودفن الصديق ليلاً، ودفن عمر ليلاً، ودفن عثمان ليلاً y([1129]).
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((يجوز دفن الأموات ليلاً إذا قام الإنسان بالواجب: من التغسيل، والتكفين، والصلاة عليه؛فإنه يجوز أن يدفن بالليل))([1130])([1131]).
الأمر الثامن:لا بأس بدفن الاثنين أو أكثر في قبر واحد عند الضرورة والحاجة الشديدة؛لحديث جابر t أن رسول الله ﷺ كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول:((أيهم أكثر أخذاً للقرآن)) فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد، وقال:((أنا شهيد على هؤلاء)) وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصلِّ عليهم ولم يغسلهم))([1132]).
وعن هشام بن عامر قال: شكونا إلى رسول الله ﷺ يوم أحد، فقلنا: يا رسول الله! الحفر علينا لكل إنسان شديد؟ فقال رسول الله ﷺ: ((احفروا، وأعمقوا، وأحسنوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد))، قالوا: فمن نقدِّم يا رسول الله؟ قال: ((قدِّموا أكثرهم قرآناً)) قال: فكان أبي ثالث ثلاثة في قبر واحد))([1133]).
وهذا عند الضرورة، وإذا دعت الحاجة الشديدة لذلك، ككثرة الموتى في القتل، أو الطاعون أو غير ذلك من أسباب الموت العام بكثرة، أما عند الاستطاعة والقدرة فيدفن كل إنسان في قبر لوحده([1134]).
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((المشروع أن يدفن كل إنسان في قبر وحده، كما جرت به سنة المسلمين قديماً وحديثاً، ولكن إذا دعت الحاجة أو الضرورة إلى جمع اثنين فأكثر في قبر واحد فلا بأس به... قال بعض الفقهاء: وينبغي أن يجعل بين كل اثنين حاجز من تراب))([1135])، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ولا يدفن اثنان في قبر واحد إلا لضرورة))([1136]).
الأمر التاسع: جمع الأقارب في مقبرة واحدة حسن؛ لحديث المطلب قال: لما مات عثمان بن مظعون أُخرج بجنازته فدفن، فأمر النبي ﷺ رجلاً أن يأتيه بحجر، فلم يستطع حمله، فقام إليها رسول الله ﷺ وحسر عن ذراعيه، قال كثير: قال المطلب: قال الذي يخبرني ذلك عن رسول الله ﷺ قال: كأني أنظر إلى بياض ذراعي رسول الله ﷺ حين حسر عنهما، ثم حملها فوضعها عند رأسه وقال: ((أتعلَّمُ بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي))([1137]).
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وجمع الأقارب في الدفن حسن؛ لقول النبي ﷺ لما دفن عثمان بن مظعون: ((أدفن إليه من مات من أهله))([1138])؛ ولأن ذلك أسهل لزيارتهم، وأكثر للترحم عليهم...))([1139]).
الأمر العاشر: الموعظة عند القبر أمر لا بأس به؛ لحديث علي t ، قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا النبي ﷺ فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة([1140]) [وفي رواية: عود]([1141]) فنكس فجعل ينكت([1142]) [في الأرض] بمخصرته، ثم قال: ((ما منكم من أحد [و]([1143]) ما من نفس منفوسة إلا [وقد]([1144]) كتب مكانها من الجنة [أ]([1145]) ومن النار، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة)). فقال رجل: يا رسول الله! أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل، فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، وأما من كان منا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة، قال: (([لا]([1146]) [اعملوا فكل مسير لما خلق له]([1147])، أما [من كان من]([1148]) أهل السعادة فسييسَّرون لعمل أهل السعادة، وأما [من كان من] أهل الشقاوة فسييسَّرون لعمل [أهل] الشقاوة)) ثم قرأ: ] فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالـحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالـحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [([1149]).
وقد قال الإمام البخاري رحمه الله في ترجمة هذا الحديث:((باب موعظة المحدث عند القبر وقعود أصحابه حوله)) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: كأنه يشير إلى التفصيل بين أحوال القعود، فإن كان لمصلحة تتعلق بالحي أو الميت لم يكره))([1150]).
ومما يدل على الموعظة عند القبر حديث البراء بن عازب الطويل وأوله: ((خرجنا مع النبي ﷺ في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولمَّا يلحد، فجلس رسول الله ﷺ مستقبل القبلة وجلسنا حوله، وكأنَّ على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت في الأرض فجعل ينظر إلى السماء وينظر إلى الأرض، وجعل يرفع بصره ويخفضه ثلاثاً، فقال: ((استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثاً))، ثم قال: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ثلاثاً، ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال إلى الآخرة تنزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت u حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة [وفي لفظ] المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان...)) الحديث([1151]).
قال الإمام شيخنا ابن باز رحمه الله:((لقد ثبت عن النبي ﷺ غير مرة أنه وعظ الناس عند القبر وهم ينتظرون الدفن،وبذلك يعلم أن الوعظ عند القبر أمر مشروع قد فعله النبي ﷺ؛لما في ذلك من التذكير بالموت،والجنة والنار،وغير ذلك من أمور الآخرة،والحث على الاستعداد للقاء الله))([1152]).
وقال العلامة الألباني رحمه الله:((ويجوز الجلوس عنده [أي القبر] أثناء الدفن بقصد تذكير الحاضرين بالموت وما بعده؛لحديث البراء بن عازب...))([1153]).
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((... وغاية ما ورد أنه ﷺ أتى إلى البقيع وفيه قوم ينتظرون اللحد؛ ليدفنوا ميتهم، فجلس وجلس الناس حوله وجعل يذكرهم وهو جالس لا على سبيل الخطبة، وكذلك كان ﷺ في المقبرة أيضاً فقال: ((ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار...))([1154])([1155]).
الأمر الحادي عشر: تعميق القبر وتوسيعه؛ لحديث هشام بن عامر قال: جاءت الأنصار إلى رسول الله ﷺ يوم أحد، فقالوا: أصابنا قرح وجهد! فكيف تأمرنا؟ قال: ((احفروا، وأوسعوا [وأعمقوا] واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر)) قيل: فأيهم يُقدَّم؟ قال: ((أكثرهم قرآنا))([1156])؛ ولحديث رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ في جنازة رجل من الأنصار وأنا غلام مع أبي، فجلس رسول الله ﷺ على حفيرة القبر يوصي الحافر، ويقول: ((أوسع من قبل الرأس؛ وأوسع من قبل الرجلين لرب عذق له في الجنة))([1157]).
وذكر الإمام ابن قدامة رحمه الله عن الإمام أحمد أن القبر يعمّق إلى الصدر، الرجل والمرأة في ذلك سواء، قال: وكان الحسن وابن سيرين يستحبان أن يعمق القبر إلى الصدر، وذكر أن عمر بن عبد العزيز لما مات ابنه أمرهم أن يحفروا قبره إلى السرة؛ فإن ما على ظهر الأرض أفضل مما سفل منها.
وذكر أبو الخطاب أنه يعمق قدر قامة وبسطة وهو قول الشافعي، ثم قال ابن قدامة: ((والمنصوص عن أحمد أن المستحب تعميقه إلى الصدر؛ لأن التعميق قدر قامة وبسطة يشق ويخرج عن العادة))([1158]).
الأمر الثاني عشر: اللحد أفضل من الشق إذا كانت التربة صلبة لا ينهال ترابها، وإن كانت رخوة تنهار فالشق أفضل؛ لحديث أنس t قال: لما توفي النبي ﷺ كان بالمدينة رجل يَلْحدُ وآخر يُضرِّحُ([1159]) فقالوا: نستخيرُ ربنا ونبعث إليهما، فأيهما سُبق تركناه، فأُرسل إليهما فسبق صاحب اللحد فلحدوا للنبي ﷺ))([1160]).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:لما مات رسول الله ﷺ اختلفوا في اللحد والشق، حتى تكلّموا في ذلك وارتفعت أصواتهم، فقال عمر:لا تصخبوا([1161]) عند رسول الله ﷺ حيّاً ولا ميتاً، أو كلمة نحوها، فأرسلوا إلى الشاقِّ واللاحد جميعاً، فجاء اللاحد، فلحد لرسول الله ﷺ ثم دفن ﷺ([1162]).
وعن عامر بن سعد بن أبي وقاص أن سعد بن أبي وقاص قال في مرضه الذي هلك فيه: ((الحدوا لي لحداً، وانصبوا عليّ اللبن نصباً كما صنع برسول الله ﷺ))([1163]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:قال رسول الله ﷺ:((اللحد لنا والشق لغيرنا))([1164]).
وعن جرير بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله ﷺ: ((اللحد لنا والشق لغيرنا))([1165]).
* واللحد: هو أن يحفر إذا بلغ قرار القبر في حائط القبر – جانبه مما يلي القبلة – مكاناً يسع الميت، ولا يعمق بحيث ينزل فيه جسد الميت كثيراً، بل بقدر ما يكون الجسد ملاصقاً للبن، هذا إذا كانت الأرض صلبة، وإن كانت الأرض رخوة اتخذ لها من الأحجار ونحوها ما يسندها باللحد ولا يلحد منها؛ لئلا يخر القبر على الميت.
* والشق أن يحفر في وسط القبر طولاً كالنهر ويُبْنَى جانباه باللبن وغيره أو يشق وسط القبر فيصير كالحوض ثم يوضع الميت فيه، ويسقف عليه بأحجار ونحوها، ويرفع السقف قليلاً بحيث لا يمس الميت([1166]).
وهذه الأحاديث السابقة تدل على أن اللحد أفضل؛ لأن الله اختاره لرسوله ﷺ، والشق جائز عند الحاجة إليه، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى:((واللحد معروف وهو الشق من الجانب القبلي من القبر، وفيه دليل لمذهب الشافعي والأكثرين في أن الدفن في اللحد أفضل من الشق إذا أمكن اللحد، وأجمعوا على جواز اللحد والشق...))([1167]).
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول عن حديث اللحد: ((يدل على أن اللحد أفضل؛لأن الله اختاره لرسوله ﷺ...)) وسمعته أيضاً يقول: ((... وعمل الصحابة وعمل المسلمين يدل على أن اللحد والشق جائزان، وذكر النووي إجماع العلماء على جواز الأمرين، وقد كان في المدينة لاحِدٌ وشاقٌّ؛ لكن اللحد أفضل، وإذا احتيج إلى الشق جاز كما في الأرض الرخوة))([1168]).
الأمر الثالث عشر: يتولى إنزال الميت القبر الرجال؛ لأنه المعهود في عهد النبي ﷺ، وجرى عليه عمل المسلمين في كل عصر من الأعصار إلى يومنا هذا؛ولأن الرجال أقوى على ذلك؛ولأن النساء لو تولته أفضى ذلك إلى انكشاف شيء من أبدانهن أمام الرجال الأجانب وهذا محرم([1169]).
الأمر الرابع عشر: يُغطَّى قبر المرأة عند إدخالها في القبر؛ لئلا يظهر ولا يبرز من معالم جسمها شيء؛ لما روي وذكر في ذلك من الآثار عن عمر، وعلي، وأنس، وعبد الله بن يزيد، والحسن([1170]).
قال الإمام الخرقي رحمه الله: ((والمرأة يخمّر قبرها بثوب)). قال الإمام ابن قدامة: ((لا نعلم في استحباب هذا بين أهل العلم خلافاً...)) ثم قال بعد أن ذكر بعض الآثار: ((... ولأن المرأة عورة ولا يؤمن أن يبدو منها شيء، فيراه الحاضرون))([1171]).
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول:((يوضع ثوب على المرأة عند إدخالها القبر:بشت أو نحوه حتى لا يظهر من جسمها شيء))([1172]).وبيَّن رحمه الله عندما سئل عن تغطية القبر بالنسبة للمرأة ما حكمه؟ فقال:((هذا أفضل))([1173]).
وذكر العلامة ابن عثيمين رحمه الله:أن هذا مما فعله السلف واستحبه العلماء رحمهم الله؛لأن هذا أستر لها؛ولئلا تبرز معالم جسمها، ولكن هذا ليس بواجب، ويكون هذا التخمير أو التسجية إلى أن يصفّ اللبن عليها([1174]).
الأمر الخامس عشر: أولياء الميت أحق بإنزاله؛ لعموم قول الله تعالى: ] وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله [([1175])؛ ولحديث علي t قال: ((غسلت النبي ﷺ، فذهبت لأنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئاً، وكان طيِّباً ﷺ حيّاً وميتاً))، وولي دفنه وإجنانه دون الناس أربعة: علي، والعباس، والفضل، وصالح مولى رسول الله ﷺ، ولحد لرسول الله ﷺ لحداً، ونصب عليه اللبن نصباً))([1176])([1177]).
وعن عامر قال: غسل رسول الله ﷺ: علي، والفضل، وأسامة بن زيد، وهم أدخلوه قبره، قال: حدثنا مرحب – أو أبو مرحب – أنهم أدخلوا معهم عبد الرحمن بن عوف، فلما فرغ علي قال: إنما يلي الرجل أهله))([1178]).
وعن عبد الرحمن بن أبزى قال: ((صليت مع عمر بن الخطاب على زينب بنت جحش بالمدينة فكبر أربعاً، ثم أرسل إلى أزواج النبي ﷺ من يأمرن أن يدخلها القبر؟ قال: وكان يعجبه أن يكون هو الذي يلي ذلك، فأرسلن إليه: انظر من كان يراها في حال حياتها فليكن هو الذي يدخلها القبر، فقال عمر: ((صدقن))([1179])([1180]).
الأمر السادس عشر: لا بأس بإدخال الزوج زوجته قبرها؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:((دخل عليَّ رسول الله ﷺ في اليوم الذي بُدئ فيه، فقلت:وارأساه،فقال:((وَددتُ أن ذلك كان وأنا حيٌّ،فهيأتُك ودفنتك)) قالت: فقلت غَيْرَى:كأني بك في ذلك اليوم عَرُوساً ببعض نسائك،قال: ((وأنا وارأساه!ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتاباً فإني أخاف أن يقول قائل ويتمنَّى متمنٍّ:أنا أوْلىَ ويأبى الله ﷻ والمؤمنون إلا أبا بكر))([1181]).
الأمر السابع عشر: ينزل المرأة قبرها من لم يطأ في الليلة السابقة؛ لحديث أنس بن مالك t قال: شهدنا بنت رسول الله ﷺ ورسول الله ﷺ جالس على القبر، فرأيتُ عينيه تدمعان، فقال: ((هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة؟)) فقال أبو طلحة، أنا، قال: ((فانزل في قبرها)) [فنزل في قبرها] فقبرها...))([1182]).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: ((وفي هذا الحديث جواز البكاء كما ترجم له، وإدخال الرجال المرأة قبرها؛ لكونهم أقوى على ذلك من النساء، وإيثار البعيد العهد عن الملاذ في مواراة الميت – ولو كان امرأة – على الأب والزوج،وقيل:إنما آثره بذلك؛لأنها كانت صنعته،وفيه نظر؛ فإن ظاهر السياق أنه ﷺ اختاره لذلك؛ لكونه لم يقع منه تلك الليلة جماع، وعلَّل ذلك بعضهم بأنه حينئذٍ يأمن من أن يذكّره الشيطان بما كان منه في تلك الليلة،وحكى ابن حبيب أن السر في إيثار أبي طلحة على عثمان أن عثمان كان قد جامع بعض جواريه في تلك الليلة فتلطّف ﷺ في منعه من النزول في قبر زوجته([1183]) بغير تصريح، ووقع في رواية حماد المذكورة فلم يدخل عثمان القبر،وفيه جواز الجلوس على شفير القبر عند الدفن))([1184]).
الأمر الثامن عشر:يدخل الميت من قِبَل رجلي القبر؛لحديث أبي إسحاق قال:أوصى الحارث أن يُصلِّي عليه عبد الله بن زيد،فصلى عليه ثم أدخله القبر من قبل رجلي القبر،وقال:((هذا من السنة))([1185])([1186]).وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((هذا أحسن ما ورد في ذلك، ورُوي في ذلك نوعان آخران:أحدهما سلَّه من جهة القبلة، والثاني سَلَّه من جهة رأس القبر،والأمر في هذا واسع،ولكن أحسن ما ورد ما رواه عبد الله بن زيد؛لأن قوله من السنة في حكم المرفوع عند أهل العلم([1187]).
الأمر التاسع عشر: يقول عند إدخال الميت القبر: ((بسم الله وعلى ملة رسول الله))، أو يقول: ((بسم الله وعلى سنة رسول الله ﷺ))؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ كان إذا وضع الميت في القبر قال: ((بسم الله وعلى سنة رسول الله ﷺ)). وهذا لفظ أبي داود، ولفظ الترمذي: ((أن النبي ﷺ كان إذا أدخل الميت القبر – وقال أبو خالد مرة: إذا وضع الميت في لحده – قال: - مرة -: ((بسم الله وبالله، وعلى ملة رسول الله)). وقال مرة: ((بسم الله، وبالله، وعلى سنة رسول الله ﷺ ))، ولفظ ابن ماجه: ((كان النبي ﷺ إذا أدخل الميت القبر قال: ((بسم الله وعلى ملة رسول الله)). وفي لفظ:((إذا وضع الميت في لحده قال:بسم الله وعلى سنة رسول الله)). وفي لفظ: ((بسم الله، وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله ﷺ))([1188]).
الأمر العشرون: يجعل الميت في قبره على جنبه الأيمن، ووجهه قبالة القبلة، ورأسه إلى يمين القبلة، ورجلاه إلى يسار القبلة، وعلى هذا جرى عمل أهل الإسلام من عهد رسول الله ﷺ إلى يومنا هذا، وهكذا كل مقبرة على ظهر الأرض([1189])، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: ((البيت الحرام قبلتكم أحياءً وأمواتاً))([1190]). وينبغي أن يُدنى من حائط القبر القبلي الأمامي؛ لئلا ينكب على وجهه، وأن يسند من خلف ظهره بتراب؛ لئلا ينقلب على ظهره([1191])([1192]).
الأمر الواحد والعشرون: تحل عن الميت العقد إذا وضع الميت داخل القبر على جنبه الأيمن([1193])، قال الإمام الخرقي رحمه الله: ((وتحل العقد))، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وأما حل العقد من عند رأسه ورجليه فمستحب؛ لأن عقدها كان للخوف من انتشارها وقد أُمن ذلك بدفنه، وروي أن النبي ﷺ لما أدخل نعيم بن مسعود الأشجعي القبر نزع الأخلة بفيه([1194]). وعن ابن مسعود، وسمرة بن جندب نحو ذلك([1195])([1196]).
وقال شيخنا ابن باز رحمه الله في حل العقد عن الميت في القبر: ((هذا هو الأفضل لفعل الصحابة y))([1197])([1198]).
الأمر الثاني والعشرون: ينصب على فتحة اللحد اللبن نصباً فيصف على فتحة اللحد من خلف الميت وينصب نصباً مرصوصاً، ويسد ما بين اللبن من خلل بقطع اللبن، فإذا أُحكم جعل الطين فوق ذلك حتى يسد الخلل بإحكام وإتقان؛لئلا يصل التراب إلى الميت، فإن لم يكن لبن وضع حجر أو نحوه، وأُلحم بالطين حتى يلتحم([1199]).
الأمر الثالث والعشرون: يُحثى بعد الفراغ من سد اللحد ثلاث حثيات على القبر؛ لحديث أبي هريرة t: ((أن رسول الله ﷺ صلى على جنازة، ثم أتى قبر الميت فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثاًً))([1200]). قال الإمام الصنعاني رحمه الله: ((وفيه دلالة على مشروعية الحثي على القبر ثلاثاً، وهو يكون باليدين معاً؛ لثبوته في حديث عامر بن ربيعة ففيه: ((حثى بيديه))([1201])([1202]).
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله يقول: ((والحثي عليه في هذا الحديث من باب المشاركة إذا كان الناس كثيراً، وجاء في لفظ: ((بيديه))([1203])، وسمعته أيضاً يقول: ((هذا يدل على أنه يستحب لمن حضر الدفن أن يشارك مع الناس ولو بثلاث حثيات))([1204])([1205]).
ويُهال على القبر التراب([1206])، ولا يزاد عليه من غير ترابه، وإنما يجعل التراب الذي أخرج من القبر من غير زيادة([1207]).
الأمر الرابع والعشرون: يرفع القبر عن الأرض قدر شبر؛ لأن تسويته بالأرض تعرضه للإهانة؛ ولأن رفعه عن الأرض بهذا القدر يجعله يتميَّز ولا يُهان؛ لحديث جابر t ((أن النبي ﷺ أُلحد له لحداً، ونصب عليه اللبن نصباً، ورفع قبره عن الأرض نحواً من شبر))([1208]). قال العلامة الألباني رحمه الله: ((ويؤيده ما سيأتي من النهي عن الزيادة على التراب الذي أُخرج من اللحد الذي شغله جسم الميت وذلك يساوي القدر المذكور في الحديث))([1209]).
قال شيخنا ابن باز رحمه الله ما ملخصه: ((وإذا دفنوا القبر بتراب، جعلوا عليه حصباء، ورشوه بالماء حتى يثبت بها التراب فكل هذا لا بأس به؛ لأن فيه حفظاً لترابه، وبقاء له، والمشروع [في رفع القبر] شبر، أو ما حوله، أما رفعه كثيراً فلا يجوز؛ لما ثبت عن النبي ﷺ أنه قال لعلي t: ((لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرِفاً إلا سويته))([1210])([1211]).
وعن جابر t قال: ((نهى رسول الله ﷺ أن يُجصص القبر، أو يقعد عليه، وأن يُبنى عليه))([1212]).
ولفظ النسائي: ((أن يُبنى على القبر، أو يُزاد عليه، أو يُجصص، أو يكتب عليه))([1213]).
وفي سنن أبي داود: ((نهى أن يُقعد على القبر، وأن يُقصص، ويُبنى عليه، أو يزاد عليه، أو أن يُكتب عليه))([1214]). ولفظ الترمذي: ((نهى رسول الله ﷺ: أن تجصص القبور، وأن يُكتب عليها، وأن يُبنى عليها، وأن تُوطأ))([1215]). ولفظ ابن ماجه: ((نهى رسول الله ﷺ عن تجصيص القبور))([1216]). وفي لفظ له: ((أن يُكتب على القبر شيء))([1217]).
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((والزيادة عليه من غير ترابه تُفضي إلى رفعه، فلا يُزاد عليه بل يكتفى بما أخذ من تراب لحده))([1218])، وسمعته في موضع آخر يقول: ((لا يجوز البناء على القبور، والتجصيص، ولا يقعد عليها، ولا البناء عليها، ولا توطأ، ولا يزاد عليها من غير ترابها))([1219]).وجاء في ذلك آثار كثيرة أنه لا يزاد على تراب اللحد الذي أخذ من القبر، بل يكفي ذلك للدفن([1220]).
الأمر الخامس والعشرون: يسنم القبر كهيئة سنام الجمل؛لحديث سفيان التمار:((أنه رأى قبر النبي ﷺ مسنماً))([1221]). ولفظ ابن أبي شيبة: ((دخلت البيت الذي فيه قبر النبي ﷺ فرأيت قبر النبي ﷺ، وقبر أبي بكر، وقبر عمر مسنمة))([1222]). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((واستدل به على أن المستحب تسنيم القبور وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد، والمزني وكثير من الشافعية...))([1223]).
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله:((وتسنيم القبر أفضل من تسطيحه، وبه قال مالك، وأبو حنيفة، والثوري...))([1224]).
الأمر السادس والعشرون:توضع على القبر الحصباء؛ لحديث القاسم قال:دخلت على عائشة فقلت:يا أُمَّهْ! اكشفي لي عن قبر رسول الله ﷺ وصاحبيه رضي الله عنهما فكشفت لي عن ثلاثة قبور:لا مُشرفة، ولا لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرْصَةِ الحمراء)) قال أبو علي [اللؤلؤي] يقال:إن رسول الله ﷺ مُقدّمٌ، وأبو بكر عند رأسه، وعمر عند رجليه، رأسه عند رجلي رسول الله ﷺ))([1225]).
والبطحاء في هذا الحديث: هو الحصى الصغار، ويقال: بطحاء الوادي وأبطحه: هو حصاه اللين في بطن المسيل([1226])، وقوله: ((ولا لاطئة)) يقال: لطئ بالأرض ولطأ بها إذا لزق))([1227])، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((والمشرف ما رفع كثيراً))([1228])، وقال رحمه الله: ((ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر؛ ليعلم أنه قبر، فيُتوقَّى، ويُتَرَحَّم على صاحبه))([1229])، وقد جاء آثار كثير تدل على وضع الحصباء على القبور، ومن ذلك ما رواه جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي ﷺ رشَّ على قبر إبراهيم ابنه الماء ووضع عليه حصباء))([1230])، وغير ذلك من الآثار([1231]).
ولا منافاة بين التسنيم للقبر وبين قوله: مبطوح ببطحاء العرصة الحمراء، فبطحاء العرصة هو الحصباء الصغير؛ ولهذا جمع الإمام ابن القيم رحمه الله بين حديث سفيان التمار في قوله: ((إنه رأى قبر النبي ﷺ مسنماً))،وحديث القاسم:((لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء)) فقد جمع بين الحديثين فقال:((وقبره ﷺ مسنم مبطوح ببطحاء العرصة الحمراء لا مبني ولا مطيَّن،وهكذا كان قبر صاحبيه))([1232]).
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول في الجمع بين الحديثين: ((السنة أن يكون القبر مسنماً، وحديث عائشة رضي الله عنها لا ينافي ذلك، فهو يكون مسنماً حتى يرد عنه الماء وتوضع عليه حصباء ويرش))([1233]).
السابع والعشرون: يُعلّم القبر بحجر أو لبن، أو خشبة؛ لأن النبي ﷺ علَّم قبر عثمان بن مظعون t بحجر وضعه عند رأسه وقال: ((أتعلَّم بها قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي))([1234]).
قال الإمام شيخنا عبد العزيز ابن باز رحمه الله: ((لا بأس بوضع علامة على القبر ليعرف: كحجر، أو عظم، أو حديد، من غير كتابة ولا أرقام؛ لأن الأرقام كتابة، وقد صح النهي عن النبي ﷺ عن الكتابة على القبر، أما وضع حجر على القبر، أو صبغ الحجر بالأسود أو الأصفر حتى يكون علامة على صاحبه فلا يضر))([1235]).
الثامن والعشرون:رشّ القبر بالماء بعد الانتهاء من أعمال الدفن،قال الإمام ابن قدامة رحمه الله:((ويستحب أن يرش على القبر ماء؛ليلتزق ترابه))([1236]).
وقد ورد في ذلك آثار كثيرة منها ما جاء عن جعفر بن محمد عن أبيه: ((أن الرش على القبر كان على عهد رسول الله ﷺ))([1237])، وغير ذلك من الآثار([1238]).
قال الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله في حكم وضع الحصباء على القبر ورشه بالماء: ((هذا مستحب إذا تيسر ذلك؛ لأنه يثبِّت التراب ويحفظه، ويروى أنه وضع على قبر النبي ﷺ بطحاء، ويستحب أن يرش بالماء حتى يثبت التراب ويبقى القبر واضحاً معلوماً حتى لا يمتهن))([1239])، وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((لا بأس أن يرش؛ لأن الماء يمسك التراب فلا يذهب يميناً ويساراً))([1240]).
الأمر التاسع والعشرون:يقف الحاضرون بعد الفراغ من الدفن على القبر يدعون للميت بالتثبيت ويستغفرون له، ويؤمر جميع الحاضرين بذلك؛ حديث عثمان بن عفان t قال:((كان النبي ﷺ إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال:((استغفروا لأخيكم، وسلُوا له التثبيت؛فإنه الآن يُسأل))([1241]).
قال الإمام الشوكاني رحمه الله:((فيه مشروعية الاستغفار للميت عند الفراغ من دفنه، وسؤال التثبيت له؛لأنه يُسأل في تلك الحال، وفيه دليل على ثبوت حياة القبر، وقد ورد بذلك أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر))([1242]).وقد تقدمت الأدلة على فتنة القبر في أول الكتاب.
أسأل الله لي ولجميع المؤمنين العفو والعافية والثبات في الحياة الدنيا وبعد الممات([1243]).
1 - استقبال القبلة في الجلوس لمن كان ينتظر دفن الجنازة؛ لحديث البراء بن عازب t قال: ((خرجنا مع رسول الله ﷺ في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولم يلحد بعد، فجلس النبي ﷺ مستقبلاً القبلة وجلسنا معه))([1244])، قال الإمام الشوكاني رحمه الله: ((فيه دليل استحباب الاستقبال في الجلوس لمن كان منتظراً دفن الجنازة))([1245]).
2 - تحريم الجلوس على القبر؛ لحديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: ((لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر))([1246]).
3 - لا يُصلَّى إلى القبور؛ لحديث أبي مرثد الغنوي قال: قال رسول الله ﷺ: ((لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها))([1247]).
4 - لا يُتكأ على القبر؛لحديث عمرو بن حزم الأنصاري t قال:رآني رسول الله ﷺ متكئاً على قبر فقال:((لا تؤذِ صاحب هذا القبر – أو لا تؤذه –))([1248]).
5 - لا يمشى بالنعال بين القبور إلا لضرورة؛ لحديث بشير مولى رسول الله ﷺ أن رسول الله ﷺ رأى رجلاً يمشي بين القبور عليه نعلان فقال: ((يا صاحب السبتيتين: ويحك ألق سبتيتيك)) فنظر الرجل فلما عرف رسول الله ﷺ خلعهما فرمى بهما))([1249]).
قال الإمام الشوكاني رحمه الله: ((وفي ذلك دليل على أنه لا يجوز المشي بين القبور بالنعلين... [و] سماع الميت لخفق النعال([1250]) لا يستلزم أن يكون المشي على قبر أو بين القبور فلا معارضة))([1251]).
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول في حديث بشير: ((وهذا يدل على كراهة المشي بين القبور بالنعال، وإسناده جيد، لكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك: كالحر وغيره زالت الكراهة، أما حديث: ((يسمع قرع نعالهم)) فلا يلزم بأنه على القبور، فيكون خارجاً، أو يقال: ذلك عند الحاجة))([1252]).
وأوضح العلامة ابن عثيمين رحمه الله: أن المشي بين القبور بالنعال مكروه وخلاف السنة إلا لحاجة، كشدة حر، أو يكون في المقبرة شوك، أو حصى يؤذي الرجل فلا بأس به([1253]).
6 - تحريم الصلاة في المقبرة؛ لأن النبي ﷺ بيّن أن القبور ليست من مواضع الصلاة، فقال: ((لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم))([1254]).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال:((اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً)).وفي لفظ:((صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً))([1255])، والمعنى:صلوا فيها ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة([1256]).
7 - المقابر ليست من المواضع التي يرغب في قراءة القرآن فيها؛ لحديث أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة))([1257]).
8 - لا تبنى عليها المساجد؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما حينما ذكرتا لرسول الله ﷺ كنيسة في الحبشة فيها تصاوير قال: ((إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة))([1258]).
9 - لا تتخذ مساجد؛ لحديث جندب t قال: سمعت النبي ﷺ قبل أن يموت بخمس وهو يقول: ((إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل؛ فإن الله تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك))([1259]).
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ قال:((لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) قالت عائشة رضي الله عنها: يحذر ما صنعوا))([1260]).
10 - لا تُبنى عليها القباب ولا تُرفع أكثر من شبر؛ لحديث أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ﷺ: ((ألاّ تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سوّيته))([1261]).
11 - لا تتخذ عليها السرج؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لعن رسول الله ﷺ زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج))([1262])، ولحديث أبي هريرة t: أن رسول الله ﷺ: ((لعن زوَّارات القبور))([1263]).
12 - لا تُجصص القبور؛ لحديث جابر t: ((نهى رسول الله ﷺ أن يجصص القبر، أو يقعد عليه، أو يُبنى عليه))([1264]).
13 - لا يُقعد على القبر؛ لحديث جابر السابق.
14 - لا يُزاد عليها من غير ترابها، لحديث جابر في لفظ عند النسائي([1265]).
15 - لا يُكتب عليها شيء؛ لحديث جابر في لفظ عند أبي داود([1266])، والترمذي([1267]).
16 - لا تُوطأ؛ لحديث جابر في لفظ عند الترمذي([1268]).
17 - لا يبنى عليها؛ لحديث جابر في لفظ عند الترمذي([1269])، وعند ابن ماجه([1270]).
18 - لا تتخذ القبور عيداً فيتردد إليها الناس في أوقات محددة وفي أزمان مؤرخة لا يأتونها إلا فيها؛ لقوله ﷺ: ((لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم))([1271]).
19 - لا تُشد الرحال إلى زيارتها؛ لقوله ﷺ: ((لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى))([1272]).
20 - لا يُذبح ولا يُنحر عند القبور؛ لحديث أنس t يرفعه: ((لا عقر في الإسلام)) قال عبد الرزاق بن همام: كانوا يعقرون بقرة أو شاة([1273])، هذا إذا كان الذبح أو النحر عند القبور يتقرب به إلى الله تعالى فهو بدعة، أما إذا كان الذبح لصاحب القبر فهو شرك أكبر يخرج صاحبه من الملة([1274]).
21 - لا تكسر عظام أهل القبور؛لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: ((إن كسر عظم المؤمن ميتاً مثل كسره حيًّا))([1275]).
22 - لا يُسبُّ الأموات؛لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:قال النبي ﷺ: ((لا تسبُّوا الأموات؛فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا))([1276]).
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((وهذا هو الأصل؛ إلا إذا كان في سبهم مصلحة للناس، كمن قال لهم النبي ﷺ: ((وجبت)) عندما مُرَّ بجنازة فأثني عليها خيراًًًً، [ومُرَّ بأخرى فأثني عليها شرًّا]([1277]).
العزاء يقال: تعزَّيتُ عنه: أي تصبَّرت، أصلها تعزَّزت، والاسم منه العزاء([1278]) والتعزِّي: التأسِّي والتصبّر عند المصيبة، وأن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون))([1279]).
والتعزية: التصبير على ما أصاب من المكروه([1280])، والتعزية يُراعى فيها الأمور الآتية:
الأمر الأول: فضل تعزية المصاب، جاء في ذلك فضل عظيم؛ لحديث عمرو بن حزم أن النبي ﷺ قال: ((ما من مؤمن يُعزِّي أخاه بمصيبة إلا كساه الله سبحانه من حلل الكرامة يوم القيامة))([1281]).
وعن أنس بن مالك t عن النبي ﷺ قال: ((من عزّى أخاه المؤمن في مصيبة كساه الله حُلة خضراء يُحْبَرُ بها يوم القيامة)) قيل: يا رسول الله، ما يُحبرُ؟ قال: ((يغبط))([1282]).
الأمر الثاني: ألفاظ التعزية، وصفتها، يقوم المعزِّي بتعزية المصاب بما يسلِّيه، ويصبِّره، ويحمله على: الرضا، والصبر، واحتساب المصيبة عند الله تعالى، والثقة بالله سبحانه وأنه لا يخلف الميعاد، ويكون ذلك بما تيسر من الترغيب في الأجر والثواب، والاحتساب من القرآن الكريم والسنة الصحيحة، أو بما تيسر من الكلام الذي يخفف المصيبة، ويبرِّد حرارتها([1283]) على حسب نوع المصيبة وحال المصاب، ومن ذلك ما يأتي:
1 – ما قاله رسول الله ﷺ لابنته حينما كان ولدها في الغرغرة: ((إن لله ما أخذ و[لله] ما أعطى، وكل شيء عنده إلى أجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب))([1284]).
2 – يناسب أن يقال لمن فقد ولده ما ثبت في حديث قرة بن إياس، قال: كان نبي الله ﷺ إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه، وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه، فهلك فامتنع الرجل أن يحضر الحلْقة لذكر ابنه، فحزن عليه، ففقده النبي ﷺ فقال: ((ما لي لا أرى فلاناً؟)) قالوا: يا رسول الله بُنيَّه الذي رأيته هلك، فلقيه النبي ﷺ فسأله عن بُنيِّهُ؟ فأخبره أنه هلك فعزَّاه عليه ثم قال: ((يا فلان أيُّما كان أحبَّ إليك أن تمتَّع به عُمرك؟ أو لا تأتي غداً إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتح لك؟)) قال: يا نبي الله بل يسبقنى إلى باب الجنة فيفتحها لي؛ لهو أحبُّ إليَّ، قال: ((فذاك لك))([1285]).
3 – مما يقال لمن فقد ولدين أو ثلاثة ما ثبت من حديث بريدة بن الحصيب قال: كان رسول الله ﷺ يتعهد الأنصار ويعودهم، ويسأل عنهم فبلغه عن امرأة من الأنصار مات ابنها وليس لها غيره وأنها جزعت عليه جزعاً شديداً، فأتاها النبي ﷺ ومعه أصحابه، فلما بلغ باب المرأة، قيل للمرأة: إن نبي الله يريد أن يدخل يعزِّيها، فدخل رسول الله ﷺ فقال: ((أما إنه بلغني أنكِ جزعتِ على ابنك))، فأمرها بتقوى الله وبالصبر، فقالت: يا رسول الله [ما لي لا أجزع] وإني امرأة رقوبٌ لا ألد، ولم يكن لي غيره؟ فقال رسول الله ﷺ: ((الرقوب: الذي يبقى ولدها)) ثم قال: ((ما من امرئٍ أو امرأة مسلمة يموت لها ثلاثة أولاد [يحتسبهم] إلا أدخله الله بهم الجنة)) فقال عمر [وهو عن يمين النبي ﷺ] بأبي أنت وأمي واثنين؟ قال: ((واثنين))([1286])، وقد ثبت في هذا أحاديث كثيرة: أن من مات له ثلاثة من الولد، أو اثنين، أو واحد، فصبر واحتسب إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم([1287]).
4 – قال النبي ﷺ حينما دخل على أم سلمة رضي الله عنها عقب موت أبي سلمة: ((اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونوِّر له فيه))([1288]).
فمن السنة أن يقال في التعزية: ((اللهم اغفر لفلان – ويذكر اسمه – وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونوِّر له فيه)).
5 – وقال النبي ﷺ في تعزيته عبد الله بن جعفر في أبيه: ((اللهم اخلف جعفراً في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه)) قالها ثلاث مرات([1289]).
6 – ومما يبرِّد حرارة المصيبة في التعزية في الأحباب على وجه العموم، سواء كان الميت من الأولاد، أو الآباء، أو الأمهات، أو الإخوة، أو الأخوات، أو الزوج، أو الزوجة، أو الحبيب المصافي والصديق المخلص، قول النبي ﷺ: ((ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة))([1290]).
7 – ولو قال: ((أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك)) فلا بأس بذلك([1291]).
الأمر الثالث: التعزية لا تحدد بثلاثة أيام لا تتجاوزها، بل متى رأى الفائدة في التعزية أتى بها، فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه عزَّى بعد الثلاثة في حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما([1292]) فما دامت حرارة المصيبة قائمة فلا بأس بالتعزية، ولو بعد وقتٍ طويل، فالأمر فيه واسع وفيه مواساة لأهل الميت في مصابهم.
قال شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله: ((العزاء ليس له أيام محدودة، بل يشرع من حين خروج الروح قبل الصلاة على الميت وبعدها، [وقبل الدفن وبعده]، وليس لغايته حد في الشرع المطهر، سواء كان ذلك ليلاً أو نهاراً، وسواء كان ذلك في البيت، أو في الطريق، أو في المسجد، أو في المقبرة، أو في غير ذلك من الأماكن))([1293]).وقال رحمه الله تعالى:((والمبادرة بها أفضل، وتجوز بعد ثلاث من موت الميت لعدم الدليل على التحديد))([1294]).
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((وقت التعزية من حين ما يموت الميت أو تحصل المصيبة إذا كانت التعزية بغير الموت إلى أن تُنسى المصيبة وتزول عن نفس المصاب؛ لأن المقصود بالتعزية ليست تهنئةً أو تحيةً، إنما المقصود بها تقويةُ المصاب على تحمّل هذه المصيبة واحتساب الأجر))([1295]).
الأمر الرابع: السنة في العزاء أن يصنع أقرباء أهل الميت أو جيرانهم طعاماً يشبعهم؛ لحديث عبد الله بن جعفر t قال: لما جاء نعي جعفر حين قُتِلَ قال رسول الله ﷺ: ((اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد أتاهم ما يشغلهم)) أو: ((أمر يشغلهم))([1296]).
وعن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: ((لما أصيب جعفر رجع رسول الله ﷺ إلى أهله فقال: ((إن آل جعفر قد شغلوا بشأن ميتهم، فاصنعوا لهم طعاماً)) قال عبد الله: فما زالت سنة حتى كان حديثاً فتُرِكَ))([1297]).
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ((وأحبُّ لجيران الميت أو ذي القرابة أن يعملوا لأهل الميت في يوم يموت وليلته طعاماً يشبعهم؛ فإن ذلك سنة، وذكر كريم، وهو من فعل أهل الخير قبلنا وبعدنا))([1298]).
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وجملته أنه يستحب إصلاح طعام لأهل الميت، يبعث به إليهم، إعانة لهم، وجبراً لقلوبهم، فإنهم ربما انشغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي إليهم من إصلاح طعامٍ لأنفسهم))([1299]).
ثم بيّن ابن قدامة رحمه الله: أنها إذا دعت الحاجة لإصلاح أهل الميت للطعام جاز؛ فإنه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من القرى والأماكن البعيدة ويبيت عندهم فلا يمكنهم أن لا يضيفوه([1300]).
وقال رحمه الله: ((وتستحب تعزية جميع أهل المصيبة: كبارهم، وصغارهم، ويُخصُّ خيارهم، والمنظور إليه من بينهم، ليستنَّ به غيرُهُ، وذا الضعيف منهم عن تحمل المصيبة؛ لحاجته إليها))([1301]).
وقال شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله: ((... السنة التعزية لأهل المصاب من غير كيفية معينة ولا اجتماع معين.. وإنما يشرع لكل مسلم بأن يُعزِّي أخاه بعد خروج الروح في البيت، أو في الطريق، أو في المسجد، أو في المقبرة، سواء كانت التعزية قبل الصلاة أو بعدها، وإذا قابله شُرع له مصافحته والدعاء له بالدعاء المناسب... وإذا كان الميت مسلماً، دعا له بالمغفرة والرحمة، وهكذا النساء فيما بينهن يعزي بعضهن بعضاً، ويعزي الرجل المرأة، والمرأة الرجل، لكن من دون خلوة ولا مصافحة إذا كانت المرأة ليست محرماً له))([1302]).
الأمر الخامس: البدع والمنكرات في العزاء كثيرة، لكن من أكثرها ظهوراً في بعض المجتمعات ما يأتي:
1 – اجتماع أهل الميت خارج المنزل في أماكن واسعة، سواء كانت: من الخيام الكبيرة المضاءة بالأنوار والمفروشة بالفرش؛ لاستقبال الناس فيها، أو من قصور الأفراح المجهزة بالإضاءة والفرش، أو فرش الساحات الخالية أمام المنزل وإنارتها استعداداً لاستقبال المعزين، أو إنارة الشوارع وإحضار من يقرأ القرآن، وإعداد القهوة والشاي، وبعض العصيرات والأطياب؛ لتقديمها للمعزين، وغير ذلك من المنكرات البدعية التي يجب على كل مسلم الابتعاد عنها والتزام السنة([1303]). وإذا صنع الطعام للناس كان ذلك بدعة أخرى([1304]).
2 – الاجتماع في منزل الميت للأكل والشرب وقراءة القرآن، ودعوة الناس لحضور الطعام المقدم، وربما بعض المعزِّين يأتي بالأغنام، أو الإبل، أو البقر، بحجة تقديمها لهؤلاء المعزين، ولأهل البيت، ويدعو كل من قابله ممن يأتون للتعزية لحضور هذا الطعام، وهذا من البدع المنكرة؛ لحديث جرير بن عبد الله البجلي t قال: ((كنَّا نَعُدُّ الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة)). ولفظ ابن ماجه: ((كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت، وصنعَةَ الطعام من النياحة))([1305]).
قال شيخنا ابن باز رحمه الله: ((والنياحة: هي رفع الصوت بالبكاء وهي محرمة، والميت يُعذب في قبره بما يناح عليه، كما صحت به السنة عن النبي ﷺ، أما البكاء فلا بأس به إذا كان بدمع العين فقط بدون نياحة))([1306]).
وقوله: ((كنا نعدّ)) أو ((كنا نرى)) قال السندي رحمه الله: ((هذا بمنزلة رواية إجماع الصحابة y، أو تقرير النبي ﷺ، وعلى الثاني فحكمه الرفع على التقديرين فهو حجة)). ثم قال: ((وبالجملة فهذا عكس الوارد أن يصنع الناس الطعام لأهل الميت، فاجتماع الناس في بيتهم حتى يتكلفوا لأجلهم الطعام قلب لذلك، وقد ذكر كثير من الفقهاء أن الضيافة لأهل الميت قلب للمعقول؛ لأن الضيافة حقها أن تكون للسرور لا للحزن))([1307]).
وقال شيخنا ابن باز رحمه الله: الاجتماع في بيت الميت للأكل والشرب وقراءة القرآن بدعة... وإنما يؤتى أهل الميت للتعزية والدعاء والترحم على ميتهم، أما أن يجتمعوا لإقامة مأتم([1308]) بقراءة خاصة، أو أدعية خاصة، أو غير ذلك، ولو كان هذا خيراً لسبقنا إليه سلفنا الصالح، فالرسول ﷺ ما فعله، فقد قتل جعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، وزيد بن حارثة y في معركة مؤتة فجاءه الخبر عليه الصلاة والسلام من الوحي بذلك فنعاهم للصحابة، وأخبرهم بموتهم، وترضَّى عنهم، ودعا لهم، ولم يتخذ لهم مأتماً. وكذلك الصحابة من بعده لم يفعلوا شيئاً من ذلك، فقد مات الصديق t ولم يتخذوا له مأتماً، وقتل عمر t وما جعلوا له مأتماً، ولا جمعوا الناس ليقرأوا القرآن، وقُتل عثمان بعد ذلك وعلي رضي الله عنهما فما فعل الصحابة y لهما شيئاً من ذلك...)) ([1309]) ([1310]).
الأمر السادس: مشروعية التلبينة للمحزون؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تأمر بالتلبينة للمريض، والمحزون على الهالك، وكانت تقول: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((التلبينة تُجِمُّ فؤاد المريض، وتُذهبُ ببعض الحزن)). وفي لفظ: ((أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء ثم تفرقن – إلا أهلها وخاصتها – أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت ثم صنع ثريد فصبت التلبينة عليها، ثم قالت: كلن منها، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((التلبينة مَجمَّةٌ لفؤاد المريض، تذهب ببعض الحزن))([1311]).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((التَّلْبِيْنَة: طعام يُتخذ من دقيق أو نخالة وربما جعل فيها عسل، سميت بذلك لشبهها باللبن في البياض والرقة، والنافع منه ما كان رقيقاً نضيجاً لا غليظاً نيئاً... وقوله: ((مَجَمَّة: أي مكان الاستراحة)) ورويت بضم الميم [مُجمَّةٌ] أي مريحة، والجِمام: الراحة، ((والثريد: الخبز بمرق اللحم وقد يكون معه اللحم))([1312]). وقال ابن الأثير رحمه الله: ((التلبينة والتلبين: حساءٌ يُعمل من دقيق أو نُخالة وربما جُعل معه عسل سميت به تشبيهاً باللبن لبياضها ورقتها))([1313]). وقال الحافظ رحمه الله: ((التلبينة:حساء كالحريرة يتخذ من دقيق أو نخالة سميت بذلك لشبهها باللبن في البياض))([1314]).
ينبغي أن ينظر في ذلك إلى أمرين:
الأمر الأول: ما يلحق الميت من عمله؛ لحديث أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال: ((إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقةٍ جاريةٍ، أو علم ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له))([1315]). ويدخل في هذا الحديث حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: ((إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علماً علمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورَّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، يلحقه من بعد موته))([1316])؛ ولحديث معاذ بن أنس أن النبي ﷺ قال: ((من علَّم علماً فله أجر من عمل به، لا ينقص من أجر العامل))([1317]).
وعن سهل بن سعد t:أن النبي ﷺ قال يوم خيبر لعلي بن أبي طالب t: ((... فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حُمْرُ النَّعم))([1318]).
وهذا يبين أهمية تعليم الناس الخير، ونشر العلم بينهم، قال الإمام الخطابي رحمه الله في معنى الحديث: ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك أجراً وثواباً من أن يكون لك حمر النعم، فتتصدق بها))([1319])، وقد ذكر القرطبي والأُبِّي والسنوسي رحمهم الله: ((إن في هذا الحديث الشريف حضّاً عظيماً على تعلم العلم وبثه في الناس، وعلى الوعظ والتذكير، ويعني أن ثواب تعليم رجل واحد وإرشاده أفضل من ثواب الصدقة بهذه الإبل النفيسة؛ لأن ثواب الصدقة بها ينقطع بموتها، وثواب العلم والهدى لا ينقطع إلى يوم القيامة))([1320]).
وقال ﷺ: ((من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله))([1321]). وقال ﷺ: ((من سنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً فَعُمِل بها بعده كُتِبَ له مثلُ أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيءٌ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، فَعُمِلَ بها بعده، كُتِبَ عليه مثل وِزْر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيءٌ))([1322]).
وعن أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثلُ أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثلُ آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً))([1323])، وعن أبي أمامة t يرفعه: ((فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم)) ثم قال رسول الله ﷺ: ((إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، لَيُصلُّون على مُعَلِّم الناس الخير))([1324]).
وعن أبي الدرداء t قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((إنه ليستغفر للعالم مَن في السموات ومَن في الأرض، حتى الحيتان في البحر))([1325]).
الأمر الثاني: وصول ثواب القرب المهداة إلى أموات المسلمين ثابت في الكتاب والسنة، لكن فيه تفصيل لأهل العلم.
فَمِّما يدل على وصول ثواب الأعمال المهداة إلى أموات المسلمين من الكتاب والسنة الأدلة الآتية:
1 - قوله تعالى: ] وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [([1326]).
2 - قوله ﷻ: ] فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الله وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالـْمُؤْمِنَاتِ وَالله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [([1327]).
3 - وقوله تعالى عن قول نوح: ] رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً [([1328]).
4 - وقوله تعالى عن قول إبراهيم: ] رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ [([1329]).
5 - وحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: ((من مات وعليه صيام، صام عنه وليُّه))([1330]).
6 - وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن امرأة ركبت البحر فنذرت، إن الله تبارك وتعالى أنجاها أن تصوم شهراً، فأنجاها الله ﷻ، فلم تصم حتى ماتت، فجاءت قَرابة لها [إما أختها أو ابنتها] إلى النبي ﷺ، فذكرت ذلك له، فقال: [أرأيتك لو كان عليها دين كنتِ تقضينه؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحقُّ أن يُقضى] [فـ] اقْضِ [عن أمك]))([1331]).
7 - وحديث ابن عباس: ((أن سعد بن عبادة t استفتى رسول الله ﷺ: إن أمي ماتت وعليها نذر؟ فقال: ((اقضِهِ عنها))))([1332]).
8 - وحديث سعد بن الأطول t: ((أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالاً، قال: فأردت أن أُنفقها على عياله، قال: فقال لي النبي ﷺ: ((إن أخاك محبوسٌ بدينه [فاذهب] فاقضِ عنه)) [فذهبت فقضيت عنه، ثم جئت]، قال: يا رسول الله، قد قضيت عنه إلا دينارين ادَّعتهما امرأة، وليست لها بينة، قال: ((أعطِها فإنها مُحقة))، (وفي رواية: صادقة)))([1333]).
9 - وحديث سمرة بن جندب t: ((أن النبي ﷺ صلى على جنازة (وفي رواية: صلى الصبح)، فلما انصرف قال: ((أهاهنا من آل فلان أحد؟)) [فسكت القوم، وكان إذا ابتدأهم بشيء سكتوا] فقال ذلك مراراً [ثلاثاً لا يُجيبه أحدٌ]، [فقال رجل: هو ذا]، قال: فقام رجل يجرُّ إزاره من مؤخر الناس [فقال له النبي ﷺ: ((ما منعك في المرتين الأوليين أن تكون أجبتني؟] أما إني لم أنوِّه باسمك إلا لخير، إن فلاناً – لرجل منهم – مأسور بدينه [عن الجنة، فإن شئتم فافدوه، وإن شئتم فأسلموه إلى عذاب الله]، فلو رأيت أهله ومن يتحرون أمره قاموا فقضوا عنه، [حتى ما أحدٌ يطلبه بشيء]([1334]) ([1335]).
10 - وحديث جابر بن عبد الله t قال: ((مات رجل، فغسلناه وكفناه وحنطناه، ووضعناه لرسول الله ﷺ حيث تُوضع الجنائز، عند مقام جبريل، ثم آذنّا رسول الله ﷺ بالصلاة عليه، فجاء معنا، [فتخطى] خطى، ثم قال:((لعل على صاحبكم ديناً؟)) قالوا:نعم، ديناران، فتخلف، [قال:صلوا على صاحبكم]، فقال له رجل منا يُقال له:أبو قتادة: يا رسول الله هُما عَلَيّ، فجعل رسول الله ﷺ يقول: هما عليك وفي مالك، والميت منهما بريء؟ فقال: نعم، فصلى عليه فجعل رسول الله ﷺ إذا لقي أبا قتادة يقول. (وفي رواية: ثم لقيه من الغد فقال:) ((ما صنعتِ الديناران؟)) [قال: يا رسول الله إنما مات أمس] حتى كان آخر ذلك (وفي الرواية الأخرى: ثم لقيه من الغد فقال: ((ما فعل الديناران؟)) قال: قد قضيتهما يا رسول الله، قال: ((الآن حين بَرَدَتْ عليه جلدُه))([1336])([1337]).
11 - وحديث جابر رضي الله عنهما أن أباه استشهد يوم أُحُد، وترك ست بنات، وترك عليه ديناً [ثلاثين وسْقاً]، [فاشتد الغرماء في حقوقهم]، فلما حضره جذاذ النخل، أتيت رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله قد علمت أن والدي استشهد يوم أحد، وترك عليه ديناً كثيراً، وإني أُحب أن يراك الغرماء، قال: ((اذهب فبيدر كل تمرٍ على حدة))، ففعلت، ثم دعوت، [فغدا علينا حين أصبح]، فلما نظروا إليه أغروا بي تلك الساعة، فلما رأى ما يصنعون أطاف حول أعظمها بيدراً ثلاثاً [ودعا في ثمرها بالبركة]، ثم جلس عليه، ثم قال: ((ادعُ أصحابك))، فما زال يكيل لهم، حتى أدى الله أمانة والدي([1338])، وأنا والله راض أن يؤدي الله أمانة والدي، ولا أرجع إلى أخواتي بتمرة، فسلمت والله البيادر كلها حتى إني أنظر إلى البيدر الذي عليه رسول الله ﷺ كأنه لم ينقص تمرة واحدة، [فوافيت مع رسول الله ﷺ المغرب، فذكرت ذلك له فضحك، فقال: ((ائت أبا بكر وعمر فأخبرهما))، فقالا: لقد علمنا إذ صنع رسول الله ﷺ ما صنع أن سيكون ذلك))([1339]).
12 - وحديث جابر t قال: كان رسول الله ﷺ يقوم فيخطب، فيحمد الله، ويُثني عليه بما هو أهل له، ويقول: ((من يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، [وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار]، وكان إذا ذكر الساعة احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، كأنه منذر جيش [يقول:] صبحكم ومساكم، من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك ضياعاً([1340]) أو ديناً فعليَّ، وإليَّ، وأنا [أ] ولى [بـ] المؤمنين (وفي رواية: بكل مؤمن من نفسه)))([1341]).
13 - وحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: ((من حَمَل من أمتي ديناً، ثم جهد في قضائه فمات ولم يقضه فأنا وليه))([1342]).
14 - ومما يلحقه ما يفعله الولد الصالح من الأعمال الصالحة، فإن لوالديه مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيء؛لأن الولد من سعيهما وكسبهما، والله ﷻ يقول:] وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى [([1343])، وقال رسول الله ﷺ: ((إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإنّ ولده من كسبه))([1344]).
15 - وحديث عائشة رضي الله عنها: ((أن رجلاً قال: إن أمي افتلتت([1345]) نفسها [ولم تُوصِ]، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجرٌ إن تصدقتُ عنها [ولي أجر]؟ قال: نعم، [فتصدَّق عنها]))([1346]).
16 - وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن سعد بن عبادة – أخا بني ساعدة – توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله إن أمي توفيت، وأنا غائب عنها، فهل ينفعها إن تصدقت بشيء عنها؟ قال: نعم، قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف([1347]) صدقةٌ عليها))([1348]).
17 - وحديث سعد بن عبادة قال: قلت يا رسول الله: إن أمي ماتت، أفأتصدق عنها؟ قال: ((نعم)) قلت: فأي صدقة أفضل؟ قال: ((سقي الماء)) فتلك سقاية سعد بالمدينة([1349]).
18 - وحديث أبي هريرة t: ((أن رجلاً قال للنبي ﷺ: إن أبي مات وترك مالاً ولم يُوصِ فهل يُكفِّر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: نعم))([1350]).
19 - وحديث عبد الله بن عمرو: ((أن العاص بن وائل السهمي أوصى أن يُعتق عنه مائة رقبة، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة، وأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية، قال: حتى أسأل رسول الله ﷺ، فأتى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إن أبي أوصى أن يُعتق عنه مائة رقبة، وإن هشاماً أعتق عنه خمسين، وبقيت عليه خمسون، أفأعتق عنه؟ فقال رسول الله ﷺ: ((إنه لو كان مسلماً فأعتقتم أو تصدقتم عنه، أو حججتم عنه بلغه ذلك، (وفي رواية): فلو كان أقرّ بالتوحيد فصُمت وتصدقت عنه نفعه ذلك))([1351]).
20 - وحديث الشِّرِّيد بن سويد الثقفي قال: أتيت رسول الله ﷺ فقلت: إن أمي أوصت أن تعتق عنها رقبة، وإن عندي جارية نوبية أفيجزئ عني أن أعتقها عنها؟ قال: ((ائتني بها)) فأتيته بها فقال لها النبي ﷺ: ((مَن ربك؟)) قالت: الله، قال: ((مَن أنا؟)) قالت: أنت رسول الله، قال: ((اعتقها فإنها مؤمنة))([1352]).
21 - وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: ((نعم)) وذلك في حجة الوداع. وفي رواية لمسلم: ((فحجي عنه))([1353]).
22 - حديث أبي رزين أنه قال:يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج، ولا العمرة، ولا الظعن، قال:((فحج عن أبيك واعتمر))([1354]).
23 - وحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمرت امرأة سنان بن عبد الله الجهني أن يسأل رسول الله ﷺ أن أمها ماتت ولم تحج أفيجزئ عن أمها أن تحج عنها؟ قال: ((نعم، لو كان على أمها دين فقضته عنها أكان يجزئ عنها؟)) قال: نعم، قال: ((فلتحج عن أمها))([1355]).
24 - وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة جاءت إلى النبي ﷺ فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج أفأحج عنها؟ قال: ((نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟)) قالت: نعم. قال: ((اقضوا الله فالله أحق بالوفاء))([1356]).
وفي رواية: ((فاقضوا الله الذي له؛ فإن الله أحق بالوفاء))([1357]).
وفي رواية: أن رجلاً قال: إن أختي نذرت أن تحج وإنها ماتت فقال: ((فاقض الله فهو أحق بالقضاء))([1358]).
25 - وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة. قال رسول الله ﷺ: ((من شبرمة؟)) قال: أخ لي أو قريبٌ لي، قال: ((حججت عن نفسك؟)) قال: لا. قال: ((حج عن نفسك ثم عن شبرمة))([1359]).
26 - وحديث عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين، عظيمين، سمينين، أقرنين، أملحين، موجوءين، فذبح أحدهما عن أمته، لمن شهد لله بالتوحيد وشهد له بالبلاغ، وذبح الآخر عن محمد وعن آل محمد ﷺ))([1360]).
27 - وحديث أبي رافع t قال: ((ضحى رسول الله ﷺ بكبشين، أملحين، موجبين([1361])، خصيين، فقال: أحدهما لمن شهد بالتوحيد، وله بالبلاغ، والآخر عنه وعن أهل بيته، قال: فكان رسول الله ﷺ قد كفانا))، وفي رواية لأحمد: ((أن رسول الله ﷺ كان إذا ضحى اشترى كبشين، سمينين، أقرنين، أملحين، فإذا صلى وخطب الناس أتي بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية ثم يقول: ((اللهم إن هذا عن أمتي جميعاً ممن شهد لك بالوحدانية، وشهد لي بالبلاغ))، ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه ويقول: ((هذا عن محمد وآل محمد))، فيطعمها جميعاً المساكين، ويأكل هو وأهله منهما، فمكثنا سنين ليس رجل من بني هاشم يضحي قد كفاه الله المؤنة برسول الله ﷺ والغُرْمَ))([1362]).
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وأيُّ قربة فعلها، وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك، إن شاء الله، أما الدعاء، والاستغفار، والصدقة، وأداء الواجبات فلا أعلم فيه خلافاً، إذا كانت الواجبات مما تدخله النيابة، وقد قال الله تعالى: ] وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [([1363])، وقال الله تعالى: ] فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الله وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالـْمُؤْمِنَاتِ وَالله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [([1364])، ودعا النبي ﷺ لأبي سلمة حين مات([1365])، وللميت الذي صلى عليه في حديث عوف بن مالك([1366])، ولكل ميت صلى عليه، ولذي النجادين حين دفنه([1367])، وشرع الله ذلك لكل من صلى على ميت، وسأل رجل النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت، فينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: ((نعم)) رواه أبو داود([1368])، وروي ذلك عن سعد بن عبادة([1369])، وجاءت امرأة إلى النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال:((أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته؟)) قالت: نعم، قال: ((فدين الله أحق أن يُقضى))([1370]) وقال للذي سأله: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال: ((نعم))([1371])، وهذه أحاديث صحاح، وفيها دلالة على انتفاع الميت بسائر القرب؛ لأن الصوم، والحج، والدعاء، والاستغفار عبادات بدنية، وقد أوصل الله نفعها إلى الميت، فكذلك ما سواها... وروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ قال لعمرو بن العاص: ((لو كان أبوك مسلماً فأعتقتم عنه، أو تصدقتم عنه، أو حججتم عنه بلغه ذلك))([1372]). وهذا عام في حج التطوع وغيره؛ ولأنه عمل برٍّ وطاعةٍ، فوصل نفعه وثوابه، كالصدقة، والصيام، والحج الواجب...))([1373])، ثم رد رحمه الله على من قال: لا يصل إلى الميت إلا الواجب، والصدقة، والدعاء، والاستغفار، وبين أن المسلمين يهدون الثواب إلى أمواتهم من غير نكير؛ ولأن الحديث صح عن النبي ﷺ: ((إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه))([1374])، والله أكرم من أن يوصل عقوبة المعصية إليه ويحجب عنه المثوبة؛ ولأن الموصل لثواب ما سلموه، قادر على إيصال ثواب ما منعوه، والآية مخصوصة بما سلموه ] وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى [ وما اختلفنا فيه في معناه فنقيسه عليه([1375])، وقال: ولا حجة لهم في الخبر الذي احتجوا به ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة)) فإنما يدل على انقطاع عمله، وليس هذا من عمله فلا دلالة فيه عليه...))([1376]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((الصحيح أنه ينتفع الميت بجميع العبادات البدنية: من الصلاة، والصوم، والقراءة، كما ينتفع بالعبادات المالية: من الصدقة، والعتق، ونحوها باتفاق الأئمة...))([1377]).
وبين الإمام ابن القيم رحمه الله أن أرواح الموتى تنتفع من سعي الأحياء بأمرين:
الأمر الأول: ما تسبب إليه الميت في حياته.
الأمر الثاني: دعاء المسلمين له، واستغفارهم، والصدقة، والحج... واختلفوا في العبادات البدنية: كالصوم، والصلاة، وقراءة القرآن، والذكر، فذهب الإمام أحمد وجمهور السلف إلى وصولها وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة ثم قال: ((والدليل على انتفاعه بغير ما تسبب فيه: القرآن، والسنة، والإجماع، وقواعد الشرع))([1378]) ثم ساق رحمه الله الأدلة على وصول ثواب الدعاء للميت، ووصول ثواب الصدقة، والصوم، والحج، ورد على المخالفين في ذلك، ثم قال: ((هذه النصوص متظاهرة على وصول ثواب الأعمال إلى الميت إذا فعلها الحي عنه وهذا محض القياس؛ فإن الثواب حق للعامل فإذا وهبه لأخيه المسلم لم يُمنع من ذلك، كما لم يُمنع من هبة ماله في حياته وإبرائه له من بعد موته))([1379]).
وقال في الروض: ((وأيُّ قربة: من دعاء، واستغفار، وصلاة، وصوم، وحج، وقراءة وغير ذلك فعلها مسلم وجعل ثوابها لميت مسلم أو حي نفعه ذلك))([1380])([1381])، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((لكن بشرط أن يكون المحجوج عنه [أي الحي] عاجزاً عجزاً لا يرجى زواله))([1382]). وقال: ((هناك أربعة أنواع من العبادات تصل إلى الميت بالإجماع وهي:
الأول: الدعاء.
الثاني: الواجب الذي تدخله النيابة.
الثالث: الصدقة.
الرابع: العتق، وما عدا ذلك فإنه موضع خلاف بين أهل العلم، فمن العلماء من يقول: إن الميت لا ينتفع بثواب الأعمال الصالحة إذا أهدي له غير هذه الأمور الأربعة، ولكن الصواب أن الميت ينتفع بكل عمل صالح جُعِلَ له إذا كان الميت مؤمناً...))([1383])، ثم قال: أما قوله تعالى: ] وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى [([1384]) المراد والله أعلم: أن الإنسان لا يستحق من سعي غيره شيئاً، كما لا يحمل من وزر غيره شيئاً، وليس المراد أنه لا يصل إليه ثواب سعي غيره كثرة النصوص الواردة في وصول ثواب سعي الغير إلى غيره وانتفاعه به إذا قصده به))([1385])، ثم ساق رحمه الله تعالى الأدلة على وصول ثواب: الدعاء، والصدقة عن الميت، والصيام، والحج، والأضحية، ثم رد على من خصص ذلك بالولد، وبين أنه قد جاء ما يدل على جواز الحج عن الغير حتى من غير الولد، وذلك أنه سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، فقال النبي ﷺ: ((من شبرمة؟)) قال: أخ لي أو قريب لي، قال: ((أحججت عن نفسك؟)) قال: لا. قال: ((حج عن نفسك ثم عن شبرمة))([1386])([1387]). وبين أنه يجوز أن يحج عن الميت الفرض والنفل لهذا الحديث؛ لأن النبي ﷺ لم يستفصل هذا الرجل عن حجه عن شبرمة هل نفل أو فرض؟ وهل كان شبرمة حيًّا أو ميتاً، قالوا: وإذا جاز أن يحج عن الميت الفرض بالنص الصحيح الصريح فما المانع من النفل؟([1388]).
وذكر شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله: أن الميت تصل إليه الصدقة، والدعاء، والاستغفار، والحج، والعمرة، وقضاء الدين([1389]).
ويرجح رحمه الله أنه يقتصر على ما ورد به النص في وصول ثوابه إلى الميت؛ لأن العبادات توقيفية لا يجوز منها إلا ما دل عليه الشرع([1390]).
وبين أن الصدقة تنفع الحي والميت، والدعاء، والحج، والعمرة، لكن الحي يحج عنه ويعتمر إذا كان عاجزاً.
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((هذه الأحاديث تدل على انتفاع الميت بالقربات: من الصدقات، والحج، والصوم، والدعاء، وغير ذلك، فهذا كله ينتفع به المسلم، أما غير المسلم فلا يدعى له، ولا يتصدق عنه، والأقرب والله أعلم أن قراءة القرآن عن الميت، والصلاة عنه لا تفعل عنه؛ لأن العبادات توقيفية، وإنما يقتصر على ما شرع الله: كالدعاء، والحج، والعمرة، والصدقة، والصوم وغير ذلك))([1391]).
وما ذهب إليه شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى: هو أرجح وأن العبادات توقيفية، وقد جاءت الأدلة في إهداء ثواب:
· الدعاء.
· والحج: الفرض والنفل.
· والعمرة: الفرض والنفل.
· والصدقة مطلقاً.
· والصوم: الفرض، والنفل كذلك.
· والعتق.
· والواجبات على الميت:كالنذور، والكفارات، وغير ذلك من العبادات التي جاء بها النص، والله ﷻ أعلم([1392]).
الأمر الأول: مشروعية زيارة القبور للرجال؛ لحديث بريدة t قال: قال رسول الله ﷺ: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) زاد الترمذي: ((فإنها تذكركم الآخرة))، وعند أبي داود: ((فإن في زيارتها تذكرة)). ولفظ النسائي: ((نهيتكم عن زيارة القبور، فمن أراد أن يزور فليزر، ولا تقولوا هُجراً))([1393]).
وعن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله ﷺ: ((إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإن فيها عبرة [ولا تقولوا ما يسخط الرب]))([1394]).
وعن أنس t قال: قال رسول الله ﷺ: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها فإنها ترق القلب وتدمعُ العين، وتذكر الآخرة، ولا تقولوا هُجراً))([1395])([1396]).
وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((وفي لفظ: تُذكِّر الآخرة، وفي لفظ: تزهِّد في الدنيا، والحديث جمع بين الناسخ والمنسوخ، والنهي كان أولاً؛ لأنهم كانوا حدثاء عهد بكفر وشرك، وتعلق بالقبور، ثم شرع الله الزيارة بعد ذلك؛ لأنها تذكر الآخرة، ويدعى للأموات فيها))([1397]).
الأمر الثاني: زيارة الرجال للقبور بدون سفر؛ لحديث أبي هريرة t يبلغ به النبي ﷺ: ((لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى))([1398]).
فدخل في هذا النهي شدّ الرحال لزيارة القبور والمشاهد، وهو الذي فهمه الصحابة y من قول النبي ﷺ، ولهذا عندما ذهب أبو هريرة t إلى الطور، فلقيه بصرة بن أبي بصرة الغفاري، فقال: من أين جئت؟ قال: من الطور. فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت إليه، سمع رسول الله ﷺ يقول: ((لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد...))([1399]).
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وقد اتفق الأئمة على أنه لو نذر أن يسافر إلى قبره ﷺ أو غيره من الأنبياء والصالحين لم يكن عليه أن يوفي بنذره، بل ينهى عن ذلك))([1400]).
الأمر الثالث: الزيارة للقبور للرجال دون النساء؛ لحديث أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ ((لعن زوَّارات القبور))([1401]).
وعن حسان بن ثابت t قال: ((لعن رسول الله ﷺ زوَّارات القبور))([1402]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لعن رسول الله ﷺ زوَّارات القبور))([1403]).
وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((وهذه الأحاديث الثلاثة([1404]) تدل على عدم زيارة النساء للقبور، وأما حديث عائشة رضي الله عنهما أنها قالت: يا رسول الله: ما أقول عند زيارة القبور، فقال: ((قولي السلام عليكم...)) الحديث، فهذا والله أعلم كان قبل نهي النساء؛ لأنه ﷺ نهى عن زيارة القبور ثم أذن مطلقاً: أي للرجال والنساء، ثم جاء نهي النساء عن زيارة القبور))([1405]).
وذكر العلامة ابن عثيمين رحمه الله أن زيارة عائشة رضي الله عنها لقبر أخيها([1406]) اجتهاد منها رضي الله عنها، وأن قول النبي ﷺ لا يعارض بقول أحد كائناً من كان، وأن قول النبي ﷺ لعائشة رضي الله عنها: ((قولي السلام عليكم دار قوم مؤمنين))([1407])، يدل على أن المرأة إذا مرت بدون قصد على المقبرة فلا حرج أن تسلم على أهل القبور وتدعو لهم؛ فإنه يفرق بين خروجها من أجل الزيارة، ومرورها من غير قصد للزيارة، وأما لفظ: ((لعن رسول الله ﷺ زوَّارات القبور)) بصيغة المبالغة، ولفظ: ((لعن رسول الله ﷺ زائرات القبور))، فإن كان لفظ: ((زوَّارات)) للنسبة فلا إشكال، وإن كان للمبالغة، فإن لفظ زائرات فيه زيادة علم فيؤخذ به؛ لأن ((زائرات)) يصدق بزيارة واحدة، و((زوَّارات)) في الكثير للمبالغة، ومعلوم أن الوعيد إذا جاء معلقاً بزيارة واحدة ومعلقاً بزيارات متعددة، فإن مع المعلق بزيارة واحدة زيادة علم؛ لأنه يلحق الوعيد على من زار مرة واحدة على لفظ ((زائرات)) دون لفظ: ((زوَّارات))، ولو أخذنا بلفظ ((زوَّارات)) ألغينا دلالة ((زائرات))، وقد تكلم شيخ الإسلام رحمه الله على هذه المسألة كلاماً جيداًً([1408])([1409]).
قال شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله: ((الصحيح أن زيارة النساء للقبور لا تجوز))، ثم قال: ((فالصواب أن الزيارة من النساء للقبور محرمة لا مكروهة فقط...)) ([1410])، أما حديث النبي ﷺ الذي قال فيه للمرأة التي وجدها تبكي على صبي لها فقال لها: ((اتقي الله واصبري))([1411]) حينما وجدها عند القبر فرجح شيخنا ابن باز رحمه الله أن هذا لعله كان في وقت الإذن العام منه ﷺ للرجال والنساء في الزيارة؛ لأن أحاديث النهي عن الزيارة للنساء محكمة ناسخة لما قبلها))([1412]).
الأمر الرابع: الزيارة لأهل القبور أنواع على النحو الآتي:
النوع الأول: زيارة شرعية يقصد بها ما يأتي:
1 – السلام على الموتى والدعاء لهم، والترحم عليهم؛ فقد انقطعت أعمالهم.
2 – تذكر الموت، والآخرة، وحصول رقة القلب ودمع العين.
3 – إحياء سنة النبي ﷺ؛ لأنه زار القبور وأمر بزيارتها.
النوع الثاني: زيارة بدعية وشركية([1413])، وهذا النوع ثلاثة أنواع:
1 – من يسأل الميت حاجته، وهؤلاء من جنس عُبَّاد الأصنام، ويخرجون من الإسلام.
2 – من يسأل الله تعالى بالميت، كمن يقول: أتوسل إليك بنبيك، أو بحق الشيخ فلان، وهذا من البدع المحدثة في الإسلام، ولا يصل إلى الشرك الأكبر، فهو لا يُخرج عن الإسلام، كما يخرج الأول.
3 – من يظن أن الدعاء عند القبور مُستجاب، أو أنه أفضل من الدعاء في المسجد، وهذا من المنكرات بالإجماع([1414]).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في مشروعية زيارة القبور: ((وكان هديه ﷺ أن يقول ويفعل عند زيارتها، من جنس ما يقوله عند الصلاة على الميت: من الدعاء، والترحم، والاستغفار، فأبى المشركون إلا دعاء الميت، والإشراك به، والإقسام على الله به، وسؤاله الحوائج، والاستعانة به والتوجه إليه، بعكس هديه ﷺ؛ فإنه هدي توحيد وإحسان إلى الميت، وهدي هؤلاء شرك وإساءة إلى نفوسهم وإلى الميت، وهم ثلاثة أقسام: إما أن يدعو الميت، أو يدعو به، أو عنده، ويرون الدعاء عنده أوجب وأولى من الدعاء في المساجد، ومن تأمل هدي رسول الله ﷺ وأصحابه تبين له الفرق بين الأمرين وبالله التوفيق))([1415]).
الأمر الخامس: جواز زيارة قبور المشركين للعبرة والعظة فقط؛لحديث أبي هريرة t قال:قال رسول الله ﷺ: ((استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي)) وفي لفظ: ((زار ﷺ قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال ﷺ: ((استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور؛ فإنها تذكركم الموت))([1416]). وقد نهى الله ﷻ عن الاستغفار للمشركين والدعاء لهم، وعن الصلاة عليهم([1417])، فلا يجوز للمسلم أن يدعو لهم، ولا يستغفر لهم، وإنما إذا زار قبورهم فللتذكر والاعتبار وتذكر الموت.
الأمر السادس: كيفية السلام على أهل القبور من المسلمين على النحو الآتي:
1 - عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ خرج من بيتها في ليلتها حتى جاء البقيع، فقام فأطال القيام ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم رجع إليها وأخبرها أن الله أمره أن يأتي أهل البقيع فيستغفر لهم، قالت قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله! قال قولي: ((السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بهم لاحقون))، وفي لفظ: قالت: كان رسول الله ﷺ كلما كان ليلتها من رسول الله ﷺ يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول:((السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون، غداً مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد))([1418]).
2 - وفي حديث بريدة عن أبيه أن رسول الله ﷺ كان يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول: ((السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، [أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع] أسأل الله لنا ولكم العافية)) وفي لفظ: ((السلام على أهل الديار))([1419]).
3 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرَّ رسول الله ﷺ بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال:((السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر))([1420]).
وهل يستقبل الزائر وجه الميت أثناء السلام عليه كما في هذا الحديث؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((ومذهب الأئمة: مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وغيرهم من أئمة الإسلام أن الرجل إذا سلم على النبي ﷺ وأراد أن يدعو لنفسه، فإنه يستقبل القبلة، واختلفوا في وقت السلام عليه: فقال الثلاثة: مالك، والشافعي، وأحمد: يستقبل الحجرة ويسلم عليه من تلقاء وجهه، وقال أبو حنيفة: لا يستقبل الحجرة وقت السلام كما لا يستقبلها وقت الدعاء، ثم في مذهبه قولان: قيل: يستدبر الحجرة، وقيل: يجعلها عن يساره))([1421])([1422]).
4 - وهل يسمع أهل القبور سلام من يسلم عليهم أثناء زيارتهم؟ هذه مسألة اختلف أهل العلم فيها، وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، والإمام ابن كثير في تفسيره، والعلامة الشنقيطي في أضواء البيان: أن الأموات يسمعون سلام الزائر لهم، ويرد الله عليهم أرواحهم حتى يردوا عليه السلام([1423]).
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: ((والصحيح عند العلماء رواية عبد الله بن عمر لما لها من الشواهد على صحتها من وجوهٍ كثيرة من أشهر ذلك ما رواه ابن عبد البر مصححاً له عن ابن عباس مرفوعاًً: ((ما من أحد يمر بقبر أخيه المسلم كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام)) ثم ذكر آثاراً كثيرة جداً عن الصحابة y، وعن التابعين رحمهم الله، والله تعالى أعلم([1424]).
الأمر السابع: زيارة قبر النبي ﷺ على النحو الآتي:
1 – تستحب زيارة مسجد النبي ﷺ وهي مشروعة في أي وقت، وفي أي زمان، وليس لها وقت محدد، وليست من أعمال الحج، ولا يجوز شدُّ الرحال والسفر من أجل زيارة القبر؛ فإن شدَّ الرحال على وجه التعبد لا يكون لزيارة القبور، وإنما يكون للمساجد الثلاثة، كما قال ﷺ: ((لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى))([1425])، فالبعيد عن المدينة ليس له شد الرحال بقصد زيارة القبر، ولكن يشرع له شد الرحال بقصد زيارة المسجد النبوي الشريف، فإذا وصله زار قبره ﷺ وقبور أصحابه، فدخلت الزيارة لقبره تبعاً لزيارة مسجده ﷺ؛ لما في زيارة المسجد من الثواب العظيم. قال ﷺ: ((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام))([1426])، وقال ﷺ: ((صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه))([1427]).
2 – إذا دخل المسجد النبوي الشريف استحب له أن يُقدِّم رجله اليمنى عند دخوله ويقول: ((أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم. بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك))([1428])، كما يقول ذلك عند دخول سائر المساجد.
3 – يصلي ركعتين تحية المسجد، أو يصلي ما شاء، ويدعو في صلاته بما شاء، والأفضل أن يفعل ذلك في الروضة الشريفة، وهي ما بين منبر النبي ﷺ وحجرته؛ لقوله ﷺ: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي))([1429]).
أما صلاة الفريضة فيبنغي للزائر وغيره أن يحافظ عليها في الصف الأول.
4 – ثم بعد الصلاة إن أراد زيارة قبر النبي ﷺ وقف أمام قبره: بأدب، ووقار، وخفض الصوت، ثم يسلم عليه ﷺ قائلاً: ((السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته،اللهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)).أو يقول:((السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته))؛لقوله ﷺ: ((ما من أحدٍ يسلم عليَّ إلا ردَّ الله عليَّ روحي حتى أردَّ عليه السلام))([1430])، وإن قال:أشهد أنك رسول الله حقًّا،وأنك قد بلغت الرسالة،وأديت الأمانة، وجاهدت في الله حق جهاده،ونصحت الأمة، فجزاك الله عن أمتك أفضل ما جزى نبيًّا عن أمته.فلا بأس؛لأن هذا كله من أوصافه ﷺ.
5 – ثم يأخذ ذات اليمين قليلاً فيسلّم على أبي بكر الصديق t، ويدعو له بما يناسبه، ثم يأخذ ذات اليمين قليلاً أيضاً فيسلّم على عمر بن الخطاب، ويترضى عنه، ويدعو له، وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سلَّم على الرسول ﷺ وصاحبيه لا يزيد غالباً على قوله: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه، ثم ينصرف([1431]). ولا يجوز لأحد أن يتقرب إلى الله بمسح الحجرة، أو الطواف بها، ولا يسأل الرسول ﷺ قضاء حاجته، أو شفاء مريضه، ونحو ذلك؛ لأن ذلك كله لا يطلب إلا من الله وحده.
والمرأة لا تزور قبر النبي ﷺ ولا قبر غيره؛ لأنه ﷺ لعن زوَّارات القبور([1432]). لكن تزور المسجد، وتتعبد لله فيه رغبة فيما فيه من مضاعفة الصلاة، وتسلم على النبي ﷺ وهي في مكانها فيبلغ ذلك النبي ﷺ وهي في أي مكان كانت؛ لقوله ﷺ: ((لا تجعلوا بيوتكم قبوراًًً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلُّوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم))([1433]). وقال ﷺ: ((إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام))([1434]).
6 – يستحب لزائر المدينة أثناء وجوده بها أن يزور مسجد قباء ويصلي فيه؛ ((لأن النبي ﷺ كان يأتيه راكباً وماشياً ويصلي فيه ركعتين))([1435])، وعن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله ﷺ:((من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة))([1436])، وقال أسيد بن ظهير الأنصاري t يرفعه: ((صلاة في مسجد قباء كعمرة))([1437]).
7 – ويسن للرجال زيارة قبور البقيع – وهي مقبرة المدينة – وقبور الشهداء، وقبر حمزة y ؛ لأن النبي ﷺ كان يزورهم ويدعو لهم؛ ولقوله ﷺ: ((زوروا القبور فإنها تذكركم بالموت))([1438]).
ويقول إذا زارهم: ((السلام عليكم أهل الديار، من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون [ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين] نسأل الله لنا ولكم العافية))([1439]).
ولاشك أن المقصود بزيارة القبور هو تذكر الآخرة والإحسان إلى الأموات بالدعاء لهم، واتباع سنة النبي ﷺ. وهذه هي الزيارة الشرعية. وأما زيارتهم لقصد الدعاء عند قبورهم، أو سؤالهم قضاء الحاجات، أو شفاء المرضى، أو سؤال الله بهم، أو بجاههم، ونحو ذلك فهذه زيارة بدعية منكرة لم يشرعها الله ولا رسوله، ولا فعلها السلف الصالح.
وبعض هذه الأمور المذكورة بدعة وليس بشرك: كدعاء الله عند القبور، وسؤال الله بحق الميت، أو جاهه، ونحو ذلك.
وبعضها بدعة من الشرك الأكبر: كدعاء الموتى، والاستعانة بهم، وسؤالهم النصر، أو المدد.
فتنبه واحذر واسأل ربك التوفيق والهداية للحق فهو سبحانه الموفق، والهادي، لا إله غيره، ولا رب سواه([1440]).
ينبغي أن يراعى في الإحداد الأمور الآتية:
الأمر الأول: مفهوم الإحداد:
الإحداد لغة: مأخوذ من حَدَّ: الحاء والدال أصلان:
الأول: المنع، والثاني طرف الشيء، فالحد الحاجز بين الشيئين، وفلان محدود: إذا كان ممنوعاً، ويقال: حدَّت المرأة على زوجها وأحدّت، وذلك إذا منعت نفسها الزينة والخضاب([1441]).
وقيل: إحداد المرأة على زوجها: ترك الزينة، وقيل: هو إذا حزنت عليه ولبست ثياب الحزن وتركت الزينة والخضاب([1442]).
والحادُّ والمحِدُّ: تاركة الزينة للعدة([1443])، قال ابن الأثير رحمه الله: ((أحدت المرأة على زوجها تحِدُّ، فهي محِدُّ، وحَدَّت تَحُدَّ وتحِدُّ فهي حادٌّ: إذا حزنت عليه ولبست ثياب الحزن وتركت الزينة))([1444]).
فعُلِمَ أن الإحداد لغة: منع المرأة نفسها عن الزينة، والخضاب، وما نُهِيت عنه، إظهاراً للحزن.
الإحداد شرعاً: قيل: الإحداد: اجتناب الزينة، والطيب، والتحسين.
وقيل: اجتناب ما يدعو إلى جماعها، ويرغب في النظر فيها من الزينة والطيب، والتحسين، والحناء، والحلي والكحل.
وقيل: ترك زينة، وطيب، ولبس حلي، وتحسين بحناء، وكحل بأسود.
وقيل: اجتناب الزينة وما يدعو إلى المباشرة([1445]).
وقيل: تربّصٌ تجتنب فيه المرأة ما يدعو إلى جماعها، أو يرغب في النظر إليها من الزينة وما في معناها مدة مخصوصة في أحوال مخصوصة([1446]).
والمختار: ((تربُّصٌ تمتنع فيه المرأة عن كل ما يرغب في النظر إليها، مدة مخصوصة، في أحوال مخصوصة، في مكان مخصوص)).
أو يقال: ((تربُّصٌّ تمتنع فيه المرأة عن الزينة، والطيب، والحلي، مدة مخصوصة، في أحوال مخصوصة، في مكان مخصوص)).
الأمر الثاني حكم الإحداد الشرعي: الإحداد الشرعي نوعان:
النوع الأول: الإحداد في عدة الوفاة: يجب على الزوجة مدة عدة الوفاة؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: ((لا تُحِدُّ امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً، إلا ثوب عَصْبٍ، ولا تكتحل، ولا تمسّ طيباً إلا إذا طهرت نبذة من قُسْطٍ أو أظفار))([1447])، زاد أبو داود: ((ولا تختضب))([1448]).
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ قال: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثٍ إلا على زوجها))([1449]).
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى:((ولا نعلم بين أهل العلم خلافاً في وجوبه على المتوفى عنها زوجها إلا عن الحسن؛فإنه قال:لا يجب الإحداد، وهو قول شذ به عن أهل العلم وخالف به السنة، فلا يعرج عليه))([1450]).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((وأجمعت الأمة على وجوبه على المتوفَّى عنها زوجها إلا ما حُكي عن الحسن والحكم بن عتبة...))([1451]).
النوع الثاني: حكم إحداد المرأة على غير زوجها: اتفق العلماء رحمهم الله تعالى على جواز إحداد المرأة على غير زوجها ثلاثة أيام؛ لقوله ﷺ: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً))([1452]).
وهذا يبين أن الإحداد على الزوج واجب وعزيمة، وعلى غير الزوج جائز ورخصة؛ لكن لا يجوز للمرأة أن تزيد على ثلاثة أيام على غير الزوج، وظاهر الأحاديث جواز إحداد المرأة على كل ميت ثلاثة أيام فأقل – غير الزوج، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((فإن الإحداد على الزوج واجب وعلى غيره جائز))، وقال: ((فالإحداد على الزوج عزيمة وعلى غيره رخصة))([1453]).
وقال العيني رحمه الله: ((قال ابن بطال: أجمع العلماء على أن من مات أبوها أو ابنها، وكانت ذات زوج وطالبها زوجها في الثلاثة أيام التي أبيح لها الإحداد فيها أنه يُقضى له عليها بالجماع فيها))([1454]).
الأمر الثالث: مدة الإحداد نوعان:
النوع الأول: مدة الإحداد على الزوج قسمان:
القسم الأول: عدة المرأة الحائل وهي غير الحامل، أربعة أشهر وعشراً؛ لقول الله تعالى: ] وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالـْمَعْرُوفِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [([1455])؛ولقوله ﷺ: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً))([1456]).
والحائل إما أن تكون مدخولاً بها أو غير مدخول بها وكلا الصنفين عدته من الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام؛ لعموم الآية، فظاهر الآية والحديث يشملهما فلا فرق بينهما، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((وأما عدة الوفاة فتجب بالموت سواء دخل بها أو لم يدخل اتفاقاً كما دل عليه عموم القرآن والسنة))([1457])؛ لحديث عبد الله بن مسعود t في عدة غير المدخول بها عند وفاة الزوج، أنه سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتى مات، فقال ابن مسعود: ((لها مثل صداق نسائها لا وكس ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث))، فقام معقل بن سنان t فقال: ((قضى رسول الله ﷺ في بروع بنت واشق امرأة منا: مثل الذي قضيت))، ففرح بها ابن مسعود t))([1458]).
قال ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا أن عدة الحرة المسلمة التي ليست بحامل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشراً، مدخولاً بها أو غير مدخول، صغيرة لم تبلغ أو كبيرة قد بلغت))([1459]).
القسم الثاني: عدة المرأة الحامل: أجلها أن تضع حملها، ولو بعد الوفاة بوقت يسير، قال ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا أنها لو كانت حاملاً لا تعلم بوفاة زوجها أو طلاقه فوضعت حملها أن عدتها منقضية))([1460])، وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وأجمعوا أيضاً على أن المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملاً أجلها وضع حملها، إلا ابن عباس، وروي عن علي من وجه منقطع أنها تعتد بأقصى الأجلين، وقاله أبو السنابل بن بعكك في حياة النبي ﷺ فردَّ عليه النبي ﷺ قوله، وقد روي أن ابن عباس رجع إلى قول الجماعة لما بلغه حديث سبيعة))([1461]).
قال الله تعالى:] وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [([1462]). فدلت الآية على أن كل حامل أجلها وضع الحمل؛ ولما روت سبيعة بنت الحارث الأسلمية رضي الله عنها أنها كانت تحت سعد بن خولة وتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلَّت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل بن بعككٍ فقال لها: ما لي أراك متجملة؟ لعلك ترجين النكاح؟ إنك والله ما أنت بناكح حتى تمرَّ عليك أربعة أشهر وعشر، قالت: سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت عليًّ ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول الله ﷺ فسألته عن ذلك؟ فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزوج إن بدا لي))، قال ابن شهاب: فلا أرى بأساً أن تتزوج حين وضعت وإن كانت في دمها، غير أنه لا يقربها زوجها حتى تطهر([1463]).
الأمر الرابع: الحكمة من الإحداد: يجب على كل مسلم أن ينقاد لشرع الله ورسوله ﷺ، فإن عرف الحكمة فزيادة علم وحكمة، وإن حُجبت عنه فلا يُسأل عنها، وإنما يلزمه العمل بما أمر والابتعاد عما نهي عنه.
وقد ذكر بعض أهل العلم بعض الحكم من حكمة الإحداد، ومنها على سبيل الإيجاز:
1- تعظيم أمر الله والعمل بما يرضيه تعالى.
2- تعظيم حق الزوج وحفظ عشرته.
3- أهمية عقد النكاح ورفع قدره.
4- تطييب نفس أقارب الزوج ومراعاة شعورهم.
5- سد ذريعة تطلع المرأة للنكاح في هذه المدة وتطلع الرجال إليها.
6- الإحداد من مكملات عدة الوفاة ومقتضياتها.
7- تألم على فوات نعمة النكاح الجامعة بين خيري الدنيا والآخرة.
8- موافقة الطباع البشرية؛ فإن النفس تتفاعل مع المصائب فأباح الله لها حدًّا تستطيع من خلاله التعبير عن مشاعر الحزن والألم بالمصاب مع الرضا التام بما قضى الله ﷻ وقدر، والصبر على أقدار الله المؤلمة، والرغبة فيما عنده سبحانه من الأجر لمن صبر واحتسب، وانتظار ما وعد الله سبحانه من الخير لمن حمده واسترجع وسأل الله أن يجيره في مصيبته ويخلفه خيراً منها([1464]).
الأمر الخامس: يلزم الحادة على زوجها ستة أحكام على النحو الآتي:
1 - تلزم بيتها الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه، ولا تخرج منه إلا لحاجة أو ضرورة، كمراجعة المستشفى عند المرض، وأخذ بعض حوائجها من السوق إذا لم يكن لديها من يقوم بذلك، ومن الأدلة الواضحة في ذلك حديث زينب بنت كعب بن عجرة عن الفريعة بنت مالك بن سنان – وهي أخت أبي سعيد الخدري – أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله ﷺ تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة؛ فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أَبِقُوا حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه، فسألت رسول الله ﷺ أن أرجع إلى أهلي؛ فإني لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة، قالت: فقال رسول الله ﷺ: ((نعم)) قالت: فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمرني فدعيت له، فقال: ((كيف قلت؟)) فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي، قالت: فقال: ((امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله))، قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً، قالت: فلما كان عثمان أرسل إلي فسألني عن ذلك، فأخبرته فاتبعه وقضى به))([1465]).
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: وهو حديث صحيح قضى به عثمان في جماعة الصحابة، فلم ينكروه، إذا ثبت هذا فإنه يجب الاعتداد في المنزل الذي مات زوجها وهي ساكنة به، سواء كان مملوكاً لزوجها، أو بإجارة، أو عارية؛ لأن النبي ﷺ قال للفريعة: ((امكثي في بيتك)) ولم يكن في بيت يملكه زوجها، وفي بعض ألفاظه: ((اعتدي في البيت الذي أتاك فيه نعي زوجك)) وفي لفظ: ((اعتدي حيث بلغك الخبر))، فإن أتاها الخبر في غير مسكنها رجعت إلى مسكنها فاعتدت فيه))([1466]).
وقال رحمه الله: ((فإن خافت هدماً، أو غرقاً، أو عدوًّا، أو نحو ذلك، أو حوَّلها صاحب المنزل؛ لكونه عارية رجع فيه، أو بإجارة انقضت مدتها، أو منعها السكن تعدِّياً، أو امتنع من إجارته، أو طلب به أكثر من أجرة المثل، أو لم تجد ما تكتري به أو لا تجد إلا من مالها، فلها أن تنتقل؛ لأنها حال عُذرٍ، ولا يلزمها بذل أجر المسكن، وإنما الواجب عليها فعل السكنى، لا تحصيل المسكن، وإذا تعذرت السكنى سقطت ولها أن تسكن حيث شاءت...)) ([1467]).
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وللمعتدّة الخروج في حوائجها نهاراً، سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها))([1468])، لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: طُلقت خالتي فأرادت أن تجذ نخلها فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي ﷺ فقال: ((بلى جذي نخلك، فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفاً))([1469])، وذكر ابن قدامة رحمه الله أن المرأة الحادَّة ليس لها المبيت في غير بيتها وليس لها الخروج ليلاً إلا لضرورة؛ لأن الليل مظنة الفساد بخلاف النهار؛ فإنه مظنة قضاء الحوائج والمعاش وشراء ما يحتاج إليه([1470])([1471]).
2 - تمتنع الحادة عن الملابس الجميلة وتلبس ما سواها، وقد ذكر ابن المنذر الإجماع على منعها من لبس المعصفر([1472])، فتحرم عليها الثياب المصبغة للتحسين: كالمعصفر، والمزعفر، وسائر اللون للتحسين([1473])؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: ((لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً، إلا ثوب عصبٍ، ولا تكتحل، ولا تمس طيباً إلا إذا طهرت نبذة من قسطٍ أو أظفار))([1474]) زاد أبو داود: ((ولا تختضب))([1475]).
3 - تمتنع عن جميع أنواع الطيب، ونحوها، إلا إذا طهرت من حيضها، فلا بأس أن تتبخر بالبخور؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها، وفيه: ((ولا تمس طيباً إلا إذا طهرت نبذة من قسطٍ أو أظفار))([1476]).
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح القسط والأظفار: ((نوعان معروفان من البخور، وليس من مقصود الطيب، رخص فيه للمغتسلة من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة تتبع به أثر الدم لا للتطيب، والله تعالى أعلم))([1477]).
وقوله ﷺ: ((ولا تمس طيباً)) يشمل جميع أنواع الأطياب، والأدهان المطيبة، والمياه المعتصرة من الأدهان المطيبة، فهذه كلها من الطيب الممنوع([1478]).
ولا يدخل فيه الزيت، ولا السمن، ولا تمتنع من الأدهان التي ليس فيها طيب([1479]).
4 - تمتنع الحادة من الحلي: الذهب، الفضة، والماس وغيرها، سواء كان ذلك قلائد، أو أسورة، أو خرصان، أو خواتم، أو غير ذلك؛ لحديث أم سلمة زوج النبي ﷺ، عن النبي ﷺ أنه قال: ((المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشقة، ولا الحليَّ، ولا تختضب، ولا تكتحل))([1480]).
قال الإمام ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على منع المرأة المحدة من لبس الحلي))([1481])؛ ولأن الحلي يزيد في حسنها ويدعو إلى مباشرتها))([1482]).
5 - تمتنع الحادة عن الخضاب بالحناء ونحوه؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: ((لا تحدُّ امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب، ولا تكتحل، ولا تمس طيباً إلا إذا طهرت نبذة من قُسْطٍ أو أظفار)) زاد أبو داود: ((ولا تختضب))([1483])؛ ولحديث أم سلمة زوج النبي ﷺ وفيه: ((ولا تختضب))([1484]).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((فيحرم عليها الخضاب، والنقش، والتطريف، والحمرة؛ فإن النبي ﷺ نصَّ على الخضاب منبهاً به على هذه الأنواع))([1485]).
6 - تمتنع الحادَّة عن الكحل؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها وفيه: ((... ولا تكتحل))([1486]).
وحديث أم سلمة رضي الله عنها وفيه: ((ولا تكتحل))([1487]).
وفي حديث أم سلمة رضي الله عنها تقول: ((جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها؟ فقال رسول الله ﷺ: ((لا)) مرتين أو ثلاثاً، كل ذلك يقول: ((لا))، ثم قال: ((إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول...)) ([1488]).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((قال طائفة من أهل العلم من السلف والخلف، منهم أبو محمد ابن حزم: ((لا تكتحل ولو ذهبت عيناها لا ليلاً ولا نهاراً))، وبين رحمه الله أنه يساعدهم حديث أم سلمة السابق، ثم قال رحمه الله: ((وأما جمهور أهل العلم: كمالك، وأحمد، وأبي حنيفة، والشافعي، وأصحابهم، فقالوا: إن اضطرت إلى الكحل بالإثمد تداوياً لا زينة، فلها أن تكتحل به ليلاً وتمسحه نهاراً وحجتهم حديث أم سلمة رضي الله عنها))([1489]). ولفظ الحديث عن أم حكيم بن أسيد عن أمها أن زوجها توفي وكانت تشتكي عينيها فتكتحل بالجلاء، - قال أحمد (أحد الرواة) الصواب: بكحل الجلاء – فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمة فسألتها عن كحل الجلاء؟ فقالت: لا تكتحلي به إلا من أمر لابد منه يشتدُّ عليك: فتكتحلين بالليل وتمسحينه بالنهار، ثم قالت عند ذلك أم سلمة: دخل عليَّ رسول الله ﷺ حين توفي أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبراً فقال: ((ما هذا يا أم سلمة؟)) فقلت: إنما هو صبر يا رسول الله، ليس فيه طيب، قال: ((إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل وتنزعيه بالنهار، ولا تمتشطي بالطيب، ولا بالحناء؛ فإنه خضاب))، قالت: قلت: بأي شيء أمتشط يا رسول الله؟ قال: ((بالسدر تغلفين به رأسك))([1490]). وقد بين الإمام ابن عبد البر رحمه الله وتبعه الإمام ابن القيم: أن هذا الحديث ثابت، والجمع بينه وبين الحديث الآخر لأم سلمة وفيه: ((قوله: ((لا)) ثلاثاً لمن استأذنته في الكحل: أن الشكاة التي قال فيها النبي ﷺ ((لا)) لم تبلغ والله أعلم منها مبلغاً لابد لها فيه من الكحل فلذلك نهاها، ولو كانت محتاجة مضطرة تخاف ذهاب بصرها لأباح لها ذلك كما فعل بالتي قال لها: ((اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار))، والنظر يشهد لهذا التأويل؛ لأن الضرورات تنقل المحظورات إلى حال المباح في الأصول؛ ولهذا جعل مالك فتوى أم سلمة رضي الله عنها تفسيراً للحديث المسند في الكحل؛ لأن أم سلمة رضي الله عنها روته وما كانت لتخالفه إذا صح عندها، وهي أعلم بتأويله ومخرجه...))([1491]).
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((الكحل ممنوع للحادة إلا من أجل العلاج؛ فإنه يجعل بالليل ويمسح بالنهار))([1492]).
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ولا تمتنع من التنظف، بتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق الشعر المندوب إلى حلقه، ولا من الاغتسال بالسدر، والامتشاط به))([1493])، ولها أن تكلم من شاءت من محارمها وتجلس معهم، وتقدم الطعام والشراب، ونحو ذلك، ولها أن تعمل في بيتها وأسطح بيتها ليلاً ونهاراً، وفي جميع أعمالها البيتية: كالطبخ، والخياطة، وكنس البيت، وغسل الملابس([1494])، ولكن عليها أن تلتزم بالستة الأمور المذكورة آنفاً.والله الموفق للصواب I.
الأمر السادس: أصناف المعتدات ستة أصناف على النحو الآتي:
الصنف الأول: الحامل وعدتها من موت زوجٍ أو طلاق هي: وضع كامل الحمل؛ لقوله تعالى: ] وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [([1495]).
الصنف الثاني: المتوفى عنها زوجها من غير حمل، فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام من حين موته؛ لقوله تعالى: ] وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [([1496]).
الصنف الثالث:المرأة ذات الحيض، وعدتها من طلاق وفسخ هي ثلاثة قروء؛لقوله تعالى:]وَالـْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ [([1497]).
الصنف الرابع: المرأة التي لا تحيض إما لصغر أو كبر فعدتها ثلاثة أشهر؛ لقوله تعالى: ] وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الـْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ [([1498]).
الصنف الخامس: المرأة التي ارتفع حيضها بسبب كالرضاع، والمرض، ونحوه، تتربص حتى يعود الحيض ثم تعتدُّ به؛ لأنها من ذوات القروء، والعارض الذي منع الدم يزول، فتنتظر زواله.
الصنف السادس: المرأة التي ارتفع حيضها ولم تدر ما رفعه فعدتها سنة: تسعة أشهر تتربص فيها؛ لتعلم براءتها من الحمل؛ لأنها غالب مدته، ثم تعتدّ بعد ذلك ثلاثة أشهر؛ لقول الشافعي هذا قضاء عمر بين المهاجرين والأنصار لا ينكره منهم منكِر علمناه، فكان إجماعاً من الصحابة y.
الصنف السابع: امرأة المفقود، وتعتد بعد مدة التربص أربعة أشهر وعشراً عدة الوفاة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم([1499]).
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
حرر في يوم الأربعاء الموافق 2/1/1424هـ
([1]) شرح النووي على صحيح مسلم،6/473،والإعلام بفوائد عمدة الأحكام، لابن الملقن، 4/379 .
([2]) النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، باب الجيم مع النون، 1/306 .
([3]) القاموس المحيط، باب الزاي فصل الجيم، ص650 .
([4]) قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ((... فإذا قيل: جَنازة: أي ميت، وإذا قيل: جِنازة: أي نعش، وهذا تفريق دقيق؛لأن الفتح يناسب الأعلى، والميت فوق النعش، والكسر يناسب الأسفل، والنعش تحت الميت)) الشرح الممتع، 5/298 .
([5]) شرح النووي على صحيح مسلم، 6/473 .
([6]) سورة الزمر، الآيات: 54-58 .
([7]) سورة البقرة، الآية: 254 .
([8]) سورة المنافقون، الآيات: 9-11 .
([9]) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص1349 .
([10]) سورة إبراهيم، الآية: 44 .
([11]) سورة المؤمنون، الآيتان: 99 - 100 .
([12]) البخاري، كتاب الرقاق، باب ما جاء في الرقاق وأن لا عيش إلا عيش الآخرة، برقم 6412.
([13]) مقتبس من مجموع كلام ابن حجر، وابن بطال، وابن الجوزي، كما نقله ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري، 11/230 .
([14]) الحاكم وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، 4/306، ورواه ابن المبارك في الزهد، 1/104، برقم 2، من حديث عمرو بن ميمون مرسلاً، وقال ابن حجر في فتح الباري، 11/235: ((بسند صحيح من مرسل عمرو بن ميمون، فمرسل عمرو بن ميمون شاهد لرواية الحاكم))، وصحح الحديث الألباني في صحيح الجامع الصغير، 2/355، برقم 1088 .
([15]) الفُجاءَة: يُقال: فجئَه الأمرُ، وفجأه فُجاءة: بالضم والمد، وفاجأه مفاجأة إذا جاءه بغتة من غير تقدم سبب، وقيّده بعضهم بفتح الفاء وسكون الجيم من غير مدٍّ على المرة. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 3/412، والفجاءة: الهجوم على من لم يشعر به. فتح الباري لابن حجر، 3/254 .
([16]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب موت الفُجاءة، برقم 1388، ومسلم، كتاب الزكاة، باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه، برقم 1004 .
([17]) أسَفٍ: أي غضب، قال ابن حجر في الفتح، 3/254: ((أسف: أي غضب، وزناً ومعنى، وروي بوزن الفاعل: أي غضبان. قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث، 1/48: (( وفي حديث موت الفجأة: ((راحة للمؤمن وأخذة أسفٍ للكافر)) أي أخذة غضب أو غضبان، يقال: أسِفَ يأسفُ أسفاً فهو آسِفٌ، إذا غضب)). فعلى هذا يكون بكسر السين غضبان، وفتحها غضب.
([18]) أبو داود، كتاب الجنائز، باب موت الفجأة، برقم 3110، وأحمد في المسند، برقم 15496، 15497، 17924، 17925، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/277، وأصحاب موسوعة مسند الإمام أحمد، 24/253، 29/445 .
([19]) انظر: فتح الباري، لابن حجر، 3/254، والسنن الكبرى للبيهقي، 3/378، 379، ومصنف ابن أبي شيبة، 3/370، ومصنف عبد الرزاق، برقم 6779 موقوف على حذيفة t.
([20]) فتح الباري لابن حجر، 3/245، ونقل ذلك في هذا الموضع عن النووي رحمه الله.
([21]) فتح الباري، لابن حجر، 3/255 .
([22]) عبد الرزاق في المصنف، برقم 6776، وابن أبي شيبة في المصنف، عن بعض أصحاب عبد الله عنه، 3/369-370، والطبراني في الكبير، 9/175، برقم 8865، ولم أجد من حسّن حديث عبد الله بن مسعود t،وتوقف عنه ابن باز في تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 388، وقال: ((يُبحث عنه)).
([23]) أحمد في المسند، 41/491، برقم 25042، والبيهقي، 3/379، وفي شعب الإيمان، برقم 10218، وعبد الرزاق، برقم 6781، وضعفه أصحاب موسوعة المسند في 24/254، و41/491، برقم 25042، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 2/218: ((رواه أحمد والطبراني في الأوسط، وفيه قصة، وفيه عبد الله بن الوليد الرصافي وهو متروك)) .
([24]) ابن أبي شيبة في المصنف، 3/370، وهو هنا موقوف، والبيهقي في الكبرى، 3/379 موقوف أيضاً، ويراجع كلام أهل موسوعة مسند الإمام أحمد، 41/491-492 .
([25]) السنن الكبرى، 3/379 .
([26]) مسلم، كتاب الجنائز، باب ما جاء في مستريح ومستراح منه، برقم 950 .
([27]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجهاد، باب الحور العين وصفتهن، برقم 2795، ومسلم، كتاب الإمارة باب فضل الشهادة في سبيل الله، برقم 1877، وفي لفظ للبخاري: ((يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة)) البخاري، برقم 2817 .
([28]) مسلم، كتاب الرقاق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء، برقم 2739 .
([29]) سمعته أثناء تقريره على باب موت الفجاءة في صحيح البخاري، الحديث رقم 1388 .
([30]) ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم، 2/392 .
([31]) ذكره ابن رجب في المرجع السابق، 2/384 .
([32]) البخاري، برقم 996، وتقدم تخريجه في صلاة المريض، وفي الاجتهاد في الصحة.
([33]) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في ذكر الموت، برقم 2307، والنسائي، كتاب الجنائز، باب كثرة ذكر الموت، برقم 1823، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له، رقم 4258، وابن حبان، بلفظ ((أكثروا ذكر هاذم اللذات الموت)) برقم 2992.وقال الألباني في صحيح سنن النسائي وغيره، 2/6:((حسن صحيح)).
([34]) صحيح ابن حبان، برقم 2993، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، 3/145 .
([35]) صحيح ابن حبان، برقم 2995 وحسنه شعيب الأرنؤوط.
([36]) سبل السلام للصنعاني، 3/302، وهذا الخبر أخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ: ((أكثروا ذكر هاذم اللذات – يعني الموت – فإنه ما كان في كثير إلا قلله، ولا قليل إلا جزأه)) [مجمع البحرين، 8/206، برقم 5076]، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 10/309: ((إسناده حسن))، وذكر الصنعاني هنا آثاراً منها: ((أكثروا ذكر الموت فما من عبد أكثر ذكره إلا أحيا الله قلبه وهوَّن عليه الموت)) [ذكره الديلمي في مسند الفردوس، 1/74، برقم 218].
([37]) أكيس: أعقل. ومثله: الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت: أي العاقل. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 4/217 .
([38]) ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له، برقم 4259، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1384 .
([39]) سورة آل عمران، الآية: 185 .
([40]) سورة النساء، الآية: 78 .
([41]) سورة ق، الآية: 19 .
([42]) سورة الواقعة، الآيات: 83-87 .
([43]) سورة الجمعة، الآية: 8 .
([44]) سورة القيامة، الآيات: 30-36 .
([45]) سورة الملك، الآيتان: 1، 2 .
([46]) سورة السجدة، الآية: 11 .
([47]) سورة الأنعام، الآيتان: 61، 62 .
([48]) تفسير ابن كثير، ص343 .
([49]) أخرجه الحاكم، 4/325، وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 831، وتقدم تخريجه في فضل قيام الليل.
([50]) ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم، 2/383، وذكره أيضاً ابن القيم في مدارج السالكين، 3/201 .
([51]) ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم، 2/383 .
([52]) أفظع: أي أشدُّ وأشنع. شرح السندي على سنن ابن ماجه، 4/500 .
([53]) الترمذي، كتاب الزهد، باب: حدثنا هناد، برقم 2308، وابن ماجه، واللفظ له، كتاب الزهد، باب ذكر القبر والبلى، برقم 4267، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/527 وغيره.
([54]) انظر: شرح السندي على سنن ابن ماجه، 4/500 .
([55]) ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر القبر والبلى، برقم 4266، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/421، وغيره.
([56]) سورة الحجر، الآية: 3 .
([57]) البخاري، كتاب الرقاق، باب في الأمل وطوله، قبل الحديث رقم 6417، وذكر الحافظ في فتح الباري 11/ 236: زيادة في أوله عند ابن أبي شيبة وابن المبارك في الزهد: ((قال علي: إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة، ألا وإن الدنيا قد ارتحلت مدبرة...)) الحديث كالذي في الأصل سواء.
([58]) البخاري، كتاب الرقاق، باب في الأمل وطوله، برقم 6417، ومعنى نهشه: أصابه.
([59]) البخاري، كتاب الرقاق، باب الأمل وطوله، برقم 6418 .
([60]) البخاري،كتاب الرقاق،باب قول النبي ﷺ ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل))، برقم 6416 .
([61]) ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم، 2/382 .
([62]) تائية الشاعر الزاهد إبراهيم بن مسعود الغرناطي الألبيري، وهي مطبوعة في الجامع للمتون العلمية، للشيخ عبد الله بن محمد الشمراني، ص633 .
([63]) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر، برقم 6420 واللفظ له، ومسلم، كتاب الزكاة، باب كراهة الحرص على الدنيا، برقم 1046 .
([64]) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر، برقم 6421، ومسلم، كتاب الزكاة، باب كراهة الحرص على الدنيا، برقم 1047 .
([65]) انظر: فتح الباري، لابن حجر، 11/240، 241 .
([66]) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 6421 .
([67]) ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم، 2/387 .
([68]) ذكره ابن رجب في المرجع السابق، 2/386، وهو في ديوان أبي العتاهية ص111 .
([69]) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في تقارب الزمان وقصر الأمل، برقم 2332، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/537 .
([70]) ابن حبان في صحيحه، برقم 4842، وقال شعيب الأرنؤوط:((إسناده صحيح على شرط الصحيح)).
([71]) فتح الباري لابن حجر، 13/81، وانظر هناك: الحديث رقم 7121 .
([72]) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الهمِّ بالدنيا وحبِّها، برقم 2326، وصححه الألباني بلفظ: ((بموت عاجل أو غنى عاجل)) في صحيح سنن الترمذي، 2/535 .
([73]) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في الاستعفاف، برقم 1645، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/458، وفي الأحاديث الصحيحة، برقم 2787 .
([74]) مسلم، كتاب الزكاة، باب فضل القناعة والحث عليها، برقم 1051 .
([75]) مسلم، كتاب الزكاة، باب في الكفاف والقناعة، برقم 1054 .
([76]) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، برقم 6427، ومسلم، كتاب الزكاة،باب التحذير من الاغترار بزينة الدنيا وما يبسط منها،برقم 122 - (1052).
([77]) الترمذي، كتاب الزهد، باب من اتقى المحارم فهو أعبد الناس، برقم 2305، وأحمد، 2/310، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/526، وفي الأحاديث الصحيحة، برقم 930 .
([78]) سِرْبِه:أي في نفسه، وقيل: في أهله وعياله، وقيل بفتح السين:أي في مسلكه وطريقه، وقيل بفتحتين: أي في بيته.انظر:النهاية لابن الأثير،2/356،وتحفة الأحوذي، 7/11،وفضل الله الصمد،1/401 .
([79]) حيزت: جمعت. سنن الترمذي، برقم 2346، وزاد في المشكاة، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة: ((بحذافيرها)) أي كأنما حيزت له الدنيا بأسرها، والحذافير الجوانب. ولكن بحثت عن هذه الزيادة فلم أجدها.انظر:فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد، 1/401، وتحفة الأحوذي للمباركفوري، 7/11 .
([80]) الترمذي، كتاب الزهد، باب في وصف من حيزت له الدنيا، برقم 2346، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب القناعة، برقم 4141، والبخاري في الأدب المفرد، برقم 300، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/543، والأحاديث الصحيحة، برقم 2318 .
([81]) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة، برقم 1469، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل التعفف والصبر، برقم 1053 .
([82]) الترمذي، كتاب صفة القيامة، باب انظروا إلى من هو أسفل منكم، برقم 2513، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب القناعة، برقم 4142، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/608، وغيره.
([83]) انظر: سنن الترمذي، رقم 2512 .
([84]) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يتقى من فتنة المال، وقول الله تعالى: ] إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [، برقم 6436، ومسلم، كتاب الزكاة، باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثاً، برقم 1049 .
([85]) البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يتقى من فتنة المال، برقم 6438 .
([86]) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يتقى من فتنة المال، برقم 6439، ومسلم، كتاب الزكاة، باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثاً، برقم 1048 .
([87]) مسلم، كتاب الزكاة، باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثاً، برقم 1050 .
([88]) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الأحاديث رقم 6436-6439 .
([89]) مسلم، كتاب البر والصلة، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله، برقم 34 – (2564).
([90]) متفق عليه: كتاب الجزية والموادعة، باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب، برقم 3158، ومسلم، كتاب الزهد والرقائق، برقم 2961 .
([91]) سورة القيامة، الآيات: 26-30 .
([92]) انظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص1397، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص900 .
([93]) سورة الواقعة، الآيات: 83-96 .
([94]) سورة الأنعام، الآيتان: 61، 62 .
([95]) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص1305، وانظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي، ص836 .
([96]) تفسير القرآن العظيم، ص1305 .
([97]) تيسير الكريم الرحمن للسعدي، ص837 .
([98]) سورة فصلت، الآيات: 30-32 .
([99]) سورة يونس، الآية: 64 .
([100]) تيسير الكريم الرحمن للسعدي، ص837 .
([101]) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، برقم 6507، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، برقم 2684 .
([102]) تفسير القرآن العظيم، ص1305 .
([103]) حديث البراء، أخرجه أبو داود، كتاب الجنائز، باب الجلوس عند القبر، برقم 3212، وفي كتاب السنة، باب في المسألة في القبر وعذاب القبر، برقم 4753، و4754، وحسّن إسناده الأرنؤوط في جامع الأصول، 11/179، والحاكم، 1/37-40، وأحمد 4/287، و288، و295، و296، والقسم الأول من الحديث إلى قوله: ((وكأن على رؤوسنا الطير)) أخرجه النسائي، 1/282، وهي رواية لأبي داود، 2/70، وكذا أحمد، 4/297، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه ابن القيم في إعلام الموقعين، 1/214، وتهذيب السنن 4/337، وصححه الألباني، وذكر زياداته في كتاب الجنائز، ص202 .
([104]) النسائي، كتاب الجنائز، باب ما يلقى به المؤمن من الكرامة عند خروج نفسه، برقم 1834، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/9، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1309 .
([105]) مسلم، كتاب الجنة ونعيمها، باب عرض مقعد الميت من الجنة والنار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه، برقم 2872 .
([106]) سورة الفجر، الآيات: 27-30 .
([107]) تفسير القرآن العظيم، ص1434، وانظر: الروح لابن القيم، 1/339 .
([108]) ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له، برقم 4338، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 3/386، وغيره.
([109]) انظر: تفسير ابن كثير، ص1305، 1306 .
([110]) تيسير الكريم الرحمن للسعدي، ص837 .
([111]) تفسير ابن كثير، ص1306، وتفسير السعدي، ص837 .
([112]) يوعك: قيل الحمى، وقيل: ألمها، وقيل: إرعادها الموعوك وتحريكها إياه. فتح الباري، لابن حجر، 10/111 .
([113]) متفق عليه:البخاري، كتاب المرضى، باب شدة المرض، برقم 5647، وباب أشد الناس بلاء: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، برقم 5648، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من: مرض أو حزن، أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها، برقم 2571 واللفظ له إلا ما بين المعقوفين.
([114]) متفق عليه: البخاري، كتاب المرضى، باب شدة المرض، برقم 5646، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه، برقم 2570 .
([115]) متفق عليه:البخاري، كتاب المغازي، باب مرض النبي ﷺ ووفاته، برقم 4446، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، برقم 2443 .
([116]) متفق عليه: البخاري: كتاب المغازي، باب مرض النبي ﷺ ووفاته، برقم 4449، ومسلم، فضائل الصحابة، باب في فضائل عائشة رضي الله عنها، برقم 2444 .
([117]) بفتح المهملة: ما يخلط من الطيب لأكفان الموتى وأجسامهم خاصة.
([118]) قال العلامة الألباني رحمه الله: هذا هو اسمه في الكتاب والسنة (ملك الموت)، وأما تسميته (بعزرائيل) فمما لا أصل له، خلافاً لما هو المشهور عند الناس، ولعله من الإسرائيليات.
([119]) جمع المِسْح، بكسر الميم، وهو ما يُلبس من نسيج الشعر على البدن تقشفاً وقهراً للبدن.
([120]) أي ثقب الإبرة، والجمل هو الحيوان المعروف، وهو ما أتى عليه تسع سنوات.
([121]) هي كلمة تقال في الضحك وفي الإيعاد، وقد تُقال للتوجع، وهو أليق بمعنى الحديث والله أعلم. كذا في ((الترغيب)).
([122]) أبو داود، برقم 3212، ويأتي تخريجه أيضاً.
([123]) قال الألباني رحمه الله: الزيادة الأولى لأبي داود وابن ماجه والحاكم، والثانية لأحمد والطيالسي، والثالثة له والحاكم، والرابعة لأحمد، والخامسة للطيالسي، وله السادسة والثامنة، والسابعة للحاكم، والثامنة للطيالسي، والتاسعة لأحمد، والعاشرة لأبي داود، والحادية عشرة والثانية عشرة للطيالسي، والثالثة عشرة لأحمد، والرابعة عشرة للطيالسي، والخامسة عشرة له وكذا أحمد، والسادسة عشرة له أيضاً ولأحمد نحوه، وله السابعة عشرة والثامنة عشرة والتاسعة عشرة والعشرون والواحدة والعشرون، وللحاكم الأخيرتان منها، والثانية والعشرون لأحمد، والثالثة والعشرون والخامسة والعشرون للحاكم، والرابعة والعشرون للطيالسي، والسادسة والعشرون لأحمد، والسابعة والعشرون للطيالسي، والثامنة والعشرون لأبي داود، والتاسعة والعشرون والثلاثون للطيالسي، ولأحمد الزيادات الباقية والثالثة والثلاثون منها للطيالسي ولفظها له.
وأما الرواية الثانية فهي للحاكم، ولأحمد الثالثة، وللحاكم والطيالسي الرابعة والخامسة والسادسة.
([124]) سورة الأنعام، الآية: 93 .
([125]) سورة الأنفال، الآية: 50 .
([126]) سورة محمد، الآية: 27-28 .
([127]) سورة المؤمنون، الآيتان: 99-100 .
([128]) سورة إبراهيم، الآية: 27 .
([129]) تفسير القرآن العظيم، ص487، وانظر: تفسير آية سورة إبراهيم ] يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الـْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ الله الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ الله مَا يَشَاءُ [.
([130]) البخاري، كتاب الجنائز، باب حمل الرجال على الجنازة دون النساء، برقم 1314، وباب قول الميت وهو على الجنازة قدموني، برقم 1316، وباب كلام الميت على الجنازة، برقم 1380 .
([131]) النسائي، كتاب الجنائز، باب السرعة بالجنازة، برقم 1908، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/32 .
([132]) انظر: فتح الباري، لابن حجر، 3/182، والقاموس المحيط للفيروزآبادي، باب الزاي، فصل الجيم، ص650 .
([133]) البخاري، كتاب الجنائز، قبل الحديث رقم 1316 .
([134]) فتح الباري، لابن حجر، 3/185 .
([135]) النسائي، برقم 1907، وتقدم تخريجه، ولفظه: ((إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: قدموني قدموني)).
([136]) فتح الباري، لابن حجر، 3/185 .
([137]) المرجع السابق، 3/185 .
([138]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب السرعة بالجنازة، برقم 1315، ومسلم، كتاب الجنائز، باب الإسراع بالجنازة، برقم 944 .
([139]) مسلم، كتاب الجنائز، باب ما جاء في مستريح ومستراح منه، برقم 950 .
([140]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر، برقم 1374، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة والنار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه، برقم 2869، وما بين المعقوفين لفظ البخاري دون مسلم.
([141]) أبو داود، كتاب السنة، باب في المسألة في القبر، وعذاب القبر، برقم 4751، ورقم 4752، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 3/164 .
([142]) أبو داود، برقم 3212، 4753، 4754، والحاكم، 1/37-40، وأحمد، 4/287، 288، 295، 296، وبرقم 1834، وتقدم تخريجه في أحوال المحتضرين.
([143]) سورة إبراهيم، الآية: 27 .
([144]) متفق عليه: صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر، برقم 1369، وصحيح مسلم، كتاب الجنة ونعيمها، باب عرض مقعد الميت من الجنة والنار وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه، برقم 2871 .
([145]) البخاري، كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر، برقم 1373 .
([146]) النسائي، كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر، برقم 2061، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/76 .
([147]) البخاري، كتاب الكسوف، باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف، برقم 1053، وكتاب الجمعة، باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد، برقم 922 .
([148]) مسلم، كتاب الكسوف، باب ذكر عذاب القبر في صلاة الخسوف، برقم 903 .
([149]) شرح النووي على صحيح مسلم، 6/459 .
([150]) في جامع الأصول، 11/176، زيادة: ((قولاً)).
([151]) الترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر، برقم 1071، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 1/544، وغيره.
([152]) في الأصل: ((فيقول))، والمثبت من ((التقاسيم)) 3/435 .
([153]) سورة إبراهيم، الآية: 27 .
([154]) سورة طه، الآية: 124 .
([155]) أخرجه ابن حبان في صحيحه، في كتاب الجنائز، فصل في أحوال الميت في قبره، 7/380، برقم 3113، وقال شعيب الأرنؤوط: ((إسناده حسن من أجل محمد بن عمرو، وهو ابن علقمة بن وقاص الليثي)). وأخرجه عبد الرزاق (6703)، وابن أبي شيبة 3/383-384، وهناد بن السري في ((الزهد)) (338)، والطبري في ((جامع البيان)) 13/215-216، والحاكم، 1/379-380 و380-381، والبيهقي في ((الاعتقاد)) ص220-222، وفي ((إثبات عذاب القبر)) (67) من طرق عن محمد بن عمرو، بهذا الإسناد، وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وذكره الهيثمي في ((المجمع)) 3/51-52 وقال: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن.
وذكره السيوطي في ((الدر المنثور)) 5/31-32، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن مردويه.
([156]) ولا مشعوف، الشعف: شدة الفزع حتى يذهب بالقلب.
([157]) ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر القبر والبلى، برقم 4344، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 3/388-389 .
([158]) ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر القبر والبلى، برقم 4272، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 3/390 .
([159]) تأتي الآيات التي تدل على نعيم القبر وعذابه إن شاء الله.
([160]) انظر: الروح لابن القيم، 1/336-339، 1/165، وجامع الأصول من أحاديث الرسول ﷺ، 11/164، من حديث رقم 8690-8704 .
([161]) الطوي: البئر المطوية. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 3/146 .
([162]) العرصة: كل موضع واسع لا بناء فيه. النهاية لابن الأثير، 3/208 .
([163]) الركي: البئر التي لم تطوَ. تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي، ص267 .
([164]) متفق عليه:البخاري، كتاب المغازي، باب قتل أبي جهل، برقم 3976، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه، برقم 2875 .
([165]) سورة النمل، الآية: 80 .
([166]) سورة الروم، الآية: 52 .
([167]) سورة فاطر، الآية: 22 .
([168]) مجموع الفتاوى، 4/295-299، 24/304، 331، 362-379 .
([169]) أضواء البيان للشنقيطي، 6/416-439 .
([170]) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، 3/422-423 .
([171]) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1370، 1371 .
([172]) مجموع الفتاوى، 24/303 .
([173]) المرجع السابق، 24/304، 331، و 362-379 .
([174]) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، 24/369 .
([175]) سورة آل عمران، الآية: 169 .
([176]) أبو داود، كتاب الجهاد، باب في فضل الشهادة، برقم 2520، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/102 .
([177]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 24/332 .
([178]) سورة غافر، الآيتان: 45، 46 .
([179]) سورة الطور، الآيات: 45-47 .
([180]) انظر: تفسير الطبري: [جامع البيان عن تفسير آي القرآن] 2/488، وتفسير القرطبي [الجامع لأحكام القرآن]، 17/79، والروح لابن القيم، 1/336، 339، وذكر رحمه الله الآيات في عذاب القبر في هذا الموضع.
([181]) متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: البخاري، كتاب الجنائز، باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي، 2/126 برقم 1679، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو من النار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه، 4/2199، برقم 2866 .
([182]) حادت به: أي مالت عن الطريق ونفرت، انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 18/209 .
([183]) مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه، 4/2199، برقم 2867 .
([184]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر، 2/125، برقم 1375، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه، 4/2200، برقم 2869 .
([185]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر، 2/125، برقم 1374، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه، 4/2200، برقم 2870، وما بين المعقوفين لفظ البخاري دون مسلم.
([186]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر، 2/124، برقم 1369، واللفظ له، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه، 4/2201، برقم 2871، والآية من سورة إبراهيم، الآية: 27 .
([187]) البخاري، كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر، 2/124، برقم 1373 .
([188]) انظر: حاشية الإمام السندي على سنن النسائي، 4/100 .
([189]) أخرجه النسائي، كتاب الجنائز، باب ضمة القبر وضغطته،4/100، برقم 2055، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي،2/441،وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة،4/268،برقم 1695 .
([190]) متفق عليه من حديث أبي هريرة t: البخاري، كتاب الجنائز، باب السرعة بالجنازة، 2/108، برقم 1315، ومسلم، كتاب الجنائز، باب الإسراع بالجنازة، 2/651، برقم 944 .
([191]) البخاري، كتاب الجنائز، باب حمل الرجال الجنازة دون النساء، 2/108، برقم 1314، وباب قول الميت على الجنازة: قدموني، 2/108، برقم 1316 .
([192]) متفق عليه من حديث أبي هريرة t: البخاري، كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر، 2/125، برقم 1377، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، 1/412، برقم 588، واللفظ لمسلم.
([193]) متفق عليه، من حديث عائشة رضي الله عنها: كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، 1/227، برقم 832، ومسلم، كتاب المساجد، ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، 1/412، برقم 588 .
([194]) متفق عليه: البخاري،كتاب الجنائز،باب الصلاة على القبر بعدما يدفن، 2/113، برقم 1337، ومسلم واللفظ له، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر، 2/659، برقم 956 .
([195]) حديث البراء حديث طويل عظيم، أخرجه أحمد، 4/287، 288، 295، 296، والحاكم وصححه، وأقره الذهبي 1/73-40، وغيرهما، وصححه ابن القيم في تهذيب السنن، 4/337، وقال الألباني في أحكام الجنائز، ص159 على تصحيح الحاكم وإقرار الذهبي له: ((وهو كما قالا)).
([196]) الترمذي، وحسنه، في كتاب الزهد، باب: حدثنا هناد، 4/553، برقم 2308، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر القبر والبلى، 2/426، برقم 4367، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/267 وصحيح سنن ابن ماجه، 2/421 .
([197]) أحمد في المسند، 3/455، والنسائي، 4/108، برقم 2073، وغيرهما.
([198]) مسلم، برقم 1887 .
([199]) انظر: الروح لابن القيم، 1/263، 311 .
([200]) انظر: المرجع السابق، 1/299، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز، ص452 .
([201]) انظر: الروح لابن القيم، 1/165، وجامع الأصول من أحاديث الرسول ﷺ، 11/164، من حديث رقم 8690-8704 .
([202]) انظر: الروح لابن القيم، 1/340، و345 .
([203]) البخاري، كتاب الأذان، باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم، برقم 845، وأطرافه في البخاري، برقم 1143، و1386، وما بين المعقوفات من هذا الطرف، إلا الزيادة الثانية فمن الطرف رقم 2085، وأكثر ألفاظ الحديث من الطرف رقم 7047 .
([204]) متفق عليه: البخاري، كتاب الوضوء، باب: من الكبائر أن لا يستتر من بوله، برقم 216، وكتاب الجنائز، باب الجريدة على القبر، برقم 1361، وباب عذاب القبر من الغيبة والبول، برقم 1378، وكتاب الأدب، باب الغيبة وقول الله تعالى: ] وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا [ [الحجرات: 12]. برقم 6052، وباب النميمة من الكبائر، برقم 6055، ومسلم، كتاب الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه، برقم 292 .
([205]) ابن ماجه، كتاب الطهارة، باب التشديد في البول، برقم 348، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 1/125 .
([206]) أخرجه الدارقطني في سننه، وصححه الألباني في إرواء الغليل، برقم 280 .
([207]) متفق عليه: البخاري، برقم 6427، ومسلم، برقم 1052، ويأتي تخريجه في فضائل الصبر والاحتساب على المصائب في الأمر الثامن عشر: العلم بأن الدنيا فانية وزائلة.
([208]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/363 .
([209]) المرجع السابق، 11/245 .
([210]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 7/133 .
([211]) سورة التكاثر، الآيتان: 1، 2 .
([212]) متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري t: البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، 7/222، برقم 6427، ومسلم، كتاب الزكاة، باب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا، 2/727، برقم 1052، وما بين المعقوفين من رواية مسلم.
([213]) متفق عليه: البخاري، كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت، 7/12، برقم 5672، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب كراهة تمني الموت لضر نزل به، 4/2064، برقم 2681 .
([214]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 10/129 .
([215]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 11/93 .
([216]) سورة يونس، الآية: 24 .
([217]) سورة الحديد، الآية: 20 .
([218]) سورة الكهف، الآيتان: 45، 46 .
([219]) الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 4/326، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 3/347: ((وهو كما قالا)).
([220]) الترمذي، كتاب صفة القيامة، باب:حدثنا قتيبة 4/642، برقم 2466، وحسنه، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب الهم بالدنيا، 2/1376، برقم 4108، وأحمد، 2/358، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، 2/443، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 3166، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني، 3/346 .
([221]) ابن ماجه، كتاب الزهد، باب الهم بالدنيا، 4/1375، برقم 4105، وصحح الألباني إسناده في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 950، وصحيح الجامع، 5/351 .
([222]) الترمذي بلفظه، كتاب الزهد، باب: حدثنا محمد بن حاتم، 4/561، برقم 2322، وحسنه، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب مثل الدنيا، 2/1377، برقم 4112، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/34، برقم 71، و1/6، برقم 7 .
([223]) قوله: ((وما والاه)) أي ما يحبه الله من أعمال البر وأفعال القرب، وهذا يحتوي على جميع الخيرات، والفاضلات ومستحسنات الشرع. وقوله: ((وعالم أو متعلم)) والرفع فيها على التأويل: كأنه قيل: الدنيا مذمومة لا يُحمدُ مما فيها ((إلا ذكر الله، وما والاه، وعالمٌ أو متعلم)) والعالم والمتعلم: العلماء بالله الجامعون بين العلم والعمل، فيخرج منه الجهلاء، والعالم الذي لم يعمل بعلمه، ومن يعلم علم الفضول وما لا يتعلق بالدين، انظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، 10/3284-3285، ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، للملا علي القاري، 9/31، وتحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي، 6/613 .
([224]) انظر:البخاري، كتاب البيوع، باب شراء الطعام إلى أجل، 3/46، برقم 2200، ومسلم، كتاب المساقاة، باب الرهن وجوازه في الحضر والسفر، 3/2226، برقم 1603 .
([225]) الترمذي، 4/560، برقم 2320، وابن ماجه، 4/1376،برقم 4110،ويأتي تخريجه في فضائل الصبر والاحتساب على المصائب،الأمر الثامن عشر:العلم بأن الدنيا فانية وزائلة، رقم 13 .
([226]) سورة العنكبوت، الآية: 69 .
([227]) متفق عليه:البخاري،كتاب الجهاد،باب لا يقول فلان شهيد،برقم2898، والطرف رقم4202، 6493، و6607، ومسلم، كتاب الإيمان، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، برقم 112.
([228]) متفق عليه: البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، 4/94، برقم 3208، واللفظ له، برقم 3332، ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه، وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، 4/2036، برقم 2643 .
([229]) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه، وأجله، وعمله، وشقاوته، وسعادته، 4/2042، برقم 2651، عن أبي هريرة t.
([230]) جامع العلوم والحكم،1/172، وانظر:المفهم لما أشكل في تلخيص كتاب مسلم للقرطبي،1/319.
([231]) الترمذي، وحسنه، في كتاب صفة القيامة، باب: حدثنا محمد بن حاتم المؤدب، 4/633، برقم 2450، والحاكم من حديث أبي بن كعب t، 4/308، و2/421، 513، وأحمد في المسند، 5/136، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 954، وبرقم 2335، وانظر: صحيح سنن الترمذي للألباني، 2/297 .
([232]) انظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب، 1/174، و172 .
([233]) ذكره الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية، 5/19 .
([234]) البخاري،كتاب الإيمان،باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر،معلقاً مجزوماً به،1/21 .
([235]) المرجع السابق في الكتاب والباب المذكور، 1/21، معلقاً مجزوماً به.
([236]) المرجع السابق في الكتاب نفسه والباب،1/21،وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري، 1/111: ((وصله جعفر الفريابي في كتاب صفة المنافقين، وأشار الحافظ رحمه الله إلى صحته)).
([237]) ذكره ابن كثير في تفسيره، 2/41، وعزاه إلى ابن أبي حاتم، وانظر: المنار المنيف في الصحيح والضعيف، لابن القيم، ص32، والآية من سورة المائدة: 27 .
([238]) سورة النور، الآية: 31 .
([239]) سورة الحجر، الآيتان: 49-50 .
([240]) رواه ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، من حديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، برقم 2450، والطبراني في المعجم الكبير، برقم 1081، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة، برقم 615، و616،وفي صحيح سنن ابن ماجه،2/418،وانظر:المقاصد الحسنة للسخاوي، ص52 .
([241]) سورة طه، الآية: 82 .
([242]) سورة الفرقان، الآية: 70 .
([243]) الترمذي، كتاب القدر، باب ما جاء أن الله كتب كتاباً لأهل الجنة وأهل النار، وقال: ((هذا حديث حسن صحيح))، 4/450، برقم 2142، والحاكم، 1/340، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، قال الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح للتبريزي، 3/1454، برقم 5288: ((وهو كما قالا)).
([244]) أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار،7/52-53،برقم 4640، و4641، وأحمد في المسند، 5/224،والحاكم وصححه،ووافقه الذهبي،1/340،وعمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني في كتاب السنة، 1/176، برقم 401، وذكر له شواهد برقم 400، 402، 403. وابن حبان في صحيحه، 2/54، برقم 342، وانظر:موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان للهيثمي، برقم 1822.ونقل الألباني تصحيحه على شرط مسلم في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1114.
([245]) الترمذي،كتاب الدعوات، باب:حدثنا أبو موسى الأنصاري،وقال:((وهذا حديث حسن))، 5/538، برقم 3522، وأحمد في المسند من حديث النواس بن سمعان، 4/182، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، 1/525، 528، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 3/171، وفي ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم، 1/100، برقم 223. (والآية من آل عمران 8).
([246]) الترمذي، كتاب القدر، باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن، وقال: ((وهذا حديث حسن))، 4/448، برقم 2140، وابن ماجه، كتاب الدعاء، باب دعاء رسول الله ﷺ، 2/1260، برقم 3834، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/225، وصحيح سنن ابن ماجه، 2/325، وفي ظلال الجنة في تخريج السنة، 1/101، برقم 225.
([247]) مسلم، كتاب القدر، باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء، 4/2045، برقم 2654 .
([248]) أخرجه الإمام أحمد في المسند، 4/181 من حديث بسر بن أرطأة t، والطبراني في المعجم الكبير، 2/33، بأرقام: 1196-1198، وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد: رجال أحمد وأحد أسانيد الطبراني ثقات، 10/178 .
([249]) متفق عليه:البخاري، كتاب الدعوات، باب التعوذ من جهد البلاء، 7/199، برقم 6347، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء،باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره،4/2080،برقم 2707.
([250]) متفق عليه: البخاري، كتاب القدر، باب ((لا حول ولا قوة إلا بالله))، 7/271، برقم 6610، ومسلم كتاب الذكر والدعاء،باب استحباب خفض الصوت بالذكر،4/2076،برقم 2704 .
([251]) البخاري، 7/218، برقم 6416، وتقدم تخريجه.
([252]) البخاري، كتاب الرقاق، باب في الأمل وطوله، 7/219، برقم 6417 .
([253]) متفق عليه:البخاري، كتاب الرقاق، باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر، 7/220، برقم 6420، ومسلم، كتاب الزكاة، باب كراهية الحرص على الدنيا، 2/724، برقم 1046.
([254]) متفق عليه:البخاري، كتاب الرقاق، باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر، 7/220، برقم 6421،ومسلم بلفظه في كتاب الزكاة،باب كراهة الحرص على الدنيا، 2/724، برقم 1047.
([255]) أخرجه الإمام أحمد في المسند، 3/314 عن جابر t، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم،ووافقه الذهبي،1/340،وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 283.
([256]) مسلم، في كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير 4/2295، برقم 2999.
([257]) متفق عليه: البخاري، كتاب المرضى، باب أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، 7/4، برقم 5648، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن، أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها، 4/1991، برقم 2571 .
([258]) الوصب: الوجع اللازم. شرح النووي على صحيح مسلم، 16/366 .
([259]) النصب: التعب. المرجع السابق، 16/366 .
([260]) متفق عليه: البخاري، كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض، 7/3، برقم 5641، ومسلم واللفظ له، كتاب البر والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها، 4/1993، برقم 2573.
([261]) متفق عليه من حديث أبي هريرة t: البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: ] وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ وَالله رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ [ [آل عمران: 30]، 8/216، برقم 7405، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، 4/2061، برقم 2675.
([262]) مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الأمر يحسن الظن بالله تعالى عند الموت، 4/2205، برقم 2877.
([263]) سورة القصص، الآية: 60 .
([264]) أخرجه أحمد في المسند، 3/455، والنسائي في كتاب الجنائز، باب أرواح المؤمنين، 4/108، برقم 2073، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر القبر والبلى، 2/1428، برقم 4271، وموطأ الإمام مالك، كتاب الجنائز، باب جامع الجنائز، 1/240، برقم 49. وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 2/730، برقم 995، وفي صحيح سنن النسائي، 2/445 .
([265]) صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، 3/1502، برقم 1887، من حديث عبد الله بن مسعود t.
([266]) سورة القصص، الآية: 88 .
([267]) سورة الرحمن، الآيتان: 26، 27 .
([268]) سورة يونس، الآية: 45 .
([269]) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للعلامة السعدي، ص365 .
([270]) سورة الشعراء، الآيات: 205-207 .
([271]) سورة الحج، الآية: 47 .
([272]) سورة المؤمنون، الآيات: 112-115 .
([273]) سورة الروم، الآية: 55 .
([274]) سورة طه، الآيات: 102-104 .
([275]) سورة الأحقاف، الآية: 35 .
([276]) سورة النازعات، الآية: 46 .
([277]) سورة الإسراء، الآية: 52 .
([278]) سورة العنكبوت، الآية: 14 .
([279]) ابن ماجه، كتاب الزهد، باب مثل الدنيا، برقم 4108، والترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في هوان الدنيا على الله، برقم 2323، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 3/347 .
([280]) مسلم، كتاب الزهد، باب الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، برقم 2956 .
([281]) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في طول العمر للمؤمن، برقم 2329، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/536 .
([282]) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في طول العمر للمؤمن، برقم 2330، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/536 .
([283]) الترمذي، اللفظ الأول كتاب الزهد، باب ما جاء في فناء أعمار هذه الأمة ما بين الستين إلى السبعين، برقم 2331، واللفظ الثاني في كتاب الدعوات، باب في دعاء النبي ﷺ، برقم 3550، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي في هذا الموضع، 3/460 .
([284]) البخاري، كتاب الرقاق، باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر، برقم 6419 .
([285]) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 6419 .
([286]) الترمذي،كتاب الزهد،باب ما جاء في فضل البكاء من خشية الله،برقم 2311،والنسائي، كتاب الجهاد، باب فضل من عمل في سبيل الله على قدمه، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي2/528 .
([287]) الترمذي، كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء في فضل الحرس في سبيل الله، برقم 1639، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/230 .
([288]) الترمذي، كتاب الزهد، باب قول النبي ﷺ: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، برقم 2312، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/529، وأخرجه ابن ماجه، في كتاب الزهد، باب الحزن والبكاء، برقم 4190 .
([289]) متفق عليه: البخاري، كتاب التفسير، باب ] لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ[ [المائدة: 101]، وله أطراف كثيرة فيها زيادات كثيرة بأرقام 93، 540، 749، 4621، 6362، 6468، 6486، 7089، 7090، 7091، 7294، 7295، ومسلم، كتاب الفضائل، باب توقيره ﷺ، برقم 2359.
([290]) البخاري، كتاب الرقاق، باب قول النبي ﷺ: ((لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً))، برقم 6485، واللفظ من الطرف رقم 6637 .
([291]) متفق عليه:البخاري، كتاب الأذان، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، وفضل المساجد، برقم 660، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، برقم 1031.
([292]) سورة المائدة، الآية: 83 .
([293]) سورة التوبة، الآية: 92 .
([294] ) سورة الإسراء، الآية: 109.
([295]) سورة مريم، الآية: 85 .
([296]) انظر: عدة الصابرين لابن القيم، ص27 وص29 .
([297]) الاختيارات الفقهية لابن تيمية، ص128 .
([298]) سورة الزمر، الآية: 10 .
([299]) سورة محمد، الآية: 31 .
([300]) سورة الأنبياء، الآية: 35 .
([301]) سورة الحديد، الآيتان: 22، 23 .
([302]) سورة التغابن، الآية: 11 .
([303]) سورة البقرة، الآيتان: 155-157 .
([304]) سورة الشورى، الآية: 43 .
([305]) سورة البقرة، الآية: 153 .
([306]) مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، برقم 223، من حديث أبي مالك الأشعري t.
([307]) مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير، برقم 2999 .
([308]) البخاري، كتاب المرض، باب فضل من ذهب بصره، برقم 5653 .
([309]) الطاعون: قيل هو الموت العام، وقيل: المرض العام الذي يفسد له الهواء، وتفسد به الأمزجة والأبدان، وقيل: هو الوباء، وقيل: هو المرض الذي يعم الكثير من الناس في جهة من الجهات، وقيل: أصل الطاعون: القروح الخارجة في الجسد، والوباء عموم الأمراض، فسميت طاعوناً لشبهها بها في الهلاك، وإلا فكل طاعون وباء وليس كل وباء طاعوناً، انظر: فتح الباري لابن حجر، 10/180، وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات، 3/186: ((مرض معروف هو بثر وورم مؤلم جداً يخرج مع لهب ويسودّ ما حواليه، أو يخضرّ أو يحمرّ حمرة بنفسجية كدرة يحصل معه خفقان القلب والقيء، ويخرج في المراق والآباط غالباً والأيدي والأصابع وسائر الجسد))، ورجح ابن حجر في فتح الباري، 10/181: ((أن الطاعون يكون من طعن الجن وقرعه))، واستشهد لذلك بأدلة وصحح بعضها.
([310]) البخاري، كتاب الطب، باب أجر الصابر على الطاعون، برقم 5734 .
([311]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب زيارة القبور، برقم 1283، ومسلم، كتاب الجنائز، باب الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى، برقم 926 .
([312]) النصب: التعب .
([313]) الوصب: المرض .
([314]) متفق عليه: البخاري، كتاب المرض، باب ما جاء في كفارة المرض، برقم 5641، 5642، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه، برقم 2573 .
([315]) متفق عليه: البخاري، كتاب المرض، باب شدة المرض، برقم 5647، 5648، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه، برقم 2571 .
([316]) مسلم، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه، برقم 2572.
([317]) يصب منه:معناه يبتليه بالمصائب، ليثيبه عليها، وقيل: يوجه إليه البلاء فيصيبه. فتح الباري لابن حجر، 10/108، وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 5645: ((أي يصيبه بالمصائب بأنواعها، وحتى يتذكر فيتوب، ويرجع إلى ربه)).
([318]) البخاري، كتاب المرض، باب ما جاء في كفارة المرض، برقم 5645 .
([319]) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، برقم 2396، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، برقم 4031، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/564، وفي صحيح سنن ابن ماجه، 3/320، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 146.
([320]) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، برقم 2398، وابن ماجه في كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، برقم 4023، وقال الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/565، وفي صحيح سنن ابن ماجه، 3/318،وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة،برقم 143، 2280: ((حسن صحيح)).
([321]) الترمذي، كتاب الدعوات، باب: حدثنا يوسف بن عيسى، برقم 3514، وقال: هذا حديث صحيح، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 3/446، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1523 .
([322]) الترمذي، كتاب الدعوات، باب:حدثنا محمد بن بشار، برقم 3558، وابن ماجه، كتاب الدعاء، باب الدعاء بالعفو والعافية، برقم 3849، وقال الألباني في صحيح سنن الترمذي، 3/464: ((حسن صحيح)) وفي صحيح سنن ابن ماجه، 3/259 ((صحيح)).
([323]) مسلم، كتاب الرقاق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء، برقم 2739 .
([324]) مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب: في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء، وغيره، برقم 2707 .
([325]) سورة القمر، الآية: 49 .
([326]) مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام، برقم 1 .
([327]) النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب القاف مع الدال، مادة:((قدر))، 4/22 .
([328]) انظر:شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، للإمام ابن القيم، تحقيق عمر بن سليمان الحفيان، 1/41-228، والعقيدة الواسطية مع شرحها للهراس، ص220-230، ولوامع الأنوار البهية للسفاريني، 1/37، ورسائل في العقيدة للشيخ ابن عثيمين، ص27، والقضاء والقدر، للدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود، ص39، والإيمان والقضاء والقدر، للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد، بتقديم وتعليق الإمام ابن باز، ص28 .
([329]) معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، ص893 .
([330]) النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، باب القاف مع الضاد، 4/78 .
([331]) المرجع السابق، باب القاف مع الضاد، مادة ((قضا))، 4/78، واختار أن القضاء والقدر شيء واحد، الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود، في كتابه القضاء والقدر، ص40، وقال: ((لا فرق بينهما في اللغة كما أنه لا دليل على التفريق بينهما في الشرع))، فإذا أطلق التعريف على أحدهما شمل الآخر، وإذا ذكرا جميعاً فلا مشاحة من تعريف أحدهما بالآخر))، ص40-44 .
([332]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري،لابن حجر،11/149،وعمدة القاري، لبدر العيني، 23/145 .
([333]) انظر: القضاء والقدر،للشيخ الدكتور عمر الأشقر،ص27.والقضاء والقدر للدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود، ص42، والإيمان بالقضاء والقدر، للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد، ص29.
([334]) مفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني، مادة ((قضى))، ص676 .
([335]) شرح العقيدة الواسطية، لابن عثيمين، ص439 .
([336]) والإيمان بالقدر له فوائد وثمرات منها: أنه من تمام الإيمان، فلا يتم الإيمان إلا بذلك، وهو من تمام الإيمان بالربوبية؛ لأن قدر الله من أفعاله، ويرد الإنسان إلى ربه، وبه يعرف الإنسان قدر نفسه، ولا يفخر إذا فعل الخير، ويهوِّن المصائب على العبد، يورث إضافة النعم إلى مسديها، ويعرف به الإنسان حكمة الله ﷻ، والإيمان بالقدر طريق الخلاص من الشرك، ويجلب الشجاعة، والصبر والاحتساب ومواجهة الأخطار والصعاب، وقوة الإيمان، والهداية، والجود والكرم، والتوكل واليقين والاستسلام لله والاعتماد عليه، والإخلاص، وإحسان الظن بالله وقوة الرجاء، والخوف من الله والحذر من سوء الخاتمة، ويقضي على كثير من الأمراض: كالحسد، فالمؤمن لا يحسد، ويحرر العقل من الخرافات، ويجلب التواضع، والسلامة من الاعتراض على أحكام الله، ويجلب الجد والحزم في الأمور، والشكر، والرضا، والفرح برحمة الله، والاستقامة في السراء والضراء، وعدم اليأس من انتصار الحق، وعلو الهمة وكبر النفس، ويجلب عزة النفس والقناعة، وسكون النفس وطمأنينة القلب وراحة البال، فهذه الأمور من ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر. انظر: شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين، ص541، والإيمان بالقضاء والقدر، للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد، ص31-39 .
([337]) مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام، برقم 1 .
([338]) الترمذي، كتاب القدر، باب ما جاء أن الله كتب كتاباً لأهل الجنة وأهل النار، برقم 2141، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/445، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 448، وغيرهما، والحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند أيضاً، 2/167 .
([339]) ((شيء من هذا القدر)) أي: لأجل هذا القدر، أي: القول به، يريد أنه وقع في نفسه من الشبه لأجل القول بالقدر.
([340]) ((ليخطئك)) أي: يتجاوز عنك فلا يصيبك، بل لابد من إصابته.
([341]) ابن ماجه، المقدمة، باب القدر، برقم 77، وأبو داود، كتاب السنة، باب في القدر، برقم 4699 وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 1/44، وصحيح سنن أبي داود، 3/148.
([342]) متفق عليه، البخاري، كتاب الجهاد، باب لا يقول فلان شهيد، برقم 2898، وكتاب المغازي، باب غزوة خيبر، 5/88، برقم 4202، و5/90، برقم 4207، وكتاب الرقاق، باب الأعمال بالخواتيم وما يخاف منها، 7/240، برقم 6493. وكتاب القدر، باب العمل بالخواتيم، 7/270، برقم 6607، وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، 1/106، برقم 112 .
([343]) من الطرف رقم 4207 .
([344]) من الطرف رقم 6493 .
([345]) من الطرف رقم 6607 .
([346]) انظر:كتاب الإيمان للحافظ إسحاق بن يحيى بن منده،1/126-132، والإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة،للإمام محمد بن بطة العبكري،((كتاب القدر))، 1/253 .
([347]) متفق عليه:البخاري، كتاب الجنائز، باب موعظة المحدث عند القبر، وقعود أصحابه حوله، 2/121 برقم 1362، ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه، وكتابة رزقه وعمله وشقاوته وسعادته، 4/2039 برقم 2647. والآيات من سورة الليل: 5-10 .
([348]) جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم، 1/169 .
([349]) سورة الصف، الآية: 5 .
([350]) سورة المائدة، الآية: 13 .
([351]) سورة النساء، الآية: 40 .
([352]) سورة يونس، الآية: 44 .
([353]) سورة العنكبوت، الآية: 62 .
([354]) سورة الطلاق، الآية: 12 .
([355]) انظر: جامع العلوم والحكم، لابن رجب 1/169 .
([356]) سورة الحج، الآية: 70 .
([357]) سورة الحديد، الآية: 22 .
([358]) سورة يس، الآية: 12 .
([359]) صحيح مسلم، كتاب القدر، باب حجاج آدم موسى، 4/2044، برقم 2653، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
([360]) سنن أبي داود، كتاب السنة، باب في القدر، 4/225، برقم 4700، واللفظ له، والترمذي، كتاب القدر، باب حدثنا قتيبة، 4/457، برقم 2154، وأحمد في المسند، 3/317، وصححه العلامة الألباني، في صحيح سنن أبي داود، 3/890 .
([361]) المسند، 3/317 .
([362]) سورة التكوير، الآية: 29 .
([363]) سورة الزمر، الآية: 62 .
([364]) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 3/148 .
([365]) سورة الزلزلة، الآيتان: 7، 8 .
([366]) انظر:الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية، للإمام ابن بطة، ((كتاب الإيمان))، 1/218-220، و((كتاب القدر)) 1/267، 273، 323، و2/307، وأصول السنة لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الأندلسي، الشهير بابن أبي زمنين، 197-206 .
([367]) أخرجه مسلم، 4/2052، كتاب العلم، باب الإيمان بالقدر والإذعان له، برقم 2664 .
([368]) سورة التوبة، الآية: 51 .
([369]) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 1/318 .
([370]) المرجع السابق، 1/318 .
([371]) شرح النووي على صحيح مسلم، 2/486 .
([372]) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها: البخاري، كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل، 7/233، برقم 6464، ومسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب لن يدخل الجنة أحد بعمله بل برحمة الله، 4/2171، برقم 2818 .
([373]) سورة المؤمنون، الآية: 60 .
([374]) ابن ماجه، كتاب الزهد، باب التوقي في العمل، 2/1404، برقم 4198، والترمذي كتاب تفسير القرآن، باب ((ومن سورة المؤمنون))، 5/327، برقم 3175، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 162، وفي صحيح سنن ابن ماجه، 2/409، وصحيح سنن الترمذي، 3/80 .
([375]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 11/330 .
([376]) سورة الأعراف، الآية: 99 .
([377]) أحمد في مسنده، 4/145، وفي الزهد، ص27 برقم 62، وابن جرير في تفسيره، 11/361 برقم 13240، و13241، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 414، وفي تحقيقه لمشكاة المصابيح، 3/1436، قال: ((إسناده جيد)).
([378]) سورة الأنعام، الآية: 44 .
([379]) سورة الحجر، الآية: 56 .
([380]) سورة يوسف، الآية: 87 .
([381]) انظر:فتح المجيد، لشرح كتاب التوحيد، لعبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب، 2/598 .
([382]) أخرجه البزار في مسنده، 1/106، برقم 55، [مختصر زوائد مسند البزار على الكتب الستة ومسند أحمد] وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 1/104: رواه البزار، والطبراني ورجاله موثوقون.
([383]) أخرجه عبد الرزاق في المصنف، 10/459، برقم 19701، والطبراني في المعجم الكبير، 9/156، برقم 8783، 8784، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 1/104: إسناده حسن.
([384]) انظر: تفسير الطبري [جامع البيان عن تأويل آي القرآن]، 12/579، وانظر: 12/95-97 .
([385]) انظر: المرجع السابق، 16/233 .
([386]) انظر:النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب القاف مع النون، مادة:((قنط))، 4/113 .
([387]) انظر: فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد، للعلامة عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، 2/601 .
([388]) الترمذي، كتاب الجنائز: باب حدثنا عبد الله بن أبي زياد، 3/302، برقم 983، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له، 2/1423 برقم 4261، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1051 .
([389]) انظر: فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد، لعبد الرحمن بن حسن، 2/602، وتيسير العزيز الحميد، لسليمان بن محمد بن عبد الله بن عبد الوهاب، ص511 .
([390]) التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار، للحافظ أبي الفرج زين الدين عبدالرحمن بن أحمد بن رجب، ص25 .
([391]) انظر: المرجع السابق، ص25 .
([392]) شفاء العليل، لابن القيم، 2/761-763، وانظر: الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية، لعبد العزيز السلمان، ص281 .
([393]) سورة الإسراء، الآية: 23 .
([394]) سورة النساء، الآية: 65 .
([395]) شفاء العليل، لابن القيم، 2/762-763، وانظر: الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية للسلمان، ص281، والدرر البهية شرح القصيدة التائية في حل المشكلة القدرية لشيخ الإسلام ابن تيمية، شرح الشيخ عبد الرحمن السعدي، ص51-53، ومنهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية، 3/203-209، والاستقامة له، 2/73-76، وشرح الطحاوية، ص258، والإيمان بالقضاء والقدر للشيخ إبراهيم الحمد، ص115-117، وشرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين، ص543، والمنتقى من فرائد الفوائد له، ص109 .
([396]) شفاء العليل، لابن القيم، 2/762-763 .
([397]) قال العلامة ابن عثيمين – رحمه الله –: ((الرضى بالقضاء الذي هو وصف الله وفعله واجب مطلقاً؛ لأنه من تمام الرضا بالله ربًّا.
وأما القضاء الذي هو المقضي فالرضا به مُختلفٌ:فإن كان المقضي دينيّاً وجب الرضا به مطلقاً.
وإن كان كونيّاً فإما أن يكون نعماً أو نقماً أو طاعات، أو معاصي: فالنعم يجب الرضا بها؛ لأنه من تمام شكرها، وشكرها واجب.
وأما النقم:كالفقر والمرض، ونحوهما، فالرضا بها مستحب عند الجمهور وقيل: بوجوبه.
أما الطاعات فالرضا بها طاعة واجبة إن كانت الطاعة واجبة ومستحبة إن كانت مستحبة.
وأما المعاصي فالرضى بها معصية، والمكروهات الرضا بها مكروه، والمباحات مباح والله أعلم، المنتقى من فرائد الفوائد، ص109 .
([398]) مجموع فتاوى ابن باز، 13/413 .
([399]) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة النبي ﷺ ودعائه بالليل، برقم 771 .
([400]) انظر:شفاء العليل، لابن القيم، 2/509-536، والإيمان بالقضاء والقدر، لمحمد بن إبراهيم الحمد، ص105-108 .
([401]) انظر:شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين، ص542، ومنهاج السنة لابن تيمية، 3/142-144، والتفسير القيم لابن القيم، ص550-556، ومدارج السالكين، 1/409-412، وبدائع الفوائد، 2/214-215، وطريق الهجرتين، ص172-181، والروضة الندية لابن فياض، ص354-360، ودفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب للشيخ العلامة محمد أمين الشنقيطي، ص286-287، والحكمة والتعليل في أفعال الله. د. محمد بن ربيع المدخلي، ص199-204، وفتاوى ابن تيمية، 14/245-425 .
([402]) ابن ماجه، كتاب الأدب، باب فضل الحامدين، برقم 3803، والحاكم، 1/499، وصححه، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 265، وحسنه في صحيح سنن ابن ماجه، 3/245 .
([403]) السَّوْق:أي النزع كأن روحه تساق لتخرج من بدنه، ويقال:السياق.النهاية لابن الأثير، 2/424 .
([404]) أخرجه أحمد في المسند، 4/234، برقم 2412، و4/279، برقم 2475، ورقم 2704، وقال المحققون لمسند أحمد في الموضعين: ((إسناده حسن)) وأخرجه الترمذي في الشمائل، برقم 318، وابن أبي شيبة، 3/394،وعبد الله بن حميد، برقم 593، والبزار، برقم 808، والنسائي، 4/12، ويشهد لقوله: ((هذه رحمة)) ما عند البخاري، برقم 1284، ومسلم، برقم 923 من حديث أسامة بن زيد t عن النبي ﷺ. وقال الألباني عن حديث ابن عباس في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1632: ((وهذا إسناد صحيح)).
([405]) ((بمنزلة كل خير)) قال السندي: أي في منزلة يستحق فيها كل خير، نقلاً عن حواشي مسند الإمام أحمد المحقق، 14/346 .
([406]) أحمد في المسند، 14/190، برقم 8492، و 14/345، برقم 8731، وقال محققو المسند: ((إسناده جيد))، وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان، برقم 4414، والبزار برقم 781، قال العلامة الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 4/172: ((وقال الهيثمي: إسناده حسن. وهو كما قال)).
([407]) مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، برقم 2877 .
([408]) متفق عليه: البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: ] وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ[ برقم 7405، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب الحث على ذكر الله تعالى، برقم 2675 .
([409]) ابن حبان ((موارد)) وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني، برقم 1663 .
([410]) شرح النووي على صحيح مسلم، 17/214-215 .
([411]) مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، برقم 2878 .
([412]) شرح الإمام النووي على صحيح مسلم، 17/215 .
([413]) أحمد، 3/314، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، 1/340، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 283 .
([414]) أبو داود، كتاب الجنائز، باب ما يستحب من تطهير ثياب الميت عند الموت، برقم 3114، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/278 .
([415]) انظر: الاختيارات العلمية من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص132.
([416]) متفق عليه: البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء بالموت والحياة، برقم 6351، وكتاب المرضى، باب تمني المريض الموت، برقم 5671، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب كراهية تمني الموت لضر نزل به، برقم 2680 .
([417]) متفق عليه: البخاري، كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت، برقم 5672، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب كراهية تمني الموت لضر نزل به، برقم 2681 .
([418]) متفق عليه: البخاري، كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت، برقم 5673، ومسلم، كتاب صفات المنافقين، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله، بل برحمة الله تعالى، برقم 2816، واللفظ للبخاري إلا ما بين المعقوفات فلمسلم.
([419]) مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب كراهية تمني الموت لضر نزل به، برقم 2682 .
([420]) أحمد، 6/339، وأبو يعلى، برقم 7076، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، 1/339، والبيهقي، 3/377، وانظر: أحكام الجنائز للألباني، ص12 .
([421]) النسائي، كتاب السهو، باب نوع آخر، برقم 1304، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 1/280، 281 .
([422]) مسلم، كتاب السلام، باب لكل داء دواء واستحباب التداوي، برقم 2204 .
([423]) البخاري، كتاب الطب، باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، برقم 5678 .
([424]) أحمد، 4/278، والترمذي، كتاب الطب عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في الدواء والحث عليه، برقم 2038، وأبو داود، كتاب الطب، باب في الرجل يتداوى، برقم 3855، وابن ماجه، كتاب الطب، باب ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء، برقم 3436، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، وغيره، 2/461 .
([425]) أحمد، برقم 3578، 3922، 4236، 4267، 4334، وقال أحمد شاكر في شرحه للمسند، 5/200: ((إسناده صحيح)).
وأخرجه ابن ماجه، كتاب الطب، باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، برقم 3438 .
([426]) انظر: مسند الإمام أحمد، برقم 15472، 15473، 15474، وزاد المعاد 4/14 .
([427]) متفق عليه في قصة طويلة:البخاري، كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون، برقم 5729، ومسلم، كتاب السلام، باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها، برقم 2219 .
([428]) زاد المعاد، 4/14 .
([429]) سمعته أثناء تقريره على زاد المعاد، 4/13 .
([430]) سمعته أثناء تقريره على زاد المعاد، 4/14 .
([431]) سمعته أثناء تقريره على زاد المعاد، 4/15 .
([432]) سمعته أثناء تقريره على زاد المعاد، 4/16 .
([433]) الشرح الممتع، لابن عثيمين، 4/299-302، ببعض التصرف.
([434]) مسلم، كتاب السلام، باب استحباب وضع يده على موضع الألم مع الدعاء، برقم 2202 .
([435]) متفق عليه: البخاري، كتاب الطب، باب الرقى بالقرآن والمعوذات، برقم 5735، وباب المرأة ترقي الرجل، برقم 5751، ومسلم، كتاب السلام، باب رقية المريض بالمعوذات، برقم 2192 .
([436]) ردغة الخبال: الردغة بسكون الدال وفتحها: طين ووحل كثير، وتجمع على ردغ ورداغ. والخبال: عصارة أهل النار، والخبال في الأصل: الفساد، ويكون في الأفعال والأبدان والعقول. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 2/8، و2/215 .
([437]) الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 1/27، وصححه الألباني في أحكام الجنائز، ص13 .
([438]) البخاري، كتاب الجنائز، باب هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة، برقم 1351، وما بين المعقوفين من الطرف رقم 1352 .
([439]) انظر: الاستذكار لابن عبد البر، 23/7، وشرح النووي على صحيح مسلم، 11/84، وفتح الباري، لابن حجر، 5/395، وشرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، 7/74، وقال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار، 4/61: ((وعرف من مجموع ما ذكرنا أن الوصية قد تكون واجبة، وقد تكون مستحبة)).
([440]) مسلم، كتاب الوصية، برقم 1627 .
([441] ) انظر: فقه الدعوة في صحيح البخاري، للمؤلف، 1/ 50.
([442]) مسلم، برقم 4 – (1627).
([443]) حاشية الروض المربع، 2/15 .
([444]) البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهي لهم، برقم 3059 .
([445]) سورة إبراهيم، الآيات: 42-45 .
([446]) سورة غافر، الآية: 52 .
([447]) سورة الشورى، الآية: 40 .
([448]) سورة لقمان، الآية: 13 .
([449]) مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، 4/1994، برقم 2577 .
([450]) مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، 4/1996، برقم 2578 .
([451]) متفق عليه: البخاري، كتاب المظالم، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، 3/134، برقم 2442، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم 4/1996، برقم 2580 .
([452]) مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، 4/1997، برقم 2581 .
([453]) مسلم،كتاب البر والصلة والآداب،باب تحريم الظلم،4/1997،برقم 2582، من حديث أبي هريرة t.
([454]) مسلم، كتاب الإيمان، باب وعيد من اقتطع حق المسلم بيمين فاجرة بالنار، 1/122، برقم 137 .
([455]) متفق عليه:البخاري، كتاب التفسير، تفسير سورة هود، باب قوله تعالى: ] وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [، 5/ 255، برقم 4686، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، 4/1997، برقم 2583 .
([456]) سورة هود، الآية: 102 .
([457]) مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، 4/1998، برقم 2584 .
([458]) البخاري، كتاب المظالم، باب أعن أخاك ظالماً أو مظلوماً، 3/135، برقم 2445 .
([459]) البخاري، كتاب المظالم، باب من كانت له مظلمة عند رجل فحللها له هل يبين مظلمته؟ 3/136، برقم 2449، من حديث أبي هريرة t.
([460]) متفق عليه: من حديث معقل بن يسار: البخاري، كتاب الأحكام، باب من استرعي رعية فلم ينصح، 8/136، برقم 7151، ومسلم، كتاب الإيمان، باب استحقاق الوالي الغاش لرعيته النار، 1/125، برقم 142، واللفظ له.
([461]) متفق عليه: من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: البخاري، كتاب المظالم، باب الاتقاء والحذر من دعوة المظلوم، 3/136، برقم 2448، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، 1/50، برقم 19 .
([462]) طوقه إلى سبع أرضين: يحتمل أن يكون معناه: يحمل مثله من سبع أرضين ويكلف إطاقة ذلك، ويحتمل أن يكون يجعل له كالطوق في عنقه ويطول الله عنقه كما جاء في غلظ جلد الكافر وعظم ضرسه، وقيل معناه: أنه يطوق إثم ذلك ويلزمه كلزوم الطوق في عنقه. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 11/53 .
([463]) أصل الحديث متفق عليه عن سعيد بين زيد t: البخاري، كتاب المظالم، باب إثم من ظلم شيئاً من الأرض، 3/137، برقم 2452، ومسلم، كتاب المساقاة، باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها، 3/1230، برقم 1610، واللفظ لمسلم مع سبب ورود الحديث.
([464]) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر، وما يجهر فيه وما يخافت، 1/206، برقم 755، واللفظ والقصة له، ومسلم بنحوه، كتاب الصلاة، باب القراءة في الظهر والعصر، 1/334، برقم 453 .
([465]) أحمد في المسند، 2/367، وابن أبي شيبة في المصنف، 10/275، وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 3/360:((وإسناده حسن))، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 2/407، برقم 767 .
([466]) الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار، 27/438 .
([467]) انظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب، 2/35 .
([468]) انظر: جامع العلوم والحكم، 2/36 .
([469]) سورة يونس، الآية: 44 .
([470]) سورة النساء، الآية: 40 .
([471]) سورة فصلت، الآية: 46 .
([472]) سورة طه، الآية: 112 .
([473]) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب فضل صدقة الشحيح الصحيح، برقم 1419، ومسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح، برقم 1032 .
([474]) الترمذي، كتاب الوصايا، باب ما جاء في الرجل يتصدق أو يعتق عند الموت، برقم 2123، والنسائي، كتاب الوصايا، باب الكراهية في تأخير الوصية، برقم 3644، وقال الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح))، قال عبد القادر الأرنؤوط في تخريجه لجامع الأصول، 11/628: ((وهو كما قال))، أي كما قال الترمذي، وقال: ((ورواه أحمد والدارمي وغيرهما))، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي، ص206 وفي ضعيف سنن النسائي، ص115 .
([475]) ابن ماجه، كتاب الوصايا، باب الوصية بالثلث، برقم 2709، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/365، وفي إرواء الغليل، برقم 1641، وذكر له شواهد كثيرة.
([476]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب رثاء النبي ﷺ سعد بن خولة، برقم 1295، ومسلم، كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث، برقم 1628 .
([477]) متفق عليه: البخاري، كتاب الوصايا، باب الوصية بالثلث، برقم 2743، ومسلم، كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث، برقم 1629 .
([478]) الترمذي، كتاب الوصايا، باب ما جاء لا وصية لوارث، برقم 2120، وابن ماجه، كتاب الوصايا، باب لا وصية لوارث، برقم 2713، وأبو داود، كتاب الوصايا، باب ما جاء في الوصية للوارث، برقم 2870، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/207: ((حسن صحيح)). وأخرجه النسائي في كتاب الوصايا، باب إبطال الوصية للوارث، من حديث عمرو بن خارجة، برقم 3643، 3644، 3645، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/554 .
([479]) أبو داود، كتاب الوصايا، باب ما جاء في نسخ الوصية للوالدين والأقربين، برقم 2869، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/207: ((حسن صحيح)).
([480]) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص68 .
([481]) سورة المائدة، الآيات: 106-108 .
([482]) سورة النساء، الآية: 12 .
([483]) الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، 2/57-58، وحسنه الألباني في أحكام الجنائز، ص16، وانظر: إرواء الغليل، رقم 896 .
([484]) قال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار، 4/61: ((رواه سعيد بن منصور موقوفاً ورواه النسائي مرفوعاً، ورجاله ثقات)) .
([485]) نيل الأوطار، 4/61 .
([486]) رُوي مرفوعاً عن أبي هريرة وفيه شهر بن حوشب: ((إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فتجب لهما النار، ثم قرأ أبو هريرة: ] مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ [ [حتى بلغ] ] وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [ أبو داود في الوصايا، برقم 2867، والترمذي، برقم 2118، وابن ماجه، برقم 2704 وأحمد، برقم 7742 ولكن فيه: ((إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة))، ولكن الحديث ضعفه الألباني وغيره، وقد حسنه الترمذي، وقال عبد القادر الأرنؤوط في جامع الأصول، 11/626:((ولكن له شاهد بمعناه من حديث ابن عباس ((الإضرار في الوصية من الكبائر)).رواه سعيد بن منصور موقوفاً بإسناد صحيح، والنسائي مرفوعاً ورجاله ثقات)).انتهى كلام الشيخ عبد القادر.
([487]) جامع الأصول لابن الأثير، 11/626 .
([488]) لفظ مسلم، كتاب الأيمان، باب من أعتق شركاً في عبد، برقم 1668 .
([489]) لفظ أبي داود، برقم 3958، وقال الألباني: صحيح الإسناد، وهو لفظ الترمذي أيضاًً، برقم 1364 .
([490]) جمع رجل.
([491]) أحمد، برقم 20009، واللفظ من هذا الموضع، وأخرجه برقم 19932، ورقم 19826، ورقم 20001، وانظر: أحكام الجنائز للألباني، ص17 .
([492]) أحمد، برقم 22891، 22892 .
([493]) أبو داود، كتاب الوصايا، باب فيمن أعتق عبيداً له لم يبلغهم الثلث، برقم 3960، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/486: ((صحيح الإسناد)).
([494]) البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب هل يستأسِرُ الرجل؟ ومن لم يستأسرْ ومن ركع ركعتين عند القتل، برقم 3045 .
وانظر:سنن أبي داود، كتاب الجنائز، باب المريض يؤخذ من أظفاره وعانته، برقم 3112.
([495]) أبو داود، كتاب الجنائز، بابٌ في التلقين، برقم 3116، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/279، والحديث أخرجه أحمد، 5/233، وغيره.
([496]) متفق عليه:البخاري، كتاب الجنائز، باب ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله، برقم 1237، ومسلم، كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، رقم 32 .
([497]) البخاري، كتاب الجنائز، باب ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله، قبل الحديث رقم 1237 .
([498]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب الأمر باتباع الجنائز، برقم 1240، ومسلم، كتاب السلام، باب من حق المسلم على المسلم رد السلام، برقم 2162 .
([499]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب الأمر باتباع الجنائز، برقم 1239، وما بين المعقوفين من كتاب الأشربة، باب آنية الفضة، برقم 5635، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال آنية الذهب والفضة على الرجال والنساء، وخاتم الذهب والحرير على الرجال وإباحته للنساء، وإباحة العلم ونحوه للرجل ما لم يزد على أربع أصابع، برقم 2066 .
([500]) البخاري، كتاب المرضى، باب وجوب عيادة المريض، برقم 5649 .
([501]) مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل عيادة المريض، برقم 2568 .
([502]) مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل عيادة المريض، برقم 2569 .
([503]) الترمذي بلفظه، كتاب الجنائز، باب في عيادة المريض، برقم 969، وقال الألباني في صحيح سنن الترمذي،1/497 وفي الصحيحة،برقم 1367:((صحيح إلا قوله ((زائراً))، والصواب شامتا)).
([504]) ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في ثواب من عاد مريضاًً، برقم 1442، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/6، وأخرجه أبو داود أيضاً موقوفاً عن علي نحوه، برقم 3098، قال الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/273: ((صحيح موقوف)).
([505]) ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في ثواب من عاد مريضاً، برقم 1443، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/6 .
([506]) أبو داود، كتاب الجنائز، باب الدعاء للمريض عند العيادة، برقم 3106، والترمذي، كتاب الطب، بابٌ، برقم 2083، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم 3106 .
([507]) متفق عليه: البخاري، كتاب المرضى، باب وضع اليد على المريض، برقم 5659، ومسلم، كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث، برقم 8 – (1628)، وأبو داود، كتاب الجنائز، باب الدعاء للمريض بالشفاء عند العيادة، برقم 3104 .
([508]) البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، برقم 3616 .
([509]) الترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الوصية بالثلث والربع، برقم 975، والنسائي، كتاب الوصايا، باب الوصية بالثلث، برقم 3631، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 1/500 دون قوله: ((أوصِ بالعشر)) فهو ضعيف. وأصل الحديث متفق على صحته عند البخاري ومسلم كما تقدم في الوصية، وانظر: إرواء الغليل، برقم 899 .
([510]) مسلم، برقم 4-( 1627)، وتقدم تخريجه في آداب المريض.
([511]) البخاري، كتب المرضى، باب عيادة المشرك، برقم 5657، واللفظ لأبي داود في كتاب الجنائز، باب عيادة الذمي، برقم 3095، وزاد أحمد في رواية، 3/175، 227، 260: ((فلما مات قال: صلوا على صاحبكم)).
([512]) متفق عليه: كتاب الجنائز، باب إذا قال المشرك عند الموت لا إله إلا الله، برقم 1360، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ما لم يشرع في النزع، برقم 24 .
([513]) أبو داود، كتاب الجنائز، باب عيادة النساء، برقم 3092، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/272، والأحاديث الصحيحة، برقم 714 .
([514]) سبق ذكر جملة منها في آداب المريض.
([515]) مسلم، كتاب الجنائز، باب تلقين الموتى لا إله إلا الله، برقم 916 .
([516]) أحمد،3/152،154،268،وقال الألباني في الجنائز،ص20:((إسناده صحيح على شرط مسلم)).
([517]) مسلم، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند المريض، برقم 919 .
([518]) الطبراني في الأوسط [مجمع البحرين، 5/278، برقم 3062]، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 8/59: ((رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن)).
([519]) أبو داود، كتاب الوصايا، باب ما جاء في التشديد في أكل مال اليتيم، برقم 2875، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/209 .
([520]) سمعته أثناء تقريره على منتقى الأخبار، الحديث رقم 1770 .
([521]) البيهقي، 3/384، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، 1/353، وأعله الألباني في الإرواء بعلتين، 3/153 .
([522]) سنن البيهقي، 3/384، وقال البيهقي: ((وهو مرسل جيد))، وقال الألباني في إرواء الغليل، 3/154: ((بسند صحيح)).
([523]) قال العلامة الألباني رحمه الله في إرواء الغليل، 3/152: ((لم أجده عن حذيفة، وإنما روي عن البراء بن معرور))، ولكن قال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ في كتابه: التكميل لما فات تخريجه من إرواء الغليل، ص32: ((وجدته عن حذيفة. رواه ابن أبي الدنيا في ((المحتضرين))، ومن طريق ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) [4/156/1] ترجمة حذيفة منه، من طريق داود بن رشيد، نبأنا عن عباد بن العوام، نبأنا أبو مالك الأشجعي، عن ربعي بن حراش أنه حدثهم أن [أخته] امرأة حذيفة قالت: ... فذكره أثناء خبر. وإسناده صحيح عن ربعي بن حراش)) انتهى.
([524]) السنن الكبرى للبيهقي، 3/384، وانظر: إرواء الغليل للألباني، 3/154 .
([525]) أبو داود، برقم 2875، وتقدم تخريجه.
([526]) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، لابن باز، 13/101 .
([527]) المرجع السابق، 13/101 .
([528]) مسلم، كتاب الجنائز، باب في إغماض الميت والدعاء له إذا حضر، برقم 920 .
([529]) سُجِّيَ: أي غُطِّي.
([530]) حَبِرة:نوع من برود اليمن، والبرد:ثوب مخطط، والحبرة من البرود:ما كان موشياً مخططاً.
([531]) متفق عليه: البخاري، كتاب اللباس، باب البرود والحِبَر والشملة، برقم 5814، ومسلم، كتاب الجنائز، باب تسجية الميت، برقم 942 .
([532]) متفق عليه: البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة، برقم 1839، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات، برقم 98 – (1206).
([533]) متفق عليه:البخاري، برقم 1315، ومسلم،برقم 944،وتقدم تخريجه،في تذكر الحمل على الأكتاف.
([534]) الترمذي، كتاب الجهاد، باب ما جاء في دفن القتيل في مقتله، برقم 1717، وأبو داود، كتاب الجنائز، باب في الميت يحمل من أرض إلى أرض وكراهة ذلك، برقم 3165، والنسائي، كتاب الجنائز، باب أين يدفن الشهيد، برقم 2005، وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الشهيد، برقم 1516، وابن حبان، برقم 3183، وأحمد، برقم 14169، 15281، 14305، 15258، والبيهقي، 4/57، وصححه الألباني في أحكام الجنائز، ص25 .
([535]) البيهقي في السنن الكبرى، 4/57، وصحح الألباني إسناده في أحكام الجنائز، ص25 .
([536]) ص 25 .
([537]) النسائي، كتاب الجنائز، باب الموت بغير مولده، برقم 1831، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/8، وانظر صحيح سنن ابن ماجه من حديث ابن مسعود، 3/386-387 .
([538]) ابن ماجه، كتاب الأحكام، برقم 2433، وأحمد، 4/136، 5/7، والبيهقي، 10/142، وصححه الألباني في أحكام الجنائز، ص26، وفي صحيح سنن ابن ماجه، 2/285 .
([539]) أبو داود، كتاب البيوع، باب التشديد في الدين، برقم 3341، والنسائي، كتاب البيوع، باب التغليظ في الدين، برقم 4699، والحاكم، 2/25-26، والبيهقي، 6/76. وأحمد، برقم 20231، 20233، 20234، 20124، 20232، والطبراني في الكبير، 6755، وصححه الألباني في كتاب أحكام الجنائز، ص26، وهو الذي جمع بين الألفاظ رحمه الله.
([540]) الحاكم، 2/58، والسياق له، والبيهقي، 6/74-75، والطيالسي، برقم 1673، وأحمد، 3/330، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وأخرجه مختصراً أبو داود، كتاب البيوع، باب التشديد في الدين، برقم 3341، وانظر أحكام الجنائز للألباني، ص27 .
([541]) متفق عليه: البخاري، كتاب الكفالة، باب الدين، برقم 2298، ومسلم، كتاب الفرائض، باب من ترك مالاً فلورثته، برقم 1619 .
([542]) مسلم، تاب الإمارة، باب من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين، برقم 1886 .
([543]) انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين، 5/332 .
([544]) البخاري، كتاب المساقاة، باب من أخذ أموال الناس يريد أداءها أو إتلافها، برقم 2387 .
([545]) أحمد، 2/440، والترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء عن النبي ﷺ أنه قال: ((نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه))، برقم 1078، 1079، وابن ماجه، كتاب الصدقات، باب التشديد في الدين، برقم 2413، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 1/547، وغيره.
([546]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب حدثنا علي بن عبد الله، برقم 1293، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر رضي الله تعالى عنهما، برقم 2471 .
([547]) البخاري، كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه، برقم 1241، 1242، والبيهقي، 3/406، وقد ذكر ابن حجر الروايات التي تبين بأن أبا بكر قبل جبهة النبي ﷺ، فتح الباري، 3/115، 8/147، وانظر: أحكام الجنائز للألباني، ص31 .
([548]) الترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء في تقبيل الميت، برقم 989، وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في تقبيل الميت، برقم 1456، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/9، وغيره.
([549]) الحداد، فتح الباري لابن حجر، 3/173 .
([550]) ظئراً: مرضعاً. فتح الباري لابن حجر، 3/173 .
([551]) يجود بنفسه: يخرجها. المرجع السابق، 3/173 .
([552]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي ﷺ: ((إنا بك لمحزونون))، برقم 1303، ومسلم، كتاب الفضائل، باب رحمته ﷺ بالصبيان، برقم 2315 .
([553]) أبو داود، كتاب الترجل، باب حلق الرأس، برقم 4192، وغيره، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/543 .
([554]) أبو داود، كتاب الجنائز، باب صنعة الطعام لأهل الميت، برقم 3132، وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت، برقم 1610، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/47، وغيره.
([555]) سورة البقرة، الآيات: 155-157 .
([556]) متفق عليه: البخاري، برقم 1283، ومسلم، برقم 15 – (926). ويأتي تخريجه.
([557]) مسلم، برقم 918، ويأتي تخريجه في فضل الصبر على المصائب.
([558]) البخاري، كتاب الجنائز، باب إحداد المرأة على غير زوجها، برقم 1280-1282 .
([559]) أي: مائلاً.
([560]) كذا الأصل، ولعل حرف (على) مقحم من بعض النساخ.
([561]) جمع راجل، وهو ضد الفارس.
([562]) متفق عليه: البخاري، مختصراً، كتاب العقيقة، باب تسمية المولود غداة يولد لمن لم يعق برقم 5467، وكتاب الجنائز، باب من لم يظهر حزنه عند المصيبة، برقم 1301، ومسلم، كتاب الأدب، باب استحباب تحنيك المولود، برقم 2144، وكتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي طلحة الأنصاري t، برقم 2144 .
([563]) مسلم، كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة، برقم 934 .
([564]) مسلم، تاب الإيمان، اب إطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب والنياحة، برقم 67 .
([565]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب ما ينهى من النوح والبكاء والزجر عن ذلك، برقم 1306، ومسلم، كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة، برقم 936 .
([566]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي ﷺ: ((يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنته))، برقم 1287، 1286، 1289، 3978، ومسلم، كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه، برقم 927 و928،وانظر:الأحاديث في مسلم،برقم 927-933 .
([567]) أحكام الجنائز للألباني، ص41 .
([568]) انظر: فتح الباري، لابن حجر، 7/301 .
([569]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب ليس منا من ضرب الخدود، برقم 1294، وباب ليس منا من ضرب الخدود، برقم 1297، وباب ما ينهى من الويل ودعوى الجاهلية عند المصيبة، برقم 1298، وكتاب المناقب، باب ما ينهى من دعوى الجاهلية، برقم 3519، ومسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب، والدعاء بدعوى الجاهلية، برقم 103 .
([570]) متفق عليه: البخاري، باب ما ينهى من الحلق عند المصيبة، برقم 1296، ومسلم، باب تحريم ضرب الخدود، وشق الجيوب، والدعاء بدعوى الجاهلية، برقم 104 .
([571]) أبو داود، كتاب الجنائز، باب في النوح، برقم 3131، وقال الألباني في أحكام الجنائز، ص43: ((بسند صحيح)).
([572]) فتح الباري، بشرح صحيح البخاري، 3/116-117 .
([573]) النهاية في غريب الحديث والأثر، 5/85-86 .
([574]) فقه الدعوة في صحيح البخاري، للمؤلف، 2/723، وانظر: صحيح البخاري، باب قتل النائم المشرك، برقم 3022 .
([575]) معجم لغة الفقهاء، لمحمد روَّاس، ص453 .
([576]) غريب ما في الصحيحين، ص130 .
([577]) متفق عليه البخاري، كتاب الجنائز، باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه، برقم 1245، و1327 ، 3880، ومسلم، كتاب الجنائز، باب في التكبير على الجنازة، رقم 951 .
([578]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب من صف صفين أو ثلاثة على الجنازة خلف الإمام، برقم 1317 و3877، ومسلم، كتاب الجنائز، باب التكبير على الجنائز، برقم 952 .
([579]) البخاري، كتاب الجنائز، باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه، برقم 1246 .
([580]) فتح الباري، لابن حجر، 3/116-117 .
([581]) متفق عليه: كتاب الجنائز، باب الإذن بالجنازة، برقم 1247، ومسلم، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر، برقم 68 – (954)، و69 – (954).
([582]) فتح الباري، 3/117 .
([583]) متفق عليه:البخاري، برقم 458، 460، 1337، ومسلم، برقم 956، وتقدم تخريجه في عذاب القبر.
([584]) متفق عليه:البخاري، برقم 327 ، 3880، ومسلم، برقم 951، وتقدم تخريجه قبل قليل.
([585]) أحمد، 5/299، 300، 301، وحسنه الألباني في أحكام الجنائز، ص47 .
([586]) وانظر: مجموع فتاوى ابن باز، 13/408، 410 .
([587]) متفق عليه:البخاري، برقم 458 ، 460، 1437، ومسلم، برقم 956، وتقدم تخريجه.
([588]) متفق عليه، البخاري، برقم 1299 ، 1305 ، 4263، ومسلم، برقم 935، وتقدم تخريجه.
([589]) الترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء في كراهية النعي، برقم 986، ولفظه عن حذيفة: ((سمعت رسول الله ﷺ ينهى عن النعي)).
([590]) الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، 4/387-388 .
([591]) أبو داود، برقم 3116، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/279، وتقدم تخريجه في آداب المريض .
([592]) أحمد بلفظه، 5/357، والترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء أن المؤمن يموت بعرق الجبين، برقم 982، بلفظ:((المؤمن يموت بعرق الجبين))، والنسائي، كتاب الجنائز، باب علامة موت المؤمن، برقم 1829، بلفظ:((موت المؤمن بعرق الجبين))، وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في المؤمن يؤجر في النزع، برقم 1452، مثل لفظ الترمذي.وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 1/502 وغيره.
([593]) سبل السلام للصنعاني، 3/305 .
([594]) أحمد في المسند، برقم 6582، 11/147،وضعفه محققو المسند،والترمذي،كتاب الجنائز،باب ما جاء فيمن مات يوم الجمعة، برقم 1074،وقال الترمذي:ليس إسناده بالمتصل،وقال الألباني في أحكام الجنائز،ص50:((فالحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح))،وحسنه في صحيح سنن الترمذي، 1/545،وسمعت شيخنا ابن باز – رحمه الله – يضعف الحديث.والله تعالى أعلم.
([595]) سورة آل عمران، الآيات: 169-171 .
([596]) ابن ماجه، كتاب الجهاد، باب فضل الشهادة في سبيل الله، برقم 2799، والترمذي، كتاب الجهاد، باب ثواب الشهيد، برقم 1663، وقال: حسن صحيح، وأحمد، 4/131، و4/200، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/129، وفي أحكام الجنائز، ص50 .
([597]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 3/757 .
([598]) كل هذه الشروح للكلمات من المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي، 3/756-758،وشرح النووي على صحيح مسلم،13/66-67،وانظر:فتح الباري،لابن حجر، 6/43 .
([599]) الترغيب والترهيب للمنذري، 2/309 .
([600]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجهاد، باب الشهادة سبع سوى القتل، برقم 2829، ومسلم، كتاب الإمارة، باب بيان الشهداء، برقم 1914 .
([601]) مسلم، كتاب الإمارة، باب بيان الشهداء، برقم 1916 .
([602]) مسلم، كتاب الإمارة، باب بيان الشهداء، برقم 1915 .
([603]) مالك في الموطأ، كتاب الجنائز، باب النهي عن البكاء على الميت، 1/334، واللفظ له، وأبو داود، كتاب الجنائز، باب فضل من مات في الطاعون، برقم 3111، والنسائي، كتاب الجنائز، باب النهي عن البكاء على الميت، برقم 1847، وقال النسائي في المرأة ((شهيدة)) بالتاء المربوطة، وصححه النووي في شرح صحيح مسلم، 13/66، والألباني في أحكام الجنائز، ص40 .
([604]) أحمد، 5/314، 315، 317، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 5/300: ((رواه الطبراني وأحمد بنحوه، ورجالهما ثقات)).
([605]) أحمد، 3/489، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 5/299: ((رواه أحمد ورجاله ثقات))، وصحح إسناده الألباني في أحكام الجنائز، ص39 .
([606]) أبو داود، برقم 4772، والنسائي، برقم 4099، والترمذي برقم 1418، وابن ماجه، برقم 2580، وأحمد، برقم 1652 .
([607]) النسائي، كتاب المحاربة، باب من قتل دون مظلمته، برقم 4101، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 3/858 .
([608]) فتح الباري، 6/43، وذكر: ومن وقصه فرسه في سبيل الله، أو لدغته هامة، أو مات على فراشه على أي حتف شاء الله، فهو شهيد، وصحح الدارقطني ((موت الغريب شهادة))، ولابن حبان ((من مات مرابطاً مات شهيداً)).
([609]) مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الرباط في سبيل الله ﷻ، برقم 1913 .
([610]) أحمد، 5/391، وصحح إسناده الألباني في أحكام الجنائز، ص58 .
([611]) الترمذي، برقم 2142، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/445، وتقدم تخريجه في أسباب حسن الخاتمة.
([612]) أحمد، 5/224، والحاكم، 1/340، وغيرهما، وصححه الألباني في الأحاديث الصحيحة، برقم 1114، وتقدم تخريجه في أسباب حسن الخاتمة.
([613]) أحمد، 3/314، وغيره، وصححه الألباني في الصحيحة، برقم 283 .
([614]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب ثناء الناس على الميت، برقم 1367، ورقم 2642، ومسلم، كتاب الجنائز، باب فيمن يثنى عليه خيراً أو شرّاً من الموتى، برقم 949 .
([615]) البخاري، كتاب الجنائز، باب ثناء الناس على الميت، برقم 1368، ورقم 2643 .
([616]) أصله في البخاري ومسلم، وهذا لفظ الحاكم، 1/378 .
([617]) الحاكم، 1/377، وأصله متفق عليه، وصححه الألباني في أحكام الجنائز، ص61 .
([618]) النسائي،كتاب الجنائز،باب الثناء،برقم 1932،وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/38 .
([619]) ذكر العلامة الألباني رحمه الله زيادات في أحكام الجنائز، ص60، فراجعها فإنها مفيدة.
([620]) سورة البقرة، الآيات: 155-157 .
([621]) تيسير الكريم الرحمن للعلامة السعدي، ص76، وتفسير ابن كثير، ص135 .
([622]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، ص135، وهو في صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب الصبر عند الصدمة الأولى، الباب رقم 42، قبل الحديث رقم 1302 .
([623]) سورة البقرة، الآية: 45 .
([624]) سورة آل عمران، الآية: 146 .
([625]) سورة البقرة، الآية: 153 .
([626]) سورة الفرقان، الآية: 75 .
([627]) تفسير ابن كثير، ص1151، وتفسير السعدي، ص721 .
([628]) سورة الزمر، الآية: 10 .
([629]) تفسير ابن كثير، ص1313، وتفسير السعدي، ص842 .
([630]) سورة الحديد، الآيتان، 22، 23 .
([631]) تفسير السعدي، ص867 .
([632]) سورة التغابن، الآية: 11 .
([633]) البخاري، كتاب التفسير، سورة التغابن، بعد الحديث رقم 4907 .
([634]) برد الأكباد عند فقد الأولاد للحافظ المحدث أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد المعروف بابن ناصر الدين الدمشقي (777-842هـ)، ص12 .
([635]) سورة النحل، الآية: 96 .
([636]) تفسير ابن كثير، ص753، وتفسير السعدي، ص449 .
([637]) انظر: الصبر الجميل لسليم الهلالي، 15-16 .
([638]) مسلم، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند المصيبة، برقم 918 .
([639]) ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصبر على المصيبة، برقم 1598، وصححه الألباني، في صحيح سنن ابن ماجه، 1/267، وأصله في صحيح مسلم.
([640]) الترمذي، برقم 1021، ويأتي تخريجه.
([641]) برد الأكباد عند فقد الأولاد للحافظ محمد بن عبد الله بن ناصر الدين، ص17 .
([642]) البخاري، كتاب الرقاق، باب العمل الذي يبتغى به وجه الله، برقم 6424 .
([643]) فتح الباري، لابن حجر، 11/242-243 .
([644]) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 6424، وذلك في فجر الأحد الموافق 14/10/1419هـ في الجامع الكبير بالرياض.
([645]) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، برقم 2398، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، برقم 4023، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/565 وفي صحيح سنن ابن ماجه، 2/371 وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 143 .
([646]) تحفة الأحوذي للمباركفوري، 7/78-79 .
([647]) أبو يعلى، وابن حبان، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1599.
([648]) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، برقم 2396، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، برقم 4031، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/564، وفي صحيح سنن ابن ماجه، 2/373، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 146.
([649]) تحفة الأحوذي للمباركفوري 7/77 .
([650]) مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، برقم 223 .
([651]) جامع العلوم والحكم، لابن رجب، 2/24، 25 .
([652]) تحفة الأحوذي للمباركفوري، 7/80 .
([653]) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، برقم 2399، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/565، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 2280 .
([654]) لم يبلغوا الحنث: أي لم يبلغوا سن التكليف الذي يكتب فيه الحنث وهو الإثم. شرح النووي على صحيح مسلم، 16/420 .
([655]) البخاري، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المسلمين، برقم 1381 .
([656]) أصل الرقوب في كلام العرب الذي لا يعيش له ولد.
([657]) مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل من يملك نفس عند الغضب، برقم 2608 .
([658]) البخاري، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المسلمين، قبل الحديث، رقم 1381، وتكلم الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 3/245 عن وصله.
([659]) احتظرت: أي امتنعت بمانع وثيق، والحظار ما يجعل حول البستان وغيره من قضبان وغيرها كالحائط، شرح النووي على صحيح مسلم، 16/420-421 .
([660]) مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه، برقم 2636 .
([661]) ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب في ثواب من أصيب بولده، برقم 1603، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/46 .
([662]) مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه، برقم 151 (2632).
([663]) شرح النووي على صحيح مسلم، 16/420 وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري، 3/119 جميع الأحاديث التي فيها زيادة واحد وتكلم عليها كلاماً نفيساً، ثم أشار إلى أن الذي يستدل به على ذلك حديث: ((ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة))، قال: وهذا يدخل فيه الواحد)) فتح الباري، 3/119، و 11/243 .
([664]) متفق عليه:البخاري، كتاب الجنائز، باب فضل من مات له ولد فاحتسبه، برقم 101، و1249، و7310، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه، برقم 2633 .
([665]) البخاري، كتاب الرقاق، باب العمل الذي يُبتغى به وجه الله، برقم 6424 .
([666]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 3/119، ولابن حجر كلام يؤيد هذا في شرحه للحديث رقم 6424، في فتح الباري، 11/243 .
([667]) فتح الباري، 11/243 .
([668]) الترمذي، برقم 1021، وسيأتي .
([669]) النسائي، كتاب الجنائز، باب الأمر باحتساب الأجر، برقم 1871، رقم الباب 22، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 11/243: ((أخرجه أحمد والنسائي، وسنده على شرط الصحيح، وقد صححه ابن حبان والحاكم))، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/404 .
([670]) الترمذي، كتاب الجنائز، باب فضل المصيبة إذا احتسب، برقم 1021، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 1/520، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1408 .
([671]) أخرجه ابن سعد في الطبقات، 7/433، وابن حبان، برقم 2328، والحاكم، 1/511-512، وقال:صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في الأحاديث الصحيحة، برقم 1204 .
([672]) ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء فيمن أصيب بسقط، برقم 1609، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/46 .
([673]) سورة الطور، الآية: 21 .
([674]) شرح النووي على صحيح مسلم، 16/421 .
([675]) مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل من يموت له ولد، فيحتسبه، برقم 2635 .
([676]) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1381، و1382 .
([677]) انظر: فتح الباري لابن حجر، 3/246 .
([678]) البخاري، كتاب التعبير، باب الرؤيا بعد صلاة الصبح، برقم 7047 .
([679]) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة، برقم 1469، وكتاب الرقاق، باب الصبر عن محارم الله، برقم 6470،ومسلم،كتاب الزكاة، باب فضل التعفف والصبر، برقم 1053.
([680]) فتح الباري لابن حجر، 10/108 .
([681]) البخاري، كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض، برقم 5645 .
([682]) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 5645 .
([683]) مسلم، كتاب الزهد، باب المؤمن أمره كله خير، برقم 2999 .
([684]) متفق عليه: البخاري، كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض، برقم 5640، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه، برقم 49 (2572).
([685]) مسلم، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه، برقم 2571 .
([686]) متفق عليه: البخاري، كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض، برقم 5641، 5642، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه، برقم 2573 .
([687]) الوصب: المرض.
([688]) النصب: التعب.
([689]) سورة المدثر، الآية: 7 .
([690]) سورة الرعد، الآية: 22 .
([691]) الحاكم في المستدرك، 1/349، وقال: ((هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)) ووافقه الذهبي.
([692]) الفوائد لابن القيم، ص165، وانظر: الصبر الجميل، لسليم الهلالي، ص28 .
([693]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب زيارة القبور، برقم 1283، ومسلم، كتاب الجنائز، باب في الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى، برقم 15 (926).
([694]) شرح النووي على صحيح مسلم، 6/481 .
([695]) سورة يوسف، الآية: 18 .
([696]) سورة يوسف، الآية: 83 .
([697]) سورة يوسف، الآية: 86 .
([698]) سورة الأنبياء، الآية: 83 .
([699]) سورة ص، الآية: 44 .
([700]) انظر: الصبر الجميل، لسليم الهلالي، ص84
([701]) القين:الحداد، ويطلق على كل صانع، يقال:قان الشيء:إذا أصلحه.فتح الباري لابن حجر، 3/173.
([702]) ظئراً:مرضعاً، وأطلق عليه ذلك لأنه كان زوج المرضعة، وأصل الظئر:من ظارت الناقة إذا عطفت على غير ولدها، فقيل ذلك للتي ترضع غير ولدها، وأطلق ذلك على زوجها؛لأنه يشاركها في تربيته غالباً.وإبراهيم:ابن رسول الله ﷺ، فتح الباري لابن حجر، 3/173 .
([703]) يجود بنفسه:أي يخرجها ويدفعها كما يدفع الإنسان ماله.فتح الباري لابن حجر، 3/173 .
([704]) تذرفان: يجري دمعها. فتح الباري لابن حجر، 3/174 .
([705]) وأنت يا رسول الله: أي الناس لا يصبرون على المصيبة وأنت تفعل كفعلهم، كأنه تعجب لذلك منه مع عهده منه أنه يحثه على الصبر وينهى عن الجزع، فأجابه بقوله: ((إنها رحمة: أي الحالة التي شاهدتها مني هي رقة القلب على الولد لا ما توهمت من الجزع)) فتح الباري لابن حجر، 3/174 .
([706]) ثم أتبعها بأخرى: قيل: أتبع الدمعة بدمعة أخرى، وقيل: أتبع الكلمة الأولى المجملة وهي قوله: ((إنها رحمة)) بكلمة أخرى مفصلة وهي قوله: ((إن العين تدمع)) فتح الباري لابن حجر، 3/174 .
([707]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي ﷺ: ((إنا بك لمحزونون))، برقم 1303، ومسلم، كتاب الفضائل،باب رحمته ﷺ بالصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك،برقم 2315 .
([708]) فتح الباري لابن حجر، 3/174 .
([709]) فتح الباري، لابن حجر، 3/174 .
([710]) في غاشية أهله:أي الذين يغشونه للخدمة وغيرها.فتح الباري لابن حجر، 3/175 .
([711]) ولكن يعذب بهذا: أي إن قال سوءاً. فتح الباري لابن حجر، 3/175 .
([712]) أو يرحم: أي إن قال خيراًً. فتح الباري لابن حجر، 3/175 .
([713]) يعذب ببكاء أهله عليه: البكاء المحرم على الميت هو النوح، والندب بما ليس فيه، والبكاء المقرون بهما أو بأحدهما، شرح النووي على صحيح مسلم، 6/480. وانظر فتح الباري لابن حجر، 3/153-160، وشرح النووي، 6/482-486 .
([714]) متفق عليه: كتاب الجنائز، باب البكاء عند المريض، برقم 1304، ومسلم، كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، برقم 924 .
([715]) فتح الباري لابن حجر، 3/175 .
([716]) متفق عليه، البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي ﷺ: ((يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه))، برقم 1284، ومسلم، كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، برقم 923 .
([717]) البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي ﷺ:((يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه))برقم 1285 .
([718]) تقدمت الأدلة على ذلك في الفقرة رقم 25 .
([719]) سورة البقرة، الآية: 216 .
([720]) سورة النساء، الآية: 19 .
([721]) طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن القيم، ص448-459، وانظر: زاد المعاد، 4/188-196، وعدة الصابرين لابن القيم، ص76-86 .
([722]) سورة آل عمران، الآية: 140 .
([723]) هكذا نقل عند البعض، ولكن للإمام البستي في نونيته نحو هذا قال رحمه الله:
لا تحسبن سروراً دائماً | من سره زمنٌ ساءته أزمان |
انظر: الجامع للمتون العلمية، للشيخ عبد الله بن محمد الشمراني، ص625 .
([724]) سورة هود، الآية: 49 .
([725]) سورة النحل، الآيتان: 41، 42 .
([726]) هكذا سمعته من الشيخ محمد بن حسن الدريعي يقول: إنه كتب له بعض أصدقائه عندما انكسرت رجله، ولكن البيت في نونية علي بن محمد البستي هكذا:
كل الذنوب فإن الله يغفرها | إن شيَّع المرءَ إخلاصٌ وإيمانُ | |
وكل كسر فإن الدين يجبره | وما لكسر قناة الدين جبران |
انظر: الجامع للمتون العلمية، للشيخ عبد الله بن محمد الشمراني، ص626 .
([727]) سورة الأعراف، الآية: 128 .
([728]) سورة الأحقاف، الآية: 35 .
([729]) ابن ماجه، واللفظ له، في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصبر على المصيبة، برقم 1599، والدارمي، 1/40، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1106 .
([730]) انظر: مقومات الداعية الناجح، للمؤلف، ص260-279 .
([731]) برد الأكباد عند فقد الأولاد؛ لابن ناصر الدين، ص61 .
([732]) سورة الزخرف، الآيات: 33-35 .
([733]) سورة يونس، الآية: 24 .
([734]) سورة الكهف، الآية: 45 .
([735]) سورة القصص، الآية: 60 .
([736]) سورة القصص، الآية: 83 .
([737]) سورة القصص، الآية: 88 .
([738]) سورة الشورى، الآية: 36 .
([739]) سورة الأنعام، الآية: 32 .
([740]) سورة العنكبوت، الآية: 64 .
([741]) سورة الحديد، الآية: 20 .
([742]) سورة الرحمن، الآيتان: 36، 37 .
([743]) سورة غافر، الآية: 39 .
([744]) البخاري، كتاب الأطعمة، باب ما كان النبي ﷺ وأصحابه يأكلون، برقم 5414 .
([745]) البخاري، كتاب الرقاق، باب كيف كان يعيش النبي ﷺ وأصحابه وتخليهم عن الدنيا، برقم 6455 .
([746]) البخاري،كتاب الرقاق،باب كيف كان يعيش النبي ﷺ وأصحابه، وتخليهم عن الدنيا، برقم 6459 .
([747]) متفق عليه: البخاري، كتاب الاستقراض وأداء الديون، والحجر والتفليس، باب أداء الديون، برقم 2389، ومسلم، كتاب الزكاة، باب تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة، برقم 991 .
([748]) أحمد في المسند، 1/301 بلفظه، والترمذي بنحوه، في كتاب الزهد، باب 44، برقم 1377، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب مثل الدنيا، برقم 4109، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/280، وصحيح سنن ابن ماجه، 2/394 .
([749]) البخاري، كتاب الأطعمة، باب قول الله تعالى:] كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [ الآية، برقم 5374 .
([750]) انظر: فتح الباري لابن حجر، 9/517، 549 .
([751]) البخاري، كتاب الرقاق، باب كيف كان يعيش النبي ﷺ وأصحابه وتخليهم عن الدنيا، برقم 6456 .
([752]) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب كيف كان يعيش النبي ﷺ وأصحابه وتخليهم عن الدنيا، برقم 6460، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الكفاف والقناعة، واللفظ له، برقم 1055 .
([753]) مسلم، كتاب الزكاة، باب الكفاف والقناعة، برقم 1054 .
([754]) مسلم، كتاب الزهد والرقائق، برقم 2958 .
([755]) مسلم، كتاب الزهد والرقائق، برقم 2959 .
([756]) البخاري، كتاب الرقاق، باب ما قدم من ماله فهو له، برقم 6442 .
([757]) الأسك: مصطلم الأذنين مقطوعهما.
([758]) مسلم، كتاب الزهد والرقائق، برقم 2957 .
([759]) ابن ماجه، كتاب الزهد، باب مثل الدنيا، برقم 4110، والترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في هوان الدنيا على الله ﷻ، وقال: ((هذا حديث صحيح)) برقم 2320، وابن المبارك في الزهد والرقائق عن رجال من أصحاب النبي ﷺ، برقم 470، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 943، وفي صحيح الترغيب والترهيب، برقم 3240 .
([760]) الترمذي، بلفظه،كتاب الزهد،بابٌ:حدثنا محمد بن حاتم، برقم 2322، وحسنه، وابن ماجه، كتاب الزهد،باب مثل الدنيا،برقم 4112،وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 3244 .
([761]) انظر: البخاري، كتاب البيوع، باب شراء الطعام إلى أجل، برقم 2200، ومسلم، كتاب المساقاة، باب الرهن وجوازه في الحضر والسفر، برقم 1603 .
([762]) انظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، 10/ 3284-3285، ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للملا على القاري، 9/31، وتحفة الأحوذي للمباركفوري، 6/613 .
([763]) فقه الدعوة للمؤلف، 2/1007 .
([764]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب، برقم 3158 ، 4015 ، 6425، ومسلم، كتاب الزهد والرقائق، برقم 2961 .
([765]) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، برقم 6427، ومسلم، كتاب الزكاة، باب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا، برقم 1052، وما بين المعقوفين من رواية مسلم.
([766]) متفق عليه: كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت، برقم 5672، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب كراهة تمني الموت لضر نزل به، برقم 2681 .
([767]) فتح الباري، بشرح صحيح البخاري، 10/129 .
([768]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر، 11/93، و10/129 .
([769]) الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 4/326، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة:((وهو كما قالا))، وصححه في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 3165 .
([770]) الترمذي، تاب صفة القيامة، باب حدثنا قتيبة، برقم2466، وحسنه، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب الهم بالدنيا، برقم4108، وأحمد، 2/358، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 2/443، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم3166، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، 3/346، وفي صحيح سنن الترمذي، 2/593 .
([771]) سورة الشورى، الآية: 20 .
([772]) ابن ماجه، كتاب الزهد، باب الهم بالدنيا، برقم 4105، وصحح الألباني إسناده في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 950، وصحيح الجامع، 5/351.
([773]) الترمذي، في كتاب صفة القيامة، باب: حدثنا سويد، برقم 2465، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/593، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 949-950 .
([774]) أحمد، 4/412،وابن حبان برقم 709،والحاكم،4/319،قال الإمام المنذري في الترغيب والترهيب،برقم 4744:((رواه أحمد ورواته ثقات)).وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب على الحديث رقم 3247:((صحيح لغيره))،وذكر له شاهداً في الأحاديث الصحيحة، برقم3287 .
([775]) الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، 4/310، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 3248 .
([776]) سورة الطور، الآية: 21 .
([777]) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص1268، 4/243 .
([778]) أخرجه أحمد في المسند، 2/209، قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره:((إسناده صحيح)).
([779]) تيسير الكريم الرحمن، للعلامة السعدي، ص815، وانظر: تفسير الطبري، 22/467-470، وتفسير البغوي، 4/238 .
([780]) سورة الزمر، الآية: 15 .
([781]) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص1151 .
([782]) سورة الشورى، الآيتان: 44، 45 .
([783]) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص1194 .
([784]) برد الأكباد عند فقد الأولاد، لابن ناصر الدين، ص67 .
([785]) قال في الروض المربع، 2/24: ((فإن مات فجأة، أو شك في موته انتظر به حتى يعلم موته: بانخساف صدغيه، وميل أنفه، وانفصال كفيه، واسترخاء رجليه)). وقال ابن قدامة في المغني، 3/367: ((وإن اشتبه أمر الميت اعتبر بظهور أمارات الموت: من استرخاء رجليه، وانفصال كفيه، وميل أنفه، وامتداد جلدة وجهه، وانخساف صدغيه، وإن مات فجأة: كالمصعوق، أو خائفاً من حرب أو سبع، أو تردَّى من جبل، انتظر به هذه العلامات)). وكذلك قال في الشرح الكبير على المقنع، 6/23، وقال المرداوي في الإنصاف: ((وإن كان موته فجأة: كالموت بالصعقة، والهدم، والغرق، ونحو ذلك، فينتظر به حتى يعلم موته)) الإنصاف مع الشرح الكبير، 6/22 .
([786]) مسلم، برقم 920، وتقدم تخريجه في آداب زيارة المريض.
([787]) المغني لابن قدامة، 3/367 .
([788]) انظر: المغني لابن قدامة، 3/364-367، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/22-23، والروض المربع مع حاشية ابن القاسم، 3/24 .
([789]) مسلم، برقم 920، وتقدم تخريجه.
([790]) مسلم، برقم 920، وتقدم تخريجه.
([791]) المغني لابن قدامة، 3/366، والشرح الكبير على المقنع مع الإنصاف، 6/18، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/21، والشرح الممتع لابن عثيمين، 5/325 .
([792]) ذكر ابن قدامة في المغني، 3/365، قال رحمه الله: ((وروي أن عمر t قال لابنه حين حضرته الوفاة: ادن مني فإذا رأيت روحي قد بلغت لهاتي، فضع كفك اليمنى على جبهتي، واليسرى تحت ذقني وأغمضني)). ولم يسنده رحمه الله. قلت: وهاتان الصفتان تجمع أمرين: إغماض الميت، وإغلاق فمه. وانظر: أيضاً: الإحكام شرح أصول الأحكام، لابن قاسم، 2/22 .
([793]) المغني لابن قدامة، 3/372، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/19، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 2/21، والشرح الممتع لابن عثيمين، 5/325، والإحكام شرح أصول الأحكام، لعبد الرحمن بن محمد بن قاسم، 2/22.
([794]) أخرجه أبو داود، كتاب الجنائز، باب في ستر الميت عند غسله، برقم 3141، وأحمد، 6/267، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، 3/59، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/286 .
([795]) المغني، 3/368 .
([796]) متفق عليه: البخاري، برقم 5814، ومسلم، برقم 942، وتقدم تخريجه.
([797]) متفق عليه، البخاري، برقم 1839، ومسلم، برقم 1206، وتقدم تخريجه.
([798]) المغني لابن قدامة على مختصر الخرقي، 3/366،وانظر:الشرح الكبير على المقنع والإنصاف،6/18 .
([799]) قال الإمام البيهقي في السنن الكبرى:عن عبد الله بن آدم قال:مات مولىً لأنس بن مالك عند مغيب الشمس فقال أنس:ضعوا على بطنه حديدة، ويذكر عن الشعبي أنه سئل عن السيف يوضع على بطن الميت قال:إنما يوضع ذلك مخافة أن ينتفخ، البيهقي، 3/385، وروى ابن أبي شيبة عن عامر الشعبي قال:((كان يستحب أن يوضع السيف على بطن الميت)) المصنف، 3/241.
([800]) قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((ولكن هل هذا يمنع الانتفاخ؟ لا أظنه يمنع؛ لأن الانتفاخ إذا حصل يقطع الخيوط فلا يغني شيئاً إلا إن كان يوضع عليه حديدة وزن الجبل فهذا شيء ثان... وفي عصرنا الآن نستغني عن هذا وهو أن يوضع في ثلاجة إذا احتيج إلى تأخير دفنه...)) وقال عن الأثر: ((فيه نظر)) الشرح الممتع، 5/327 .
([801]) انظر: المغني لابن قدامة، 3/368، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/20 .
([802]) السنن الكبرى، 3/385، في كتاب الجنائز، باب ما يستحب من وضع شيء على بطنه ثم وضعه على سرير؛ لئلا يسرع انتفاخه.
([803]) متفق عليه: البخاري، برقم 1315، ومسلم، برقم 950، وتقدم تخريجه.
([804]) البخاري، برقم 1314، ورقم 1316، ورقم 1380، وتقدم تخريجه.
([805]) البيهقي في السنن الكبرى، 3/395، والحاكم، 1/354، والطبراني في الكبير 1/315، برقم 929، وقال الحاكم: ((صحيح على شرط مسلم)) ووافقه الذهبي، وقال العلامة الألباني في الجنائز، ص69: ((هو كما قالا)). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: ((رجاله رجال الصحيح)) 3/21، وقال ابن حجر في الدراية (140): ((إسناده قوي)). قلت: وله شاهد من حديث أبي أمامة t عند الطبراني في الكبير برقم 8077، ورقم 8078 .
([806]) مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، برقم 2699، من حديث أبي هريرة t.
([807]) متفق عليه: البخاري، كتاب المظالم، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، برقم 2442، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم، برقم 2580 .
([808]) ومن ذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: ((من غَسَلَ ميتاً فأدّى فيه الأمانة ولم يفش عليه ما يكون منه عند ذلك خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)). قال: ((ليَلِه أقربكم منه إن كان يعلم، فإن كان لا يعلم، فمن ترون أن عنده حظّاً من ورع وأمانة)) أحمد في المسند، 41/374، برقم 24881، ورقم 24910، وغيره، وضعفه أصحاب موسوعة مسند الإمام أحمد، 41/375، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد، 3/21 وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط وفيه جابر الجعفي وفيه كلام كثير)).
([809]) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 13/123 .
([810]) المغني لابن قدامة، 3/371، وانظر: الكافي، لابن قدامة، 2/15 .
([811]) أحمد، 6/58، وأبو داود، كتاب الجنائز، باب في الحفار يجد العظم هل يتنكَّب ذلك المكان، برقم 3207، وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب في النهي عن كسر عظم الميت، برقم 1616، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/301.
([812]) اختلف العلماء في تبرع الإنسان ببعض أعضائه في حياته، أو الوصية بها بعد مماته، وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((والراجح أن الإنسان إذا تبرع بشيء من أعضائه في حياته أنه لا يجوز ذلك عندي؛ لأنه ليس له التصرف في شيء من أعضائه، وليست ملكاً له، ورأى هيئة كبار العلماء بالأكثرية أنه لا بأس بذلك إذا تبرع بذلك في حياته، ولكن هناك منهم من توقف وأنا ممن توقف، ورأيت أن ذلك ليس ملكاً له، حتى لو كان حيّاً فتبرع بكلية أو غيرها، فإني أرى عدم التبرع مطلقاً: لا في الحياة، ولا بعد الموت، لما تقدم أنها ليست ملكاً له. أما الدم والتبرع به فلا بأس؛ لأن الأمر فيه يسير))، انتهى كلامه رحمه الله. وقد سمعته يقول ذلك أثناء تقريره على المنتقى من أخبار المصطفى، لأبي البركات عبد السلام ابن تيمية، الحديث رقم 1781 .
([813]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب الكفن في ثوبين، برقم 1265، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات، برقم 1206.
([814]) انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين، 5/336، والروض المربع، 2/28 .
([815]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب يجعل الكافور في الأخيرة، برقم 1259، ومسلم، كتاب الجنائز، باب في غسل الميت، برقم 939.
([816]) ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في غسل الرجل امرأته وغسل المرأة زوجها، برقم 1465، وأحمد، 6/228،وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه،2/11،وأحكام الجنائز، ص67.
([817]) ابن ماجه بلفظه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في غسل الرجل امرأته، وغسل المرأة زوجها، برقم 1464، وأبو داود، كتاب الجنائز، باب في ستر الميت عند غسله، برقم 3141، وأحمد، 6/267، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/11، وصحيح سنن أبي داود، 2/285، وفي أحكام الجنائز، ص67.
([818]) قال العلامة الألباني رحمه الله في إرواء الغليل، برقم 701:((حديث غسل علي فاطمة رضي الله عنها حسن.أخرجه الحاكم، 3/163-164، وعنه البيهقي، 3/396-397.
([819]) نيل الأوطار، 2/687 .
([820]) مجموع فتاوى ابن باز، 13/107-108، وانظر الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/41-50 .
([821]) مجموع فتاوى ابن باز، 13/109 .
([822]) انظر: المغني لابن قدامة، 3/481، المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 6/52-53، والشرح الممتع لابن عثيمين، 5/343، ومجموع فتاوى ابن باز، 3/123 .
([823]) البخاري، كتاب الجنائز، باب الصلاة على الشهيد، برقم 1343، وباب من لم ير غسل الشهداء، برقم 1346 .
([824]) أحمد، 3/399، وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل، 3/164 .
([825]) انظر: المغني، لابن قدامة، 3/467-478، ومجموع فتاوى الإمام ابن باز، 13/121، والشرح الممتع لابن عثيمين، 5/364 .
([826]) وقصته: الوقص: كسر العنق. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 5/214 .
([827]) متفق عليه: البخاري، برقم 1265-1268، و1839، و1849، 1850، 1851، ومسلم، برقم 1206، وتقدم تخريجه في حكم غسل الميت.
([828]) انظر: الكافي، لابن قدامة، 2/15 .
([829]) يتولى غسل الميت: المسلم الأمين، العارف بأحكام الغسل، فإن تنازع الناس في ذلك قُدِّم وصيّه العدل العارف بأحكام الغسل، فإن لم يكن له وصي وتنازعوا فيمن يغسله قدِّم العصبات، وأولاهم أبوه ثم جده، ثم ابنه، ثم ابن ابنه وإن نزل ثم الأقرب فالأقرب من عصباته على ترتيب الميراث. [المقنع والشرح الكبير والإنصاف، 6/30]، وأولى الناس بغسل المرأة عند النزاع: وصيتها، ثم أمها ثم جدتها، ثم ابنتها، ثم القربى، فالقربى، الكافي لابن قدامة، 2/12 .
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع، 5/339: ((هنا قدموا ولاية الأصول على الفروع، وفي باب الميراث قدموا الفروع على الأصول، وفي ولاية النكاح قدموا الأصول على الفروع...)) وهذا عند المشاحة والتنازع في تغسيل الميت، أما عند عدم المشاحة فلا بأس أن يتولى التغسيل من تفرّغ لذلك إذا كان ثقة، مسلماً، عاقلاً، مميزاً. انظر: المغني، 3/406، وفتاوى أحكام الجنائز لابن عثيمين،
ص85، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف مع الشرح الكبير والمقنع، 6/29 .
([830]) البيهقي 3/397، وضعفه الألباني الإرواء، برقم 696، وذكر البيهقي: أن له شواهد مراسيل، قال الألباني في إرواء الغليل، 3/ 159: ((وبعضها في ابن أبي شيبة، 4/ 182 )).
([831]) طبقات ابن سعد، 7/25، قال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ في كتاب التكميل لما فات تخريجه من إرواء الغليل ص33: ((وهذا إسناد صحيح)).
([832]) الحاكم واللفظ الأول له، 1/362، والبيهقي، 3/388، نحو لفظ الحاكم، وابن ماجه باللفظ الثاني، في كتاب الجنائز، باب ما جاء في غسل النبي ﷺ، برقم 1467، وقال الحاكم: ((هذا حديث صحيح على شرط الشيخين لم يخرجا منه غير اللحد، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/11، وفي أحكام الجنائز، ص68، وص187 .
([833]) قال الألباني في أحكام الجنائز، ص69: ((أخرجه أبو داود، 2/69، وسنده صحيح مرسل، وله شاهد من حديث ابن عباس أخرجه (2358) بسند ضعيف.
([834]) ذكر الإمام ابن قدامة: أن الفرض في غسل الميت ثلاثة أشياء: النية، وتعميم البدن بالغسل، وفي التسمية وجهان بناء على غسل الجنابة، ويسن ثمانية أشياء: حني الميت، وإمرار اليد على بطنه، ثم يلف على يده خرقة وينجيه بها، ثم يوضئه، ثم يغسله بماء وسدر، ويغسل رأسه برغوة السدر، ويبدأ بشقه الأيمن، ويغسله وتراً، ويجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً [الكافي، 2/17-20].
([835]) انظر: المغني، لابن قدامة، 3/370، والشرح الكبير على المقنع مع الإنصاف 6/59، والشرح الممتع لابن عثيمين، 5/347 .
([836]) وقال القاضي وابن عقيل: لوليه أن يدخل عليه كيف شاء. قال المرداوي: ((وما هو ببعيد)) انظر: المغني، 3/371، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/59 .
([837]) انظر: المغني، 3/371، والشرح الكبير، 6/59 .
([838]) لابد من مراعاة الأمور الآتية في تغسيل الميت: أن يكون الماء طهوراً مباحاً، وأن يكون الغاسل: مسلماً، عاقلاً، ومميزاًًً [الإنصاف للمرداوي مع الشرح الكبير، 6/25-27].
([839]) المغني لابن قدامة، 3/72، وانظر: الشرح الكبير، 6/19 .
([840]) أحمد، 2/187، وأبو داود، برقم 495، وحسنه الألباني في الإرواء، 1/302، وتقدم تخريجه في شروط الصلاة.
([841]) وفي حديث علي: ((لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت))، أبو داود، برقم 2732، وضعفه الألباني في إرواء الغليل، برقم 269 .
([842]) أبو داود في ستر الميت عند غسله، برقم 3141، وحسنه الألباني، وتقدم تخريجه.
([843]) الكافي، 2/21، وانظر:المغني لابن قدامة، 3/482، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/78 .
([844]) مجموع فتاوى ابن باز، 12/114 .
([845]) خصال الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط.
· أما الختان فلا يستعمل مع الميت بالاتفاق، ويحرم ختنه بلا نزاع في مذهب الحنابلة. قاله المرداوي [في الإنصاف، 6/81].
· وأما قص الشارب فيقص على مذهب الحنابلة بلا نزاع، وهو قول للشافعي كذلك. قاله المرداوي [في الإنصاف، 6/78]. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يؤخذ من الميت شيء، والراجح مذهب الحنابلة وهو أحد قولي الشافعي أنه يقص شارب الميت إن كان طويلاً، قال ابن قدامة [في المغني، 3/482]: ((وهذا قول الحسن، وبكر بن عبد الله، وسعيد بن جبير، وإسحاق)).
· وأما قص الأظفار فقال الإمام ابن قدامة [في المغني 3/483]: ((فأما الأظفار إذا طالت ففيها روايتان: إحداهما لا تقلم، قال أحمد: لا تقلم أظفاره وينقى وسخها وهو ظاهر كلام الخرقي؛ لأن الظفر لا يظهر كظهور الشارب فلا حاجة إلى قصه، و[الرواية] الثانية يقص إذا كان فاحشاً نص عليه؛ لأنه من السنة، ولا مضرة فيه فيشرع أخذه كالشارب، ويمكن أن تحمل الرواية الأولى على ما إذا لم تكن فاحشة...)) وقال المرداوي [في الإنصاف، 6/79]: ((قوله: ويقلم أظفاره: هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب، وهو من المفردات)).
· وأما نتف الإبط فقال المرداوي [في الإنصاف، 6/79]: ((يأخذ شعر إبطيه على الصحيح من المذهب نص عليه، وعليه أكثر الأصحاب...)) وقال [في الشرح الكبير، 6/79]: ((ويخرج في نتف الإبط وجهان، بناء على الروايتين في قص الأظفار؛ لأنه في معناه)).
· وأما العانة فقال الإمام ابن قدامة [في المغني، 3/483]: ((وأما العانة فظاهر كلام الخرقي أنها لا تؤخذ، لتركه ذكرها، وهو قول ابن سيرين، ومالك، وأبي حنيفة؛ لأنها يحتاج في أخذها إلى كشف العورة، ولمسها، وهتك الميت، وذلك محرّم لا يفعل لغير واجب؛ ولأن العورة مستورة يستغنى بسترها عن إزالتها، وروي عن أحمد أن أخذها مسنون، وهو قول الحسن، وبكر بن عبد الله، وسعيد بن جبير، وإسحاق؛ لأن سعد بن أبي وقاص جز عانة ميت [رواه عبد الرزاق برقم 6235]؛ ولأنه شعر إزالته من السنة فأشبه الشارب، والأول أولى، ويفارق الشارب العانة؛ لأنه ظاهر يتفاحش لرؤيته ولا يحتاج في أخذه إلى كشف العورة ولا مسها))، وقال المرداوي [في الإنصاف، 6/79]: ((لا يأخذ شعر عانته على الصحيح من المذهب)). قلت: والأقرب والأولى أن لا تؤخذ عانة الميت؛ لما تقدم؛ ولعدم الدليل على مشروعية ذلك، والله تعالى أعلم، وهذا الذي يرجحه شيخنا الإمام ابن باز [وانظر: للفائدة: الشرح الممتع لابن عثيمين، 5/356-357، ومجموع فتاويه، 17/87، ومجموع فتاوى ابن باز، 12/114].
([846]) انظر:المغني لابن قدامة،3/372-373،والشرح الكبير على المقنع مع الإنصاف، 6/61-62، والكافي لابن قدامة، 2/17، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 2/29، والشرح الممتع، 5/348، وانظر آثاراً في ذلك: مصنف ابن أبي شيبة، 3/245-246 .
([847]) المغني، 3/373، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/63، والكافي 2/17، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 2/39، والشرح الممتع لابن عثيمين، 5/349 .
([848]) أبو داود، برقم 3141، وتقدم تخريجه.
([849]) متفق عليه: البخاري، برقم 1253، ومسلم، برقم 939، وتقدم تخريجه.
([850]) متفق عليه:البخاري، برقم 7288، ومسلم، برقم 1337 وتقدم تخريجه في صلاة المريض.
([851]) متفق عليه: البخاري، برقم 248، ورقم 258، ومسلم، برقم 316، ورقم 318، وتقدم تخريجه.
([852]) متفق عليه: البخاري برقم 1159، ومسلم، برقم 939، وتقدم تخريجه.
([853]) ثفل السدر: حثالة ورق السدر المطحون.
([854]) اختلف العلماء هل يغسل الميت بالماء والسدر في كل غسلة. قال ابن الملقن: قوله عليه الصلاة والسلام: ((بماء وسدر)) قد يوهم هذا اللفظ أن الماء المختلط بالسدر يجوز التطهر به من غير ماء مطلق، وليس بظاهر في امتزاج السدر بالماء حال التطهير، بل يحتمل اجتماعهما في الغسل من غير مزج، ويكون أحدهما وارداً على الآخر، فيزول توهم جواز ذلك...(( [الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، 4/430]. والمعنى على هذا القول: أن يبدأ بالماء والسدر ليقع التنظيف أولاً، ثم بالماء القراح ثانياً، وقال بعضهم: ويحسب هذا غسلة واحدة. [الإعلام بفوائد عمدة الأحكام 4/431]. وذكر ابن الملقن وابن حجر أن الأصح عند الشافعية: أن غسلة السدر لا تحسب، وإنما المحسوب ما يصب عليه من الماء القراح بعد زوال السدر ثلاثاً بالقراح [الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، 4/432، فتح الباري، 3/126، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/68-71]. وقال الإمام ابن قدامة: ((الواجب في غسل الميت مرة واحد؛ لأنه غسل واجب من غير نجاسة أصابته فكان مرة واحدة، كغُسل الجنابة والحيض، ويستحب أن يغسل ثلاثاً كل غسلة بالماء والسدر.. ويجعل في الماء كافور في الغسلة الثالثة؛ ليشده ويبرده ويطيبه، وإن رأى الغاسل أن يزيد على ثلاث؛ لكونه لم ينقَّ بها أو غير ذلك، غسله خمساً أو سبعاً، ولم يقطع إلا على وتر، وإن لم ينق بسبع فالأولى غسله حتى ينقى؛ لقوله ﷺ: ((اغسلنها: ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن))؛ ولأن الزيادة على الثلاثة إنما كانت للإنقاء، وللحاجة إليها، فكذلك فيما بعد السبع [المغني، 3/378-380 و381]، وقال الإمام ابن باز: ((... بالماء والسدر في جميع الغسلات...)) [مجموع الفتاوى، 13/111]، والغسل بالسدر سنة وإن لم يتيسر فلا بأس أن يغسل بأشنان أو صابون، ولكن السنة السدر إن تيسر.
([855]) متفق عليه: البخاري، برقم 1253، ومسلم، برقم 939، وتقدم تخريجه.
([856]) متفق عليه: البخاري، برقم 1253، ومسلم، برقم 939، وتقدم تخريجه.
([857]) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 566،وأثناء تقريره على المنتقى،الحديث رقم 1790 .
([858]) انظر:في تغسيل الميت:المغني لابن قدامة، 3/368-382، الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/15-114، والكافي لابن قدامة، 2/11-28، وأحكام الجنائز للألباني، ص64، والشرح الممتع، 5/335-382، إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين، 1/249-252، ومجموع فتاوى ابن باز، 12/105-124، ومجموع فتاوى ابن عثيمين، 17/85-92، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 2/27-64.
([859]) أبو داود، كتاب الجنائز، باب المشي أمام الجنازة، برقم 3180، والترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الأطفال، برقم 1031، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/293، وصحيح سنن الترمذي، 1/525 .
([860]) المغني3، /458، والشرح الكبير، 6/107، والكافي، 2/22، والشرح الممتع 5/372، ومجموع فتاوى ابن عثيمين، 17/89، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 2/60 .
([861]) أبو داود، كتاب الجنائز، باب الغسل من غسل الميت، برقم 3161، والترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الغسل من غسل الميت، برقم 993، وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في غسل الميت، برقم 1463، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/289، وصحيح سنن الترمذي، 1/507، وصحيح سنن ابن ماجه، 2/11، وساق له ابن القيم في تهذيب السنن أحد عشر طريقاً ثم قال: ((وهذه الطرق تدل على أن الحديث محفوظ)). وقال ابن حجر في التلخيص الحبير، 1/137: ((وبالجملة هو بكثرة طرقه أسوأ أحواله أن يكون حسناً)).
([862]) الحاكم، 1/386، والبيهقي، 3/398، وصححه الحاكم مرفوعاً، ووافقه الذهبي، ولكن قال الألباني: إن الحديث موقوف في أحكام الجنائز، ص72، وحسنه الحافظ في الفتح، 3/127.
([863]) الدارقطني، برقم 191، وغيره وصححه الألباني في أحكام الجنائز، ص72 .
([864]) انظر: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، 4/442 .
([865]) تعليق ابن باز على فتح الباري، 3/135 .
([866]) وانظر: لزيادة الفائدة ما تقدم في الطهارة: الأغسال المستحبة.
([867]) متفق عليه: البخاري، برقم 1265، ومسلم، برقم 1206، وتقدم تخريجه.
([868]) البيهقي، 3/395، والحاكم، 1/354، وتقدم تخريجه في الأمر الرابع من أمور الغسل.
([869]) متفق عليه: البخاري، برقم 1265، ومسلم، برقم 1206، وتقدم تخريجه.
([870]) قال خباب t: ((هاجرنا مع رسول الله ﷺ في سبيل الله، نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئاً، منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد، فلم يوجد له شيء، (وفي رواية: ولم يترك) إلا نمرة، فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجلاه، وإذا وضعناها على رجليه خرج رأسه، فقال رسول الله ﷺ: ضعوها مما يلي رأسه (وفي رواية: غطوا بها رأسه)، واجعلوا على رجليه الإذخر، [بكسر الهمزة والخاء: حشيش معروف طيب الرائحة]، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها))، أي: يجتنيها.
أخرجه البخاري (3/110)، برقم 4047، ومسلم (3/48) برقم 940، قال الألباني: ((والسياق له، وابن الجارود في ((المنتقى)) (260)، والترمذي (4/357)، وصححه النسائي (1/269)، والبيهقي (3/110)، وأحمد (6/395)، والرواية الثانية له وللترمذي. وروى منه أبو داود (2/14، 62) قوله في مصعب: ((قتل يوم أحد...)) والرواية الثالثة له، وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف أخرجه البخاري)).
([871]) انظر الشرح الممتع لابن عثيمين، 5/383 .
([872]) متفق عليه: البخاري، برقم 1265، ومسلم، برقم 1206، وتقدم تخريجه.
([873]) أحمد بلفظه، 5/431، والنسائي، كتاب الجنائز، باب مواراة الشهيد في دمه، برقم 2001، ورقم 3148، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/58، وأحكام الجنائز، ص80 .
([874]) البخاري، برقم 1343، وتقدم تخريجه في شهيد المعركة لا يغسل.
([875]) عن شداد بن الهاد t قال: ((إن رجلاً من الأعراب، جاء إلى النبي ﷺ فآمن به واتَّبعه، ثم قال: أُهاجر معك، فأوصى به النبي ﷺ بعض أصحابه، فلما كانت غزة [خيبر] غنم النبي ﷺ [فيها] شيئاً، فقسم، وقَسَمَ له، فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاءهم دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قسم لك النبي ﷺ، فأخذه فجاء به إلى النبي ﷺ فقال: ما هذا؟ قال: ((قسمته لك))، قال: ما على هذا تبعتك، ولكن اتَّبعتك على أن أُرمى إلى هاهنا – وأشار إلى حلقه – بسهم فأموت فأدخل الجنة، فقال: ((إن تصدُقِ الله يَصْدُقكَ))، فلبثوا قليلاً ثم نهضوا في قتال العدو، فأُتي به النبي ﷺ يُحمَل، قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي ﷺ: ((أهو هو؟)) قالوا: نعم، قال:((صَدَقَ الله فصدقه))، ثم كفنه النبي ﷺ في جُبّة النبي ﷺ، ثم قدمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته:((اللهمَّ هذا عبدُك، خَرجَ مهاجراً في سبيلك، فقُتل شهيداً، أنا شهيدٌ على ذلك)).
أخرجه عبد الرزاق (9597)، والنسائي (1/277)، والطحاوي في ((شرح المعاني)) (1/291)، والحاكم (3/595-596)، والبيهقي في ((السنن)) (4/15-16)، و((الدلائل)) (4/22).
قال الألباني: ((وإسناده صحيح، رجاله كلهم على شرط مسلم ما عدا شداد بن الهاد لم يُخرّج له شيئاً، ولا ضير؛ فإنه صحابي معروف، وأما قول الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (3/37) تبعاً للنووي في ((المجموع)) (5/565): إنه تابعي فوهم واضح فلا يغتر به)).
([876]) عن الزبير بن العوام t قال: ((لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى، حتى إذا كادت أن تشرف على القتلى، قال: فكره النبي ﷺ أن تراهم، فقال: المرأةَ المرأةَ! قال: فتوسمت أنها أمي صفية، فخرجت أسعى إليها، فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى، قال: فَلَدَمَتْ [أي ضربت ودفعت] في صدري، وكانت امرأة جلدة، قالت: إليك لا أرض لك، فقلت: إن رسول الله ﷺ عزم عليك، فوقَفَتْ، وأخرجت ثوبين معها، فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة، فقد بلغني مقتله، فكفنه فيهما، قال: فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة، فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار قتيل، قد فُعل به كما فعل بحمزة، فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفن حمزة في ثوبين، والأنصاري لا كفن له. فقلنا: لحمزة ثوب، وللأنصاري ثوب، فقدرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر، فأقرعنا بينهما، فكفنا كل واحد منهما في الثوب الذي صار له)).
أخرجه أحمد، (1418) – [قاله العلامة الألباني]، ((والسياق له بسند حسن – والبيهقي (3/401) وسنده صحيح)).
([877]) مسلم، كتاب الجنائز، باب في تحسين كفن الميت، برقم 943 .
([878]) متفق عليه:البخاري، برقم 1276، ورقم 4047، ومسلم، برقم 940، وتقدم تخريجه.
([879]) وعن حارثة بن مضرِّب t قال: ((دخلت على خباب وقد اكتوى [في بطنه] سبعاً، فقال: لولا أني سمعت رسول الله ﷺ يقول: لا يتمنين أحدكم الموت)) لتمنيته. ولقد رأيتني مع رسول الله ﷺ لا أملك درهماًًً، وإن في جانب بيتي الآن لأربعين ألف درهم! ثم أتي بكفنه، فلما رآه بكى وقال: ولكن حمزة لم يوجد له كفن إلا بردة ملحاء، إذا جُعلت على رأسه قلصت عن قدميه، وإذا جُعلت على قدميه قلصت عن رأسه، وجُعل على قدميه الإذخر)).
أخرجه أحمد (6/395)، [قال العلامة الألباني] ((بهذا التمام، وإسناده صحيح، والترمذي دون قوله:((ثم أتى بكفنه...)) وقال:((حديث حسن صحيح)).وروى الشيخان وغيرهما من طريق أخرى النهي عن تمني الموت.وتقدم تخريجه في آداب المريض.
([880]) الترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء في قتلى أحد، وذكر حمزة، برقم 1016، وأبو داود، كتاب الجنائز، باب في الشهيد يغسل، برقم 3136، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/517، وفي أحكام الجنائز، ص79، وفي صحيح سنن أبي داود، 2/284 .
([881]) نقلاً عن عون المعبود، للعظيم آبادي، 8/411، وانظر: أحكام الجنائز للألباني، ص79، والإنصاف مع الشرح الكبير والمقنع، 6/118 .
([882]) مسلم، برقم 943، وتقدم تخريجه في إسباغ الكفن.
([883]) الترمذي، كتاب الجنائز، باب منه، برقم 995، وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء فيما يستحب من الكفن،برقم 1474،وصححه الألباني في صحيح الترمذي،1/508، وأحكام الجنائز، ص77.
([884]) أبو داود بلفظه، كتاب الطب، باب في الأمر بالكحل، برقم 3878، والترمذي، كتاب الجنائز، باب ما يستحب من الأكفان، برقم 994، وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء فيما يستحب من الكفن، برقم 1472، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 1/502 وغيره.
([885]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب الكفن بلا عمامة، برقم 1273، ومسلم، كتاب الجنائز، باب في كفن الميت، برقم 941 .
([886]) أحمد، 3/331، وابن أبي شيبة، 4/92، والحاكم، 1/355، والبيهقي، 3/405، وغيرهم، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، قال الألباني في أحكام الجنائز، ص84: ((وهو كما قالا)).
([887]) المغني لابن قدامة، 3/383 .
([888]) البخاري مطولاً، كتاب الجنائز، باب موت يوم الإثنين، برقم 1387 .
والمهلة: بضم الميم وكسرها. قال ابن الأثير في جامع الأصول، 11/114: ((القيح والصديد)).
([889]) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 572 .
([890]) المغني لابن قدامة، 3/391، وانظر: الكافي، 2/33 .
([891]) وقد جاءت هذه الصفة في خبر ضعفه أهل العلم، وهو ما روته ليلى بنت قائف الثقفية، قالت: كنت فيمن غسل أم كلثوم ابنة رسول الله ﷺ عند وفاتها، فكان أول ما أعطانا رسول الله ﷺ: الحقاء، ثم الدرع، ثم الخمار، ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر، قالت: ورسول الله ﷺ جالس عند الباب يناولناها ثوباً ثوباً)). أبو داود، برقم 3157، وأحمد، 6/380 برقم 27135، وضعفه الألباني لجهالة نوح بن حكيم الثقفي، انظر: أحكام الجنائز للألباني، ص85. وسمعت الإمام شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى أثناء تقريره على منتقى الأخبار، الحديث رقم 1804، يقول: هذا الحديث له طرق وهو جيد، ويدل على أن كفن المرأة خمسة [أثواب] وهذا هو الأفضل والواحد يكفي وهو الواجب، ولا يكشف وجه الميت في القبر، وإنما تحزم الأكفان ثم تفك في القبر ولا يكشف وجهه ولا رأسه إلا المحرم؛ [فإنه لا يغطى] وجهه ولا رأسه)). وقال رحمه الله في مجموع الفتاوى، 13/127: ((أما المرأة فالأفضل تكفينها في خمسة أثواب: إزار، وخمار، وقميص، ولفافتين، فهذا هو الأفضل كما ذكره أهل العلم وجاء في ذلك أحاديث تدل عليه، وإن كفنت في أقل من ذلك فلا بأس))، وانظر أيضاً: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 8/363، وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((وأما المرأة فإنها تكفن في خمسة أثواب: إزار، وخمار، وقميص، ولفافتين، وإن كفنت المرأة كما يكفن الرجل فلا حرج في ذلك)) مجموع الفتاوى، 17/75.
وقال الإمام البخاري رحمه الله في باب كيف الإشعار للميت؟ من كتاب الجنائز، قبل الحديث رقم 1261: ((وقال الحسن: الخرقة الخامسة ويشد بها الفخذين والوركين تحت الدرع)). قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 3/133: ((هذا يدل على أن أول الكلام أن المرأة تكفن في خمسة أثواب، وقد وصله ابن أبي شيبة نحوه، وروى الجوزقي من طريق إبراهيم بن حبيب بن الشهيد عن هشام عن حفصة عن أم عطية، قالت: فكفناها في خمسة أثواب وخمرناها كما يخمر الحي، وهذه الزيادة صحيحة الإسناد، وقول الحسن في الخرقة الخامسة قال به زفر، وقالت طائفة: تشد على صدرها لتضم أكفانها، وكأن المصنف أشار إلى موافقة قول زفر، ولا يكره القميص للمرأة على الراجح عند الشافعية والحنابلة)) انتهى كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله. وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((والذي عليه أكثر أصحابنا وغيرهم أن الأثواب الخمسة: إزار، ودرع، وخمار، ولفافتان، وهو الصحيح)) [المغني لابن قدامة، 3/392-393].
([892]) تجمر: أي تبخر بالعود وسمي التبخير تجميراً؛ لأنه يوضع في الجمر في مجمر ثم يبخر به الكفن حتى تعبق رائحته، قال ابن الأثير في جامع الأصول، 11/116: ((الإجمار والتجمير: تبخير الثياب بالبخور)).
([893]) مالك، كتاب الجنائز، باب النهي عن أن تتبع الجنازة بنار، 1/226، وابن أبي شيبة في المصنف، 2/270 عن أسماء بنت أبي بكر.
([894]) والتبان: هو السروال الصغير يستر العورة المغلظة، والتبان: السراويل بلا أكمام، ويكون بقدر شبر يكون للملاحين كما قال الجوهري.
([895]) مسلم، كتاب الألفاظ من الأدب وغيره، باب استعمال المسك وأنه أطيب الطيب، برقم 2252.
([896]) عبد الرزاق، 3/414، برقم 6141، والبيهقي، 3/406، وقال الشيخ الغصن في تخريج أحاديث الروض المربع، 3/602: ((إسناده صحيح)).
([897]) ابن أبي شيبة، كتاب الجنائز، باب في المسك في الحنوط، 3/256، والبيهقي، 6/406، وابن سعد في الطبقات الكبرى، 7/25 .
([898]) عبد الرزاق، 3/414، برقم 6140، وابن أبي شيبة، 3/257، وقال الشيخ الغصن في تخريج أحاديث الروض المربع: وإسناده صحيح.
([899]) المغني لابن قدامة، 3/385، والمقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، 6/126، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/72، والكافي، 2/32 .
([900]) مجموع فتاوى ابن باز، 13/128 .
([901]) انظر: المغني لابن قدامة، 3/383-394، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 6/114-135، والروض المربع، 3/64-78، والكافي، 3/29-137. والشرح الممتع، 5/282-394، إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين، لابن جبرين، 1/255-256، والوجازة في تجهيز الجنازة، للغيث، ص75-80 .
([902]) سورة التوبة، الآية: 84 .
([903]) الشرح المتع لابن عثيمين، 5/337 .
([904]) متفق عليه: البخاري، كتاب الكفالة، باب الدين، برقم 2298، ومسلم، كتاب الفرائض، باب من ترك مالاً فلورثته، برقم 1619 .
([905]) متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب اتباع الجنائز من الإيمان، برقم 47، وكتاب الجنائز، باب فضل اتباع الجنائز، برقم 1323، وباب من انتظر حتى تدفن، برقم 1325، ومسلم، كتاب الجنائز، باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها، برقم 945 .
([906]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب فضل اتباع الجنائز، برقم 1323، 1324، ومسلم، كتاب الجنائز، باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها، برقم 56-(945).
([907]) تقدم تخريجه في الذي قبله.
([908]) مجموع فتاوى ابن باز، 13/136- 137 .
([909]) مجموع فتاوى ابن باز، 13/ 138.
([910]) مسلم، كتاب الجنائز، باب من صلى عليه مائة شفعوا فيه، برقم 947 .
([911]) مسلم، كتاب الجنائز، باب من صلى عليه أربعون شفعوا فيه، برقم 948 .
([912]) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 580، ثم قال رحمه الله أثناء تقريره على هذا الحديث: ((وفي حديث مالك بن هبيرة عند أبي داود [3166]، والترمذي [1028]، وابن ماجه [1490] بإسناد فيه ابن إسحاق وقد عنعن أن النبي ﷺ قال: ((ما من ميت يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب)) يعني وجبت له الجنة، وكان مالك [بن هبيرة] إذا استقل الناس جزأهم ثلاثة صفوف، والحديث إسناده جيد لولا عنعنة ابن إسحاق، فإن صرح بالسماع في رواية استقام إسناده لكن لم أقف على أنه صرح بالسماع، وقال الألباني في الجنائز، ص128: ((وقال الترمذي وتبعه النووي في المجموع، 5/212:حديث حسن وأقره الحافظ في الفتح، ثم قال الألباني:وفيه عندهم جميعاً محمد بن إسحاق وهو حسن الحديث إذا صرح بالتحديث ولكنه هنا قد عنعن فلا أدري وجه تحسينهم للحديث)).[ثم حسنه الألباني في صحيح الترمذي،1/ 523].
([913]) البخاري، برقم 1343، ورقم 1346، وتقدم تخريجه في شهيد المعركة لا يغسل، وفي تكفين الشهيد في ثيابه.
([914]) أبو داود، برقم 3180، والترمذي، برقم 1031، وأحمد، 4/240، 249، والنسائي، 4/55، وتقدم تخريجه في تغسيل الميت.
([915]) أبو داود، كتاب الجهاد، باب في تعظيم الغلول، برقم 2710، والنسائي، كتاب الجنائز، باب الصلاة على من غل، برقم 1961، وابن ماجه، كتاب الجهاد، باب الغلول، برقم 2848، وأحمد، برقم 17031، 4/114 قال الإمام الشوكاني في هذا الحديث سكت عنه أبو داود، والمنذري ورجاله رجال الصحيح. نيل الأوطار، 2/716، وضعفه الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم 2710، وفي غيره، وقال عنه أصحاب موسوعة الإمام أحمد، 28/257، برقم 17031: ((إسناده محتمل للتحسين)) ثم أطالوا في تخريجه ثم قالوا بعد أن ذكروا له شواهد: ((وهذه الأحاديث تقوي معنى حديثنا هذا)) 28/260 .
([916]) مسلم، كتاب الجنائز، باب ترك الصلاة على القاتل نفسه، برقم 978 .
([917]) سمعته أثناء تقريره على منتقى الأخبار، الحديث رقم 1816، ورقم 1817 .
([918]) البخاري، كتاب الحدود، باب الرجم بالمصلى، برقم 6820، وهو عند مسلم من حديث ابن بريدة، برقم 1695 .
([919]) مسلم، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنا، برقم 1695 .
([920]) مسلم، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنا، برقم 1696 .
([921]) سمعته أثناء تقريره على منتقى الأخبار، الحديث رقم 1818، 1819 .
([922]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب من صف صفين أو ثلاثة على الجنازة خلف الإمام، برقم 1317، وباب التكبير على الجنازة أربعاً، برقم 1334، وكتاب مناقب الأنصار، باب موت النجاشي، برقم 3877، ورقم 3878، ورقم 3879، ومسلم، كتاب الجنائز، باب في التكبير على الجنائز، برقم 952 .
([923]) متفق عليه: البخاري، برقم 1245، ورقم 1318، ورقم 1327، ورقم 1328، ورقم 1333، ومسلم، برقم 951، وتقدم تخريجه في النعي الجائز.
([924]) مسلم، كتاب الجنائز، باب في التكبير على الجنازة، برقم 953 .
([925]) الترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء في صلاة النبي ﷺ على النجاشي، برقم 1039، وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على النجاشي، برقم 1535، وأحمد، 2/281، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 1/530 .
([926]) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في الصلاة على الغائب، فعند الجمهور من السلف والشافعي، وأحمد، وابن حزم، مشروعية الصلاة على الميت الغائب عن البلد، حتى قال ابن حزم: لم يأت عن أحد من الصحابة منعه؛ ولهذا قال الشافعي: الصلاة على الميت دعاء له، وهو إذا كان ملففاً يصلى عليه، فكيف لا يدعى له وهو غائب أو في القبر بذلك الوجه الذي يدعى له به وهو ملفف.
وقال الحنفية والمالكية: لا يشرع ذلك؛ وإنما هو خاص بالنبي ﷺ.
وعن بعض أهل العلم إنما يجوز ذلك في اليوم الذي يموت فيه الميت أو ما قرب منه لا ما إذا طالت المدة حكاة ابن عبد البر.
وقال ابن حبان: إنما يجوز ذلك لمن كان في جهة القبلة.
وقيل: لا يصلى على الغائب إلا إذا وقع موته بأرض ليس بها من يصلي عليه.
وقيل هذه الصلاة خاصة بالنبي ﷺ على النجاشي، ولكن الأصل عدم الخصوصية [فتح الباري لابن حجر، 3/188]. وانظر الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/182-183، والمغني لابن قدامة، 3/446، وزاد المعاد لابن القيم، 1/519 .
([927]) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 579 .
([928]) سمعته أثناء تقريره على منتقى الأخبار، الحديث رقم 1821-1825 .
([929]) وانظر: زيادة تفصيل في المسألة، مجموع فتاوى ابن باز، 13/158-160 .
([930]) المغني، لابن قدامة، 3/447 .
([931]) وخلاصة ما ذكره ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد، 1/519-520: أنه لم يكن من هديه ﷺ الصلاة على كل غائب، فقد مات خلق كثير من المسلمين وهم غُيّب فلم يصلِّ عليهم، وصح عنه أنه صلى على النجاشي صلاته على الميت فاختلف الناس في ذلك على ثلاث طرق:
الأول: إن هذا تشريع منه وسنة للأمة الصلاة على كل غائب، وهذا قول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه.
القول الثاني: قال أبو حنيفة ومالك: هذا خاص به ﷺ، وليس ذلك لغيره.
القول الثالث: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الصواب أن الغائب إن مات ببلد لم يصلَّ عليه فيه صلي عليه صلاة الغائب، وإن صلى عليه حيث مات لم يُصلَّ صلاة الغائب؛ لأن الفرض قد سقط بصلاة المسلمين عليه، والنبي ﷺ صلى على الغائب وتركه، وفعله وتركه سنة، وهذا له موضع والله أعلم، والأقوال ثلاثة في مذهب الإمام أحمد وأصحها هذا التفصيل، والمشهور عند أصحابه الصلاة عليه مطلقاً [زاد المعاد، 1/519-521].
وذكر العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى من خلاف العلماء ثلاثة أقوال من أقوال أهل العلم في حكم صلاة الغائب:
القول الأول: يُصلَّى على كل غائب: شريفاً، أو وضيعاً، ذكراً أو أنثى، قريباً أو بعيداً، فيصلى على كل غائب ولو صُلّي عليه.
القول الثاني:يصلى على الغائب إذا كان فيه غناء للمسلمين، أي منفعة.كالعلم الذي نفع الناس بعلمه، وتاجر نفع الناس بماله، ومجاهد نفع الناس بجهاده، وما أشبه ذلك، فيصلى عليه شكراً له وردّاً لجميله، وتشجيعاً لغيره أن يفعل مثل فعله.وهذا قول وسط اختاره كثير من العلماء المعاصرين وغير المعاصرين.
القول الثالث: لا يصلَّى على الغائب إلا من لم يُصلَّ عليه حتى وإن كان كبيراً في علمه، أو ماله، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [الاختيارات الفقهية، ص87]. انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين، 5/437-438 .
([932]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر بعدما يدفن، برقم 1336، ومسلم، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر، برقم 954 .
([933]) متفق عليه: البخاري، برقم 1336، ومسلم بلفظه، برقم 956، وتقدم تخريجه في عذاب القبر.
([934]) مسلم، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر، برقم 955 .
([935]) الترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على القبر، برقم 1038. وقال الحافظ في التلخيص، 2/125: ((وإسناده مرسل صحيح)) ووصله البيهقي، 4/48 عن ابن عباس، وفي إسناده سويد بن سعيد، ووصله أيضاً الدارقطني، ص193، وحسنه الأرناؤوط في تحقيقه لجامع الأصول، 6/237 .
([936]) الدارقطني، 2/78 .
([937]) الدارقطني، 2/78 .
([938]) النسائي، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر، برقم 2021، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/64 .
([939]) المغني لابن قدامة، 3/444 .
([940]) سمعته أثناء تقريره على منتقى الأخبار، الأحاديث رقم: 1827-1831 .
([941]) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 577 .
([942]) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في الصلاة على القبر لمن لم يصل على الجنازة، فقيل: بعدم مشروعية الصلاة على القبر، وأن الصلاة على القبر من خصائص النبي ﷺ.
وقيل: الصلاة على القبر مشروعة، وبه قال الجمهور، واختلفوا فيمن لم يصلّ عليه، فقيل: يؤخر دفنه ليصلي عليه من كان لم يصلِّ، وقيل: يبادر بدفنها ويصلي الذي فاتته على القبر. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((ومن صلى مرة فلا يسن له إعادة الصلاة عليها، وإذا صُلّي على الجنازة مرة لم توضع لأحد يصلي عليها قال القاضي: لا يحسن بعد الصلاة عليه ويبادر بدفنه...)).
وقال ابن قدامة أيضاً:((ويصلى على القبر وتعاد الصلاة عليه جماعة وفرادى نص عليهما أحمد.وقال:وما بأس بذلك فقد فعله عدة من أصحاب رسول الله ﷺ، وفي حديث ابن عباس، قال: انتهى النبي ﷺ إلى قبر رطب فصفوا خلفه وكبر أربعاً [متفق عليه وتقدم تخريجه] [المغني، 3/444-446، والشرح الكبير، 6/181-182].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاختيارات الفقهية، ص129: ((ويصلى على الجنازة مرة بعد أخرى؛ لأنه دعاء وهو وجه في المذهب واختاره ابن عقيل في الفنون وقال في موضع آخر: ومن صلى على الجنازة فلا يعيدها إلا بسبب مثل أن يعيد غيره الصلاة فيعيدها معه، أو يكون هو أحق بالإمامة من الطائفة الثانية فيصلي بهم)).
واختلف في المدة التي يُصلى فيها على الميت في القبر: فقيل: إلى شهر، وقيل: ما لم يبل الجسد، وقيل: إلى اليوم الثالث، وقيل: يختص بمن كان من أهل الصلاة عليه حين موته، وقيل: يجوز أبداً [فتح الباري لابن حجر، 3/205، ونيل الأوطار للشوكاني، 2/724].
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((والصحيح أنه يُصلى على الغائب ولو بعد شهر، ونصلي على القبر أيضاً ولو بعد الشهر)) [الشرح الممتع، 5/436] والراجح والله تعالى أعلم أنه يصلى عليها في حدود الشهر. كما تقدم.
([943]) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 13/ 153- 156.
([944]) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في حكم من صلَّى على الجنازة: هل يعيدها مرة أخرى، أم لا يعيدها؟ قال العلامة المرداوي في الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف [6/ 176- 177]: ((فائدة: يكره لمن صلَّى عليها أن يعيد الصلاة مرة ثانية، على الصحيح من المذهب، وعليه الأكثر، ونصَّ عليه، وقيل: يحرُمُ، وذكره الله في ((المنتخب)) نصّاً، وفي كلام القاضي: الكراهة، وعدم الجواز، وقال في ((الفصول)) لا يصلِّيها مرتين، كالعيد، وقيل: يصلِّي ثانية اختاره ابن عقيل في ((الفنون))، والمجد، والشيخ تقي الدين، وقال أيضاً في موضع آخر: ومن صلَّى على الجنازة فلا يعيدها إلا لسببٍ، مثل: أن يعيد غيره الصلاة فيعيدها معهم، أو يكون هو أحق بالإمامة من الطائفة الثانية، فيُصلِّي بهم، وأطلق في ((الوسيلة))، و((فروع أبي الحسين)) عن ابن حامد: أنه يصلِّي ثانياً؛ لأنه دعاء، واختار ابن حامد والمجدُ يُصلِّي عليها ثانياً تبعاً لا استقلالاً إجماعاً)). وانظر: مجموع فتاوى ابن باز، 13/ 153- 156، والإنصاف، 6/ 176- 177.
([945]) أحمد، 3/204، وأبو داود، كتاب الجنائز، باب أين يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه، برقم 3194، مطولاً، والترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء أين يقوم الإمام من الرجل والمرأة، برقم 1034، وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء أين يقوم الإمام إذا صلى على الجنازة، برقم 1494، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 1/527، وغيره.
([946]) متفق عليه:البخاري، كتاب الجنائز، باب أين يقوم من المرأة والرجل، برقم 1332، ومسلم، كتاب الجنائز، باب أين يقوم الإمام من الميت للصلاة عليه، برقم 964 .
([947]) زاد المعاد، 1/512 .
([948]) النسائي، كتاب الجنائز، باب اجتماع جنائز الرجال والنساء، برقم 1977، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/52 .
([949]) أبو داود، كتاب الجنائز، باب إذا حضر جنائز رجال ونساء مَن يقدم، برقم 3193، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/297 .
([950]) مالك في الموطأ بلاغاً، في كتاب الجنائز، باب جامع الصلاة على الجنائز، 1/230، قال الأرناؤوط في تحقيقه لجامع الأصول، 6/231: ((وإسناده منقطع، ولكن له شواهد بمعناه منها الحديثان اللذان قبله، فهو حديث حسن)).
([951]) سمعته أثناء تقريره على المنتقى، الأحاديث: 1859-1862. وانظر: المغني لابن قدامة، 3/453-454 .
([952]) انظر المغني، لابن قدامة، 3/509 .
([953]) المغني، 3/512 .
([954]) البخاري، برقم 1347، وتقدم تخريجه في أن الشهيد لا يغسل، ولا يصلى عليه.
([955]) المغني لابن قدامة، 3/511، ومجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين، 17/102 .
([956]) مسلم، كتاب الجنائز، باب الصلاة على الجنازة في المسجد، برقم 973 .
([957]) زاد المعاد، لابن القيم، 1/502، وانظر: موطأ الإمام مالك، 1/230، وأخرجه ابن أبي شيبة: إن عمر صلى على أبي بكر في المسجد، وإن صهيباً صلى على عمر في المسجد، المصنف، 3/364 .
([958]) زاد المعاد، 1/500 .
([959]) زاد المعاد، 1/502 .
([960]) سمعته أثناء تقريره على منتقى الأخبار، الأحاديث رقم 1863-1864 .
([961]) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام الحديث رقم 582، وانظر:مجموع فتاوى ابن باز، 13/164 .
([962]) انظر: أحكام الجنائز للألباني، ص35-38، فقد ذكر أربعة أحاديث تحدد أماكن الصلاة على الجنازة خارج المسجد في المدينة.
([963]) مسلم، برقم 947، وتقدم تخريجه في فضل الله على عبده المسلم الميت.
([964]) مسلم، برقم 948، وتقدم تخريجه في فضل الله على عبده المسلم الميت.
([965]) أبو داود، برقم 3166، والترمذي، برقم 1028، وابن ماجه، برقم 1490، وتقدم خريجه في فضل الله على عبده المسلم الميت، وأن فيه ابن إسحاق وقد عنعن.
([966]) قال الألباني: رواه الطبراني في الكبير، (7785) وقال الهيثمي في المجمع، 3/432: ((وفيه ابن لهيعة وفيه كلام ولكن الألباني بين أنه يصلح للشواهد ثم ذكر شاهده من حديث مالك بن هبيرة، أحكام الجنائز، ص127 .
([967]) انظر ما تقدم في تخريجه، وانظر: أحكام الجنائز للألباني، ص127-128، وحديث ابن هبيرة حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 1/523 .
([968]) فتح الباري، لابن حجر، 3/186-187 .
([969]) نيل الأوطار، 2/728 .
([970]) وانظر المغني لابن قدامة، 3/420 .
([971]) ثم رأيت في فتاوى الإمام ابن باز رحمه الله، 13/139: أنه رحمه الله يرى أن الأصل أن يصف الناس في صلاة الجنازة كما يصفون في الصلاة المكتوبة فيكملون الصف الأول فالأول؛ لأن حديث ابن هبيرة ضعيف وهو مخالف للأحاديث الصحيحة الدالة على وجوب إكمال الصف الأول فالأول. وكذلك يرى العلامة ابن عثيمين رحمه الله في الفتاوى، 17/108 أن الأفضل في صلاة الجنازة إتمام الصف الأول فالأول، ورجح ذلك.
([972]) سورة التوبة، الآية: 84 .
([973]) البخاري، كتاب التفسير، باب قوله: ] اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لـَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ الله لـَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِالله وَرَسُولِهِ وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [.
([974]) سورة التوبة، الآية: 113 .
([975]) سورة القصص، الآية: 56 .
([976]) متفق عليه:البخاري، برقم1360، ومسلم برقم24، وتقدم تخريجه في آداب زيارة المريض.
([977]) مسلم، برقم 831، وتقدم تخريجه في صلاة التطوع.
([978]) موطأ الإمام مالك، كتاب الجنائز، باب الصلاة على الجنائز بعد الصبح وبعد الإسفار، 1/229، وقال عبد القادر الأرناؤوط في تحقيقه لجامع الأصول، 6/232: ((وإسناده صحيح))، وقال الألباني في أحكام الجنائز، ص166: ((وسنده صحيح)).
([979]) موطأ الإمام مالك، كتاب الجنائز، باب الصلاة على الجنائز بعد الصبح إلى الإسفار، 1/229، والبيهقي، 4/32، وقال عبد القادر الأرناؤوط في المرجع السابق: ((إسناده صحيح)). وقال الألباني في أحكام الجنائز، ص166: ((وسنده صحيح)).
([980]) ذكره البخاري تعليقاً مجزوماً به، في كتاب الجنائز، باب سنة الصلاة على الجنائز، في ترجمة الباب قبل الحديث رقم 1322، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 3/190: ((وصله سعيد بن منصور من طريق أيوب عن نافع))، ثم قال: ((فكان ابن عمر يرى اختصاص الكراهة بما عند طلوع الشمس وعند غروبها لا مطلق ما بين الصلاة وطلوع الشمس أو غروبها..، وإلى قول ابن عمر ذهب مالك، والأوزاعي، والكوفيون، وأحمد، وإسحاق)).
([981]) سنن البيهقي الكبرى، 4/32، وجوّد إسناده الألباني في أحكام الجنائز، ص166، فقال: ((بسند جيد عن ابن جريج)).
([982]) معالم السنن للخطابي، 4/327 .
([983]) مجموع فتاوى ابن باز، 13/157، وانظر مجموع رسائل وفتاوى ابن عثيمين، 17/157 .
([984]) وانظر: المغني لابن قدامة، 3/502-503 .
([985]) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 13/ 156- 157، و25/ 201، و30/ 72.
([986]) انظر: مصنف عبد الرزاق، 3/471 .
([987]) البيهقي في السنن الكبرى، 4/29، ومصنف عبد الرزاق، 3/471 .
([988]) مصنف عبد الرزاق، 3/471 .
([989]) البيهقي في السنن الكبرى، 4/29 .
([990]) ابن أبي شيبة في المصنف، 3/285، والبيهقي، 4/29 .
([991]) مصنف عبد الرزاق، 3/471 .
([992]) انظر الكافي لابن قدامة، 2/40 ، والمغني لابن قدامة، 3/405-406 .
([993]) الكافي لابن قدامة، 2/39-40 .
([994]) مصنف عبد الرزاق، 4/471، وانظر: الأوسط لابن المنذر، 5/402 .
([995]) المغني، 3/406 .
([996]) المغني، 3/406 .
([997]) المغني، 3/406-407 .
([998]) الحاكم، 3/171،والبزار،(814) كشف الأستار،والطبراني في الكبير،3/148/2912، و2913،والبيهقي، 4/28،وأحمد، 2/531،وذكره الألباني في أحكام الجنائز،ص128-130 .
([999]) مسلم، برقم 290 – (673) وتقدم تخريجه في الإمامة.
([1000]) مجموع رسائل وفتاوى ابن عثيمين، 17/113 .
([1001]) مسلم، برقم 673، وتقدم تخريجه.
([1002]) مجموع فتاوى ابن باز، 13/137 .
([1003]) المغني لابن قدامة، 3/420، وانظر: الشرح الكبير، مع المقنع والإنصاف، 6/160-164، والكافي، 2/41-44 .
([1004]) التكليف: البلوغ والعقل.
([1005]) منار السبيل في شرح الدليل ((دليل الطالب))، 1/224 .
([1006]) الكافي، 2/45-47 .
([1007]) مسلم، برقم 224، وتقدم تخريجه في صفة الصلاة.
([1008]) أبو داود، برقم 3193، والترمذي، برقم 1034، وابن ماجه، برقم 1494، وتقدم تخريجه في موقف الإمام في صلاة الجنازة.
([1009]) متفق عليه:البخاري، رقم 1332، ومسلم، رقم964، وتقدم في موقف الإمام على الجنازة.
([1010]) متفق عليه:البخاري، برقم 1317، ومسلم، برقم 952، وتقدم تخريجه في صلاة الغائب.
([1011]) تقدم ذكر الأحاديث في: الأمر بتسوية الصفوف في الإمامة.
([1012]) تقدم ذكر الأدلة على وجوب استقبال القبلة في شروط الصلاة.
([1013]) تقدم ذكر الأدلة على جميع هذه المسائل في صفة الصلاة.
([1014]) حديث جابر متفق عليه: البخاري، برقم 317، ومسلم، برقم 952، وتقدم تخريجه، وحديث أبي هريرة متفق عليه أيضاً، البخاري، برقم 1245، ومسلم، برقم 951، وتقدم تخريجه.
([1015]) الترمذي، كتاب الجنائز، باب في رفع اليدين على الجنازة، برقم 1077، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 1/546، وفي أحكام الجنائز، ص147 .
([1016]) الإجماع لابن المنذر، ص51 .
([1017]) أبو داود، برقم 727، والنسائي برقم 889، وتقدم تخريجه في صفة الصلاة.
([1018]) البخاري، برقم 740، وتقدم تخريجه في صفة الصلاة.
([1019]) سورة النحل، الآية: 98، ((أو يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: من همزه، ونفخه، ونفثه)) أحمد، 3/50، والترمذي، برقم 242، وأبو داود، برقم 775، وتقدم خريجه في صفة الصلاة.
([1020]) أحمد، 3/364، والنسائي، برقم 907، وتقدم تخريجه في صفة الصلاة.
([1021]) متفق عليه:البخاري، برقم 756، ومسلم، برقم 394، وتقدم تخريجه في صفة الصلاة.
([1022]) النسائي، كتاب الجنائز، باب الدعاء، برقم 1988، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/55، وفي أحكام الجنائز، ص154 .
([1023]) البخاري، كتاب الجنائز، باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة، برقم 1335، وهذا لفظ النسائي، كتاب الجنائز، باب الدعاء، برقم 1986.
([1024]) البخاري، برقم 631، وتقدم تخريجه في صفة الصلاة.
([1025]) البخاري برقم 756، ومسلم برقم 394، وتقدم تخريجه.
([1026]) مجموع فتاوى ابن باز، 13/143 .
([1027]) النسائي، كتاب الجنائز، باب الدعاء،برقم 1986،وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/55.
([1028]) مجموع فتاوى ابن باز، 13/140، 13/144 .
([1029]) رواه الدارقطني في العلل كما في نصب الراية، 2/285، قال الإمام ابن باز في حاشيته على فتح الباري لابن حجر، 3/190: ((وأخرجه الدارقطني في العلل بإسناد جيد عن ابن عمر مرفوعاً وصوّب وقفه؛ لأنه لم يرفعه سوى عمر بن شبة، والأظهر عدم الالتفات إلى هذه العلة؛ لأن عمر المذكور ثقة فيقبل رفعه؛ لأن ذلك زيادة من ثقة، وهي مقبولة على الراجح عند أئمة الحديث، ويكون ذلك دليلاً على شرعية رفع اليدين في تكبيرات الجنازة)).
([1030]) البخاري معلقاً، كتاب الجنائز، باب سنة الصلاة على الجنازة، في ترجمة الباب قبل الحديث رقم 1322، ووصله البخاري في كتابه جزء رفع اليدين (105) وفي الأدب المفرد، من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ((أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة على الجنازة))، وقد روي مرفوعاً أخرجه الطبراني في الأوسط من وجه آخر عن نافع عن ابن عمر بإسناد ضعيف [فتح الباري لابن حجر، 3/190]. قلت: وقد تقدم في صلاة العيدين: أنه روي عن عمر ((أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة في الجنازة وفي العيد)). رواه الأثرم، لكن ضعفه الألباني في إرواء الغليل، 3/112. [وانظر: المغني لابن قدامة، 3/272-273].
([1031]) التلخيص الحبير، 2/147.
([1032]) انظر هذه الآثار الكثيرة في مصنف ابن أبي شيبة، 3/296-297،ونيل الأوطار للشوكاني،2/739.
([1033]) قال العلامة الألباني رحمه الله: ((نعم روى البيهقي، 4/44 بسند صحيح عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه على كل تكبيرة من تكبيرات الجنازة، فمن كان يظن أنه لا يفعل ذلك إلا بتوقيف النبي ﷺ فله أن يرفع، وقد ذكر السرخسي عن ابن عمر خلاف هذا وذلك مما لا نعرف له أصلاً في كتب الحديث [أحكام الجنائز، ص148].
([1034]) الشرح الممتع، 5/426، ومجموع فتاوى ابن عثيمين، 17/112، 132، 133 .
([1035]) مجموع فتاوى ابن باز، 13/148 .
([1036]) وانظر: المغني لابن قدامة، 3/417 .
([1037]) أخرجه البيهقي، 4/39، والحاكم، 1/360، وصححه ووافقه الذهبي، قال الألباني في أحكام الجنائز، ص55: ((وهو كما قالا)).
([1038]) مجموع فتاوى ابن باز، 13/141 .
([1039]) أبو داود، كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت، برقم 3199، وابن ماجه في الجنائز، باب ما جاء في الدعاء في الصلاة على الجنازة، برقم 1497، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/299 .
([1040]) أبو داود، كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت، برقم 3201، والترمذي كتاب الجنائز، باب ما يقول في الصلاة على الميت، برقم 1024، وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الدعاء على صلاة الجنازة، برقم 1498، والنسائي لكنه من حديث أبي إبراهيم الأنصاري، برقم 1985، قال أبو هريرة t: ((صلى رسول الله ﷺ على جنازة)) وصححه لألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/300 وغيره.
([1041]) مسلم، كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت في الصلاة عليه، برقم 963، من حديث عوف بن مالك، قال: صلى رسول الله ﷺ على جنازة فحفظت من دعائه. الحديث، ثم قال: ((حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت)).
([1042]) أبو داود، كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت، برقم 3202، وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الدعاء في الصلاة على الجنازة، برقم 1499، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/300، وأحكام الجنائز، ص158، والحديث عن واثلة بن الأسقع قال: صلى بنا رسول الله ﷺ على رجل من المسلمين فسمعته يقول: الحديث.
([1043]) الحاكم، 1/359، والطبراني في الكبير، 22/249/647، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في أحكام الجنائز، ص159 .
([1044]) أبو داود، برقم 3199، والترمذي، 1024، وابن ماجه، برقم 1498، وتقدم في الدعاء للميت.
([1045]) قال سعيد بن المسيب: صليت وراء أبي هريرة t على صبي لم يعمل خطيئة قط، فسمعته يقول: ((اللهم أعذه من عذاب القبر)) أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الجنائز، باب ما يقول المصلي على الجنازة، برقم 18، 1/288، وابن أبي شيبة في المصنف، 3/217، والبيهقي، 4/9، وصحح إسناده شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لشرح السنة للبغوي، 4/357.
([1046]) فرطاً: أي أجراً يتقدمنا حتى نرد عليه، والفرط الذي يتقدم الواردين فيهيئ لهم ما يحتاجون إليه، وهو هنا المتقدم للثواب والشفاعة. هدي الساري، ص175، والنهاية في غريب الحديث، 3/434.
([1047]) علقه البخاري، كتاب الجنائز، باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة، ولفظه: ((وقال الحسن: يقرأ على الطفل بفاتحة الكتاب ويقول: اللهم اجعله لنا فرطاً وسلفاً وأجراً)) قبل الحديث رقم 1335، ووصله ابن حجر في تغليق التعليق، 2/424، وحسنه الألباني في أحكام الجنائز، ص161، وانظر فتح الباري لابن حجر، 3/203.
([1048]) أبو داود، برقم 3180، والترمذي، برقم 1031، وأحمد، 4/240، والنسائي، 4/55، وتقدم تخريجه في تغسيل الميت، وهو عن المغيرة بن شعبة t يرفعه ((والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة))، والحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/293.
([1049]) ذكره ابن قدامة في المغني، 3/416، والنووي في الأذكار، ص232، وذكره الإمام عبد العزيز ابن باز في الدروس المهمة، ص15.
([1050]) جاءت أحاديث تدل على أنه ورد التكبير خمس تكبيرات، منها حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان زيدٌ يكبر على جنائزنا أربعاً، وإنه كبر على جنازة خمساً فسألته فقال: كان رسول الله ﷺ يكبرها)) [مسلم، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر، برقم 957]. وكبر علي بن أبي طالب t على سهل بن حنيف ستّاً)) [البيهقي في السنن، 4/36، وأصله في البخاري، برقم 4004]، ((وكبر علي على أبي قتادة سبعاً)) [البيهقي، 4/36، وصححه الألباني في أحكام الجنائز، ص144]، ((وعن عبد الله بن الزبير أن رسول الله ﷺ أمر يوم أحد بحمزة فسجي ببردة ثم صلى عليه فكبر تسع تكبيرات)) [الطحاوي في معاني الآثار، 1/290، وحسنه الألباني في أحكام الجنائز، ص106] [ولكن قد تقدم في صحيح البخاري أن النبي ﷺ لم يصلِّ على شهداء أحد]، وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى، فبعضهم يرى أن هذا خلاف تنوع فيصلى بهذه الأنواع، المغني لابن قدامة، 3/447، قال ابن القيم رحمه الله: ((وهذه آثار صحيحة فلا موجب للمنع منها، والنبي ﷺ لم يمنع مما زاد على الأربع بل فعله هو وأصحابه من بعده)). ثم رد رحمه الله على الذين منعوا من الزيادة على أربع تكبيرات، [زاد المعاد، 1/508]، وقال الألباني رحمه الله: ((فأيها فعل أجزأ والأولى التنويع فيفعل هذا تارة وهذا تارة كما هو الشأن في أمثاله مثل أدعية الاستفتاح)) [أحكام الجنائز، ص141]، [وانظر:نيل الأوطار للشوكاني، 2/732-735].
ورجح الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله أنه ينبغي التنويع إحياء للسنة [الشرح الممتع، 5/427-429، ومجموع رسائله، 17/128]، وسمعت شيخنا الإمام عبدالعزيز ابن باز رحمه الله يقول أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 583، ورقم 584: ((هذا يدل على أنه ربما كبر خمساً ولكن الأغلب والأكثر أنه كان يكبر أربعاً هذا هو الأصح والأثبت وعليه جمهور العلماء، وقال بعض أهل العلم:استقرت السنة على هذا ويجوز أن يكبر على الجنائز خمساً وستاً، كما فعل علي،ولكن الأفضل الاقتصار على أربع،قال بعضهم:ولعل هذا هو الآخر من فعله عليه الصلاة والسلام،وقد كبر على النجاشي أربعاً)).وقال أيضاً في مجموع الفتاوى له،13/148: ((الأفضل الاقتصار على أربع كما عليه العمل؛لأن هذا هو الآخر من فعل النبي ﷺ، والنجاشي مع كونه له مزية كبيرة اقتصر عليه الصلاة والسلام في التكبير عليه بأربع)).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري، 3/202: ((قال ابن المنذر ذهب أكثر أهل العلم إلى أن التكبير أربع، وفيه أقوال أخر... قال: وذهب بكر بن عبد الله المزني إلى أنه لا ينقص من ثلاث ولا يزيد على سبع، وقال أحمد مثله، لكن قال: لا ينقص من أربع، وقال ابن مسعود: كبر ما كبر الإمام، قال: والذي نختاره ما ثبت عن عمر ثم ساق بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب قال: كان التكبير أربعاً وخمساً فجمع عمر الناس على أربع. وروى البيهقي بإسناد حسن إلى أبي وائل قال: كانوا يكبرون على عهد رسول الله ﷺ سبعاً وستاً وخمساً وأربعاً، فجمع عمر الناس على أربع كأطول الصلاة)). [وانظر المغني لابن قدامة، 3/447]، قال ابن قدامة: ((والأفضل أن لا يزيد على أربع)) [المغني، 3/450].
([1051]) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى هل يدعو المصلي على الجنازة بعد التكبيرة الرابعة أو يسكت قليلاً ثم يسلم بدون دعاء، فقال قوم: لا يدعو بعد التكبيرة الرابعة، وإنما يقف قليلاً ويسلم.
وقال آخرون: بل يستحب أن يدعو، لحديث الهَجري قال: صليت مع عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي صاحب رسول الله ﷺ على جنازة ابنةٍ له فكبَّر عليها أربعاً، فمكث بعد الرابعة شيئاً، قال: فسمعت القوم يسبحون به من نواحي الصفوف، فسلم ثم قال: أكنتم تُرونَ أني مكبر خمساً؟ قالوا: تخوفنا ذلك، قال: لم أكن لأفعل ولكن رسول الله ﷺ كان يكبر أربعاً ثم يمكث ساعة فيقول ما شاء الله أن يقول، ثم يسلم)) [ابن ماجه بلفظه، برقم 1503، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/19، ورواه أحمد، 4/356، وأخرجه البيهقي، 4/35، عن أبي يعفور عن عبد الله بن أبي أوفى t قال:((شهدته وكبر على جنازة أربعاً ثم قام ساعة – يعني – يدعو ثم قال:أتروني كنت أكبر خمساً؟ قالوا:لا، قال:إن رسول الله ﷺ كان يكبر أربعاً)) قال الألباني في أحكام الجنائز، ص160:((بسند صحيح))]، قال الشوكاني في نيل الأوطار، 2/744: فيه دليل على استحباب الدعاء بعد التكبيرة الآخرة قبل التسليم وفيه خلاف والراجح الاستحباب لهذا الحديث)). وظاهر كلام الخرقي أنه لا يدعو بعد الرابعة وهذا منقول عن الإمام أحمد،وعن أحمد أنه يدعو ثم يسلم، قال ابن أبي موسى وأبو الخطاب: يقول: ] رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [،وقيل: يقول: ((اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده)).
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وهذا الخلاف في استحبابه، ولا خلاف في المذهب أنه غير واجب، وأن الوقوف بعد التكبير قليلاً مشروع)) [المغني، 3/417، وانظر: الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/155-156] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع، 5/424: ((والقول بأنه يدعو بما تيسر أولى من السكوت؛ لأن الصلاة عبادة ليس فيها سكوت أبداً إلا لسبب كالاستماع إلى قراءة الإمام أو نحو ذلك)).
وقال الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله في مجموع الفتاوى، 13/147: ((لم يثبت شيئاً في ذلك بل يكبر ثم يسكت قليلاً: ثم يسلم بعد الرابعة)) وسمعته رحمه الله أثناء تقريره على منتقى الأخبار، الحديث رقم 1858 حديث عبد الله بن أبي أوفى يقول: ((الأحاديث الصحيحة أنه إذا كبر الرابعة سلم ولم يدع بعد الرابعة)).
([1052]) زاد المعاد، 1/511، وانظر: المغني لابن قدامة، 3/418-419، واختار من الأقوال أنه يسلم تسليمة واحدة عن يمينه، وإن سلم تلقاء وجهه فلا بأس.[وانظر: الشرح الكبير والإنصاف، 6/157] ويستدل على التسليمة الواحدة بما روي عن أبي هريرة t: أن رسول الله ﷺ صلى على جنازة فكبر عليها أربعاً وسلم تسليمة واحدة))، الدارقطني، 2/72، 77، والحاكم، 1/360، والبيهقي، 4/43، وحسن إسناده الألباني في أحكام الجنائز، ص163.
واستدل من اختار تسليمتين بحديث عبد الله بن مسعود t قال:ثلاث خلال كان رسول الله ﷺ يفعلهن وتركها الناس:إحداهن التسليم على الجنازة مثل التسليم في الصلاة)) [البيهقي، 4/34، وقال النووي في المجموع، 5/239:((إسناده جيد)).وحسن إسناده الألباني في أحكام الجنائز، ص162.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ((والصحيح أنه لا بأس أن يسلم مرة ثانية لورود ذلك في بعض الأحاديث عن النبي ﷺ)) [الشرح الممتع، 5/424، ومجموع فتاوى ابن عثيمين، 17/130]، وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 589: ((وبعد الدعاء يسكت قليلاً ثم يسلم عن يمينه تسليمة واحدة، وقد ثبتت التسليمة الواحدة عن الصحابة، ومن الغريب والعجائب، أنه لم يثبت عن النبي ﷺ في التسليم في صلاة الجنازة شيء، وهو قد صلى على الجنائز ثمان سنوات، جاء في حديث ضعيف أنه سلم واحدة، لكنه ثبت عن الصحابة)).
([1053]) البيهقي، 4/43، قال الألباني في أحكام الجنائز، ص165: ((وإسناده صحيح)).
([1054]) متفق عليه: البخاري، برقم 636، ومسلم، برقم 602، وتقدم تخريجه.
([1055]) مجموع فتاوى ابن باز، 13/149 .
([1056]) ملخص من كلام الإمام ابن باز في مجموع الفتاوى، 13/149-150 .
([1057]) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في كيفية قضاء المسبوق في صلاة الجنازة، فقال الخرقي: ((ومن فاته شيء من التكبير قضاه متتابعاً، فإن سلم ولم يقضِ فلا بأس)) وذكر ابن قدامة في المغني أقوالاً هي على النحو الآتي:
قيل: يُسنُّ له قضاء ما فاته منها، ونسبه إلى سعيد بن المسيب، وعطاء، والنخعي، والزهري، وابن سيرين، وقتادة، ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وقيل: إن سلم قبل القضاء فلا بأس، ونسب ذلك إلى ابن عمر، والحسن، وأيوب السختياني، والأوزاعي، قالوا: لا يقضي ما فات من تكبير الجنازة، وقال أحمد: لا يقضي وإن كبر متتابعاً – أي بدون ذكر – فلا بأس.
وقيل: إن سلم قبل أن يقضي: فقيل: لا تصح، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، للحديث: ((... وما فاتكم فأتموا))، ورجح ابن قدامة أنه إذا لم يقض لم يبال، ثم رجح أنه وإذا قضى أتى بالتكبير متوالياً لا ذكر معه، كذا قال أحمد، حكاه عن إبراهيم قال: يبادر بالتكبير متتابعاً، وإن لم يرفع قضى ما فاته، وإذا أدرك الإمام في الدعاء للميت تابعه فيه، فإذا سلم الإمام كبر وقرأ الفاتحة، ثم كبر وصلى على النبي ﷺ وكبر وسلم.
وقال الشافعي: متى دخل المسبوق في الصلاة ابتدأ الفاتحة، ثم أتى بالصلاة في الثانية، ووجه الأول أن المسبوق في سائر الصلوات يقرأ فيما يقضيه الفاتحة وسورة على صفة ما فاته، فينبغي أن يأتي هاهنا بالقراءة على صفة ما فاته، والله أعلم.
وإذا أدرك الإمام فيما بين تكبيرتين، فعن أحمد أنه ينتظر الإمام حتى يكبر معه، وبه قال أبو حنيفة والثوري، وإسحاق؛لأن التكبيرات كالركعات، ثم لو فاتته ركعة لم يتشاغل بقضائها، وكذلك إذا فاتته تكبيرة.
وقيل: يكبر ولا ينتظر، وهو قول الشافعي؛ لأنه في سائر الصلوات متى أدرك الإمام كبر معه ولم ينتظر، وليس هذا انشغالاً بقضاء ما فاته، وإنما يصلي معه ما أدركه فيجزيه كالذي عقب تكبير الإمام أو يتأخر عن ذلك قليلاً. قال ابن المنذر: سَهَّل أحمد في القولين جميعاً، ومتى أدرك الإمام في التكبيرة الأولى فكبر، وشرع في القراءة، ثم كبر الإمام قبل أن يتمها، فإنه يكبر ويتابعه ويقطع القراءة كالمسبوق في بقية الصلوات إذا ركع الإمام قبل إتمام القراءة. [انظر: المغني لابن قدامة، 3/ 423- 425،والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف،6/ 173،والكافي لابن قدامة،2/ 29].
([1058]) الكافي لابن قدامة، 2/55 .
([1059]) متفق عليه: البخاري، برقم 1323، ومسلم، برقم 945، وتقدم تخريجه.
([1060]) أبو داود، كتاب الجنائز، باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف، برقم 3221، والحاكم واللفظ له،1/370،والبيهقي،4/56،وصحح إسناده الحاكم،والألباني في أحكام الجنائز، ص198.
([1061]) متفق عليه:البخاري، برقم 47، ومسلم، برقم 945، وتقدم في فضل الصلاة على الميت.
([1062]) مسلم، كتاب الزكاة، باب فضل من ضم إلى الصدقة غيرها من أنواع البر، برقم 1028.
([1063]) الأدب المفرد، برقم 515، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص195، برقم 400/515 .
([1064]) متفق عليه، واللفظ لمسلم: البخاري، برقم 1240، ومسلم، برقم 2162، وفي لفظ لمسلم: ((خمس تجب للمسلم على أخيه...)) وتقدم تخريجه في آداب زيارة المريض.
([1065]) متفق عليه:البخاري، برقم 1239، ومسلم، برقم 2066، وتقدم تخريجه.
([1066]) ابن أبي شيبة في المصنف، 4/73، والبخاري في الأدب المفرد، برقم 518، وأحمد، 3/27، 32، 28، وغيرهم، وحسن إسناده الألباني في أحكام الجنائز، ص87، وذكر له شاهداً عند الطبراني، أورده الهيثمي في المجمع، 2/299، وصححه الألباني أيضاً في صحيح الأدب المفرد، ص196.
([1067]) ذكر الإمام الخرقي رحمه الله بقوله: ((والتربيع أن يوضع على الكتف اليمنى إلى الرجل ثم الكتف اليسرى إلى الرجل)) قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في المغني، 3/402: ((التربيع هو الأخذ بجوانب السرير الأربع وهو سنة في حمل الجنازة لقول ابن مسعود: ((من اتبع جنازة فليحمل بجوانب السرير كلها، فإنه من السنة، ثم إن شاء فليتطوع وإن يشاء فليدع)) [ابن ماجه، برقم 1478]، قال ابن قدامة: ((وصفة التربيع المسنون أن يبدأ فيضع قائمة السرير اليسرى على كتفه اليمنى من عند رأس الميت ثم يضع القائمة اليسرى عند الرجل على الكتف اليمنى أيضاً، ثم يعود إلى القائمة اليمنى من عند رأس الميت فيضعها على كتفه اليسرى ثم ينتقل إلى اليمنى من عند رجليه، وبهذا قال أبو حنيف والشافعي، وعن أحمد رحمه الله أنه يدور عليها فيأخذ بعد ياسرة المؤخرة يامنة المؤخرة ثم المقدمة، وهو مذهب إسحاق، وروي عن ابن مسعود، وابن عمر، وسعيد بن جبير، وأيوب؛ ولأنه أخف، ووجه الأول أنه أحد الجانبين فينبغي أن يبدأ فيه بمقدمه كالأول. فأما الحمل بين العمودين فقال ابن المنذر: روينا عن عثمان، وسعيد بن مالك، وابن عمر، وأبي هريرة، وابن الزبير، أنهم حملوا بين عمودي السرير، وقال به الشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وابن المنذر، وكرهه النخعي، والحسن، وأبو حنيفة، وإسحاق، والصحيح الأول؛ لأن الصحابة رحمهم الله ورضي عنهم قد فعلوه وفيهم أسوة حسنة، وقال مالك: ليس في حمل الميت توقيت، يحمل من حيث شاء، ونحوه قال الأوزاعي، واتباع الصحابة y فيما فعلوه وقالوه: أحسن وأولى)) [المغني، 3/403] قلت: لا شك أنه أحسن وأولى، لكن إذا لم يثبت فالأمر واسع كما تقدم، وخبر ابن مسعود في التربيع قال عنه الألباني رحمه الله في أحكام الجنائز، ص154: ((وهو غير صحيح لأنه منقطع أبو عبيدة لم يدرك أباه...)) وأما ما ذكره من الحمل بين العمودين لسعد بن معاذ كما ذكر في طبقات ابن سعد، 3/431، وفي نصب الراية، 2/287، فقيل: فيه الواقدي وهو ضعيف؛ ولهذا فالأمر واسع كما قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع، 5/446، وسمعت ابن باز يقول أثناء تقريره على منتقى الأخبار، الحديث رقم 1865: ((في سنده انقطاع، لكن روي عن جماعة من الصحابة، فالسنة أن يحمل من أمام أو من خلف أو يمشي بدون حمل)).
([1068]) الرانَّةُ: الصائحة، والرنة: الصوت. يقال: رنت المرأة: إذا صاحت ورفعت صوتها.
([1069]) ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب في النهي عن النياحة، برقم 1583، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/40، وأحكام الجنائز، ص91 .
([1070]) ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الجنازة لا تؤخر إذا حضرت ولا تتبع بنار، برقم 1487، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/14، وفي أحكام الجنائز، ص18، وهو مطول في مسند أحمد، 4/397، والبيهقي، 3/395.
([1071]) أحمد، 4/199 ولفظه: ((ولا تتبعني مادحاً ولا ناراً)) وقال الألباني: أخرجه مسلم، 1/78، وأوصى أبو هريرة فقال: ((... ولا تتبعوني بمجمر...)) قال الألباني: أخرجه النسائي، وابن حبان في صحيحه (764)، والبيهقي، والطيالسي، رقم 2336، وأحمد، 2/292، و274، و550، بإسناد صحيح على شرط مسلم، أحكام الجنائز، ص93 .
([1072]) وذكر الألباني في ذلك آثاراً وأخباراً. انظر أحكام الجنائز، ص91-93 .
([1073]) البيهقي، 4/74، وغيره، ووثق رجال سنده الألباني في أحكام الجنائز، ص92 .
([1074]) تُخلِّفكم: أي تترككم وراءها. نيل الأوطار، 2/759 .
([1075]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب القيام للجنازة، برقم 1307، وباب متى يقعد إذا قام للجنازة، برقم 1308، ومسلم، كتاب الجنائز، باب القيام للجنازة، برقم 958 .
([1076]) متفق عليه: البخاري،كتاب الجنائز،باب من تبع الجنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال فإن قعد أمر بالقيام،برقم 1310،ومسلم،كتاب الجنائز،باب القيام للجنازة،برقم 959.
([1077]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب من قام لجنازة يهودي، برقم 1311، ومسلم، كتاب الجنائز، باب القيام للجنازة، برقم 961 .
([1078]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب من قام لجنازة يهودي، برقم 1312، ومسلم، كتاب الجنائز، باب القيام للجنازة، برقم 961 .
([1079]) مسلم، كتاب الجنائز، باب نسخ القيام للجنازة، برقم 962 .
([1080]) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/32 .
([1081]) وتمام كلام النووي: ((اختلف الناس في هذه المسألة فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي: القيام منسوخ، وقال أحمد وإسحاق وابن حبيب، وابن الماجشون المالكيان: هو مخير، قال: واختلفوا في قيام من يشيعها عند القبر فقال جماعة من الصحابة والسلف لا يقعد حتى توضع، قالوا: والنسخ إنما هو في قيام من مرت به، وبهذا قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق ومحمد بن الحسن، قال: واختلفوا في القيام على القبر حتى تدفن، فكرهه قوم وعمل به آخرون، روي عن عثمان، وعلي، وابن عمر، وغيرهم y هذا كلام القاضي. والمشهور في مذهبنا أن القيام ليس مستحباً وقالوا: هو منسوخ بحديث علي، واختار المتولي من أصحابنا أنه مستحب، وهذا هو المختار، فيكون الأمر به للندب، والقعود بياناً للجواز، ولا يصح دعوى النسخ في مثل هذا، لأن النسخ إنما يكون إذا تعذر الجمع بين الأحاديث ولم يتعذر، والله أعلم)). [شرح النووي، 7/31-32].
([1082]) زاد المعاد، 1/521، قال: ((وقيل: بل الأمران جائزان وفعله بيان للاستحباب وتركه بيان للجواز، وهذا أولى من ادعاء النسخ)).
([1083]) سمعته أثناء تقريره على منتقى الأخبار، الأحاديث 1882-1888. وانظر: نيل الأوطار للشوكاني، 2/760 .
([1084]) متفق عليه: البخاري، برقم 1310، ومسلم، برقم 959، وتقدم تخريجه.
([1085]) البخاري، كتاب الجنائز، باب من تتبع جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال فإن قعد أمر بالقيام.
([1086]) سمعته أثناء تقريره على منتقى الأخبار، الأحاديث 1878-1880.
([1087]) مجموع فتاوى ابن باز، 13/177-178 .
([1088]) متفق عليه: البخاري، باب اتباع النساء الجنازة، برقم 1278، ومسلم، كتاب الجنائز، باب نهي النساء عن اتباع الجنائز، برقم 938 .
([1089]) متفق عليه: البخاري كتاب الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله ﷺ، برقم 7288، ومسلم، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، برقم 1337، ولفظه عند البخاري: ((فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم)) ولفظ مسلم: ((فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)).
([1093]) سمعته أثناء تقريره على منتقى الأخبار، حديث: 1866 .
([1094]) أبو داود، برقم 3180، والترمذي، برقم 1031، وأحمد، 4/240، 249، والنسائي، 4/55، وصححه الألباني في أحكام الجنائز، ص95، وتقدم تخريجه في تغسيل الميت، والزيادات جمعها الألباني من الروايات.
([1095]) سمعته أثناء تقريره على منتقى الأخبار، الحديث رقم 1866-1872 .
([1096]) أبو داود، كتاب الجنائز، باب الركوب في الجنازة، برقم 3177، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/293 .
([1097]) معروري: عُرَى بضم الميم وفتح الراء، قال أهل اللغة: أعروريت الفرس إذا ركبته عرياً فهو معروري. شرح النووي، 7/36 .
([1124]) متفق عليه:البخاري، كتاب الجنائز، باب الإذن بالجنازة، برقم 1247، وباب الصفوف على الجنازة، برقم 1319، وباب صفوف الصبيان مع الرجال، برقم 1321، وباب سنة الصلاة على الجنازة، رقم 1322،وباب صلاة الصبيان مع الناس على الجنائز، برقم 1326، وباب الدفن بالليل، برقم 1340، والطرف الأول رقم 857، ومسلم، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر، برقم 956 .
([1156]) النسائي، برقم 2009، 2010، وأبو داود، برقم 3215، وابن ماجه، برقم 1560، والترمذي، برقم 1713، وصححه الألباني في الإرواء، برقم 743، وتقدم تخريجه في دفن الاثنين أو أكثر في قبر واحد.
([1159]) يضرح: ضرح للميت: حفر له ضريحاً، والضريح القبر، أو الشق، والثاني هو المراد شرعاً بالمقابلة.
([1165]) ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في استحباب اللحد، برقم 1555، وأحمد، 4/357، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/32، وانظر:أحكام الجنائز للألباني، ص182-184.
([1174]) مجموع رسائل ابن عثيمين، 17/173-174،وانظر أيضاً نيل الأوطار للشوكاني،2/768-769 .
([1176]) الحاكم، 1/362، وعنه البيهقي، 4/53 و3/388، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الألباني في أحكام الجنائز، ص187: ((بسند صحيح))، قال: وله شاهد من حديث ابن عباس أخرجه ابن ماجه، وأحمد، برقم 39، ورقم 3358، وابن سعد، 2/2/72، والبيهقي، 3/407 [أحكام الجنائز للألباني، ص183] قلت وله شواهد أخرى ذكرها الألباني في أحكام الجنائز، ص183، وص187.
([1177]) وذكر الألباني شاهداً عن الشعبي مرسلاً عن مرحب أو ابن أبي مرحب أنهم - يعني عليّاً، والفضل وأخاه-أدخلوا معهم عبد الرحمن بن عوف فلما فرغ علي قال:((إنما يلي الرجل أهله)) وله شاهد آخر عن الشعبي أيضاً، قال الألباني في أحكام الجنائز، ص187:((وهو والذي قبله شاهد قوي لحديث علي t)).
([1194]) سنن البيهقي، كتاب الجنائز، باب عقد الأكفان عند خوف الانتشار وحلها إذا أدخلوه القبر، 3/407 .
([1238]) منها جملة ذكرها ابن أبي شيبة في المصنف، 3/379-380، كتاب الجنائز، في رش الماء على القبر.
([1253]) مجموع رسائل ابن عثيمين، 17/200-202، وانظر الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/236 .
([1273]) أبو داود، كتاب الجنائز، باب كراهية الذبح عند القبر، برقم 3222، ومصنف عبد الرزاق، برقم 6690، والبيهقي، 4/57، وأحمد، 3/197، قال الألباني في أحكام الجنائز: ((وإسناده صحيح)).
([1350]) أخرجه مسلم، كتاب الوصية، باب وصول ثواب الصدقات إلى الميت، برقم 1630، والنسائي كتاب الوصايا، باب فضل الصدقة على الميت، برقم 3650، والبيهقي (6/278)، وأحمد (2/371).
([1378]) الروح لابن القيم، 2/435-500، وانظر: كلاماً لابن القيم أيضاً في تهذيب السنن، 3/279-282 .
([1414]) انظر: الدرر السنية في الأجوبة النجدية، 6/165-174، وانظر مجموع فتاوى ابن باز، 13/285 .
([1425]) أخرجه البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، برقم 189، ومســــلم،كتاب الحج،باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، برقم 1397 .
([1426]) أخرجه البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة،برقم 1190،ومسلم،كتاب الحج،باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة،برقم 1394 .
([1429]) أخرجه البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل ما بين القبر والمنبر، برقم 1195، ومسلم، كتاب الحج، باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة، برقم 1390 .
([1435]) أخرجه البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب من أتى مسجد قباء كل سبت، برقم 1193، ومسلم كتاب الحج، باب فضل مسجد قباء وفضل الصلاة فيه وزيارته، برقم 1399 .
([1447]) متفق عليه، البخاري، كتاب الطلاق، باب القسط للحادة عند الطهر، برقم 5341، ومسلم، واللفظ له، كتاب الطلاق، باب وجود الإحداد في عدة الوفاة وتحريمه في غير ذلك إلا ثلاثة أيام، برقم 938 .
([1449]) مسلم، كتاب الطلاق، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة وتحريمه في غير ذلك إلا ثلاثة أيام، برقم 1491 .
([1469]) مسلم، كتاب الطلاق، باب جواز خروج المعتدة البائن والمتوفى عنها زوجها في النهار لحاجتها، برقم 1483 .