الوصف
الطبعة الأخيرة من كتاب تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام للإمام ابن باز - رحمه الله، والتي تميزت بتخريج الأحاديث، وحسن التنسيق والإخراج، وهو كتاب احتوى على أجوبة مهمة عن أسئلة تتعلق بالعقيدة والصلاة والزكاة والصوم والحج، للإمام ابن باز - رحمه الله -.
ترجمات أخرى 3
تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام مقدمة الحمد لله الذي خلق الثقلين لعبادته وأرسل الرسل بذلك عليهم الصلاة والسلام، وبين في كتابه العزيز وسنة رسوله الأمين تفاصيل هذه العبادة التي خلقوا لها وأوجب على العباد أداء ما فرض عليهم منها وترك ما حرم عليهم عن إخلاص له سبحانه ورغبة ورهبة ووعدهم على ذلك الأجر العظيم والنعيم المقيم في دار الكرامة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخليله صلى الله وسلم عليه وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه أجوبة مهمة عن أسئلة تتعلق بالعقيدة والصلاة والزكاة والصوم والحج رأيت جمعها في كتاب واحد ليسهل على كل مسلم مراجعتها والاستفادة منها. وسميت هذا الكتاب " تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام " وأسأل الله أن ينفع بها المسلمين وأن يضاعف الأجر لكل من سعى في نشرها وإيصالها إلى
(1/5)
من يستفيد منها إنه سبحانه جواد كريم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه. عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
(1/6)
العقيدة
(1/7)
1 - انتشرت في بعض المجتمعات الإسلامية مخالفات متعددة منها ما يقع عند بعض القبور ومنها ما يتصل بالحلف والأيمان والنذور، وقد تختلف أحكام هذه المخالفات بين ما يكون منها من قبيل الشرك المخرج من الملة وما يكون دون ذلك، فحبذا لو تفضل سماحتكم ببسط القول وبيان أحكام تلك المسائل عليهم، ونصيحة أخرى لعامة المسلمين ترهيبا لهم من التساهل بأمر تلك المخالفات والتهاون بشأنها؟ الجواب: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فإن كثيرا من الناس تلتبس عليهم الأمور المشروعة بالأمور الشركية والمبتدعة حول القبور، كما أن كثيرا منهم قد يقع في الشرك الأكبر بسبب الجهل والتقليد الأعمى. فالواجب على أهل العلم في كل مكان أن يوضحوا للناس دينهم وأن يبينوا لهم حقيقة التوحيد، وحقيقة الشرك. كما يجب على أهل العلم أن يوضحوا للناس وسائل الشرك وأنواع البدع الواقعة بينهم حتى يحذروها؛ لقول الله - عز وجل -: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187]
(1/9)
الآية (1) وقال - سبحانه -: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ - إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 159 - 160] (2) . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله» . رواه مسلم في صحيحه. وقال - أيضا - عليه الصلاة والسلام: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» . رواه مسلم أيضا. وفي الصحيحين عن معاوية - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» . والآيات والأحاديث في الدعوة إلى نشر العلم وترغيب الناس في ذلك والتحذير من الإعراض وكتمان العلم كثيرة. أما ما يقع عند القبور من أنواع الشرك والبدع في بلدان كثيرة فهو أمر معلوم وجدير بالعناية والبيان والتحذير منه، فمن ذلك دعاء _________ (1) سورة آل عمران، الآية: 187. (2) سورة البقرة، الآيتان: 159، 160.
(1/10)
أصحاب القبور والاستغاثة بهم، وطلب شفاء المرضى، والنصر على الأعداء، ونحو ذلك، وهذا كله من الشرك الأكبر الذي كان عليه أهل الجاهلية، قال الله - سبحانه -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21] (1) . وقال - سبحانه -: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] (2) . وقال - سبحانه -: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] (3) . والمعنى أمر وأوصى. وقال - سبحانه -: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5] الآية (4) . والآيات في هذا المعنى كثيرة. والعبادة التي خلق الثقلان لأجلها وأمروا بها هي توحيده سبحانه وتخصيصه بجميع الطاعات التي أمر بها من صلاة، وصوم، وزكاة، وحج، وذبح، ونذر وغير ذلك من أنواع العبادة. كما قال - سبحانه -: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162 - 163] (5) . والنسك هو العبادة ومنها الذبح كما قال - سبحانه -: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ - فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 1 - 2] (6) . _________ (1) سورة البقرة الآية: 21. (2) سورة الذاريات، الآية: 56. (3) سورة الإسراء الآية: 23. (4) سورة البينة، الآية: 5. (5) سورة الأنعام، الآيتان: 162، 163. (6) سورة الكوثر، الآيتان: 1، 2.
(1/11)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله من ذبح لغير الله» . أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. وقال الله - سبحانه -: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18] (1) . وقال - عز وجل -: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117] (2) . وقال - عز وجل - في سورة فاطر: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ - إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 13 - 14] (3) . فأوضح - سبحانه - في هذه الآيات: أن الصلاة لغيره، والذبح لغيره، ودعاء الأموات والأصنام، والأشجار، والأحجار كل ذلك من الشرك بالله والكفر به. وأن جميع المدعوين من دونه من أنبياء أو ملائكة أو أولياء، أو جن أو أصنام أو غيرهم لا يملكون لداعيهم نفعا ولا ضرا، وأن دعوتهم من دونه - سبحانه - شرك وكفر، كما أوضح - سبحانه - أنهم لا يسمعون دعاء داعيهم، ولو سمعوا لم يستجيبوا له. _________ (1) سورة الجن، الآية: 18. (2) سورة المؤمنون، الآية: 117. (3) سورة فاطر، الآيتان: 13، 14.
(1/12)
فالواجب على جميع المكلفين من الجن والإنس الحذر من ذلك، والتحذير منه، وبيان بطلانه، وأنه يخالف ما جاءت به الرسل - عليهم الصلاة والسلام - من الدعوة إلى توحيد الله، وإخلاص العبادة له، كما قال - سبحانه -: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] (1) . وقال - سبحانه -: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] (2) . وقد مكث - صلى الله عليه وسلم - في مكة المكرمة ثلاث عشرة سنة يدعو فيها إلى الله - سبحانه -، يحذر الناس من الشرك به، ويوضح لهم معنى لا إله إلا الله، فاستجاب له الأقلون، واستكبر عن طاعته واتباعه الأكثرون، ثم هاجر إلى المدينة، عليه الصلاة والسلام، فنشر الدعوة إلى الله - سبحانه - هناك بين المهاجرين والأنصار، وجاهد في سبيل الله، وكتب إلى الملوك والرؤساء وأوضح لهم دعوته، وما جاء به من الهدى، وصبر وصابر في ذلك هو وأصحابه - رضي الله عنهم - حتى ظهر دين الله، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وانتشر التوحيد وزال الشرك من مكة والمدينة، ومن سائر الجزيرة على يده - صلى الله عليه وسلم - وعلى يد أصحابه من بعده، ثم قام _________ (1) سورة النحل، الآية: 36. (2) سورة الأنبياء، الآية: 25.
(1/13)
أصحابه بالدعوة إلى الله - سبحانه - والجهاد في سبيله في المشارق والمغارب حتى نصرهم الله على أعدائه ومكن لهم في الأرض، وظهر دين الله على سائر الأديان، كما وعد بذلك - سبحانه - في كتابه العظيم حيث قال - عز وجل -: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33] (1) . ومن البدع ووسائل الشرك ما يفعل عند القبور من الصلاة عندها، والقراءة عندها، وبناء المساجد والقباب عليها، وهذا كله بدعة ومنكر، ومن وسائل الشرك الأكبر، ولهذا صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» . متفق على صحته من حديث عائشة - رضي الله عنها - وفي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك» . فأوضح، - صلى الله عليه وسلم - في هذين الحديثين وما جاء في معناهما: أن اليهود والنصارى كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، فحذر أمته من التشبه بهم باتخاذها مساجد، والصلاة عندها، والعكوف عندها، والقراءة عندها؛ لأن هذا كله من وسائل _________ (1) سورة التوبة، الآية: 33، سورة الصف، الآية: 9.
(1/14)
الشرك. ومن ذلك: البناء عليها، واتخاذ القباب والستور عليها. فكل ذلك من وسائل الشرك والغلو في أهلها. كما قد وقع ذلك من اليهود والنصارى ومن جهال هذه الأمة، حتى عبدوا أصحاب القبور، وذبحوا لهم، واستغاثوا بهم، ونذروا لهم، وطلبوا منهم شفاء المرضى، والنصر على الأعداء. كما يعلم ذلك من عرف ما يفعل عند قبر الحسين، والبدوي، والشيخ عبد القادر الجيلاني، وابن عربي وغيرهم من أنواع الشرك الأكبر، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن تجصيص القبور، والقعود عليها، والبناء عليها، والكتابة عليها، وما ذاك إلا لأن تجصيصها والبناء عليها من وسائل الشرك الأكبر بأهلها. فالواجب على جميع المسلمين حكومات وشعوبا الحذر من هذا الشرك ومن هذه البدع، وسؤال أهل العلم المعروفين بالعقيدة الصحيحة، والسير على منهج سلف الأمة عما أشكل عليهم من أمور دينهم حتى يعبدوا الله على بصيرة، عملا بقول الله - عز وجل -: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7] (1) . وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من سلك طريقا يلتمس _________ (1) سورة الأنبياء، الآية: 7.
(1/15)
فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة» . وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من يرد الله به خيرا، يفقهه في الدين» . ومعلوم أن العباد لم يخلقوا عبثا وإنما خلقوا لحكمة عظيمة وغاية شريفة، وهي عبادة الله وحده دون كل ما سواه، كما قال - عز وجل -: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] (1) . ولا سبيل إلى معرفة هذه العبادة إلا بتدبر الكتاب العظيم والسنة المطهرة، ومعرفة ما أمر الله به ورسوله من أنواع العبادة وسؤال أهل العلم عما أشكل في ذلك. وبذلك تعرف عبادة الله - سبحانه وتعالى - التي خلق العباد من أجلها، وتؤدى على الوجه الذي شرعه الله، وهذا هو السبيل الوحيد إلى مرضاة الله - سبحانه - والفوز بكرامته، والنجاة من غضبه وعقابه، وفق الله المسلمين لكل ما فيه رضاه، ومنحهم الفقه في دينه وولى عليهم خيارهم وأصلح قادتهم، ووفق علماء المسلمين لأداء ما يجب عليهم من الدعوة والتعليم، والنصح والتوجيه إنه جواد كريم. ومن أنواع الشرك الحلف بغير الله، كالحلف بالأنبياء، وبرأس فلان، وحياة فلان، والحلف بالأمانة والشرف، وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من كان حالفا _________ (1) سورة الذاريات، الآية: 56.
(1/16)
فليحلف بالله أو ليصمت» . متفق على صحته. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من حلف بشيء دون الله فقد أشرك» . رواه الإمام أحمد عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بإسناد صحيح. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» . أخرجه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، وقال عليه الصلاة والسلام: «من حلف بالأمانة فليس منا» . وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم، ولا بالأنداد ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون» . والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، والحلف بغير الله من الشرك الأصغر، وقد يفضي إلى الشرك الأكبر إذا اعتقد تعظيمه مثل تعظيم الله، أو أنه ينفع ويضر دون الله أو أنه يصلح لأن يدعى أو يستغاث به. ومن هذا الباب قول: ما شاء الله وشاء فلان. ولولا الله وفلان. وهذا من الله وفلان. وهذا كله من الشرك الأصغر لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان» . وبهذا يعلم أنه لا حرج بأن يقول: لولا الله ثم فلان، أو هذا من الله ثم فلان. . إذا كان له تسبب في ذلك. وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - «أن رجلا قال له: ما شاء الله
(1/17)
وشئت، فقال له - صلى الله عليه وسلم -: أجعلتني لله ندا، قل ما شاء الله وحده» . فدل هذا الحديث على أنه إذا قال: ما شاء الله وحده، فهذا هو الأكمل، وإن قال: ما شاء الله ثم شاء فلان فلا حرج جمعا بين الأحاديث والأدلة كلها، والله ولي التوفيق.
2 - يخلط بعض الناس بين التوسل بالإيمان بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ومحبته وطاعته، والتوسل بذاته وجاهه كما يقع الخلط بين التوسل بدعائه، عليه الصلاة والسلام، في حياته وسؤاله الدعاء بعد مماته، وقد ترتب على هذا الخلط التباس المشروع من ذلك بالممنوع منه، فهل من تفصيل يزيل اللبس في هذا الباب، ويرد به على أصحاب الأهواء الذين يلبسون على المسلمين في هذه المسائل؟ الجواب: لا شك أن كثيرا من الناس لا يفرقون بين التوسل المشروع والتوسل الممنوع بسبب الجهل وقلة من ينبههم ويرشدهم إلى الحق، ومعلوم أن بينهما فرقا عظيما، فالتوسل المشروع هو الذي بعث الله به الرسل، وأنزل به الكتب، وخلق من أجله الثقلين، وهو عبادته - سبحانه - ومحبته ومحبة رسوله، عليه الصلاة والسلام، ومحبة جميع الرسل والمؤمنين والإيمان به وبكل ما أخبر الله به ورسوله من البعث والنشور، والجنة والنار، وسائر ما أخبر الله به ورسوله.
(1/18)
فهذا كله من الوسيلة الشرعية لدخول الجنة والنجاة من النار، والسعادة في الدنيا والآخرة، ومن ذلك دعاؤه - سبحانه - والتوسل إليه بأسمائه وصفاته ومحبته، والإيمان به وبجميع الأعمال الصالحة التي شرعها لعباده، وجعلها وسيلة إلى مرضاته والفوز بجنته وكرامته، والفوز أيضا بتفريج الكروب وتيسير الأمور في الدنيا والآخرة، كما قال الله - عز وجل -: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2 - 3] (1) . وقال - سبحانه -: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4] (2) . وقال - عز وجل -: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: 5] (3) . وقال - عز وجل -: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الذاريات: 15] (4) . وقال - سبحانه -: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [القلم: 34] (5) . وقال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الأنفال: 29] الآية (6) . هو العلم والهدى والفرقان. والآيات في هذا المعنى كثيرة. ومن التوسل المشروع التوسل إلى الله - سبحانه - بمحبة نبيه، _________ (1) سورة الطلاق الآية: 2. (2) سورة الطلاق الآية: 4. (3) سورة الطلاق الآية 5. (4) سورة الذاريات، الآية 15. (5) سورة القلم، الآية: 34. (6) سورة الأنفال، الآية: 29.
(1/19)
صلى الله عليه وسلم، والإيمان به، واتباع شريعته؛ لأن هذه الأمور من أعظم الأعمال الصالحات، ومن أفضل القربات، أما التوسل بجاهه - صلى الله عليه وسلم - أو بذاته، أو بحقه، أو بجاه غيره من الأنبياء والصالحين أو ذواتهم أو حقهم، فمن البدع التي لا أصل لها؛ بل من وسائل الشرك، لأن الصحابة - رضي الله عنهم - وهم أعلم الناس بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وبحقه لم يفعلوا ذلك، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، ولما أجدبوا في عهد عمر - رضي الله عنه - لم يذهبوا إلى قبره - صلى الله عليه وسلم - ولم يتوسلوا به ولم يدعوا عنده؛ بل استسقى عمر - رضي الله عنه - بعمه - صلى الله عليه وسلم - العباس بن عبد المطلب أي بدعائه فقال - رضي الله عنه - وهو على المنبر: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقنا. وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون. رواه البخاري في صحيحه. ثم أمر - رضي الله عنه - العباس أن يدعو فدعا وأمن المسلمون على دعائه فسقاهم الله - عز وجل. وقصة أهل الغار مشهورة وهي ثابتة في الصحيحين، وخلاصتها أن ثلاثة ممن كان قبلنا آواهم المبيت والمطر إلى غار، فدخلوا فيه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، ولم يستطيعوا دفعها، فقالوا فيما بينهم: لن ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فدعوه - سبحانه - واستغاثوا به وتوسل أحدهم ببر والديه، والثاني بعفته عن
(1/20)
الزنا بعد القدرة، والثالث بأدائه الأمانة. فأزاح الله عنهم الصخرة وخرجوا، وهذه القصة من الدلائل العظيمة على أن الأعمال الصالحة من أعظم الأسباب في تفريج الكروب والخروج من المضائق، والعافية من شدائد الدنيا والآخرة. أما التوسل بجاه فلان أو بحق فلان أو ذاته، فهذا من البدع المنكرة، ومن وسائل الشرك، وأما دعاء الميت والاستغاثة به فذلك من الشرك الأكبر. والصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يطلبون من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو لهم، وأن يستغيث لهم إذا أجدبوا، ويشفع في كل ما ينفعهم حين كان حيا بينهم، فلما توفي - صلى الله عليه وسلم -، لم يسألوه شيئا بعد وفاته، ولم يأتوا إلى قبره يسألونه الشفاعة أو غيرها؛ لأنهم يعلمون أن ذلك لا يجوز بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -، وإنما يجوز ذلك في حياته - صلى الله عليه وسلم - قبل موته ويوم القيامة حين يتوجه إليه المؤمنون ليشفع لهم ليقضي الله بينهم ولدخولهم الجنة، بعدما يأتون آدم، ونوحا، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، عليهم الصلاة والسلام، فيعتذرون عن الشفاعة، كل واحد يقول: نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، فإذا أتوا عيسى عليه الصلاة والسلام، اعتذر إليهم وأرشدهم إلى أن يأتوا نبينا محمدا - صلى الله عليه وسلم - فيأتونه فيقول: «أنا لها، أنا لها» لأن الله - سبحانه - قد وعده ذلك فيذهب ويخر ساجدا بين يدي الله
(1/21)
- عز وجل - ويحمده بمحامد كثيرة ولا يزال ساجدا حتى يقال له: أرفع رأسك وقل تسمع، وسل تعط، واشفع تشفع. وهذا الحديث ثابت في الصحيحين وهو حديث الشفاعة المشهور، وهذا هو المقام المحمود الذي ذكره الله سبحانه - في قوله - تعالى - في سورة الإسراء: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] (1) . - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان، وجعلنا الله من أهل شفاعته إنه سميع قريب.
3 - يلاحظ جهل كثير من المحسوبين على الأمة الإسلامية بمعنى لا إله إلا الله وقد ترتب على ذلك الوقوع فيما ينافيها ويضادها أو ينقصها من الأقوال والأعمال، فما معنى لا إله إلا الله؟ وما مقتضاها؟ وما شروطها؟ الجواب: لا شك أن هذه الكلمة وهي لا إله إلا الله هي أساس الدين، وهي الركن الأول من أركان الإسلام، مع شهادة أن محمدا رسول الله، كما في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله _________ (1) سورة الإسراء، الآية: 79.
(1/22)
وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت» . متفق على صحته من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -. وفي الصحيحين عن ابن عباس - رضي الله عنهما - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بعث معاذا - رضي الله عنه - إلى اليمن، قال له: "إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم» . الحديث متفق عليه، والأحاديث في هذا الباب كثيرة. ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله، وهي تنفي الإلهية بحق عن غير الله - سبحانه - وتثبتها بالحق لله وحده، كما قال الله - عز وجل - في سورة الحج: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج: 62] (1) وقال - سبحانه - في سورة المؤمنون: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117] (2) وقال - عز وجل في سورة _________ (1) سورة الحج، الآية: 62. (2) سورة المؤمنون، الآية: 117.
(1/23)
البقرة: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163] (1) وقال في سورة البينة: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5] (2) . والآيات في هذا المعنى كثيرة، وهذه الكلمة العظيمة لا تنفع قائلها ولا تخرجه من دائرة الشرك إلا إذا عرف معناها وعمل به وصدق به. وقد كان المنافقون يقولونها وهم في الدرك الأسفل من النار؛ لأنهم لم يؤمنوا بها ولم يعملوا بها. وهكذا اليهود تقولها وهم من أكفر الناس - لعدم إيمانهم بها -، وهكذا عباد القبور والأولياء من كفار هذه الأمة يقولونها وهم يخالفونها بأقوالهم وأفعالهم وعقيدتهم، فلا تنفعهم ولا يكونون بقولها مسلمين؛ لأنهم ناقضوها بأقوالهم، وأعمالهم، وعقائدهم، وقد ذكر بعض أهل العلم أن شروطها ثمانية جمعها في بيتين فقال: علم يقين وإخلاص وصدقك مع ... محبة وانقياد والقبول لها وزيد ثامنها الكفران منك بما ... سوى الإله من الأشياء قد ألها _________ (1) سورة البقرة الآية: 163. (2) سورة البينة، الآية: 5.
(1/24)
وهذان البيتان قد استوفيا جميع شروطها: الأول: العلم بمعناها المنافي للجهل وتقدم أن معناها لا معبود حق إلا الله، فجميع الآلهة التي يعبدها الناس سوى الله - سبحانه - كلها باطلة. الثاني: اليقين المنافي للشك فلابد في حق قائلها أن يكون على يقين بأن الله - سبحانه - هو المعبود بالحق. الثالث: الإخلاص وذلك بأن يخلص العبد لربه - سبحانه - وهو الله - عز وجل - جميع العبادات فإذا صرف منها شيئا لغير الله من نبي، أو ولي، أو ملك، أو صنم، أو جني أو غيرها فقد أشرك بالله ونقض هذا الشرط وهو شرط الإخلاص. الرابع: الصدق، ومعناه أن يقولها وهو صادق في ذلك، يطابق قلبه لسانه، ولسانه قلبه، فإن قالها باللسان فقط وقلبه لم يؤمن بمعناها فإنها لا تنفعه، ويكون بذلك كافرا كسائر المنافقين. الخامس: المحبة، ومعناها أن يحب الله - عز وجل - فإن قالها وهو لا يحب الله صار كافرا لم يدخل في الإسلام كالمنافقين. ومن أدلة ذلك قوله - تعالى -: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] (1) وقوله - سبحانه -: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165] _________ (1) سورة آل عمران، الآية: 31.
(1/25)
(1) والآيات في هذا المعنى كثيرة. السادس: الانقياد لما دلت عليه من المعنى، ومعناه أن يعبد الله وحده وينقاد لشريعته، ويؤمن بها، ويعتقد أنها الحق، فإن قالها ولم يعبد الله وحده، ولم ينقد لشريعته بل استكبر عن ذلك، فإنه لا يكون مسلما كإبليس وأمثاله. السابع: القبول لما دلت عليه، ومعناه أن يقبل ما دلت عليه من إخلاص العبادة لله وحده، وترك عبادة ما سواه، وأن يلتزم بذلك ويرضى به. الثامن: الكفر بما يعبد من دون الله، ومعناه أن يتبرأ من عبادة غير الله ويعتقد أنها باطلة، كما قال الله - سبحانه -: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256] (2) . وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله» . وفي رواية عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه» . أخرجه مسلم في صحيحه. _________ (1) سورة البقرة الآية: 165. (2) سورة البقرة الآية: 256.
(1/26)
فالواجب على جميع المسلمين أن يحققوا هذه الكلمة بمراعاة هذه الشروط، ومتى وجد من المسلم معناها والاستقامة عليه فهو مسلم حرام الدم والمال. وإن لم يعرف تفاصيل هذه الشروط لأن المقصود هو العلم بالحق والعمل به، وإن لم يعرف المؤمن تفاصيل الشروط المطلوبة، والطاغوت هو كل ما عبد من دون الله كما قال الله - عز وجل -: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة: 256] (1) الآية. وقال - سبحانه -: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] (2) ومن كان لا يرضى بذلك من المعبودين من دون الله كالأنبياء والصالحين والملائكة فإنهم ليسوا بطواغيت، وإنما الطاغوت هو الشيطان الذي دعا إلى عبادتهم وزينها للناس، نسأل الله لنا وللمسلمين العافية من كل سوء. وأما الفرق بين الأعمال التي تنافي هذه الكلمة وهي لا إله إلا الله، والتي تنافي كمالها الواجب، فهو: أن كل عمل أو قول أو اعتقاد يوقع صاحبه في الشرك الأكبر فهو ينافيها بالكلية ويضادها. كدعاء الأموات، والملائكة، والأصنام، والأشجار، والأحجار، والنجوم ونحو ذلك. . والذبح لهم، والنذر والسجود لهم وغير ذلك. _________ (1) سورة البقرة الآية: 256. (2) سورة النحل الآية: 36.
(1/27)
فهذا كله ينافي التوحيد بالكلية ويضاد هذه الكلمة ويبطلها، وهي لا إله إلا الله، ومن ذلك استحلال ما حرم الله من المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة والإجماع كالزنا، وشرب المسكر، وعقوق الوالدين، والربا ونحو ذلك. ومن ذلك أيضا جحد ما أوجب الله من الأقوال والأعمال المعلومة من الدين بالضرورة والإجماع كوجوب الصلوات الخمس، والزكاة، وصوم رمضان، وبر الوالدين، والنطق بالشهادتين ونحو ذلك. أما الأقوال والأعمال والاعتقادات التي تضعف التوحيد والإيمان، وتنافي كمالها الواجب، فهي كثيرة ومنها: الشرك الأصغر: كالرياء، والحلف بغير الله، وقول ما شاء الله وشاء فلان، أو هذا من الله ومن فلان، ونحو ذلك، وهكذا جميع المعاصي كلها تضعف التوحيد والإيمان وتنافي كمالها الواجب، فالواجب الحذر من جمع ما ينافي التوحيد والإيمان أو ينقص ثوابهما. والإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والأدلة على ذلك كثيرة أوضحها أهل العلم في كتب العقيدة وكتب التفسير والحديث فمن أرادها وجدها والحمد لله. ومن ذلك قول الله - تعالى -: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة: 124] (1) وقوله _________ (1) سورة التوبة الآية: 124.
(1/28)
سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2] (1) وقوله - سبحانه -: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم: 76] الآية (2) والآيات في هذا المعنى كثيرة.
4 - تكثر في العصر الحاضر البحوث والمؤلفات والمحاضرات في إثبات وجود الله وتقرير ربوبيته من غير الاستدلال بذلك على لازم ذلك ومقتضاه وهو توحيد الإلهية، وقد ترتب على ذلك: الجهل بتوحيد الإلهية، والتهاون بأمره فحبذا لو ألقيتم الضوء على أهمية توحيد الإلهية من حيث إنه أساس النجاة ومدارها ومفتاح دعوة الرسل، عليهم الصلاة والسلام، والأصل الذي يبنى عليه غيره؟ الجواب: لا ريب أن الله - سبحانه - أرسل الرسل وأنزل الكتب لبيان حقه على عباده ودعوتهم إلى إخلاص العبادة له - سبحانه - دون كل ما سواه، وتخصيصه بجميع عباداتهم؛ لأن أكثر أهل _________ (1) سورة الأنفال، الآية: 2. (2) سورة مريم، الآية: 76.
(1/29)
الأرض قد عرفوا أن الله ربهم وخالقهم ورازقهم، وإنما وقعوا في الشرك به - سبحانه - بصرف عباداتهم أو بعضها لغيره، جهلا بذلك وتقليدا لآبائهم وأسلافهم، كما جرى لقوم نوح ومن بعدهم من الأمم. وكما جرى لأوائل هذه الأمة، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما دعاهم إلى توحيد الله استنكروا ذلك واستكبروا عن قبوله، وقالوا كما ذكر الله ذلك عنهم: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5] (1) هكذا في سورة ص. وقال عنهم - سبحانه - في سورة الصافات: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ - وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} [الصافات: 35 - 36] (2) وقال عنهم - سبحانه - في سورة الزخرف،: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23] (3) والآيات في هذا المعنى كثيرة، فالواجب على علماء المسلمين وعلى دعاة الهدى أن يوضحوا للناس حقيقة توحيد الألوهية. . والفرق بينه وبين توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات؛ لأن كثيرا من المسلمين يجهل ذلك فضلا عن غيرهم، وقد كان كفار قريش وغيرهم من العرب وغالب الأمم يعرفون أن الله خالقهم ورازقهم، ولهذا احتج عليهم - سبحانه - بذلك؛ لأنه _________ (1) سورة ص، الآية 5. (2) سورة الصافات، الآيتان: 35، 36. (3) سورة الزخرف، الآية: 23.
(1/30)
- جل وعلا - وهو المستحق لأن يعبدوه، لكونه خالقهم، ورازقهم، والقادر عليهم من جميع الوجوه، كما قال - سبحانه -: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87] (1) . وقال - عز وجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ} [العنكبوت: 61] (2) . وقال - عر وجل - آمرا نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يسألهم عمن يرزقهم: {يَفْتَرُونَ - قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ} [يونس: 30 - 31] (3) قال الله - سبحانه -: {فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [يونس: 31] والآيات في هذا المعنى كثيرة، يحتج عليهم - سبحانه - بما أقروا به من كونه ربهم، وخالقهم، ورازقهم، وخالق السماء والأرض، ومدبر الأمر على ما أنكروه من توحيد العبادة، وبطلان عبادة الأصنام والأوثان وغيرها من كل ما يعبدون من دون الله. وهكذا أمر - سبحانه - عباده بأن يؤمنوا بأسمائه وصفاته، وأن ينزهوه عن مشابهة الخلق، فقال - سبحانه -: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] _________ (1) سورة الزخرف، الآية 87. (2) سورة العنكبوت، الآية 61. (3) سورة يونس، الآية: 31.
(1/31)
(1) وقال في سورة الحشر: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [الحشر: 22] إلى آخر السورة (2) . وقال - عز وجل -: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ - اللَّهُ الصَّمَدُ - لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ - وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 1 - 4] (3) وقال - عز وجل -: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22] (4) وقال - سبحانه -: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] (5) والآيات في هذا المعنى كثيرة. وقد أوضح أهل العلم - رحمهم الله - أن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية وهو إفراد الله بالعبادة، ويوجب ذلك ويقتضيه، ولهذا احتج الله عليهم بذلك، وهكذا توحيد الأسماء والصفات يستلزم تخصيص الله بالعبادة، وإفراده بها لأنه - سبحانه - هو الكامل في ذاته، وفي أسمائه وصفاته، وهو المنعم على عباده، فهو المستحق لأن يعبدوه ويطيعوا أوامره وينتهوا عن نواهيه. وأما توحيد العبادة، فهو يتضمن النوعين، ويشتمل عليهما لمن حقق ذلك واستقام عليه علما وعملا. وقد بسط أهل العلم بيان هذا المعنى في كتب العقيدة والتفسير، _________ (1) سورة الأعراف، الآية: 180. (2) سورة الحشر، الآيات: 22 - 24. (3) سورة الإخلاص كلها. (4) سورة البقرة، الآية: 22. (5) سورة الشورى، الآية: 11.
(1/32)
كتفسير ابن جرير، وابن كثير، والبغوي وغيرهم، وكتاب السنة لعبد الله بن أحمد، وكتاب التوحيد لابن خزيمة، ورد العلامة عثمان بن سعيد الدارمي على بشر المريسي وغيرهم من علماء السلف - رحمهم الله - في كتبهم. وممن أجاد في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم - رحمة الله علمهما - في كتبهما. وهكذا أئمة الدعوة الإسلامية في القرن الثاني عشر وما بعده، كالشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وأبنائه، وتلاميذه، وأتباعهم من أهل السنة. ومن أحسن ما ألف في ذلك: "فتح المجيد" وأصله تيسير العزيز الحميد الأول للشيخ عبد الرحمن بن حسن - رحمه الله - والثاني للشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ - رحمه الله -. ومن أحسن ما جمع في ذلك الأجزاء الأولى من الدرر السنية التي جمعها الشيخ العلامة عبد الرحمن بن قاسم - رحمه الله - فإنه جمع فيها فتاوى أئمة الدعوة من آل الشيخ وغيرهم من علماء القرن الثاني عشر وما بعده في العقيدة والأحكام فأنصح بقراءتها ومراجعتها وغيرها من كتب علماء السنة لما في ذلك من الفائدة العظيمة. ومن ذلك مجموعة الرسائل الأولى لأئمة الدعوة من آل الشيخ وغيرهم - رحمهم الله - وردود المشايخ: الشيخ عبد الرحمن بن حسن، والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن، والشيخ عبد الله
(1/33)
أبابطين، والشيخ سليمان بن سحمان، وغيرهم من أئمة الهدى وأنصار التوحيد لما فيها من الفائدة وإزالة الشبه الكثيرة، والرد على أهلها، رحمهم الله جميعا رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته وجعلنا من أتباعهم بإحسان. ومن ذلك أعداد مجلة البحوث الإسلامية التي تصدرها الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد لما فيها من المقالات العظيمة والفوائد الكثيرة في العقيدة والأحكام. ومن ذلك: المجلدات الأولى من الفتاوى والمقالات الصادرة مني فيما يتعلق بالعقيدة وهي مطبوعة بحمد الله، وموجودة بين طلبة العلم. نفع الله بها.
5 - هناك من يرى جواز التبرك بالعلماء والصالحين وآثارهم مستدلا بما ثبت من تبرك الصحابة رضي الله عنهم - بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فما حكم ذلك؟ ثم أليس فيه تشبيه لغير النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهل يمكن التبرك بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته، وما حكم التوسل إلى الله - تعالى - ببركة النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ الجواب: لا يجوز التبرك بأحد غير النبي - صلى الله عليه وسلم -
(1/34)
لا بوضوئه، ولا بشعره، ولا بعرقه، ولا بشيء من جسده؛ بل هذا كله خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، لما جعل الله في جسده وما مسه من الخير والبركة. ولهذا لم يتبرك الصحابة - رضي الله عنهم - بأحد منهم، لا في حياته ولا بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -، لا مع الخلفاء الراشدين ولا مع غيرهم، فدل ذلك على أنهم قد عرفوا أن ذلك خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، دون غيره، ولأن ذلك وسيلة إلى الشرك وعبادة غير الله سبحانه. . وكذا لا يجوز التوسل إلى الله - سبحانه - بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو ذاته أو صفته أو بركته لعدم الدليل على ذلك؛ ولأن ذلك من وسائل الشرك به والغلو فيه عليه الصلاة والسلام، ولأن ذلك أيضا لم يفعله أصحابه - رضي الله عنهم - ولو كان خيرا لسبقونا إليه؛ ولأن ذلك خلاف الأدلة الشرعية، فقد قال الله - عز وجل -: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] (1) ولم يأمر بدعائه - سبحانه - بجاه أحد أو حق أحد أو بركة أحد. ويلحق بأسمائه - سبحانه - التوسل بصفاته كعزته، ورحمته، وكلامه وغير ذلك. ومن ذلك ما جاء في الأحاديث الصحيحة من التعوذ بكلمات الله _________ (1) سورة الأعراف، الآية 180.
(1/35)
التامات، والتعوذ بعزة الله وقدرته. ويلحق بذلك أيضا التوسل بمحبة الله - سبحانه - ومحبة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وبالإيمان بالله وبرسوله، والتوسل بالأعمال الصالحات، كما في قصة أصحاب الغار الذين آواهم المبيت والمطر إلى غار فدخلوا فيه فانحدرت عليهم صخرة من الجبل فسدت عليهم باب الغار، ولم يستطيعوا دفعها، فتذاكروا بينهم في وسيلة الخلاص منها، واتفقوا بينهم على أنه لن ينجيهم منها إلا أن يدعوا الله بصالح أعمالهم، فتوسل أحدهم إلى الله - سبحانه - في ذلك ببر والديه، فانفرجت الصخرة شيئا لا يستطيعون الخروج منه. ثم توسل الأول بعفته عن الزنا بعد القدرة عليه، فانفرجت الصخرة بعض الشيء لكنهم لا يستطيعون الخروج من ذلك. ثم توسل الثالث بأداء الأمانة فانفرجت الصخرة وخرجوا. وهذا الحديث ثابت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أخبار من قبلنا لما فيه من العظة لنا والتذكير. وقد صرح العلماء - رحمهم الله - بما ذكرته في هذا الجواب. . كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم، والشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد شرح كتاب التوحيد وغيرهم. وأما حديث توسل الأعمى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته - صلى الله عليه وسلم - فشفع فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعا له فرد الله عليه بصره، فهذا توسل بدعاء النبي
(1/36)
وشفاعته وليس ذلك بجاهه وحقه، كما هو واضح في الحديث. وكما يتشفع الناس به يوم القيامة في القضاء بينهم، كما يتشفع به يوم القيامة أهل الجنة في دخولهم الجنة. وكل هذا توسل به في حياته الدنيوية والأخروية. وهو توسل بدعائه وشفاعته لا بذاته وحقه كما صرح بذلك أهل العلم، ومنهم من ذكرنا آنفا.
6 - يقع كثير من العامة في جملة من المخالفات الفادحة في التوحيد فما حكمهم؟ وهل يعذرون بالجهل؟ وحكم مناكحتهم وأكل ذبائحهم؟ وهل يجوز دخولهم مكة المكرمة؟ الجواب: من عرف بدعاء الأموات والاستغاثة بهم والنذر لهم، ونحو ذلك من أنواع العبادة فهو مشرك كافر لا تجوز مناكحته، ولا دخوله المسجد الحرام، ولا معاملته معاملة المسلمين، ولو ادعى الجهل حتى يتوب إلى الله من ذلك. لقول الله - عز وجل - في سورة البقرة: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة: 221] الآية (1) _________ (1) سورة البقرة، الآية: 221.
(1/37)
وقوله - سبحانه - في سورة الممتحنة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الممتحنة: 10] (1) ولقوله - عز وجل - في سورة التوبة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] الآية (2) . ولا يلتفت إلى كونهم جهالا بل يجب أن يعاملوا معاملة الكفار حتى يتوبوا إلى الله من ذلك، لقول الله - سبحانه - في أمثالهم: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ - قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ - فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأعراف: 28 - 30] (3) _________ (1) سورة الممتحنة الآية: 10. (2) سورة التوبة الآية: 28. (3) سورة الأعراف، الآيات: 28 - 30.
(1/38)
ولقول الله - عز وجل - في النصارى وأمثالهم: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا - الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103 - 104] (1) . والآيات في هذا المعنى كثيرة. [الاستهزاء بشعائر الدين الظاهرة] 7 - ظهر في كثير من المجتمعات الإسلامية الاستهزاء بشعائر الدين الظاهرة: كإعفاء اللحى، وتقصير الثياب، ونحوهما، فهل مثل هذا الاستهزاء بالدين الذي يخرج من الملة؟ وبماذا تنصحون من وقع في مثل هذا الأمر؟ وفقكم الله. الجواب: لا ريب أن الاستهزاء بالله ورسوله وبآياته وبشرعه وأحكامه من جملة أنواع الكفر لقول الله - عز وجل -: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ - لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66] الآية من سورة التوبة (2) . ويدخل في ذلك الاستهزاء بالتوحيد، أو بالصلاة، أو بالزكاة، أو الصيام، أو الحج، أو غير ذلك من أحكام الدين المتفق عليها. _________ (1) سورة الكهف، الآيتان: 103، 104. (2) سورة التوبة الآيتان: 65، 66.
(1/39)
أما الاستهزاء بمن يعفي لحيته أو يقصر ثيابه ويحذر الإسبال أو نحو ذلك من الأمور التي قد تخفى أحكامها، فهذا فيه تفصيل، والواجب الحذر من ذلك، ونصيحة من يعرف منه شيء من ذلك حتى يتوب إلى الله - سبحانه - ويلزم بشرعه، ويحذر الاستهزاء بمن تمسك بالشرع في ذلك، طاعة لله - عز وجل - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وحذرا من غضب الله وعقابه والردة عن دينه وهو لا يشعر، نسأل الله لنا وللمسلمين جميعا العافية من كل سوء إنه خير مسئول. والله ولي التوفيق.
8 - ما هي الكتب التي ينصح بها سماحتكم أن تقرأ في مجال العقيدة؟ الجواب: أحسن كتاب وأعظم كتاب وأصدق كتاب يجب أن يقرأ في تعليم العقيدة والأحكام والأخلاق، هو كتاب الله - عز وجل - الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. وقد قال الله - عز وجل - فيه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9] (1) . _________ (1) سورة الإسراء، الآية: 9.
(1/40)
وقال أيضا - عز وجل -: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44] (1) . وقال فيه - سبحانه -: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29] (2) . وقال فيه - عز وجل -: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام: 155] (3) . وقال فيه - عز وجل -: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89] (4) والآيات في هذا المعنى كثيرة. وقال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -، في الحديث الصحيح في خطبته في حجة الوداع: «إني تارك فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به، كتاب الله» . _________ (1) سورة فصلت، الآية: 44. (2) سورة ص، الآية: 29. (3) سورة الأنعام، الآية: 155. (4) سورة النحل، الآية: 89.
(1/41)
وقال - صلى الله عليه وسلم - في خطبته يوم غدير خم حين رجع من حجة الوداع إلى المدينة: «إني تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى، والنور، فخذوا بكتاب الله وتمسكوا به» . فحث على كتاب الله، ورغب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي» . خرجهما مسلم في صحيحه، الأول من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - الثاني من حديث زيد بن أرقم - رضي الله عنه -، وقال عليه الصلاة والسلام: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» . خرجه البخاري في صحيحه. وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» . خرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. ثم إن أحسن الكتب بعد القرآن الكريم كتب الحديث النبوية، وهي كتب السنة كالصحيحين، والسنن الأربع وغيرها من كتب الحديث المعتمدة، فينبغي أن تعمر المجالس والحلقات بتلاوة القرآن الكريم وتعليمه، وتفقيه الناس فيه، وبدراسة كتب الحديث
(1/42)
الشريف، والعناية بها، وتفقيه الناس فيها، وأن يتولى ذلك أهل العلم والبصيرة، الموثوق بعلمهم ودرايتهم، ونصحهم واستقامتهم. ومن الكتب المناسبة في ذلك، قراءة كتاب رياض الصالحين، والترغيب والترهيب، والوابل الصيب، وعمدة الحديث الشريف، وبلوغ المرام، ومنتقى الأخبار وغيرها من كتب الحديث المفيدة. أما الكتب المؤلفة في العقيدة فمن أحسنها: كتاب التوحيد للشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وشرحه لحفيديه الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد، والشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد، وهما تيسير العزيز الحميد، وفتح المجيد. ومن ذلك: مجموعة التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وكتاب الإيمان، والقاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة، والعقيدة الواسطية، والتدمرية، والحموية، وهذه الخمسة لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -. ومن ذلك: زاد المعاد في هدي خير العباد، والصواعق المرسلة علي الجهمية والمعطلة، واجتماع الجيوش الإسلامية، والقصيدة النونية، وإغاثة اللهفان من مكائد الشيطان، وكل هذه الكتب الخمسة للعلامة ابن القيم - رحمه الله -. ومن ذلك شرح الطحاوية لابن أبي العز، ومنهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية، واقتضاء الصراط المستقيم له أيضا، وكتاب
(1/43)
التوحيد لابن خزيمة، وكتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد، والاعتصام للشاطبي، وغيرها من كتب أهل السنة المؤلفة في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة. ومن أجمع ذلك فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، والدار السنية في الفتاوى النجدية، جمع العلامة الشيخ عبد الرحمن بن قاسم - رحمه الله -.
9 - المزاح بألفاظ فيها كفر أو فسق أمر موجود في بعض المجتمعات المسلمة، فحبذا لو ألقى سماحتكم الضوء على هذا الأمر وموقف طلبة العلم والدعاة منه؟ الجواب: لا شك أن المزاح بالكذب وأنواع الكفر من أعظم المنكرات ومن أخطرها ما يكون بين الناس في مجالسهم، فالواجب الحذر من ذلك، وقد حذر الله من ذلك بقوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ - لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66] (1) . _________ (1) سورة التوبة الآيتان: 65، 66.
(1/44)
وقد قال كثير من السلف - رحمهم الله - إنها نزلت في قوم قالوا فيما بينهم في بعض أسفارهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء، فأنزل الله فيهم هذه الآية، وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له ثم ويل له» . أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد صحيح. فالواجب على أهل العلم وعلى جميع المؤمنين والمؤمنات الحذر من ذلك والتحذير منه لما في ذلك من الخطر العظيم والفساد الكبير والعواقب الوخيمة، عافانا الله والمسلمين من ذلك وسلك بنا وبهم صراطه المستقيم إنه سميع مجيب.
10 - يخطر ببال الإنسان وساوس وخواطر وخصوصا في مجال التوحيد والإيمان، فهل المسلم يؤاخذ بهذا الأمر؟ الجواب: قد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين وغيرهما أنه قال: «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم» . وثبت «أن الصحابة - رضي الله عنهم - سألوه - صلى الله عليه وسلم - عما يخطر لهم من هذه الوساوس المشار إليها في السؤال، فأجابهم - صلى الله عليه وسلم - بقوله: " ذاك صريح الإيمان» وقال عليه الصلاة والسلام: «لا
(1/45)
يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله، فمن وجد من ذلك شيئا فليقل: آمنت بالله ورسله» . وفي رواية أخرى: «فليستعذ بالله ولينتهي» . رواه مسلم في صحيحه.
11 - بعض طلاب العلم يوصله اجتهاده إلى مخالفة أمر معلوم من الدين بالضرورة، فهل ما علم في الدين بالضرورة محل اجتهاد نريد توجيه سماحتكم والعناية بهذا الأمر؟ الجواب: كل ما علم من الدين بالأدلة الشرعية الصريحة من الكتاب والسنة أو إجماع سلف الأمة فليس للاجتهاد فيه مجالا؛ بل الواجب الإيمان به والعمل به، ونبذ ما خالفه بإجماع المسلمين، ليس في هذا الأصل العظيم خلاف بين أهل العلم، وإنما الاجتهاد يكون في مسائل الخلاف التي لم تتضح أدلتها من الكتاب والسنة، فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد، إذا كان من أهل العلم المتأهلين للاجتهاد وبذل وسعه في طلب الحق عن صدق وإخلاص لله - سبحانه وتعالى - ففي الصحيحين عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر» .
(1/46)
12 - ما حكم من سب الله أو سب رسوله أو انتقصهما؟ وما حكم من جحد شيئا مما أوجب الله أو استحل شيئا مما حرم الله؟ أبسطوا لنا الجواب في ذلك لكثرة وقوع هذه الشرور من كثير من الناس؟ الجواب: كل من سب الله - سبحانه - بأي نوع من أنواع السب أو سب الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - أو غيره من الرسل بأي نوع من أنواع السب أو سب الإسلام أو تنقص أو استهزأ بالله أو برسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو كافر مرتد عن الإسلام إن كان يدعي الإسلام بإجماع المسلمين لقول الله - عز وجل -: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ - لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66] (1) . وقد بسط العلامة الإمام أبو العباس ابن تيمية - رحمه الله - الأدلة في هذه المسألة في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول فمن أراد الوقوف على الكثير من الأدلة في ذلك فليراجع هذا الكتاب لعظم فائدته، ولجلالة مؤلفه واتساع علمه بالأدلة الشرعية - رحمه الله -. وهكذا الحكم في حق من جحد شيئا مما أوجبه الله أو استحل _________ (1) سورة التوبة الآيتان: 65، 66.
(1/47)
شيئا مما حرمه الله بن الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، كمن جحد وجوب الصلاة أو وجوب الزكاة، أو وجوب صوم رمضان، أو وجوب الحج في حق من استطاع السبيل إليه، أو جحد وجوب بر الوالدين أو نحو ذلك، ومثل ذلك من استحل شرب الخمر أو عقوق الوالدين، أو استحل أموال الناس ودماءهم بغير حق، أو استحل الربا أو نحو ذلك من المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة وبإجماع سلف الأمة، فإنه كافر مرتد عن الإسلام إن كان يدعي الإسلام بإجماع أهل العلم. وقد بسط العلماء - رحمهم الله - في هذه المسائل وغيرها من نواقص الإسلام في باب حكم المرتد ووضحوا أدلتها، فمن أراد الوقوف على ذلك فليراجع هذا الباب في كتب أهل العلم من الحنابلة، والشافعية، والمالكية، والحنفية وغيرهم، ليجد ما يشفيه ويكفيه إن شاء الله. ولا يجوز أن يعذر أحد بدعوى الجهل في ذلك؛ لأن هذه الأمور من المسائل المعلومة بين المسلمين وحكمها ظاهر في كتاب الله - عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والله ولي التوفيق.
13 - كثر في هذا العصر تعاطي السحر وإتيان السحرة، فما حكم ذلك؟ وما الطريقة المباحة لعلاج المسحور؟
(1/48)
الجواب: السحر من أعظم الكبائر الموبقات، بل هو من نواقض الإسلام، كما قال الله - عز وجل - في كتابه الكريم: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ - وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 102 - 103] (1) . فأخبر - سبحانه - في هاتين الآيتين أن الشياطين يعلمون الناس السحر وأنهم كفروا بذلك، وأن الملكين ما يعلمان من أحد حتى يخبراه أن ما يعلمانه كفر وأنهما فتنة. وأخبر - سبحانه - أن متعلمي السحر يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم، وأنهم ليس لهم عند الله من خلاق في الآخرة، والمعنى ليس لهم حظ ولا نصيب من الخير في الآخرة. وبين - سبحانه - أن السحرة يفرقون بين المرء وزوجه بهذا السحر وأنهم لا يضرون أحدا إلا بإذن الله، المراد بذلك إذنه الكوني القدري لا إذنه الشرعي؛ لأن جميع ما يقع في الوجود يكون بإذنه _________ (1) سورة البقرة الآيتان: 102، 103.
(1/49)
القدري ولا يقع في ملكه ما لا يريده كونا وقدرا، وبين سبحانه أن السحر ضد الإيمان والتقوى. وبهذا كله يعلم أن السحر كفر وضلال وردة عن الإسلام إذا كان من فعله يدعي الإسلام، وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «اجتنبوا السبع الموبقات، قلنا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات» . فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الصحيح أن الشرك والسحر من السبع الموبقات أي: المهلكات، والشرك أعظمها؛ لأنه أعظم الذنوب، والسحر من جملته ولهذا قرنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - به؛ لأن السحرة لا يتوسلون إلى السحر إلا بعبادة الشياطين والتقرب إليهم بما يحبون من الدعاء، والذبح، والنذر، والاستعانة وغير ذلك. روى النسائي - رحمه الله - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئا وكل إليه» . وهذا يفسر قوله - تعالى - في سورة الفلق: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] (1) قال أهل _________ (1) سورة الفلق، الآية: 4.
(1/50)
التفسير: إنهن الساحرات اللاتي يعقدن العقد وينفثن فيها بكلمات شركية يتقربن بها إلى الشياطين لتنفيذ مرادهم في إيذاء الناس وظلمهم. وقد اختلف العلماء في حكم الساحر، هل يستتاب وتقبل توبته؟ أم يقتل بكل حال ولا يستتاب إذا ثبت عيه السحر؟ والقول الثاني: هو الصواب؛ لأن بقاءه مضر بالمجتمع الإسلامي والغالب عليه عدم الصدق في التوبة؛ ولأن في بقائه خطرا كبيرا على المسلمين. واحتج أصحاب هذا القول على ما قالوه: بأن عمر - رضي الله عنه - أمر بقتل السحرة ولم يستتبهم وهو ثاني الخلفاء الراشدين الذين أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - باتباع سنتهم، واحتجوا أيضا بما رواه الترمذي رحمه الله - عن جندب بن عبد الله البجلي أو عن جندب الخير الأزدي مرفوعا وموقوفا: «حد الساحر ضربه بالسيف» . وقد ضبطه بعض الرواة بالتاء فقال: «حد الساحر ضربة بالسيف» . والصحيح عند العلماء وقفه على جندب. وصح عن حفصة أم المؤمنات - رضي الله عنها - أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت من غير استتابة. قال الإمام أحمد - رحمه الله - ثبت ذلك - يعني قتل الساحر - من غير استتابة عن ثلاثة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني بذلك: عمر، وجندبا، وحفصة. ومما ذكرنا نعلم أنه لا يجوز إتيان السحرة وسؤالهم عن شيء ولا
(1/51)
تصديقهم، كما لا يجوز إتيان العرافين والكهنة، وأن الواجب قتل الساحر متى ثبت تعاطيه السحر بإقراره أو بالبينة الشرعية من غير استتابة. أما العلاج للسحر فيعالج بالرقى الشرعية والأدوية النافعة المباحة، ومن أنفع العلاج علاج المسحور بقراءة الفاتحة عليه مع النفث وآية الكرسي، وآيات السحر في الأعراف، ويونس، وطه، وبقراءة قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ويستحب تكرار هذه السور الثلاث ثلاث مرات مع الدعاء الصحيح المشهور الذي كان يدعو به النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلاج المرضى: وهو: «اللهم رب الناس اذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما» . ويكرر ذلك ثلاثا. ويدعو أيضا بالرقية التي رقى بها جبرائيل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي: " بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، بسم الله أرقيك ". ويكررها ثلاثا. وهذه الرقية من أنفع العلاج بإذن الله - سبحانه -. ومن العلاج أيضا إتلاف الشيء الذي يظن أنه عمل فيه السحر من صوف أو خيوط معقدة أو غير ذلك مما يظن أنه سبب السحر مع العناية من المسحور بالتعوذات الشرعية، ومنها التعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ثلاث مرات صباحا ومساء وقراءة السور
(1/52)
الثلاث المتقدمة بعد الصبح والمغرب ثلاث مرات، وقراءة آية الكرسي بعد الصلاة وعند النوم. ويستحب أن يقول صباحا ومساء: «بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم» ، ثلاث مرات؛ لصحة ذلك كله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مع حسن الظن بالله والإيمان بأنه سبب الأسباب، وأنه هو الذي يكفي المريض إذا شاء، وإنما التعوذات والأدوية أسباب، والله - سبحانه - هو الشافي، فيعتمد على الله سبحانه وحده دون الأسباب، ولكن يعتقد أنها أسباب إن شاء الله نفع بها، وإن شاء سلبها المنفعة لما له - سبحانه - من الحكمة البالغة في كل شيء، وهو - سبحانه - على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع ولا راد لما قضى، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وهو سبحانه ولي التوفيق.
14 - في هذا الزمان عظم النفاق وكثر أهله، وتعددت وسائله في محاربة الإسلام والمسلمين، فحبذا لو ألقيتم الضوء على خطر النفاق مع بيان أنواعه، وذكر صفة أهله وتحذير المسلمين منهم؟ الجواب: النفاق خطره عظيم، وشرور أهله كثيرة، وقد أوضح
(1/53)
الله صفاتهم في كتابه الكريم في سورة البقرة وغيرها، كما أوضح صفاتهم أيضا نبيه - صلى الله عليه وسلم - قال الله - سبحانه - في وصفهم في سورة البقرة: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ - يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ - فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة: 8 - 10] (1) والآيات بعدها، وقال في سورة النساء: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا - مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} [النساء: 142 - 143] (2) الآية. وذكر عنهم صفات أخرى في سورة التوبة وغيرها. والخلاصة: أنهم يدعون الإسلام ويتخلقون بأخلاق تخالفه وتضر أهله كما بين - سبحانه - في هذه الآيات وغيرها. النفاق نوعان: اعتقادي وعملي. وما ذكر الله عن المنافقين في سورة البقرة والنساء من صفات المنافقين النفاق الاعتقادي الأكبر، وهم بذلك أكفر من اليهود والنصارى وعباد الأوثان لعظم خطرهم وخفاء أمرهم على كثير من الناس، وقد أخبر الله عنهم - سبحانه - أنهم يوم القيامة في الدرك الأسفل من النار. _________ (1) سورة البقرة الآيات: 8 - 10. (2) سورة النساء الآيات: 142 - 143.
(1/54)
أما النفاق العملي فهو التخلق ببعض أخلاقهم الظاهرة مع الإيمان بالله وبرسوله والإيمان باليوم الآخر كالكذب، والخيانة، والتكاسل عن الصلاة في الجماعة، ومن صفاتهم ما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» . وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا» . والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. فالواجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يحذر صفاتهم غاية الحذر، ومما يعين على ذلك تدبر ما ذكره الله في كتابه من صفاتهم، وما صحت به السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، والله المسئول أن يوفقنا وجميع المسلمين للفقه في دينه، والثبات عليه، والحذر من كل ما يخالف شرعه، ومن التشبه بأعدائه في أخلاقهم وأعمالهم، إنه خير مسئول.
(1/55)
الصلاة
(1/57)
شروط الصلاة 1 - قد يستمر الليل أو النهار في بعض الأماكن لمدة طويلة، وقد يقصر جدا بحيث لا يتسع لأوقات الصلوات الخمس فكيف يؤدي ساكنوها صلاتهم؟ الجواب: الواجب على سكان هذه المناطق التي يطول فيها النهار أو الليل أن يصلوا الصلوات الخمس بالتقدير إذا لم يكن لديهم زوال ولا غروب لمدة أربع وعشرين ساعة. كما صح ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث النواس بن سمعان المخرج في صحيح مسلم في يوم الدجال الذي كسنة، سأل الصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال: «اقدروا له قدره» وهكذا حكم اليوم الثاني من أيام الدجال. وهو اليوم الذي كشهر. وهكذا اليوم الذي كأسبوع، أما والمكان الذي يقصر فيه الليل ويطول فيه النهار أو العكس في أربع وعشرين ساعة فحكمه واضح يصفون فيه كسائر الأيام. . ولو قصر الليل جدا أو النهار لعموم الأدلة والله ولي التوفيق.
(1/59)
2 - يصلي بعض الناس صلاة الفريضة وليس على عاتقيه شيء يسترهما وخصوصا أيام الحج أثناء الإحرام، فما حكم ذلك؟ الجواب: إن كان عاجزا فلا شيء عليه لقول الله - سبحانه وتعالى -: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لجابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - «إن كان الثوب واسعا فالتحف به وإن كان ضيفا فأتزر به» متفق على صحته. أما مع القدرة على ستر العاتقين أو أحدهما فالواجب عليه سترهما أو أحدهما في أصح قولي العلماء فإن ترك ذلك لم تصح صلاته لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء» متفق على صحته. والله ولي التوفيق.
3 - يتأخر البعض في صلاة الفجر حتى الإسفار معللين ذلك بأنه ورد فيه حديث وهو «أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر» هل هذا الحديث صحيح؟ وما الجمع بينه وبين حديث «الصلاة على وقتها» ؟
(1/60)
الجواب: الحديث المذكور صحيح خرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن رافع بن خديج - رضي الله عنه - وهو لا يخالف الأحاديث الصحيحة الدالة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الصبح بغلس، ولا يخالف أيضا حديث «الصلاة على وقتها» وإنما معناه عند جمهور أهل العلم تأخير صلاة الفجر إلى أن يتضح الفجر، ثم تؤدى قبل زوال الغلس كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤديها، إلا في مزدلفة فإن الأفضل التبكير بها من حين طلوع الفجر لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك في حجة الوداع. وبذلك تجتمع الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقت أداء صلاة الفجر وهذا كله على سبيل الأفضلية. ويجوز تأخيرها إلى آخر الوقت قبل طلوع الشمس لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «وقت الفجر من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس» رواه الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -.
4 - نشاهد بعض الناس يقصر ثوبه ويطيل سراويله، فماذا ترون وفقكم الله في ذلك؟ الجواب: السنة أن تكون الملابس كلها ما بين نصف الساق إلى
(1/61)
الكعبين ولا يجوز نزولها عن الكعبين لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار» رواه البخاري في الصحيح. ولا فرق بين السراويل والإزار والقميص والبشت وهو المسمى بلغة العرب العباءة وإنما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الإزار على سبيل المثال لا التخصيص والأفضل أن تكون الملابس إلى نصف الساق لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إزرة المؤمن نصف ساقه» .
5 - ما الحكم إذا تبين أن الصلاة تمت إلى غير القبلة بعد الاجتهاد؟ وهل هناك فرق بين ما إذا كان ذلك في بلد مسلم أو كافر أو كان في البرية؟ الجواب: إذا كان المسلم في السفر أو في بلاد لا يتيسر فيها من يرشده إلى القبلة فصلاته صحيحة. إذا اجتهد في تحري القبلة ثم بان أنه صلى إلى غيرها. أما إذا كان في بلاد المسلمين فصلاته غير صحيحة لأن في إمكانه أن يسأل من يرشده إلى القبلة كما أن في إمكانه معرفة القبلة عن طريق المساجد.
(1/62)
6 - نسمع كثيرا من الناس يتلفظ بالنية عند الدخول في الصلاة فما حكمه؟ وهل له أصل في الشرع؟ الجواب: لا أصل للتلفظ بالنية في الشرع المطهر ولم يحفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه رضي الله عنهم التلفظ بالنية عند الدخول في الصلاة وإنما النية محلها القلب لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» متفق على صحته من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.
7 - نشاهد بعض الناس يتزاحمون من أجل الصلاة في حجر إسماعيل فما حكم الصلاة فيه، وهل له مزية؟ الجواب: الصلاة في حجر إسماعيل مستحبة لأنه من البيت وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " أنه دخل الكعبة عام الفتح وصلى فيها ركعتين " متفق على صحته من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - عن بلال - رضي الله عنه -. وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لعائشة - رضي الله عنها - لما أرادت دخول الكعبة «صلي في الحجر فإنه من البيت» . أما الفريضة فالأحوط عدم أدائها في الكعبة أو في الحجر لأن
(1/63)
النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل ذلك، ولأن بعض أهل العلم قالوا: إنها لا تصح في الكعبة ولا في الحجر لأنه من البيت. وبذلك يعلم أن المشروع أداء الفريضة خارج الكعبة وخارج الحجر تأسيا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وخروجا من خلاف العلماء القائلين بعدم صحتها في الكعبة ولا في الحجر والله ولي التوفيق.
8 - بعض النساء لا يفرقن بين الحيض والاستحاضة إذ قد يستمر معها الدم فتتوقف عن الصلاة طوال استمرار الدم، فما الحكم في ذلك؟ الجواب: الحيض دم كتبه الله على بنات آدم كل شهر غالبا كما جاء بذلك الحديث الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وللمرأة المستحاضة في ذلك ثلاثة أحوال: إحداها: أن تكون مبتدئة فعليها أن تجلس ما تراه من الدم كل شهر فلا تصلي ولا تصوم، ولا يحل لزوجها جماعها حتى تطهر إذا كانت المدة خسة عشرة يوما أو أقل عند جمهور العلماء، فإن استمر معها الدم أكثر من خمسة عشر يوما فهي مستحاضة وعليها أن تعتبر
(1/64)
نفسها حائضا ستة أيام أو سبعة أيام بالتحري والتأسي بما يحصل لأشباهها من قريباتها إذا كان ليس لها تمييز بين دم الحيض وغيره، فإن كان لديها تمييز امتنعت عن الصلاة والصوم وعن جماع الزوج لها مدة الدم المتميز بسواد أو نتن رائحة، ثم تغتسل وتصلي بشرط أن لا يزيد ذلك عن خمسة عشر يوما وهذه هي الحالة الثانية من أحوال المستحاضة. الحالة الثالثة: أن يكون لها عادة معلومة فإنها تجلس عادتها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة إذا دخل الوقت مادام الدم معها وتحل لزوجها إلى أن يجيء وقت العادة من الشهر الآخر، وهذا هو ملخص ما جاءت به الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بشأن المستحاضة وقد ذكرها صاحب البلوغ الحافظ ابن حجر وصاحب المنتقى المجد ابن تيمية رحمة الله عليهما جميعا.
9 - إذا كان على شخص فائتة كالظهر مثلا فذكرها وقد أقيمت صلاة العصر فهل يدخل مع الجماعة بنية العصر أو بنية الظهر؟ أو يصلي الظهر وحده أولا ثم يصلي العصر؟ وما معنى قول الفقهاء (فإن خشى فوات الحاضرة سقط الترتيب) وهل خشية فوات الجماعة يسقط الترتيب؟
(1/65)
الجواب: المشروع لمن ذكر في السؤال أن يصلي مع الجماعة الحاضرة صلاة الظهر بالنية ثم يصلي العصر بعد ذلك لوجوب الترتيب ولا يسقط الترتيب خشية فوات الجماعة. وأما قول الفقهاء - رحمهم الله - فإن خشي خروج وقت الحاضرة سقط الترتيب فمعناه: أنه يلزم من عليه صلاة فائتة أن يبدأ بها قبل الحاضرة. فإن ضاق وقت الحاضرة بدأ بالحاضرة، مثال ذلك: أن تكون عليه صلاة العشاء فلم يذكرها إلا قرب طلوع الشمس ولم يصل الفجر ذلك اليوم فإنه يبدأ بصلاة الفجر قبل خروج وقتها لأن الوقت قد تعين لها. ثم يصلي الفائتة.
10 - يتساهل كثير من النساء في الصلاة فتبدو ذراعاها أو شيء منهما وكذلك قدمها وربما بعض ساقها. فهل صلاتها صحيحة حينئذ؟ الجواب: الواجب على المرأة الحرة المكلفة ستر جميع بدنها في الصلاة ما عدا الوجه والكفين لأنها عورة كلها فإن صلت وقد بدا شيء من عورتها كالساق والقدم والرأس أو بعضه لم تصح صلاتها لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» رواه أحمد وأهل السنن إلا النسائي بإسناد صحيح.
(1/66)
والمراد بالحائض البالغة ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «المرأة عورة» ولما روى أبو داود - رحمه الله - «عن أم سلمة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المرأة تصلي في درع وخمار بغير إزار فقال: " إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها» قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله في البلوغ -: وصحح الأئمة وقفه على أم سلمة - رضي الله عنها - فإن كان عندها أجنبي وجب عليها أيضا ستر وجهها وكفيها.
11 - إذا طهرت المرأة من الحيض في وقت العصر أو العشاء فهل تصلي معها الظهر والمغرب باعتبارهما يجمعان معا؟ الجواب: إذا طهرت المرأة من الحيض أو النفاس في وقت العصر وجب عليها أن تصلي الظهر والعصر جميعا في أصح قولي العلماء لأن وقتهما واحد في حق المعذور كالمريض والمسافر وهي معذورة بسبب تأخر طهرها وهكذا إذا طهرت وقت العشاء وجب عليها أن تصلي المغرب والعشاء جميعا لما سبق، وقد أفتى جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - بذلك.
(1/67)
12 - ما حكم الصلاة في المسجد إذا كان فيه قبر، أو بساحته، أو في قبلته؟ الجواب: إذا كان في المسجد قبر فالصلاة فيه غير صحيحة سواء كان خلف المصلين أو أمامهم أو عن أيمانهم أو عن شمائلهم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» متفق على صحته. ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك» رواه الإمام مسلم في الصحيح. ولأن الصلاة عند القبر من وسائل الشرك والغلو في أهل القبور فوجب منع ذلك عملا بالحديثين المذكورين وما جاء في معناهما وسدا لذريعة الشرك.
13 - كثير من العمال يؤخرون صلاتهم الظهر والعصر إلى الليل معللين ذلك بأنهم منشغلون بأعمالهم أو أن ثيابهم نجسة أو غير نظيفة فبماذا توجهونهم؟ الجواب: لا يجوز للمسلم أو المسلمة تأخير الصلاة المفروضة
(1/68)
عن وقتها بل يجب على كل مسلم ومسلمة من المكلفين أن يؤدوا الصلاة في وقتها حسب الطاقة. وليس العمل عذرا في تأخيرها وهكذا نجاسة الثياب ووساختها كل ذلك ليس بعذر. وأوقات الصلاة يجب أن تستثنى من العمل وعلى العامل وقت الصلاة أن يغسل ثيابه من النجاسة أو يبدلها بثياب طاهرة. أما الوسخ فليس مانعا من الصلاة فيها إذا لم يكن ذلك الوسخ من النجاسات أو فيه رائحة كريهة تؤذي المصلين. فإن كان الوسخ يؤذي المصلين بنفسه أو رائحته وجب على المسلم غسله قبل الصلاة أو إبداله بغيره من الثياب النظيفة حتى يؤدي الصلاة مع الجماعة. ويجوز للمعذور شرعا كالمريض والمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما. وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما. كما صحت بذلك السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهكذا يجوز الجمع في المطر والوحل الذي يشق على الناس.
14 - من وجد في ثوبه نجاسة بعدما سلم من صلاته هل يعيد صلاته؟ الجواب: من صلى وفي بدنه - أو ثوبه نجاسة ولم يعلم إلا بعد
(1/69)
الصلاة فصلاته صحيحة في أصح قولي العلماء، وهكذا لو كان يعلمها سابقا ثم نسيها وقت الصلاة ولم يذكرها إلا بعد الصلاة فصلاته صحيحة لقول الله - عز وجل -: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] فقال الله: قد فعلت، كما صح بذلك الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأنه - صلى الله عليه وسلم - صلى في بعض الأيام وفي نعله قذر فأخبره جبرائيل بذلك فخلعها واستمر في صلاته ولم يستأنفها، وهذا من تيسير الله - سبحانه وتعالى - ورحمته بعباده. أما من صلى ناسيا الحدث فإنه يعيد الصلاة بإجماع أهل العلم. لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول» أخرجه مسلم في صحيحيهما. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» متفق على صحته.
15 - كثير من الناس اليوم يتهاون بالصلاة، وبعضهم بالكلية فما حكم هؤلاء؟ وما الواجب على المسلم تجاههم، وبالأخص أقاربه من والد أو ولد وزوجة ونحو ذلك؟ الجواب: التهاون بالصلاة من المنكرات العظيمة ومن صفات
(1/70)
المنافقين قال الله - عز وجل - {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142] وقال تعالى في صفتهم: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة: 54] وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا» متفق على صحته. فالواجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، وأداؤها بطمأنينة، والإقبال عليها، والخشوع فيها، وإحضار القلب لقوله - تعالى -: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ - الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1 - 2] ولما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر الذي أساء صلاته فلم يطمئن فيها بالإعادة. وعلى الرجال خاصة أن يحافظوا عليها في الجماعة، مع إخوانهم في بيوت الله وهي المساجد لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر» . أخرجه ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم بإسناد صحيح. قيل لابن عباس - رضي الله عنهما - ما هو العذر؟ قال: خوف أو مرض وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن
(1/71)
النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه جاءه رجل أعمى، فقال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فرخص له ثم دعاه فقال: " هل تسمع النداء للصلاة؟ " قال: نعم، قال: " فأجب» . وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيؤم الناس، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم» . وهذه الأحاديث الصحيحة تدل على أن الصلاة في الجماعة في حق الرجال من أهم الواجبات وأن المتخلف عنها يستحق العقوبة الرادعة. نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين جميعا ويمنحهم التوفيق لما يرضيه أما تركها بالكلية ولو في بعض الأوقات فكفر أكبر وإن لم يجحد وجوبها في أصح قولي العلماء سواء كان التارك رجلا أو امرأة. لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة» خرجه الإمام مسلم في صحيحه. ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح. مع أحاديث أخرى كثيرة في ذلك. أما من جحد وجوبها من الرجال أو النساء فإنه يكفر كفرا أكبر
(1/72)
بإجماع أهل العلم ولو صلى. فنسأل الله لنا ولجميع المسلمين العافية من ذلك إنه خير مسئول. والواجب على جميع المسلمين التناصح والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى ومن ذلك نصيحة من يتخفف عن الصلاة في الجماعة أو يتهاون بها فيتركها بعض الأحيان. وتحذيره من غضب الله وعقابه. وعلى أبيه وأمه وإخوانه وأهل بيته أن ينصحوه، وأن يستمروا في ذلك حتى يهديه الله ويستقيم. وهكذا من يتهاون بها أو يتركها من النساء فالواجب نصيحتهن وتحذيرهن من غضب الله وعقابه والاستمرار في ذلك وهجر من لم يمتثل وعقابه بالأدب المناسب مع القدرة على ذلك؛ لأن هذا كله من التعاون على البر والتقوى ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أوجبه الله على عباده من الرجال والنساء لقوله - سبحانه -: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71] ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع» . وإذا كان البنون والبنات يؤمرون بالصلاة لسبع ويضربون عليها لعشر فالبالغ من باب أولى في وجوب أمره بالصلاة وضربه عليها إذا تخلف عنها. مع النصيحة المتواصلة.
(1/73)
والتواصي بالحق والصبر عليه لقول الله - عز وجل -: {وَالْعَصْرِ - إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ - إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1 - 3] ومن ترك الصلاة بعد البلوغ ولم يقبل النصيحة يرفع أمره إلى المحاكم الشرعية حتى تستتيبه فإن تاب وإلا قتل نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين ويمنحهم الفقه في الدين ويوفقهم للتعاون على البر والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق والصبر عليه إنه جواد كريم.
16 - يتعرض البعض من جراء حوادث السيارات ونحوها لارتجاج في المخ لمدة أيام، أو الإغماء. فهل يجب على هؤلاء قضاء الصلاة إذا أفاقوا؟ الجواب: إن كانت المدة قليلة مثل ثلاثة أيام أو أقل وجدت القضاء لأن الإغماء في المدة المذكورة لله النوم فلم يمنع القضاء وقد روي عن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - أنهم أصيبوا ببعض الإغماء لمدة أقل من ثلاثة أيام فقضوا. أما إن كانت المدة أكثر من ذلك فلا قضاء لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ
(1/74)
والصغير حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق» والمغمى عليه في المدة المذكورة يشبه المجنون بجامع زوال العقل. والله ولي التوفيق.
17 - كثير من المرضى يتهاون بالصلاة ويقول إذا شفيت قضيت الصلاة وبعضهم يقول كيف أصلي وأنا لا أستطيع الطهارة ولا التنزه من النجاسة فبما توجهون هؤلاء؟ الجواب: المرضى لا يمنع من أداء الصلاة بحجة العجز عن الطهارة مادام العقل موجودا بل يجب على المريض أن يصلي حسب طاقته وأن يتطهر بالماء إذا قدر على ذلك فإن لم يستطع استعمال الماء تيمم وصلى وعليه أن يغسل النجاسة من بدنه وثيابه وقت الصلاة أو يبدل الثياب النجسة بثياب طاهرة وقت الصلاة فإن عجز عن غسل النجاسة وعن إبدال الثياب النجسة بثياب طاهرة سقط عنه ذلك وصلى حسب حاله لقول الله - عز وجل -: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» متفق على صحته وقوله - صلى الله عليه وسلم - لعمران بن حصين - رضي الله عنهما - لما شكى إليه المرض قال: «صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب» رواه
(1/75)
البخاري في صحيحه ورواه النسائي بإسناد صحيح وزاد: «فإن لم تستطع فمستلقيا» .
18 - هل يقضي الصلاة من تركها عمدا إذا وفقه الله للتوبة سواء كان ما تركه وقتا واحدا أو أكثر؟ الجواب: لا يلزمه القضاء إذا تركها عمدا في أصح قولي العلماء لأن تركها عمدا يخرجه من دائرة الإسلام ويجعله في حيز الكفار. والكافر لا يقضى ما ترك في حال الكفر لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة» رواه مسلم في الصحيح عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب - رضي الله عنه -. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر الكفار الذين أسلموا أن يقضوا ما تركوا وهكذا أصحابه - رضي الله عنهم - لم يأمروا المرتدين لما رجعوا للإسلام أن يقضوا فإن قضى من تركها عمدا ولم يجحد وجوبها فلا حرج احتياطا وخروجا من خلاف من قال: بعدم كفره إذا لم يجحد وجوبا وهم أكثر العلماء. والله ولي التوفيق.
(1/76)
الأذان
19 - يقول بعض الناس إذا لم تؤذن أول الوقت فلا داعي للأذان لأن الأذان للإعلام بدخول وقت الصلاة فما رأي سماحتكم في ذلك وهل يشرع الأذان للمنفرد في البرية؟ الجواب: إذا لم يؤذن في أول الوقت لم يشرع له أن يؤذن بعد ذلك إذا كان في المكان مؤذنون سواه قد حصل بهم المطلوب وإن كان التأخي يسيرا فلا بأس بتأذينه. أما إذا لم يكن في البلد سواه فإنه يلزمه التأذين ولو تأخر بعض الوقت لأن الأذان في هذه الحال فرض كفاية ولم يقم به غيره في فوجب عليه لكونه المسئول عن ذلك ولأن الناس ينتظرونه في الغالب. أما المسافر فيشرع له الأذان وإن كان وحده. لما ثبت في الصحيح عن أبي سعيد - رضي الله عنه - أنه قال لرجل: «إذا كنت في غنمك وباديتك فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة» . ورفع ذلك إلى النبي - صلى الله عيه وسلم. ولعموم الأحاديث الأخرى في شرعية الأذان وفائدته.
(1/77)
20 - هل يشرع للنساء أذان وإقامة سواء كن في الحضر وحدهن أو في البرية منفردات أو جماعة؟ الجواب: لا يشرع للنساء أذان ولا إقامة سواء كن في الحضر أو السفر وإنما الأذان والإقامة من خصائص الرجال. كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
21 - إذا نسي الإقامة وصلى فهل يؤثر ذلك على هذه الصلاة سواء كان منفردا أو كانوا جماعة؟ الجواب: إذا صلى المنفرد أو الجماعة بدون إقامة فالصلاة صحيحة وعلى من فعل ذلك التوبة إلى الله - سبحانه -. وهكذا لو صلوا بغير أذان فالصلاة صحيحة؛ لأن الأذان والإقامة من فروض الكفايات وهما خارجان عن صلب الصلاة. وعلى من ترك الأذان والإقامة التوبة إلى الله - سبحانه - من ذلك لأن فروض الكفايات يأثم بتركها الجميع وتسقط بأداء بعضهم لها ومن ذلك الأذان والإقامة. إذا قام بهما من يكفي سقط الوجوب والإثم عن الباقين سواء كانوا في الحضر أو السفر وسواء كانوا في
(1/78)
القرى والمدن أو البوادي. نسأل الله لجميع المسلمين التوفيق لما يرضيه.
22 - ما هو دليل قول المؤذن في صلاة الفجر (الصلاة خير من النوم) وما رأي سماحتكم فيمن يقول (حي على خير العمل) وهل له أصل؟ الجواب: قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بلالا وأبا محذورة بذلك في أذان الفجر وثبت عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال: من السنة قول المؤذن في أذان الفجر الصلاة خير من النوم. أخرجه ابن خزيمة في صحيحه وهذه الكلمة تقال في الأذان الذي ينادي به عند طلوع الفجر في أصح قولي العلماء ويسمى الأذان الأول بالنسبة إلى الإقامة لأنها هي الأذان الثاني كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بين كل أذانين صلاة» وثبت في صحيح البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - ما يدل على ذلك. وأما قول بعض الشيعة في الأذان: حي على خير العمل فهو بدعة لا أصل له في الأحاديث الصحيحة فنسأل الله أن يهديهم وجميع المسلمين لاتباع السنة والعض عليها بالنواجذ؛ لأنها والله هي طريق النجاة وسبيل السعادة لجميع الأمة. والله ولي التوفيق.
(1/79)
23 - ورد أنه ينادى لصلاة الكسوف ب " الصلاة جامعة" فهل يقولها مرة واحدة أو يشرع تكرارها. وما مقدار التكرار؟ الجواب: قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر أن ينادى لصلاة الكسوف بقول «الصلاة جامعة» ، والسنة للمنادي أن يكرر ذلك حتى يظن أنه أسمع الناس. وليس لذلك حد محدود فيما نعلم. والله ولي التوفيق.
(1/80)
صفة الصلاة
24 - كثير من الإخوان يشدد في أمر السترة حتى أنه ينتظر وجود سترة فيما إذا كان في مسجد ولم يجد عمودا خاليا. وينكر على من لا يصلي إلى سترة. وبعضهم يتساهل فيها، فما هو الحق في ذلك، وهل الخط يقوم مقام السترة عند عدمها، وهل ورد ما يشدد على ذلك؟ الجواب: الصلاة إلى سترة سنة مؤكدة وليست واجبة فإن لم يجد شيئا منصوبا أجزأه الخط. . والحجة فيما ذكرنا قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها» رواه أبو داود بإسناد صحيح. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «يقطع صلاة المرء المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل: المرأة والحمار والكلب الأسود» رواه مسلم في صحيحه. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا فإن لم يجد فليخط خطا ثم لا يضره من مر بين يديه» . رواه الإمام أحمد وابن ماجه بإسناد حسن. قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في بلوغ المرام: وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى في بعض الأحيان إلى غير سترة فدل على أنها ليست واجبة ويستثنى من ذلك الصلاة في المسجد
(1/81)
الحرام فإن المصلي لا يحتاج فيه إلى سترة لما ثبت عن ابن الزبير رضي الله عنهما - أنه كان يصلي في المسجد الحرام إلى غير سترة والطواف أمامه. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على ذلك لكن بإسناد ضعيف. ولأن المسجد الحرام مظنة الزحام غالبا وعدم القدرة على السلامة من المرور بين يدي المصلي فسقطت شرعية ذلك لما تقدم ويلحق بذلك المسجد النبوي في وقت الزحام وهكذا غيره من أماكن الزحام عملا بقول الله - عز وجل -: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وقوله - صلى الله علية وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» . متفق على صحته. والله ولي التوفيق.
25 - نشاهد كثيرا من الناس يضع يديه تحت سرته والبعض يضعهما فوق صدره وينكر إنكارا شديدا على من يضعهما تحت سرته. والبعض يضعهما تحت لحيته، والبعض يرسل يديه فما هو الصواب في ذلك وفقكم الله؟ الجواب: قد دلت السنة الصحيحة على أن الأفضل للمصلي حين قيامه في الصلاة أن يضع كفه اليمنى على كفه اليسر على صدره
(1/82)
قبل الركوع وبعده. ثبت ذلك من حديث وائل بن حجر وقبيصة بن هلب الطائي عن أبيه - رضي الله عنهما - وثبت ما يدل على ذلك من حديث سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - أما وضعهما تحت السرة فقد ورد فيه حديث ضعيف عن علي - رضي الله عنه - أما إرسالهما أو وضعهما تحت اللحية فهو خلاف السنة. والله ولي التوفيق.
26 - كثير من الإخوان يهتم بجلسة الاستراحة وينكر على من تركها فما حكمها وهل تشرع للإمام والمأموم كما تشرع للمنفرد؟ الجواب: جلسة الاستراحة مستحبة للإمام والمأموم والمنفرد وهي من جنس الجلسة بين السجدتين وهي جلسة خفيفة لا يشرع فيها ذكر ولا دعاء ومن تركها فلا حرج. والأحاديث فيها ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث مالك بن الحويرث ومن حديث أبي حميد الساعدي وجماعة من الصحابة - رضي الله عنهم -. والله ولي التوفيق.
(1/83)
27 - كيف يؤدي المسلم الصلاة في الطائرة وهل الأفضل له الصلاة في الطائرة أول الوقت؟ أو الانتظار حتى يصل المطار إذا كان سيصل في آخر الوقت؟ الجواب: الواجب على المسلم في الطائرة إذا حضرت الصلاة أن يصليها حسب الطاقة فإن استطاع أن يصليها قائما ويركع ويسجد فعل ذلك وإن لم يستطع صلى جالسا وأومأ بالركوع والسجود. فإن وجد مكانا في الطائرة يستطيع فيه القيام والسجود في الأرض بدلا من الإيماء وجب عليه ذلك لقول الله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمران بن حصين - رضي الله عنهما - وكان مريضا: «صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب» رواه البخاري في الصحيح ورواه النسائي بإسناد صحيح وزاد: «فإن لم تستطع فمستلقيا» . والأفضل له. أن يصلي في أول الوقت فإن أخرها إلى آخر الوقت ليصليها في الأرض فلا بأس لعموم الأدلة. وحكم السيارة والقطار والسفينة حكم الطائر ة. والله ولي التوفيق.
(1/84)
28 - كثير من الناس يكثر من العبث والحركة في الصلاة. فهل هناك حد معين من الحركة يبطل الصلاة؟ وهل لتحديده بثلاث حركات متواليات أصل؟ وبماذا تنصحون من يكثر من العبث في الصلاة؟ الجواب: الواجب على المؤمن والمؤمنة الطمأنينة في الصلاة وترك العبث لأن الطمأنينة من أركان الصلاة لما ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر الذي لم يطمئن في صلاته أن يعيد الصلاة والمشروع لكل مسلم ومسلمة الخشوع في الصلاة والإقبال عليها وإحضار القلب فيها بين يدي الله - سبحانه -. لقول الله - عز وجل -: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ - الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1 - 2] ويكره له العبث بثيابه أو لحيته أو غير ذلك وإذا كثر وتوالى حرم فيما نعلمه من الشرع المطهر وأبطل الصلاة. وليس لذلك حد محدود والقول بتحديده بثلاث حركات قول ضعيف لا دليل عليه، وإنما المعتمد كونه عبثا كثيرا في اعتقاد المصلي فإذا اعتقد المصلي أن عبثه كثير وقد توالى فعليه أن يعيد الصلاة إن كانت فريضة وعليه التوبة من ذلك ونصيحتي لكل مسلم ومسلمة العناية بالصلاة والخشوع فيها وترك العبث فيها وإن قل لعظم شأن الصلاة وكونها عمود الإسلام وأعظم أركانه بعد الشهادتين وأول
(1/85)
ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة. وفق الله المسلمين لأدائها على الوجه الذي يرضيه سبحانه.
29 - هل الأفضل وضع الركبتين قبل اليدين عند الخفض للسجود أو العكس أفضل؟ وما الجمع بين الحديثين الواردين في ذلك؟ الجواب: السنة للمصلي إذا هوى للسجود أن يضع ركبتيه قبل يديه إذا استطاع ذلك في أصح قولي العلماء وهو قول الجمهور لحديث وائل بن حجر - رضي الله عنه - وما جاء في معناه من الأحاديث. أما حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فهو في الحقيقة لا يخالف ذلك بل يوافقه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى فيه المصلي عن بروك كبروك البعير. ومعلوم أن من قدم يديه فقد شابه البعير. أما قوله في آخره: وليضع يديه قبل ركبتيه فالأقرب أن ذلك انقلاب وقع في الحديث على بعض الرواة وصوابه وليضع ركبتيه قبل يديه وبذلك تجتمع الأحاديث ويوافق آخر الحديث المذكور أوله ويزول عنها التعارض وقد نبه على هذا المعنى العلامة ابن القيم - رحمه الله - في كتابه زاد المعاد.
(1/86)
أما العاجز عن تقديم الركبتين لمرض أو كبر سن فإنه لا حرج عليه في تقديم يديه لقوله سبحانه وتعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم» متفق على صحته. والله ولي التوفيق.
30 - ما رأي سماحتكم في النحنحة في الصلاة والنفخ والبكاء وهل يبطل الصلاة أو لا؟ الجواب: النحنحة والنفخ والبكاء كلها لا تبطل الصلاة ولا حرج فيها إذا دعت إليها الحاجة ويكره فعلها لغير حاجة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتنحنح لعلي - رضي الله عنه - إذا استأذن علي وهو يصلي. وأما البكاء فهو مشروع في الصلاة وغيرها إذا صدر عن خشوع وإقبال على الله من غير تكلف وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يبكي في الصلاة وصح ذلك عن أبي بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما وعن جماعة غيرهم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
(1/87)
31 - ما حكم المرور بين يدي المصلي، وهل الحرم يختلف عن غيره في ذلك وما معنى قطع المار للصلاة؟ وهل يستأنفها إذا مر من أمامه مثلا كلب أسود أو امرأة أو حمار؟ الجواب: حكم المرور بين يدي المصلي أو بينه وبين السترة التحريم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يدي المصلي» متفق عليه. وهو يقطع الصلاة ويبطلها إذا كان المار امرأة بالغة أو حمارا أو كلبا أسود. أما إن كان المار غير هذه الثلاث فإنه لا يقطع الصلاة. ولكن ينقص ثوابها لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يقطع صلاة المرء المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل: المرأة والحمار والكلب الأسود» أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر - رضي الله عنه -. وخرج مثله من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - لكنه لم يقيد الكلب بالأسود والمطلق محمول على المقيد عند أهل العلم. أما المسجد الحرام فلا يحرم فيه المرور بين يدي المصلي ولا يقطع الصلاة فيه شيء من الثلاث المذكورة ولا غيرها. لكونه مظنة الزحام ويشق فيه التحرر من المرور بين يدي المصلي وقد ورد
(1/88)
بذلك حديث صريح فيه ضعف ولكنه ينجبر بما ورد في ذلك من الآثار عن ابن الزبير وغيره وبكونه مظنة الزحام ومشقة التحرز من المار كما تقدم ومثله في المعنى المسجد النبوي وغيره من المساجد إذا اشتد فيها الزحام وصعب التحرز من المار لقوله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم» متفق عليه.
32 - ما رأي سماحتكم في رفع الأيدي للدعاء بعد الصلاة؟ وهل هناك فرق بين صلاة الفريضة والنافلة؟ الجواب: رفع الأيدي في الدعاء سنة ومن أسباب الإجابة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا» أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث سلمان الفارسي. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تعالى - طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال - سبحانه -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172]
(1/89)
وقال - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب. يا رب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟!» . رواه مسلم. لكن لا يشرع رفعهما في المواضع التي وجدت في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يرفع فيها كأدبار الصلوات الخمس وبين السجدتين وقبل التسليم من الصلاة وحين خطبة الجمعة والعيدين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرفع في هذه المواضع. وهو - عليه الصلاة والسلام - الأسوة الحسنة فيما يأتي ويذر لكن إذا استسقى في خطبة الجمعة أو خطبة العيدين شرع له رفع اليدين كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. أما الصلاة النافلة فلا أعلم مانعا من رفع اليدين بعدها في الدعاء عملا بعموم الأدلة لكن الأفضل عدم المواظبة على ذلك؛ لأن ذلك لم يثبت فعله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو فعله بعد كل نافلة لنقل ذلك عنه؛ لأن الصحابة - رضي الله عنهم - قد نقلوا أقواله وأفعاله في سفره وإقامته، وسائر أحواله - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنهم جميعا.
(1/90)
أما الحديث المشهور أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الصلاة تضرع وتخشع وأن تقنع أي أن ترفع يديك تقول يا رب يا رب» فهو حديث ضعيف، كما أوضح ذلك الحافظ ابن رجب وغيره. والله ولي التوفيق.
33 - سمعنا من يقول: يكره مسح الجبهة عن التراب بعد الصلاة فهل لهذا أصل؟ الجواب: ليس له أصل فيما نعلم وإنما يكره فعل ذلك قبل السلام؛ لأنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض صلواته أنه سلم من صلاة الصبح في ليلة مطيرة ويرى على وجهه أثر الماء والطين فدل ذلك على أن الأفضل عدم مسحه قبل الفراغ من الصلاة.
34 - حكم المصافحة بعد الصلاة، والفرق في ذلك بين الفريضة والنافلة. الجواب: الأصل في المصافحة عند اللقاء بين المسلمين شرعيتها
(1/91)
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصافح أصحابه - رضي الله عنهم - إذا لقيهم وكانوا إذا تلاقوا تصافحوا، قال أنس - رضي الله عنه - والشعبي - رحمه الله -: كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا تلاقوا تصافحوا وإذا قدموا من سفر تعانقوا وثبت في الصحيحين أن طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة - رضي الله عنهم - قام من حلقة النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسجده - عليه الصلاة والسلام - قام إلى كعب بن مالك - رضي الله عنه - لما تاب الله عليه فصافحه وهنأه بالتوبة وهذا أمر مشهور بين المسلمين في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعده وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما من مسلمين يتلاقيان فيتصافحان إلا تحاتت عنهما ذنوبهما كما يتحات عن الشجرة ورقها» . ويستحب التصافح عند اللقاء في المسجد أو في الصف وإذا لم يتصافحا قبل الصلاة تصافحا بعدها تحقيقا لهذه السنة العظيمة. ولما في ذلك من تثبيت المودة وإزالة الشحناء. لكن إذا لم يصافحه قبل الفريضة شرع له أن يصافحه بعدها بعد الذكر المشروع أما ما يفعله بعض الناس من المبادرة بالمصافحة بعد الفريضة من حين يسلم التسليمة الثانية فلا أعلم له أصلا بل الأظهر كراهة ذلك لعدم الدليل عليه ولأن المصلي مشروع له في هذه الحال أن يبادر بالأذكار الشرعية التي كان يفعلها النبي - صلى
(1/92)
الله عليه وسلم - بعد السلام من صلاة الفريضة. وأما صلاة النافلة فتشرع المصافحة بعد السلام منها إذا لم يتصافحا قبل الدخول فيها فإن تصافحا قبل ذلك كفى.
35 - هل ورد في تغيير المكان لأداء السنة بعد الصلاة ما يدل على استحبابه؟ الجواب: لم يرد في ذلك فيما أعلم حديث صحيح ولكن كان ابن عمر - رضي الله عنهما - وكثير من السلف يفعلون ذلك. والأمر في ذلك واسع والحمد لله وقد ورد فيه حديث ضعيف عند أبي داود - رحمه الله -. وقد يعضده فعل ابن عمر - رضي الله عنهما - ومن فعله من السلف الصالح. والله ولي التوفيق. [صحة ما ورد في الحث على قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له. . .] إلخ بعد الفجر والمغرب 36 - ورد الحث على قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات بعد صلاة الفجر وبعد صلاة المغرب فهل ما ورد صحيح؟ الجواب: ورد في هذا أحاديث صحيحة عن النبي - صلى الله
(1/93)
عليه وسلم - تدل على شرعية الذكر المذكور بعد صلاة الفجر وبعد صلاة المغرب. وهو أن يقول لا إله إلا الله، وحدة لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحي ويميت، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، فيشرع لكل مؤمن ومؤمنة المحافظة على ذلك بعد الصلاتين المذكورتين وذلك بعد الذكر المشروع بعد السلام من جميع الصلوات الخمس. وهو أن يقول بعد السلام أستغفر الله ثلاثا. اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وإن كان إماما شرع له الانصراف إلى الناس ويعطيهم وجهه بعد قوله أستغفر الله ثلاثا. اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، تأسيا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك وللإمام عند الانصراف أن ينصرف عن يمينه أو عن شماله لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل هذا وهذا. ويستحب للمصلي أيضا بعد كل صلاة من الصلوات الخمس بعد الذكر المذكور أن يقول: سبحان الله والحمد لله، والله أكبر
(1/94)
ثلاثا وثلاثين مرة، فتلك تسع وتسعون، ويقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير؛ لأنه قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الترغيب في ذلك وبيان أنه من أسباب المغفرة. ويشرع للمصلي أيضا بعد كل صلاة من الصلوات الخمس أن يقرأ آية الكرسي بعد هذه الأذكار، وأن يقرأ قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس ويشرع أن يكرر السور الثلاث بعد المغرب وبعد الفجر وعند النوم ثلاث مرات لورود الأحاديث الصحيحة في ذلك.
(1/95)
صلاة الجماعة والإمامة والاقتداء
37 - يتهاون كثير من المسلمين اليوم بالصلاة في الجماعة وحتى بعض طلبة العلم ويتعللون بأن بعض العلماء قال بعدم وجوبها، فما حكم صلاة الجماعة وبماذا تنصحون هؤلاء؟ الجواب: الصلاة في الجماعة مع المسلمين في المساجد واجبة بلا شك في أصح أقوال أهل العلم على كل رجل قادر يسمع النداء لقول النبي - صلي الله عليه وسلم -: «من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر» أخرجه ابن ماجه والدارقطني، وابن حبان والحاكم بسند صحيح. وقد سئل ابن عباس - رضي الله عنهما - عن العذر فقال: خوف أو مرض وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه أتاه رجل أعمى، فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؛ فقال له - صلى الله عليه وسلم -: " هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم قال: " فأجب» . وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام
(1/96)
ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم» فهذه الأحاديث كلها وما جاء في معناها تدل على وجوب الصلاة في الجماعة في المساجد بحق الرجال وأن من تخلف عنها مستحق العقوبة الرادعة ولو كانت الصلاة في الجماعة في المساجد غير واجبة لم يستحق تاركها العقوبة، ولأن الصلاة في المساجد من أعظم شعائر الإسلام الظاهرة ومن أسباب التعارف بين المسلمين وحصول المودة والمحبة وزوال الشحناء ولأن تركها فيه مشابهة لأهل النفاق فالواجب الحذر من ذلك ولا عبرة بالخلاف في ذلك لأن كل قول يخالف الأدلة الشرعية يجب أن يطرح ولا يعول عليه؛ لقول الله - عز وجل -: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] وقوله سبحانه: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10] وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: لقد رأيتنا وما يتخلف عنها (أي الصلاة في جماعة) إلا منافق أو مريض ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف. ولا شك أن هذا يدل على عناية الصحابة بصلاة الجماعة في المسجد وحرصهم عليها حتى إنهم يأتون بعض الأحيان بالرجل
(1/97)
المريض يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف وذلك من شدة حرصهم على صلاة الجماعة - رضي الله عنهم جميعا. والله ولي التوفيق.
38 - اختلفت آراء العلماء في قراءة المؤتم خلف الإمام فما هو الصواب في ذلك؟ وهل قراءة الفاتحة واجبة عليه؟ ومتى يقرؤها إذا لم يكن للإمام سكتات تمكن المأموم من قراءتها؟ وهل يشرع للإمام السكوت بعد قراءة الفاتحة لتمكين المأموم من قراءة الفاتحة؟ الجواب: الصواب وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في جميع الصلوات السرية والجهرية لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» متفق على صحته، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ " قلنا: نعم. قال: " لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها» . أخرجه الإمام أحمد بإسناد صحيح. والمشروع أن يقرأ بها في سكتات الإمام. فإن لم يكن له سكتة، قرأ بها ولو كان الإمام يقرأ ثم أنصت. وهذا مستثنى من عموم الأدلة الدالة على وجوب الإنصات
(1/98)
لقراءة الإمام لكن لو نسيها المأموم أو تركها جهلا أو لاعتقاد عدم وجوبها فلا شيء عليه وتجزئه قراءة الإمام عند جمهور أهل العلم وهكذا لو جاء والإمام راكع ركع معه وأجزأته الركعة وسقطت عنه القراءة لعدم إدراكه لها. لما ثبت من حديث أبي بكرة الثقفي - رضي الله عنه - أنه جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو راكع فركع دون الصف ثم دخل في الصف فلما سلم النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: «زادك الله حرصا ولا تعد» ولم يأمره بقضاء الركعة. رواه البخاري في الصحيح. ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - «ولا تعد» يعني لا تعد إلى الركوع دون الصف وبذلك يعلم أن المشروع لمن دخل المسجد والإمام راكع ألا يركع قبل الصف بل عليه أن يصبر حتى يصل إلى الصف ولو فاته الركوع لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أتيتم الصلاة فامشوا وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» متفق على صحته. أما حديث " من كان له إمام فقراءته له قراءة " فهو حديث ضعيف لا يحتج به عند أهل العلم ولو صح لكانت الفاتحة مستثناة من ذلك جمعا بين الأحاديث. وأما السكتة بعد الفاتحة فلم يصح منها شيء فيما أعلم والأمر فيها واسع إن شاء الله فمن فعلها فلا حرج ومن تركها فلا حرج،
(1/99)
لأنه لم يثبت فيها شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما أعلم وإنما الثابت عنه - صلى الله عليه وسلم - سكتتان: إحداهما بعد تكبيرة الإحرام يشرع فيها الاستفتاح والسكتة الثانية بعد الفراغ من القراءة وقبل أن يركع وهي سكتة خفيفة تفصل بين القراءة والتكبير. والله ولي التوفيق.
39 - ورد في الحديث الصحيح النهي عن قرب المسجد لمن أكل بصلا أو ثوما أو كراثا. فهل يلحق بذلك ما له رائحة كريهة وهو محرم كالدخان؟ وهل معنى ذلك أن من تناول هذه الأشياء معذور بالتخلف عن الجماعة بحيث لا يأثم بتخلفه؟ الجواب: ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من أكل ثوما أو بصلا فلا يقربن مسجدنا وليصل في بيته» وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو الإنسان» وكل ما له رائحة كريهة حكمه حكم: الثوم والبصل كشارب الدخان ومن له رائحة في إبطه أو غيرهما مما يؤذي جليسه. فإنه يكره له أن يصلي مع الجماعة. وينهى عن ذلك حتى
(1/100)
يستعمل ما يزيل هذه الرائحة. ويجب عليه أن يفعل ذلك مع الاستطاعة حتى يؤدي ما أوجب الله عليه من الصلاة في الجماعة. أما التدخين فهو محرم مطلقا ويجب عليه تركه في جميع الأوقات لما فيه من المضار الكثيرة في الدين والبدن والمال. أصلح الله حال المسلمين ووفقهم لكل خير.
40 - هل يبدأ الصف من اليمين أو من خلف الإمام، وهل يشرع التوازن بين اليمين واليسار؟ بحيث يقال: اعدلوا الصف، كما يفعله كثير من الأئمة؟ الجواب: الصف يبدأ من الوسط مما يلي الإمام ويمين كل صف أفضل من يساره والواجب ألا يبدأ في صف حتى يكمل الذي قبله ولا بأس أن يكون الناس في يمين الصف أكثر. ولا حاجة إلى التعديل بل الأمر بذلك خلاف السنة ولكن لا يصف في الثاني حتى يكمل الأول ولا في الثالث حتى يكمل الثاني وهكذا بقية الصفوف ولأنه قد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأمر بذلك.
(1/101)
41 - ما رأي سماحتكم في صلاة المفترض خلف المتنفل؟ الجواب: لا حرج في صلاة المفرد خلف المتنفل لأنه قد ثبت عن النبي - صلى الله عيه وسلم - في بعض أنواع صلاة الخوف أنه صلى بطائفة ركعتين ثم سلم، ثم صلى بطائفة أخرى ركعتين ثم سلم. فكانت الأولى له فريضة والثانية نافلة. أما المصلون خلفه فهم مفترضون. وثبت أيضا في الصحيحين عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أنه كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة العشاء ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة فهي له نافلة ولهم فريضة ومثل ذلك لو حضر إنسان في رمضان وهم يصلون التراويح وهو لم يصل فريضة العشاء فإنه يصلي معهم صلاة العشاء ليحصل له فضل الجماعة فإذا سلم الإمام قام وأتم صلاته.
42 - ما حكم صلاة المنفرد خلف الصف؟ وإذا دخل داخل ولم يجد مكانا في الصف فماذا يفعل؟ وإذا وجد صبيا لم يبلغ فهل يصف معه؟ الجواب: حكم الصلاة خلف الصف منفردا البطلان لقول
(1/102)
النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا صلاة لمنفرد خلف الصف» ولأنه ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر من صلى خلف الصف وحده أن يعيد الصلاة ولم يسأله هل وجد فرجة أم لا؟ فدل ذلك على أنه لا فرق بين من وجد فرجة في الصف ومن لم يجد سدا لذريعة التساهل في الصلاة خلف الصف منفردا. لكن لو جاء المسبوق والأمام راكع فركع دون الصف ثم دخل الصف قبل السجود أجزأه ذلك لما ثبت في صحيح البخاري - رحمه الله - عن أبي بكرة الثقفي - رضي الله عنه - أنه جاء إلى الصلاة والنبي - صلى الله عليه وسلم - راكع فركع دون الصف ثم دخل في الصف فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد السلام: «زادك الله حرصا ولا تعد» ولم يأمره بقضاء الركعة أما من جاء والإمام في الصلاة ولم يجد فرجة في الصف فإنه ينتظر حتى يوجد من يصف معه ولو صبيا قد بلغ السابعة فأكثر أو يتقدم فيصف عن يمين الإمام عملا بالأحاديث كلها. وفق الله المسلمين جميعا للفقه في دينه والثبات عليه إنه سميع قريب.
43 - هل تشترط في الإمامة نية الإمامة، وإذا دخل رجل فوجد آخر يصلي فهل يأتم به؟ وهل يشرع الائتمام بالمسبوق؟ الجواب: يشترط النية في الإمامة لقوله - صلى الله عليه وسلم -:
(1/103)
«إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» وإذا دخل رجل المسجد وقد فاتته الجماعة فوجد من يصلي وحده فلا بأس أن يصلي معه مأموما بل ذلك هو الأفضل لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رأى رجلا قد دخل المسجد بعد ما صل الناس «ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه» . وبذلك يحصل فضل صلاة الجماعة لهما جميعا. وهي نافلة بالنسبة لمن قد صلى. وقد كان معاذ - رضي الله عنه - يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة العشاء فرضه ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة فهي له نافلة ولهم فرض وقد أقره النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك. أما المسبوق فلا حرج أن يصلي معه من فاتته صلاة الجماعة رجاء حصول فضل الجماعة إذا أكمل المسبوق صلاته قام من لم يكمل صلاته فأتمها لعموم الأدلة وهذا الحكم عام لجميع الصلوات الخمس لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر - رضي الله عنه - لما ذكر له من يأتي من الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها «صل الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصل معهم فإنها لك نافلة ولا تقل صليت فلا أصلي» . والله ولي التوفيق.
(1/104)
44 - هل ما يدركه المسبوق من ركعات مع الإمام يعتبر أول صلاته أو آخرها فإذا فاته - مثلا - ركعتان من الرباعية هل يشرع له قراءة ما تيسر بعد الفاتحة؟ الجواب: الصواب أن ما أدركه المسبوق مع الإمام يعتبر أول صلاته وما يقضيه هو آخرها في جميع الصلوات لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أقيمت الصلاة فامشوا وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» متفق على صحته. وبذلك يستحب أن يقتصر في الثالثة والرابعة من الرباعية والثالثة من المغرب على قراءة الفاتحة لما في الصحيحين عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، يطول في الأولى ويقصر في الثانية ويقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب» . وإذا قرأ بعض الأحيان في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة على الفاتحة فهو حسن لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الأوليين من الظهر قدر ألم تنزيل السجدة، وفي الأخريين على النصف من ذلك وفي الأوليين من العصر على قدر الأخريين من الظهر وفي الأخريين من العصر على النصف من ذلك» وهذا محمول على أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يفعله بعض الأحيان في الأخريين من
(1/105)
الظهر جمعا بين الحديثين. والله ولي التوفيق.
45 - بسبب كثرة الزحام في بعض مساجد الجمعة قد يمتلئ المسجد فيصلي البعض في الشوارع والطرقات مؤتمين بالإمام فما رأيكم في ذلك؟ وهل هناك فرق بين ما إذا كان الطريق بين المصلين والمسجد أو لا طريق فاصل؟ الجواب: إذا اتصلت الصفوف فلا بأس وهكذا إذا كان المأمومون خارج المسجد يرون الصفوف أمامهم أو يسمعون التكبير ولو فصل بينهم بعض الشوارع فلا حرج في ذلك لوجوب الصلاة في الجماعة وتمكنهم منها بالرؤية أو بالسماع لكن ليس لأحد أن يصلي أمام الإمام لأن ذلك ليس موقفا للمأموم. والله ولي التوفيق.
46 - إذا أدرك المسبوق الإمام راكعا فما المشروع له حينئذ. وهل يشترط للحكم بإدراكه الركعة أن يقول: سبحان ربي العظيم قبل رفع الإمام؟
(1/106)
الجواب: إذا أدرك المأموم الإمام راكعا أجزأته الركعة ولو لم يسبح المأموم إلا بعد رفع الإمام لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» خرجه مسلم في صحيحه. ومعلوم أن الركعة تدرك بإدراك الركوع لما روى البخاري في صحيحه عن أبي بكرة الثقفي - رضي الله عنه - أنه أتى المسجد ذات يوم والنبي - صلى الله عليه وسلم - راكع فركع دون الصف ثم دخل في الصف فلما سلم النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له - صلى الله عليه وسلم -: «زادك الله حرصا ولا تعد» ولم يأمره بقضاء الركعة وإنما نهاه أن يعود إلى الركوع دون الصف فعلى المسبوق ألا يعجل بالركوع حتى يدخل في الصف. والله ولي التوفيق.
47 - بعض الأئمة ينتظر الداخل لإدراك الركعة، وبعضهم يقول: لا يشرع الانتظار؟ فما هو الصواب؟ وفقكم الله؟ الجواب: الصواب شرعية الانتظار قليلا حتى يلحق الداخل بالصف تأسيا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك.
(1/107)
48 - إذا أم رجل صبيين فأكثر فهل يجعلهما خلفه أو عن يمينه؟ وهل البلوغ شرط لمصافة الصبي؟ الجواب: المشروع في هذه أن يجعلهما خلفه كالمكلفين إذا كانا قد بلغا سبعا فأكثر وهكذا لو كان صبي ومكلف يجعلهما خلفة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بأنس واليتيم وجعلهما خلفه لما زار النبي - صلى الله عليه وسلم - جدة أنس. وهكذا لما صف معه جابر وجبار من الأنصار جعلهما خلفه. أما الواحد فإنه يكون عن يمينه سواء كان رجلا أو صبيا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما صف معه ابن عباس في صلاة الليل عن يساره أداره عن يمينه. وهكذا أنس - رضي الله عنه - صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض صلوات النافلة فجعله عن يمينه. أما المرأة فأكثر فإنها تكون خلف الرجال ولا يجوز لها أن تصف مع الإمام ولا مع الرجال لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما صلى بأنس واليتيم جعل أم سليم خلفهما وهي أم أنس.
(1/108)
49 - قال البعض: إنه لا يجوز إقامة جماعة أخرى في، المسجد بعد انتهاء المصلين، فهل لهذا أصل؟ وما هو الصواب؟ الجواب: هذا القول ليس بصحيح ولا أصل له في الشرع المطهر فيما أعلم بل السنة الصحيحة تدل على خلافه وهي قوله - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده» . وقوله - صلى الله عليه وسلم -: لما رأى رجلا دخل المسجد بعدما صلى الناس. . «من يتصدق على هذا فيصلي معه» . ولكن لا يجوز للمسلم أن يتأخر عن صلاة الجماعة بل يجب عليه أن يبادر حين يسمع النداء. والله ولي التوفيق.
50 - إذا انتقض وضوء الإمام أثناء الصلاة فهل يستخلف من يتمم بهم الصلاة أم تبطل صلاة الجميع ويأمر من يستأنف بهم الصلاة من أولها؟ الجواب: الصواب أن المشروع للإمام أن يستخلف من يكمل
(1/109)
بهم الصلاة كما فعل عمر - رضي الله عنه - لما طعن وهو يصلي استخلف عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - فأتم بهم صلاة الفجر، فإن لم يستخلف بهم الإمام تقدم بعض من وراءه فأكمل بالناس، فإن استأنفوا الصلاة من أولها فلا حرج في ذلك لأن المسألة فيها خلاف بين أهل العلم لكن الأرجح هو أن الإمام يستخلف من يكمل بهم لما ذكرنا من فعل عمر - رضي الله عنه - فإن استأنفوا فلا بأس. والله ولي التوفيق. [ما تدرك به الجماعة]
51 - هل الجماعة تدرك بإدراك السلام مع الإمام أم لا تدرك إلا بإدراك ركعة وإذا دخل جماعة والإمام في التشهد الأخير، هل الأفضل لهم الدخول مع الإمام أم ينتظرون سلامه ويصلون جماعة؟ الجواب: لا تدرك الجماعة إلا بإدراك ركعة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أدرك ركعة من الصلاة ففد أدرك الصلاة» أخرجه مسلم في صحيحه. لكن من كان له عذر شرعي يحصل له فضل الجماعة وإن لم يدركها مع الإمام لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يفعله وهو
(1/110)
صحيح مقيم» رواه البخاري في الصحيح. ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك: «إن في المدينة أقواما ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا وهم معكم حبسهم العذر» وفي رواية «إلا شركوكم في الأجر» متفق عليه. ومتى أدرك جماعة الإمام في التشهد الأخير فدخولهم معه أفضل لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أتيتم الصلاة فأتوها وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» متفق عليه. ولو صلوا جماعة وحدهم فلا حرج إن شاء الله. [صلاة ركعتي الفجر بعد إقامة الصلاة] 52 - نلاحظ بعض الناس إذا دخل المسجد لصلاة الفجر وقد أقيمت الصلاة يصلي ركعتي الفجر ثم يلتحق بالإمام فما حكم ذلك؟ وهل الأفضل أن يصليهما بعد الفجر مباشرة أو ينتظر طلوع الشمس؟ الجواب: لا يجوز لمن دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة أن يصلي راتبة أو تحية المسجد بل يجب عليه أن يدخل مع الإمام في الصلاة الحاضرة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.
(1/111)
وهذا الحديث يعم صلاة الفجر وغيرها، ثم هو مخير إن شاء صلى الراتبة بعد الصلاة وإن شاء أخرها إلى ما بعد ارتفاع الشمس وهو الأفضل لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على هذا أو هذا. والله ولي التوفيق. [الاقتصار على تسليمة واحدة في الصلاة] 53 - أم بنا رجل فسلم بنا واحدة عن يمينه فهل يجوز الاقتصار على واحدة؟ وهل ورد في السنة شيء من ذلك؟ الجواب: ذهب الجمهور من أهل العلم إلى أن التسليمة الواحدة كافية لأنه قد ورد في بعض الأحاديث ما يدل على ذاك وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لابد من تسليمتين لثبوت الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «صلوا كما رأيتموني أصلي» رواه البخاري في صحيحه. وهذا القول هو الصواب. والقول بإجزاء التسليمة الواحدة ضعيف لضعف الأحاديث الواردة في ذلك وعدم صراحتها في المطلوب ولو صحت لكانت شاذة لأنها قد خالفت ما هو أصح منها وأثبت وأصرح لكن من فعل ذلك جاهلا أو معتقدا لصحة الأحاديث في ذلك فصلاته صحيحة. والله ولي التوفيق.
(1/112)
[حكم الركعة الزائدة لمسبوق صلى ركعتين مع الإمام وزاد الإمام ركعة] 54 - إذا دخل المسبوق مع الإمام فصلى معه ركعتين ثم تبين له أن الإمام قد صلى خمسا هل يعتد بالركعة الزائدة التي صلاها مع الإمام حيث يأتي بركعتين فقط أم لا يعتقد بها ويأتي بثلاث؟ الجواب: الصواب أنه لا يعتقد بها لأنها لاغية في الحكم الشرعي والواجب عدم متابعة الإمام عليها لمن علم أنها زائدة وعلى المسبوق ألا يعتد بها. وهذا المسئول عنه يجب أن يقضي ثلاث ركعات لكونه لم يدرك في الحقيقة إلا ركعة واحدة. والله ولي التوفيق.
55 - صلى الإمام بجماعته على غير وضوء نسيانا، فما حكم هذه الصلاة في الحالات الآتية: 1 - إذا تذكر أثناء الصلاة؟ 2 - إذا تذكر بعد السلام وقبل تفرق الجماعة؟ 3 - إذا تذكر بعد تفرق الجماعة؟ الجواب: إذا لم يذكر إلا بعد السلام فصلاة الجماعة صحيحة
(1/113)
وليس عليهم إعادة أما الإمام فعليه الإعادة. أما إن ذكر وهو في أثناء الصلاة فإنه يستخلف من يكمل بهم صلاتهم في أصح قولي العلماء لقصة عمر - رضي الله عنه - فإنه لما طعن استخلف عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - فأتم بهم الصلاة ولم يستأنف. وبالله التوفيق.
56 - ما حكم إمامة من يفعل شيئا من المعاصي: كشرب الدخان أو حلق اللحية أو إسبال الثياب أو نحو ذلك؟ الجواب: صلاته صحيحة إذا أداها كما شرع الله بإجماع أهل العلم، وهكذا صلاة من خلفه إذا كان إماما في أصح قولي العلماء. أما الكافر فلا تصح صلاته ولا صلاة من خلفه لفقد شرطها وهو الإسلام. والله ولي التوفيق.
(1/114)
57 - من المعروف أن موقف المأموم إذا كان واحدا عن يمين الإمام، فهل يشرع أن يتأخر عنه شيئا كما يلاحظ عند البعض؟ الجواب: المشروع للمأموم إذا كان واحدا أن يقف عن يمين الأمام مساويا له وليس في الأدلة الشرعية ما يدل على خلاف ذلك، والله ولي التوفيق.
(1/115)
سجود السهو
58 - إذا شك المصلي: هل صلى ثلاثا أم أربعا فماذا يفعل؟ الجواب: الواجب عليه مع الشك أن يبني على اليقين وهو الأقل وذلك بأن يجعلها ثلاثا في الصورة المذكورة ويأتي بالرابعة ثم يسجد للسهو ويسلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم -: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم ليسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وإن كان صلى تماما كانتا ترغيما للشيطان» أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه -. أما إن غلب على ظنه أحد الأمرين من النقص أو التمام فإنه يبني على غلبة ظنه ثم يسلم ثم يسجد سجدتين للسهو بعد السلام لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم يسلم ثم يسجد سجدتين بعد السلام» أخرجه البخاري في الصحيح من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -.
(1/116)
59 - بعض الأئمة يسجد للسهو بعد السلام، وبعضهم يسجد له قبل السلام، وبعضهم يسجد مرة قبل السلام وأخرى بعده. فمتى يشرع السجود قبل السلام؟ ومتى يشرع بعده؟ وهل ما يشرع فيه السجود قبل السلام أو بعده على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟ الجواب: الأمر واسع في ذلك فكلا الأمرين جائز وهما السجود قبل السلام وبعده؛ لأن الأحاديث جاءت بذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن الأفضل أن يكون السجود للسهو قبل السلام إلا في صورتين: إحداهما: إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر، فإن الأفضل أن يكون سجود السهو بعد إكمال الصلاة والسلام منها اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك؛ لأن النبي - صلى الله عيه وسلم - لما سلم عن نقص ركعتين في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وعن نقص ركعة في حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما - سجد للسهو بعد التمام والسلام. والصورة الثانية: إذا شك في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا في الرباعية أو اثنتين أو ثلاثا في المغرب أو واحدة أو اثنتين في
(1/117)
الفجر لكنه غلبت على ظنه أحد الأمرين وهو النقص أو التمام فإنه يبني على غالب ظنه ويكون سجوده بعد السلام على سبيل الأفضلية لحديث ابن مسعود المذكور في جواب 58. والله ولي التوفيق.
60 - إذا سها المسبوق فهل يسجد للسهو؟ ومتى يسجد له؟ وهل على المأموم سجود سهو إذا سها؟ الجواب: ليس على المأموم سجود سهو إذا سها وعليه أن يتابع إمامه إذا كان دخل معه من أول الصلاة. أما المسبوق فإنه يسجد للسهو إذا سها مع إمامه أو فيما انفرد به بعد إكماله الصلاة على التفصيل السابق في جواب السؤالين السابقين 58 و 59. والله الموفق.
61 - هل يشرع سجود السهو في المواضع الآتية: 1 - إذا قرأ في الأخيرتين من الرباعية مع الفاتحة ما تيسر من القرآن؟
(1/118)
2 - إذا قرأ في سجوده أو قال سبحان ربي العظيم بين السجدتين مثلا؟ 3 - إذا جهر في السرية أو أسر في الجهرية؟ الجواب: إذا قرأ في الأخيرتين من الرباعية أو إحداهما آية أو أكثر أو سورة ساهيا لم يشرع له السجود لأنه قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على أنه قد يقرأ زيادة على الفاتحة في الثالثة والرابعة من الظهر وقد ثبت أنه أثنى على الأمير الذي يقرأ في جميع ركعات صلاته بعد الفاتحة قل هو الله أحد ولكن المعروف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان لا يقرأ في الثالثة والرابعة سوى الفاتحة كما في الصحيحين من حديث أبي قتادة - رضي الله عنه -. وثبت عن الصديق - رضي الله عنه - أنه قرأ في الثالثة من صلاة المغرب بعد الفاتحة {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8] وكل هذا يدل على التوسعة في ذلك. أما من قرأ في الركوع أو السجود ساهيا فإنه يسجد للسهو لأنه لا يجوز له تعمد القراءة في الركوع والسجود لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عن ذلك فإذا قرأ ساهيا في الركوع أو السجود وجب عليه سجود السهو. وهكذا من سها في الركوع فقال سبحان
(1/119)
ربي الأعلى بدل سبحان ربي العظيم أو سها في السجود فقال: سبحان ربي العظيم بدل سبحان ربي الأعلى وجب عليه السجود لكونه ترك الواجب سهوا أما إن كان جمع بينهما في الركوع والسجود سهوا فإنه لا يجب عليه السجود. وإن سجد للسهو فلا بأس لعموم الأدلة. وهذا في حق الإمام والمنفرد والمسبوق. أما المأموم الذي كان مع الإمام من أول الصلاة فليس عليه سجود سهو في هذه المسائل وعليه أن يتبع إمامه وهكذا لو جهر في السرية أو أسر في الجهرية لم يلزمه السجود لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يسمعهم الآية بعض الأحيان في السرية. والله ولي التوفيق.
(1/120)
الجمع والقصر
62 - يتصور البعض أن الجمع والقصر متلازمان. فلا جمع بلا قصر ولا قصر بلا جمع فما رأيكم في ذلك؟ وهل الأفضل للمسافر القصر بلا جمع أو الجمع والقصر؟ الجواب: من شرع الله له القصر وهو المسافر جاز له الجمع ولكن ليس بينهما تلازم فله أن يقصر ولا يجمع. وترك الجمع أفضل، إذا كان المسافر نازلا غير ظاعن كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - في منى في حجة الوداع. فإنه قصر ولم يجمع وقد جمع بين القصر والجمع في غزوة تبوك فدل على التوسعة في ذلك، وكان صلى الله عليه وسلم - يقصر ويجمع إذا كان على ظهر سير غير مستقر في مكان. أما الجمع فأمره أوسع فإنه يجوز للمريض ويجوز أيضا للمسلمين في مساجدهم عند وجود المطر بين المغرب والعشاء، وبين الظهر والعصر ولا يجوز لهم القصر لأن القصر مختص بالسفر فقط. والله ولي التوفيق.
(1/121)
63 - إذا دخل الوقت وهو في الحضر ثم سافر قبل أداء الصلاة فهل يحق له القصر والجمع أم لا؟ وكذلك إذا صلى الظهر والعصر " مثلا " قصرا وجمعا ثم وصل إلى بلده في وقت العصر فهل فعله ذلك صحيح؟ وهو يعلم وقت القصر والجمع أنه سيصل إلى بلده في وقت الثانية. الجواب: إذا دخل على المسافر وقت الصلاة وهو في البلد ثم ارتحل قبل أن يصلي شرع له القصر إذا غادر معمور البلد في أصح قولي العلماء وهو قول الجمهور. وإذا جمع وقصر في السفر ثم قدم البلد قبل دخول وقت الثانية أو في وقت الثانية لم تلزمه الإعادة لكونه قد أدى الصلاة على الوجه الشرعي فإن صلى الثانية مع الناس صارت له نافلة. والله ولي التوفيق. [مسافة السفر المبيح للقصر وحكم القصر لمن نوى الإقامة أكثر من أربعة] أيام 64 - ما رأي سماحتكم في السفر المبيح للقصر هل هو محدد بمسافة معينة؟ وما ترون فيمن نوى إقامة في سفره أكثر من أربعة أيام هل يترخص بالقصر؟
(1/122)
الجواب: جمهور أهل العلم على أنه محدد بمسافة يوم وليلة للإبل والمشاة السير العادي وذلك يقارب 80 كيلا لأن هذه المسافة تعتبر سفرا عرفا بخلاف ما دونها. ويرى الجمهور أيضا أن من عزم على الإقامة أكثر من أربعة أيام وجب عليه الإتمام والصوم في رمضان. وإذا كانت المدة أقل من ذلك فله القصر والجمع والفطر؛ لأن الأصل في حق المقيم هو الإتمام وإنما يشرع له القصر إذا باشر السفر وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أنه أقام في حجة الوداع أربعة أيام يقصر الصلاة ثم ارتحل إلى منى وعرفات ". فدل ذلك على جواز القصر لمن عزم على الإقامة أربعة أيام أو أقل أما إقامته - صلى الله عليه وسلم - تسعة عشر يوما عام الفتح وعشرين يوما في تبوك فهي محمولة على أنه لم يجمع الإقامة وإنما أقام بسبب لا يدري متى يزول هكذا حمل الجمهور إقامته في مكة عام الفتح وفي تبوك عام غزوة تبوك احتياطا للدين وعملا بالأصل. وهو وجوب الصلاة أربعا في حق المقيمين للظهر والعصر والعشاء. أما إن لم يجمع إقامة بل لا يدري متى يرتحل فهذا له القصر والجمع والفطر حتى يجمع على إقامة أكثر من أربعة أيام أو يرجع إلى وطنه. والله ولي التوفيق.
(1/123)
65 - ما رأي سماحتكم في الجمع للمطر بين المغرب والعشاء في الوقت الحاضر في المدن والشوارع معبدة ومرصوفة ومنارة إذا لا مشقة ولا وحل؟ الجواب: لا حرج والجمع بين المغرب والعشاء ولا بين الظهر والعصر في أصح قولي العلماء للمطر الذي يشق معه الخروج إلى المساجد، وهكذا الدحض والسيول الجارية في الأسواق لما في ذلك من المشقة. والأصل في ذلك ما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع في المدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء» . زاد مسلم في روايته من غير خوف ولا مطر ولا سفر. فدل ذلك على أنه استقر عند الصحابة رضي الله عنهم أن الخوف والمطر عذر في الجمع كالسفر لكن لا يجوز القصر في هذه الحال وإنما يجوز الجمع فقط لكونهم مقيمين لا مسافرين والقصر من رخص السفر الخاصة. والله ولي التوفيق.
(1/124)
66 - هل النية شرط لجواز الجمع؟ فكثير ما يصلون المغرب بدون نية الجمع وبعد صلاة المغرب يتشاور الجماعة فيرون الجمع ثم يصلون العشاء؟ الجواب: اختلف العلماء في ذلك والراجح أن النية ليست بشرط عند افتتاح الصلاة الأولى، بل يجوز الجمع بعد الفراغ من الأولى إذا وجد شرطه من خوف أو مرض أو مطر. والله الموفق.
67 - الموالاة بين الصلاتين إذا قد يتأخرون مدة تعتبر فصلا بين الصلاتين ويجمعون فما الحكم في ذلك؟ الجواب: الواجب في جمع التقديم الموالاة بين الصلاتين ولا بأس بالفصل اليسير عرفا لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «صلوا كما رأيتموني أصلي» والصواب أن النية ليست بشرط كما تقدم في جواب السؤال السابق رقم 66. أما جمع التأخير فالأمر فيه واسع لأن الثانية تفعل في وقتها ولكن الأفضل هو الموالاة بينهما تأسيا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك. والله ولي التوفيق.
(1/125)
68 - إذا كنا مسافرين ومررنا بمسجد وقت الظهر - مثلا - فهل المستحب لنا أن نصلي الظهر مع الجماعة ثم نصلي العصر قصرا أم نصلي لوحدنا؟ وهل إذا صلينا مع الجماعة وأردنا صلاة العصر نقوم مباشرة بعد السلام لأجل الموالاة. أم نذكر الله ونسبحه ونهلل ثم نصلي العصر؟ الجواب: الأفضل أن تصلوا وحدكم قصرا لأن السنة للمسافر قصر الصلاة الرباعية فإن صليتم مع المقيمين وجب عليكم الإتمام كما صحت بذلك السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا أردتم الجمع فالمشروع لكم البدار بذلك عملا بالسنة كما تقدم في جواب السؤال رقم 67 بعد الاستغفار ثلاثا وقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. لكن إذا كان المسافر واحدا فإنه يجب عليه أن يصلي مع الجماعة المقيمين ويتم الصلاة لأن أداء الصلاة في الجماعة من الواجبات وقصر الصلاة مستحب فالواجب تقديم الواجب على المستحب. وبالله التوفيق.
(1/126)
[حكم صلاة المقيم خلف المسافر وحكم القصر للمسافر سواء كان إماما أم] مأموما 69 - ما حكم المقيم خلف المسافر أو العكس، وهل يحق للمسافر القصر حينئذ سواء كان إماما أو مأموما؟ الجواب: صلاة المسافر خلف المقيم وصلاة المقيم خلف المسافر كلتاهما لا حرج فيها لكن إن كان المأموم هو المسافر والإمام وهو المقيم وجب عليه الائتمام تبعا لإمامه لما ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه سئل عن صلاة المسافر خلف المقيم أربعا فأجاب بأن ذلك هو السنة. أما إن صلى المقيم خلف المسافر في الصلاة الرباعية فإنه يتم صلاته إذا سلم إمامه. [حضر جماعة عند الجمع بين المغرب والعشاء للمطر والإمام يصلي العشاء] فصلى خلفه ظانا أنه المغرب 70 - قد يحصل في الجمع بين المغرب والعشاء " للمطر " أن يحضر بعض الجماعة والإمام يصلي العشاء فيدخلون مع الإمام ظانين أنه يصلي المغرب فماذا عليهم؟ الجواب: عليهم أن يجلسوا بعد الثالثة ويقرءوا التشهد والدعاء ثم يسلموا معه. ثم يصلون العشاء بعد ذلك تحصيلا لفضل الجماعة وأداء للترتيب الواجب وإن كان قد سبقهم بواحدة صفوا معه الباقي بنية المغرب وأجزأتهم عن المغرب.
(1/127)
وإن كان سبقهم بأكثر صلوا معه ما أدركوا ثم قضوا ما بقي عليهم، وهكذا لو علموا أنه في العشاء فإنهم يدخلون معه بنية المغرب ويعملون ما ذكرنا ثم يصلون العشاء بعد ذلك في أصح قولي العلماء.
71 - اختلفوا في أفضلية فعل السنن الرواتب مع القصر في السفر فمن قائل يستحب فعلها ومن قائل لا تستحب وقد قصرت الفريضة فماذا ترون في ذلك؟ وكذا في فعل النوافل المطلقة كصلاة الليل. الجواب: السنة للمسافر ترك راتبة الظهر والمغرب والعشاء مع الإتيان بسنة الفجر تأسيا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك وهكذا يشرع له التهجد في الليل والوتر في السفر لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك وهكذا جميع الصلوات المطلقة وذوات الأسباب كسنة الضحى وسنة الوضوء وصلاة الكسوف وهكذا يشرع له سجود التلاوة وتحية المسجد إذا دخل المسجد للصلاة أو لغرض آخر فإنه يصلي التحية.
(1/128)
مسائل متفرقة
72 - هل يشترط لسجود التلاوة طهارة؟ وهل يكبر إذا خفض ورفع سواء كان في الصلاة أو خارجها؟ وماذا يقال في هذا السجود؟ وهل ما ورد من الدعاء فيه صحيح؟ وهل يشرع السلام من هذا السجود إذا كان خارج الصلاة؟ الجواب: سجود التلاوة لا تشترط له الطهارة في أصح قولي العلماء وليس فيه تسليم ولا تكبير عند الرفع منه في أصح قولي أهل العلم. ويشرع فيه التكبير عند السجود لأنه قد ثبت من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - ما يدل على ذلك. أما إذا كان سجود التلاوة في الصلاة فإنه يجب فيه التكبير عند الخفض والرفع لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك في الصلاة في كل خفض ورفع، وقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» . رواه البخاري في صحيحه ويشرع في سجود التلاوة من الذكر والدعاء ما يشرع في سجود الصلاة لعموم الأحاديث ومن ذلك «اللهم لك سجدت
(1/129)
وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته فتبارك الله أحسن الخالقين» . روى ذلك مسلم في صحيحه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول هذا الذكر في سجود الصلاة من حديث علي رضي الله عنه - وقد سبق آنفا أنه يشرع في سجود التلاوة ما يشرع في سجود الصلاة وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه دعا في سجود التلاوة بقوله: «اللهم اكتب لي بها عندك أجرا وامح عني بها وزرا واجعلها لي عندك ذخرا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود عليه السلام» . والواجب في ذلك قول: سبحان ربي الأعلى كالواجب في سجود الصلاة وما زاد عن ذلك من الذكر والدعاء فهو مستحب وسجود التلاوة في الصلاة، وخارجها سنة وليس بواجب لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث زيد بن ثابت ما يدل على ذلك، وثبت عن عمر رضي الله عنه - ما يدل على ذلك أيضا والله ولي التوفيق.
73 - قد يحدث كسوف الشمس بعد العصر فهل تصلى صلاة الكسوف في وقت النهي؟ وكذا تحية المسجد؟ الجواب: في المسألتين خلاف بين أهل العلم والصواب جواز ذلك
(1/130)
بل شرعيته؛ لأن صلاة الكسوف وتحية المسجد من ذوات الأسباب والصواب شرعيتها. في وقت النهي بعد العصر وبعد الصبح كبقية الأوقات لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم» متفق على صحته. ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» . متفق على صحته. وهكذا ركعتا الطواف إذا طاف المسلم بعد الصبح أو العصر لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار» . رواه الإمام أحمد وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح عن جبير بن مطعم رضي الله عنه. والله الموفق.
74 - ما المراد بدبر الصلاة في الأحاديث التي ورد فيها الحث على الدعاء أو الذكر دبر كل صلاة؟ هل هو آخر الصلاة أو بعد السلام؟ الجواب: دبر الصلاة يطلق على آخرها قبل السلام ويطلق على
(1/131)
ما بعد السلام مباشرة وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بذلك وأكثرها يدل على أن المراد آخرها قبل السلام فيما يتعلق بالدعاء كحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - لما علمه الرسول - صلى الله عليه وسلم - التشهد ثم قال: «ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو» وفي لفظ «ثم ليختر من المسألة ما شاء» متفق على صحته. ومن ذلك حديث معاذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: «لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد صحيح، ومن ذلك ما رواه البخاري رحمه الله عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في دبر كل صلاة: " اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا ومن عذاب القبر» . أما الأذكار الواردة في ذلك فقد دلت الأحاديث الصحيحة على أنها تقال في دبر الصلاة بعد السلام ومن ذلك أن يقول حين يسلم: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله. اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا ثم ينصرف الإمام بعد ذلك إلى المأمومين ويعطيهم وجهه ويقول الإمام والمأموم والمنفرد بعد هذا الذكر والاستغفار لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء
(1/132)
قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله. لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كرة الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد. ويستحب أن يقول المسلم والمسلمة هذا الذكر بعد كل صلاة من الصلوات الخمس ثم يسبح الله ويحمده ويكبره ثلاثا وثلاثين مرة ثم يقول تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على شيء قدير. وهذا كله قد ثبتت به الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويستحب أن يقرأ بعد ذلك آية الكرسي مرة واحدة سرا ويقرأ قل هو الله أحد، والمعوذتين بعد كل صلاة سرا مرة واحدة إلا في المغرب والفجر فيستحب له أن يكرر قراءة السور الثلاث المذكورة ثلاث مرات ويستحب أيضا للمسلم والمسلمة بعد صلاة المغرب والفجر أن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات زيادة على ما تقدم قبل قراءة آية الكرسي وقبل قراءة السور الثلاث عملا بالأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك. والله ولي التوفيق.
(1/133)
75 - ما حكم الذكر الجماعي بعد الصلاة على وتيرة واحدة كما يفعله البعض وهل السنة الجهر بالذكر أو الإسرار؟ الجواب: السنة الجهر بالذكر عقب الصلوات الخمس وعقب صلاة الجمعة بعد التسليم لما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته. أما كونه جماعيا بحيث يتحرى كل واحد نطق الآخر من أوله إلى آخره وتقليده في ذلك فهذا لا أصل له بل هو بدعة وإنما المشروع أن يذكروا الله جميعا بغير قصد لتلاقي الأصوات بدءا ونهاية. والله ولي التوفيق.
76 - إذا تكلم الإنسان في الصلاة نسيانا فهل تبطل صلاته؟ الجواب: إذا تكلم المسلم في الصلاة ناسيا أو جاهلا لم تبطل صلاته بذلك فرضا كانت أم نفلا لقول الله - سبحانه -:
(1/134)
{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] وثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أن الله - سبحانه - قال: قد فعلت» . وفي صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي - رضي الله عنه - أنه شمت عاطسا في الصلاة جهلا بالحكم الشرعي فأنكر عليه من حوله ذلك بالإشارة فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فلم يأمره بالإعادة والناسي مثل الجاهل وأولى, ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تكلم في الصلاة ناسيا فلم يعدها - عليه الصلاة والسلام - بل كملها كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين وكما في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود وعمران بن حصين - رضي الله عنهما -. أما الإشارة في الصلاة فلا حرج فيها إذا دعت الحاجة إليها. والله ولي التوفيق.
(1/135)
الزكاة
(1/137)
1 - ما حكم تارك الزكاة؟ وهل هناك فرق بين من تركها جحودا أو بخلا أو تهاونا؟ الجواب: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه وبعد: ففي حكم تارك الزكاة تفصيل. . فإن كان تركها جحدا لوجوبها مع توافر شروط وجوبها عليه كفر بذلك إجماعا ولو زكى مادام جاحدا لوجوبها. أما إن تركها بخلا أو تكاسلا فإنه يعتبر بذلك فاسقا، قد ارتكب كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، وهو تحت مشيئة الله إن مات على ذلك لقول الله - سبحانه -: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وقد دل القرآن الكريم والسنة المطهرة المتواترة على أن تارك الزكاة يعذب يوم القيامة بأمواله التي ترك زكاتها، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وهذا الوعيد في حق من ليس جاحدا لوجوبها، قال الله سبحانه في سورة التوبة: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ - يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 34 - 35] ودلت الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما دل عليه القرآن الكريم في حق من لم يزك الذهب
(1/139)
والفضة. كما دلت على تعذيب من لم يزك ما عنده من بهيمة الأنعام - الإبل والبقر والغنم - وأنه يعذب بها نفسها يوم القيامة. وحكم من ترك زكاة العملة الورقية وعروض التجارة حكم من ترك زكاة الذهب والفضة؛ لأنها حلت محلها وقامت مقامها. أما الجاحدون لوجوب الزكاة فإن حكمهم حكم الكفرة، ويحشرون معهم إلى النار، وعذابهم فيها مستمر أبد الآباد كسائر الكفرة، لقول الله - عز وجل - في حقهم وأمثالهم في سورة البقرة: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة: 167] وقال في سورة المائدة: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [المائدة: 37] والأدلة في ذلك كثيرة من الكتاب والسنة.
2 - رجل عنده عدد من أنواع المواشي لكن لا يبلغ كل نوع منها نصابا بمفرده , فهل فيها زكاة؟ وإن كان كذلك فكيف يخرجها؟ الجواب: المواشي من الإبل والبقر والغنم لها نصب معلومة لا تجب فيها الزكاة حتى تبلغها مع توافر الشروط التي من جملتها أن تكون الإبل والبقر والغنم سائمة، وهي الراعية جميع الحول أو أكثره، فإذا كان نصاب الإبل أو البقر أو الغنم لم يكمل فلا زكاة
(1/140)
فيها، ولا يضم بعضها إلى بعض، فلو كان عند إنسان ثلاث من الإبل للقنية، وعشرون من الغنم للقنية، وعشرون من البقر للقنية ولم يضم بعضها إلى بعض لأن كل جنس منها لم يبلغ النصاب. أما إذا كانت للتجارة فإنه يضم بعضها إلى بعض، لأنها والحال ما ذكر تعتبر من عروض التجارة، وتزكى زكاة النقدين. كما نص على ذلك أهل العلم. والأدلة في ذلك واضحة لمن تأملها.
3 - هل يجوز للرجلين أو الثلاثة أن يجمعوا مواشيهم من أجل الزكاة؟ الجواب: لا يحوز جمع الأموال الزكوية أو تفريقها من أجل الفرار من الزكاة أو من أجل نقص الواجب فيها، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح «لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة» خرجه البخاري في صحيحه. فلو كان عند رجل أربعون من الغنم ففرقها حتى لا تجب فيها الزكاة، لم تسقط عنه الزكاة، ويكون بذلك آثما لكونه متحيلا في ذلك على إسقاط ما أوجب الله. وهكذا جمع المتفرق خشية الصدقة لا يجوز, فلو كان لرجل غنم أو إبل أو بقر تبلغ النصاب فضمها إلى إبل أو بقر أو غنم رجل آخر ينقص الواجب عنهما بسبب الخلطة التي لا أساس لها؛ وإنما
(1/141)
اختلطا لقصد نقص الواجب عند مجيء عامل الزكاة، لم يسقط عنهما الواجب، وكانا بذلك آثمين، وعليهما إخراج بقية الواجب. فلو كان لأحدهما أربعون من الغنم، وللآخر ستون من الغنم فاختلطا عند مجيء العامل حتى لا تجب عليهما إلا شاة واحدة لم ينفعهما هذا الاختلاط، ولم يسقط عنهما بقية الواجب لكونه حيلة محرمة، وعليهما شاة أخرى تدفع للفقراء. خمسا قيمتها على صاحب الأربعين، وثلاثة أخماسها على صاحب الستين. وهكذا الشاة التي سلما للعامل بينهما على هذه النسبة. وعليهما التوبة إلى الله - سبحانه - وعدم العودة إلى مثل هذه الحيلة. أما إذا كانت الخلطة للتعاون بينهما وليست حيلة على إسقاط الواجب أو نقصه فلا بأس بها، إذا توافرت شروطها الموضحة في كتب أهل العلم، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح المذكور آنفا: «وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية» .
4 - رجل عنده مائة من الإبل لكن أغلب السنة يعلفها. . فهل فيها زكاة؟ الجواب: إذا كانت الماشية من الإبل أو البقر أو الغنم ليست سائمة جميع الحول أو أكثره، فإنها لا تجب فيها الزكاة لأن النبي -
(1/142)
- صلى الله عليه وسلم - شرط في وجوب الزكاة فيها أن تكون سائمة، فإذا أعلفها صاحبها غالب الحول أو نصف الحول فلا زكاة فيها إلا أن تكون للتجارة؛ فإنها تجب فيها زكاة التجارة، وتكون بذلك من عروض التجارة: كالأراضي المعدة للبيع، والسيارات، ونحوها. إذا بلغت قيمة الموجود منها نصاب الذهب أو الفضة. كما تقدم. [الضابط في تقدير الفقير الذي يعطى من الزكاة وحكم إخراجها مرة أخرى] إذا تبين للمعطي أنه وضعها في غير مستحقها 5 - يختلف تقدير الفقير الذي يعطى من الزكاة من وقت لآخر فما هو الضابط لذلك، وإذا تبين للمعطي أنه وضعها في غير مستحقها فهل يخرجها مرة أخرى؟ الجواب: يعطي الفقير من الزكاة قدر كفايته لسنة كاملة، وإذا تبين لدافع الزكاة أن المعطى ليس فقيرا لم يلزمه القضاء إذا كان المعطى ظاهره الفقر للحديث الصحيح الوارد في ذلك، وهو أن رجلا ممن كان قبلنا أعطى إنسانا صدقة يظنه فقيرا، فرأى في النوم أنه غني، فقال: " اللهم لك الحمد على غني" وقد أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك وأخبر أن صدقته قد قبلت. وقد تقرر في الأصول: أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يأت شرعنا بخلافه , ولأنه - صلى الله عليه وسلم - تقدم إليه شخصان يطلبان الصدقة فرآهما جلدين , فقال: «إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب» ولأن التأكد من حاجة الفقير من كل
(1/143)
الوجوه فيه صعوبة ومشقة، فاكتفي في ذلك بظاهر الحال، ودعوى المعطى أنه فقير إذ لم يتبين لدافع الزكاة خلاف ذلك مع بيان الحكم الشرعي له إذا كان ظاهره القوة على الكسب للحديث المذكور.
6 - رجل في بلد غير بلده وسرقت دراهمه، فهل يعطى من الزكاة بالرغم من أن المعاملات المالية تيسرت في الوقت الحاضر؟ الجواب: هذا المسئول عنه يعتبر من أبناء السبيل، فإذا ادعى الحاجة أو ضياع النفقة أو سرقتها، فإنه يعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده ولو كان غنيا في بلده. [إعطاء الزكاة للمجاهدين المسلمين] 7 - يشكك بعض الناس في إعطاء الزكاة للمجاهدين المسلمين في البوسنة والهرسك وأمثالهم. فما رأي سماحتكم في ذلك؟ وهل الأولى في هذا الوقت أن تعطى لهم، أو القائمين على المراكز الإسلامية في أنحاء العالم؟ أو فقراء البلد نفسه، ولو كانت حاجة أولئك أكثر؟ الجواب: المسلمون في البوسنة والهرسك مستحقون للزكاة:
(1/144)
لفقرهم، وجهادهم، ولكونهم مظلومين، وبحاجة إلى النصر، وتأليف القلوب. وهم من أحق الناس بالزكاة. . وهكذا أمثالهم. وهكذا القائمون على المراكز الإسلامية بالتعليم والدعوة إلى الله إذا كانوا فقراء، وهكذا فقراء المسلمين في العالم يستحقون من إخوانهم الأغنياء أن يواسوهم، ويعطفوا عليهم رحمة لهم، وتأليفا لقلوبهم، وتثبيتا لهم على الإسلام على أن يكون الدفع لهم بواسطة الثقاة الأمناء، وهم جديرون أيضا بالعطف والمساعدة من غير الزكاة للأسباب المذكورة، لكن فقراء البلد التي فيها المزكي أولى من غيرهم بالزكاة إذ لم يوجد لهم ما يسد حاجتهم؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث معاذ لما بعثه إلى اليمن: «ادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك: فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم» متفق على صحته.
8 - من المعلوم أنه حصل خلاف بين أهل العلم في إخراج زكاة الحلي الملبوس أو المعد للبس أو العارية؟ فما رأي سماحتكم في ذلك؟ وعلى فرض القول بوجوب الزكاة في ذلك فهل فيه نصاب؟ وإن كان فيه نصاب فيظهر من الأحاديث الدالة على الوجوب في
(1/145)
الحلي التي توعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيها بالنار. أنها لا تبلغ نصابا. . فكيف يجاب عن ذلك؟ الجواب: في وجوب زكاة الحلي الملبوس أو المعد للبس أو العارية من الذهب والفضة خلاف مشهور بين العلماء، والأرجح وجوبها فيه لعموم الأدلة في وجوب الزكاة في الذهب والفضة، ولما ثبت من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - «أن امرأة دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي يد ابنتها مسكتان من ذهب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أتعطين زكاة هذا؟ فقالت: لا. فقال - صلى الله عليه وسلم -: " أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار"؟ فألقتهما، وقالت: هما لله ولرسوله» . ولما ثبت من حديث أم سلمة - رضي الله عنها - أنها كانت تلبس أوضاحا من ذهب، فقالت: يا رسول الله أكنز هو؟ فقال - عليه الصلاة والسلام -: «ما بلغ أن يزكى، فزكي، فليس بكنز» ولم يقل لها - صلى الله عليه وسلم -: إن الحلي ليس فيه زكاة. وكل هذه الأحاديث محمولة على الحلي التي تبلغ النصاب جمعا بينها وبين بقية الأدلة؛ لأن الأحاديث يفسر بعضها بعضا، كما أن الآيات القرآنية يفسر بعضها بعضا. وكما أن الأحاديث تفسر الآيات، وتخص عامها، وتقيد مطلقها؛ لأن الجميع من عند الله سبحانه، وما كان من عند الله فإنه لا يتناقض، بل يصدق بعضه بعضا. ويفسر بعضه يعضا. وهكذا لا بد من تمام الحول كسائر
(1/146)
أموال الزكاة: من النقود، وعروض التجارة، وبهيمة الأنعام. . والله ولي التوفيق.
9 - يرد بعض الفقهاء وجوب زكاة الحلي المعد للاستعمال بعدم انتشار ذلك بين الصحابة، والتابعين؛ مع أنه مما لا يخلو منه بيت تقريبا، فهو كالصلاة في وجوبها، وتحديد أوقاتها، وكذا الزكاة عموما بوجوبها وتحديد أنصبتها. . إلخ. وبالرغم من ذلك فقد ثبت عن بعض الصحابة القول بعدم الوجوب كعائشة - رضي الله عنها - وابن عمر - رضى الله عنهما - وغيرهما، فكيف يجاب عن ذلك؟ الجواب: هذه المسألة كغيرها من مسائل الخلاف المعول فيها وفي غيرها على الدليل، فمتى وجد الدليل الذي يفصل النزاع وجب الأخذ به، لقول الله - سبحانه -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] وقوله - عز وجل -: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10] ولا يضر من عرف الحكم الشرعي وقال به من خالفه من أهل العلم. وقد تقرر
(1/147)
في الشريعة أن من أصاب الحكم من المجتهدين المؤهلين فله أجران. . ومن أخطأ فله أجر على الصواب، وقد صح بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحاكم إذا اجتهد، وبقية المجتهدين من أهل العلم بشرع الله حكمهم حكم الحاكم المجتهد في هذا المعنى. وهذه المسألة قد اختلف فيها العلماء من الصحابة ومن بعدهم، كغيرها من مسائل الخلاف، فالواجب على أهل العلم فيها وفي غيرها بذل الوسع في معرفة الحق بدليله، ولا يضر من أصاب الحق من خالفه في ذلك. وعلى كل واحد من أهل العلم أن يحسن الظن بأخيه وأن يحمله على أحسن المحامل، وإن خالفه في الرأي ما لم يتضح من المخالف تعمده مخالفة الحق، والله ولي التوفيق.
10 - رجل يتعامل بأنواع من التجارة كتجارة الألبسة والأواني وغيرها. فكيف يخرج زكاتها؟ الجواب: يجب عليه إخراج الزكاة إذ تم الحول على العروض التي عنده المعدة للتجارة إذا بلغت قيمتها النصاب من الذهب أو الفضة للأحاديث الواردة في ذلك، ومنها حديث سمرة بن جندب وأبي ذر الغفاري رضي الله عنهما.
(1/148)
11 - انتشر في الوقت الحاضر الاكتتاب في الشركات عن طريق الأسهم، فهل في هذه الأسهم زكاة، وكيف تخرج؟ الجواب: على أصحاب الأسهم المعدة للتجارة إخراج زكاتها إذا حال عليها الحول كسائر العروض من الأراضي والسيارات وغيرها. . أما إن كانت للمساهمة في أموال معدة للتأجير لا للبيع كالأراضي والسيارات فإنها لا زكاة فيها، وإنما الزكاة تكون في الأجرة إذا حال عليها الحول، وبلغت النصاب كسائر النقود، والله ولي التوفيق.
12 - رجل يعتمد في دخله على المرتب الشهري فيصرف بعضه ويوفر البعض الآخر فكيف يخرج زكاة هذا المال؟ الجواب: عليه أن يضبط بالكتابة ما يدخره من مرتباته، ثم يزكيه إذا حال عليه الحول. . كل وافر شهر يزكى إذا حال عليه الحول. . وإن زكى الجميع تبعا للشهر الأول فلا بأس، وله أجر ذلك، وتعتبر الزكاة معجلة عن الوفر الذي لم يحل عليه الحول، ولا مانع من تعجيل الزكاة إذا رأى المزكي المصلحة في ذلك. أما تأخيرها بعد تمام الحول فلا يجوز إلا لعذر شرعي: كغيبة المال، أو غيبة الفقراء.
(1/149)
13 - توفي رجل وخلف أموالا وأيتاما فهل في هذه الأموال زكاة؟ وإن كان كذلك فمن يخرجها؟ الجواب: تجب الزكاة في أموال اليتامى من النقود، والعروض المعدة للتجارة، وفي بهيمة الأنعام السائمة، وفي الحبوب والثمار التي تجب فيها الزكاة، وعلى ولي الأيتام أن يخرجها في وقتها، فإن لم يكن لهم ولي من جهة والدهم المتوفى، وجب رفع الأمر إلى المحكمة حتى تعين لهم وليا يتولى شئونهم وشئون أموالهم، وعليه في ذلك تقوى الله والعمل بما فيه صلاحهم وصلاح أموالهم، لقول الله - سبحانه -: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة: 220] وقوله - سبحانه -: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152] والآيات في هذا المعنى كثيرة ويعتبر الحول في أموالهم من حين مات والدهم لأنها بموته دخلت في ملكهم. والله ولي التوفيق. [حكم الزكاة في أنواع المصوغات كالألماس والبلاتين وغيرهما المعدة للبس] وغيره 14 - تعددت في هذا الوقت أنواع المصوغات كالألماس والبلاتين وغيرهما المعدة للبس وغيره، فهل فيها زكاة؟ وإن كانت على شكل أوان للزينة أو الاستعمال؟ أفيدونا أثابكم الله؟
(1/150)
الجواب: إن كانت المصوغات من الذهب والفضة ففيها زكاة، إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول، ولو كانت للبس أو العارية في أصح قولي العلماء لأحاديث صحيحة وردت في ذلك، أما إن كانت من غير الذهب والفضة كالماس والعقيق، ونحو ذلك فلا زكاة فيها إلا إذا أريد بها التجارة، فإنها تكون حينئذ من جملة عروض التجارة، فتجب فيها الزكاة كغيرها من عروض التجارة، ولا يجوز اتخاذ الأواني من الذهب والفضة ولو للزينة؛ لأن اتخاذها للزينة وسيلة إلى استعمالها في الأكل والشرب وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحفها، فإنها لهم - يعني الكفار - في الدنيا ولكم في الآخرة» متفق على صحته. وعلى من اتخذها زكاتها مع التوبة إلى الله عز وجل، وعليه أيضا أن يغيرها من الأواني إلى أنواع أخرى لا تشبه الأواني: كالحلي، ونحوه.
15 - هناك بعض المزارع يعتمد أصحابها في الزراعة على الأمطار، فهل في محصول هذه الزراعة زكاة؟ وهل يختلف عن غيره الذي يسقي بالمكائن والمواطير؟ الجواب: ما يسقى بالأمطار والأنهار والعيون الجارية من الحبوب والثمار: كالتمر، والزبيب، والحنطة، والشعير، ففيه العشر. وما
(1/151)
يسقى بالمكائن وغيرها ففيه نصف العشر، لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «فيما سقت السماء العشر، وفيما سقي بالسواقي أو النضح نصف العشر» رواه البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
16 - تنتج بعض المزارع أنواعا من الفواكه والخضراوات فهل فيها زكاة؟ وما هي الأشياء المزروعة التي تدخلها الزكاة؟ الجواب: ليس في الفواكه ونحوها من الخضراوات التي لا تكال ولا تدخر كالبطيخ والرمان ونحوهما زكاة إلا إذا كانت للتجارة، فإنه يزكي ما حال عليه الحول من قيمتها إذا بلغت النصاب، كسائر عروض التجارة. وإنما تجب الزكاة في الحبوب والثمار التي تكال وتدخر: كالتمر, والزبيب، والحنطة، والشعير، ونحو ذلك. لعموم قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «ليس فيما دون خمسة أوسق من تمر ولا حب صدقة» متفق على صحته فدل على وجوبها فيما بلغ ذلك من الحبوب التي تكال وتدخر. ولأن أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - الزكاة من الحنطة والشعير يدل على وجوبها في أمثالها، والله ولي التوفيق.
(1/152)
17 - اختلفت المكاييل التي تعرف بها الأنصبة في الزكاة فما هو المعتمد في معرفتها في هذا الوقت حيث تجد اختلافا بين علمائنا المعاصرين في تحديدها؟ الجواب: العمدة في ذلك على صاع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو خمسة أرطال وثلث بالعراقي, وأربع حفنات باليدين المعتدلين المملؤتين. كما نص على أهل العلم وأئمة اللغة، والله ولي التوفيق.
18 - كثير من الناس يتعامل مع البنوك وقد يدخل في هذه المعاملات معاملات محرمة: كالربا مثلا، فهل في هذه الأموال زكاة، وكيف تخرج؟ الجواب: يحرم التعامل بالربا مع البنوك وغيرها، وجميع الفوائد الناتجة عن الربا كلها محرمة، وليست مالا لصاحبها، بل يجب صرفها في وجوه الخير إذا كان قد قبضها وهو يعلم حكم الله في ذلك، أما إن كان لم يفي ذلك، أما إن كان لم يقبضها فليس له إلا رأس ماله لقول الله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ - فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278 - 279]
(1/153)
أما إن كان قد قبضها قبل أن يعرف حكم الله في ذلك فهي له، ولا يجب عليه إخراجها من ماله، لقول الله - عز وجل -: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275] وعليه زكاة أمواله التي ليست من أرباح الربا كسائر أمواله التي يجب فيها الزكاة، ويدخل في ذلك ما دخل عليه من أرباح الربا قبل العلم، فإنها من جملة ماله للآية المذكورة، والله ولي التوفيق.
19 - ما حكم صدقة الفطر؟ وهل يلزم فيها النصاب؟ وهل الأنواع التي تخرج محددة؟ وإن كانت كذلك فما هي؟ وهل تلزم الرجل عن أهل بيته بما فيهم الزوجة والخادم؟ الجواب: زكاة الفطر فرض على كل مسلم صغير أو كبير ذكر أو أنثى حر أو عبد، لما ثبت عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: «فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر: صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على الذكر والأنثى، والصغير والكبير، والحر والعبد من المسلمين، وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس للصلاة» متفق على صحته.
(1/154)
وليس لها نصاب، بل يجب على المسلم إخراجها عن نفسه وأهل بيته: من أولاده، وزوجات، ومماليكه، إذا فضلت عن قوته وقوتهم يومه وليلته. أما الخادم المستأجر فزكاته على نفسه إلا أن يتبرع بها المستأجر أو تشترط عليه أما الخادم المملوك فزكاته على سيده، كما تقدم في الحديث. والواجب إخراجها من قوت البلد سواء كان: تمرا، أو شعيرا، أو برا، أو ذرة، أو غير ذلك، في أصح قولي العلماء، ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لم يشترط في ذلك نوعا معينا، ولأنها مواساة، وليس على المسلم أن يواسي من غير قوته.
20 - ما حكم إخراج صدقة الفطر للمجاهدين في البوسنة والهرسك وغيرها وإن كان الحكم بالجواز، فما هو الأفضل في ذلك؟ الجواب: المشروع إخراجها في فقراء المسلمين في البلد التي فيها المزكي لأنهم أحوج إليها غالبا، ولأنها مواساة لهم حتى يستغنوا بها عن السؤال أيام العيد، وإن نقلت إلى غيرهم من فقراء أجزأت، في أصح قولي العلماء، لأنها بلغت محلها، لكن صرفها في فقراء البلد أولى وأفضل وأحوط.
(1/155)
ويجوز التوكل في دفعها للفقراء في البلاد وخارجها إذ كان الوكيل ثقة كزكاة المال، ويجوز توكيله في شراء الطعام المجزئ وتوزيعه على الفقراء، والله ولي التوفيق.
(1/156)
الصيام
(1/157)
1 - على من يجب صيام رمضان. . وما فضل صيام التطوع؟ الجواب: يجب صوم رمضان على كل مسلم مكلف من الرجال والنساء ويستحب لمن بلغ سبعا فأكثر وأطاقه من الذكور والإناث، ويجب على أولياء أمورهم أمرهم بذلك إذا أطاقوه كما يأمرونهم بالصلاة والأصل في هذا قول الله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ - أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 183 - 184] إلى أن قال سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت» متفق على صحته من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وقوله - صلى الله عليه وسلم - لما سأله جبرائيل عن الإسلام قال: «أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا» خرجه مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وأخرج معناه الشيخان من حديث أبي
(1/159)
هريرة رضي الله عنه. وفي الصحيحين عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» ، وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «يقول الله - عز وجل -: كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» . متفق على صحته والأحاديث في فضل صوم رمضان وفي فضل الصوم مطلقا كثيرة معلومة. والله ولي التوفيق.
2 - هل يؤمر الصبي المميز بالصيام. . وهل يجزئ عنه لو بلغ في أثناء الصيام؟ الجواب: سبق في جواب السؤال الأول أن الصبيان والفتيات إذا بلغوا سبعا فأكثر يؤمرون بالصيام ليعتادوه، وعلى أولياء أمورهم أن يأمروهم بذلك كما يأمرونهم بالصلاة، فإذا بلغوا الحلم وجب عليهم الصوم، وإذا بلغوا في أثناء النهار أجزأهم ذلك اليوم، فلو فرض أن الصبي أكمل الخامسة عشرة عند الزوال وهو صائم ذلك اليوم أجزأه ذلك، وكان أول النهار نفلا وآخره فريضة إذا لم يكن بلغ قبل ذلك بإنبات الشعر الخشن حول الفرج وهو المسمى العانة، أو
(1/160)
بإنزال المني عن شهوة. وهكذا الفتاة الحكم فيهما سواء، إلا أن، الفتاة تزيد أمرا رابعا يحصل به البلوغ وهو الحيض.
3 - أيهما أفضل للمسافر الفطر أم الصيام وخاصة السفر الذي لا مشقة فيه كالسفر في الطائرة أو الوسائل الحديثة الأخرى؟ الجواب: الأفضل للصائم الفطر في السفر مطلقا، ومن صام فلا حرج عليه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت عنه هذا وهذا، وهكذا الصحابة رضي الله عنهم، لكن إذا اشتد الحر، وعظمت المشقة، تأكد الفطر وكره الصوم للمسافر لأنه - صلى الله عليه وسلم - لما رأى رجلا قد ظلل عليه في السفر من شدة الحر وهو صائم؛ قال عليه الصلاة والسلام: «ليس من البر الصوم في السفر» ولما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته» وفي لفظ: «إن الله يحب أن تؤتى عزائمه» ولا فرق في ذلك بين من سافر على السيارات أو الجمال أو السفن والبواخر وبين من سافر في الطائرات. فإن الجميع يشملهم اسم السفر ويترخصون برخصه، والله - سبحانه - شرع للعباد أحكام السفر والإقامة في عهده - صلى الله عليه وسلم - ولمن جاء بعده إلى يوم القيامة، فهو - سبحانه - يعلم ما يقع من تغير الأحوال وتنوع وسائل السفر. ولو كان الحكم يختلف
(1/161)
لنبه عليه سبحانه كما قال - عز وجل - في سور النحل {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89] وقال سبحانه في سورة النحل أيضا: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 8]
4 - بماذا يثبت دخول شهر رمضان وما حكم من رأى الهلال وحده عند الشهر أو خروجه؟ الجواب: يثبت دخول الشهر وخروجه بشاهدي عدل فأكثر. . ويثبت دخوله فقط بشاهد واحد، لأنه ثبت عن النبي - صلى عليه وسلم - أنه قال: «فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا» وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر الناس بالصيام بشهادة ابن عمر رضي الله عنهما -. وبشهادة أعرابي، ولم يطلب شاهدا آخر - عليه الصلاة والسلام -، والحكمة في ذلك والله أعلم الاحتياط للدين في الدخول والخروج، كما نص على ذلك أهل العلم، ومن رأى الهلال وحده في الدخول أو الخروج ولم يعمل بشهادته فإنه يصوم مع الناس، ويفطر مع الناس، ولا يعمل بشهادة نفسه في أصح أقوال أهل العلم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «الصوم يوم تصومون , والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون» والله ولي التوفيق.
(1/162)
5 - كيف يصوم الناس إذا اختلفت المطالع؟ وهل يلزم أهل البلاد البعيدة كأمريكا واستراليا أن يصوموا على رؤية أهل المملكة لأنهم لا يتراءون الهلال؟ الجواب: الصواب اعتماد الرؤية وعدم اعتبار اختلاف المطالع في ذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر باعتماد الرؤية ولم يفصل في ذلك فيما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فكملوا العدة ثلاثين» متفق على صحته، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تصوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة، ولا تفطروا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة» والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. ولم يشر - صلى الله عليه وسلم - إلى اختلاف المطالع، وهو يعلم ذلك، وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أن لكل بلد رؤيته إذا اختلفت المطالع، واحتجوا بما ثبت عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه لم يعمل برؤية أهل الشام. وكان في المدينة - رضي الله عنه -، وكان أهل الشام قد رأوا الهلال ليلة الجمعة وصاموا بذلك في عهد معاوية - رضي الله عنه -، أما أهل المدينة فلم يروه إلا ليلة السبت، فقال ابن عباس - رضي الله عنهما - لما أخبره كريب برؤية
(1/163)
أهل الشام وصيامهم: نحن رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نراه أو نكمل العدة. . واحتج بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» الحديث. وهذا قول له حظه من القوة، وقد رأى القول به أعضاء مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية. جمعا بين الأدلة والله ولى التوفيق.
6 - كيف يصنع من يطول نهارهم إلى إحدى وعشرين ساعة هل يقدرون قدرا للصيام وكذا ماذا يصنع من يكون نهارهم قصيرا جدا، وكذلك من يستمر عندهم النهار ستة أشهر والليل ستة أشهر؟ الجواب: من عندهم ليل ونهار في ظرف أربع وعشرين ساعة فإنهم يصومون نهاره سواء كان قصيرا أو طويلا ويكفيهم والحمد لله ولو كان النهار قصيرا، أما من طال عندهم النهار أو الليل أكثر من ذلك كستة أشهر فإنهم يقدرون للصيام وللصلاة قدرهما كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك في يوم الدجال الذي كسنة، وهكذا يومه الذي كشهر أو كأسبوع، يقدر للصلاة قدرها في ذلك. وقد نظر مجلس هيئة كبار العلماء، في المملكة في هذه المسألة وأصدر القرار رقم 61 وتاريخ 12 / 4 / 1398 هـ ونصه ما يلي:
(1/164)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد: - فقد عرض على مجلس هيئة كبار العلماء في الدورة الثانية عشرة المنعقدة بالرياض في الأيام الأولى من شهر ربيع الآخر عام 1398هـ كتاب معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة رقم 555 وتاريخ 116 / 1 / 1398 هـ المتضمن ما جاء في خطاب رئيس رابطة الجمعيات الإسلامية في مدينة (مالو) بالسويد الذي يفيد بأن الدول الاسكندنافية يطول فيها النهار في الصيف ويقصر في الشتاء نظرا لوضعها الجغرافي كما أن المناطق الشمالية منها لا تغيب عنها الشمس إطلاقا في الصيف، وعكسه في الشتاء، ويسأل المسلمون فيها عن كيفية الإفطار والإمساك في رمضان، وكذلك كيفية ضبط أوقات الصلوات في هذه البلدان. ويرجو معاليه إصدار فتوى في ذلك ليزودهم بها أهـ. وعرض على المجلس أيضا ما أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ونقول أخرى عن الفقهاء في الموضوع، وبعد الاطلاع والدراسة والمناقشة قرر المجلس ما يلي: - أولا: من كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس إلا أن نهارها يطول جدا في الصيف، ويقصر في الشتاء، وجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعا؛ لعموم قوله - تعالى -: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] وقوله - تعالى -: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]
(1/165)
[سورة النساء، الآية: 103] ، ولما ثبت بريدة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أن رجلا سأله عن وقت الصلاة، فقال له: " صل معنا هذين " يعني اليومين فلما زالت الشمس أمر بلال فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما أن كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر، فأنعم أن يبرد بها، وصلى العصر والشمس مرتفعه أخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعدما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها ثم قال: " أين السائل عن وقت الصلاة " فقال الرجل: أنا يا رسول الله قال: " وقت صلاتكم بين ما رأيتم» رواه البخاري ومسلم. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «وقت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس، فأمسك عن الصلاة، فإنها تطلع بين قرني شيطان» أخرجه مسلم في صحيحه، إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في تحديد أوقات الصلوات الخمس قولا وفعلا، ولم تفرق بين طول النهار وقصره وطول الليل
(1/166)
وقصره ما دامت أوقات الصلوات متمايزة بالعلامات التي بينها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا بالنسبة لتحديد أوقات صلاتهم وأما بالنسبة لتحديد أوقات صيامهم شهر رمضان فعلى المكلفين أن يمسكوا كل يوم منه على الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في بلادهم ما دام النهار يتمايز في بلادهم من الليل وكان مجموع زمانهما أربعة وعشرين ساعة، ويحل لهم الطعام والشراب والجماع ونحوها في ليلهم فقط وإن كان قصيرا، فإن شريعة الإسلام عامة للناس في جميع البلاد: وقد قال الله تعالى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] ومن عجز عن إتمام صوم يوم لطوله أو علم بالأمارات أو التجربة، أو إخبار طبيب أمين حاذق، أو غلب على ظنه أن الصوم يفضي إلى إهلاكه أو مرضه مرضا شديدا أو يفضي إلى زيادة مرضه أو بطء برئه أفطر ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكن فيه من القضاء قال تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] وقال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وقال {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] ثانيا: من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفا ولا تطلع فيها الشمس شتاء أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر ويستمر ليلها ستة أشهر مثلا، وجب عليهم أن يصلوا الصلوات
(1/167)
الخمس في كل أربع وعشرين ساعة وأن يقدروا لها أوقاتها ويحددوها معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها من بعض لما ثبت في حديث الإسراء والمعراج من «أن الله - تعالى - فرض على هذه الأمة خمسين صلاة كل يوم وليلة فلم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأل ربه التخفيف حتى قال: " يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة» إلى آخره ولما ثبت من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال «جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " خمس صلوات في اليوم والليلة " فقال هل علي غيرهن؟ قال: " لا، إلا أن تتطوع. .» الحديث. ولما ثبت من حديث أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: «نهينا أن نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد أتانا رسول فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك قال: " صدق " إلى أن قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا فقال: "صدق" قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال "نعم. .» الحديث. وثبت «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حدث أصحابه عن
(1/168)
المسيح الدجال فقالوا: ما لبثه في الأرض؟ قال: " أربعون يوما: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم " فقيل يا رسول الله! اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: " لا، أقدروا له قدره» فلم يعتبر اليوم الذي كسنة يوما واحدا يكفي فيه خمس صلوات بل أوجب فيه خمس صلوات في كل أربع وعشرون ساعة وأمرهم بأن يوزعوها على أوقاتها اعتبارا بالأبعاد الزمنية التي بين أوقاتها في اليوم العادي في بلادهم، فيجب على المسلمين في البلاد المسئول عن تحديد أوقات الصلوات فيها أن يحددوا أوقات صلاتهم معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم يتمايز فيها الليل من النهار وتعرف فيها أوقات الصلوات الخمس بعلاماتها الشرعية في كل أربع وعشرين ساعة. وكذلك يجب عليهم صيام شهر رمضان, وعليهم أن يقدروا لصيامهم فيحددوا بدء شهر رمضان ونهايته، وبدء الإمساك والإفطار في كل يوم منه ببدء الشهر ونهايته وبطلوع فجر كل يوم وغروب شمسه في أقرب البلاد إليهم يتميز فيها الليل من النهار ويكون مجموعهما أربعا وعشرين ساعة لما تقدم في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المسيح الدجال وإرشاده أصحابه فيه عن كيفية تحديد أوقات الصلوات فيه إذ لا فارق في ذلك بين الصوم والصلاة. والله ولي التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم: [هيئة كبار العلماء] .
(1/169)
7 - هل يجب علينا الكف عن السحور عند بدء آذان الفجر، أم يجوز لنا الأكل والشرب حتى ينتهي المؤذن؟ الجواب: إذا كان المؤذن معروفا بأنه لا ينادي إلا على الصبح فإنه يجب الكف عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من حين يؤذن. إذا كان الأذان بالظن والتحري حسب التقاويم فإنه لا حرج في الشرب أو الأكل وقت الأذان، لما ثبت عن النبي - صلى الله عله وسلم - أنه قال: «إن بلال يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم» قال الراوي في آخر هذا الحديث " وكان ابن أم مكتوم رجلا أعمى، لا ينادي حتى يقال له: أصبحت، أصبحت " متفق على صحته. والأحوط للمؤمن والمؤمنة الحرص على إنهاء السحور قبل الفجر عملا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» ، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه» . أما إذا علم أن المؤذن ينادي بليل لتنبيه الناس على قرب الفجر، كفعل بلال فإنه لا حرج في الأكل والشرب حتى ينادي المؤذنون الذين يؤذنون على الصبح عملا بالحديث المذكور.
(1/170)
8 - هل يباح الفطر للمرأة الحامل والمرضع وهل يجب عليهما القضاء أم هناك كفارة عن فطرهما؟ الجواب: الحامل والمرضع حكمهما حكم المريض، إذا شق عليهما الصوم شرع لهما الفطر، وعليهما القضاء عند القدرة على ذلك كالمريض، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكفيهما الإطعام عن كل يوم: إطعام مسكين، وهو قول ضعيف مرجوح، والصواب أن عليهما القضاء كالمسافر والمريض، لقول الله - عز وجل -: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وقد دل على ذلك أيضا حديث أنس بن مالك الكعبي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحبلى والمرضع الصوم» رواه الخمسة.
9 - ما رأيكم فيمن يرخص لهم في الفطر: كشيخ كبير وعجوز ومريض، لا يرجى برؤه. . هل يلزمهم فدية عند إفطارهم؟ الجواب: على من عجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه إطعام مسكين عن كل يوم مع القدرة على ذلك؛ كما أفتى بذلك
(1/171)
جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - منهم ابن عباس - رضي الله عنهما -.
10 - ما حكم الصيام للمرأة الحائض والنفساء، وإذا أخرتا القضاء إلى رمضان آخر، فماذا يلزمهما؟ الجواب: على الحائض والنفساء أن تفطرا وقت الحيض والنفاس، ولا يجوز لهما الصوم ولا الصلاة في حال الحيض والنفاس، ولا يصحان منهما. . وعليهما قضاء الصوم دون الصلاة، لما ثبت «عن عائشة - رضي الله عنها -: أنها سئلت: هل تقضي الحائض الصوم والصلاة؟ فقالت: " كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة» متفق على صحته. وقد أجمع العلماء رحمهم الله على ما ذكرته عائشة - رضي الله عنها - من وجوب قضاء الصوم وعدم قضاء الصلاة في حق الحائض والنفساء، رحمة من الله - سبحانه - لهما وتيسيرا عليهما؛ لأن الصلاة تتكرر كل يوم خمس مرات وفي قضائها مشقة عليهما، أما الصوم فإنما يجب في السنة مرة واحدة وهو صوم رمضان فلا مشقة في قضائه عليهما، ومن أخرت القضاء إلى ما بعد رمضان آخر لغير عذر شرعي، فعليها التوبة إلى الله من ذلك مع القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم، وهكذا المريض والمسافر إذا أخرا القضاء إلى ما بعد رمضان آخر من غير عذر شرعي فإن عليهما القضاء والتوبة وإطعام مسكين عن كل يوم. أما إن استمر
(1/172)
المرض أو السفر إلى رمضان آخر فعليهما القضاء فقط دون الإطعام بعد البرء من المرض والقدوم من السفر.
11 - ما حكم صيام التطوع: كست من شوال، وعشر ذي الحجة، ويوم عاشوراء لمن عليه أيام من رمضان لم تقض؟ الجواب: الواجب على من عليه قضاء رمضان أن يبدأ به قبل صوم النافلة؛ لأن الفرض أهم من النفل في أصح أقوال أهل - العلم.
12 - ما حكم من كان مريضا ودخل عليه رمضان ولم يصم ثم مات بعد رمضان فهل يقضى عنه أم يطعم عنه؟ الجواب: إذا مات المسلم في مرضه بعد رمضان فلا قضاء عليه ولا إطعام؛ لأنه معذور شرعا، وهكذا المسافر إذا مات في السفر أو بعد القدوم مباشرة فلا يجب القضاء عنه ولا الإطعام، لأنه معذور شرعا. أما من شفي من المرض وتساهل في القضاء حتى مات أو قدم من السفر وتساهل في القضاء حتى مات فإنه يشرع لأوليائهما
(1/173)
وهم الأقرباء القضاء عنهما؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» متفق على صحته. فإن لم يتيسر من يصوم عنهما أطعم عنهما من تركتهما عن كل يوم مسكين نصف صاع، ومقداره كيلو ونصف على سبيل التقدير: كالشيخ الكبير العاجز عن الصوم، والمرض الذي لا يرجى برؤه. كما تقدم في جواب السؤال التاسع، وهكذا الحائض والنفساء إذا تساهلتا في القضاء حتى ماتتا، فإنه يطعم عنهما عن كل يوم مسكين إذا لم يتيسر من يصوم عنهما. ومن لم يكن له تركة يمكن الإطعام منها فلا شيء عليه، لقول الله - عز وجل -: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وقوله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] والله ولي التوفيق.
13 - ما حكم استعمال الإبر التي في الوريد والإبر التي في العضل. . وما الفرق بينهما وذلك للصائم؟ الجواب: الصحيح أنهما لا تفطران، وإنما التي تفطر هي إبر التغذية خاصة. وهكذا أخذ الدم للتحليل لا يفطر به الصائم لأنه ليس مثل الحجامة، أما الحجامة فيفطر بها الحاجم والمحجوم في أصح أقوال العلماء لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أفطر الحاجم والمحجوم» .
(1/174)
14 - ما حكم استعمال معجون الأسنان، وقطرة الأذن، وقطرة الأنف، وقطرة العين للصائم، وإذا وجد الصائم طعمهما في حلقه فماذا يصنع؟ الجواب: تنظيف الأسنان بالمعجون لا يفطر به الصائم كالسواك، وعليه التحرز من ذهاب شيء منه إلى جوفه، فإن غلبه من ذلك بدون قصد فلا قضاء عليه. وهكذا قطرة العين والأذن لا يفطر بهما الصائم في أصح قولي العلماء. فإن وجد طعم القطور في حلقه، فالقضاء أحوط ولا يجب، لأنهما ليسا منفذين لطعام والشراب، أما القطرة في الأنف فلا تجوز لأن الأنف منفذ، لهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما» . وعلى من فعل ذلك القضاء لهذا الحديث، وما جاء في معناه إن وجد طعمها في حلقه، والله ولي التوفيق. [صيام من حصل له ألم في أسنانه وعمل له الطبيب تنظيفا أو حشوا أو خلع] أحد أسنانه 15 - إذا حصل للإنسان ألم في أسنانه، وراجع الطبيب، وعمل له تنظيفا أو حشوا أو خلع أحد أسنانه، فهل يؤثر ذلك على صيامه؟ ولو أن الطبيب أعطاه إبرة لتخدير سنه، فهل لذلك أثر على الصيام؟ الجواب: ليس لما ذكر في السؤال أثر في صحة الصيام، بل ذلك معفو عنه، وعليه أن يتحفظ من ابتلاع شيء من الدواء أو الدم،
(1/175)
وهكذا الإبرة المذكورة لا أثر لها في صحة الصوم لكونها ليست في معنى الأكل والشرب، والأصل صحة الصوم وسلامته.
16 - ما حكم من أكل أو شرب في نهار الصيام ناسيا؟ الجواب: ليس عليه بأس وصومه صحيح لقول الله - سبحانه - في آخر سورة البقرة: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] وصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أن الله - سبحانه - قال: " قد فعلت» ولما ثبت عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ومن نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه» متفق على صحته. وهكذا لو جامع ناسيا فصومه صحيح في أصح قولي العلماء للآية الكريمة ولهذا الحديث الشريف، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من أفطر في رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة» خرجه الحاكم وصححه، وهذا اللفظ يعم الجماع وغيره من المفطرات إذا فعلها الصائم ناسيا. وهذا من رحمة الله وفضله وإحسانه، فله الحمد والشكر على ذلك.
(1/176)
17 - ما حكم من ترك قضاء صيام رمضان حتى دخل رمضان الذي بعده، ولم يكن له عذر، هل تكفيه التوبة مع القضاء، أم تلزمه كفارة؟ الجواب: عليه التوبة إلى الله - سبحانه - وإطعام مسكين عن كل يوم مع القضاء وهو نصف صاع بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوت البلد من تمر أو بر أو أرز أو غيرها، ومقداره كيلو ونصف على سبيل التقريب، وليس عليه كفارة سوى ذلك كما أفتى بذلك جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم منهم ابن عباس - رضي الله عنهما - أما إن كان معذورا لمرض أو سفر، أو كانت المرأة معذورة بحمل أو رضاع يشق عليها الصوم معهما، فليس عليهم سوى القضاء.
18 - ما حكم من يصوم وهو تارك للصلاة. وهل صيامه، صحيح؟ الجواب: الصحيح أن تارك الصلاة عمدا يكفر بذلك كفرا أكبر وبذلك لا يصح صومه ولا بقية عباداته حتى يتوب إلى الله - سبحانه - لقول الله - عز وجل -: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88]- وما جاء في معناها من الآيات
(1/177)
والأحاديث، وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا يكفر بذلك، ولا يبطل صومه ولا عبادته إذا كان مقرا بالوجوب، ولكنه ترك الصلاة تساهلا وكسلا، والصحيح القول الأول، وهو أنه يكفر بتركها عامدا ولو أقر بالوجوب لأدلة كثيرة منها: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة» خرجه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر» خرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي - رضي الله عنه -. وقد بسط العلامة ابن القيم - رحمه الله - القول في ذلك في رسالة مستقلة في أحكام الصلاة وتركها، وهي رسالة مفيدة تحسن مراجعتها والاستفادة منها.
19 - ما حكم من أفطر في رمضان غير منكر لوجوبه، وهل يخرجه من الإسلام تركه الصيام تهاونا أكثر من مرة؟ الجواب: من أفطر في رمضان عمدا لغير عذر شرعي فقد أتى كبيرة من الكبائر، ولا يكفر بذلك في أصح أقوال العلماء، وعليه التوبة إلى الله - سبحانه - مع القضاء، والأدلة الكثيرة تدل على أن ترك الصيام ليس كفرا أكبر إذا لم يجحد الوجوب وإنما أفطر تساهلا
(1/178)
وكسلا. وعليه إطعام مسكين عن كل يوم إذا تأخر القضاء إلى رمضان آخر من غير عذر شرعي لما تقدم في جواب السؤال السابع وهكذا ترك الزكاة والحج مع الاستطاعة إذا لم يجحد وجوبهما فإنه لا يكفر بذلك. وعليه أداء الزكاة عما مضى من السنين التي فرط فيها، وعليه الحج مع التوبة النصوح من التأخير لعموم الأدلة الشرعية في ذلك الدالة على عدم كفرهما إذا لم يجحدا وجوبها. ومن حديث تعذيب تارك الزكاة بماله يوم القيامة ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.
20 - ما الحكم إذا طهرت الحائض في أثناء نهار رمضان؟ الجواب: عليها الإمساك في أصح قولي العلماء لزوال العذر الشرعي، وعليها قضاء ذلك اليوم كما لو ثبتت رؤية رمضان نهارا، فإن المسلمين يمسكون بقية اليوم، ويقضون ذلك اليوم عند جمهور أهل العلم، ومثلها المسافر إذا قدم في أثناء النهار في رمضان إلى بلده عليه الإمساك في أصح قولي العلماء لزوال حكم السفر مع ذلك اليوم. والله ولي التوفيق.
(1/179)
21 - ما الحكم إذا خرج من الصائم دم كالرعاف ونحوه، وهل يجوز للصائم التبرع بدمه أو سحب شيء منه للتحليل؟ الجواب: خروج الدم من الصائم كالرعاف والاستحاضة ونحوهما لا يفسد الصوم. وإنما يفسد الصوم الحيض والنفاس والحجامة. ولا حرج على الصائم في تحليل الدم عند الحاجة إلى ذلك، ولا يفسد الصوم بذلك، أما التبرع بالدم فالأحوط تأجيله إلى ما بعد الإفطار؛ لأنه في الغالب يكون كثيرا، فيشبه الحجامة. والله ولى التوفيق.
22 - ما الحكم إذا أكل الصائم أو شرب أو جامع ظانا غروب الشمس أو عدم طلوع الفجر؟ الجواب: الصواب أن عليه القضاء وكفارة الظهار عن الجماع عند جمهور أهل العلم سدا لذريعة التساهل واحتياطا للصوم.
(1/180)
23 - حكم من جامع في نهار رمضان وهو صائم، وهل يجوز للمسافر إذا أفطر أن يجامع أهله؟ الجواب: على من جامع في نهار رمضان وهو صائم صوما واجبا الكفارة: أعني كفارة الظهار مع وجوب قضاء اليوم، والتوبة إلى الله - سبحانه - مما وقع منه، أما إن كان مسافرا أو مريضا مرضا يبيح الفطر فلا كفارة عليه ولا حرج عليه، وعليه قضاء اليوم الذي جامع فيه؛ لأن المسافر والمريض يباح لهما الفطر بالجماع وغيره، كما سبحانه -: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ} [البقرة: 184] وحكم المرأة في هذا حكم الرجل إن كان صومها واجبا وجبت عليها الكفارة مع القضاء، وإن كانت مسافرة أو مريضة مرضا يشق معه الصوم فلا كفارة عليها.
24 - ما حكم استعمال البخاخ في الفم للصائم نهارا لمريض الربو ونحوه؟ الجواب: حكمه الإباحة إذا اضطر إلى ذلك لقول الله - عز وجل {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] ؛ ولأنه لا يشبه الأكل والشرب فأشبه سحب الدم للتحليل والإبر غير المغذية.
(1/181)
25 - ما حكم أخذ الحقنة الشرجية عند الصائم للحاجة؟ الجواب: حكمها عدم الحرج في ذلك إذا احتاج إليها المريض في أصح قولي العلماء، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وجمع كثير من أهل العلم لعدم مشابهتها للأكل والشرب.
26 - ما حكم من ذرعه القيء وهو صائم هل يقضي ذلك اليوم أم لا؟ الجواب: حكمه أنه لا قضاء عليه، أما إن استدعى القيء فعليه القضاء، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء " خرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
27 - ما حكم تغيير الدم لمريض الكلى وهو صائم، هل يلزمه القضاء أم لا؟ الجواب: يلزمه القضاء بسبب ما يزود به من الدم النقي, فإن زود مع ذلك بمادة أخرى فهي مفطر آخر.
(1/182)
28 - ما حكم الاعتكاف للرجل والمرأة، وهل يشترط له الصيام، وبماذا يشتغل المعتكف، ومتى يدخل معتكفه، ومتى يخرج منه؟ الجواب: الاعتكاف سنة للرجال والنساء لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يعتكف في رمضان، واستقر أخيرا اعتكافه في العشر الأواخر، وكان يعتكف بعض نسائه معه، ثم اعتكفن من بعده - عليه الصلاة والسلام -، ومحل الاعتكاف المساجد التي تقام فيها صلاة الجماعة، وإذا كان يتخلل اعتكافه جمعة فالأفضل أن يكون اعتكافه في المسجد الجامع إذا تيسر ذلك. ليس لوقته حد محدود في أصح أقوال أهل العلم، ولا يشترط له الصوم ولكن مع الصوم أفضل. والسنة له أن يدخل معتكفه حين ينوي الاعتكاف ويخرج بعد مضي المدة التي نواها وله قطع ذلك إذا دعت الحاجة إلى ذلك لأن الاعتكاف سنة ولا يجب بالشروع فيه إذا لم يكن منذورا ويستحب الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان تأسيا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ويستحب لمن اعتكفها دخول معتكفه بعد صلاة الفجر من اليوم الحادي والعشرين اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ويخرج متى انتهت العشر. وإن قطعه فلا حرج عليه إلا أن يكون منذورا كما تقدم. والأفضل أن يتخذ مكانا معينا في المسجد يستريح فيه إذا تيسر ذلك، ويشرع للمعتكف أن يكثر من الذكر وقراءة القرآن. والاستغفار والدعاء
(1/183)
والصلاة في غير أوقات النهي، ولا حرج أن يزوره وأن يتحدث معه كما «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يزور بعض نسائه، ويتحدثن معه، وزارته مرة صفية - رضى الله عنها - وهو معتكف في رمضان، فلما قامت قام معها إلى باب المسجد» ، فدل على أنه لا حرج في ذلك. وهذا العمل منه - صلى الله عليه وسلم - يدل على كمال تواضعه، وحسن سيرته مع أزواجه عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وأتباعهم بإحسان.
(1/184)
الحج
(1/185)
1 - ما هي الأنساك الثلاثة في الحج وما كيفية العمل بها وأيها أفضل؟ الجواب: قد بين أهل العلم رحمة الله عليهم أن الأنساك ثلاثة، وكل ذلك وارد في السنة الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. النسك الأول: الإحرام بالعمرة وحدها، وذلك بأن يقول القاصد للعمرة: اللهم لبيك عمرة، أو لبيك عمرة، أو اللهم إني وأوجبت عمرة، والمشروع أن يكون هذا بعد تجرده من المخيط، ولبسه إزاره ورداءه إن كان رجلا، وبعد الاغتسال - فإن الاغتسال مشروع - والتطيب وأخذ ما يحتاج إلى أخذه: من قص شارب، أو قلم ظفر، أو نتف إبط، أو حلق عانة، هذا هو الأفضل، والمرأة ليس لها إحرام خاص من جهة الثياب، بل تحرم فيما شاءت، إلا أن الأفضل لها أن تكون في ملابس ليست لافتة للنظر، وليست جميلة، ملابس لا تفتن من رآها هذا هو الأفضل لها، وإن قال المحرم أو المحرمة عند الإحرام، بعد قوله اللهم لبيك عمرة: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، أو تقبلها مني، أو أعني على تمامها وكمالها. كل هذا لا بأس به. وإن قال المحرم: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني أو نحو هذه العبارة، ثم أصابه حادث يمنعه من إتمامها، فإن له
(1/187)
التحلل، وليس عليه شيء بهذا الشرط؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما اشتكت إليه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أنها شاكية أي: أنها مريضة قال: «حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني» (متفق على صحته) فلو أن المرأة جاءت للعمرة وقالت هذا الشرط، ثم أصابها الحيض ولا تستطيع الجلوس حتى تطهر لأن رفقتها لا يوافقونها فإن هذا عذر لتحللها، أو إذا أصاب المحرم مرض يمنعه من إكمال العمرة كذلك أو غير هذا من الحوادث التي تمنع المحرم من إكمال عمرته. وهكذا الحكم في الحج وهو النسك الثاني: أن يقول: اللهم لبيك حجا أو لبيك حجا، أو اللهم قد أوجبت حجا على أن يكون ذلك بعد انتهائه من الأشياء المشروعة. هذا هو الأفضل - أي - بعد الغسل وبعد التطيب وبعد تجرده من المخيط كما تقدم. والمقصود أن الحكم في الحج كالحكم في العمرة في هذا، السنة للمؤمن والمؤمنة أن يكون الإحرام بعد تعاطي ما شرع الله من غسل وطيب ونحو ذلك مما يحتاجه المؤمن والمؤمنة عند الإحرام، وإذا دعت الحاجة إلى أن يقول فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، شرع له ذلك كالعمرة، والواجب أن يكون ذلك في الميقات ليس له تجاوزه حتى يحرم فإذا قدم من نجد أو من الطائف أو من جهة الشرق يكون إحرامه من ميقات الطائف من السيل " وادي قرن "، وإذا أحرم قبل ذلك أجزأه لكنه ترك الأفضل، والسنة ألا
(1/188)
يتقدم بالإحرام بل يؤخره حتى يأتي الميقات، لكن لو أحرم قبل ذلك أجزأه ذلك ولزمه ولكن لا ينبغي له ذلك لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يحرم إلا من الميقات هذا هو السنة فإذا وصل الميقات أحرم منه، وإن تطيب في بيته أو اغتسل في بيته وتعاطى ما يشرع له من قص شارب ونحو ذلك وهو في بيته أو في الطريق كفى ذلك إذا كان الوقت قريبا فيما بينه وبين الإحرام. ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه يستحب أن يصلي ركعتين أيضا قبل أن يحرم، واحتجوا على ذلك بما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «أتاني آت من ربي وقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة» (رواه البخاري) ، وكان هذا في وادي ذي الحليفة، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - أحرم بعد ما صلى الظهر فدل على أن وقوع الإحرام بعد صلاة أفضل، وهذا قول جيد، ولكن ليس في صلاة الإحرام نص واضح أو حديث صحيح في شرعيتها فمن فعلها فلا حرج، وإذا توضأ الوضوء الشرعي وصلى ركعتين سنة الوضوء كفت للإحرام. أما النسك الثالث: فهو الجمع بينهما أي يجمع بين الحج والعمرة يقول: اللهم لبيك عمرة وحجا، أو حجا وعمرة، أو يلبي بالعمرة في الميقات ثم في أثناء الطريق يدخل الحج ويلبي بالحج قبل أن يشرع في الطواف، وهذا يسمى قرانا وهو الجمع بين الحج
(1/189)
والعمرة، وقد أحرم النبي - صلى الله عليه وسلم - قارنا في حجة الوداع، لبى بالعمرة والحج جميعا عليه الصلاة والسلام، كما أخبر بذلك أنس - رضي الله عنه - وابن عمر - رضي الله عنهما - وغيرهما وكان قد ساق الهدي، وهذا هو الأفضل لمن ساق الهدي، أما من لم يسق الهدي فالأفضل له التمتع بالعمرة إلى الحج، وهذا هو الذي استقر عليه الأمر بعد ما دخل النبي مكة - عليه الصلاة والسلام - وطاف وسعى، أمر أصحابه الذين قرنوا أو أفردوا الحج أن يجعلوها عمرة فطافوا وسعوا وقصروا وحلوا فاستقر بذلك أن التمتع أفضل. والقارن إذا جعل إحرامه عمرة وكذا المفرد صار متمتعا، إذا دخل بالإفراد أو دخل بالقران وليس معه هدي شرع له إن يتحلل بالطواف والسعي والتقصير ويكون بهذا متمتعا كما فعل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمره عليه الصلاة والسلام، قال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولجعلتها عمرة» . وإذا كان القادم بالعمرة لا يريد الحج سمي معتمرا فقط وقد يسمى متمتعا كما وقع ذلك في كلام بعض الصحابة ولكن في عرف الفقهاء يسمى معتمرا إذا كان لم يقصد الحج وإنما قدم في شوال أو في ذي القعدة يعتمر ويرجع إلى بلاده أما إن بقي في مكة بقصد الحج فهذا يسمى تمتعا وهكذا من جاء في رمضان أو غيره بقصد العمرة يسمى معتمرا والعمرة هي الزيارة للبيت العتيق وإنما يقال للحاج متمتعا إذا قدم بعمرة يقصد البقاء بعدها للحج إن كان
(1/190)
قدومه بعد رمضان في أشهر الحج ثم بقي حتى يحج فهذا يسمى متمتعا كما تقدم وهكذا من أحرم قارنا وبقي للحج ولم يفسخ يسمى متمتعا أيضا ويدخل في قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] فالقارن يسمى متمتعا، هذا هو المعروف عند أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال ابن عمر «تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعمرة إلى الحج» ، وهو أحرم قارنا عليه الصلاة والسلام، ولكن في عرف الكثير من الفقهاء أن المتمتع هو الذي يحل من عمرته ثم يبقى حتى يحرم بالحج في اليوم الثامن مثلا، فهذا يقال له متمتع في عرف الكثير من الفقهاء، فإن جمع بينهما ولم يتحلل سموه قارنا، ولا مشاحة في الاصطلاح إذا عرف المعنى والحكم. فالمتمع والقارن في الأحكام سواء فعلى كل منهما الهدي فإن لم يستطع صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وكل منهما يسمى متمتعا، لكن يتفاوتان في السعي فالمتمتع عند جمهور العلماء عليه سعيان سعي مع طواف العمرة وسعي مع طواف الحج؛ لأنه ثبت في حديث ابن عباس، أن الذين حلوا من العمرة وتمتعوا سعوا سعيين أحدهما مع طواف العمرة والثاني مع طواف الحج، وهذا هو قول جمهور أهل العلم. أما القارن فليس عليه إلا سعي واحد فإن قدمه مع طواف القدوم كفى وإن أخره وسعى مع طواف الحج كفى، هذا هو
(1/191)
المعتمد وهذا قول جمهور أهل العلم، أن المتمتع عليه سعيان والقارن ليس عليه إلا سعي واحد، وهو مخير إن شاء قدمه مع طواف القدوم وهو أفضل، كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه طاف وسعى وطوافه يسمى طواف قدوم لأنه قارن عليه الصلاة والسلام، وإن شاء أخره وطاف مع طواف الحج وهذا من توسعة الله على عباده ورحمته سبحانه وتعالى والحمد لله. وهنا مسألة قد يسأل عنها وهي ما إذا سافر المتمتع بعد العمرة هل يسقط عنه الدم؟ فيه خلاف بين أهل العلم، والمعروف عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه لا يسقط الدم مطلقا سواء سافر إلى أهله أو إلى غير ذلك، لعموم الأدلة. وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه إن سافر مسافة قصر ثم رجع محرما بالحج صار مفردا وسقط عنه الدم. وذهب آخرون إلى أنه لا يسقط الدم إلا إذا سافر إلى أهله وهذا هو المروي عن عمر رضي الله عنه وابنه عبد الله أنه إن سافر إلى أهله بعد العمرة ثم رجع بحج صار مفردا وليس عليه دم، أما سفره لغير أهله كالسفر للمدينة مثلا بين الحج والعمرة والسفر إلى جدة والطائف فهذا لا يخرجه عن كونه متمتعا وهذا هو الأقرب والأظهر من جهة الدليل أن هذه الأسفار التي بين الحج والعمرة لا يخرجه عن كونه متمتعا بل هو متمتع، وعليه دم التمتع وإن سافر إلى المدينة بعد العمرة أو إلى الطائف أو إلى جدة فهو متمتع، وإنما
(1/192)
يكون مفردا إذا سافر إلى أهله كما قال عمر وابنه ثم رجع محرما بالحج من الميقات فهذا هو الذي يسمى مفردا لأنه قطع ما بين العمرة والحج بسفره إلى أهله. وبكل حال فالأحوط للمؤمن في هذا أن يهدي حتى ولو سافر إلى أهله خروجا من الخلاف الذي ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنهما وهكذا الحكم عند من قال إنه يسقط عنه بالسفر إلى مسافة قصر، كونه يحتاط ويهدي خروجا من خلاف الجميع ويأتي بالسنة كاملة يكون هذا خيرا له وأفضل إن استطاع ذلك فإن لم يستطع ذلك صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله لقوله سبحانه: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وهو يشمل المتمتع ويشمل القارن لأنه يسمى متمتعا كما تقدم، والله ولي التوفيق. [من أتى بالعمرة في أشهر الحج ثم خرج من مكة إلى المدينة وأقام فيها] حتى وقت الحج 2 - شخص أتى بالعمرة في أشهر الحج كشهر ذي القعدة ثم خرج من مكة إلى المدينة وأقام فيها حتى وقت الحج هل يلزمه التمتع أم هو مخير بين أحد أنواع الأنساك الثلاثة؟ الجواب: لا يلزمه التمتع فإن أراد أن يأتي بعمرة أخرى ويكون متمتعا بها عند من قال انقطع تمتعه بالسفر فلا بأس ويكون متمتعا
(1/193)
بعمرته الجديدة وعليه الدم عند الجميع إذا أتى بعمرة من المدينة ثم حج بعدها، يكون متمتعا عند الجميع، وإن شاء رجع بحج فقط وفيه خلاف هل يهدي أو لا يهدي؟ والصواب أنه يهدي إلى المدينة لا يقطع تمتعه في أصح الأقوال. [من تجاوز الميقات ملبيا بحج أو عمرة ولم يشترط وحصل له عارض يمنعه] من إتمام نسكه 3 - إذا تجاوز الميقات ملبيا بحج أو عمرة ولم يشترط وحصل له عارض كمرض ونحوه يمنعه من إتمام نسكه فماذا يلزمه أن يفعل؟ الجواب: هذا يكون محصرا، إذا كان لم يشترط ثم حصل عليه حادث يمنعه من التمام إن أمكنه الصبر لعله يزول أثر الحادث ثم يكمل صبر، وإن لم يتمكن من ذلك فهو محصر على الصحيح والله قال في المحصر: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] والصواب أن الإحصار يكون بالعدو ويكون بغير العدو فيهدي ويحلق ويقصر ويتحلل هذا هو حكم المحصر يذبح ذبيحة في محله ولو كان خارج الحرم فإن لم يتيسر حوله أحد نقلت إلى فقراء الحرم أو إلى من حوله من الفقراء أو إلى فقراء بعض القرى ثم يحلق أو يقصر ويتحلل، فإن لم يستطع الهدي صام عشرة أيام ثم حلق أو قصر وتحلل.
(1/194)
[من أحرم من الميقات لكنه في التلبية نسي أن يقول لبيك عمرة متمتعا] بها إلى الحج 4 - حاج أحرم من الميقات لكنه في التلبية نسي أن يقول لبيك عمرة متمتعا بها إلى الحج فهل يكمل نسكه متمتعا وماذا عليه إذا تحلل من عمرته ثم أحرم بالحج من مكة؟ الجواب: إذا كان نوى العمرة عند إحرامه ولكن نسي التلبية وهو ناو العمرة حكمه حكم من لبى، يطوف ويسعى ويقصر ويتحلل، وتشرع له التلبية في أثناء الطريق فلو لم يلب فلا شيء عليه، لأن التلبية سنة مؤكدة فيطوف ويسعى ويقصر ويجعلها عمرة لأنه ناو عمرة، أما إن كان في الإحرام ناويا حجا والوقت واسع فإن الأفضل أن يفسخ حجه إلى عمرة فيطوف ويسعى ويقصر ويتحلل والحمد لله ويكون حكمه حكم المتمتعين.
5 - ما حكم من حج عن والدته وعند الميقات لبى بالحج ولم يلب عن والدته؟ الجواب: مادام قصده الحج عن والدته ولكن نسي فإن الحج يكون لوالدته والنية أقوى لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الأعمال بالنيات» فإذا كان القصد من مجيئه هو الحج عن أمه أو عن أبيه ثم نسي عند الإحرام فإن الحج يكون للذي نواه وقصده من أب أو أم غيرهما.
(1/195)
6 - ما حكم إحرام المرأة في الشراب والقفازين وهل يجوز لها خلع ما أحرمت فيه؟ الجواب: الأفضل لها إحرامها في الشراب أو في مداس هذا أفضل لها وأستر لها وإن كانت في ملابس ضافية كفى ذلك، وإن أحرمت في شراب ثم خلعته فلا بأس كالرجل يحرم في نعلين ثم يخلعهما إذا شاء لا يضره ذلك، لكن ليس لها أن تحرم في قفازين، لأن المحرمة منهية أن تلبس القفازين، وهكذا النقاب لا تلبسه على وجهها، ومثله البرقع ونحوه، لأن الرسول نهاها عن ذلك لكن عليها أن تسدل خمارها أو جلبابها على وجهها عند وجود رجال غير محارمها وهكذا في الطواف والسعي لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه» (أخرجه أبو داود وابن ماجه) . ويجوز للرجل لبس الخفين ولو غير مقطوعين على الصحيح وقال الجمهور بقطعهما، والصواب أنه لا يلزم قطعهما عند فقد النعلين لأنه - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس بعرفة فقال: «من لم يجد إزارا فليلبس السراويل ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين» (متفق على صحته) ولم يأمر بقطعهما فدل ذلك على نسخ الأمر بالقطع، والله ولي التوفيق.
(1/196)
7 - هل نية الإحرام في التلفظ باللسان، وما صفتها إذا كان الحاج يحج عن شخص آخر؟ الجواب: النية محلها القلب وصفتها أن ينوي بقلبه أنه يحج عن فلان أو عن أخيه أو عن فلان بن فلان هكذا تكون النية، ويستحب مع ذلك أن يتلفظ فيقول: اللهم لبيك حجا عن فلان أو لبيك عمرة عن فلان - عن أبيه أو عن فلان بن فلان حتى يؤكد ما في القلب باللفظ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - تلفظ بالحج وتلفظ بالعمرة فدل ذلك على شرعية التلفظ لما نواه تأسيا بالنبي عليه الصلاة والسلام، وهكذا الصحابة تلفظوا بذلك كما علمهم نبيهم عليه الصلاة والسلام وكانوا يرفعون أصواتهم بذلك، هذه هي السنة، ولو لم يتلفظ واكتفى بالنية كفت النية وعمل في أعمال الحج مثل ما يفعل عن نفسه يلبي مطلقا ويكرر التلبية مطلقا من غير حاجة إلى ذكر فلان أو فلان كما يلبي عن نفسه كأنه حاج عن نفسه، لكن إذا عينه في النسك يكون أفضل في التلبية، ثم يستمر في التلبية كسائر الحجاج والعمار: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، لبيك اللهم لبيك، لبيك إله الحق لبيك، المقصود أنه يلبي كما يلبي عن نفسه من غير ذكر أحد إلا في أول النسك يقول لبيك حجا عن فلان أو عمرة عن فلان أو لبيك عمرة وحجا عن فلان هذا هو الأفضل عند أول ما يحرم مع النية.
(1/197)
8 - ما حكم من قدم إلى مكة في عمل أو مهمة ثم حصل له فرصة الحج هل يحرم من مكانه أو يخرج إلى الحل؟ الجواب: إذا قدم إلى مكة ولم ينو الحج ولا العمرة وإنما قدم لحاجة من الحاجات كزيارة قريب أو عيادة مريض أو تجارة، ما نوى حجا ولا عمرة ثم بدا له أن يحج أو بدا له أن يعتمر فإنه يحرم من مكانه بالحج سواء كان في داخل مكة أو في ضواحي مكة، أما إذا كان أراد العمرة فإنه يخرج إلى الحل التنعيم أو الجعرانة أو غيرهما إذا كان أراد العمرة فإن السنة بل الواجب أن يخرج إلى الحل كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة لما أرادت العمرة أن تخرج إلى التنعيم وأمر عبد الرحمن أخاها أن يخرج بها إلى الحل من الحرم يعني إلى التنعيم أو غيره هذا هو الواجب في حق من أراد العمرة أما من أراد الحج فإنه يلبي من مكانه سواء كان داخل الحرم أو خارج الحرم كما تقدم.
9 - هل يشترط للإحرام ركعتان أم لا؟ الجواب: لا يشترط ذلك وإنما اختلف العلماء في استحبابها فذهب الجمهور إلى استحباب ركعتين يتوضأ ويصلي ركعتين ثم يلبي واحتجوا على هذا بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحرم بعد الصلاة، أي أنه صلى الظهر ثم أحرم في حجة الوداع، وقال صلى
(1/198)
الله عيه وسلم: «أتاني آت من ربي وقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة» وهذا يدل على شرعية صلاة الركعتين وهذا قول جمهور أهل العلم. وقال آخرون: ليس في هذا نص فإن قوله: «أتاني آت من ربي وقال: صل في هذا الوادي المبارك» يحتمل: أن المراد صلاة الفريضة في الصلوات الخمس وليس بنص في ركعتي الإحرام وكونه أحرم بعد الفريضة لا يدل على شرعية ركعتين خاصة بالإحرام وإنما يدل على أنه إذا أحرم بالعمرة أو بالحج بعد صلاة يكون أفضل إذا تيسر ذلك. [من يحس بخروج مذي أو قطرات من البول أثناء الإحرام وعند خروجه إلى] الصلاة 10 - ما حكم من يحس بخروج مذي أو قطرات من البول أثناء الإحرام، وكذلك عند خروجه إلى الصلاة؟ الجواب: الواجب على المؤمن إذا علم هذا آت يتوضأ إن كان الوقت وقت صلاة ويستنجي من بوله ويستنجي من المذي، والواجب في المذي أن يغسل الذكر والأنثين، أما البول فيغسل طرف الذكر الذي أصابه البول ثم يتوضأ وضوءه للصلاة إن كان وقت صلاة، أما إن كان الوقت ليس وقت صلاة فلا مانع من تأجيل ذلك إلى وقت الصلاة، لكن ينبغي أن لا يكون ذلك عن وساوس بل عن يقين أما إذا كان عن وساوس فينبغي له أن يطرح هذا ويعرضه عنه حتى لا يبتلى بالوساوس؛ لأن الناس قد يبتلون بشيء
(1/199)
من الوسوسة، يظن أنه خرج منه بشيء وهو ما خرج منه بشيء فلا ينبغي أن يعود نفسه للخضوع للوساوس، بل ينبغي له أن يطرحها وأن يعرض عنها ويتلهى عنها حتى لا يصاب بها، وإذا كان يخشى ذلك يرش ما حول فرجه بالماء إذا فرغ من وضوئه حتى يحمل ما يقع له من الوساوس على أن هذا من الماء حتى يسلم من شر هذه الوسوسة.
11 - هل يجوز تغيير لباس الإحرام لغسله؟ الجواب: لا بأس أن يغسل ملابس الإحرام ولا بأس أن يغير ويستعمل غيرها بملابس جديدة أو مغسولة.
12 - ما حكم وضع الطيب على الإحرام قبل عقد النية والتلبية؟ الجواب: لا ينبغي وضع الطيب على الرداء والإزار، إنما السنة تطيب البدن كرأسه ولحيته وإبطيه ونحو ذلك، أما الملابس فلا يطيبها عند الإحرام؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يلبس شيئا من الثياب مسه الزعفران أو الورس» . فالسنة أنه يتطيب في بدنه فقط أما ملابس الإحرام فلا يطيبها وإذا طيبها لم يلبسها حتى يغسلها أو يغيرها.
(1/200)
13 - ما حكم من كان في منى قبل يوم التروية هل يدخل ويحرم من مكة أو يحرم من منى؟ الجواب: الجالس في منى يشرع له أن يحرم من منى والحمد لله ولا حاجة إلى الدخول إلى مكة، بل يلبي من مكانه بالحج إذا جاء وقته.
14 - المتمتع هل له وقت محدود يتمتع فيه وهل له أن يحرم بالحج قبل يوم التروية؟ الجواب: نعم الإحرام بالتمتع له وقت محدود وهو شوال وذو القعدة والعشر الأول من ذي الحجة، هذه أشهر الحج، فليس له أن يحرم بالتمتع قبل شوال ولا بعد ليلة العيد، ولكن الأفضل أن يحرم بالعمرة وحدها فإذا فرغ منها أحرم بالحج وحده هذا هو التمتع الكامل وإن أحرم بهما جميعا سمي متمتعا وسمي قارنا وفي الحالتين جميعا عليه دم يسمى دم التمتع وهو ذبيحة واحدة تجزئ في الأضحية أو سبع بدنة أو سبع بقرة لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] فإن عجز صام عشرة أيام، ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله والمدة غير محددة كما تقدم. فلو أحرم بالعمرة في أول شوال وحل منها صارت المدة بين
(1/201)
العمرة وبين الإحرام بالحج طويلة إلى ثامن ذي الحجة، فالأفضل أن يحرم بالحج في ثامن ذي الحجة كما أحرم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك بأمر النبي عليه الصلاة والسلام فإنه أمرهم أن يحلوا من إحرامهم لما قدموا مفردين بالحج وبعضهم قدم قارنا بين الحج والعمرة، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحلوا إلا من كان معه الهدي، فطافوا وسعوا وقصروا وحلوا وصاروا متمتعين بذلك، فلما كان يوم التروية وهو اليوم الثامن، أمرهم أن يهلوا بالحج من منازلهم، وهذا هو الأفضل، ولو أهل بالحج قبل ذلك في أول ذي الحجة أو قبل ذلك أجزأه وصح ولكن الأفضل أن يكون إهلاله بالحج في اليوم الثامن كما فعله أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمره عليه الصلاة والسلام.
15 - ما حكم من جاوز الميقات دون أن يحرم سواء كان لحج أو عمرة أو لغرض آخر؟ الجواب: من جاوز الميقات لحج أو عمرة ولم يحرم وجب عليه الرجوع والإحرام بالحج والعمرة من الميقات، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلام أمر بذلك قال عليه الصلاة والسلام: «يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، ويهل أهل الشام من الجحفة، ويهل أهل نجد من قرن، ويهل أهل اليمن من يلملم» هكذا جاء في الحديث
(1/202)
الصحيح وقال ابن عباس: «وقت النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرنا ولأهل اليمن يلملم هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة» فإذا كان قصده الحج أو العمرة يلزمه أن يحرم من الميقات الذي يمر عليه فإن كان من طريق المدينة أحرم من ذي الحليفة وإن كان من طريق الشام أو مصر أو المغرب أحرم من الجحفة من رابغ الآن، وإن كان من طريق اليمن أحرم من يلملم، وإن كان من طريق نجد أو الطائف أحرم من وادي قرن ويسمى قرنا ويسمى السيل الآن ويسميه بعض الناس وادي محرم فيحرم من ذلك بحجة أو عمرة أو بهما جميعا، والأفضل إذا كان في أظهر الحج أن يحرم بالعمرة فيطوف لها وسعى ويقصر ويحل ثم يحرم بالحج في وقته، وإن كان مر على الميقات في غير أشهر الحج مثل رمضان أو شعبان، أحرم بالعمرة فقط، هذا هو المشروع أما إن كان قدم لغرض آخر لم يرد حجا ولا عمرة إنما جاء لمكة للبيع أو الشراء أو لزيارة بعض أقاربه وأصدقائه أو لغرض آخر ولم يرد حجا ولا عمرة فهذا ليس عليه إحرام على الصحيح وله أن يدخل بدون إحرام، هذا هو الراجح في قولي العلماء والأفضل أنه يحرم بالعمرة ليغتنم الفرصة.
(1/203)
16 - إذا خاف المحرم ألا يتمكن من أداء نسكه بسبب مرض أو خوف فماذا يفعل؟ الجواب: إذا أحرم يقول عند إحرامه: (فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني) إذا كان يخاف شيئا من الموانع كالمرض فالسنة الاشتراط لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب بذلك لما اشتكت إليه أنها مريضة. [للمرأة أن تحرم في أي الثياب شاءت] 17 - هل يجوز للمرأة أن تحرم في أي الثياب شاءت؟ الجواب: نعم تحرم فيما شاءت، ليس لها ملابس مخصوصة في الإحرام كما يظن بعض العامة، لكن الأفضل أن يكون إحرامها في ملابس غير جميلة وغير لافتة للنظر، لأنها تختلط بالناس فينبغي أن تكون ملابسها غير لافتة للنظر وغير جميلة بل عادية ليس فيها فتنة ولو أحرمت في ملابس جميلة صح إحرامها لكنها تركت الأفضل. أما الرجل فالأفضل أن يحرم في ثوبين أبيضين - إزار ورداء - وإن أحرم في غير أبيضين فلا بأس. وقد ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه طاف ببرد أخضر، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه لبس العمامة السوداء عليه الصلاة والسلام، فالحاصل أنه لا بأس أن يحرم في ثوب غير أبيض.
(1/204)
18 - متى يحرم الحاج والمعتمر القادم عن طريق الجو؟ الجواب: القادم عن طريق الجو أو البحر يحرم إذا حاذى الميقات مثل صاحب البر إذا حاذى الميقات أحرم في الجو أو في البحر أو قبله بيسير حتى يحتاط لسرعة الطائرة وسرعة السفينة أو الباخرة.
19 - من كان سكنه دون المواقيت فمن أين يحرم؟ الجواب: من كان دون المواقيت أحرم من مكانه مثل أهل أم السلم وأهل بحرة يحرمون من مكانهم وأهل جدة يحرمون من بلدهم لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس: «ومن كان دون أي دون ذلك - أي دون المواقيت - فمهله من حيث أنشأ» وفي لفظ آخر: «فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون منها» .
20 - من أي مكان يحرم الحاج يوم التروية؟ الجواب: يحرم من منزله كما أحرم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من منازلهم في الأبطح في حجة الوداع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا من كان في داخل مكة يحرم من منزله لحديث ابن عباس السابق وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ومن كان دون ذلك - أي دون المواقيت - فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون منها» متفق على صحته.
(1/205)
[نوى بالحج قادما من أحد البلدان وهبطت الطائرة في مطار جدة ولم يحرم] فأحرم من جدة 21 - ما حكم من نوى بالحج قادما من أحد البلدان وهبطت الطائرة في مطار جدة ولم يحرم فأحرم من جدة فماذا عليه؟ الجواب: إذا هبطت الطائرة في جدة وهو من أهل الشام أو مصر فإنه يحرم من رابغ يذهب إلى رابغ في السيارة أو غيرها ويحرم من رابغ ولا يحرم من جدة، وهكذا لو كان جاء من نجد ولم يحرم حتى نزل إلى جدة يذهب إلى السيل وهو " وادي قرن "، فيحرم منه، فإذا أحرم من جدة ولم يذهب فعليه دم شاة واحدة تجزئ في الأضحية يذبحها في مكة للفقراء أو سبع بدنة أو سبع بقرة كما تقدم جبرا لحجته أو عمرته. [نوى الحج بالإفراد ثم بعد وصوله إلى مكة قلبه تمتعا فأتى بالعمرة ثم] تحلل منها 22 - ما حكم من نوى الحج بالإفراد ثم بعد وصوله إلى مكة قلبه تمتعا فأتى بالعمرة ثم تحلل منها فماذا عليه ومتى يحرم بالحج ومن أين؟ الجواب: هذا هو الأفضل إذا قدم المحرم بالحج أو بالحج والعمرة جميعا فإن الأفضل أن يجعلها عمرة وهو الذي أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه لما قدموا، بعضهم قارن وبعضهم مفرد بالحج، وليس معهم هدي، أمرهم أن يجعلوها عمرة، فطافوا وسعوا
(1/206)
وقصروا وحلوا إلا من كان معه الهدي فإنه يبقى على إحرامه حتى يحل منهما إن كان قارنا أو من الحج إن كان محرما بالحج يوم العيد. المقصود أن من جاء مكة محرما بالحج وحده أو بالحج والعمرة جميعا وليس معه هدي فإن السنة أن يفسخ إحرامه إلى عمرة فيطوف ويسعى ويقصر ويتحلل ثم يحرم بالحج في وقته ويكون متمتعا وعليه دم التمتع.
23 - ما حكم من نوى بالحج متمتعا وبعد الميقات غير رأيه ولبى بالحج مفردا هل عليه هدي؟ الجواب: هذا يختلف فإن كان نوى قبل وصوله إلى الميقات نوى أنه يتمتع، وبعد وصوله إلى الميقات غير نيته وأحرم بالحج وحده فهذا لا حرج عليه ولا فدية، أما إن كان لبى بالعمرة والحج جميعا من الميقات أو قبل الميقات ثم أراد أن يجعله حجا فليس له ذلك ولكن لا مانع أن يجعله عمرة أما أن يجعله حجا فلا، فالقران لا يفسخ إلى حج ولكن يفسخ إلى عمرة لأنه أرفق بالمؤمن ولأنها هي التي أمر بها النبي أصحابه عليه الصلاة والسلام فإذا أحرم بهما جميعا من الميقات ثم أراد أن يجعله حجا مفردا فليس له ذلك ولكن له أن يجعل ذلك عمرة مفردة وهو الأفضل له، فيطوف ويسعى ويقصر ويحل ثم يلبي بالحج بعد ذلك فيكون متمتعا.
(1/207)
[أحرم بالحج والعمرة وبعد وصوله إلى مكة ضاعت نفقته ولم يستطع أن يفدي] وغير نيته إلى حج مفرد 24 - ما حكم من أحرم بالحج والعمرة وبعد وصوله إلى مكة ضاعت نفقته ولم يستطع أن يفدي وغير نيته إلى حج مفرد هل يصح ذلك. وإذا كانت الحجة لغيره ومشترطا عليه التمتع فماذا يفعل؟ الجواب: ليس له ذلك ولو ضاعت نفقته إذا عجز يصوم عشرة أيام، والحمد لله، ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ويبقى على تمتعه، وعليه أن ينفذ الشرط بأن يحرم بالعمرة ويطوف ويسعى ويقصر ويحل ثم يلبي بالحج ويفدي فإن عجز صام عشرة أيام ثلاثة في الحج قبل عرفة وسبعة إذا رجع إلى أهله لأن الأفضل أن يكون يوم عرفة مفطرا اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه وقف بها مفطرا. [أحرم بالحج والعمرة قارنا وبعد العمرة حل الإحرام] 25 - ما حكم من أحرم بالحج والعمرة قارنا وبعد العمرة حل الإحرام هل يعتبر متمتعا؟ الجواب: نعم إذا أحرم بالحج والعمرة قارنا ثم طاف وسعى وقصر وجعلها عمرة يسمى متمتعا وعليه دم التمتع.
(1/208)
26 - ما حكم من حج وهو تارك للصلاة سواء كان عامدا أو متهاونا وهل تجزئه عن حجة الإسلام؟ الجواب: من حج وهو تارك للصلاة فإن كان عن جحد لوجوبها كفر إجماعا ولا يصح حجه، أما إن كان تركها تساهلا وتهاونا فهذا فيه خلاف بين أهل العلم منهم من يرى صحة حجه، ومنهم من لا يرى صحة حجه. والصواب أنه لا يصح حجه أيضا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» وقوله صلى الله عليه وسقم: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة» وهذا يعم من جحد وجوبها، ويعم من تركها تهاونا، والله ولي التوفيق.
27 - ما حكم استعمال المرأة لحبوب منع العادة الشهرية في أيام الحج؟ الجواب: لا حرج في ذلك لأن فيها فائدة ومصلحة حتى تطوف مع الناس وحتى لا تعطل رفقتها.
(1/209)
28 - إذا حاضت المرأة أو نفست بعد إحرامها هل يصح لها أن تطوف بالبيت أو ماذا تفعل وهل عليها وداع؟ الجواب: إذا نفست أو حاضت حين قدومها للعمرة وقفت عن ذلك حتى تطهر فإذا طهرت تطوف وتسعى وتقصر وتمت عمرتها، فإذا كان هذا بعد العمرة أو بعد ما أحرمت بالحج في اليوم الثامن فإنها تعمل أعمال الحج من الوقوف بعرفة ومزدلفة ورمي الجمار وغير ذلك من التلبية والذكر، فإذا طهرت طافت وسعت لحجها، والحمد لله، فإن جاءها الحيض بعد الطواف والسعي وقبل الوداع سقط عنها الوداع؛ لأن الحائض والنفساء ليس عليهما وداع. [ركعتا الطواف خلف المقام] 29 - هل ركعتا الطواف خلف المقام تلزم لكل طواف وما حكم من نسيها؟ الجواب: لا تلزم خلف المقام، تجزئ الركعتان في كل مكان من الحرم، ومن نسيها فلا حرج عليه لأنها سنة وليست واجبة.
(1/210)
[من أخر طواف الإفاضة إلى طواف الوداع وجعله طوافا وحكم طواف الإفاضة] ليلا 30 - ما حكم من أخر طواف الإفاضة إلى طواف الوداع وجعله طوافا واحدا بنية طواف الإفاضة والوداع معا، وهل يجوز أن يؤدي طواف الإفاضة ليلا؟ الجواب: لا حرج في ذلك إذا طاف عند السفر بعد أعمال الحج فإن طوافه للإفاضة يكفيه عن طواف الوداع، سواء نوى طواف الوداع مع طواف الإفاضة أو لم ينو، المقصود أن طواف الإفاضة يكفي وحده عن طواف الوداع إذا كان عند الخروج وإن نواهما جميعا فلا حرج في ذلك، ويجوز أن يؤدي طواف الإفاضة وطواف الوداع ليلا أو نهارا.
31 - ما الحكم إذا أقيمت الصلاة والحاج أو المعتمر لم ينته من إكمال الطواف أو السعي؟ الجواب: يصلي مع الناس ثم يكمل طوافه وسعيه من حيث انتهى، يبدأ من حيث انتهى.
32 - هل يلزم للطواف والسعي طهارة؟ الجواب: تلزم الطهارة في الطواف فقط، أما السعي فالأفضل أن يكون عن طهارة وإن سعى بدون طهارة أجزأ ذلك.
(1/211)
33 - هل طواف الوداع واجب في العمرة، وهل يجوز شراء شيء من مكة بعد طواف الوداع سواء كان حجا أو عمرة؟ الجواب: طواف الوداع ليس بواجب في العمرة ولكن فعله أفضل، فلو خرج ولم يودع فلا حرج أما في الحج فهو واجب لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا ينفرن أحد منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت» وهذا كان خطابا للحجاج. وله أن يشتري ما يحتاج إليه بعد الوداع من جميع الحاجات حتى ولو اشترى شيئا لتجارة مادامت المدة قصيرة لم تطل أما إن طالت المدة فإنه يعيد الطواف فإن لم تطل عرفا فلا إعادة عليه مطلقا.
34 - هل يجوز تقديم السعي على الطواف سواء كان في الحج أو في العمرة؟ الجواب: السنة أن يكون الطواف أولا ثم السعي بعده فإن سعى قبل الطواف جهلا منه فلا حرج في ذلك وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه سأله رجل فقال: سعيت قبل أن أطوف، قال: «لا حرج» فدل ذلك على أنه إن قدم السعي أجزأه، لكن السنة أن يطوف ثم يسعى هذا هو السنة في العمرة والحج جميعا.
(1/212)
35 - ما هي صفة السعي ومن أي مكان يبدأ الساعي وما عدد أشواطه؟ الجواب: يبدأ من الصفا ويختم بالمروة والعدد سبعة أشواط أولها يبدأ بالصفا وآخرها ينتهي بالمروة يذكر الله فيها ويسبحه ويدعو ويكرر الذكر والدعاء والتكبير على الصفا والمروة ثلاث مرات رافعا يديه مستقبلا القبة لفعله - صلى الله عليه وسلم - ذلك.
36 - أيهما أفضل الحلق أو التقصير بعد أداء النسك في العمرة أو الحج، وهل يجزئ تقصير بعض الرأس؟ الجواب: الأفضل الحلق في العمرة والحج جميعا لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - دعا للمحلقين ثلاثا بالمغفرة والرحمة، وللمقصرين واحدة فالأفضل الحلق لكن إذا كانت العمرة قرب الحج فالأفضل فيها التقصير حتى يتوفر الحلق في الحج؛ لأن الحج أكمل من العمرة فيكون الأكمل للأكمل. أما إن كانت العمرة بعيدة عن الحج مثلا في شوال يمكن لشعر الرأس أن يطول فإنه يحلق حتى يحوز فضل الحلق. ولا يجزئ تقصير بعض الرأس ولا حلق بعضه في أصح قولي العلماء بل الواجب حلق الرأس كله أو تقصيره كله، والأفضل أن يبدأ بالشق الأيمن في الحلق والقصير.
(1/213)
37 - متى يتوجه الحاج إلى عرفة ومتى ينصرف منها؟ الجواب: يشرع التوجه إليها بعد طلوع الشمس من يوم عرفة وهو اليوم التاسع ويصلي بها الظهر والعصر جمعا وقصرا جمع تقديم بأذان واحد وإقامتين تأسيا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم ويبقى فيها إلى غروب الشمس مشتغلا بالذكر والدعاء وقراءة القرآن والتلبية حتى تغيب الشمس ويشرع الإكثار من قول (إلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ولا حوله ولا قوة إلا بالله) ويرفع يديه بالدعاء ويحمد الله ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الدعاء ويستقبل القبلة، وعرفة كلها موقف، فإذا غابت الشمس شرع للحجاج الانصراف إلى مزدلفة بسكينة ووقار مع الإكثار من التلبية فإذا وصلوا مزدلفة صلوا المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين.
38 - ما حكم الوقوف بمزدلفة والمبيت فيها وما قدره. ومتى يبدأ الحاج الانصراف منها؟ الجواب: المبيت بمزدلفة واجب على الصحيح، وقال بعضهم إنه ركن، وقال بعضهم مستحب، والصواب من أقوال أهل العلم أنه
(1/214)
واجب من تركه فعليه دم، والسنة أن لا ينصرف منها إلا بعد صلاة الفجر وبعد الإسفار يصلي فيها الفجر فإذا أسفر توجه إلى منى ملبيا والسنة أن يذكر الله بعد الصلاة ويدعو فإذا أسفر توجه إلى منى ملبيا. ويجوز للضعفة من النساء والرجال والشيوخ الانصراف من مزدلفة في النصف الأخير من الليل رخص لهم النبي - عليه الصلاة والسلام - أما الأقوياء فالسنة لهم أن يبقوا حتى يصلوا الفجر وحتى يذكروا الله كثيرا بعد الصلاة ثم ينصرفوا قبل أن تطلع الشمس، ويسن رفع اليدين مع الدعاء في مزدلفة مستقبلا القبلة كما فعل في عرفة، ومزدلفة كلها موقف.
39 - ما حكم المبيت خارج منى أيام التشريق سواء كان ذلك عمدا أو لتعذر وجود مكان فيها، ومتى يبدأ الحاج بالنفير من منى؟ الجواب: المبيت في منى واجب على الصحيح ليلة إحدى عشرة وليلة اثنتي عشرة هذا هو الذي رجحه المحققون من أهل العلم على الرجال والنساء من الحجاج فإن لم يجدوا مكانا سقط عنهم ولا شيء عليهم ومن تركه بلا عذر فعليه دم، ويبدأ الحاج بالنفير من منى إذا رمى الجمرات يوم الثاني عشر بعد الزوال فله الرخصة أن ينزل من
(1/215)
منى وإن تأخر حتى يرمي الجمرات في اليوم الثالث عشر بعد الزوال فهو أفضل.
40 - ما هو الأفضل للحاج في أعمال يوم النحر وهل يجوز التقديم والتأخير؟ الجواب: السنة في يوم النحر أن يرمي الجمرات يرمي جمرة العقبة وهي التي تلي مكة يرميها بسبع حصيات كل حصاة على حدة يكبر مع كل حصاة ثم ينحر هديه إن كان عنده هدي ثم يحلق رأسه أو يقصره والحلق أفضل ثم يطوف ويسعى إن كان عليه سعي هذا هو الأفضل كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه رمى ثم نحر ثم حلق ثم ذهب إلى مكة فطاف عليه الصلاة والسلام، هذا الترتيب هو الأفضل: الرمي ثم النحر ثم الحلق أو التقصير ثم الطواف والسعي إن كان عليه سعي فإن قدم بعضها على بعض فلا حرج لو نحر قبل أن يرمي أو أفاض قبل أن يرمي أو حلق قبل أن يرمي أو حلق قبل أن يذبح كل هذا لا حرج فيه. النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن من قدم أو أخر قال: «لا حرج لا حرج» .
(1/216)
41 - ما حكم التوكيل في الرمي عن المريض والمرأة والصبي؟ الجواب: لا بأس بالتوكيل عن المريض والمرأة العاجزة كالحبلى والثقيلة والضعيفة التي لا تستطيع رمي الجمار فلا بأس بالتوكيل عنهم أما القوية النشيطة فإنها ترمي بنفسها ومن عجز عنه نهارا بعد الزوال رمى في الليل، من عجز يوم العيد، رمى ليلة إحدى عشرة عن يوم العيد ومن عجز يوم الحادي عشر، رمى ليلة اثنتي عشرة عن يوم الحادي عشر ومن عجز في اليوم الثاني عشر أو فاته الرمي بعد الزوال رمى في الليلة الثالثة عشرة عن يوم الثاني عشر وينتهي الرمي بطلوع الفجر. أما في النهار فلا يرمي إلا بعد الزوال في أيام التشريق.
42 - هل يجوز رمي الجمرات الثلاث في أيام التشريق ليلا لمن ليس لديه عذر وهل يجوز لمن دفع مع النساء والضعفة ليلة النحر بعد منتصف الليل من مزدلفة أن يرمي جمرة العقبة أم لا؟ الجواب: يجوز الرمي بعد الغروب على الصحيح لكن السنة أن يرمي بعد الزوال قبل الغروب هذا هو الأفضل إذا تيسر وإذا لم
(1/217)
يتيسر فله الرمي بعد الغروب على الصحيح. ومن دفع مع الضعفة والنساء فحكمه حكمهم، من دفع معهم من الأقوياء من محارم ومن سائقين ومن غيرهم من الأقوياء فحكمه حكمهم يجزئه أن يرمي في آخر الليل مع النساء.
43 - متى يبدأ الحاج رمي الجمرات؟ وما كيفية الرمي؟ وما عدد الحصى؟ وبأي الجمرات يبدأ الرمي ومتى ينتهي؟ الجواب: يرمي أول الجمار يوم العيد وهي الجمرة التي تلي مكة ويقال لها (جمرة العقبة) يرميها يوم العيد وإن رماها في النصف الأخير من ليلة النحر كفى ذلك، ولكن الأفضل أن يرميها ضحى ويستمر إلى غروب الشمس فإن فاته الرمي رماها بعد غروب الشمس ليلا عن يوم العيد يرميها واحدة بعد واحدة ويكبر مع كل حصاة أما في أيام التشريق فيرميها بعد زوال الشمس يرمي الأولى التي تلي مسجد الخيف بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم الوسطى بسبع حصيات ثم الأخيرة بسبع حصيات في اليوم الحادي عشر والثاني عشر وهكذا الثالث عشر لمن لم يتعجل. والسنة أن يقف بعد الأولى وبعد الثانية بعدما يرمي الأولى يقف مستقبلا القبلة ويجعلها عن يساره ويدعو ربه طويلا وبعد الثانية يقف
(1/218)
ويجعلها عن يمينه مستقبلا القبلة ويدعو ربه طويلا في اليوم الحادي عشر والثاني عشر وفي اليوم الثالث عشر لمن لم يتعجل، أما الجمرة الأخيرة التي تلي مكة فهذه يرميها ولا يقف عندها لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - رماها ولم يقف عندها عليه الصلاة والسلام.
44 - ما حكم من حصل عنده شك بأن بعض الحصى لم يسقط في الحوض؟ الجواب: من شك فعليه التكميل يأخذ من الحصى الذي عنده في منى من الأرض ويكمل بها. [الرمي من الحصى الذي حول الجمار] 45 - هل يجوز للحاج أن يرمي من الحصى الذي حول الجمار؟ الجواب: يجوز له ذلك لأن الأصل أنه لم يحصل به الرمي أما الذي في الحوض فلا يرمي بشيء منه.
(1/219)