الوصف
هذا البحث اليسير يتضمن شواهد وآيات وبراهين ومعجزات - بما فيها من إعجاز علمي - تشهد لهذا الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم بالرسالة.
شواهد ودلائل ومعجزات وآيات كونية
كلها تشهد
برسالة هذا الرسول الأمين
وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين
جمع وترتيب
محمد السيد محمد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين سيدنا محمد ﷺ إلى يوم الدين.
ثم أما بعد،،،
فقد اطلعت على بحث: محمد ﷺ رسول الله حقًّا وصدقًا.
شواهد ودلائل ومعجزات وآيات كونية كلها تشهد برسالة هذا النبي، الرسول الأمين، وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين.
جمع وترتيب أخي الكريم: أ/ محمد السيد محمد، وسرني ما وجدت فيه من مادة علمية شائقة، وحسن ترتيب، وجمال تنسيق وتبويب، مع شموله لمضمون يكشف عنه عنوانه -وإن كان طويلًا- وإتحاف للقارئ الكريم؛ ببدائع من النقول، وفوائد من مكتشفات العلم الحديث، وهو في مجمله نافع مفيد بإذن الله تعالى.
وأسأل الله تعالى أن ينفع بجهده، وأن يتقبل عمله، إنه تعالى سميع قريب.
ياسر محمود محمود
مدرس مساعد بكلية أصول الدين بطنطا
الحمد لله رب العالمين، فاطر السماوات والأرض، جاعل الظلمات والنور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا ﷺ عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على محمد النبي خاتم النبيين والمرسلين، وصل اللهم وسلم وبارك على آل بيته وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره ﷺ إلى يوم الدين.
أما بعد:
إن الله سبحانه وتعالى يدافع عن أنبيائه، ويحافظ على مكانتهم بين الخلائق، سواء كان ذلك في حياتهم أو بعد مماتهم، ولقد اختص الله عز وجل محمدًا ﷺ بالقدر الأكبر من الحماية؛ نظرًا للاضطهاد الشديد الذي لاقاه أثناء دعوته ﷺ للدين الإسلامي، وكذلك نظرًا للافتراءات والاتهامات التي تصدر كل حين من كل فئة ضالة مضلة؛ للنيل من عقيدة الإسلام التي جعلها الله سبحانه وتعالى هي العقيدة الصحيحة لجميع البشر، فكانت حماية الله عز وجل لمحمد ﷺ عكس أهواء الحاقدين، وضد مصالحهم الشخصية.
ولقد عظم الله عز وجل من شأن رسوله محمد ﷺ خاتم المرسلين، ورفعه فوق البشر جميعًا؛ لما أكرمه وحباه، واختصه بصفات قيادية وأخلاقية وسلوكية لا يمكن أن تتحقق لإنسان آخر.
ولذا فإن هذا البحث اليسير يتضمن شواهد وآيات وبراهين ومعجزات -بما فيها من إعجاز علمي- تشهد لهذا الرسول الخاتم ﷺ بالرسالة.
والتي كانت سببًا في شهادة عباقرة المفكرين لرسول الله ﷺ، وسببًا في شهادة علماء الغرب برسالته ﷺ، لما تحقق لديهم من صدق القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة بعدما تم اكتشاف الكثير والكثير من الحقائق العلمية الحديثة، والتي أشار إليها القرآن الكريم، وأشارت إليها الأحاديث النبوية الشريفة بدقة بالغة، وبوصف كامل منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة، والتي لم يكن يعلم أي من هذه الحقائق العلمية أحد، فثبت لديهم أن القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى، وأن محمدًا ﷺ الذي يصرح بتصريحات علمية مذهلة هو رسول من عند الله سبحانه وتعالى.
ويحتوي هذا البحث على نماذج من أقوال واعترافات وتصريحات هؤلاء المفكرين والعلماء الذين شهدوا لمحمد ﷺ بالرسالة.
ومن هذه الكتب الإسلامية التي قد تم جمع هذا البحث منها:
(1) الرسالة المحمدية (2) إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان.
(3) مجموعة كتب في الإعجاز العلمي للدكتور/ زغلول النجار.
(4) إعجاز القرآن في ما تخفيه الأرحام، للأستاذ/ كريم نجيب الأغر.
(5) مسموعات تسجيلية، للدكتور/ زغلول النجار.
ويتضمن شهادات من الكتب السابقة -التوراة والإنجيل- برسالة محمد ﷺ وتبشيرها به ﷺ.
ويتضمن أيضًا صفات أخلاقية حميدة لهذا الرسول المحمود محمد ﷺ، وصفات لخلقته، وحاله ومنطقه ﷺ .
ثم يختم هذا البحث الذي قد تم جمعه من عدة كتب إسلامية برسالة دعوية قصيرة.
وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يتقبل منا ومن الجميع صالح الأعمال، وأن ينميه لنا سبحانه وتعالى.
فالله سبحانه وتعالى يظهر الحق على الباطل، فهو القائل في كتابه العظيم؛ القرآن الكريم: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) [الأنبياء: ١٨].
* * *
لقد جرت سنة الله سبحانه وتعالى أن يبعث رسله حين تشتد حاجة العالم إليهم، وحين يضل الناس عن سبيل الله الذي يصلهم بربهم، ويصل بعضهم ببعض، بعد أن فسد الناس، وضلوا، واختلفوا، وتقاطعوا، واشتدت الحاجة إلى رسالة تصلح العقائد، وتداوي النفوس، وتربط الناس بعضهم ببعض، وتوجههم جميعًا في وحدة منسجمة متآلفة إلى بارئهم وخالقهم؛ ليقوموا بواجب الشكر له على ما أنعم به عليهم وأسداه إليهم، وما أرسل به رسوله من عقائد صافية، وعبادات هادية، ومعاملات حكيمة، وأخلاق كريمة، وتشاريع قويمة على أساس من الخير والحق والفضيلة.([1])
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا* وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) [الأحزاب: ٤٥، ٤٦].
وقال الله تعالى: (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف:157].
وقال تعالى: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ* فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة: ١٥١، ١٥٢].
ولكي تتجلى لنا وتتضح أهمية العقيدة التي جاء بها رسول الله محمد ﷺ نلاحظ ما يلي:
يقول صاحب الظلال(رحمه الله):لقد شاءت حكمة الله عز وجل أن تكون قضية العقيدة هي القضية التي تتصدى لها الدعوة منذ اليوم الأول للرسالة، وأن يبدأ رسول الله ﷺ أولى خطواته في الدعوة بدعوة الناس أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن يمضي في دعوته يُعرف الناس بربهم الحق، ويُعَبِّدَهم له دون سواه.
ويُدلل على ذلك:
أ- قد كانت بلاد الشام كلها في الشمال خاضعة للروم يحكمها أمراء من العرب من قبل الروم، وبلاد اليمن كلها في الجنوب خاضعة للفرس يحكمها أمراء من العرب من قبل الفرس، وليس في أيدي العرب إلا الحجاز ونجد، وما إليها من الصحاري القاحلة التي تتناثر فيها الراحات الخصبة هنا وهناك.
وكان في استطاعة محمد ﷺ وهو الصادق الأمين الذي حَكَّمَهُ أشرافُ قريش قبل ذلك في وضع الحجر الأسود، وارتضوا حكمه منذ خمسة عشر عامًا، وهو في الذؤابة من بني هاشم أعلى قريش نسبًا أن يثيرها قومية عربية تستهدف تجميع قبائل العرب التي أكلتها الثائرات ومزقتها النزاعات، وتوجيهها وجهة قومية لاستخلاص أرضها المغتصبة من الإمبراطوريات المستعمرة (الرومان في الشمال والفرس في الجنوب) وإعلاء راية العربية والعروبة، وإنشاء وحدة قوية في كل أرجاء الجزيرة.
ولو دعا يومها رسول الله ﷺ هذه الدعوة لاستجابت له العرب قاطبة - على الأرجح- بدلًا من أن يعاني ثلاثة عشر عامًا في اتجاه معارض لتصحيح عقيدة العرب، ومن ثم غيرهم، والناس أجمعين.
وربما قيل: إن محمدًا ﷺ كان خليقًا بعد أن تستجيب له العرب هذه الاستجابة، وبعد أن يولوه فيهم القيادة والسيادة، وبعد استجماع السلطان في يديه، والمجد فوق مفرقه، أن يستخدم هذا كله في إقرار عقيدة التوحيد التي بعثه بها ربه، ولكن الله سبحانه وتعالى -وهو العليم الحكيم- لم يوجه رسول الله ﷺ هذا التوجيه، إنما وجهه إلى أن يصدع بلا إله إلا الله، وأن يحتمل هو والقلة التي تستجيب لكل هذا العناء، لماذا؟
إن الله سبحانه وتعالى لا يريد أن يعنت رسوله والمؤمنين معه، إنما هو سبحانه وتعالى يعلم أن ليس هذا هو الطريق.
ليس الطريق أن تخلص الأرض من يد سلطان روماني أو سلطان فارسي إلى سلطان عربي، فحسب.
إن الأرض لله ويجب أن تخلص لله، ولا تخلص لله إلا أن ترتفع عليها راية «لا إله إلا الله » فلا سلطان لأحد على أحد إلا الله؛ لأن السلطان كله لله، ولا شريعة إلا من الله، ولأن الجنسية التي يريدها الإسلام للناس هي جنسية العقيدة التي يتساوى فيها العربي والروماني والفارسي وسائر الأجناس تحت راية «لا إله إلا الله».
فهذا هو سلمان الفارسي؛ نسبة إلى الفرس، وهذا هو صهيب الرومي؛ نسبة إلى الروم، وهذا هو بلال الحبشي؛ نسبة إلى بلاد الحبشة، ولكنهم من أصحاب رسول الله ﷺ .
ب- وبُعث رسول الله ﷺ بهذا الدين وحال المجتمع آنذاك كأسوأ ما يكون توزيعًا للثروة والعدالة، قلة قليلة تملك المال والتجارة، وتتعامل بالربا، فتتضاعف تجارتها ومالها، وكثرة كثيرة لا تملك إلا الشظف والجوع، والذين يملكون الثروة يملكون معها الشرف والمكانة، وجماهير كثيفة ضائعة من المال والمجد جميعًا.
وكان في استطاعة محمد ﷺ أن تكون بداية دعوته رفع الراية الاجتماعية، وأن يثيرها حربًا على طبقة الأشراف، وأن يطلق دعوة تستهدف تعديل الأوضاع، ورد أموال الأغنياء على الفقراء.
ولو دعا يومها رسول الله ﷺ هذه الدعوة لانقسم المجتمع العربي إلى جزئين- على الأرجح- الكثرة الغالبة فيه مع الدعوة الجديدة في وجه طغيان المال والشرف بدلًا، من أن يقف المجتمع صفًّا في وجه «لا إله إلا الله» التي لم يرتفع إلى أفقها في ذلك الحين إلا الأفذاذ من الناس.
وربما قيل: إن محمدًا ﷺ كان خليقًا بعد أن تستجيب له الكثرة وتوليه قيادها، فيغلب بها القلة، ويسلس له مقادها أن يستخدم مكانه يومئذ وسلطانه في إقرار عقيدة التوحيد التي بعثه بها ربه.
ولكن الله سبحانه وتعالى -وهو العليم الحكيم- لم يوجهه هذا التوجيه، لقد كان الله سبحانه وتعالى يعلم أن هذا ليس هو الطريق، كان يعلم أن العدالة الاجتماعية لا بد أن تنبثق في المجتمع من تصور اعتقادي شامل يرد الأمر كله لله، ويقبل عن رضى وعن طواعية ما يقضي به الله من عدالة في التوزيع، ومن تكامل بين الجميع يستقر معه في قلب الآخذ والمأخوذ منه أنه ينفذ نظامًا يرضاه الله ويرجو على الطاعة فيه الخير والحسنى في الدنيا والآخرة سواء، فلا تمتلئ قلوبٌ بالأطماع، ولا تمتلئ قلوب بالحقد، ولا تسير الأمور كلها بالسيف والعصا وبالتخويف والإرهاب، ولا تفسد القلوب كلها وتختنق الأرواح، كما يقع في الأوضاع التي قامت على غير الله.
ج- وبُعث رسول اللهr والمستوى الأخلاقي في الجزيرة العربية في الدرك الأسفل في جوانب شتى إلى جانب ما كان في المجتمع من فضائل الخامة البدوية، كان التظالم فاشيًا في المجتمع، وكان الخمر والميسر من تقاليد المجتمع الفاشية ومن مفاخره، وكانت الدعارة في صور شتى من معالم هذا المجتمع.
وكان في استطاعة محمد ﷺ أن تكون بداية دعوته دعوة إصلاحية، تتناول تقويم الأخلاق، وتطهير المجتمع، وتزكية النفوس، وتعديل القيم والموازين، وكان واجد وقتها- كما يجد كل مصلح أخلاقي في أية بيئة- نفوسًا طيبة يؤذيها هذا الدنس، وتأخذها النخوة لتلبية دعوة الإصلاح والتطهير.
وربما قال قائل: إنه لو صنع رسول الله ﷺ ذلك، فاستجابت له في أول الأمر جمهرة صالحة تتطهر أخلاقها وتزكو أرواحها، فتصبح أقرب إلى قبول العقيدة وحملها بدلًا من أن تثير دعوة «لا إله إلا الله» المعارضة القوية منذ أول الطريق، ولكن الله سبحانه وتعالى -وهو العليم الحكيم- لم يوجه رسول الله ﷺ إلى مثل هذا الطريق.
لقد كان الله سبحانه وتعالى يعلم أن ليس هذا هو الطريق، كان يعلم أن الأخلاق لا تقوم إلا على أساس من عقيدة تضع الموازين، وتقرر القيم، وتقرر السلطة التي ترتكن إليها هذه الموازين والقيم، وأنه قبل تقرير تلك العقيدة تظل القيم كلها متأرجحة، وتظل الأخلاق التي تقوم عليها متأرجحة بلا ضابط وبلا سلطان وبلا جزاء.
فلما تقررت العقيدة بعد الجهد الشاق، وتقررت السلطة التي ترتكن إليها هذه العقيدة، لما عرف الناس ربهم وعبدوه وحده، لما تحرر الناس من سلطان العبيد ومن سلطان الشهوات سواء، لما تقررت في القلوب «لا إله إلا الله» صنع الله بها وبأهلها كل شيء مما يقترحه المقترحون.
- تطهرت الأرض من الرومان والفرس، لا ليتقرر فيها سلطان العرب، ولكن يتقرر فيها سلطان الله.
وتطهر المجتمع من الظلم الاجتماعي بجملة، وقام النظام الإسلامي يعدل بعدل الله، ويزن بميزان الله، ويرفع راية العدل الاجتماعية باسم الله وحده، ويسميها راية الإسلام لا يُقرن إليها اسمًا آخر، ويكتب عليها «لا إله إلا الله».
وتطهرت النفوس والأخلاق، وزكت القلوب والأرواح؛ لأن الرقابة قامت هنالك في الضمائر، ولأن الطمع في رضى الله وثوابه والحياء والخوف من غضبه وعقابه قد قامت كلها مقام الرقابة ومقام العقوبات، وارتفعت البشرية في نظامها وفي أخلاقها وفي حياتها كلها إلى القمة الشاهقة التي لم ترتفع إليها من قبل قط، والتي لم ترتفع إليها من بعد الإسلام إلا في ظل الإسلام، والنبي ﷺ وأصحابه برهان ذلك.
مما سبق يتضح أهمية العقيدة، فالعقيدة هي الأساس، فمن صحت عقيدته في الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، ومن ثم عباداته ومعاملاته -وفقًا لما جاء به الشرع- وخلصت نواياه لله عز وجل صح دينه، وقُبل عمله، ومن فسدت عقيدته- الأساس- فسد دينه وفسد عمله -وإن كان خيرًا- ولم يُقبل، ولم ينتفع به في آخرته التي يرجوها.
- ولنتأمل في العقيدة التي جاء بها محمد ﷺ، والتي كانت سببًا في رقي أهل الإسلام الذين رضوا بالإسلام دينًا، واعتنقوه وعملوا بتعاليمه، وتمسكوا بالكتاب الذي أنزل على رسوله ﷺ .
- كان رسول الله ﷺ يدعو إلى توحيد الألوهية والربوبية؛ يُعرف الناس بإلاههم ويدعوهم إلى عبادته سبحانه وتعالى وحده وإفراده بالعبودية جل شأنه، يعرف الناس بربهم الذي خلقهم وأوجدهم من عدم ورزقهم، وينفي وجود نِدٍّ أو شريك له.
ويدعو كل من أنكر وجوده سبحانه وتعالى إلى الإيمان بموجد هذا الكون المحكم الصنع، يدعوهم إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى.
- يدعو إلى محاربة عبادة الأصنام التي لا تنفع ولا تضر، والتي مع ذلك كان العرب وغيرهم يعبدونها من دون الله عز وجل.
يدعو إلى محاربة كل ما يعبد من دون الله، فالعرب وغيرهم يعبدون الحجارة، والفرس يعبدون النار، واليهود اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله عز وجل، يحلون لهم ما حرم الله، ويحرمون عليهم ما أحل الله، فيتبعونهم.
والنصارى يعبدون بشرًا - المسيح- مخلوقًا يأكل ويشرب وينام، إلى غير ذلك مما يفعله البشر الذين خلقهم الله عز وجل، ومع ذلك يعبدونه من دون الله.
- يدعو إلى عبادة الله وحده، وتنزيهه سبحانه وتعالى عن أي صفة نقص نُسبت إليه من البشر، فنلحظ أن البيئة التي أحاطت بالنبي ﷺ كانت تموج بافتراءات على الخالق جل وعلا، وندلل على ذلك بما يلي:
أ- فلقد افترت العرب على الله كذبًا؛ أنه اتخذ من الملائكة إناثًا، وقالت إن الملائكة بنات الله، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
ب- وافترت اليهود على الله الكذب، وقالوا عزير ابن الله، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، واتخذوا أحبارهم أربابًا من دون الله؛ يُطلقون عليهم الربانيون، فيفترون على الله الكذب، فيحلون لهم ما حرم الله، ويحرمون عليهم ما أحل الله، فيتبعونهم، وحرفوا كتبهم وكذَّبوا أنبياءهم وقتلوهم، وكذَّبوا عبده ورسوله المسيح عيسى ابن مريم رغم ما ظهر لهم من معجزة ولادته عليه السلام وكلامه في المهد، والمعجزات التي أيده الله بها بعد ذلك، وسبوه، وقالوا فيه قولًا قبيحًا، قاتلهم الله، ونسبوا إلى أمه السيدة مريم العذراء ما يستعف اللسان ذكره، فلقد نسبوا إليها الزنا، قاتلهم الله.
فهي العابدة الزاهدة التقية الصالحة، أيدها ربها تبارك وتعالى بمعجزة كلام ولدها المسيح عيسى ابن مريم في المهد، وبمعجزاته عليه السلام بعد ذلك.
فلقد نسبت هذه الأمة الغضبية إلى المسيح عيسى ابن مريم السحر، وقالوا: إنه ساحر، ولد بغية، ونُسبت أُمه إلى الفجور.([2])
ونَسبت لوطًا عليه السلام إلى أنه وطئ ابنتيه وأولدهما وهو سكران من الخمر، ونسبت سليمان عليه السلام إلى أنه كان ملكًا ساحرًا وكان أبوه عندهم ملكًا مسيحًا، ونسبوا يوسف عليه السلام إلى أنه حل تكة سراويله وتكة سراويل سيدته، وأنه قعد منها مقعد الرجل من امرأته، وأن الحائط انشق له فرأى أباه يعقوب عاضًّا على أنامله، فلم يقم حتى نزل جبريل عليه السلام، فقال: يا يوسف تكون من الزناة وأنت معدود عند الله من الأنبياء، فقام حينئذ، وذلك قولهم، وغير ذلك الكثير والكثير من افتراءاتهم وكذبهم.(2)
ويقولون في صلاتهم في العشر الأول من الشهر من كل سنة :(لم تقول الأمم: أين إلههم؟ انتبه كم تنام يا رب؟ استيقظ من رقدتك).(3)
وهؤلاء إنما أقدموا على هذه الكفريات من شدة ضجرهم من الذل والعبودية، وكذبوا رسوله محمد ﷺ خاتم المرسلين، وحاربوه، وحاولوا قتله، ولكن الله عز وجل عصمه منهم ونصره عليهم ونصر دينه تبارك وتعالى، ومع كل هذه الافتراءات، فهم يمثلون أنفسهم بعناقيد الكرم وسائر الناس بالشوك المحيط حيطان الكرم.([3])
وهذا من غاية جهلهم وسفههم فإن المعتنين بمصالح الكرم إنما يجعلون على أعالي حيطانه الشوك؛ حفظًا له وحياطة وصيانة، ولسنا نرى لليهود من سائر الأمم إلا الضرر والذل والصغار، كما يفعل الناس بالشوك.([4])
جـ- وافترت النصارى على الله الكذب، فقالت فرقة منهم: إن المسيح هو الله، وأخرى قالت: إن المسيح هو ابن الله، وأخرى قالت: إن الله ثالث ثلاثة، تعالى الله عن تلك الافتراءات علوًا كبيرًا، لقد نسبوا إلى الله سبحانه وتعالى اتخاذه الولد، وهي صفة نقص لله جل في علاه، فما ينبغي لله عز وجل أن يتخذ ولدًا، فهو القائل سبحانه تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) [البقرة: ١١٦].
وقال: (مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [مريم: ٣٥].
وقال: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا* لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا* تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا* أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا* وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا* إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا* لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا) [مريم: ٨٨ – ٩٤].
وهو القائل سبحانه وتعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [الإخلاص].
فالله عز وجل لم يلد، ولم يولد.
فمن قبل ورضي في معتقده واعتقاده أية صفة نقص في إلهه الذي يعبده، والذي كان عليه أن يمجده ولا يساوي بين فعله وفعل البشر وغيرهم من المخلوقات التي أوجدها الله من عدم، فلا عجب أن نجده يقبل ويرضى في معتقده واعتقاده صفة نقص ثانية وثالثة في إلهه وخالقه ويعيب هو بنفسه إلهه الذي يعبده.
فالبشر وغيرهم من مخلوقات الله تعالى التي أوجدها الله عز وجل من عدم يتزوجون ويلدون ويتكاثرون ويموتون ويحاسبون، ثم بمشيئة الله عز وجل إلى الجنة أو إلى النار يدخلون.
فمن قبل أن الله سبحانه وتعالى اتخذ ولدًا من الإنس، أو أن له سبحانه وتعالى طبيعة خاصة به معهم نقول لهم توبيخًا واستنكارًا:
أ- فما المانع إذن من أن يكون الله عز وجل قد اتخذ ولدًا من الملائكة، أو أن يكون له طبيعة خاصة به معهم، وهم أهل الملأ الأعلى –السماوات- ولقد خلقهم الله سبحانه وتعالى من نور، فهم أشرف في الخِلقة من البشر الذين هم مخلوقون من طين؟!
وما المانع أيضًا من أن يكون له ولد من الجن أو طبيعة خاصة به معهم؟!
استنكارًا لافتراءات النصارى وأقوالهم الكاذبة على الله تعالى.
فالجن أيضًا من خلق الله سبحانه وتعالى، خلقهم الله عز وجل أيضًا قبل خلق البشر.
ب- وما المانع أيضًا أن يكون الله عز وجل قد اتخذ من خلق آخر غير الإنسان والجن، والذين لا علم لنا بهم ولا بكيفية خلقهم ولدًا ثالثًا ورابعًا، أو أن يكون له سبحانه وتعالى طبيعة ثالثة ورابعة خاصة به معهم؟
توبيخًا واستنكارًا لافتراءات النصارى، وأقوالهم الكاذبة على الله عز وجل.
جـ- وما المانع أن يكون الله سبحانه وتعالى قد اتخذ زوجة أو صاحبة من الإنس وغيرهما من الجن وغيرهم من خلق آخر غير الإنسان والجن؟
توضيحًا لافتراءات النصارى، توبيخًا واستنكارًا لهم.
د- وما الذي يمنع أن يقبل الإنسان أيًا من الصفات والأفعال الأخرى الغير لائقة بذات الله سبحانه وتعالى، والتي تنقص من قدره جل في علاه وهو إلهه الذي يعبده، والذي كان عليه أن ينزهه ويمجده دون سواه؟
توبيخًا واستنكارًا لافتراءاتهم.
هـ- وإذا كان النصارى يعتقدون في المسيح أنه ابن الله؛ لأنه ولد من غير أب، فماذا نقول في آدم عليه السلام، فلقد خلقه الله عز وجل من غير أب ولا أم؟ أنقول عنه أنه إله أو ابن إله؟!
استنكارًا وتوبيخًا لافتراءات النصارى.
حاشا وكلا، فتعالى الله عن مثل تلك الافتراءات علوًا كبيرًا.
فالآثار الدالة على عظمة الله عز وجل كثيرة جدًا لا تحصى، فعقيدة النصارى في إلههم ومعبودهم غير صافية وغير نقية، عقيدة لا تقبلها فطرة سليمة سوية، ولا يقبلها عقل راجح رشيد.
فهم يستوون مع عُبَّاد البقر وغير البقر، فهم يعبدون بشرًا من خلق الله تعالى، وينسبون إليه الألوهية أو جزءًا منها على اختلاف فرقهم بسبب باطلهم المنغمسين فيه؛ وهو المسيح الذي حملت به السيدة مريم العذراء -وهي من البشر- داخل بطنها أثناء فترة حملها، فنقول لهم توبيخًا واستنكارًا لافتراءاتهم:
أ- كيف تحمل السيدة مريم العذراء- وهي من البشر- إلهًا أو ابن إله؟
ب- كيف يحتوي الأدنى الأعلى؟ ما تلك العقيدة الشائبة العكرة الغير صافية، التي لا تقبلها فطرة؟
جـ- ماذا إن تزوج إنسان من بقرة؟ ماذا إن التقت الطبيعة البشرية مع الحيوانية؟ أيولد ما يكون نصفه إنسان والنصف الآخر بقرة؟ أيعقل أن تلتقي الطبيعة الإلهية مع الطبيعة البشرية؟
بالتأكيد لا يقبل العقل السوي والفطرة السليمة أيًا من تلك الادعاءات والافتراءات والأكاذيب، فالله سبحانه وتعالى هو الخالق الموجد من عدم وصفاته غير صفات المخلوقين.
وما الذي يجبره ويرغمه على ذلك وهو الخالق الذي يخلق ما يشاء؟ وكيف يترك ابن الإله نفسه ليُصلب ويُقتل ويُهان دون أن يحمي نفسه؟ وإن عجز عن حماية نفسه، فكيف يترك الإله ابنه ليُصلب ويقتل ويهان دون أن يحميه؟
وكيف يترك الإله ابنه ليصلب ويقتل ويهان من قبل اليهود الذين يكفرون به ويكذبونه، بزعم أن ذلك ليكون سببًا في تكفير ذنوب بني آدم، وهو لا دخل له بهذه الذنوب؟
وما الذي يجبره ويرغمه على ذلك، وهو الخالق الذي يملك العفو والغفران دون أدنى حاجة لمثل تلك الافتراءات والأباطيل التي يعتقدها النصارى؟
وهل يُعقل أن يتحمل بنو آدم ذنوبًا بسبب مخالفة أبيهم آدم لربه عز وجل، وأكله من الشجرة التي قد نُهي أن يأكل منها؟!
أيُعقل أن يتحمل الابن ذنبًا لأبيه أو جزءًا منه وهو لا علاقة له بهذا الذنب؟!
أهذا من حكمة وعدل الإله الذي كان يجب علينا أن نمجده وننزهه عما يليق به؟!
ويا عجبًا، أي قبر يسع إله السموات والأرض؟
فالعقول السوية والفطرة السليمة لا تقبل أدنى شيء من مثل تلك الافتراءات والأكاذيب على الله الخالق البارئ المصور الملك، فتعالى الله عن مثل تلك الافتراءات علوًا كبيرًا.
فالحمد لله تعالى الذي هدانا للإسلام، أسألك ربي أن لا تنزعه عنا وأن تتوفانا على الإسلام، ونقول لمن افترى على الله الكذب:
أعباد المسيح لنا سؤال | نريد جوابه ممن وعاه | |
إذا مات الإله بصنع قوم | أماتوه فما هذا الإله | |
وهل أرضاه ما نالوه منه | فبشراهم إذا نالوا رضاه | |
وإن سخط الذي فعلوه فيه | فقوتهم إذّا أوهت قواه | |
وهل بقي الوجود بلا إله | سميع يستجيب لمن دعاه | |
وهل خلت الطباق السبع لما | ثوى تحت التراب وقد علاه | |
وهل خلت العوالم من إله | يدبرها وقد سمرت يداه | |
وكيف تخلت الأملاك عنه | بنصرهم وقد سمعوا بكاه | |
وكيف أطاقت الخشبات | حمل الإله الحق شد على قفاه | |
وكيف دنا الحديد إليه حتى | يخالطه ويلحقه أذاه | |
وكيف تمكنت أيدي عداه | وطالت حيث قد صفعوا قفاه | |
وهل عاد المسيح إلى حياة | أم المحيى له رب سواه | |
ويا عجبًا لقبر ضم ربًّا | وأعجب منه بطن قد حواه | |
أقام هناك تسعًا من شهور | لدى الظلمات من حيض غذاه | |
وشق الفرج مولودًا صغيرًا | ضعيفًا فاتحًا للثدي فاه | |
ويأكل ثم يشرب ثم يأتي | بلازم ذاك هل هذا إله | |
تعالى الله عن إفك النصارى | سيسأل كلهم عما افتراه | |
أعباد الصليب لأي معنى | يعظم أو يقبح من رماه | |
وهل تقضي العقول بغير كسر | وإحراق له ولمن بغاه | |
إذا ركب الإله عليه كسرها | وقد شدت لتسمير يداه | |
فذاك المركب الملعون حقًّا | فدسه لا تبسه إذا تراه | |
يهان عليه رب الخلق طرا | وتعبده فإنك من عداه | |
فإن عظمته من أجل أن قد | حوى رب العباد وقد علاه | |
وقد فقد الصليب فإن رأينا | له شكلًا تذكرنا سناه | |
فهلا للقبور سجدت طرّا | لضم القبر ربك في حشاه | |
فيا عبد المسيح أفق فهذا | بدايته وهذا منتهاه |
وكذلك من عبد البقر أو غيره- وهم من خلق الله- فهم ينسبون إليه الألوهية، فالباطل صوره كثيرة، فقول النصارى شبيه بقول اليهود، شبيه بقول عباد البقر، شبيه بقول عباد الأصنام وغيرهم، فالجميع جعل لله سبحانه وتعالى ندًا وشريكًا، وشبيهًا، بقول الملحدين الذين أنكروا وجود الله عز وجل حيث إنه كله ذم ونقص لله جل في علاه.
قال الله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر: ٦٧].
(بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الأنعام: ١٠١].
(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) [الإسراء: ١١١].
(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [الإخلاص].
قال رسول الله ﷺ : «يقول الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إيَّاي، فقوله لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إعادته، وأما شتمه إيَّاي، فقوله اتخذ الله ولدًا، وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد» أخرجه البخاري.
فالحق واحد لا يختلف فيه لبيبان ذوا عقل راجح رشيد وفطرة سليمة سوية، وهو الذي جاء به محمد ﷺ، وهو أن «لا إله إلا الله» لم يتخذ ولدًا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل فليس له ولي أو وزير أو مُشير أو حليف، فهو سبحانه وتعالى خالق الأشياء كلها ومدبرها ومقدرها بمشيئته، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد.
فكما أن الله عز وجل لم يلده أحد، فهو الأول قبل كل شيء، فهو لم يلد أحدًا، وليس بحاجة لأحد، فهو الآخر وليس بعده شيء، سبحانه وتعالى فلا مثيل له ولا شبيه.
والحق أن عيسى عليه السلام هو عبد الله ورسوله وهو الذي جاء به محمد ﷺ خاتم المرسلين بدون إفراط أو تفريط بدون غلو النصارى فيه ونسب الألوهية له، وبدون تفريط اليهود وشتمهم وتكذيبهم له ونسبهم السحر إليه، وقولهم إنه ساحر، ولد بغية ونسب أمه إلى الفجور، قاتلهم الله.
فعلى الإنسان أن يستخدم عقله الذي أهداه الله إياه؛ ليكون سببًا في التعرف على عظمة خالقه وقدرته، عن طريق التأمل في بديع صنعته، فينزهه ويمجده عما سواه.
فالمسيح عيسى -عليه السلام- له معجزات تشهد له بالنبوة والرسالة، كما لغيره من الرسل، فهذا هو النجاشي ملك الحبشة، كان نصرانيًا فأسلم بعدما علم ما جاء به الإسلام من عقيدة وشريعة وتعاليم، قد علم عنه رسول الله ﷺ أنه ملك عادل لا يُظلم عنده أحد، فأمر المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة فرارًا بدينهم من الفتن ومن تعذيب قريش لهم بسبب دخولهم في الإسلام.
وهاجر إلى الحبشة مجموعة من الصحابة وما أن علمت قريش بذلك، فاختاروا رجلين جلدين لبيبين قبل أن يسلما، وأرسلوا معهما الهدايا المستطرفة للنجاشي وبطارقته ليُسلم المهاجرين لهما، فقد عز على قريش أن يجد المهاجرون مأمنًا لأنفسهم ودينهم، وعزموا على ردهم إلى قومهم وبلادهم فينكل المشركون بهم.
وإيجازًا لهذه القصة بعد أن رفض النجاشي تسليم المهاجرين إليهما؛ لأنه ملك عادل لا يُظلم عنده أحد ويحسن الجوار، أراد الرجلان أن يستثيرا غضب النجاشي على المهاجرين ليسلمهم إليهما، فلما كان الغد قال أحدهما للنجاشي -وهو عمرو بن العاص-: أيها الملك: إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولًا عظيمًا، فأرسل إليهم النجاشي يسألهم عن قولهم في المسيح، ففزعوا، ولكن أجمعوا على الصدق كأئنًا ما كان.
فلما دخلوا عليه وسألهم، قال له جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاءنا به نبينا ﷺ هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول.
فأخذ النجاشي عودًا من الأرض ثم قال: والله ما عدا عيسى ابن مريم هذا العود، فتناخرت بطارقته، فقال لهم: وإن نخرتم والله، ثم قال للمسلمين: اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي- والشيوم الآمنون بلسان الحبشة- من سبكم غرم، من سبكم غرم، من سبكم غرم.
ما أحب أن لي دبرًا من ذهب وأني آذيت رجلًا منكم- والدبر: الجبل بلسان الحبشة-.
ثم قال لحاشيته: رُدوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بهما، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه.
وقالت أم سلمة التي تروي القصة: فخرجا من عنده- عمرو بن العاص وعبد الله بن ربيعة- مقبوحين مردودًا عليهما ما جاءا به، وكانا كما ذكرنا مشركين آنذاك- وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار. [من كتاب الرحيق المختوم].
فالذي جاء به خاتم المرسلين محمد ﷺ من عقيدة وقول في المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، وأنه عبد الله ورسوله اصطفاه الله عز وجل بالرسالة كما اصطفى غيره من الرسل، هو القول الوسط بدون إفراط أو تفريط، بدون غلو النصارى الذين نسبوا إلى المسيح عيسى ابن مريم الألوهية، أو شيئًا منها على اختلاف فرقهم التي ضلت وأضلت، واختلفت في عقيدتها، والتي كان من المفترض أن تجمعهم عقيدة واحدة، ولكن أنى لها ذلك؟ فالباطل كالظلمات- جمع ظلمة- صوره كثيرة، أما الحق فهو واحد فقط كالنور لا يختلف فيه لبيبان ذوا عقل راجح وفطرة سليمة سوية.
وبدون جحود اليهود الذين جحدوا رسالة المسيح عيسى ابن مريم كلية وكذبوه وحاولوا صلبه وقتله وحاولوا أن ينالوا من شرف أمه السيدة مريم العذراء، كما لوثوا سيرة كل نبي أرسل إليهم، إلى غير ذلك... قاتلهم الله.
وبوجه عام: فالعقيدة التي جاء بها خاتم الرسل محمد ﷺ هي عقيدة للناس كافة في كل مكان وزمان، بدون إعنات للفكر ولا قهر للذهن ولا إرهاق للتصور، للعرب وغيرهم من اليهود والنصارى والمجوس.. إلى غير ذلك من الذين عبدوا غير الله ونسبوا إليه النقص والعيب وإلى من أنكر وجود الله الخالق البارئ -سبحانه وتعالى- من الملحدين وغيرهم.
فهي العقيدة الصحيحة التي يقبلها أي عقل رشيد يريد أن يعرف إلهه، ينزهه ويمجده ويعبده، وتقبلها الفطرة السليمة السوية بدون أي تركيبات أو تعقيدات أوشوائب، فالعقيدة التي جاء بها محمد ﷺ هي عقيدة صافية يسهل فهمها وقبولها بدون أية مشقة أو تعنت فهي النور الذي أنار الله سبحانه وتعالى بها الظلمة، فمحى بها ظلمات الشرك والإلحاد.
تطهير البيت العتيق ،وهو أول بيت وضع للناس لعبادة الله سبحانه وتعالى من دنس الشرك والأوثان:
قال الله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) [آل عمران: ٩٦].
(وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [الحج: 26].
إن أول بيت وضعه الله عز وجل في الأرض هو الذي بمكة؛ ليتعبد الناس لربهم عبادة صافية خالصة لا إشراك فيها، وكان العرب يحجون إلى هذا البيت في كل عام، ولكن بمرور الوقت والزمن زين الشيطان لهم عبادة غير الله من أصنام وأحجار.
ولكي ندرك مدى عظمة هذا البيت وحرمته عند الله تعالى علينا أن نعلم أنه أول بيت لله وضع للناس في هذه الأرض التي نحيا عليها.
ولنقرأ نبذة مختصرة عن قصة أصحاب الفيل الذين أرادوا هدم البيت الحرام.
قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ* وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ* تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ* فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) [الفيل].
لقد قام أبرهة الأشرم ببناء كنيسة في صنعاء؛ ليصرف إليها حج العرب، وقد جلب إليها الرخام المجزع والحجارة المنقوشة بالذهب، ونصب منها صلبانًا من الذهب والفضة، ومنابر من العاج والآبنس، ثم كتب إلى مولاه نجاشي الحبشة يقول:
إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب.([5])
ولكن لم يستطع صرف العرب إليها بدلًا من الكعبة، فقرر هدم الكعبة بيت الله العتيق.
وقد تهيأ أبرهة لدخول البلد الحرام وهيأ فيله وعبَّى جيشه مجمعًا لهدم البيت العتيق، ثم الانصراف إلى اليمن، ولم يكن لأهل مكة القدرة على مقاومة جيش أبرهة، فلما وجهوا الفيل من معسكره تجاه الكعبة لهدمها من ناحية الجنوب برك وأبى أن يتحرك، فضربوه في رأسه بآلة من حديد، ثم أدخلوا محاجن لهم في أسفل بطنه، وهو بارك لا يقوم، فوجهوه راجعًا إلى اليمن، فقام يهرول ووجهوه نحو الشام ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى المشرق، فتهيأ للانطلاق، ولما عادوا يوجهونه نحو مكة برك.([6])
ثم كان أن سلط الله نقمته على أصحاب الفيل فانتشر فيهم فجأة وباء مهلك، رمتهم بجراثيمه طيرًا أبابيل، فجعلتهم كعصف مأكول، وجُنُّوا من خوف ورعب، فولوا مدبرين يبتدرون الطريق الذي جاءوا يسألون عن نفيل بن حبيب الخثعمي، وكان قد خرج مع قومه لقتالهم حين مروا بأرض خثعم، فلما أسرهُ أبرهة افتدى نفسه بأن يكون دليل الحبشان بأرض العرب، فلا يكاد نفيل يسمع صياحهم وضراعتهم إليه أن يدلهم على الطريق إلى اليمن حتى يرد بأعلى صوته:
أين المفرُّ والإله الطالب | والأشرم المغلوب ليس الغالب |
فخرجوا يتساقطون بكل طريق ويهلكون بكل مهلك على كل منهل، وأبرهة معهم ينتثر جسمه وتسقط أنامله؛ أنملة أنملة.([7])
وكان عبد المطلب سيد قريش- جد النبي محمد ﷺ - قد أنشد أبياتًا حين علم بعزم أبرهة الأشرم، قالها وهو آخذ بحلقة باب الكعبة:([8])
اللــهم إن العبد يمنع رحله فامنع حلالك
جروا جموع بلادهم والفيل كي يسبوا عيالك
إن كـنت تاركـهم وكـعبتنا فأمر ما بـدالك
يـــــــا رب لا أرجــــو لهـم ســــواك
يـــــــا رب فــامـنع منـهم حـماكــــا
إن عــــدو الـبـيـت مــن عــاداكــــا
امــنـعـهـمـوا أن يــخـربـوا فـنـاكـــا
وكانت هذه الحادثة في العام الذي وُلد فيه خاتم المرسلين محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ﷺ، وفي اليوم الذي وُلد فيه المصطفى ﷺ وكما قلنا أنه بمرور الوقت والزمن منذ بناء الكعبة زين الشيطان للناس عبادة غير الله من أصنام وأحجار بزعم أن عبادتهم لها تقربهم إلى الله زلفى.
وجاءت الرسالات وجاءت اليهودية، ومن ثم النصرانية، ولم تستطع أي منهم تطهير هذا البيت الحرام- وهو أول بيت لله وضع للناس لعبادة الله وحده- ولا تطهير أهله من دنس الشرك والأوثان، من عبادة الأصنام والأحجار إلى عبادة الله الواحد الجبار.
ألا تقتضي حكمة الله عز وجل أن يطهر بيته العتيق- وهو أول بيت وضع للناس ليعبدوا ربهم الذي خلقهم ورزقهم عبادة خالصة له، لا إشراك فيها لغيره من دنس الشرك والأوثان، ويصحح لهم عقيدتهم في إلههم وخالقهم الذي خلقهم من عدم- بأن يرسل رسولًا خاتمًا تختم به الرسالات السماوية، يتلو عليهم آيات ربهم ويزكيهم، ويطهرهم من الشرك والفجور ويعلمهم كتاب ربهم، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث؟
بلى، لقد اقتضت حكمة الله عز وجل أن يرسل رسوله خاتم المرسلين محمد ﷺ بالعقيدة الصافية السليمة التي لا عيب فيها ولا نقصان، وبالعبادات الهادية والمعاملات الحكيمة والأخلاق الكريمة والتشاريع القويمة، فأخرج الناس من ظلمات الشرك والأوثان إلى نور التوحيد.
فلقد مَنَّ الله عز وجل على رسوله محمد ﷺ بفتح مكة في العام الثامن من الهجرة، فدخل المسجد الحرام، وأقبل ﷺ إلى الحجر الأسود، فاستلمه ثم طاف بالبيت العتيق، وفي يده قوس وحول البيت آنذاك (360) ثلاثمائة وستون صنمًا كانوا يُعبدون من دون الله عز وجل، فجعل يطعنها رسول الله ﷺ بالقوس ويقول قول الله عز وجل:
(وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) [الإسراء: ٨١]، و (قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ) [سبأ: ٤٩].
ومن كرامة الله سبحانه وتعالى لهذا المكان الطاهر؛ مكة المكرمة الذي به وضع البيت العتيق، وهو أول بيت لله وُضع للناس ليعبدوه سبحانه وتعالى:
أ- ما تم اكتشافه حديثًا:
لقد اكتشف أن مكة المكرمة- وهي أم القرى- تتوسط اليابسة تمامًا، بمعنى أننا إذا رسمنا دائرة مركزها مكة المكرمة، فإن هذه الدائرة تحيط باليابسة كاملة، ليس هذا فحسب، بل إن مكة المكرمة تتوسط اليابسة زمانًا أيضًا حيث إن خط طول مكة المكرمة يتوسط الزمن تمامًا، فيكون ما حول مكة المكرمة هو العالم كله في كل مكان وزمان.([9])
فلقد أرسل ربنا تبارك وتعالى محمدًا ﷺ خاتم المرسلين للناس كافة في كل مكان وزمان، فهو القائل جل شأنه في كتابه المبين القرآن الكريم: (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) [الأنعام: ٩٢].
فأم القرى هي مكة المكرمة: وما حولها هو العالم كله في كل مكان وزمان، فمحمد ﷺ هو الرسول الخاتم الذي ختم به الرسل.
وبذلك يتضح لنا أن مكة المكرمة هي بمنزلة العاصمة للكرة الأرضية، فكان من مقتضى حكمة الله سبحانه وتعالى أن تكون مكة المكرمة مهدًا للرسالة العالمية والخاتمة.
ومن الأمور التي تتعلق بمكة المكرمة والكعبة المشرفة:
(1) ماء زمزم: إن بئر زمزم هي إحدى المعجزات المادية الملموسة الدالة على كرامة المكان؛ مكة المكرمة، وعلى مكانة كل من سيدنا إبراهيم وولده سيدنا إسماعيل وأمه (الصديقة هاجر) عند رب العالمين، حيث إن خروج بئر زمزم وسط صخور نارية ومتحولة شديدة التبلور، مصمتة، لا مسامية فيها، ولا نفاذية لها في العادة أمر ملفت النظر.
والذي هو أكبر من ذلك وأكثر أن تظل هذه البئر تتدفق بالماء الزلال على مدى أكثر من ثلاثة آلاف سنة على الرغم من طمرها وحفرها عدة مرات على فترات.
فمن خصائص ماء زمزم: أثبتت الدراسات العلمية الحديثة التي أجريت على ماء بئر زمزم أنه ماء متميز في صفاته الطبيعية والكيمائية، فهو ماء غازي عسر، غني بالعناصر والمركبات الكيميائية النافعة التي تقدر بحوالي (2000) ملليجرام بكل لتر، بينما لا تزيد نسبة الأملاح في مياه آبار مكة والأودية المجاورة لها لا تزيد على (260) ملليجرام بكل لتر، مما يوحي ببعد مصادرها عن المصادر المائية حول مكة المكرمة، وبتميزها عنها في محتواها الكيمائي وصفاتها الطبيعية.
وتستخدم مياه بئر زمزم في علاج العديد من الأمراض، فسبحان الذي أمر بشق بئر زمزم فكان هذه البئر المباركة، وسبحان أمر الماء بالتدفق إليها من مسافات بعيدة عبر شقوق شعرية دقيقة.([10])
ولعل هذه الظاهرة (تدفق الماء إلى بئر زمزم من مسافات بعيدة) تكون مؤيدة لمن قال بأن مكة المكرمة هي مركز الجاذبية الأرضية.
(2) الحجر الأسود: والذي قال عنه رسول الله ﷺ: ((نزل الحجر الأسود من الجنة...)). رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
لقد اكتشف أن الحجر الأسود ليس حجرًا أرضيًّا حيث إن مواصفاته الداخلية ليست كمواصفات الصخور الأرضية، كما أشار المصطفى ﷺ أنه ليس من أحجار الأرض.([11])
ب- الطواف حول الكعبة:
إن عبادة المسلمين المتمثلة في الطواف حول البيت العتيق الكعبة المشرفة، والتي شرعها الله عز وجل لهم، واختارهم لها هي العبادة الوحيدة التي تتوافق وتنسجم مع النظام الكوني الذي خلقه وأبدعه الله سبحانه وتعالى، فلقد شرع الله سبحانه وتعالى لنا الطواف سبعة أشواط حول الكعبة في اتجاه معاكس لعقارب الساعة، بحيث تكون الكعبة على يسارنا ولنتأمل ولنمعن النظر في هذا التوافق والانسجام العجيب:
1- النواة التي تحتويها الذرة التي تتكون منها المادة تدور حول هذه النواة إلكترونات في (7) سبعة مستويات من الطاقة، حيث إن النواة حولها سبعة مستويات من الطاقة، وهو نفس عدد أشواط الطواف حول الكعبة.
وتدور هذه الإلكترونات عكس عقارب الساعة وهو نفس اتجاه الطواف حول الكعبة فسبحان الله!!([12])
2- وتدور الأرض حول محورها: في اتجاه معاكس لاتجاه عقارب الساعة، سبحان الله!([13])
3- وفي نفس الوقت تدور الأرض حول الشمس: في اتجاه معاكس لاتجاه عقارب الساعة وهو نفس اتجاه طواف المسلمين حول الكعبة، عكس عقارب الساعة، فسبحان الله!!([14])
4- والحيوان المنوي للإنسان يدور حول البويضة: وفي اتجاه معاكس لاتجاه عقارب الساعة وهو نفس اتجاه حركة الطواف حول الكعبة، فسبحان الله العظيم وبحمده!! ([15])
فكأن الدوران عكس عقارب الساعة كما في عبادة الطواف حول الكعبة واتجاهها ركن من أركان التسبيح، فسائر الأجرام السماوية والشمس والقمر والنجوم والكواكب والجزيئات كلها تدور عكس عقارب الساعة في أفلاك تسبح الله سبحانه وتعالى.
فالحيوانات المنوية للإنسان تدور حول محور النطفة عكس عقارب الساعة، والنطفة تدور حول نفسها في اتجاه معاكس لعقارب الساعة، والمسلمون يطوفون خلال أداء مناسك الحج حول الكعبة في الحج في اتجاه معاكس لاتجاه عقارب الساعة، فبهذا المثل مثل الدوران عكس عقارب الساعة حول النواة أثناء التسبيح- كطواف المسلمين حول الكعبة- ودوران الأرض حول الشمس، ودوران المجموعة الشمسية حول الثقب الأسود، يتجلى لنا تطابق النصوص الدينية الإسلامية مع نظام الكون مما يدل على أن خالق هذا الكون هو الذي أنزل الدين الحق الذي يتجلى فيه ناموس الكون، ألا وهو الإسلام.([16])
فسبحان الله العظيم الحكيم الذي أرسل رسوله محمدًا ﷺ خاتم المرسلين بهذا العبادات الهادية وهذا الشرع القويم.([17])
جـ- عبادة السجود في الصلاة باتجاه البيت الحرام: لقد اكتشف أن السجود باتجاه البيت الحرام يحمي الإنسان من الكثير من الأمراض الجسدية والنفسية؛ كالصداع والإرهاق، وغير ذلك، حيث إن جسم الإنسان محمل بالشحنات الكهربائية الموجبة، وعند تزايد هذه الشحنات يكون لها آثار سلبية على جسده فيجب التخلص منها، وعند سجود الإنسان في الصلاة يتم تفريغ هذه الشحنات الزائدة بانتقالها إلى الأرض.
* * *
ولنتأمل في قصة فداء جد النبي محمد ﷺ لأبيه عبد الله فهي شبيهة بقصة إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل، وذلك عندما أراد إبراهيم عليه السلام أن يذبح ابنه إسماعيل، وذلك لما رأى في منامه أنه يذبح ولده إسماعيل، وتكررت هذه الرؤيا، ومن المعلوم أن رؤيا الأنبياء حق، ولكن من رحمة ربنا تبارك وتعالى بعباده أنه جل شأنه افتداه بذبح عظيم.
فبدلًا من أن يذبح إبراهيم عليه السلام ولده إسماعيل عليه السلام قام بذبح الذبيحة- كبش- التي افتدى بها ربنا سبحانه وتعالى إسماعيل عليه السلام، فبدلًا من أن تكون سنة الله في خلقه أن يذبح الآباء أبناءهم، امتن ربنا جل شأنه علينا بهذا الفداء، وكذلك عندما أراد عبد المطلب ذبح ابنه عبد الله، وذلك أن عبد المطلب حين ولي السقاية فيما ولي من وظائف الحرم أخذ يطيل التفكير فيما يلقاه الحجيج من مشقة بسبب شح الماء، فتذكر بئر «زمزم» التي كانت سببًا في إنقاذ جده إسماعيل عليه السلام من الهلاك عندما تركه أبوه إبراهيم عليه السلام ومعه والدته السيدة هاجر في هذا المكان الخالي من الماء بأمر من الله سبحانه وتعالى؛ لحكمة يعلمها هو جل شأنه، تذكر بئر زمزم التي جذبت إلى مكة القوافل على آثار الرعاة.([18])
وتذكر ما تناقله الآباء عن الأجداد من حيث «جرهم» ودفنها لبئر «زمزم» حين أُرغمت على الخروج من مكة، فود لو وفقه الله إلى العثور على موضع البئر المباركة المطمورة، فبعد أن وفقه الله سبحانه وتعالى لهذا غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث وليس له يومئذ ولد غيره، حتى إذا هم بالحفر بين وثني- أساف ونائلة- قامت إليه قريش تصده قائلة: والله لا نتركك تحفر بين وثني هذين الذين ننحر عندهما، وقاومت قريش ما أراده من حفر بئر زمزم وأطمعها أنه كان قليل الولد، ولكنه أصر على أن يمضي في الحفر، فلما بدت له الحجارة التي طويت تحتها البئر، وعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته قاموا إليه وقالوا: يا عبد المطلب، إنها بئر أبينا إسماعيل وإن لنا فيه حقًا، فأشركنا معك فيها.([19])
فقال: ما أنا بفاعل، إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم، وأعطيته من بينكم، وبعد محاولة من قريش لمشاركة عبد المطلب في بئر زمزم باءت بالفشل أقام عبد المطلب سقاية زمزم للحجاج لا ينازعه فيها أحد من قومه.([20])
ونذر يومئذ لئن وُلِد له عشرة نفر ثم بلغوا معه بحيث يمنعونه، لينحرن أحدهم عند الكعبة؛ لأنه تذكر ما لقي من قريش عندما أراد حفر البئر وطمعها فيه؛ لأنه كان قليل الولد، وخرج عبد المطلب ببنيه العشرة وقد حمل كل منهم قدحًا عليه اسمه ليُضرب، فيعلم من سيخرج عليه القدح فيأخذه ليذبحه إيفاء بنذره، فضربت القداح فخرج الفتح على عبد الله- والد رسول الله ﷺ - وكان أصغرهم، ولم يكد الأب يهم بذبح فتاه حتى قامت إليه قريش من أنديتها فقالوا: ماذا تريد يا عبد المطلب؟ قال: أفي بنذري. فقالت له قريش وبنوه: والله لا تذبحه أبدًا حتى تعذَر فيه، لئن فعلت هذا لا يزال الرجل يأتي بابنه حتى يذبحه، فما بقاء الناس على هذا؟
فانتهوا إلى أن يقرب عشرة إبل مع ابنه عبد الله، وأن يضرب عليها وعلى ابنه عبد الله القداح، فإذا خرج القداح على الإبل فقد نجا عبد الله بن عبد المطلب، وإذا خرج القداح على عبد الله فإنه يزيد الإبل عشرًا، ثم يعيد ضرب القداح مرة أخرى حتى تخرج على الإبل، وبعد ما خرج القداح على الإبل أخذت فُنُحِرَت عن عبد الله بن عبد المطلب، ونجا حينئذ عبد الله والد رسول الله ﷺ من الذبح بعد هذا الفداء،([21]) ولعل هذا يذكرنا بقصة إبراهيم وذبح ولده إسماعيل عليهما السلام، فهما من قاما برفع قواعد البيت العتيق، فلقد شرفهما ربنا تبارك وتعالى بالرسالة والنبوة.
ومحمد ﷺ بن عبد الله الذي نجا من ذبح أبيه له بعد الفداء هو الذي اختاره ربنا تبارك وتعالى واصطفاه ليطهر هذا البيت العتيق -الذي قام جداه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام برفع قواعده- من الأصنام ودنس الشرك والأوثان.
لقد كانت الرسل تخرج من بني إسرائيل، ولكن بنو إسرائيل كانوا يقابلونهم بالكفر والتكذيب والقتل، وكانوا يظنون أن رسول آخر الزمان سيخرج أيضًا منهم.
ولكن حكمة الله عز وجل ومشيئته جل شأنه اقتضت أن يكون هذا الرسول الخاتم الذي يُختم به المرسلون محمد ﷺ من بني عمهم- إسماعيل- من العرب صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين.
* * *
نسب رسول الله ﷺ :
إن رسول اللهr هو أفضل وأعظم قريش نسبًا، تُعرف أسرته بالأسرة الهاشمية نسبة إلى جده هاشم بن عبد مناف.
1- هاشم: هو الذي تولى السقاية والرفادة من بني عبد مناف، وكان موسرًا ذا شرف كبير، وهو أول من أطعم الثريد للحجاج بمكة، وكان اسمه عمرو فما سمي هاشمًا إلا لهشمه الخبز، وهو أول من سن الرحلتين لقريش رحلة الشتاء والصيف، وفيه يقول الشاعر:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه | قوم بمكة مسنتين عجاف | |
سنت إليه الرحلتان كلاهما | سفر الشتاء ورحلة الأصياف |
2- عبد المطلب: صارت السقاية والرفادة والرفيدة بعد هاشم إلى عبد المطلب جد النبي ﷺ وكان شريفًا مُطاعًا، ذا فضل في قومه، كانت قريش تُسميه الفياض لسخائه وهو سيد مكة، ورسول الله ﷺ أفضلهم أخلاقًا وأعظمهم وأحسنهم صفاتًا، ويعلم القرشيون هذا ولا يستطيع أحد أن ينكره ويشهدون على ذلك.
فهو ﷺ الصادق الأمين، وتشهد قريش قاطبة على صدقه وأمانته ﷺ ويدلل على ذلك:
ما رواه البخاري ضمن حديث طويل نص الكتاب الذي كتبه النبي ﷺ إلى ملك الروم هرقل وهو هذا:
(بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت، فإنما عليك إثم الأريسيين، يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا، ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون).
واختار لحمل هذا الكتاب دحية بن خليفة الكلبي، وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر.
وقد روى البخاري عن ابن عباس: (أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش وكانوا تجارًا بالشام في المدة التي كان رسول الله ﷺ ماد فيها أبا سفيان وكفارًا من قريش.
فأتوه وهم بإيلياء فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا ترجمانه فقال: أيكم أقرب نسبًا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟
قال أبو سفيان: أنا أقربهم نسبًا.
فقال: أدنوه مني، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: إني سائل عن هذا الرجل، فإن كذبني فكذبوه.
ويقول أبو سفيان الذي أخبره بهذه القصة: فوالله لولا الحياء من أن يؤثروا عليّ كذبّا لكذبت عنه.
يقصد أبو سفيان: أنه لولا خاف واستحى أن تعيره قريش بكذبه لكذب، ولكنه اضطر لقول الحق والصدق الذي لا يخفى على قريش، فأصحاب أبي سفيان واقفين خلف ظهره يعلمون حقيقة ما سوف يقوله عن رسوله الله ﷺ.
ثم قال أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟
فقلت: هو فينا ذو نسب.
قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟
قلت: لا.
قال: فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟
قلت: بل ضعفاؤهم.
قال: أيزيدون أم ينقصون؟
قلت: بل يزيدون.
قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن دخل فيه؟
قلت: لا.
قال: فهل يغدر؟
قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها- قال أبو سفيان: ولم تمكنني كلمة أدخل فيها شيئًا غير هذه الكلمة-.
قال: فهل قاتلتموه؟
قلت: نعم.
قال: فكيف كان قتالكم إياه؟
قلت: الحرب بيننا سجال ينال منا، وننال منه.
قال: ماذا يأمركم؟
قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم، يأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة.
فقال للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه، فذكرت أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها.
وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول قبله؟ فذكرت أن لا، قلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يتأسى بقول قيل قبله.
وسألتك هل كان من آبائه من ملك؟ فذكرت أن لا، فقلت: فلو كان من آبائه من ملك قلت: رجل يطلب ملك أبيه.
وسألتكم هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله.
وسألتك: أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم. فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل.
وسألتك أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتى يتم.
وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب.
وسألتك هل يغدر؟ فقلت: أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر.
وسألتك بماذا يأمر؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف.
فإن كان ما تقول حقًّا فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أعلم أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقائه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه.
ثم دعا بكتاب رسول الله ﷺ فقرأه فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده، وكثر اللغط وأمر بنا فأخرجنا.
قال: فقلت لأصحابه حين أخرجنا: لقد أمر ابن أبي كبشة أنه ليخافه ملك بني الأصفر فما زلت موقنًا بأمر رسول اله ﷺ أنه سيظهر حتى أدخل الله عليَّ الإسلام).
[صحيح البخاري: 1/4، صحيح مسلم 2/ 97، 98، 99].
- ولنعد إلى العصر الذي نشأ فيه النبي ﷺ فنرى أنه ﷺ نشأ في عصر سادت فيه الجهالة وعمت فيه الضلالة، بين قوم أميين وثنيين غير موحدين، يكفرون باليوم الآخر، ويحيون حياة اللهو ويتعصبون لأتفه الأسباب، كانوا قبائل متدابرة وعشائر متناحرة، لم تكن لهم دولة لها مقومات الدولة؛ من حكومة لها سلطان، وجيش يدفع العدوان، ودستور يفصل الحقوق والواجبات، وقانون يبين العقوبات.([22])
في هذا العصر وهذه البيئة: نشأ رسول الله ﷺ ثاقب الفكر، عظيم النفس، كريم الخلق.([23])
- حال الرسول ﷺ قبل الرسالة وبعدها؛ لنصدر أحكامنا عن بينة:
عاش رسول الله ﷺ إلى سن الأربعين يتمتع بين قومه بحسن السمعة ونباهة الذكر، مشهور بالصدق والأمانة، وندلل على ذلك بواقعتين نكتفي بهما:([24])
الواقعة الأولى:
ما جرى عند بناء الكعبة: فقد اختصمت القبائل فيمن يضع الحجر الأسود، كل قبيلة تريد أن تضعه موضعه، فقال أبو أمية -يومئذ أسنهم- حَكِّمُوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل عليكم من باب هذا البيت، ففعلوا، فكان أول من دخل محمد ﷺ فلما رأوه قالوا جميعًا في صوت واحد: هذا الأمين رضينا، هذا محمد، فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر أخذ الحجر ووضعه على ثوب، وأمر كل قبيلة أن تأخذ بطرف منه، ففعلوا حتى إذا رفعوه، ودنوا من موضعه وضعه ﷺ وبنى عليه.([25])
هذه الواقعة تشهد بما كان له في نفوس قومه من مكانة طيبة نتيجة ما اشتهر به من صفة الأمانة وعظيم الخلق، كذلك تشهد بقوة عقله وألمعيته وحسن فطنته ﷺ، وبقدرته البالغة على معالجة المشكلات، وإن بدت أمام الناس مستعصية الحل، فقد عرف ﷺ كيف يرضيهم جميعًا بحكمة فائقة، فقد أشركهم جميعًا في حمل الحجر، وفي الوقت نفسه فاز بشرف وضعه.([26])
الواقعة الثانية:
وقد رواها ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) صعد ﷺ على الصفا، فجعل ينادي يا بني فهر، يا بني عدي -لبطون قريش- حتى اجتمعوا فقال: أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مُصدقي؟
قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقًا.([27])
قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. قال أبو لهب: تبًّا لك يا محمد، ألهذا جمعتنا فنزلت: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) [المسد].
هذه الواقعة تشهد ببعد نظره ﷺ فقد رأى بحكمته أن يعرف رأيهم فيه، وظنهم به قبل أن يفاجئهم بأمر رسالته، وفي جو صاف خالص من الكدرات، بعيد عن الشوائب صارحوه وأجابوه على الفور ما جربنا عليك إلا صدقًا.([28])
من هاتين الواقعتين نستيقن أن الصدق والأمانة صفتان لازمتان لمحمد ﷺ من قبل الرسالة.
وعندما قرر الرسول ﷺ الهجرة بعد الرسالة بنحو ثلاثة عشر سنة ترك ابن عمه علي بن أبي طالب؛ ليرد الودائع التي كانت عنده إلى أهلها.
فهو ﷺ الصادق الأمين الذي كانت قريش تستأمنه على حاجاتها.
كذلك: نشأ ﷺ منذ صباه يتحاشى عبادة الأصنام، وينفر من القرب منها.
كذلك: نشأ ﷺ عزوفًا عن الملاهي، وقد هم مرتين قبل رسالته أن يسمع عزفًا بالغرابيل والمزامير، ولكن الله عصمه وألقى عليه النوم، فما أيقظه إلا مس الشمس، ولما شب ﷺ حبب إليه الخلاء والتعبد ليالي ذوات عدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى البيت ويتزود لمثلها.([29])
نسأل: أيمكن لهذا الذي عُرف بالأمانة واشتهر بالصدق بين الناس أن يتجرأ على الكذب، وأن يكون أول من يتجرأ عليه الذي يدعو الناس إليه رب الناس، ملك الناس، إله الناس؟!([30])
ونسأل أيضًا: لماذا خرج على حكم البيئة، وللبيئة سلطانها وتأثيرها؟
لقد عاش ﷺ أربعين سنة كاملة وسط قوم مغرقين في الجهالة منهمكين في الضلالة، فلم تنتقل إليه عدواهم، ولم تصبه بلواهم.([31])
- ولقد مر عليه ﷺ شرخ الشباب، وهو الوقت الذي تجيش فيه الصدور بالآمال والأماني، فلم تبدُ منه كلمة تلميح بالرسالة أو إشارة لنبوة مع ما شاهده من وفاة أمة مع صغر عمرها، وهو في السادسة من عمره، ثم وفاة جده عبد المطلب، ثم عمه أبو طالب، ومع علمه ﷺ بوفاة أبيه مع صغر عمره، وهو في بطن أمه ﷺ.([32])
فكل هذه الأحداث التي مرت به ﷺ لا تجعل له طول الأمل في تلك الحياة الدنيا التي يحياها، ومع ذلك فلم تبد منه ﷺ كلمة تلميح بالرسالة أو إشارة لنبوة، وفي الوقت الذي تهدأ فيه النفوس الثائرة، وتسكن فيه الآمال الفائرة بدأ بثورة غيرت مجرى التاريخ، أعلن أنه رسول الله، وأن رسالته لا تقتصر على العرب وحدهم، ولا على أهل عصر دون سواهم، بل إن رسالته عامة تشمل كل الذين في عهده، وكل الذين يجيئون من بعده، ولم لا وهو خاتم المرسلين الذين أرسلهم الله سبحانه وتعالى إلى أن جاء وقت رسالته ﷺ؟([33])
فلقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يكون محمد ﷺ هو آخر المرسلين، ولما أنه آخر المرسلين فسوف تكون رسالته ﷺ للناس كافة في كل مكان وزمان، وأن يحفظها سبحانه وتعالى من التحريف وأن يحفظ كتابها القرآن الكريم من التحريف، سواء بالزيادة والإضافة أو النقصان أو إلى غير ذلك مما قد تعرضت إليه الرسالات والكتب السابقة عن طريق تناول أيدي البشر لها وفقًا لأهوائهم وشهواتهم. ([34])
وكان ﷺ على علم من أنه منذ لحظة رسالته ونزول الوحي عليه، عليه أن يجتهد طويلًا ويصطبر كثيرًا إلى أن ينصره الله سبحانه وتعالى، وبالتأكيد فإن هذا الأمر- رسالته ﷺ - سيطول وقته إلى أن تنتشر دعوته ورسالته.([35])
والسؤال الذي يفرض نفسه، ما الذي اضطره ﷺ إلى هذا كله من إعلان نبوته ورسالته؟
بالتأكيد: ليس إلا لأنه رسول الله ﷺ حقًّا وصدقًا، يستجيب لأمر ربه تبارك وتعالى في الوقت الذي أراده الله سبحانه وتعالى، وفقًا لمشيئته وحكمته جل شأنه.([36])
الدعوة:
كان رسول ﷺ يدعو إلى التوحيد والعبادة الخالصة لله عز وجل وإلى صلة الأرحام، يربط الناس بعضهم ببعض ويدعو إلى الخير وإلى الصلاة، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.([37])
فلقد أمر ﷺ بالكتابة إلى ملوك وأمراء الأرض، وأرسل إليهم كتبًا يدعوهم فيها إلى الإسلام وإلى ما فيه من تعاليم وشرع قويم، فأرسل إلى النجاشي ملك الحبشة، وإلى المقوقس ملك مصر، وإلى كسرى ملك فارس، وإلى قيصر ملك الروم، وإلى المنذر بن ساوي حاكم البحرين، وإلى هوذة بن علي صاحب اليمامة، وإلى الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق، وإلى جيفر ملك عمان، وإلى أخيه عبد بن الجلندي. وبهذه الكتب كان النبي ﷺ قد أبلغ دعوته إلى أكثر ملوك وأمراء الأرض، فمنهم من آمن به ﷺ ومنهم من كفر، ولكنه ﷺ شغل فكر هؤلاء الكافرين وعرف لديهم اسمه ودينه.([38])
ونسأل: أكان يمكن أن يتلقى التوحيد من مجتمع وثني يباهي بالأحساب، ويفاضل بين الأنساب، مجتمع تسوده العصبية الجاهلية، مجتمع يمارس الشرور ويبالغ في الفجور؟([39])
بالطبع لا: (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى* عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) [النجم: 4، 5].
فهو ﷺ رسول من عند الله سبحانه وتعالى أوحي إليه من قبل ربه تبارك وتعالى.
أميته ﷺ ودعوته:
كان ﷺ أميًّا، ولكن أميته دليل من دلائل نبوته ﷺ: أمي يعلم الأميين، بل ويعلم المتعلمين إلى يوم الدين، أمي يتخرج من جامعته الإسلامية حكام وساسة وجنود وقادة وفقهاء وحكماء وحساب وكتاب ومحدثون ومدرسون ووعاظ ومفتون وقضاة عادلون وعلماء في شتى المجالات العلمية، فمع أميته ينطق بحقائق علمية مبهرة مذهلة، لم يكن يعلمها أحد على أن اكتشفها العلم الحديث منذ عدد قليل من السنوات.([40]) قال تعالى:
(وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى* عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) [النجم: ٣ – ٥].
فأميته ﷺ دليل من دلائل نبوته ورسالته ﷺ:
كفاك بالعلم في الأمي معجزة | في الجاهلية والتأديب والقيم |
فمحمد ﷺ هو رسول الله حقًّا وصدقًا.
ولنعد مرة أخرى إلى الرسول ﷺ نطالع أخباره وندرس آثاره فسنرى فيها أعظم شاهد على رسالته، وأقوى دليل على نبوته ﷺ.([42])
إن الرواة ليجمعون على أنه ﷺ كان أسرع الناس إلى تنفيذ ما جاء به، أسبقهم إلى التحلي بما رغب فيه، والتخلي عما نفر عنه، ولا عجب!([43])
فقد حفظ ﷺ قول الله تعالى فيما أنزل عليه:
(قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [الأنعام: ١٤، ١٥].
نعم، لقد استجاب النبي ﷺ لربه، فكان أول منفذ لتعاليمه، وكان إمامًا للمسلمين في جميع أحواله وفي أقواله وأفعاله.([44])
قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: ٢١].
فلقد كان ﷺ أشد الناس طاعة لله وأكثرهم ذكرًا له سبحانه وتعالى وأعظمهم خوفًا منه جل شأنه، ولم يكن هذا محض ادعاء، بل كان حقيقة واقعة يلمسها أهله وأصحابه في كل ما بدر منه وصدر عنه ﷺ.([45])
وروى أنس أن النبي ﷺ قال: «أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له». [رواه البخاري ومسلم].
وأخرج ابن حبان في صحيحه عن عطاء قال: قلت لعائشة: أخبريني بأعجب ما رأيت من رسول الله ﷺ؟
قالت: وأي شأنه لم يكن عجبًا.
إنه أتاني ليلة، فدخل معي في لحافي، ثم قال: ذريني أتعبد لربي.
فقام فتوضأ، ثم قام يصلي، فبكى حتى سالت دموعه على صدره، ثم ركع فبكى، ثم سجد فبكى، ثم رفع رأسه فبكى، فلم يزل كذلك حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة.
فقلت: يا رسول الله ما يبكيك، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟
قال: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا، ولم لا أفعل؟ وقد أنزل علي في هذه الليلة: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ))) [آل عمران: ١٩٠، ١٩١].
ثم قال: ((ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها)).
نعم، لقد كان النبي ﷺ لا يغفل عن ذكر الله لحظة، بل كان دائم الذكر له جل شأنه في السر والعلن، في الملأ والخلاء، في اليسر والعسر، في المنشط والمكره، في السفر والحضر، في الليل والنهار، في الصباح والمساء.([46])
وإليك ما ورد في الإصابة ج1، ص 162 ونصه:
(أن النبي ﷺ بعث إلى ابن الجلندي ملك عمان، عمرو بن العاص يدعوه إلى الإسلام، فقال:
لقد دلني على هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شر إلا كان أول تارك له، وأنه يغلب فلا يبطر ويغلب فلا يهجر وأنه يفي بالعهد وينجز الوعد، وأشهد أنه نبي.
ثم أنشد أبياتًا منها:
أتاني عمرو بالتي ليس بعدها | من الحق شيء والنصيح نصيح | |
فقلت له ما زدت أن جئت بالتي | جلندي عمان في عمان يصيح | |
فيا عمرو قد أسلمت لله جهرة | ينادي بها في الواديين فصيح |
فهذا هو رسول الله ﷺ خاتم المرسلين:
كتاب مفتوح قبل البعثة وبعدها للجميع، فمن أراد أن يتعرف على عظيم شخصيته وسيرته العطرة، فليقرأ وليتصفح سيرته ﷺ؛ ليعلم ويتيقن أنه ﷺ هو رسول الله حقًّا وصدقًا.
ونعود مرة أخرى فنسأل: إذا لم يكن محمد ﷺ رسولًا من عند الله سبحانه وتعالى فماذا كان يبغي من وراء هذه الدعوى التي جلبت له ألوانًا من العذاب والاضطهاد؛ من شتم بذيء شنيع إلى إيذاء شديد فظيع؟!([48])
لقد كان بشهادة خصومه عاقلًا حصيفًا حكيمًا، فما الغاية التي كان يسعى ويرجو الوصول إليها؟
أكان يبغي الملك، أم المال؟
لقد عُرض عليه ﷺ الملك والمال من ربه، ثم من كفار قريش، فآثر أن يكون عفيفًا نزيهًا وزاهدًا قانعًا.([49])
ولقد حاول المشركون مساومة النبيr بإغداق كل ما هو يمكن أن يكون مطلوبًا له؛ ليكفوه عن دعوته، ولم يكن يرى هؤلاء المساكين أن كل ما تطلع عليه الشمس لا يساوي جناح بعوضة أمام دعوته ﷺ، فخابوا وفشلوا فيما أرادوا.([50])
فلقد ذهب أبو الوليد -وكان سيدًا من كفار قريش- إلى رسول اللهr، وكان جالسًا في المسجد وحده ليكلمه ويعرض عليه أمورًا؛ لعله أن يقبل بعضها ويكف عن دعوته، وذلك بعدما وافقته قريش لما رأته من إسلام حمزة بن عبد المطلب عم النبي ﷺ وتزايد أصحاب رسول الله ﷺ.
فقال أبو الوليد لرسول الله ﷺ: يا ابن أخي: إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر- يعني الإسلام والدعوة إليه- مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا.
ولكن رسول الله ﷺ: رفض كل ذلك في سبيل دعوته، فلقد عرض عليه المال والشرف والملك والتزويج بأشرف بناتهم، ولكنه ﷺ كان عفيفًا زاهدًا، نزيهًا قانعًا.([51])
هذا كله ينفي عن رسول الله ﷺ أنه كان يريد الدنيا ومظاهرها، ولم يكن هذا مجرد كلام، بل كان حقيقة نلمسها في أول عهده ﷺ كما نلمسها في آخر عهده ﷺ على السواء.([52])
يوم دان له خصومه وخضع له أعداؤه ووافته الأموال الجمة والغنائم التي لا حصر لها، فكان ﷺ ينفق هذه الأموال على الأيتام والفقراء والمساكين وينام هو على حصير يؤثر في جنبه ﷺ.([53])
ينفق هذه الأموال على الأيتام والفقراء والمساكين ويعيش هو زاهدًا قانعًا.([54])
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتاليين حتى قبض رسول الله ﷺ [أخرجه البخاري ومسلم].
- وعن عبد الله بن مسعود قال: دخلت على النبي ﷺ وهو في غرفة كأنها بيت حمام، وهو نائم على حصير قد أثر بجنبه فبكيت، فقال: ما يبكيك يا عبد الله؟ قلت: يا رسول الله، كسرى وقيصر يطئون على الخز والديباج والحرير، وأنت نائم على هذا الحصير قد أثر بجنبك! قال: «فلا تبك يا عبد الله فإن لهم الدنيا ولنا الآخرة، وما أنا والدنيا ما مثلى ومثل الدنيا إلا كمثل راكب نزل تحت شجرة ثم سار وتركها» [أخرجه الطبراني].
- والأحاديث الدالة على زهده ﷺ في طعامه وثيابه وسكنه.. إلى غير ذلك كثيرة جدًا شاهدة على ما ذكرناه.
- لقد زهد ﷺ في الدنيا وعلم نساءه كيف يزهدن فيها، فهذه ابنته فاطمة رضي الله عنها بنت خديجة رضي الله عنها التي أنفقت مالها في خدمته ودعوته، لم يعطها من مال الله ما يقضي حاجتها ويضمن راحتها، حتى ميراث النبي ﷺ فهو صدقة لا يُورث.([55])
اهتمام بالغ بالفقراء ورعاية للضعفاء، فمن أجل هؤلاء تناسى ﷺ نفسه وأهله، ولم يؤثرهم بشيء من حياته، ولم يدخر لهم شيئًا بعد وفاته، ووكلهم جميعًا إلى فضل الله ذو الفضل العظيم.([56])
إنه نبي جاء ليرفع أتباعه عن أن يكونوا عبيد الدنيا عبيد المال، جاء ليجعلهم عبيدًا لله وحده، يرضون من الدنيا بالقليل، ويكفيهم ما يتزودون به للآخرة، فرسول الله ﷺ لم يكن طامعًا في ملك أو مال أو جاه.([57])
فالأحاديث التي رُويت عنه ﷺ تشهد بعزوفه عن الدنيا وتواضعه طوال حياته ﷺ، فماذا كان يبغي؟
وما الغاية التي كان يرمي إليها؟
وهو الذي شهد الجميع بحكمته ورجاحة عقله ﷺ.
لا شيء سوى أن يرضي مولاه الذي سيطر على حوائجه وتملك كل جوارحه، لا شيء سوى أن يفوز بحبه وينعم بقربه.([58])
أليس هذا كله يدل على أنه مخلص في دعواه، وأنه كما يقول رسول من عند الله؟([59])
* * *
ولنعد مرة أخرى إلى الدعوى التي جاء بها رسول الله ﷺ لنلقي عليها نظرة فاحصة نكشف طبيعتها ومرماها.([61])
فبالبحث والتأمل يتجلى لنا أنها دعوة فطرية، مبادئها النظرية قوائم لكل عقل، ومبادئها العملية تناسب كل طاقة.([62])
دعوة تلائم الغرائز الإنسانية والمصالح البشرية، دعوة ليس فيها إعنات للفكر ولا قهر للذهن ولا إرهاق للتصور، دعوة تثير في الناس غريزة حب الاستطلاع؛ ليتفهموها وليقفوا على أدلتها، دعوة تقوم على الحق وتبني على الخير وتهدي إلى الرشد في كل ما جاءت من أصول أو فروع من عقائد أو أحكام.([63])
سُئل أحد الحكماء: لماذا أسلمت؟
فقال: نظرت في الإسلام، فلم أجد فيه أمرًا يقول فيه افعل ويقول العقل فيه لا تفعل، وكذلك لم أجد فيه أمرًا يقول فيه لا تفعل ويقول العقل فيه افعل، ولكن وجدت كل ما جاء به من أوامر ونواه تطابق عليها العقل والشرع، هذا ما قاله حكيم فطن حاذق لبيب.([64])
وهو قول حق نجد مصداقه في كل ما جاء به الإسلام، ولنذكر على سبيل المثال:([65])
أ- عقيدة التوحيد: عقيدة سهلة لا تركيب فيها ولا تعقيد، ولا غموض فيها ولا إبهام، براهينها ميسورة مستقاة مما يقع تحت حواس الإنسان وفكره، وهي واضحة لا تدع مجالًا للريب ولا منفذًا للشك.([66])
ب- عقيدة البعث والإيمان باليوم الآخر: فهي ترتبط بعقيدة التوحيد بأوثق الروابط، فالإيمان بإله واحد بلغ غاية الكمال يستلزم الإيمان بحكمته البالغة ومن الحكمة أن لا يُسوى بين مؤمن وكافر، بار وفاجر، محسن ومُسيء، فلا بد من يوم تُجزى فيه كل نفس بما كسبت، ولا استحالة في البعث، فمن قدر على البدء يقدر على الإعادة.([67])
جـ- الإيمان برسل الله: فبينها وبين العقيدتين السابقتين أقوى الأواصر وأمتن الروابط، فحكمة الله سبحانه وتعالى تأبى أن يوجد الإنسان ويتركه سدى ويدعه هملًا، ويعاقبه دون أن يقيم الحجة.([68])
د- الإيمان بما جاء به الرسل: فالإيمان بالرسل يقتضي الإيمان بما جاء به الرسل.([69])
هـ- تمتاز هذه الدعوة بعمومها للناس وشمولها لمصالحهم الدنيوية والأخروية، كفلت كل مصالحهم الروحية والجسمية، الفردية والجماعية، نشر الفضيلة ومحاربة الظلم والرذيلة ومسالمة الكفار المسالمين.([70])
فالإسلام لم يترك أمرًا إلا ونهج له نهجًا يأخذ به المسلمون، وتحاول دول العالم الأخذ بمنهج الإسلام وما فيه من تعاليم وإرشادات ومعالجات لكل صغيرة وكبيرة.([71])
فالإسلام هو الدعوة الشاملة لكل نواحي الإصلاح على أدق صورة وأعظم منهاج.([72])
فهل يمكن أن يقوم بهذه الدعوة أمي نشأ بين أميين؟
كلا، والتاريخ على طوله لم يذكر أمي سواه فالحق: أن محمدًا ﷺ رسول الله من عند الله.([73])
* * *
كان موقف الكفار موقف مناوأة منذ اللحظة الأولى، مناوأة للداعي وللدعوة ولمن آمن بالداعي- رسول الله- والدعوة، لقد آذوا رسول الله ﷺ بالقول والفعل أذىً شديدًا، ولقد آذوا أصحابه الذين آمنوا به ﷺ وتفننوا في تعذيبهم والتنكيل بهم، ونماذج ذلك كثيرة تشهد بمدى صبر وصمود رسول الله ﷺ وأصحابه من أجل هذه الدعوة، فهذا بلال من أصحاب رسول الله ﷺ ومؤذن رسول الله ﷺ: كان بلال مولى أمية بن خلف، فكان أمية يضع في عنقه حبلًا، ثم يُسلمه إلى الصبيان يطوفون به جبال مكة حتى كان يظهر أثر الحبل في عنقه، وكان أمية يشده شدًّا، ثم يضربه بالعصا، وكان يلجئه إلى الجلوس في حر الشمس، كما كان يكرهه على الجوع وأشد من ذلك كله:
كان يخرجه إذا حميت الظهيرة، فيطرحه في بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول:لا والله لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى- الأصنام- فيقول بلال رضي الله عنه وهو على ذلك: أحدٌ أحد, ويقصد أن الله سبحانه وتعالى واحد فرد صمد، لا ند له ولا مثيل له ولا شريك.([75])
وغيره الكثير من أصحاب رسول الله ﷺ لاقوا وعانوا ألوانًا من التعذيب
والتنكيل بهم، بسبب اعتناقهم هذا الدين العظيم، ولكن هذا كله لم يرُدَّهم عن دينهم وإيمانهم بدعوة رسول الله ﷺ، فجزاهم الله خيرًا على إيمانهم وصبرهم.([76])
لقد جرب الكفار في حربهم كل سلاح وقعدوا له كل مرصد، وأخيرًا عادوا إلى الإيمان برسالته وتصديق نبوته والالتفاف حول رايته ﷺ.([77])
ولقد جاء بعد رسول الله ﷺ من ادعى النبوة كمسيلمة الكذاب، الذي ادعى أنه نبي واتبعه المنافقون من شدة غيظهم وحقدهم على الإسلام وأهله، فكانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر في صدورهم ويخفونه.
فحارب المسلمون مسيلمة الكذاب ومن اتبعه من المنافقين، فكان النصر من الله للمسلمين وقُتِل مسيلمة الكذاب وهُزِم المنافقون شر هزيمة، أرأيت كيف كانت نهاية مسيلمة الكذاب ودعوته الكاذبة؟
أرأيت كيف قرن الله سبحانه وتعالى بين اسم مُدَّعي النبوة مسيلمة وبين صفته الكذاب، وجمع بينهما وخلدهما في صفحات التاريخ خزيًا له وعقوبة في تلك الدنيا التي نحياها؟
ونلحظ كم كان الفارق بين من كذب في دعواه وافترى على الله الكذب في ادعائه النبوة، وبين من صدق في دعواه وفي تبليغه عن ربه سبحانه وتعالى، فشتان الفارق بينهما.
فلقد نصر الله سبحانه وتعالى رسوله محمد ﷺ ونصر دعوته، وختم حياته ﷺ بحسن الخاتمة.
فلقد صبر رسول اله ﷺ واصطبر وجاهد جهادًا كبيرًا طويلًا طوال فترة رسالته إلى أن نصره الله سبحانه وتعالى.
وإلى أن نصر الله عز وجل دعوته ﷺ ونشرها إلى أن انتشر هذا الدين العظيم الذي جاء به من قبل ربه تبارك وتعالى.
ولقد خلد الله سبحانه وتعالى اسم رسوله محمد ﷺ ورفع ذكره بين صفحات التاريخ.
وجمع سبحانه وتعالى بين اسمه جل شأنه واسم رسوله محمد ﷺ وقرن بينهما في كل أذان وفي كل إقامة.
فلا يكاد ينتهي الأذان في مكان ما إلا ويأتي وقته في مكان آخر فيؤذن مرة أخرى وهكذا لنفس تلك الفريضة الواحدة التي قد أُذِّن لأدائها من قبل إلى أن يأتي وقت فريضة أخرى وهكذا.
ففي كل مكان بعد أن انتشر هذا الدين العظيم في كافة أنحاء الأرض التي نحيا عليها نسمع هذا القول الحق والشهادة الصدق:
أشهد أن لا إله إلا الله | أشهد أن محمدًا رسول الله |
فسبحان الله العظيم.
كم كان نصر الله سبحانه وتعالى لمحمد ﷺ طوال حياته وأيضًا بعد مماته، ولم كل هذا؟ لا شك إلا لأنه ﷺ رسول الله من عند الله عز وجل، ولأنه ﷺ خاتم المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وكذلك جمع بين اسم رسول الله ﷺ وبين الثناء عليه ﷺ فلا يكاد يذكر اسم رسول الله ﷺ أو يذكر ضمير يعود على اسمه ﷺ إلا ويقرن بينهما وبين الصلاة عليه ﷺ بأن ندعو الله عز وجل أن يصلي على رسوله ﷺ فهو سبحانه وتعالى الذي يعلم مكانة ومنزلة رسوله ﷺ فصلاة الله سبحانه وتعالى على رسوله ﷺ هي ثناء عليه ﷺ .
وكذلك لا يكاد يذكر اسم رسول الله ﷺ إلا ونتذكر لقبه الذي لُقب به قبل بعثته فهو ﷺ الصادق الأمين.
والسؤال الذي يفرض نفسه:
أيمكن أن ينصر الله سبحانه وتعالى محمدًا ﷺ ويؤيده كل هذا التأييد وهو كاذب في دعواه؟
كلا، فالحق أن محمدًا ﷺ له من المكانة العالية والمنزلة الرفيعة لدى ربه سبحانه وتعالى التي استحق بها تأييد ونصر الله سبحانه وتعالى له ﷺ فهو خاتم الأنبياء والمرسلين.
أرأيت كيف نصر الله سبحانه وتعالى رسوله ﷺ ودعوته؟
أرأيت كيف قرن الله سبحانه وتعالى بين اسمه جل شأنه واسم رسوله محمد ﷺ ورفع له ذكره؟
أرأيت كيف خلد الله سبحانه وتعالى اسم رسوله محمد ﷺ مقترنًا بعظيم صفاته الصدق والأمانة كرامة له ﷺ في صفحات التاريخ؟
فمحمد ﷺ هو رسول رب العالمين وهو خاتم الأنبياء والمرسلين.
* * *
فرسول الله ﷺ أرسله ربنا تبارك وتعالى رحمة للعالمين، لإخراجهم من ظلمات الشرك والأوثان إلى نور التوحيد والشرع القويم، لإخراجهم من غضب الله عز وجل وسخطه وعظيم عقابه إلى الفوز برضا الله تبارك وتعالى وجنته وحسن جزائه تبارك وتعالى.
ولقد جاهد ﷺ جهادًا طويلًا واصطبر صبرًا جميلًا طوال فترة رسالته ﷺ إلى أن سطع نور التوحيد في كافة أنحاء الأرض التي نحيا عليها.
قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: ١٠٧].
ولنتأمل في أثر بركة رسول الله ﷺ على كل من التصق به بسبب من الأسباب:
أ- كفار مكة:
كان أهل مكة يعبدون الأوثان من دون الله سبحانه وتعالى، فحاول أبرهة الأشرم هدم بيت الله الحرام- الكعبة- ومعه فيله وجيشه، وكان ذلك في العام الذي ولد فيه رسول الله ﷺ، ولم يكن لأهل مكة طاقة بمحاربة جيش أبرهة، ولكن الله سبحانه وتعالى أرسل عليهم طيرًا أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول، فولوا مدبرين مهزومين تتساقط جلودهم أمام أعينهم عقوبة وخزيًا لهم في الدنيا، إضافة إلى جزائهم في الآخرة، وكان ذلك في اليوم الذي ولد فيه رسول الله ﷺ .
فلم يشأ الله سبحانه وتعالى لرسوله محمد ﷺ أن يخرج عبدًا أسيرًا في أيدي أبرهة وجيشه، وكان من الممكن ذلك إذا نجح أبرهة وجيشه في هدم الكعبة، ومن ثم أسر أهل مكة جميعًا، ولكن أنى لهم ذلك فالله خير حافظًا لرسوله ﷺ وهو خير الناصرين؟
وكما ذكرنا أن ذلك كان في العام الذي ولد فيه خاتم المرسلين محمد ﷺ.
فببركة رسول الله ﷺ نجا أهل مكة جميعًا من جيش أبرهة ومن الوقوع في أسرهم، فكم بلغت بركة رسول الله ﷺ على أهل مكة مع أنهم كانوا عبادًا للأوثان.
ب- اسم رسول الله ﷺ وأسماء بعض من التصق به بسبب من الأسباب: فإذا تأملنا فيها وزدنا إمعان النظر فيها نجد أنها أسماء من المبشرات ليست من المنفرات.
1- ولنبدأ باسم رسول الله ﷺ محمد، المصدر: حمد، من الحمد، فرسول الله ﷺ محمود في الأرض ومحمود في السماء، وقد سمي رسول الله ﷺ بهذا الاسم دون غيره من الأسماء مع أن هذا الاسم لم يكن منتشرًا بين أسماء العرب، ولكن لأنه خاتم الأنبياء والمرسلين، فقد سُمي بهذا الاسم ﷺ دون غيره من الأسماء بإرادة ومشيئة وحكمة من الله سبحانه وتعالى.
2- والد رسول الله ﷺ كان اسمه عبد الله وليس عبد العزى أو غير ذلك من الأصنام والأوثان.
3- والدة رسول الله ﷺ كان اسمها آمنة من الأمن وليست كأسماء غيرها من النساء والتي قد تكون منفرة غير مبشرة.
4- القابلة التي قامت بتوليد السيدة آمنة في حملها برسول الله ﷺ كان اسمها الشفاء.
5- أول من أرضعت رسول الله ﷺ بعد أمه كان اسمها ثويبة من الثواب وأعتقها أبو لهب عم رسول الله ﷺ عندما بشرته بمولد محمد رسول الله ﷺ.
6- كان من عادة العرب أن يلتمسوا المراضع لأولادهم من البدو بعيدًا عن أمراض الحواضر لتقوى أجسامهم وتشتد أعصابهم ويتقنوا اللسان العربي في مهدهم، فكان اسم المرضعة التي أرضعت رسول الله ﷺ حليمة السعدية من الحلم والسعادة، ولقد رأت من بركة رسول الله ﷺ ما سوف نذكره بإيجاز بعد ذلك.
7- خادمة رسول الله ﷺ كان اسمها بركة- أم أيمن- من البركة ومن اليُمن.
8- كان مولد رسول الله ﷺ في شهر ربيع الأول، وهو يعتبر أعدل وأفضل شهور العام.
9- بعد هجرة رسول الله ﷺ إلى يثرب سُميت بالمدينة المنورة، فسبحان الله العظيم الحكيم الذي اصطفى رسوله خاتم المرسلين محمد ﷺ من خلقه وعباده واصطفى له اسمه وأسماء كل من التصق به ﷺ بسبب من الأسباب.
جـ- كان رسول الله ﷺ مباركًا تظهر بركته على من حوله وسنكتفي بنموذجين اثنين ممن لحقت بركة رسول الله ﷺ بهما وهما:
1- السيدة حليمة السعدية مرضعة رسول الله ﷺ:
لقد رأت السيدة حليمة السعدية من بركة رسول الله ﷺ ما قصت منه العجب ولنتركها تروي ذلك مفصلًا.
قال ابن إسحاق: كانت حليمة تحدث: أنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه في تسعة نسوه من بني سعد بن بكر، تلتمس الرضعاء، قالت: وذلك في سنة شهباء، لم تبق لنا شيئًا. قالت: فخرجت على أتان لي قمراء، معنا شارف لنا، والله ما تبض بقطرة، وما ننام ليلنا من صبينا الذي معنا من بكائه من الجوع، ما في ثديي ما يغنيه، وما في شارفنا ما يغذيه، ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت عليَّ أتاني تلك، فلقد أدمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفًا وعجفًا، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله ﷺ، فتأباه إذا قيل لها: إنه يتيم. وذلك أنا كنا نرجو المعروف من أبي الصبي.
فكنا نقول يتيم: وما عسى أن تصنع أمه وجدُّه، فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعًا غيري.
فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي: والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي، ولم آخذ مرضعًا، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم، فلآخذنه. قال: لا عليك أن تفعلي عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة.
قالت: فذهبت إليه فأخذته، وما حملني على أخذه إلا لأني لم أجد غيره. قالت: فلما أخذته رجعت به إلى رحلي، فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب، وشرب معه أخوه حتى روي- المقصود بأخيه: أي ابن السيدة حليمة، فهو أخوه إذًا من الرضاعة- ثم نام وما كنا ننام معه قبل ذلك.
وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فإذا هي حافل، فحلب منها ما شرب، وشربت معه حتى انتهينا ريًّا وشبعًا، فبتنا بخير ليلة.
قالت: يقول صاحبي حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة، لقد أخذت نسمة مباركة. قالت: فقلت: والله إني لأرجو ذلك.
قالت: ثم خرجنا وركبت أنا أتاني وحملته عليها معي، فوالله لقطعت بالركب ما لا يقدر عليه شيء من حُمُرِهم حتى إن صواحبي ليقلن لي: يا ابنة أبي ذؤيب ويحك أربعي علينا، أليست هذه أتانك التي كنت خرجتِ عليها؟
فأقول لهن: بلى والله، إنها لهي هي. فيقلن: والله إن لها شأنًا. قالت: ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضًا من أرض الله أجدب منها فكانت غنمي تروح على حين قدمنا به معنا شباعًا لبنًا، فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن وما يجدها في ضرع، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم: ويلكم، اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب، فتروح أغنامهم جياعًا ما نبض بقطرة لبن وتروح غنمي شبعًا لبنًا.
فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشب شبابًا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلامًا جفرًا، قالت: فقدمنا به على أمه ونحن أحرص على مكثه فينا لما كنا نرى من بركته.
فكلمنا أمه وقلت لها: لو تركت ابني عندي حتى يغلظ، فإني أخشى عليه وباء مكة. قالت: فلم نزل به حتى ردته معنا. [الرحيق المختوم: لصفي الرحمن المباركفوري]، [ابن هشام 1/162، 163، 164].
2- أم معبد الخزاعية:
ولنذكر بإيجاز أثر بركة رسول الله ﷺ عليها عندما مر بخيمتها أثناء الهجرة: مر رسول الله ﷺ ومن معه أثناء هجرته بخيمة أم معبد الخزاعية، وكانت امرأة برزة جلدة تحتبي بفناء الخيمة، ثم تطعم وتسقي من مر بها، فسألاها، هل عندها من شيء؟
فقالت: والله لو كان عندنا ما أعوذكم القرى، والشاة عازب، وكانت سنة شهباء، فنظر رسول الله ﷺ إلى شاة في كسر الخيمة، فقال: ((ما هذه الشاة يا أم معبد؟)) قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم. فقال: ((هل بها من لبن؟)) قالت: هي أجهد من ذلك. فقال: ((أتأذنين لي أن أحلبها؟)) قالت: نعم بأبي وأمي وإن رأيت بها حلبًا فاحلبها، فمسح رسول الله ﷺ بيده ضرعها، وسمى الله ودعا، فتفاجت عليه ودرت، فدعا بإناء لها يربض الرهط، فحلب فيه حتى علته الرغوة، فسقاها، فشربت حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، ثم شرب وحلب فيه ثانية حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها وارتحلوا.([78])
فما لبث أن جاء زوجها أبو معبد يسوق عنزًا عجافًا يتساوكن هزالًا، فلما رأى اللبن عجب فقال: من أين لك هذا، والشاة عازب ولا حلوبة في البيت؟
فقالت: لا والله، إلا أنه مر بنا رجل مبارك -لما رأته من بركته ﷺ- كان من حديثه كيت وكيت، ومن حاله كذا وكذا.([79])
قال: إني والله أراه صاحب قريش الذي تطلبه، صِفِيهِ لي يا أم معبد. فوصفته ﷺ بصفاته الرائعة بكلام رائع، كأن السامع ينظر إليه وهو أمامه.([80])
فقال أبو معبد: والله هذا صاحب قريش الذي ذكروا من أمره ما ذكروا، لقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلًا، وأصبح صوت بمكة عاليًا يسمعونه ولا يرون القائل:([81])
جزى الله رب العرش خير جزائه | رفيقين حلا خيمتى أم معبد | |
هما نزلا بالبر وارتحلا به | وأفلح من أمسى رفيق محمد | |
فيا لقصي ما زوى الله عنكم | به من فعال لا يحاذي وسؤدد | |
ليهن بني كعب مكان فتاتهم | ومقعدها للمؤمنين بمرصد | |
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها | فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد |
وغير ذلك الكثير والكثير من النماذج والمعجزات التي تُدلل على بركة رسول اللهr، ولا عجب، فمحمد ﷺ هو خاتم الأنبياء المرسلين.
تربية الرسول ﷺ لأصحابه رضوان الله عليهم:
لقد قام رسول الله ﷺ بتربية أصحابه حق التربية.
فلقد رباهم ﷺ على التوحيد الخالص لله عز وجل وعدم الإشراك به شيئًا.
رباهم ﷺ على الامتثال لأوامر الله سبحانه وتعالى، واجتناب نواهيه وتعظيم حرماته جل شأنه.
رباهم ﷺ على التمسك بكل فضيلة واجتناب كل رذيلة.
رباهم ﷺ على المسارعة والمنافسة والتسابق في فعل الخيرات واجتناب المنكرات.
رباهم ﷺ على حب الله سبحانه وتعالى وحب رسوله ﷺ أكثر من أنفسهم التي بين جنبيهم، وحب الآخرة وتفضيلها على الدنيا.
رباهم ﷺ على الشوق إلى لقاء الله سبحانه وتعالى والفوز برضاه ونعيمه جل شأنه.
لقد رباهم ﷺ حق التربية حتى صاروا رجالًا بحق، أهلًا لنصرة دين الله في الأرض، قادرين على حمل لواء هذا الدين العظيم، يفتحون به أنحاء الأرض فتحًا، مؤيدين من قِبَل إلاههم بعد فوزهم برضاه جل شأنه عليهم- رضوان الله عليهم- ولم لا؟
فلقد طهرت نفوسهم وزكت أرواحهم بعد رسالة المصطفى ﷺ إليهم.
قال الله تعالى: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) [البقرة: ١٥١].
فلقد أصبحوا قادرين على حمل راية التوحيد «لا إله إلا الله» والدعوة إليها، وبالفعل: فلم تمض غير سنوات معدودات إلا وقد انتشر هذا الدين العظيم، وأصبحت راية التوحيد «لا إله إلا الله» عالية خفاقة في شتى بقاع الأرض، وتحطم تحتها ما سواها من شرك وأوثان وطواغيت.
فلقد انهارت أعظم إمبراطوريتين وأعظم قوتين في ذلك الوقت على أيدي المسلمين الفاتحين تحت لواء راية التوحيد «لا إله إلا الله».
وكانت هاتين القوتين هما إمبراطورية الفرس وإمبراطورية الروم، فالفرس كانوا يعبدون النار، والروم كانوا يشركون بالله سبحانه وتعالى، وينسبون إليه الولد ويعبدون الصليب.
قال رسول الله ﷺ لمشركي مكة: ((قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، وتملكوا بها العرب، وتدين لكم بها العجم)). [صحيح: أخرجه الإمام أحمد والبيهقي].
فالبفعل تحطمت هاتين القوتين على أيدي المسلمين الفاتحين المستمسكين بكتاب الله عز وجل، وسنة رسوله ﷺ، المتبعين له ﷺ، والمنتهجين بنهجه صلوات الله وسلامه عليه، وتحطمت ما سواهما من قوى الأرض تحت لواء «لا إله إلا الله» مصداقًا لقول رسول الله ﷺ، وأقام المسلمون حضارة لا تدانيها أية حضارة مزعومة، أقام المسلمون حضارة سطع ضوءها في شتى بقاع الأرض بعدما طبقوا شرع الله عز وجل، ولم يخافوا فيه جل شأنه أي شيء، فأخاف الله سبحانه وتعالى منهم كل شيء، فكان آنذاك الفتح المبين.
والتاريخ نفسه شاهد بذلك كله بين صفحاته ومسجل بين سطوره تلك الأحداث، ولما ذكرناه وغير ذلك الكثير من فتوحات المسلمين مقرونة بالأرقام والتواريخ، وكل ذلك يدلل على عِظَمِ تربية رسول الله ﷺ لأصحابه رضي الله عنهم تربية يعجز عنها أحد إلا نبي مرسل من رب العالمين وهو محمد ﷺ خاتم الأنبياء والمرسلين.
الحب الشديد من أصحاب رسول الله -رضي الله عنهم- لرسول الله ﷺ وتعلقهم واقتداؤهم به وافتداؤهم له ﷺ بأرواحهم:
لقد أحب الصحابة رسول الله ﷺ حبًا شديدًا، وتعلقوا به ﷺ تعلقًا لا يكاد يتصوره عقل، واقتدوا به ﷺ في كل شيء من قول وفعل، من عبادات ومعاملات، يحبون ما يحبه ﷺ ويكرهون ما يكرهه ﷺ ويفتدونه ﷺ بأرواحهم، وغزوات رسول الله ﷺ شاهدة على ذلك.
ولم يكن هذا كله إلا لأنه ﷺ رسول من عند الله سبحانه وتعالى حقًا، اصطفاه ربه تبارك وتعالى، وأحبه فألقى سبحانه وتعالى محبته ﷺ في قلوب أصحابه رضي الله عنهم وقلوب كل من آمن به واتبعه ﷺ.
فكان ﷺ أحب إليهم من آبائهم وأمهاتهم وأولادهم، وأحب إليهم من أنفسهم التي بين جنبيهم رضي الله عنهم.
ويدلل على ذلك الكثير والكثير من المواقف الشاهدة على ذلك:
فها هو عروة بن مسعود الثقفي أتى رسول الله ﷺ ولم يكن مسلمًا، وذلك بعدما سمعت قريش بخروج النبي ﷺ وأصحابه قاصدًا البيت الحرام- الكعبة- لأداء العمرة.
فعقدت مجلسًا استشاريًا قررت فيه صد المسلمين عن البيت كيفما يمكن، فجعل عروة يرمق بعينيه أصحاب رسول الله ﷺ وعلاقتهم به ﷺ، وبعدما رأى من عجيب صنيع أصحاب رسول الله ﷺ ما يشهد بعظيم حبهم له ﷺ رجع إلى أصحابه فقال: أي قوم والله لقد وفدت على الملوك؛ على قيصر وكسرى والنجاشي- فقيصر هو ملك الروم، وكسرى هو ملك الفرس، والنجاشي هو ملك الحبشة- والله ما رأيت ملكًا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمدٍ محمدًا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيمًا له، وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبولها.
ولنذكر حدثًا آخر ولنكتفِ به: وهو حدث وفاة رسول الله ﷺ وأثره على أصحابه رضوان الله عليهم.
أثر فقدان المحبين لحبيبهم ﷺ:
فعندما تسرب نبأ وفاة رسول الله ﷺ أظلمت على المدينة أرجاؤها وآفاقها، فلا مصيبة أعظم من موت رسول الله ﷺ والحرمان من رؤيته ﷺ في تلك الدنيا التي نحياها، فمن الصحابة من لم يُصدق وفاة رسول الله ﷺ وخرج عن وعيه وشُل لوقت.
ولنذكر موقفين لصحابيين جليلين من أصحاب رسول الله ﷺ:
موقف عمر بن الخطاب الفاروق رضي الله عنه:
لقد وقف عمر بن الخطاب، وقد أخرجه الخبر عن وعيه وقال:
إن رجالًا من المنافقين يزعمون أن رسول الله ﷺ تُوفي، وإن رسول الله ﷺ ما مات، لكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات، ووالله ليرجعن رسول الله ﷺ، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات.
موقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه:
أقبل أبو بكر على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل، فدخل المسجد فلم يكلم الناس، فتيمم رسول الله ﷺ وهو مغشي بثوب حبرة، فكشف عنه وجهه ﷺ، ثم أكب عليه فقبله وبكى، ثم قال: بأبي أنت وأمي، لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي قدمت عليك فقد متها، ثم خرج أبو بكر -وعمر يكلم الناس- فقال: اجلس يا عمر. فأبى عمر أن يجلس، فأقبل الناس إليه وتركوا عمر.
فقال أبو بكر: أما بعد: من كان منكم يعبد محمدًا ﷺ، فإن محمدًا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله، فإن الله حي لا يموت.
قال الله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران: ١٤٤].
قال ابن عباس: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس كلهم، فما أسمع بشرًا من الناس إلا يتلوها.([82])
وقال ابن المسيب: قال عمر: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعفرت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها علمت أن النبي ﷺ قد مات» [صحيح البخاري].
فلم تعلم البشرية قاطبة نماذج من التفاني في الحب، كحب أصحاب محمد -رضوان الله عليهم- لمحمد ﷺ.
لقد اصطفى الله سبحانه وتعالى من خلقه هذا الرسول الأمين محمدًا ﷺ خاتم الأنبياء والمرسلين، واصطفى له أصحابه رضوان الله عليهم، الذين يليقون ويشرفون بصحبته ﷺ، فلقد اصطفى سبحانه وتعالى أصحاب محمد رضوان الله عليهم لمحمد ﷺ.
وهذا كله لما ناله سيدنا محمد ﷺ من رضا الله سبحانه وتعالى والفوز بقربه ﷺ منه تبارك وتعالى.
أحبه الله جل شأنه فألقى محبته ﷺ في قلوب أصحابه رضوان الله عليهم، وألقى محبته ﷺ في قلوب كل من آمن به وبدعوته، واتبع هديه، وانتهج نهجه، وسلك طريقه صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين.
فمحمد ﷺ هو أعظم مربٍّ، وأعظم محبوب، فهو ﷺ رسول الله حقًّا وصدقًا.
* * *
إن الذين أذعنوا للدعوة المحمدية دوافعهم مختلفة: فمنهم من أذعن لها واستجاب؛ لأنه رآها دعوة فطرية تتمشى مع العقل، وتتفق مع المنطق، وتحقق الخير للفرد والمجتمع.([83])
ومنهم من أذعن لها واستجاب؛ لأنه فشل في مقاومتها واقتنع بتأييد الله سبحانه وتعالى لها.([84])
وهناك فريق آخر آمن بها بعد أن بهرته بلاغة كتابها- القرآن الكريم- وروعة معانيه ودقة ائتلاف ألفاظه ومبانيه وسمو أهدافه ومراميه.([85])
ويلزمنا هنا أن نبين ما امتاز به القرآن الكريم من ميزات كان بها أعمق الأثر في نفوس الذين قرءوه أو سمعوه أو درسوه.([86])
1- يمتاز بأنه بلغ غاية الكمال في البلاغة حتى حير العرب في زمن عظم فيه شأن البيان وعرفوا فيه باللسن والفصاحة، حيرهم وأعجزهم، فهو كلام الله سبحانه وتعالى، لقد حاولوا أن يطفئوا هذا النور ويحطموا هذه الدعوة بإعلان الحرب عليها وقتل الداعين لها.([87])
فما الذي يحوجهم إلى استخدام السنان لو كانوا يستطيعون القضاء عليه باللسان؟!([88])
ألم يكن من الأسهل عليهم أن يعارضوه بسورة أو آيات يسيرة ليقطعوا حجته ويدحضوا معجزته؟([89])
فما بالهم لم يفعلوا، وقد نكسوا رءوسهم، وأشهروا إفلاسهم، ورجعوا إليه خاضعين مستسلمين، دون أن يأخذوا عليه عيبًا في أسلوبه، أو خللا في تركيبه، أو ضعفًا في مبانيه، أو فسادًا في معانيه، أو نقصًا في أهدافه، ومراميه؟!([90])
لقد صدق الله العظيم إذ يقول: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) [الإسراء: ٨٨].
2- يمتاز بأنه جمع كل ما يحتاج إليه الخلائق في معاشهم ومعادهم، فجاء بالعقائد الصافية والعبادات الهادية والمعاملات السليمة والأخلاق الكريمة والسياسة الرحيمة.([91])
وجاء بالمعارف الرائعة والتوجيهات النافعة والحجج الساطعة، فلا تجد أمرًا من أمور الحياة إلا وقد تعرض له القرآن الكريم بطريق العبارة أو الإشارة أو التلميح، فيه خبر الأولين وتاريخهم، وفيه خبر الآخرين.([92])
والقرآن الكريم يُشير إلى حقائق علمية مبهرة، كان له السبق في الإشارة إليها منذ أكثر من ألف وأربعمائة (1400) عام والتي لم يتوصل إليها العلم الحديث إلا منذ القليل من السنوات.
فالقرآن الكريم هو المعجزة الباقية إلى قيام الساعة للعرب وغير العرب، للناس كافة في كل مكان وزمان لا تنقضي عجائبه.
مما جعل الكثير والكثير من علماء الغرب في شتى المجالات؛ فلك، طب، جيولوجيا... يذعنون له ويستجيبون.
ويؤمنون به لما رأوا فيه من حقائق كونية لم تكن معروفة من قبل، أشار إليها القرآن الكريم بدقة وشمول، فتيقنوا من أن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون صناعة بشرية.
وأن القرآن الكريم هو كلام رب العالمين، وأن هذا الرسول الخاتم محمد ﷺ كان متصلًا بالوحي، معلمًا من قِبَل هذا الخالق العظيم؛ الله رب العالمين.
فيقول أحد علماء الغرب في مجال الطب؛ علم الأجنحة وهو كيث مور:
إن التعبيرات القرآنية تبلغ من الدقة والشمول ما لم يبلغه العلم الحديث، وكان ذلك في حديث صحفي بموسكو.
وغيره الكثير والكثير ممن شهد لهذا الرسول الخاتم محمد ﷺ بالرسالة بعدما تيقنوا من أن القرآن الكريم هو وحي الله عز وجل، الذي أوحاه إلى رسوله ﷺ ، وسوف يأتي أقوال عدد منهم فيما بعد.
3- يمتاز القرآن الكريم بأن ما احتواه من تشاريع يجرى على سنن وسط، هدفه تحقيق الخير وتوقي الشر، وصلاح العالم، بلا إفراط ولا تفريط، ولا إثم ولا رذيلة، ولا خراب ولا فساد.([93])
وقد شهد بفضله رجال الدساتير والقوانين، والعصريون على اختلاف آرائهم.
4- يمتاز القرآن الكريم بأن شريعته خالدة، ألزم الله بها العالمين إلى أن تقوم الساعة، ومن أجل ذلك تولى الله عز وجل حفظه بنفسه، فلم يترك مهمة حفظه إلى أحد من خلقه ذلك؛ لأن الناس من شأنهم التغيير والتبديل، ومن قبل استحفظهم الله التوراة فحرفوها.([94])
ونتيجة لتكفل الله سبحانه وتعالى بحفظ القرآن الكريم على سبيل التأكيد ظل القرآن الكريم في مأمن من عدوان الخلائق.
قال الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: ٩].
5- يمتاز القرآن الكريم بأنه مهيمن على الكتب السابقة، حكمه فصل ليس بالهزل، فما ذكر أنه حق فهو حق، وما ذكر بأنه باطل فهو باطل.([95])
6- يمتاز بتأثيره العجيب الذي يملك على السامع لبه، ويجذب قلبه، ويستحوذ على أحاسيسه ومشاعره ووجدانه، فكان الكفار مع كفرهم يحبون أن يستمعوا إلى القرآن الكريم.([96])
وهذه المواقف التي سوف نذكرها تدلل على مدى الأثر البليغ للقرآن الكريم في نفوس مستمعيه وغيرها الكثير والكثير، ولكننا سوف نكتفي بما سوف نذكره.
ولا عجب! فالقرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى، وصدق الله العظيم إذ يقول: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الحشر: ٢١].
1- موقف الكفار من أثر سماعهم للقرآن الكريم.
أ- أخرج ابن إسحاق والبيهقي في الدلائل عن الزهري رضي الله عنه قال: حدث أن أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق- كانوا من كفار قريش- خرجوا ليلة يستمعون من رسول الله ﷺ، وهو يصلي بالليل في بيته، فأخذ كل رجل منهم مجلسًا يستمع فيه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا، فقال بعضهم لبعض: لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهاؤكم لأوقعتم في نفسه شيئًا ثم انصرفوا، حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة ثم انصرفوا، حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض: لا نبرح حتى نتعاهد ألا نعود، فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا.
هكذا كان القرآن الكريم يجذب المشركين إلى سماعه على الرغم من عداوتهم لرسول الله ﷺ وقد أسلم أبو سفيان في فتح مكة.
ب- النجاشي ملك الحبشة:
عندما سأل النجاشي ملك الحبشة جعفر بن أبي طالب، قال له: هل معك مما جاء به- يقصد رسول الله ﷺ - عن الله من شيء؟
فقال له جعفر: نعم.
فقال النجاشي: فاقرأه علي. فقرأ جعفر عليه صدرًا من «كهيعص» فبكى النجاشي ومن معه ثم قال: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة. ثم قال لرسولي قريش- جاءا ليطلبا من النجاشي تسليم المسلمين المهاجرين من أرضه لهم-: انطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكما، وأقام المسلمون عنده بخير دار مع خير جار.
أرأيت إلى أثر القرآن في النجاشي وقومه؟
لقد بكى بكاءً حارًا عند سماعه للقرآن الكريم، وأسلم وآمن برسول الله ﷺ، وأعلن حمايته ورعايته لأتباعه.
جـ- الجن: ولقد تأثر الجن أيضًا بالقرآن الكريم عندما استمعوا إليه من رسول الله ﷺ وكان له أثر عميق في نفوسهم، فتأثروا به وانتفعوا بمواعظه من أول لحظة، ولم يكتفوا بأن ينتفعوا به، فعادوا إلى أهليهم يبلغونهم دعوة النبي ﷺ لينفعوهم وينذروهم.([97])
يطلبون منهم أن يؤمنوا بكتابه ويحذرونهم عاقبة كفرهم.
وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ* قَالُوا يَا قَوْمنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ* يَا قَوْمنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ). [الأحقاف: 29-32].
د- رسول الله ﷺ وأصحابه:
كان رسول الله ﷺ وأصحابه يخشعون ويبكون عند تلاوتهم للقرآن الكريم واستماعهم له، والنماذج الدالة على هذا كثيرة، ولكننا سنكتفي بما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه،([98]) عن أبي مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: ((اقرأ علي القرآن)) قال: فقلت يا رسول الله، أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟ قال: ((إني أشتهي أن أسمعه من غيري)) قال: فقرأت النساء (41) حتى إذا بلغت: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) رفعت رأسي أو غمزني رجل إلى جنبي فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل. [أخرجه مسلم].
ولنتأمل هذا الموقف فهو من رسول الله ﷺ الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، تسيل دموعه ﷺ عند سماعه للقرآن الكريم.([99])
لقد قام القرآن الكريم بتربية أصحاب رسول الله ﷺ خير تربية، فلا يوجد أصحاب لرسول أرسله الله سبحانه وتعالى كأصحاب خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله ﷺ.
فلقد أثر القرآن الكريم والرسول ﷺ الذي كان وصفه لنا قرآنًا يمشي على الأرض أثر تطبيقه ﷺ لكل ما جاء به القرآن الكريم في جيل الصحابة ومسارعتهم في الخير، أزال عنهم الضلال والغمة، كانوا متعادين فألف الله سبحانه وتعالى بالقرآن الكريم وبرسوله ﷺ بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم.([100])
وأصبح لهم حكومة وجيش ودستور ودولة وحضارة، بعد أن كانوا قبائل متناحرة متناثرة وكل هذا في أقل من 23 عامًا فقط منذ بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ﷺ.([101])
فمحمد ﷺ هو رسول الله حقًّا وصدقًا.
من معجزات القرآن الكريم
1- بلاغته وروعة معانيه ودقة ائتلاف ألفاظه ومبانيه وسمو أهدافه ومراميه وتحديه للعرب كافة بأن يأتوا ولو بسورة واحدة من مثله، وكلهم عجزوا وخابوا وفشلوا، ولم يجرءوا على قبول هذا التحدي، وهم الذي عرفوا بالبلاغة واللسن والفصاحة، فالقرآن الكريم ليس بصناعة بشرية، بل هو كلام الخالق العظيم تبارك وتعالى. (من كتاب الرسالة المحمدية)
ومن براهين ذلك:
(أ) قول الله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام: 125].
فلننظر إلى هذه الكلمة (يَصَّعَّدُ) وهذا الحرف المشدد بها، والتي تنقل إلينا صورة من أراد الله سبحانه وتعالى أن يضله بشكل واضح –صورة كاملة لحالته- فكأنه يرتفع إلى طبقات الجو العليا، حيث ينخفض الضغط الجوي، وهو ما يسبب الشعور بالضيق، وصعوبة التنفس، وهي حقيقة علمية لم تكتشف إلا في هذا العصر الحديث، أشارت إليه وأوضحته (3) ثلاث كلمات فقط في هذه الآية الكريمة.
وهذه الكلمات منها كلمتان (ضَيِّقًا حَرَجًا) تصفان حالة الصاعد في السماء وأن صدره يكون ضيقًا حرجًا، والكلمة الثالثة (يَصَّعَّدُ) حيث إن الحرف المشدد بها يوضح كيف أن حركة الصعود ليست سهلة، بل إن الصاعد يجد المشقة في صعوده إلى السماء بسبب ما يعانيه من انخفاض كبير في الضغط الجوي ([102]).
فكم تبلغ دقة ألفاظ القرآن الكريم، بل حروفه؟! فتكون شاهدًا على أن القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى.
(ب) شاهد من يهود: وهو أستاذ قانون يهودي:
وكان يجادل أحد المسلمين ليحاول النيل من الإسلام، فأراد هذا المسلم أن يخرصه، فقال له: كم يصل حجم قانون الميراث الأمريكي؟
فقال له أستاذ القانوني اليهودي: أكثر من 8 مجلدات.
قال له المسلم: إن جئتك بعشرة سطور تضم قانون الميراث بالكامل، دون أن يشذ عنه فرد؟
قال اليهودي: لا يمكن!
فجاء المسلم في اليوم التالي بآيات الميراث في القرآن الكريم –النص القرآني وترجمة معانيه باللغة الأجنبية- فجاء اليهودي، وقال: لا يمكن لعقل بشري أن يحصي كل علاقات التربة بهذا التفصيل الذي لا ينسى أحدًا، ثم يوزع عليهم الميراث بهذا العدل الذي لا يظلم أحدًا، وكانت آيات الميراث وحدها سببًا في قبوله الإسلام دينًا عند حسن عرضها.([103])
فالقرآن الكريم هو الكتاب المعجز في دقة ألفاظه ومبانيه وبلاغته وسمو أهدافه.
2- لقد أخبر القرآن الكريم بمصير بعض من كفار قريش وعذابهم في نار جهنم التي أعدها الله عز وجل لهم لكفرهم وتكذيبهم وعدم إيمانهم، ومن هؤلاء أبو لهب وزوجته ففيه نزلت سورة المسد، قال الله تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ* وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ* فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) [المسد].
وقد كان في استطاعة أي منهما- أبي لهب وزوجته- أو أي من كفار قريش ممن نزل فيهم قرآنًا يخزيهم ويخبرهم بسوء عاقبتهم ومصيرهم، وأن جهنم في الآخرة هي دارهم أن يدَّعي إسلامه نفاقًا ليُكَذِّب رسول الله ﷺ، وما جاء به القرآن الكريم فيقول: كيف يزعم محمد والقرآن الذي جاء به أني من أهل النار مع أنني أسلمت معه وآمنت به واتبعته؟
وذلك ليرتاب الناس في أمر رسول الله ﷺ ويتشككوا في صدق دعوته ﷺ فيزداد تكذيبهم له وعدم تصديقهم به، وبالقرآن الذي جاء به ﷺ ولكن لم يجرؤ أي منهم فعل مثل ذلك، وذلك لأن القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى الذي يعلم الغيب وما تخفي الصدور، فالله عز وجل يعلم ما في صدورهم، وقد سبق في علم الله سبحانه وتعالى أنهم لن يجرءوا على فعل مثل ذلك، فجاء التحدي لهم من هذا القبيل.
فنزلت الآيات تخبرهم بسوء عاقبتهم ومصيرهم، ولم يستطع أي منهم أن يشكك في القرآن الكريم الذي جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ﷺ.
وأصبحت هذه الآيات الكريمات من الدلائل الدالة على أن القرآن الكريم هو كلام رب العالمين وأن القرآن الكريم هو كلام هذا الخالق العظيم الذي لا يعلم الغيب سواه سبحانه جل شأنه.
3- لقد تضمن القرآن الكريم أخبارًا غيبية لا عهد لرسول الله ﷺ بها وقد جاءت دقيقة صادقة كما أخبر:
فلما كان الرسل قبل محمد ﷺ يبعثون إلى أقوامهم خاصة ولأزمنة محددة فقد أيدهم الله تبارك وتعالى بمعجزات حسية.
وتستمر هذه المعجزات الحسية محتفظة بقوة إقناعها في الزمن المحدد لرسالة كل رسول حتى إذا تطاول الزمن وتقادم وتكدر نبع الرسالة الصافي اختفت قوة الإقناع الحسية، وبعث الله رسولًا آخر بالشريعة التي يرضاها وبمعجزة جديدة حسية مشاهدة.
ولما ختم الله عز وجل النبوة بمحمد ﷺ ضمن له حفظ دينه، وذلك بأن أيده بجانب المعجزات الحسية معجزات معنوية تنكشف في المستقبل؛ لكي يؤمن بها المتأخرون من الأمم.
فتبقى المعجزة والبينة الكبرى بين أيدي الناس قائمة إلى قيام الساعة.
فالأخبار الغيبية التي أخبرنا بها القرآن الكريم والرسول الأمين في أحاديثه صحيحة السند عن الأمور والحقائق الكونية، والتي لم يكن لرسول الله ﷺ عهد بها ولم يكن يعلمها أحد دائمًا مصيبة صحيحة حقيقية.
فتكون هذه الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة، ومضات مبهرات، وشهادة حق بصدق رسول الله ﷺ ، وصدق رسالته، وأنه ﷺ كان متصلًا بالوحي، معلمًا من قِبَل هذا الخالق العظيم الله سبحانه وتعالى رب العالمين.
فمن هذه الأخبار الغيبية التي أخبر عنها القرآن الكريم:
أ- أخبار ماضية:
كقصص الأولين وأخبار السابقين، كأخبار قوم عاد.
قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ* إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ* الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ) [الفجر: ٦ – ٨].
(وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ* سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ* فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ) [الحاقة: ٦ – ٨].
أخبرنا ربنا تبارك وتعالى عن قوم سيدنا هود عليه السلام، هذه الأمة الطاغية وهي قبيلة معروفة في اليمن وقد أعطاهم ربنا سبحانه وتعالى قوة وشدة في أبدانهم، ولكنهم عتوا وتجبروا في الأرض.
وكان من شدة قوتهم أنهم قد بنوا أبنية ضخمة ذات أعمدة قوية ضخمة، فكانت عاقبتهم بعد تجبرهم في الأرض أن سخر الله سبحانه وتعالى عليهم ريحًا شديدة العصف لمدة سبع ليال وثمانية أيام متتابعات.
والعجب أن منذ عدد قليل من السنوات زود الأمريكان أحد مكوكات الفضاء بجهاز رادار له قدرة اختراق للتربة إلى عشرة أمتار.
وحينما مر عبر الجزيرة العربية صور في صحراء الربع الثاني وهي من أكثر الصحراء قحولة وجفافًا، صور تحت الرمال مجرى لنهرين جافين يتحرك أحدهما من الغرب إلى الشرق ويتحرك الآخر من الجنوب إلى الشمال فانبهر الأمريكان.
خاصة أن الصحراء هذه من أكثر الصحراء قحولة وجفافًا فزودوا المكوك في رحلة ثانية بجهاز رادار له القدرة على الاختراق للتربة بشكل أكبر فصور:
مجرى لنهرين بتفرعاتهما ويصبان في بحيرة يزيد قطرها عن 45 متر.
وصور على ضفاف البحيرة عمران لا تعرف البشرية شيئًا في ضخامته وتساءلوا ما هذا العمران؟
واجتمع علماء الدين والجغرافيا والجيولوجيا وأجمعوا على أن هذا إرم التي ورد ذكرها في القرآن الكريم.
وقد كان علماء التاريخ ينكرون إنكارًا تامًا وجود شيء اسمه قوم عاد، وذلك لأنهم لم يجدوا لهم أثر، وكانوا يتخيلون أن هذا نموذج خيالي يضربه القرآن من قبيل ضرب المثل، وجاء في أكبر مؤسسات مراكز البحث العلمي في كاليفورنيا تقرير عنوانه: الرحلة عبر الجزيرة العربية ومعه هذه الآيات الكريمات:
(إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ* الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ) [الفجر: 7، ٨].
ويروي التقرير:
أن هذه الحضارة التي لم يكن يدانيها حضارة في زمانها قد طمرتها عاصفة رملية غير عادية، وهذا هو ما أخبرنا به ربنا تبارك وتعالى منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام.
قال الله تعالى:
(وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ* سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ* فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ) [الحاقة: ٦ – ٨].
وما جاء في أكبر مؤسسات البحث العلمي في كاليفورنيا من تقرير الرحلة عبر الجزيرة العربية، وعنوانه هذه الآيات الكريمات التي ذكرناها هي:
شهادة لهذا الرسول الخاتم محمد ﷺ وصدق ما يوحى إليه وصدق حديثه وصدق رسالته ﷺ.([104])
وغيرها الكثير من الأخبار الماضية التي أخبر عنها القرآن الكريم، ولكننا سنكتفي بما ذكرناه.
ب- قال الله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت: ٥٣].
لقد أخبر القرآن الكريم عن حقائق علمية غيبية كثيرة لم يكن يعلمها أحد ولم يكن لديه أدنى معرفة أو تصور عنها؛ منها مراحل تطور الجنين.
فمن الآيات القرآنية التي تخبرنا وتعلمنا بمراحل تطور الجنين:
قول الله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) [المؤمنون: ١٢ – ١٤].
وغيرها الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تخبرنا وتعلمنا بمراحل تطور الجنين.
وعندما عرضت الآيات القرآنية التي تتحدث عن مراحل تطور الجنين في جسم الإنسان، والأحاديث النبوية الشريفة التي تصف هذه المراحل على كيث مور: هو عالم بارز في علم الأجنة وله كتاب مترجم إلى العديد من اللغات ويُدرَّس في أغلب كليات الطب في العالم جاء ليلقي محاضرة عنوانها: مطابقة علم الأجنة لما جاء في القرآن والسنة.
ووافق على طباعة هذه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على كتابه العلمي، وأصبحت دعوة راقية لهذا الدين العظيم.
وقال «كيث مور» في حديث صحفي بموسكو:
إن التعبيرات القرآنية تبلغ من الدقة والشمول ما لم يبلغه العلم الحديث. فسألوه: هل أنت مسلم؟
قال: لا ولكني أشهد أن القرآن كلام الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وقال: أنا تحت ضغوط عائلية قد لا تسمح بإعلان إسلامي، ولكن لا تندهشوا إذا علمتم في يوم من الأيام أن كيث مور قد قبل الإسلام دينًا.([105])
فها هو كتابه: (الإنسان النامي مع زيادات إسلامية)، دعوة راقية جدًّا لهذا الدين العظيم- الإسلام الذي جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد ﷺ.
ومن الغيبيات التي أشار إليها القرآن الكريم: الإعجاز العددي والرقمي، وهو كثير جدًّا في القرآن الكريم.
وغير ما ذكرناه الكثير والكثير من الحقائق العلمية الغيبية المبهرة التي كشف عنها وأخبر بها القرآن الكريم منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام والتي لم يكن يعلمها أحد.
وللعلم بمزيد من هذه الحقائق العلمية المبهرة التي أشار إليها القرآن الكريم وأخبر بها منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، والتي لم يكن لأحد أدنى معرفة بها أو أدنى تصور لها الرجوع إلى:
1- كتاب علم الأجنة في ضوء القرآن والسنة، لدى هيئة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة بمكة المكرمة.
2- كتاب إعجاز القرآن فيما تخفيه الأرحام، للأستاذ/ كريم نجيب الأغر.
3- مجموعة كتب: من آيات الإعجاز العلمي (السماء، الأرض، الحيوانات، النباتات) في القرآن الكريم، للدكتور/ زغلول النجار- أستاذ علوم الأرض بعدد من الجامعات العربية والغربية، وزميل الأكاديمية الإسلامية، وعضو مجلس إدارتها، ورئيس لجنة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة النبوية بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة.
4- والرجوع إلى: مجموعة الأشرطة المسجلة:
موسوعة الإسلام والعلم الحديث.
الإعجاز العلمي في القرآن الكريم للدكتور زغلول النجار.
جـ- قال الله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى* عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) [النجم: ٣ – ٥].
لقد احتوى القرآن الكريم على أخبار غيبية، أنبأ عنها قبل وقوعها ثم جاءت وقائع هذه الأخبار مطابقة لما جاء في القرآن الكريم منها:
1- قال الله تعالى: (غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ*بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الروم: ١ – ٥].
نزلت هذه الآيات الكريمات حين تغلب سابور على بلاد الشام وما والاها من بلاد الجزيرة وأقاصي بلاد الروم، فاضطر هرقل ملك الروم إلى اللجوء إلى القسطنطينية وحوصر فيها مدة طويلة ثم عادت الدولة لهرقل ملك الروم، كما أخبر القرآن الكريم قبل سبع سنوات من انتصار الفرس.
وكلمة بضع تعني العدد من 3-9.
فمن أين علم محمد ﷺ هذا الغيب؟ وعلام يدل ذلك؟
لا شك أنه ﷺ قد علم هذا الغيب من الله سبحانه وتعالى.
فلقد أخبر ﷺ بانتصار الروم على الرغم من هزيمتهم أمام الفرس، ليس هذا فحسب، بل إنه ﷺ أخبر بالمدة التي سوف يتحقق خلالها هذا النصر.
وهذا كله مما يدلل على أنه ﷺ رسول من عند الله تبارك وتعالى:
فهذه الآيات الكريمات هي شهادة حق بصدق رسالة المصطفى ﷺ وأن القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى:
2- قال الله تعالى: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا) [الفتح: ٢٧].
نزلت هذه الآية الكريمة ضمن سورة الفتح سنة ست من الهجرة بين مكة والمدينة عقب انصرافه ﷺ من الحديبية.
وكان ﷺ قد أخبر أصحابه أنه رأى في منامه- رؤيا الأنبياء حق- أنه ﷺ دخل مكة وطاف بالبيت.
فلما جرى الصلح ورجعوا عامهم من غير أن يأتوا البيت أو يطوفوا به سأل عمر بن الخطاب أبا بكر رضي الله عنهما: أليس كان يحدثنا- يقصد رسول الله ﷺ - أنَّا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال أبو بكر: بلى، فأخبرك أنك تأتيه العام؟
قال عمر: لا.
قال أبو بكر: فإنك آتيه ومطوف به. [أخرجه البخاري من حديث طويل].
وبالفعل: ففي العام السابع دخل النبي ﷺ البيت الحرام مع أصحابه رضي الله عنهم، وتحققت رؤيا رسول الله ﷺ لأنها وحي منام.
وصدقت الآية الكريمة؛ لأنها وحي قرآن.
وازداد الناس يقينًا في رسول الله ﷺ وصدق حديثه ودعوته ﷺ .
3- قال الله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور: ٥٥].
فهذه الآية الكريمة وعد من الله سبحانه وتعالى لعباده المسلمين المؤمنين وبشارة لهم.
وبالفعل: لقد تحقق هذا الوعد من الله سبحانه وتعالى، فقد كانت للمسلمين إمبراطورية واسعة الأنحاء شاسعة الأرجاء تحكم بكتاب الله عز وجل.
ولا يمكن لبليغ أن يصف هذه الإمبراطورية بأبلغ ولا بأوجز مما قاله أحد الخلفاء المسلمين وقد رأى سحابة في السماء فقال: أمطري حيث شئت، فإن خراجك سيُحمل إلينا.
مما يدل على مدى اتساع رقعة الدولة الإسلامية في ذلك الوقت، وقت تمسك المسلمين المؤمنين بكتاب الله عز وجل وحكمه، وتمسكهم بسنة رسوله محمد ﷺ .
فوعد الله سبحانه وتعالى الذي وعده للمسلمين في كتابه العظيم- القرآن الكريم- على لسان رسوله ﷺ وعد حق، فمن أصدق من الله حديثًا؟!
4- قال الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: ٩].
لقد مرت قرون طويلة، حاول فيها أهل الزيغ والضلال، أن يحرفوا القرآن الكريم، ولكنهم عجزوا وفشلوا؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي تعهد بحفظه.
وآخر هذه المحاولات تلك التي قام بها الصهيونيون- كما نشرت جريدة الأخبار يوم 21 رجب 1380هـ- فقد ذكرت أن إسرائيل طبعت مصحفًا محرفًا لتوزعه في البلاد الإسلامية، ولكن الله فضحهم ورد سهامهم في نحورهم، وأعاد رماحهم إلى صدورهم، وكشف جميع أباطيلهم وأزال عنهم ثقة العالم.([106])
فلم يعد أحد يطمئن إليهم أو يأتمنهم أو يعتمد عليهم، فباءوا بالخزي والخسران المبين.([107])
فالله سبحانه وتعالى هو الذي تعهد بحفظ كتابه القرآن الكريم، الذي أنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ﷺ .
وغير ما أوردناه الكثير والكثير من الأخبار الغيبية التي أخبر بها القرآن الكريم قبل وقوعها، والتي لم يكن يعلمها أحد ثم جاءت وقائع هذه الأخبار مطابقة لما جاء في القرآن الكريم، ولكننا سنكتفي بما ذكرناه.
2- ومن معجزات رسول الله ﷺ إخباره ﷺ بغيبيات لا عهد له ﷺ بها وقد جاءت دقيقة صادقة كما أخبر.
فمن هذه الأخبار التي أخبر عنها رسول الله ﷺ :
أ- أخبار ماضية: كأخبار الأولين وقصص السابقين:
والعلم الحديث يكتشف صدق وحقيقة ما أخبر به المصطفى ﷺ.
كذكره ﷺ لأخبار قوم عاد وقصتهم مع نبيهم هود عليه السلام، وقد أشرنا إلى ما تم اكتشافه بواسطة العلم الحديث من صدق حديث المصطفى ﷺ.
وكذكره ﷺ لأخبار قوم لوط وقصتهم مع نبيهم لوط عليه السلام وأخباره ﷺ بكيفية عقوبة الله عز وجل لهم، فلقد جعل الله عز وجل أعالي قرى قوم لوطٍ سافلها.
فحملها حتى بلغ بها السماء ثم كفأها وقلبها فجعل عاليها سافلها عقابًا لهم من الله سبحانه وتعالى.
والعلم الحديث يشهد بصدق ما أخبر به القرآن على لسان الصادق المصدوق محمد ﷺ، فدراسات تتابع الطبقات في تلك المنطقة تؤكد ما أخبر به الرسول ﷺ من قلب قرى قوم لوط وجعل عاليها سافلها ([108]).
- والإشارة في القرآن الكريم إلى طوفان رسول الله نوح عليه السلام على لسان خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ﷺ، والإشارة إلى ترك مركبة نبي الله نوح- عليه السلام- من بعده آية للناس لعلهم يذكرون بها، ويتعلمون درسًا من قصة هذا النبي الصالح، هي من الحقائق الغيبية الماضية، التي أخبرنا بها القرآن الكريم.
وقد تم اكتشاف سفينة نبي الله نوح -عليه السلام- مؤخرًا على قمة جبل الجودي في الجزء الجنوبي الغربي من تركيا.
- والإشارة إلى هلاك العاصين من قوم ثمود بالصيحة الصاعقة هي من الحقائق الغيبية الماضية التي أخبرنا بها القرآن الكريم على لسان خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ﷺ منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، والعلم الحديث يكتشف أن آثارهم تشير إلى شيء من ذلك ([109]).
ب- إخباره ﷺ بحقائق علمية غيبية كثيرة لم يكن لأحد أدنى معرفة بها منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، ثم يأتي العلم الحديث ليكتشف صدق ودقة ما أخبر به المصطفى ﷺ .
ومن هذه الحقائق العلمية الغيبية التي أخبر بها رسول الله ﷺ :
قال رسول الله ﷺ : ((كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب، منه خلق وفيه يركب)) [رواه مسلم].
معنى الحديث الشريف:
أن أجساد الأموات بعد تحللها في قبورها إلى مكوناتها الأساسية من الماء والتراب يبقى منها شيء مهم: وهي عظمة مثل حبة الخردل، منها خلق، وفيه يركب يوم البعث، مما يوحي بأنها أهم ما في جسد الإنسان من مكونات وهذه العظمة لا يأكلها التراب، بمعنى أنها لا تبلى.
وقد اكتشف العلم الحديث أن هذه العظمة- عجب الذنب- لا تبلى ولا يأكلها التراب كما أخبر رسول الله ﷺ وأن هذه العظمة هي التي تبقى من الميت بعد تحلل جسده.
واكتشف العلم الحديث أيضًا أن الخلق يركب منه عجب الذنب في مرحلة الجنين وفي سنة 1935م مُنح- سبيمان- جائزة نوبل في العلوم الحياتية لاكتشافه المنظم الأول وإثبات دوره في تخليق جميع أنسجة وأعضاء وأجهزة الجنين وبأنه لا يبلى أبدًا، فأثبت بذلك دقة أحاديث- عجب الذنب- التي نطق بها خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ﷺ منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام.
مُنح سبيمان جائزة نوبل ظنًّا منهم بأنه أول من اكتشف المنظم الأول وإثبات دوره في تخليق جميع أنسجة وأعضاء وأجهزة الجنين، وبأنه لا يبلى أبدًا.
لكنهم لم يعلموا أن أول من نطق بهذه الحقيقة العلمية هو سيد الأنبياء والمرسلين محمد ﷺ منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام ([110]).
والسؤال الذي يفرض نفسه: من الذي علم المصطفى ﷺ هذا العلم؟
وما الذي اضطره ﷺ للخوض في مثل هذه القضايا الغيبية والتي لم يكن يعلمها أحد؟
لولا أن الله سبحانه وتعالى يعلم بعلمه المحيط أنه سوف يكتشف صدق ودقة ما أخبر به رسوله ﷺ في يوم من الأيام فتكون أحاديث المصطفى ﷺ ومضة مبهرة وشاهدة حق بأنه رسول من عند الله عز وجل وأنه ﷺ كان متصلًا بالوحي ومعلمًا من قِبَل هذا الخالق العظيم الله رب العالمين.
وغير هذا الحديث الكثير والكثير من أحاديث رسول الله ﷺ التي تشير إلى العديد من الحقائق العلمية وتخبرنا بها منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، والتي لم يكن يعلمها أحد، فكانت سببًا في اعتناق الكثير والكثير من علماء الغرب لهذا الدين العظيم الذي جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ﷺ .
وللعلم بمزيد من هذه الحقائق العلمية المبهرة التي أخبرنا بها رسول الله ﷺ منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام الرجوع إلى:
1- الأجزاء 1-2-3 للإعجاز العلمي في السنة النبوية للدكتور/ زغلول النجار، أستاذ علوم الأرض بعدد من الجامعات العربية والغربية وزميل الأكاديمية الإسلامية للعلوم وعضو مجلس إدارتها ورئيس لجنة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة النبوية بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة.
2- الرجوع إلى مجموعة الأشرطة المسجلة:
موسوعة الإسلام والعلم الحديث.
الإعجاز العلمي في القرآن الكريم. (للدكتور/ زغلول النجار)
3- كتاب علم الأجنة في ضوء القرآن والسنة بهيئة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة بمكة المكرمة.
4- إعجاز القرآن فيما تخفيه الأرحام، للأستاذ/ كريم نجيب الأغر.
جـ- إخباره ﷺ بغيبيات أنبأ بها قبل وقوعها ثم جاءت وقائعها مطابقة لما أخبر بهr.
فمن الغيبيات المستقبلية التي أخبر بها رسول الله ﷺ :
1- إخباره ﷺ بمقتل أمية بن خلف، فكان كما أخبر.
2- إخباره ﷺ عن الفتن الواقعة في أواخر خلافة عثمان بن عفان وخلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
3- إخباره ﷺ بوفاة أصحمة النجاشي في اليوم الذي مات فيه.
4- إخباره ﷺ عن الخوارج وقتالهم.
5- إخباره ﷺ بمقتل علي بن أبي طالب فكان كما أخبر.
6- إخباره ﷺ بسيادة ولد علي بن أبي طالب وهو الحسن بن علي بن أبي طالب. قال رسول الله ﷺ: ((إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)) [رواه البخاري]. فكان كما أخبر ﷺ .
7- إخباره ﷺ عن غزاة البحر إلى قبرص فكان كما أخبر.
8- إخباره ﷺ أم حرام عن غزوها البحر وعلو مكانتها فكان كما أخبر.
9- إخباره ﷺ بقتال الروم فكان كما أخبر.
10- إخباره ﷺ عن قتال الترك فكان كما أخبر.
11- إخباره ﷺ عن أمور وقعت في دولة بني العباس.
12- إخباره ﷺ ابنته فاطمة بأنها أول من يلحقه بعد وفاته فكان كما أخبر.
13- إخباره ﷺ عن أول زوجاته لحوقًا به بعد وفاته فكان كما أخبر.
14- إخباره ﷺ عما وقع لقادة جيشه في غزوة مؤتة، وعما وقع لخبيب بن عدي، وعن مقتل القراء فكان كما أخبر.
15- إخباره ﷺ بريح شديدة في تبوك وطلب من أصحابه أن يأخذوا حذرهم منها، فمن استجاب نجى ومن أبى حملته الريح.
16- إخباره ﷺ باتساع ملك المسلمين وفوزهم بكنوز كسرى وقيصر واضطراب أمر المسلمين في النهاية فكان كما أخبرr .
17- إخباره ﷺ بفتح مصر فكان كما أخبر.
18- إخباره ﷺ عن غزوة قسطنطينية فكان كما أخبر بهr .
19- قال رسول الله ﷺ : ((لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى)) [رواه البخاري].
وقد ذكر أهل التاريخ وغيرهم من الناس وقوع هذا الحدث.
وتواتر وقوع هذا الحدث في سنة أربع وخمسين وستمائة وأنها استمرت شهرًا أو أزيد منه، وأن المدينة زُلزلت بسببها، وقد سُمِع أصوات مزعجة قبل ظهورها، ثم انبجست الأرض عن نار عظيمة جدًا.
وأما من كان بحاضرة بلد بصرى فقد أخبر أنهم رأوا صفحات أعناق الإبل في ضوء هذه النار التي ظهرت من أرض الحجاز.
وقد لجأ أهل المدينة في هذه الأيام إلى المسجد النبوي وتابوا إلى الله من ذنوب كانوا عليها واستغفروا الله عز وجل وأعتقوا الغلمان وتصدقوا على فقرائهم ومجاريحهم.
ولقد اكتشف علميًّا في منتصف القرن العشرين صدق ما أخبر به المصطفى ﷺ حيث تم إثبات انتشار الطفوح البركانية على طول الساحل الغربي لجزيرة العرب، وأن الثورة البركانية الأخيرة (654هـ) قد كونت ستة مخاريط بركانية جديدة، ودفعت بطفوحها لمسافة زادت عن 23 كيلو متر من الشمال إلى الجنوب، وقد تم تسجيل زلزالين كبيرين، وقعا في حرة خيبر، أحدهما في سنة (460هـ) والآخر في سنة (654هـ) وقد سبقت الزلزال الأخير أصوات انفجارات عالية، تلتها ثورة بركانية كبيرة، وصاحبتها هزات أرضية استمرت بمعدل عشر هزات يوميًّا لمدة 5: 6أيام، قُدرت شدة أكبرها بخمس درجات ونصف الدرجة على مقياس ريختر.
وتشير الدراسات العلمية التي أجريت على منطقة الحجاز أن المنطقة مقبلة حتمًا على فترة من الثورات البركانية تندفع فيها الحمم من تلك الفوهات والصدوع، كما اندفعت من قبل بملايين الأطنان، فتملأ المنطقة نارًا ونورًا، تصديقًا لنبوءة المصطفى ﷺ ([111]).
وغير ما ذكرناه الكثير والكثير مما أخبر به رسول الله ﷺ من أخبار غيبية مستقبلية جاءت وقائعها مطابقة لما أخبر به ﷺ ولكننا سنكتفي بما ذكرناه.
قال الله تعالى في حق رسوله ﷺ : (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى* عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) [النجم: ٣ – ٥].
ومن معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تشهد برسالته دعاؤه صلى الله عليه وسلم المستجاب
لقد كان رسول الله ﷺ مستجاب الدعوة، يقبل الله سبحانه وتعالى منه ﷺ دعاءه ويجيبه له.
فإن لم يكن دعاء رسول الله ﷺ يُستجاب من قبل ربنا تبارك وتعالى فدعاء من!
ومن دعائه ﷺ المستجاب:
دعائه ﷺ في غزوة الأحزاب: ففي غزوة الأحزاب دعا رسول الله ﷺ على المشركين بالهزيمة والزلزلة.
فلقد روى البخاري بسنده إلى عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما يقول: دعا رسول الله ﷺ يوم الأحزاب على المشركين فقال:
((اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم)).
وقد استجاب الله سبحانه وتعالى دعاء رسوله ﷺ، فأرسل عليهم ريحًا شديدة قلعت الأوتاد وألقت عليهم الخيام وقلبت القدور وسفت عليهم التراب.
وغير هذا الدعاء الكثير والكثير من الدعاء المستجاب لرسول الله ﷺ من قِبَل ربنا تبارك وتعالى الذي يشهد بصدق رسالة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ﷺ .
* * *
المعجزات الحسية لرسول الله ﷺ
لقد جمع الله سبحانه وتعالى لرسوله محمد ﷺ بين نوعي المعجزات: المعنوية والحسية.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: ما أعطى الله نبيًا شيئًا إلا وأعطى الله محمدًا ﷺ ما هو أكثر منه.
فقيل له: أعطى عيسى ابن مريم إحياء الموتى.
فقال الشافعي: حنين الجذع أبلغ؛ لأن حياة الخشبة أبلغ من إحياء الميت.
ولو قيل: كان لموسى فلق البحر.
عارضناه بفلق القمر، وذلك أعجب لأنه آية سماوية.
وإن سُئلنا عن انفجار الماء من الحجر، عارضناه بانفجار الماء من بين أصابعه ﷺ لأن خروج الماء من الحجر معتاد، أما خروجه من اللحم والدم فأعجب.
ولو سُئلنا عن تسخير الرياح لسليمان عارضناه بالمعراج.
[انظر مناقب الشافعي ص 38، وانظر شرح العقيدة الواسطية لابن العثيمين (2/301)] والمعجزات الحسية لرسول الله ﷺ كثرة جدًا وسنكتفي بذكر منها ما يلي:
1- الإسراء والمعراج، الإسراء برسول الله ﷺ من مكة إلى بيت المقدس ثم عروجه ﷺ من هنالك إلى السموات، وما رأى هنالك من الآيات.
2- انشقاق القمر.
3- نبع الماء من بين أصابعه ﷺ .
4- البركة في الطعام القليل حتى يكفي العدد الكثير.
5- حنين الجذع لرسول الله ﷺ وسماع صوت بكائه.
6- انقياد الشجرة لرسول اللهr .
7- رده ﷺ لعين قتادة بن النعمان لما أصيب يوم أحد وسقطت على وجنته فعادت أحسن عينيه وأحَدّهما.
8- رفع بيت المقدس لرسول الله ﷺ حتى يراه بمكة.
9- شق صدره ﷺ .
10- تسبيح الطعام على عهده ﷺ .
11- انتقام الله عز وجل ممن خادع نبيه ﷺ وعانده.
12- شفاء بعض أصحابه على يديه، بدون دواء حسي.
13- رؤيته ﷺ من خلفه في الصلاة.
14- قوته ﷺ البدنية.
15- حفظ الله عز وجل له ﷺ.
وغير هذه المعجزات الكثير مما هو ثابت وصح عنه ﷺ وسنكتفي بالتعليق على هذه المعجزة وهي: انشقاق القمر.
قال الله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) [القمر: ١].
عن ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله ﷺ شقين حتى نظروا إليه فقال رسول الله ﷺ : «اشهدوا» [رواه البخاري].
وعن أنس بن مالك: أن أهل مكة سألوا رسول الله ﷺ أن يريهم آية، فأراهم القمر شقين حتى رأوا حراء بينهما. [رواه البخاري].
لقد أخبرنا ربنا تبارك وتعالى في كتابه العظيم- القرآن الكريم- بانشقاق القمر لتكون آية لرسوله الخاتم محمد ﷺ وبرهان على صدق رسالته ﷺ، وذلك عندما طلب أهل مكة من رسول الله ﷺ أن يريهم أية تشهد بصدق نبوته ورسالته- يعني: أن يريهم من خوارق العادات ما يدل على نبوته، وصدق ما جاء به-.
فأراهم ﷺ القمر وقد انشق شقين بإذن من الله سبحانه وتعالى، كل منهما في مكان فقال لهم رسول الله ﷺ: ((اشهدوا)).
ومن رحمة ربنا تبارك وتعالى أن يبقي لنا من أثر هذه المعجزة العظيمة ما يدل على حدوثها ويؤكد ذلك، فيدخل الناس في هذا الدين العظيم- الإسلام- أفواجًا ويؤمنوا برسوله الخاتم محمد ﷺ الذي أرسل للناس كافة في كل مكان وزمان.
ولنعرض هذه القصة الواقعية التي يقصها لنا الدكتور/ زغلول النجار، فنتعرف من خلالها على ما تم اكتشافه وثبوته:
وهي قصة إسلام شاب بريطاني كان اسمه – ديفيد موسى بيدكوك- فأصبح بعد اعتناقه وقبوله الإسلام دينًا: داود موسى بيدكوك-.
وقف هذا الشاب البريطاني وعرَّف بنفسه باسم داود موسى بيدكوك وبمنصبه كرئيس للحزب الإسلامي.
وكان ذلك عقب محاضرة للدكتور/ زغلول النجار عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ألقيت باللغة الإنجليزية في كلية الطب بجامعة كاردف عاصمة مقاطعة ويلز في غربي الجزر البريطانية في حوار ممتع مع جمهور الحضور من المسلمين وغير المسلمين.
فكان من جملة الأسئلة التي أثيرت من أحد الحضور:
سؤال عن واقعة انشقاق القمر كما جاء ذكرها في مطلع سورة القمر وهل تمثل لمحة من لمحات الإعجاز العلمي في كتاب الله القرآن الكريم؟
وبعد إجابة الدكتور/ زغلول النجار على هذا السؤال وفراغه من الإجابة عليه قام هذا الشاب واستأذن في إضافة شيء إلى ما قاله الدكتور، فأذن له.
وكما ذكرنا عرف هذا الشاب بنفسه وبمنصبه ثم قال: إن هذه الآية كانت مدخلي لقبول الإسلام دينًا، فقد شغفت بعلم مقارنة الأديان وأهداني صديق مسلم نسخة من ترجمة معاني القرآن الكريم فأخذتها منه شاكرًا وتوجهت بها إلى مسكني، وعند تصفحها لأول مرة فوجئت بسورة القمر فقرأت (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ).
ثم توقفت متسائلًا: كيف يمكن للقمر أن ينشق ثم يعود ليلتحم؟ وما هي القوة القادرة على إعادته إلى سيرته الأولى؟
فتوقفت عن القراءة وكأن هذه الآية قد صدتني عن الاستمرار في ذلك.
ولكن لعلم الله سبحانه وتعالى بمدى إخلاصي في البحث عن الحقيقة وحرصي على الوصول إليها أجلسني أمام التلفاز لأشاهد حوارًا بين مذيع بريطاني يعمل بقناة التليفزيون البريطاني B.B.C.
واسمه جيمس بيرك James Burck وثلاثة من علماء الفضاء الأمريكيين، وجرى عتاب من هذا المذيع على الإسراف المخل في الإنفاق على رحلات الفضاء في الوقت الذي تتعرض جماعات بشرية عديدة لأخطار المجاعات والأمراض وانتشار الأمية بين البالغين، ولمختلف صور التخلف العمراني والعلمي والتقني، وأنه كان من الأولى: إنفاق هذا المال الوفير في معالجة تلك القضايا الملحة وإعمار الأرض، فضلًا عن التسابق في رحلات الفضاء.
ووقف علماء الفضاء مدافعين عن مهنتهم بأن الإنفاق على رحلات الفضاء ليس مالًا مهدرًا؛ لأنه يعين على تطوير عدد من التقنيات المتقدمة التي تطبق في مختلف المجالات الطبية والصناعية والزراعية.
ويمكن أن تعود بمردودات مادية وعلمية كبيرة، وفي غمرة هذا الحوار جاء ذكر رحلة إنزال رجل على سطح القمر على أنها كانت من أكثر هذه الرحلات كلفة، فقد تكلفت عشرات المليارات من الدولارات فسأل المحاور:
هل كان كل ذلك لمجرد وضع العَلَم الأمريكي على سطح القمر؟
وجاءت الإجابة بالنفي، وأن الهدف كان دراسة علمية لأقرب أجرام السماء إلينا، فسأل المحاور: ألم يكن من الأجدى إنفاق تلك المبالغ الطائلة على عمارة الأرض؟
وجاء الجواب: بأن الرحلة أوصلتنا إلى حقيقة علمية لو أنفقنا أضعاف هذا المبلغ لإقناع الناس بها ما صدقنا أحد.
فسأل المحاور: وما هذه الحقيقة العلمية؟
فكان الجواب: أن هذا القمر قد انشق في يوم من الأيام، ثم التحم بدليل وجود تمزقات طويلة جدًا وغائرة في جسم القمر تتراوح أعماقها بين عدة مئات من الأمتار وأكثر من الكيلو متر.
وأعراضها بين النصف كيلو متر وخمسة كيلو مترات، وتمتد إلى مئات من الكيلو مترات في خطوط مستقيمة أو متعرجة، وتمر هذه الشقوق الطويلة الهائلة بالعديد من الحفر التي يزيد عمق الواحدة منها على تسعة كيلو مترات ويزيد قطرها على الألف كيلو متر، ومن أمثلة الحفر العميقة المعروفة باسم بحر الشرق-Mare Orientalis- وقد فسرت هذه الحفر العميقة باصطدام أجرام سماوية بحجم الكويكبات.
أما الشقوق التي تعرف باسم شقوق القمر Rimaccr Lunar Rilles.
فقد فسرت على أنها شروخ ناتجة عن الشد الجانبي أو متداخلات نارية على هيئة الجدد القاطعة ولكن أمثال هذه الأشكال على الأرض لا تصل إلى تلك الأعماق الغائرة، ومن هنا فقد فسرت على أنها آثار انشقاق القمر وإعادة التحامه.
ويقول داود موسى بيدكوك:
حين سمعت هذا الكلام انتفضت من فوق الكرسي الذي كنت أجلس عليه أمام التلفاز وتساءلت: معجزة تحدث لمحمد ﷺ من قبل ألف وأربعمائة عام يثبتها العلم في زمن التقنية الذي نعيشه بهذه البساطة وبهذا الوضوح الذي لا يخفى على عالم في مجال الفلك اليوم.
فلابد أن يكون القرآن حقًّا مطلقًا وصادقًا صدقًا كاملًا في كل خبر جاء به، وعلى الفور عاودت القراءة في ترجمة معاني القرآن الكريم.
وكانت هذه الآية التي صدتني في بادئ الأمر عن الاستمرار في قراءة هذا الكتاب المجيد هي مدخلي لقبول الإسلام دينًا ([112]).
ويقول الدكتور/ زغلول النجار:
ولا أستطيع أن أصف وقع هذه الكلمات ووقع النبرة الصادقة التي قيلت بها على كل الحضور من المسلمين وغير المسلمين.
فقد هزت القلوب والعقول وأثارت المشاعر والأفكار.
ولم أجد ما أقوله أبلغ من أن أردد قول الحق سبحانه وتعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت: 53].
* * *
ففي التوراة والإنجيل في العهد القديم والعهد الجديد آيات تشير إلى نبوة محمد ﷺ وتشهد برسالته ﷺ وقد صرح القرآن الكريم بهذا في سورة الأعراف.
قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف: ١٥٧].
قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) [الصف: ٦].
ونورد هنا بعض ما جاء في الكتب السابقة تبشيرًا برسالة محمد ﷺ في التوراة:
1- في سفر التثنية،صفحة 237،إصحاح 18: 18-20:
- أقيم لهم نبيًا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به-.
كلمة وسط لم ترد في الترجمة السبعينية ولا أسفار موسى عن السامريين، والوارد فيها من إخوتهم أي الإسماعيليين.
والحق: إن هذه البشارة يُقصد بها رسول الله ﷺ.
فهي تفيد صراحة أن الله سيرسل رسولًا من إخوة بني إسرائيل؛ أي: أولاد إسماعيل عليه السلام.
لأنه لو كان النبي المبشر به من بني إسرائيل لكان من الممكن أن يقول الله لهم- أقيم نبيًا منكم- ذلك لأن أسباط بني إسرائيل الاثنى كانوا موجودين مع موسى عليه السلام، لذلك فإن المراد من- إخوتهم-: هم أولاد إسماعيل عليه السلام؛ وذلك لأن إسماعيل هو أخو إسحاق والد إسرائيل –يعقوب- عليهم السلام.([113])
ويؤكد ذلك قول الله: مثلك. فالمماثلة بين محمد وموسى عليهما الصلاة والسلام واضحة حيث إن:
كلاهما عليهما الصلاة والسلام جاء بشريعة تامة.
أما عيسى عليه السلام فقد قال: ما جئت لأنقض بل لأكمل. [متى 17:5].
كذلك فإن كلًّا من محمد وموسى عليهما الصلاة والسلام هاجر من وجه أعدائه، فمحمد ﷺ هاجر إلى المدينة، وموسى عليه الصلاة والسلام هاجر إلى مدين وبين المدينة ومدين توافق.([114])
وكلاهما عليهما الصلاة والسلام حارب أعداءه وظفر بنصر الله عز وجل.([115])
ولا يوجد مماثلة بين موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام؛ لأن النصارى تزعم أن عيسى إله أو ابن إله، وذلك من كذبهم وافتراءاتهم.([116])
2- جاء في سفر التثنية، صفحة 257، إصحاح 2:33:
- جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من ساعير وتلألأ من جبل فاران وأتى من ربوات وعن يمينه نار شريعة لهم.
ساعير في التوراة: اسم لجبل في فلسطين.
وجبل فاران: في الحجاز التي هاجر إليها إسماعيل عليه السلام مع أمه السيدة هاجر، ومما يؤكد أن جبل فاران هو الذي في الحجاز ما جاء في كتبهم:
ففي ترجمة التوراة السامرية التي صدرت سنة 1851 أن إسماعيل سكن برية فاران بالحجاز.
بعد هذا البيان نقول: إن ما نقلناه من سفر التثنية تُشبه نبوة موسى عليه الصلاة والسلام بمجيء الصبح- جاء الرب من سيناء-.
وتُشبه نبوة عيسى عليه الصلاة والسلام بإشراقه - وأشرق لهم من ساعير-.
وتشبه نبوة محمد ﷺ باستعلاء الشمس وتلألؤ ضوئها في الآفاق، فهو ﷺ خاتم الأنبياء والمرسلين، ولا نبي ولا رسول بعده ﷺ: -وتلألأ من جبل فاران-.
ومثل ما نقلناه من سفر التثنية في القرآن الكريم:
قال الله تعالى: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ* وَطُورِ سِينِينَ* وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) [التين:١-3].
فالتين والزيتون: إشارة إلى منبتهما، وهي الأرض التي ظهر فيها عيسى عليه السلام.
وطور سينين: إشارة إلى المكان الذي كان فيه موسى عليه السلام.
وهذا البلد الأمين: إشارة إلى المكان الذي بُعث فيه محمد ﷺ وهو مكة المكرمة، ومن قبله إسماعيل عليه السلام، فصلِّ اللهم عليهم جميعًا وعلى سائر النبيين وسلم تسليمًا كثيرًا.
ولقد كان اليهود يعلمون نعت ووصف هذا الرسول الخاتم محمد ﷺ من كتبهم، ويعلمون أنه سوف يخرج، وكانوا يظنون أنه سوف يخرج منهم- بني إسرائيل- كما خرج الكثير ممن كان قبله ﷺ منهم.
فكان اليهود في المدينة يخبرون بقدوم نبي من عند الله يقاتلون معه- فقد كان العرب يعبدون الأصنام والأوثان من دون الله- ولم يكن ببالهم أنه سيخرج من العرب.
فعلم أهل المدينة هذا الأمر منهم وفطنوا له، وعندما ظهر خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ﷺ كان لأهل المدينة السبق والفوز بإيمانهم به وتصديقهم له ﷺ.
فاشتد حقد اليهود لهم وللرسول الذي أرسل منهم- العرب- وازداد غيظهم فأنكروا نبوته ﷺ مع علمهم بصفته عندهم في كتبهم ويقينهم برسالته ﷺ.
فكان يهود المدينة سببًا من أسباب إيمان أهل المدينة برسول الله ﷺ والسبق والفوز بتصديق رسالته ﷺ.
فكان هذا هو السر في دخول أهل المدينة المنورة في هذا الدين العظيم الذي جاء به محمد ﷺ من كثرة ما سمعوه عن هذا الرسول الخاتم.
فمن وصف ونعت رسول الله ﷺ الذي بكتبهم بنص التوراة في سفر أشعيا:
- يدفع الكتاب إلى من لا يعرف الكتابة، فيقال له: اقرأ هذا. فيقول: لا أعرف الكتابة [أشعيا 12:29].
ورسول الله ﷺ كما نعلم كان أميًا لا يقرأ ولا يكتب، فهو لا يعرف الكتابة، فكانت أمية رسول الله ﷺ شاهدًا على نبوته وصدق رسالته ﷺ، فهو الأمي الذي علم البشرية كلها؛ متعلمها وجاهلها، وهو ﷺ الذي علم البشرية قاطبة معنى التوحيد والعبادة الخالصة لله عز وجل، وهو ﷺ الذي جاء بهذا الشرع القويم والتعاليم السامية.
كان ﷺ أميًا، ولكن تخرج من جامعته العلماء والفقهاء والمحدثين.
قال الله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى* عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) [النجم: ٣ – ٥].
وكان سلمان الفارسي رضي الله عنه ممن ذهبوا إلى بلاد العرب؛ انتظارًا لهذا النبي الأمين ﷺ، وترك رغد العيش في بلاد فارس والرومان، فصل اللهم وسلم وبارك على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ﷺ.
في الإنجيل:
1- إنجيل يوحنا، صفحة 146، إصحاح 4:16 – 11:
قال عيسى عليه السلام: وأما الآن فأنا ماض إلى الذي أرسلني وليس أحد منكم يسألني أين تمضي؟ لكن لأني قلت لكم هذا قد ملأ الحزن قلوبكم، ولكن أقول لكم الحق أنه خير لكم أن انطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم الفار قليط.
وذلك في طبعة لندن سنة 1821، 1831، 1844 حيث جاء ذكر الفار قليط بدلًا من المعزى.
2- وفي إنجيل يوحنا أيضًا يخبرهم المسيح عيسى عليه السلام قائلًا:
ابن البشر ذاهب والفار قليط من بعده يجيء لكم بالأسرار، ويفسر لكم كل شيء وهو يشهد لي كما شهدت له.
يبشر إنجيل يوحنا برسول يأتي بعد عيسى ابن مريم عليه السلام.
- أنه خير لكم أن نطلق- كما أشرنا ولنتعرف على معنى كلمة الفار قليط.
- لفظ الفار قليط: وهو الذي جاء في طبعة لندن 1821، 1831، 1844 يعني الذي له حمد كثير، وذلك في اللغة اليونانية وهو يوافق معنى: أحمد. كما قال الدكتور: «كارلونلينو» الحاصل على الدكتوراه في آداب اللغة اليونانية القديمة.
وقال غيره أن لفظ الفار قليط في القاموس العبري بمعنى الحمد. ويشتق من الحمد: أحمد، محمد، محمود. وكلها أسماء تصدق في رسول الله ﷺ.
فمحمد وأحمد هما من أسماء رسول الله ﷺ.
ورسول الله ﷺ محمود في الأرض ومحمود في السماء، وقد أتاه الله عز وجل المقام المحمود في الآخرة.
وكذلك لفظ المعزى: فرسول الله ﷺ جاء يعزي المؤمنين على عدم إيمان الكافرين، ويعزي المصابين إذا صبروا بما يدخره الله لهم من ثواب عظيم.
3- في إنجيل يوحنا 12-14:
يقول عيسى ابن مريم بعد بشارته بالفارقليط الذي سوف يأتي من بعده، فيصفه قائلًا: إن لي أمورًا كثيرة لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق؛ لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم.
ونلاحظ أن كل هذه المواصفات التي وردت في إنجيل يوحنا تنطبق على رسول الله ﷺ فهو ﷺ:
- يُبكت الذين لا يؤمنون برسالة عيسى عليه السلام على خطيئتهم.
- يرشد إلى جميع الحق.
- لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به، فرسول الله ﷺ لا يتكلم إلا بما يوحى إليه من ربه سبحانه وتعالى.
- يخبر ﷺ بأمور آتية، وقد تحقق هذا الوصف في رسول الله ﷺ وقد أشرنا إلى ذلك ومنها أيضًا:
أ- قال رسول الله ﷺ: ((ألا إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)) [أخرجه البخاري ومسلم]، وكان يقصد ﷺ ابنه الحسن.
وقد تحقق ما أخبر به رسول الله ﷺ سنة 41 هـ بعد وفاة النبي ﷺ فقد تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية، وحقن دماء المسلمين.
ب- قال رسول الله ﷺ: ((إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده)) [أخرجه البخاري ومسلم].
وقد حدث هذا وتحقق ما أخبر به رسول الله ﷺ.
- ورسول الله ﷺ يمجد عيسى ابن مريم عليه السلام، وهذا يؤيده ما ورد في القرآن الكريم:
قال الله تعالى: (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) [آل عمران: ٤٥].
وغيرها الكثير من الآيات، وكل هذه المواصفات التي يوصف بها الرسول المبشر به في إنجيل يوحنا تنطبق على رسول الله ﷺ.
4- وفي إنجيل متى 42:1:
يخبر عيسى ابن مريم عليه السلام عن أمة هذا النبي الأمي ﷺ فيقول:
ألم تروا أن الحجر الذي أخره البناءون صار أسًا للزاوية من عند الله كان هذا عجيبًا في أعيننا ومن أجل ذلك أقول لكم إن ملكوت الله سيؤخذ منكم ويدفع إلى أمة أخرى تأكل ثمرتها ومن سقط على هذا الحجر ينشدخ.
وهذه هي أمة النبي محمد ﷺ.
فلقد كانوا قبل بعثة النبي محمد ﷺ قبائل متناحرة متفرقة بغير ملك أو رئيس، وكان يسودها الجهل فكان أغلبها من الأميين.
ولكن بعد هذا الرسول الخاتم ﷺ ألف الله عز وجل بين قلوبهم وجمع شملهم بقيادة هذا الرسول الأمين محمد ﷺ الذي آمنوا به وصدقوا رسالته، فأصبح للمسلمين دولة عظيمة متسعة الرقعة؛ شمالًا وجنوبًا شرقًا وغربًا بفضل من الله عز وجل ونصره سبحانه وتعالى لهم.
وغير ما ذكرنا الكثير من النصوص التي تبشر بمحمد ﷺ ورسالته فمن مراجع هذا الموضوع:
- كتاب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى، لابن القيم.
- كتاب ماذا تقول التوراة والإنجيل عن محمد ﷺ، لديدات.
- ومن كتاب محمد ﷺ في التوراة والإنجيل، لإبراهيم الخليل -وكان قسيسًا فأسلم-.
قال الله تعالى: (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) [الشعراء: ١٩٧].
إن الملايين والملايين الذين أسلموا من أهل الكتاب وغيرهم يخبرون بالنصوص القاطعة بأن الدين عند الله الخالق هو الإسلام، وأن خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ﷺ مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل ولا تخلو منه كتب الأولين.
فصلوات الله وسلامه على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ﷺ.
لقد تعهد الله عز وجل بحفظ القرآن الكريم من التحريف والتبديل.
ولقد مرت قرون طويلة حاول فيها كثير من أهل الزيغ والضلال أن يحرفوا القرآن الكريم، ولكنهم فشلوا وعجزوا عجزًا تامًا.([117])
وهكذا بقي القرآن الكريم محتفظًا بنصه الإلهي وإشراقاته النورانية والحق المطلق الذي جاء به على مدى أربعة عشر قرنًا أو يزيد، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فليس بعده أي كتاب سماوي.([118])
بقي القرآن الكريم هو المصدر الوحيد للهداية الربانية في أمر الدين الذي تعرضت كل رسالاته السابقة للضياع التام، وبقيت من بعضها ذكريات متناثرة، ظلت تتناقل شفاهًا تفسرها الأهواء وتضيف إليها وتحذف منها، وتحرفها كيف ما تشاء حتى تم إخراجها عن إطارها الرباني وإلقاؤها في أحضان عدد من الوثنيات القديمة والفلسفات الوضعية التي جعلتها عاجزة عن هداية أتباعها.([119])
وهذا هو السبب الحقيقي من وراء المظالم التي تسود الأرض في زماننا.([120])
وحين تم التدوين لبعض هذه الذكريات القديمة تم بلغات غير لغات الوحي.([121])
وبواسطة أقلام متفرقة في أماكن متعددة وفي أزمنة متباعدة، وصلت إلى العديد من القرون بعد موت أو رفع الرسول الذي تلقى الرسالة الأصلية، والتي فقدت أصولها السماوية بالكامل.([122])
ولذلك تعددت الأسفار والأناجيل وتناقضت المعلومات وكثرت المراجعات إلى يومنا الراهن وستظل كذلك إلى ما شاء الله.([123])
أما القرآن الكريم، فهو كتاب واحد تجتمع عليه الأمة الإسلامية شمالًا وجنوبًا شرقًا وغربًا وتلتف حوله.
فالقرآن الكريم الذي أنزل على خاتم المرسلين محمد ﷺ هو كلام الله سبحانه وتعالى الذي تعهد بحفظه.
وهو الكتاب المهيمن على جميع الكتب السماوية السابقة، فليس بعد نزول القرآن الكريم على محمد ﷺ أي كتاب، وليس بعد بعثة المصطفى ﷺ أي نبي أو رسول.
فمحمد ﷺ هو خاتم الأنبياء والمرسلين.
وها هو الدكتور/ موريس بوكاي وكتابه (القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم).
دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة.
يذكر في مقدمة الكتاب:
لقد قمت بدراسة القرآن الكريم وذلك دون أي فكر مسبق وبموضوعية تامة باحثًا في درجة اتفاق نص القرآن ومعطيات العلم الحديث إلى أن يقول:
استطعت أن أحقق قائمة أدركت بعد الانتهاء منها:
- أن القرآن لا يحتوي أي مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم الحديث، ويستطرد وبنفس الموضوعية: قمت بنفس الفحص على العهد القديم والأناجيل، فقد وجدت مقولات لا يمكن التوفيق بينها، ناهيك عن التناقض بين الأناجيل واصطدامها بحقائق التاريخ.
وللخروج من هذه الدوامات العاتية من الشك والشرك والشقاق والنفاق، فإننا ندعو كل مؤمن بالله إلى قراءة القرآن الكريم بحيدة وموضوعية، ثم الحكم بنفسه إن كان هذا هو كلام الله الخالق أم كلام البشر المخلوقين؟
ونحن معشر المسلمين نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ولا نفرق بين أحد من رسله ونؤمن بوحدة الدين، وبوحدة جميع رسالات السماء، وبأنه لا إكراه في الدين.
وانطلاقًا من ذلك كله نقدم القرآن الكريم العظيم للبشرية التائهة، عسى الله أن يهديها إلى طريقها القويم وما ذلك على الله بعزيز.
- ولقد حفظ الله سبحانه كتابه العظيم- القرآن الكريم- المنزل على رسوله خاتم المرسلين في صدور الكثير والكثير من عباده المؤمنين المخلصين الصادقين من الصحابة والتابعين، وإلى يومنا هذا وإلى ما شاء الله حفظًا متقنًا كما أُنزل مع كبر حجمه- فهو قرابة الستمائة صفحة أو يزيد حسب الطبعات- ومع ما به من الآيات المتشابهات ومع قراءاته المتعددة التي نزل بها.
وقد يكون هذا الحافظ لكتاب الله سبحانه وتعالى غير متعلمًا ولا يعرف القراءة أو الكتابة، ولكنه لصدقه وإقباله على الله تعالى، فقد يسره له ويسر له الفوز بحفظ كلامه سبحانه وتعالى.
وهذا أمر يصعب جدًا وقد يكون مستحيلًا في أي كتاب آخر من الصناعات البشرية حتى وإن أمكن ذلك فهو لعدد محدود جدًا، فصدق الله العظيم إذ يقول:
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ).
فالقرآن الكريم هو كلام الله الخالق الذي يسره، وحفظه ربنا تبارك وتعالى بنصه الإلهي وإشراقاته النورانية والحق المطلق على مدى أربعة عشر قرنًا أو يزيد، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ومحمد ﷺ الذي أنزل عليه القرآن الكريم هو خاتم الأنبياء والمرسلين.
لا يمكن البتة أن يؤمن يهودي بنبوة موسى عليه السلام إن لم يؤمن بنبوة محمد ﷺ ولا يمكن البتة أن يؤمن بنبوة المسيح عيسى عليه السلام إلا بعد إقراره بنبوة محمدr ([124])
يقال لهاتين الأمتين- اليهود والنصارى- أنتم لم تشاهدا هذين الرسولين موسى وعيسى عليهما السلام، ولا شاهدتم آياتهما ومعجزاتهما وبراهين نبوتهما.
فنقول لهذه الأمة اليهودية الآن:
بأي شيء عرفتم نبوة موسى عليه السلام وصدقه وأنتم لم تشاهدوا معجزاته وبراهين نبوته؟
ب- ونقول لهذه الأمة النصرانية الآن:
بأي شيء عرفتهم المسيح عليه السلام وصدقه وآمنتم به وأنتم لم تشاهدوا معجزاته وآياته؟
فيكون الرد أحد هذين الجوابين:
الجواب الأول: أن يقولوا: آباؤنا أخبرونا بذلك.
فنقول لهم: ومن أين علمتم صدقهم فيما أخبروكم به؟
فيلجئوا إلى الجواب الثاني.
الجواب الثاني: أن يقولوا التواتر وشهادات الناقلين بمعجزاته وآياته والبراهين التي جاء بها حقق ذلك عندنا.
فنقول لهم: إذًا يلزمكم الإيمان بأن محمدًا ﷺ هو رسول الله حقًا وصدقًا؛ لأن من المعلوم أن الناقلين لمعجزات محمد ﷺ وآياته وبراهين نبوته أضعاف أضعافكم بكثير، ولأن الله عز وجل جمع لرسوله محمد ﷺ بين نوعي المعجزات المعنوية والحسية ونقول لهم:
ما أعطى الله نبيًا شيئًا إلا وأعطى محمدًا ﷺ ما هو أكثر منه.
فكان من معجزات موسى عليه السلام انفلاق البحر فأعطى الله سبحانه وتعالى محمدًا ﷺ انشقاق القمر وهي أبلغ وأعجب؛ لأنها آية سماوية، فلم يكن يستطيع أحد الوصول إلى القمر في ذلك الوقت وكما ذكرنا:
لقد اكتشف العلم حديثًا حقيقة انشقاق القمر.
وكان من معجزات عيسى عليه السلام إحياء الموتى فأعطى الله سبحانه وتعالى محمدًا ﷺ حنين الجذع إليه معجزة له ﷺ، فكان الجذع يبكي ويئن كما يئن الصبي، وهي أبلغ وأعجب.
لأن حياة الخشبة أبلغ من إحياء الميت الذي كان فيه حياة قبل موته، أما الخشبة فالأصل أنها لا روح فيها.
وغير هذا الكثير والكثير من المعجزات والآيات والبراهين والإعجازات العلمية التي جاء بها خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ﷺ الدالة على نبوته وصدق رسالته ﷺ فمحمد ﷺ هو رسول الله حقًا وصدقًا.
* * *
إن ما قدمناه يشهد لرسول الله ﷺ بالنبوة والرسالة، وفي عصرنا الحديث أثنى عباقرة المفكرين على دعوته ﷺ وأشادوا بفضل رسالته ﷺ وهذه بعض شهاداتهم:
1- قال لامارتين: الكاتب والمؤرخ الفرنسي- رئيس الحكومة الموقعة بعد ثورة فبراير والمتوفى سنة 1869:
كان محمد حكيمًا بليغًا فيلسوفًا خطيبًا ورسولًا معلمًا ومحاربًا شجاعًا، ومفكرًا عظيمًا، مصيبًا في أفكاره وتعاليمه، أسس إمبراطورية روحية متحدة قوية، وإذا أردنا أن نبحث عن إنسان عظيم تتحقق فيه جميع الصفات العظيمة الإنسانية فلن نجد أمامنا سوى محمد الكامل.
2- وقال ليونارد:
ليس على الأرض إنسان عرف ربه معرفة حقه كما عرفه محمد، لقد وهب ابن الجزيرة العربية حياته كلها لعبادة الله بإيمان قوي وغرض نبيل، وهذا الأمر لا ريب فيه، إن محمدًا أعظم البشرية قاطبة وأعظم إنسان وُجد على الأرض منذ بدء الخليقة.
3- وقال توماس أرنولد: المستشرق الإنجليزي المولود سنة 1864، والمتوفى سنة 1930 في كتابه- دعوة الإسلام-:
باشر محمد ﷺ سلطة زمنية كالتي يباشرها أي زعيم آخر مع فارق واحد وهو: أن الرباط الديني بين المسلمين كان يقوم رابطة الدم والأسرة، فأصبح الإسلام نظامًا سياسيًا بقدر ما هو نظام ديني، ولما نشر محمد ﷺ دينًا جديدًا أقام نظامًا سياسيًا له صبغة متميزة تمامًا، وكانت جهوده موفقة إلى اعتقاد بني وطنه بوحدانية الله، وإلى هدم نظام الحكم القديم مسقط رأسه، فقضى على الحكومة الأرستقراطية القبلية التي كانت الأسرة الحاكمة تتوزع سياسة الشئون العامة تحت لوائها.
وغيرها الكثير من عباقرة المفكرين أمثال:
1- جونسون في «أديان الشرق» .
2- والمستشرق المؤرخ- السير وليم الإنجليزي المتوفى سنة 1905 في- حياة محمد-.
3- توماس كارليل الفيلسوف الإنجليزي المولود سنة 1795، والمتوفى سنة 1881 في كتاب «الأبطال» عن الرسول ﷺ.
4- الفيلسوف الروسي تولستوي المولود سنة 1828 والمتوفى سنة 1910.
5- الفرد مارتين في كتابه «أكبر زعماء الدين في الشرق».
6- برناردشو.
وغيرهم الكثير ممن شهدوا لهذا الرسول الخاتم محمد ﷺ.
وفي دائرة المعارف البريطانية الطبعة الحادية عشر:
- كان محمد أظهر الشخصيات الدينية العظيمة وأكثرها نجاحًا وتوفيقًا، ظهر النبي محمد في وقت كان العرب فيه قد هووا إلى الحضيض، فما كانت لهم تعاليم دينية محترمة ولا مبادئ مدنية أو سياسية أو اجتماعية، ولم يكن لهم ما يفاخرون به من الفن أو العلوم، وما كانوا على اتصال بالعالم الخارجي، وكانوا مفككين لا رابط بينهم، كل قبيلة وحدة مستقلة، وكل منها في قتال مع الأخرى، وقد حاولت اليهودية أن تهديهم فما استطاعت وباءت محاولات المسيحية بالخيبة كما خابت جميع المحاولات السابقة للإصلاح، ولكن النبي محمدًا ﷺ أُرسل هدى للعالمين، فاستطاع في سنوات معدودات أن يقتلع جميع العادات الفاسدة من جزيرة العرب، وأن يرفعها من الوثنية المنحطة إلى التوحيد وحوَّل أبناء العرب -الذين كانوا أنصاف برابرة- إلى طريق الحق والفرقان، فأصبحوا دعاة هدى ورشاد بعد أن كانوا دعاة وثنية وفساد، وانتشروا في الأرض يعملون على إعلاء كلمة الله.
شهد الأنام بفضله حتى العدا | والفضل ما شهدت به الأعداء |
فمحمد ﷺ هو رسول الله حقًا وصدقًا.
ومن هؤلاء الذين شهدوا لهذا الرسول الخاتم محمد ﷺ بالرسالة:
1- كيث إل مور الكندي: رئيس قسم التشريح بجامعة تورنتو بكندا ورئيس الاتحاد الكندي الأمريكي لعلماء التشريح والأجنة وكتابه: (Developing Human) الذي تُرجم لثمان لغات، وقد حاز على جائزة أحسن كتاب ألفه مؤلف واحد.
والحمد لله طبع من هذا الكتاب طبعات عديدة بالإضافات الإسلامية بعنوان:
Developing Human with Islamic Additions وينتشر الآن بين يدي العلماء وهو من أشهر علماء الأجنة.
يقول عندما رأى الآيات القرآنية الكثيرة التي تتحدث عن تفاصيل تطورات الجنين في بطن أمه وتؤكدها، أعلن عن رأيه بوضوح وقال:
إن هذه الأدلة حتمًا جاءت لمحمد ﷺ من عند الله، وإن هذا يثبت لي أن محمدًا رسول الله ﷺ.
2- جولي سيمبسون: أستاذ أمراض النساء والولادة بجامعة نورث بوسطن بشيكاغو.
وتي في إن بارسان: رئيس قسم التشريح بمينيتوبا بكندا، ومؤلف مشهور في علم أمراض النساء.
لقد اهتما جدًّا بحديثان لرسول الله ﷺ عن النطفة وهما:
الحديث الأول:
قال رسول الله ﷺ: «إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكًا فصورها، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: أي رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء» [رواه مسلم: 4783].
سبحان الله! بالعدد وبالأرقام يرى الإنسان اليوم أن ما ينطق به النبي ﷺ هو الوحي من عند الله سبحانه وتعالى، فلا يظهر الشكل الآدمي في الجنين إلا مع بداية الأسبوع السابع- أي بعد مرور ثنتان وأربعون ليلة كما أخبر المصطفى ﷺ- وهنا نعرف معنى قول النبي محمد ﷺ ((فصورها)).
فهو ﷺ الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى.
والحديث الثاني:
قال رسول الله ﷺ: ((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا)) [رواه البخاري].
وهنا في الحديث الشريف يشير رسول الله ﷺ إلى مدة جمع خلق الإنسان في بطن أمه.
أما في الحديث الأول، فهو ﷺ يشير إلى تصوير النطفة، وخلق سمعها، واهتم أيضًا هذان العالمان بقول الله- سبحانه وتعالى-: ﮁ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮀ [عبس: 19].
ومعنى هذه الآية الكريمة:
أن الإنسان مقدر بكل صفاته في هذه النطفة، وبالفعل فلون الشعر ولون الجلد محدد في الجينات التي تحملها الكروموسومات في هذه النطفة، وبعد دراستهما المتأنية وقف الأول في أحد المؤتمرات قائلًا:
إن بإمكان الدين أن يقود العلم قيادة ناجحة، وإن هذا مما يدل على أن القرآن هو كلام الله.
أما الثاني فكان من تعليقه ما يلي:
إن محمدًا ﷺ والذي يصرح بتصريحات علمية مدهشة لا يمكن أن يأتي بها مصادفة، ولكن لا بد أن يكون هذا إلهامًا ووحيًا قاده إلى هذه البيانات.
3- تاجاثات تاجاسن: عميد كلية الطب بجامعة تشاي ماي بتيلاند:
فبعد دراسته لمعجزات القرآن الكريم، والتي استمرت لمدة سنتين، وقف في أحد المؤتمرات يشرح كيف أن دقائق عجيبة مما وصل إليها العلم الحديث موجودة في كتاب الله سبحانه وتعالى واختتم كلمته قائلًا:
إنه هذا يثبت لي يقينًا أن آيات القرآن جاءت لمحمد ﷺ من الخالق العليم بكل شيء، وأرى أنه قد آن الوقت أن أعلن أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. وقد أصبحت مسلمًا من الآن.
وغيرهم الكثير والكثير من العلماء في شتى المجالات العلمية الذين شهدوا لهذا الرسول الخاتم بالرسالة وبصدق نبوته ﷺ.
فمحمد ﷺ هو خاتم الأنبياء والمرسلين، والقرآن الكريم الذي أنزله ربنا تبارك وتعالى عليه هو المعجزة الباقية إلى قيام الساعة شاهدًا لهذا الرسول الأمين، فمحمد ﷺ هو رسول الله حقًا وصدقًا.
أصلي عليك | وكل الوجود صلاة وشوق إليك | |
رفعت المنارى في الحائرين | ونورت بالحق للعالمين |
* * *
ومن دلائل النبوة والرسالة: الصدق والأمانة
محمد ﷺ هو الصادق الأمين الذي لا ينطق عن الهوى:
وسوف نعلق بإيجاز على هاتين الصفتين اللتين قد لُقب بهما رسول الله ﷺ منذ نشأته وقبل بعثته والذي سوف نركز عليه: صدق رسول الله ﷺ وأمانته في رسالته:
1- قال رسول الله ﷺ: ((لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)).
وفي رواية: ((قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)). [رواه البخاري، موطأ الإمام مالك].
وقال ﷺ: ((لا تتخذوا قبري وثنًا يعبد)). [موطأ الإمام مالك].
إن هذه الأحاديث النبوية الشريفة شواهد حق على صدق المصطفى ﷺ وأمانته في رسالته.
قالها ﷺ قبل وفاته بخمسة أيام، وقت شدة مرضه ووجعه وازدياد آلامه، فلقد دخل ﷺ المسجد وهو معصوب الرأس، وخطب الناس -والناس مجتمعون حوله- قائلًا لهم هذه الأحاديث التي أوردناها.
فرغم ما برسول الله ﷺ من شدة آلام وأوجاع ومرض قام معلمًا ناصحًا وداعيًا هاديًا لصحابته ولأمته من بعده بعدم اتخاذ قبره ﷺ وثنًا يعبد، كما اتخذ اليهود والنصارى من قبور أنبيائهم مساجد، ولم يدعهم يطغوه كما فعلت النصارى بعيسى ابن مريم فعبدوه، كان ﷺ حريصًا على دعوته وأمته ليس في حياته فحسب بل أيضًا بعد مماته ﷺ.
ولم يمنعه ما نزل به من المعاناة وشدة المرض من القيام بتأدية رسالته على الوجه الأمثل، ومن القيام بما كلف به من ربه والدعوة إلى لا إله إلا الله.
والمتتبع لسيرة رسول الله ﷺ يجده في سكناته وحركاته وأقواله وأفعاله حتى في حروبه أثناء غزواته وأشد لحظات أوقات القتال فيها كان ﷺ نعم المعلم لأصحابه ولأمته من بعده ونعم الداعي إلى الله عز وجل هاديًا للحق وكافة سبل الخير.
فهذه الأحاديث الشريفة هي شواهد حق على صدق وأمانة رسول الله ﷺ فيما بلغ عن ربه تبارك وتعالى لأواخر أيام حياته بل أواخر لحظاتها وهو في شدة مرضه ومعاناته، ففي آخر يوم من حياته ﷺ دعا أزواجه فوعظهن وذكرهن وطفق الوجع يشتد ويزيد فأخذ يوصي الناس قائلًا داعيًا:
((الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم)) وكرر ذلك مرارًا [رواه البخاري].
وفي احتضاره ﷺ كان بين يديه ركوة فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء، فيمسح بها وجهه ﷺ يقول: ((لا إله إلا الله، إن للموت سكرات)) [صحيح البخاري].
هذه الكلمة التي طالما دعا إليها طوال حياته وفترة رسالته خير دعوة.
وفي آخر كلامه ﷺ بعدما استاك بالسواك- فهو ﷺ الذي علمنا أن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب- وفرغ منه، رفع يده أو إصبعه وشخص بصره نحو السقف وتحركت شفتاه وهو يقول: «مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى» [صحيح البخاري].
وكرر الكلمة الأخيرة ثلاثًا، ومالت يده ﷺ، ولحق بالرفيق الأعلى، إنا لله وإنا إليه راجعون.
وهذا من شواهد ودلائل صدق رسول الله ﷺ وأمانته في دعوته فيما بلغ عن ربه تبارك وتعالى لآخر لحظة في حياته ﷺ، وصدق الله تعالى إذ يقول: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا* وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) [الأحزاب: ٤٥، ٤٦].
2- لقد خسفت الشمس في حياة النبي ﷺ، وكان ذلك بعد وفاة إبراهيم بن رسول الله ﷺ، وكان صغيرًا، فحزن رسول الله ﷺ لفراقه حزنًا شديدًا، وكذلك صحابته رضوان الله عليهم أجمعين.
وظن الناس أن الشمس خسفت لوفاة ابن رسول الله ﷺ، وذلك لمكانة ومنزلة رسول الله ﷺ عند الله الخالق سبحانه وتعالى.
فما كان من الصادق الأمين ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى مع ما به من أحزان إلا أن قام خطيبًا في الناس بعدما صلى بهم صلاة الكسوف، وبعدما انجلت الشمس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال:
((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة» [رواه البخاري ومسلم في حديث طويل].
إن هذا الحديث الذي قاله رسول الله ﷺ وفي هذا الوقت لشاهد حق على صدق المصطفى ﷺ وأمانته فيما ينقله عن ربه تبارك وتعالى وصبره الجميل ومسارعته إلى رضا ربه تبارك وتعالى.
فلم يدع ﷺ ما قاله أصحابه بدون معالجة وتوضيح رغم أن قولهم من أن الشمس انخسفت لموت ابنه ﷺ يزيده رفعة ومنزلة بينهم.
ولكنه ﷺ الصادق الأمين المبلغ عن ربه تبارك وتعالى نفى ما يقوله الناس ويزعمونه، فقال لهم معلمًا: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل لا ينخسفان لموت أحد...)).
ولم يمنعه حزنه وشدة كربه ﷺ من القيام بمهام الدعوة والرسالة، فرسول الله ﷺ له المنزلة العالية والدرجة الرفيعة عند ربه تبارك وتعالى دون أدنى شك من أصحابه أو ممن آمن به وصدق دعوته ورسالته.
ولقد صبر رسول الله ﷺ على فراق ابنه إبراهيم صبرًا جميلًا رغم حبه الشديد ﷺ له وحزنه عليه.
فلم يسخط ولم ينفر ولم ينس حق الله عز وجل ولم ينس شكره ولم ينس القيام بما كلفه الله سبحانه وتعالى به من التبليغ عنه جل شأنه.
فقام مصليًا بالناس صلاة الكسوف ثم أثنى على الله سبحانه وتعالى بما هو أهله مسترجعًا- إنا لله وإنا إليه راجعون- كما في حديث آخر، ثم قاما هاديًا وداعيًا للحق مبلغًا عن ربه ما أوحاه إليه فقال: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة».
فكان ﷺ خير نموذج يحتذى به في:
- قمة الرضا بقضاء الله سبحانه وتعالى ومشيئته.
- أعلى درجات الصبر، وهو الصبر الجميل وشكره لله تبارك وتعالى وثناؤه عليه.
- وعبوديته ﷺ لله عز وجل وقت الشدة والكرب.
- الدعوة، فكان ﷺ إمامًا للدعاة والمرسلين.
إن حياة رسول الله ﷺ مليئة بالشواهد والبراهين على صدقه، وأمانته وصبره، وشمائله العطرة.
والأحاديث النبوية الشريفة والسنة المطهرة نعم الشاهد وخير برهان على ما أسلفناه، ولكننا سنكتفي بما ذكرناه موجزًا.
فمحمد ﷺ هو الصادق الأمين الذي لا ينطق عن الهوى.
فهو ﷺ رسول الله حقًا وصدقًا.
ومن دلائل نبوته ﷺ صدقه وأمانته قبل بعثته وبعدها
ومن براهين صدق رسالته ﷺ
وصدق ما بلغه عن ربه سبحانه وتعالى
أ- ما كان من حادثة الإفك حين رمى أهل الإفك والبهتان من المنافقين بما قالوه من الكذب البحت والفرية في شأن السيدة عائشة زوجة رسول الله ﷺ وأحب نسائه إليه.
ولكي يتجلى لنا عظم هذا الموقف العصيب لرسول الله ﷺ وزوجته السيدة عائشة ولأهل الإيمان نذكر جزءًا مما رواه البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة.
تقول السيدة عائشة بعدما أخبرت بقول أهل الإفك وخوضهم في عرضها رضي الله عنها وقد كانت مريضة آنذاك: فازددت مرضًا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله ﷺ فسلم ثم قال: ((كيف تيكم؟)) فقلت له: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت: وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله ﷺ فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أمتاه ماذا يتحدث الناس به؟ فقالت: أي بنية هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها قالت: فقلت: سبحان الله أوقد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي. [رواه البخاري ومسلم من حديث طويل].
وكاد فريقان من المؤمنين أن يقتتلا- الأوس والخزرج- بعدما ارتفعت أصواتهما ورسول الله ﷺ قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله ﷺ يخفضهم حتى سكتوا وامتلأ رسول الله ﷺ همًّا وحزنًا بعدما أوذي في أهله من قبل أهل الإفك والبهتان.
وقد لبث رسول الله ﷺ شهرًا لا يوحى إليه في شأن زوجته السيدة عائشة شيء إلى أن أنزل الله سبحانه وتعالى براءة زوجته السيدة عائشة من فوق سبع سموات صيانة لعرض رسول الله ﷺ.
وما ينبغي أن نلقي عليه الضوء في هذه الحادثة فيكون برهانًا على صدق رسالة رسول الله ﷺ وصدقه فيما بلغه عن ربه سبحانه وتعالى هو:
تأخر نزول الوحي ببراءة السيدة عائشة، فلقد لبث رسول الله ﷺ شهرًا لا يوحى إليه في شأن السيدة عائشة شيء، على الرغم مما لاقاه رسول الله ﷺ والسيدة عائشة من عناء وشدة وكرب وهم وحزن عميق من افتراءات وكذب المنافقين، ومما لا شك فيه أن هذا كله بلاء وامتحان واختبار من الله عز وجل.
ونتساءل، ما الذي منع رسول الله ﷺ من أن يعجل بإخباره ببراءة زوجته السيدة عائشة مع شدة ما لاقاه هو وزوجته والمؤمنون من الافتراءات والأكاذيب التي زوجها المنافقون؟
وما الذي اضطره ﷺ إلى أن ينتظر كل هذه المدة- شهرًا أو أكثر- دون أن يخبر ببراءة زوجته السيدة عائشة؟ وعلام يدل ذلك؟
لا شيء إلا أنه ﷺ لا ينطق عن الهوى، فلا يبلغ إلا ما أمره به ربه عز وجل في الوقت الذي يشاؤه ويختاره سبحانه وتعالى، فلو لم يكن رسول من عند الله لأخبر ببراءة زوجته من أول يوم شاعت فيه تلك الافتراءات؛ صيانة وحفظًا لزوجه وعرضه.
ولو لم يكن رسول من عند الله لأخبر بجزاء وعقوبة لكل من خاض بأدنى قول في حق زوجه حمية من أول يوم أشيعت فيه تلك الافتراءات، ولكنه ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى هو الصادق المصدوق في كل ما بلغه عن ربه سبحانه وتعالى.
وكل هذا يدلل على أن محمدًا ﷺ هو رسول الله حقًا وصدقًا.
ب- ومن براهين صدق رسالته ﷺ وصدق ما بلغه عن ربه سبحانه وتعالى هذه الآية الكريمة التي عاتبه فيها ربه سبحانه وتعالى عتابًا حسنًا جميلًا حيث كان النداء بالعفو قبل المعاتبة.
قال الله تعالى: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) [التوبة: ٤٣]. وهذه الآية الكريمة نزلت في أناس قالوا:
استأذنوا رسول الله ﷺ فإن أذن لكم فاقعدوا وإن لم يأذن لكم فاقعدوا ولهذا قال الله تعالى: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) أي في إبداء الأعذار (وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ)
أي: هلا تركتهم لما استأذنوك فلم تأذن لأحد منهم في القعود لتعلم الصادق منهم في إظهار طاعتك من الكاذب، فإنهم كانوا مصرين على القعود عن الغزو وإن لم تأذن لهم فيه.
ونتساءل، ما الذي جعل محمدًا ﷺ يخبر بهذه الآية الكريمة التي فيها معاتبته من ربه سبحانه وتعالى، وما الذي اضطره إلى ذلك؟ وعلام يدل كل هذا؟
لا شيء إلا أنه ﷺ هو الصادق المصدوق الذي لا ينطبق عن الهوى يبلغ كل ما أوحاه إليه ربه فلا يكتم منه شيئًا.
وكل هذا يدل على أن محمدًا ﷺ هو رسول الله حقًا وصدقًا.
ج- ومن براهين صدق رسالة رسول الله ﷺ وصدق ما بلغه عن ربه سبحانه وتعالى هذه الآيات الكريمات التي عاتبه فيها ربه سبحانه وتعالى:
قال الله تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى* وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى* أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى* أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى* فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى* وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى* وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى* وَهُوَ يَخْشَى* فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) [عبس: ١ – ١٠].
في هذه الآيات الكريمات ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول الله ﷺ كان يخاطب أحد عظماء قريش وقد طمع في إسلامه، فبينما هو يخاطبه ويناجيه إذ أقبل ابن أم مكتوم وكان ممن أسلم قديمًا، فجعل يسأل رسول الله ﷺ في شيء ويلح عليه، وود النبي ﷺ أن لو كف ساعته تلك؛ ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل طمعًا ورغبة في هدايته، وعبس في وجه ابن أم مكتوم وأعرض عنه وأقبل على الآخر.
ومن هنا أمر الله تعالى رسوله ﷺ أن لا يخص بالإنذار أحدًا، بل يساوي بين الشريف والضعيف والغني والفقير والسادة والعبيد والرجال والنساء والكبار والصغار، ثم الله تعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة.
ونتساءل، كما تساءلنا من قبل ما الذي جعل محمدًا ﷺ يخبر ويبلغ هذه الآيات الكريمات التي فيها عتابه من ربه سبحانه وتعالى؟ وما الذي اضطره إلى ذلك؟
ولم لم يكتمها؟ وعلام يدل ذلك؟
فيكون الجواب القاطع الفاصل: لا شيء إلا أن محمدًا ﷺ هو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى يبلغ كل ما أوحاه إليه ربه فلا يكتم منه شيئًا.
وكل هذا يدل على أنه ﷺ هو رسول الله حقًا وصدقًا وهو خاتم الأنبياء والمرسلين، وبجانب ما ذكرناه الكثير والكثير من براهين رسالة هذا الرسول الصادق الأمين خاتم الأنبياء والمرسلين.
* * *
ومن دلائل نبوته ﷺ
بعثته ﷺ عند الأربعين من عمره
قال الله تعالى: (قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [يونس: ١٦]، (فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) [الأنعام: ٣٣].
لما كانت رسالة محمد ﷺ هي الرسالة الخاتمة لكل الرسالات السابقة للناس كافة في كل مكان وزمان، فقد احتاجت إلى حشد كل الدعائم لتأييدها وللإيمان والتصديق بها وعدم التكذيب لها.
فكانت بعثة رسول الله ﷺ عند الأربعين من عمره هي إحدى الدعائم المؤيدة لدعوته ﷺ.
لقد نشأ رسول الله ﷺ بينهم عفيفًا طاهرًا طيب النفس عظيم الخلق أمينًا صادقًا، فلم تشهد قريش والبشرية قاطبة مثل حسن خلق وكريم شمائله ﷺ ولا أمانة كأمانته ﷺ ولا صدقًا كصدقه ﷺ.
ومما يدلل على هذا أن أهل مكة أنفسهم هم الذين لقبوا محمدًا ﷺ بالصادق الأمين منذ نشأته وقبل بعثته لما رأوا خصاله ﷺ الحميدة وشمائله الطيبة لا سيما الصدق والأمانة.
فعند تحدثهم عنه ﷺ كانوا ينطقون بنعته وصفته قبل اسمه فيقولون الصادق الأمين وإن هاتين الواقعتين اللتين ذكرناهما سابقًا شاهدتين على ما قلناه:
أ- الواقعة الأولى: ما جرى عند بناء الكعبة وقضية التحكيم، فعندما اتفق أهل مكة على أن يحكموا بينهم أول من يدخل عليهم، كان أول من دخل هو رسول الله ﷺ فلما رأوه قالوا جميعًا في صوت واحد: هذا الأمين رضينا، هذا محمد.
ب- لما نزل قوله تعالى: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) صعد رسول الله ﷺ على الصفا، فجعل ينادي يا بني فهر، يا بني عدي -لبطون قريش- حتى اجتمعوا، فقال: ((أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟)) قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقًا.
لقد بعث رسول الله ﷺ وهو في الأربعين من عمره مع أن غيره الكثير من الرسل بعثوا وهم أقل من الأربعين بكثير مثل يحيى عليه السلام.
قال الله تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) [مريم: ١٢].
وغيره الكثير، فما الحكمة إذن من بعثة رسول الله ﷺ عند الأربعين من عمره؟
الحكمة من بعثة رسول الله ﷺ عند الأربعين من عمره:
الحكمة وإن علمنا بعضها فإننا نجهل أكثرها: أن كما قلنا أن هذه الرسالة التي بعث رسول الله ﷺ بها هي الرسالة التي ختمت بها جميع الرسالات السابقة، فهي للناس كافة وقد احتاجت إلى حشد كل الدعائم لتأييدها والإيمان بها.
فكانت مدة عمر رسول الله ﷺ قبل رسالته هي إحدى الدعائم المؤيدة لرسالته ﷺ للإيمان والتصديق بها، فهو ﷺ الصادق الأمين الذي لم يشهدوا أمانة كأمانته ولم يجربوا عليه إلى صدقًا.
قال الله تعالى: (فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) [الأنعام: ٣٣].
فأهل مكة لا يستطيعون أن يكذبوا رسول الله ﷺ أو يكذبوا دعوته، ولكنه الكفر والعناد والجحود، فمدة عمر رسول الله ﷺ قبل البعثة هي في ميزان نجاح دعوته، وهي من دلائل صدق وأمانة رسالته ﷺ.
قال الله تعالى: (قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [يونس: ١٦].
لقد بعث رسول الله ﷺ في الأربعين من عمره، بعد مرور شرخ الشباب وهو الوقت الذي تجيش فيه الصدور بالآمال والأماني.([125])
فلم تبد منه ﷺ كلمة تلميح بالرسالة أو إشارة للنبوة، وفي الوقت الذي تهدأ فيه النفوس الثائرة، وتسكن فيه الآمال الفائرة أعلن رسول الله ﷺ دعوته ورسالته العامة الشاملة لكل الذين في عهده، وكل الذين يجيئون من بعده، فهي الرسالة الخاتمة.([126])
فهذا الوقت الذي بعث فيه النبي محمد ﷺ الأربعين من عمره هو من دلائل نبوته، وأن اختيار وقت البعثة والرسالة هو من الله سبحانه وتعالى الحكيم الخبير؛ لأن من المعلوم أنه إلى أن تنتصر دعوة رسول الله ﷺ وإلى أن تنتشر هذه الرسالة العظيمة فإنها تحتاج إلى الوقت والجهد الطويل والصبر الجميل العظيم- سنة الله عز وجل- وكل هذا وعمر رسول الله ﷺ يتقدم به إلى المرحلة المتأخرة من العمر ونهايته.
فما الذي كان يبغيه ﷺ جراء هذا كله من إعلان رسالته في هذه المرحلة وليس قبلها، وهو الذي أشاد له الجميع وشهدوا برجاحة عقله وفكره ومنطقه؟ وعلام يدل؟
ليس إلا أنه ﷺ هو رسول الله عز وجل أعلن رسالته في الوقت الذي اختاره وقدره له ربه تبارك وتعالى وأنه ﷺ على يقين من أمر دعوته ومن نصر الله سبحانه وتعالى لها، وأنه سبحانه وتعالى هو القادر على أن يسخر كافة مخلوقاته لنصر هذه الرسالة الخاتمة في الوقت الذي اختاره عز وجل لها تحت أي ظرف كان.
لقد أعلن رسول الله ﷺ في الأربعين من عمره رغم ما علمه من وفاه أبيه في صغر عمره وكان رسول الله ﷺ آنذاك جنينًا في بطن أمه.
أعلن رسول الله ﷺ رسالته وهو في الأربعين من عمره رغم ما شاهده من وفاة أمه في صغر عمرها وهو ﷺ في السادسة من عمره.
أعلن رسول الله ﷺ رسالته في الأربعين من عمره رغم وفاة جده عبد المطلب بعد انتقاله ﷺ إليه بمدة قصيرة جدًا ثم توفي أمامه عمه أبو طالب.
قال الله تعالى: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى) [الضحى: ٦].
فما الذي اضطره ﷺ لأن يعلن رسالته وهو في الأربعين من عمره وليس دون هذا العمر في ريعان الشباب؟
ومن الذي أخبره وأعلمه بأنه ﷺ سيطول به العمر للأربعين ولما بعد الأربعين وإلى أن تنتصر دعوته ورسالته؟
وما الذي جعله ﷺ على يقين من أمر دعوته ونجاحها مع علمه بوفاة والده ومشاهدته لوفاة والدته وهما في مقتبل عمرهما وصغر سنهما؟ وعلام يدل كل هذا؟
لا شك أن الذي اختار له وقت رسالته هو الله سبحانه وتعالى الحكيم الخبير وأنه سبحانه وتعالى العليم القدير، يعلم عمر رسوله ﷺ وأنه سيطول به العمر إلى أن يأتي وقت البعثة والرسالة وإلى أن تنتصر دعوته وتنتشر رسالته.
وأنه سبحانه وتعالى العليم الخبير هو الذي جعل رسوله ﷺ على يقين من أمر دعوته ونجاحها رغم الأحداث التي مرت به وكل هذا يدل على: أن محمدًا ﷺ هو رسول الله حقًا وصدقًا.
* * *
ومن دلائل نبوته ﷺ
عصمة الله سبحانه وتعالى له ﷺ حيًّا وميتًا
قال الله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة: ٦٧].
هذه الآية الكريمة هي من معجزات القرآن الكريم التي قد تحدت الجميع من الكافرين والمنافقين بعصمة الله لنبيه محمد ﷺ، فلم يستطع أي من أعداء هذا الدين من أن ينالوا من رسول الله ﷺ حيًا أو ميتًا.
لقد عصم الله عز وجل نبيه ﷺ حيًا وميتًا على الرغم مما قام به أعداء الإسلام من هجمات شرسة ومحاولات عديدة للنيل منه ﷺ.
فلقد حاولوا قتله حيًّا مرارًا وتكرارًا والنيل من سيرته ومن جسده الشريف بعد مماته ﷺ ولكنهم لم يجنوا إلا الخيبة والفشل والحسرة والندامة.
فكانت محاولاتهم العديدة الخائبة الفاشلة مع وفرة عناصر نجاحها هي دليل صدق على رسالة هذا النبي الخاتم ﷺ وعصمة الله عز وجل له.
فمن محاولاتهم الكثيرة للنيل منه ﷺ في حياته:
أ- عند هجرة المصطفى ﷺ كان الكفار قد تجمعوا، وتحزبوا من مختلف القبائل بسيوفهم على باب غرفته ﷺ ليقتلوه.
ولكن الله سبحانه وتعالى بعلمه وقدرته عصمه منهم.
فخرج ﷺ من بينهم واخترق صفوفهم وأخذ حفنة من البطحاء فجعل يذره على رؤوسهم، وقد أخذ الله بأبصارهم عنه فلا يرونه وهو يتلو قول الله تعالى:
(وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ) [يس: ٩].
ب- أثناء هجرة النبي ﷺ كان قد سلك طريقًا ليضلل الكفار عنه حتى انتهى إلى غار في قمة الجبل يعرف بغار ثور، وأخذ الكفار يبحثون عنه بشتى السبل في كل مكان إلى أن وصلوا إلى باب الغار.
روى البخاري عن أنس عن أبي بكر قال: كنت مع النبي ﷺ في الغار فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم فقلت: يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا، قال: ((اسكت يا أبا بكر اثنان الله ثالثهما)) وفي لفظ: ((ما ظنك يا أبا بكر باثنان الله ثالثهما)) [رواه البخاري].
وغير ذلك الكثير من المواقف التي قد حدثت أثناء هجرة النبي ﷺ والتي تدل على عصمة الله عز وجل له.
ج- لقد حاول اليهود بمكر وخديعة قتل النبي ﷺ فتآمروا على قتله حيث كان النبي ﷺ في وقت ما جالسًا إلى جانب جدار من بيوت اليهود فتآمر اليهود وقالوا: أيكم يأخذ هذه الرحى ويصعد بها فيلقيها على رأسه- يعني النبي ﷺ- يشدخه بها؟ فقال أشقاهم عمرو بن جحاش: أنا. فقال لهم سلام بن مشكم: لا تفعلوا، فوالله ليخبرن بما هممتم وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه، ولكنهم عزموا على تنفيذ خطتهم ونزل جبريل عليه السلام من عند رب العالمين على رسول الله ﷺ يعلمه بما هموا به، فنهض ﷺ مسرعًا وتوجه إلى المدينة، ثم قام ﷺ بمحاصرة اليهود إلى أن استسلموا وخرجوا من مدينة رسول الله ﷺ.
د- عندما فتح رسول الله خيبر وقام بإخراج اليهود منها أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مصلية وقد سألت أي عضو أحب إلى رسول الله ﷺ فقيل لها الذراع فأكثرت فيه من السم، ثم سمت سائر الشاة، ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول الله ﷺ تناول الذراع فلاك منها مضغة فلم يسغها ولفظها، ثم قال: ((إن هذه العظم ليخبرني أنه مسموم)) ثم دعا بها فاعترفت فقال ﷺ: ((ما حملك على ذلك؟)) قالت: قلت إن كان ملكًا استرحت منه، وإن كان نبيًا فسيخبر وكان ﷺ معه بشر بن البراء قد أخذ من الشاة أكلة فأساغها فمات منها، وكان النبي ﷺ من رحمته قد عفا عنها ولكن لما مات بشر قتلها قصاصًا.
ولقد حفظ ربنا تبارك وتعالى نبينا ﷺ في جميع غزواته من أن يقع قتيلًا أو أسيرًا بين يدي أعداء الإسلام رغم كثرة الحروب والمحاولات الخبيثة التي قاموا بها ضده ﷺ للقضاء عليه وعلى دعوته.
ولقد حاول أعداء الإسلام النيل من رسول الله ﷺ بعد مماته بعدما فشلوا وخابوا في النيل منه أثناء حياته ﷺ.
ففي عام 557 من الهجرة في عهد السلطان الزاهد العابد محمود نور الدين زنكي فكر أعداء الإسلام الخبثاء النكراء في أن يفجعوا المسلمين فجيعة نكراء بسرقة جسد النبي ﷺ الشريف من قبره حيث قام هؤلاء الخبثاء بتجنيد رجلين من المجرمين لهذه المهمة الخطيرة، وانطلقا إلى المدينة وارتديا زي المسلمين وأظهرا الورع والعبادة وأكثرا النفقة على فقراء المدينة حتى أحبهم أهل المدينة حبًّا جمًّا وهم في كل ليلة يحفرون سردابًا تحت الأرض في حجرة يسكنون فيها بجوار المسجد النبوي ويأخذان التراب ويلقونه في بئر ماء حتى لا ينتشر ويظهر أمرهما، وظل الخبيثان يحفران حتى وصلا إلى جدار الغرفة النبوية.
ومن المعلوم أن الرسول ﷺ قد دفن في حجرته التي قد توفي بها، فالأنبياء يدفنون في أماكنهم التي قبضوا فيها.
وفي الليلة التي ضربوا فيها أول فأس في الغرفة النبوية الشريفة رأى السلطان الزاهد العابد محمود نور الدين زنكي رؤيا للنبي ﷺ وهو يشير إلى رجلين أشقرين أحمرين، وقال له: أنقذني من هذين الرجلين يا محمود، فاستيقظ السلطان من نومه فزعًا، فتوضأ وصلى ما شاء الله له أن يصلي، ثم نام فرأى النبي في رؤيا للمرة الثانية، وأشار إلى نفس الرجلين، وقال: أنقذني من هذين الرجلين يا محمود، فاستيقظ السلطان من نومه فزعًا، فتوضأ ثم صلى لله ركعتين ثم نام، فجاءه النبي ﷺ في الرؤيا للمرة الثالثة وأشار على نفس الرجلين وقال أنقذني من هذين الرجلين يا محمود، فاستيقظ السلطان من نومه وقال: والله لا نوم بعد الآن.
واستدعى وزيره الصالح التقي الذي يقال له جمال الدين الموصلي، وأخبره بالرؤيا وما قاله له النبي ﷺ فقال له الوزير الصالح: اكتم خبر الرؤيا، اكتم ما رأيت أيها السلطان وهيا اخرج فورًا إلى مدينة رسول الله ﷺ، فانطلق السلطان على الفور وحمل أموالًا طائلة ودخل المسجد النبوي وصلى لله ركعتين وسلم على النبي ﷺ وجلس في الروضة الشريفة الكريمة يفكر ماذا يصنع؟
فقال الوزير الصالح: أيها الناس لقد جاء السلطان إلى مدينة رسول الله ﷺ ليوزع أموالًا على كل فقراء المدينة، وليسلم على كل أغنيائها وأشرافها وأهلها وعزم هذا الوزير على جميع فقراء المدينة للحضور وعلى جميع أهل المدينة للسلام على السلطان لينظر السلطان إلى وجوه القوم لعله يجد الوجهين اللذين أشار عليهما النبي الصادق المصدوق ﷺ.
فجاء الفقراء وجاء الأشراف والأغنياء ولما دخلوا على السلطان صرخ وقال: اللهم صلِّ على محمد هما والله هما، هما والله هما.
والناس لا يعرفون الخبر، فانطلق معهما إلى منزلهما بجوار الغرفة النبوية وفتش البيت بنفسه، فلم يجد إلا مالًا ومصحفين لله تبارك وتعالى، وظل يفتش فوجد حصيرًا في جانب الغرفة، فإذا به يُلهم من الله سبحانه وتعالى بأن يكشف هذا الحصير، فوجد سردابًا داخل الأرض، فنزل فيه وظل يمشي في السرداب حتى وصل إلى جدار الغرفة النبوية الشريفة، ففزع الناس فزعًا شديدًا وأمرهما بالاعتراف بما جاءا من أجله، وضربهما بالسياط ليعترفا إلى أن اعترفا بمهمتهما الحقيرة بسرقة جسد النبي الشريف ﷺ.
وأمر السلطان بقتل هذين الرجلين على باب الغرفة النبوية، وقام بحفر خندق عميق جدًّا حول الغرفة النبوية المطهرة، وقام بصبها بالرصاص لمنع مثل تلك المحاولات الخبيثة مرة أخرى، وأخذ يبكي لما اختصه الله من هذا الشرف العظيم، وأن جعله سببًا في إنقاذ جسد النبي الشريف ﷺ من هؤلاء الأعداء النكراء.
وهذا من عصمة الله سبحانه وتعالى لنبيه الخاتم محمد ﷺ بعد مماته وهذه الحادثة ثابتة في كتب التاريخ التي أرَّخت للمدينة المنورة.
وما قام به أعداء الإسلام من محاولة سرقة جسد رسول الله ﷺ الشريف هو دليل قاطع في ذاته على يقينهم بنبوة المصطفى ﷺ وصدق رسالته؛ لأن من المعلوم أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، بينما غير الأنبياء من أموات لا تلبث الأرض إلا أن تأكل أجسادهم في القليل من الشهور، لا سيما إن كان الجسد كله يغطيه التراب، فما بالهم- أعداء الإسلام- يهمون بذلك الأمر بعدما يزيد عن خمسمائة عام من وفاته ﷺ؟
لا شك إلا لأنهم على يقين من صدق رسالة المصطفى ﷺ وصدق دعوته، ولكنه الجحود والاستكبار الذي يتملكهم.
ولقد امتن الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة- أمة المصطفى ﷺ- بالعلماء الربانيين الذين يدافعون عن النبي ﷺ وعن سيرته وعن سنته المطهرة بعد مماته ويقومون بالتصدي لافتراءاتهم وأباطيلهم دون أن يبغوا شرفًا أو منصبًا أو مالًا أو جاهًا أو سلطانًا من وراء هذا الجهد الذي يبذلونه من أجل الدفاع عن هذا الدين العظيم وعن هذا النبي الأمين.
وهذا كله من عصمة الله سبحانه وتعالى لنبيه محمد ﷺ حتى بعد وفاته إلى أن تقوم الساعة.
والسؤال الذي يطرح ويفرض نفسه:
لماذا كل هذه العصمة من الله سبحانه وتعالى لمحمد ﷺ؟ وعلام تدل؟
لا شك أن هذه العصمة هي من الله سبحانه وتعالى؛ لأن محمدًا ﷺ هو الرسول الخاتم الذي ختم به الرسل، ولأن رسالته هي الرسالة الخاتمة التي ختمت بها جميع الرسالات السابقة، فكانت هذه العصمة ليتمكن النبي ﷺ من تأدية رسالته والتبليغ بها على الوجه الأتم الأكمل.
وكل هذا يدل على أن محمدًا ﷺ هو خاتم الأنبياء والمرسلين.
* * *
ومن دلائل نبوته ﷺ
حفظ وعناية الله عز وجل برسوله ﷺ وتربيته وتأديبه له
قال الله تعالى: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى) [الضحى: ٦].
وقال الله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: ٤]
توفي عبد الله والد رسول الله ﷺ وكان آنذاك حمل في بطن أمه، ثم توفيت أمه آمنة بنت وهب وله من العمر ست سنين، ثم كان في كفالة جده عبد المطلب إلى أن توفي وله من العمر ثمان سنين، فكفله عمه أبو طالب، ثم لم يزل يحوطه وينصره ويكف عنه أذى قومه بعد أن ابتعثه الله عز وجل على رأس أربعين سنة من عمره وأبو طالب على دين قومه من عبادة الأوثان، وكل ذلك بقدر الله عز وجل وحسن تدبيره إلى أن توفي أبو طالب قبل الهجرة بقليل فأقدم عليه ﷺ سفهاء قريش وجهالهم، فأنجاه الله سبحانه وتعالى من بين أيديهم واختار له الهجرة من بين أظهرهم إلى بلد الأنصار، كما أجرى الله سنته على الوجه الأتم الأكمل حيث إنه ﷺ لما وصل إليهم آووه ونصروه وحاطوه، وقاتلوا بين يديه ﷺ أجمعين إلى أن انتصرت دعوته وانتشرت رسالته ﷺ.
ونسأل: لم كل هذه العناية وكل هذا الحفظ من الله سبحانه وتعالى بمحمد ﷺ؟
ليس إلا لأن محمدًا ﷺ هو رسول الله سبحانه وتعالى، ختم الله سبحانه وتعالى به النبيين والمرسلين فآواه وحفظه، وكانت عنايته به أمام مرئى ومسمع من الجميع؛ ليكون هذا كله دليلًا دامغًا على صدق نبوته ورسالته ﷺ.
ومن حفظ الله سبحانه وتعالى وكلاءته وعنايته برسوله ﷺ أنه جل شأنه رباه، فأحسن تربيته وأدبه فأحسن تأديبه، فلقد نشأ رسول الله ﷺ يتيم الأب والأم ومع ذلك فلم ينشأ إلا والجميع يشيدون بحسن خلقه وطيب شمائله وكريم خصاله وصفاته وصدقه وأمانته وكمال تربيته وأدبه.
فمن الذي رباه هذه التربية العطرة؟ ومن الذي أدبه فأحسن تأديبه؟
ومن الذي خلقه بهذا الخلق الرفيع العظيم في ظل يتمه وفقدانه ﷺ لأبيه وأمه وجده؟ ولم؟
لا أحد إلا الله سبحانه وتعالى الخالق البارئ.
فهو جل شأنه الذي رباه وأدبه ومنحه هذه الأخلاق الرفيعة العظيمة والخصال السامية الحميدة وكل ذلك ليس إلا لأن محمد ﷺ هو رسول الله حقًا وصدقًا.
* * *
ومن دلائل نبوته ﷺ
سيرته ﷺ النبوية العطرة الطيبة الكاملة
لقد بعث الله عز وجل رسوله محمدًا ﷺ وأرسله في سن الأربعين وتوفاه وقد تم له ﷺ ثلاث وستون سنة، فكانت فترة رسالته ﷺ ثلاث وعشرين سنة وكان ﷺ ملقبًا من قبل بعثته بالصادق الأمين ويعلم الجميع زهده وورعه وتقواه وحسن صفاته ومكارم أخلاقه وطيب شمائله، فما بالنا بعد بعثته ورسالته ﷺ.
لقد كان رسول الله ﷺ بعد بعثته ورسالته قرآنًا يمشي على الأرض، فلم يعص رسول الله ﷺ ربه قط ولم يذنب ذنبًا قط طوال حياته وطوال فترة رسالته فلم يُعرف رسول الله ﷺ إلا بزهده وتقواه وورعه وحسن عبادته لربه سبحانه وتعالى فهو ﷺ المعصوم الذي عصمه وحفظه ربه تبارك وتعالى قدوة وأسوة للعالمين.
فمن منا يستطيع ألا يذنب ذنبًا قط طوال عام واحد فقط أو أقل من ذلك، فلا شك أن محمدًا ﷺ هو رسول الله حقًا وصدقًا.
وأيضًا لم تعرف سيرة كاملة بكل جوانبها لأي نبي أو رسول إلا خاتم المرسلين محمدًا ﷺ فلقد حفظ ربنا تبارك وتعالى سيرة رسولنا محمد ﷺ بحسنها وجمالها وطيبها كاملة شاهدة على نبوته ﷺ، فرسالته ﷺ هي الرسالة الخاتمة لكل الرسالات السابقة، ولقد حفظ ربنا تبارك وتعالى سنة رسوله ﷺ القولية والفعلية رغم أنف الكثير والكثير ممن حاول الكذب عليه ﷺ لإضاعة سنته.
فليس بعده ﷺ أي نبي أو رسول، وليس بعد نزول القرآن الكريم مهيمنًا على جميع الكتب السابقة أي كتاب سماوي آخر.
فكان رسول الله ﷺ هو النموذج العملي لكتاب الله العظيم- القرآن الكريم- الذي يُحتذى به إلى قيام الساعة فكان ﷺ كما وصفته السيدة عائشة خُلُقُه القرآن.
فرسول الله ﷺ لنا هو نعم الأسوة ونعم القدوة في كافة جوانب الحياة وفي كل شيء.
قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: ٢١].
فمحمد ﷺ هو خاتم الأنبياء والمرسلين حقًا وصدقًا الذي تشتاق إليه القلوب وتذرف من الشوق إلى رؤياه العيون:
كل القلوب إلى الحبيب تميل | ومعي بهذا شاهد ودليل | |
أما الدليل إذا ذكرت محمدًا | صارت دموع العارفين تسيل | |
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه | فطاب من طيبهن القاع والأكم | |
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه | فيه العفاف وفيه الطهر والكرم | |
أنت النبي الذي ترجى شفاعته | عند الصراط إذا ما زلت القدم |
* * *
ومن دلائل النبوة والرسالة
أخلاق النبي محمد ﷺ ([127])
لقد شهد الله سبحانه وتعالى لرسوله ﷺ من فوق سبع سماوات بحسن صفاته وعظيم أخلاقه ﷺ.
قال الله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: ٤].
1- قال عبد الرزاق: عن معمر عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام قال: سألت عائشة فقلت: أخبريني يا أم المؤمنين عن خلق رسول الله ﷺ. فقالت: أتقرأ القرآن؟ فقلت: نعم. فقالت: كان خلقه القرآن.
هذا مختصر من حديث طويل، وقد رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث قتادة بطوله.
2- وروى ابن أبي شيبة وغيره أن عائشة رضي الله عنها سئلت عن خلقه ﷺ فقالت: كان أحسن الناس خلقًا، كان خلقه القرآن، يرضى لرضاه، ويغضب لغضبه، ولم يكن فاحشًا ولا متفحشًا، ولا صخابًا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح ثم قالت: اقرأ (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [المؤمنون: ١ إلى العشر] فقرأ السائل فقالت: هكذا كان خلقه.
قال الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ* أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون: ١ – ١١].
لقد شهد الله سبحانه وتعالى لرسوله ﷺ بعظمة خلقه وهذه الشهادة تغنيه ﷺ عن كل شهادة، فهي شهادة من الخالق الذي أبدع خلقه واصطفاه من أطهر المعادن وأعرق الأصول وأنبته نباتًا حسنًا وأنشأه نشأة طيبة وأدبه فأحسن تأديبه ورباه على أنبل الصفات وأكرم الشمائل حتى صار أعلى مثل وأسمى طراز وأرفع نموذج وحتى أصبح ﷺ عنوانًا عن الإنسانية يشرفها ويرفع قدرها ويقوي الثقة فيها ويعرف الناس بها.
وإليك موجز سريع لبعض من صفاته ومكارم أخلاقه الطاهرة ﷺ:
1- الصدق.
2- الأمانة: وهاتان الصفتان- الصدق والأمانة- لقب بهما رسول الله ﷺ من قبل بعثته فكان يلقب ﷺ بالصادق الأمين.
3- الحياء: كان ﷺ أشد حياءً من العذراء في خِدرها، فكان ﷺ خافض الطرف لا يثبت نظره في وجه أحد.
4- الجود والكرم: كان ﷺ أجود الناس وأكرمهم على الإطلاق فكان ﷺ يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة.
5- العفو: كان ﷺ يعفو عمن أساء إليه ويصفح مع مقدرته ﷺ.
6- الرحمة: كان ﷺ رحيمًا بالمؤمنين وبأعدائه وبالناس أجمعين، فلقد زكاه الله سبحانه وتعالى فقال جل شأنه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).
7- صلة الرحم: فكان ﷺ أوصل الناس للرحم وأعظمهم شفقة ورأفة.
8- الوفاء: كان ﷺ يفي بعهده في السلم والحرب لا ينقضه ولا يغدر ويحفظ لغيره جميل صنعه.
9- الإيثار: كان ﷺ يؤثر ويفضل غيره على نفسه، فكان ﷺ يؤثر ويفضل ما عند الله عز وجل الباقي على متاع الدنيا الفاني الزائل.
10- العدل: كان ﷺ يطبق العدل على نفسه وبين أهله ويحرص على ذلك كل الحرص.
11- رجاحة العقل: كان ﷺ حصيف العقل، واسع الفكر، بعيد النظر، زكي الفؤاد، سريع البديهة يعالج ما يعترضه من مشكلات علاجًا يوحي بحكمته الباهرة ودقته الماهرة وفطنته التي لا حد لها.
12- الشجاعة: فدعوته وغزواته ﷺ برهان لشجاعته ﷺ.
13- الحلم: كان ﷺ حليمًا أبلغ ما يكون الحلم، واسع الصدر لا يغضب إلا أن تنتهك حرمة الله عز وجل.
14- التواضع: كان ﷺ أبعد الناس عن الكبر فكان ﷺ يمنع القيام له كما يقام للملوك، يعود المساكين، ويجالس الفقراء، ويقبل دعوة العبد.
15- الصبر: كان ﷺ صابرًا أجمل ما يكون الصبر، فلقد صبر واصطبر إلى أن انتشرت دعوته، وإلى أن نصره الله سبحانه وتعالى.
16- التشاور: كان ﷺ يشاور أصحابه ويشركهم معه، فلا يتجاهلهم، ويأخذ برأي أصوبهم.
17- الزهد: كان ﷺ زاهدًا قانعًا، أغناه الله سبحانه وتعالى ولكنه ﷺ آثر أن يكون زاهدًا قانعًا.
18- التقوى: كان ﷺ أخشى الناس لله عز وجل، يأتمر بأوامره سبحانه وتعالى ولا يتعدى حدوده سبحانه وتعالى.
19- حسن المعاشرة: كان ﷺ حسن العشرة يؤنس من يعاشره ويتألف قلبه ويتودد إليه ويلاطفه.
20- جميل الصحبة: كان ﷺ يسأل عن أصحابه إذا غابوا، ويعودهم إذا مرضوا، ويعينهم إذا احتاجوا.
21- كريم النفس: كان ﷺ طيب النفس ليس بالحقير ولا بالخبيث.
وهذا قليل من كثير في أخلاق رسول الله ﷺ والمواقف التي تشهد بكل ما ذكرناه عديدة وكثيرة ولكن سنكتفي بما أوجزناه سريعًا.
لقد أعدت العناية الإلهية جسمًا وعقلًا وروحًا وخلقًا، وأمدته بما يعينه على حمل رسالة الخير والنور والهدى والحق والفضيلة إلى العالم في عصره وإلى ما شاء الله.
فمحمدٌ ﷺ هو رسول الله حقًا وصدقًا.
* * *
ومن دلائل نبوته ﷺ
حاله ومنطقه ﷺ
وإليك موجز سريع لبعض من صفات حاله ومنطقه ﷺ:
1- كان ﷺ دائم الفكر.
2- كان ﷺ طويل السكوت لا يتكلم في غير حاجة.
3- يفتتح الكلام ويختتمه باسم الله تعالى ولا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر الله عز وجل.
4- يتكلم بجوامع الكلم- كلام قليل يفهم ويستنبط منه الكثير-.
5- كلامه ﷺ فصل بين الحق والباطل، لا فضول ولا تقصير.
6- نظره ﷺ إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء.
7- ليس بالجافي- أي: ليس بغليظ الطبع-.
8- ليس بالمهين- أي ليس بالحقير-.
9- لا يغضب لنفسه وإنما كان غضبه لله سبحانه وتعالى.
10- كان ﷺ ضحكه التبسم.
11- كان ﷺ يداعب أصحابه ويمازحهم ولا يقول إلا الحق.
وهذا قليل من كثير في حسن صفاته وحلاوة منطقة ﷺ.
فمحمد ﷺ هو رسول الله حقًا وصدقًا.
ومن دلائل نبوته ﷺ
كمال خلقته ﷺ
تكمل شخصية المرء بكمال خلقته وجسمه وخلقه، وقد بلغ رسول الله ﷺ كل هذا، فهو ﷺ صفوة بني آدم، اصطفاه ربنا تبارك وتعالى واختاره لهذه الرسالة السماوية العظيمة التي بعثه بها، وإليك موجز سريع لبعض الصفات الخلقية لرسول الله ﷺ:
1- كان ﷺ ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه يتلألأ وجهه ﷺ تلألؤ القمر ليلة البدر.
2- وسيم قسيم- أي حسن جميل-.
3- أزهر اللون- أبيض مشرب بحمرة- أبيض الوجه، مليح الوجه.
4- كان في الوجه تدوير كالقمر ليلة البدر.
5- لم يكن بالمطهم- أي لم يكن منتفخ الوجه.
6- سهل الخدين.
7- أكحل العينين وليس بأكحل- أي: إذا رأيته ونظرت إليه قلت أنه أكحل العينين من جمالهما الطبيعي وليس هذا بسبب إضافة الكحل-.
8- أشكل العين- أي: طويل شق العين، في عينيه دعج- الدعج هو شدة سواد العين وبياض البياض-.
9- في أشفاره وطف- أي في شعر أجفانه طول يزيد عينيه ﷺ حلاوة وجمالًا.
10- أزج الحواجب- أي: أن الحاجبان رقيقان في الطول-من من غير اتصال بينهما.
11- أنجل- واسع العينين مع حسنهما-.
12- واسع الجبين:- أي الجهة-.
13- أقنى الأنف، رفيعه- أقنى الأنف: مرتفع قصبة الأنف مع احديداب يسير فيها-، غير قصيرة، دقيقة الأرنبة.
14- أجمل الناس شفاه، عظيم الفم.
15- أفلج الثنايا- أي التباعد بين أسنان المقدمة- ، إذا تكلم ﷺ رُئي كالنور يخرج من بين ثناياه.
16- رجل الشعر- أي وسط بين التجعد والسبوطة-، شديد سواد الشعر.
17- لم تزر به صعلة- أي: لم يكن ﷺ صغير الرأس-.
18- كث اللحية- غزير شعرها-.
19- عنقه ﷺ كأنها جيد دمية في صفاء الفضة.
20- مقصدًا- ليس بجسيم ولا نحيف ولا طويل ولا قصير- ومع ذلك فلم يكن يماشيه أحد ينسب إلى الطول إلا طاله.
21- سواء الصدر والبطن- أي: بطنه كصدره في الارتفاع-.
22- متماسك البدن، ضرب اللحم- أي ليس في اللحم استرخاء-، منهوس العقب- قليل اللحم-.
23- عظيم المنكبين- الكتفين-.
24- واسع الصدر، فلا يغضب لنفسه قط، بل كان ﷺ غضبه لله سبحانه وتعالى.
25- كان ﷺ في ساقيه حموشة أي: لطافة تتناسب مع سائر أعضاء جسمه ﷺ.
26- لم تعبه ثجلة- أي: لا تعبه صخامة بدن-.
27- عرقه ﷺ كأنه اللؤلؤ، وقالت أم سليم هو من أطيب الطيب.
28- في صوته صحل: البحة والرخاوة التي تزيد الصوت جمالًا وإجلالًا، حسن الصوت، إذا صمت ﷺ علاه الوقار وإذا تكلم ﷺ علاه البهاء.
29- إذا غضب ﷺ احمر وجهه كأنما فقيء وجنتيه حب الرمان.
30- كان ضحكه ﷺ تبسمًا، ليس عابسًا.
31- أطيب الناس ريحًا.
32- بين كتفيه ﷺ خاتم النبوة مثل بيضة الحمامة يشبه جسده ﷺ.
23- أجمل الناس وأبهاهم من بعيد وأحسنهم وأحلاهم من قريب، غصن بين غصنين، فهو ﷺ أنضر الثلاثة منظرًا وأحسنهم قدرًا، له رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا أمره.
34- ويقول علي بن أبي طالب بعدما نعت رسول الله ﷺ: لم أر قبله ولا بعده مثله ﷺ. [جامع الترمذي مع شرحه، تحفة الأحوذي، وابن هشام].
35- قال البراء في وصفه لرسول الله ﷺ: كان أحسن الناس وجهًا وأحسنهم خلقًا.
وسئل: أكان وجه النبي ﷺ كالسيف، قال: لا، بل مثل القمر. [صحيح مسلم].
36- وقال جابر بن سمرة: رأيته في ليلة أضحيان، فجعلت أنظر إلى رسول الله ﷺ وإلى القمر وعليه حلة حمراء، فإذا هو أحسن عندي من القمر. [رواه الترمذي في الشمائل].
37- وقال كعب بن مالك: كان إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر. [صحيح البخاري].
38- قالت الربيع بنت معوذ: لو رأيته قلت الشمس طالعة. [رواه الدارمي، مشكاة المصابيح].
39- ومن قول أبي هريرة في وصف رسول الله ﷺ: ما رأيت شيئًا أحسن من رسول اللهr كأن الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحدًا أسرع في مشيه من رسول الله ﷺ كأنما الأرض تطوى له، وإنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث. [جامع الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي].
40- قال أنس: ما مسست حريرًا ولا ديباجًا ألين من كف رسول الله ﷺ وما شممت ريحًا قط أو عرفًا قط أطيب من ريح أو عرف رسول الله ﷺ. [صحيح البخاري ومسلم].
وفي رواية: ما شممت عنبرًا قط ولا مسكًا ولا شيئًا أطيب من ريح أو عرق رسول الله ﷺ.
لقد سافر الدكتور/ زغلول النجار في عام 1977م إلى أمريكا، وكان عنده تفرغ علمي عنده، فقام بالسفر إلى جامعة لوس أنجلوس في غرب الولايات المتحدة أستاذًا زائرًا.
وعندما وصل –كان ذلك في رمضان- اتصل به أحد المسلمين في لوس أنجلوس، وقال له: إن هناك حوارًا مُعَدًّا له منذ 3 سنوات بين الإسلام والنصرانية واليهودية، والشخص الذي كان من المفترض أن يتحدث عن الإسلام قد غاب، فنرجو أن تحضر لتتحدث عن الإسلام.
في أول الأمر كان الدكتور/ زغلول النجار معترضًا لأن من المفترض أن يكون هناك ترتيب قد أُعدَّ بدقة أكثر من ذلك، وقال: إنه لن يحضر. ثم بعد نصف ساعة اتصل به أستاذ الديانات المقارنة –على حد زعمهم، فلا يوجد ما يُسمى بالديانات المقارنة، فالدين عند الإسلام- فقال هذا الأستاذ للدكتور زغلول: إنه بلغه أنه موجود –يقصد الدكتور زغلول- وأنه يستطيع أن يتحدث عن الإسلام، وغياب الصوت الإسلامي في هذا المؤتمر سيكون له انعكاس سيئ على المؤتمر، فلتحضر حتى ولو تجيب على أسئلة السائلين، فليس بالضرورة أن تكون عندك كلمة مطبوعة.
فوافق الدكتور على أن يحضر ويتحدث عن الإسلام في هذا المؤتمر، وذهب الدكتور إلى المؤتمر –بالجامعة- فوجد حشدًا من الناس غريب؛ ضخم جدًّا، حيث وجد 4 آلاف أو خمسة آلاف كنيسة مُمَثَّلة، وكل كنيسة على الأقل ممثلة بـ 10 : 15 فرد، وهناك 200 معبد من معابد اليهود، فكان هناك عدد ضخم لم يكن للدكتور أن يتخيله، وكان على باب الجامعة شخص يوزع كلمة اليهود، وآخر يوزع كلمة النصارى، والمسلمين ليس لهم كلمة مطبوعة.
وقابله رجل مشهور في العمل الصليبي في أمريكا، وعرفه بنفسه، وقال للدكتور:
ما هي رتبتك في الإسلام؟ (سؤال عجيب!) فقال له الدكتور: إن إسلامه إسلام رجل جيولوجي -أي أننا في الإسلام ليس عندنا مثل تلك الرتب التي يدَّعونها-.
فقال له الرجل –الذي يعمل في العمل الصليبي-: كيف؟!
أما أنا ... وسمى رتبته، وهذا حاخام –ممن يتكلمون عن اليهود- وسمى رتبته... ثم بعد ذلك، قال القِسُّ للدكتور: إننا سنتكلم في المؤتمر تبعًا للتسلسل التاريخي، بمعنى أن اليهودي سيتكلم أولا، وهو أستاذ في الديانات المقارنة –على حد زعمهم- ثم هو –أي القس- عن النصرانية، ثم الدكتور عن الإسلام.
فحمد الدكتور الله عز وجل على هذا الترتيب، وقال لنفسه: على الأقل تكون أمامه فرصة؛ يستمع لما يقولونه؛ حتى يرد عليهم.
وعند صعوده شاء الله عز وجل أن اليهودي يتحرك ويجلس في الجانب الأيسر، فنظر القس -...كروس- للدكتور، وقال: نحن الآن أمام شاشات التلفاز، ولن أستطيع أن أغير الترتيب، وستتكلم أنت أولا، فقد انقلب الترتيب بغير إرادتي، وقال: كل واحد سوف يتكلم ثلث ساعة، فاستعان الدكتور بالله عز وجل، وتحدث لمدة ثلث ساعة كاملة، وكان يدور حديثه حول هذا المعنى: إن الإسلام ليس محدودًا في رسالة محمد ﷺ وحدها، وإن كان قد تكامل فيها، فالإسلام هو رسالة السماء منذ آدم عليه السلام إلى محمد ﷺ إلى قيام الساعة.
وأن جميع الرسالات السابقة مع إيماننا بها وإيماننا بأنبيائها، إلا أن الأصول منها قد ضُيِّعَتْ -الرسالات السابقة- وأن العقيدة لا يمكن أن تُبنى على خيال بشري مبني على أفكار متوارثة شفاهًا جيل بعد جيل، لا بد من تسجيل رباني صحيح خالص من العمل البشري.
وإذا نظرنا في الكتب السماوية وجدنا أن الكتاب السماوي الوحيد الموجود بين أيدينا –القرآن الكريم- بنفس اللغة التي نزل بها كلمة كلمة وحرفًا حرفا، وإشارة إشارة، لأنه حفظ من قِبل الله عز وجل.
بينما ننظر إلى الإنجيل، فأقدم إنجيل مكتوب بين أيدي الناس مكتوب باللغة اليونانية القديمة، وهي لغة لم يتحدثها المسيح عليه السلام، ولم يتحدثها أحد من أتباعه، فكيف يمكن أن نعلم أن هذا الكلام هو كلام المسيح عليه السلام؟!
لقد سجل علماء الإنجيل أنه في قرية في جنوب تركيا عُقد مؤتمر للنصارى في عهد الإمبراطورية الرومانية، اجتمع للمجتمعين في هذا المكان أكثر من 3000 آلاف إنجيل، اختاروا منها ثلاثة أو أربعة جعلوها الكتب المقدسة، وألغوا الباقي، وهذه الكتب التي اختيرت على أساس الحضارة الإغريقية قامت على الشرك، على تعدد آلهة.
هذا الاختلاط جعل الأناجيل فيها شرك وفيها تعدد آلهة، وفيها تثليث، وفيها ألوهية للمسيح عليه السلام، وألوهية لأمه، وتعدد آلهة، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
لا يمكن لإله أن يتعدد، ولا يمكن لإله أن يأكل ويشرب وينام، ويفعل ما يفعله البشر المخلوقون.
مع احترامنا وتقديرنا وإيماننا بالمسيح عليه السلام، وبمعجزة ميلاده، وبمعجزاته في مهده، وبمعجزاته في حياته، وبصدق رسالته، إلا أننا ننفي عن المسيح عليه السلام الألوهية تمامًا.
وبالمثل أين اليهودية أين من سيدنا موسى عليه السلام؟!
سيدنا موسى بريء منهم، الناس الذين يظنون أنهم أبناء الله وأحباؤه، وغيرهم من البشر حيوانات خُلقت على هيئة البشر لتقوم على خدمتهم، هل هذا دين؟!
هل الدين الذي يُغلق على طائفة من البشر يكون هذا دين؟ وتكون هذه رسالة من السماء؟!
الرسالة لا بد أن تكون للبشر كافة.
اليهود ليسوا أصحاب دين، بل هو تكتل بشري عنصري ضيق، لا يقبل غيره من البشر.
وحين أتم الدكتور حديثه انتقل الحديث إلى القس -كروس- الذي سوف يتحدث عن النصرانية.
وشاء السميع العليم أن القضايا التي تكلم فيها الدكتور لم تكن مكتوبة في مطبوعاته –بخصوص الكلمة التي سوف يلقونها في المؤتمر- فاضطروا أن يخرجوا عن النصوص المكتوبة، وعندما خرجوا عن النصوص المكتوبة، يقول الدكتور:
والله الذي لا إله إلا هو، هؤلاء الاثنين –القس واليهودي- وهما أستاذان في الديانات المقارنة –على حد زعمهم- وكل واحد منهما يحمل الدكتوراه، وكل واحد منهما قس أو حاخام مُرسَّخ في كنيسته ومعبده وصاحب مكان طويل في معتقداته.
لم يستطع –كروس- المتحدث عن النصرانية أن يتحدث أكثر من 8 دقائق، ولم يرد عن شيء مما قلت.
وانتقل الحديث إلى اليهودي –المتحدث عن اليهودية- وهو يهودي عريق، ومن الذين لعبوا دورًا في الصلح بين مصر وإسرائيل، وهو داهية من دواهي اليهود، وقد تحدث لمدة 12 دقيقة فقط، وقال: صحيح أن الكلام الذي قاله صديقي المسلم أننا أناس نؤمن بأن الله رب إسرائيل فقط، فأخذ الناس في القيام؛ لأن أغلبيتهم كان من النصارى، وأخذوا يدبون بأرجلهم على الأرض.
فأدرك اليهودي أنه أخطأ خطأ شديدًا، فأراد أن يصلح الخطأ، فشاء الله أن يصلحه بخطأ أبشع، وبعد أن انتهى الوقت... وقاموا إلى تناول الشاي، يقسم الدكتور ويقول:
والله، لم يمكنوني أن أصل إلى المكان الذي أشرب فيه الشاي، فالتف حوله الناس يسألونه عن الإسلام، وقال:
لو كان معه في هذه الليلة عشرة آلاف نسخة مترجمة لمعاني القرآن الكريم، لفتح الله بها فتحًا كبيرًا.
ثم عادوا إلى المنصة للأسئلة، واستمر اللقاء إلى منتصف الليل، وكان من المقرر أن ينتهي في العاشرة، ويقول الدكتور: والله الذي لا إله غيره، لم يوجه إلى غيري سؤال واحد منا نحن الثلاثة، يسألونه عن الإسلام، كيف يتحدث القرآن الكريم عن المسيح عليه السلام؟
ثم بعد انتهاء المؤتمر أتوا ليسلموا عليه وأخذوا يقولون:
ما كنا نعلم أن القرآن يتحدث عن المسيح، ما كنا نعلم أن القرآن يحترم المسيح ويؤمن بمعجزاته.
ثم طُلب أن يتحدثوا هذا الحديث على التلفاز ليذاع، وتم ذلك، وكانت محصلة الأسئلة عزًّا للإسلام، وبعد أن أذيع البرنامج بقي الدكتور سنة في أمريكا، لا يكاد الاتصال ينقطع به يومًا، يسألونه عن الإسلام.
فقد حضرت إليه امرأة أمريكية أسلمت، وهي تعمل في البينتاجون الأمريكي، وقالت له: أنا أفكر في أن أستقيل. فقال الدكتور: لماذا؟
فقالت: أنا أدركت أن هناك حربًا ستكون بين العرب وإسرائيل وبحكم أني أعمل في هذا الجيش الأمريكي، سأضطر أن أساعد في هذه الحرب؛ بإرسال سلاح أو إرسال معلومات، فأنا لا أقبل أن أحارب قومي، المسلمون أهلي كيف يمكن أن أحارب أهلي؟!
وهذه شهادة من العقلاء في العالم الغربي، يقولون:
إنه على الرغم من التقدم العلمي والتقني المذهل الذي حققناه والرواج الاقتصادي الهائل والهيمنة الاقتصادية والهيمنة الإعلامية في العالم الغربي، بالرغم من ذلك فإن حضارتنا حضارة تتآكل من داخلها، ويقولون: نحن نعاني من الخواء الروحي، ويقولون في المقابل:
نجد حضارة معاصرة انحصرت علميًّا وتقنيًّا، وانحصرت اقتصاديًّا، وانحصرت إعلاميًّا وعسكريًّا، وسياسيًّا، ولكنها لا تزال تحتفظ بقيم روحية عُليا، وضوابط أخلاقية وسلوكية صحيحة.
فعلينا أن ندرك قيمة هذا الدين العظيم، الذي لا فلاح ولا نجاح بدون في الدنيا والآخرة.
من الشواهد المرئية التي تشهد بصدق هذا الدين العظيم
الذي جاء به خاتم المرسلين محمد ﷺ الصادق الأمين
وأن الإسلام هو الدين الحق
الذي ارتضاه ربنا تبارك وتعالى
ليكون هو سبيل النجاة الوحيد في الدنيا والآخرة
إننا نشاهد دائمًا ونرى بأعيننا تجمع الكفر مع بعضه البعض وتحزبه وتكتله حزبًا وتكتلًا واحدًا رغم اختلاف معتقداتهم وتكفيرهم لبعضهم البعض، متناسين كل ما بينهم من اختلافات كلية في المعتقدات والمصالح، ومتهادنين في حروبهم مع بعضهم البعض إن كان بينهم حروب، وغير ذلك من صور التكتل والتحزب لتكوين قوة واحدة وذلك إذا ما شعروا بظهور الإسلام وقدومه تجاههم، ولا عجب في ذلك؛ لأن الباطل صوره كثيرة وتشعباته أكثر، ولا يجتمع إلا مع نظيره من باطل، فالباطل كله ظلمات.
أما الحق فهو واحد فقط لا يجتمع ولا يأتلف مع غيره من باطل وصوره، فالحق هو النور الذي هو من عند الله عز وجل، ويدلل على ذلك قول الله تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) [ البقرة: ٢٥٧].
فالنور واحد فقط وهو من عند الله عز وجل، أما الباطل فهو كما دلت الآية الكريمة وأشارت إلى أنه ظلمات- جمع ظلمة- لتعدد صوره وكثرتها وتشعبها.
ونحن نعلم منذ زمن رسول الله ﷺ وبعثته بالحق وإعلانه الإسلام دينًا أنه قد تجمع وتحزب ضده اليهود وهم أهل كتاب ولكنهم حرفوا كتبهم وكذبوا أنبياءهم ولوثوا سيرتهم وقتلوهم مع كفار قريش وغيرها، وهم عباد للأوثان والأصنام، ولا يؤمنون بتوحيد ألوهية الله عز وجل مع المنافقين وهم الذين أعلنوا الإيمان وأبطنوا الكفر، وغير ذلك من ائتلاف وتحزب النصارى وهم عباد البشر، فلقد عبدوا المسيح عيسى ابن مريم ونسبوا إليه الألوهية، مع عباد الحجر وهم عباد الأصنام والأوثان وكل ذلك، رغم أن كلًا منهم يُكَفِّرُ الآخر ويبغضه، ولو لم يكن ظهور الإسلام لما انتهت حروبهم ومنازعاتهم مع بعضهم البعض، ولا نعجب من ذلك، فتلك الأحزاب والتكتلات كلها من الباطل وصوره ولا تتآلف ولا تجتمع إلا مع نظيرها من باطل.
أما الإسلام وهو الحق الوحيد الذي هو نور من عند الله عز وجل فلا نجده أبدًا في تحالف أو ائتلاف أو تحزب أو تكتل مع أي صور الشرك والكفر والإلحاد، وإن تحزب ضده الباطل بشتى صوره، ودائمًا يكون النصر للإسلام إن تمسك أهل الإسلام بدينهم وشرع ربهم وهدي نبيهم ﷺ، وانتصار رسول الله ﷺ ودعوته وصحابته الكرام من بعده وانتشار الإسلام في شتى بقاع الأرض خلال المائة عام الأولى من بعثة النبيr دليل ذلك.
ونحن في زماننا المعاصر نرى ونشاهد بأعيننا دأب الكفر وتجمعه وتحزبه مع بعضه البعض وتكتله ضد الإسلام رغم اختلافاتهم الكلية في معتقداتهم وباطلهم المنغمسين فيه، وتكفيره لبعضهم البعض، ومهادناتهم في حروبهم ومنازعاتهم، ولكنهم متفقون على شيء واحد وهو إزالة ومحو الحق من طريقهم والتصدي للإسلام.
ودليل ذلك أننا نرى اليهود وتحزبهم وتكتلهم مع عباد البقر لإبادة المسلمين في فلسطين وكشمير وتحزبهم مع الشيوعيين والملحدين وهم من أنكروا وجود الله عز وجل لإبادة المسلمين في الشيشان وتحزبهم مع عباد الأوثان وعباد البشر وهم من اتخذ المسيح عيسى والصليب إلهًا يعبد من دون الله عز وجل لإبادة المسلمين في أفغانستان وفي شتى بقاع الأرض والتضييق عليهم في معيشتهم.
وفي نفس الوقت رغم تكتل كل ذلك الباطل بشتى صوره نجد الحق وهو الإسلام يأبى إلا أن يقف وحده في مواجهة كل ذلك الباطل، يأبى أن يأتلف ويتحزب مع أي من صوره، فالنور لا يختلط بالظلمات.
ومثال ذلك: أننا لا نتعجب إذا ما رأينا السارق والزاني وشارب الخمر والقاتل والمرابي والخائن تجمعهم مصلحة واحدة، فكل ذلك إنما هو باطل، ولكن صوره متعددة، فلا نندهش إذا ما رأيناهم في تآلف وتحزب مع بعضهم البعض رغم اختلافهم في باطلهم المنغمسين فيه، وفي النهاية تجمعهم أيضًا غرفة عقاب واحدة- السجن- ولكننا نكون في قمة التعجب إذا ما رأينا إنسانًا عابدًا لربه حافظًا لكتابه وسنة نبيه في تآلف وتجمع مع أي من ذلك الباطل بصوره، عياذًا بالله أن نجد ذلك.
وذلك لأن الحق ونوره لا يختلط بالباطل وظلماته
فالإسلام الآن يواجه الكفر بشتى صوره- فالكفر إنما هو ملة واحدة- وسينصره الله عز وجل كما نصر رسوله ﷺ وصحابته الكرام رضوان الله عليهم من قبل، ولكن إذا ما عاد أهل الإسلام إلى التمسك بكتاب ربهم والتحاكم إليه وإلى التمسك بهدي نبيهم والشرع الذي جاء به من ربه تبارك وتعالى.
مما سبق يتحقق لنا أن محمدًا ﷺ هو رسول الله حقًا وصدقًا وأن هذا الكتاب الذي أنزل عليه- القرآن الكريم- هو كتاب الله الخالق، فبلاغته وروعة معانيه ودقة ائتلاف ألفاظه ومبانيه وسمو أهدافه ومراميه والحقائق العلمية الغيبية التي أخبرنا بها منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام في شتى المجالات العلمية شواهد على أنه- القرآن الكريم- هو كلام رب العرش الكريم، الله رب العالمين.
فلقد تضافرت الشواهد والدلائل على صدق رسول الله ﷺ.
ولقد أعدت العناية الإلهية جسمًا وعقلًا وروحًا وخلقًا وأمدته بما يعينه على حمل هذه الرسالة العظيمة، رسالة الخير والفضيلة رسالة الهدى والنور رسالة الحق إلى العالم كله في عصره ﷺ وإلى ما شاء الله، إلى قيام الساعة.
قال الله تعالى: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) [الأنعام: ١٩].
رسالة
علينا أن نعلم أنه:
بعدما تحقق لنا بالأدلة القاطعة والبراهين الدامغة والآيات والمعجزات والشواهد أن محمدًا ﷺ هو رسول الله وبعدما تحقق لدينا صدق حديثه ودعوته- فهذا هو الأصل الذي لا يصح سواه-:
يستلزم علينا التسليم بأن كل ما جاء به الرسول ﷺ من أحكام وتشريعات إنما هو من عند الله سبحانه وتعالى.
وأن كل قول وفعل للرسول ﷺ له حِكَم جليلة وفوائد عظيمة يعلمها الله سبحانه وتعالى وإن خفيت على البعض.
قال الله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [الأنبياء: ٧].
قال الله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى* عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) [النجم: ٣ – ٥].
ويستلزم علينا أيضًا التسليم بأن كل قول وفعل للرسول ﷺ هو في إطار ما أحله الله عز وجل له وهو في إطار رضا ربه سبحانه وتعالى.
فأعداء الإسلام يحاولون ويسعون جاهدين أن ينالوا من رسول الله ﷺ ليل نهار وبشتى الصور لما يجدونه في أنفسهم من حقد وغل وحسد للإسلام وأهله، فاجتمعوا جميعًا وتكاتفوا للنيل من الإسلام ومن رسوله متناسين ما بينهم من عداءات وخلافات واختلافات في المعتقدات- الظلمات- ولا عجب!
فالباطل لا يجتمع ولا يتآلف إلا مع مثله من باطل، ومع ذلك فإن الله عز وجل يخزيهم ويجعل ما يكيدون به وبالًا عليهم وحسرة وندامة إلى يوم القيامة.
قال الله تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [الصف: ٨].
فالإسلام يحمل في طيه انتشارًا واسعًا، وهذا مما يزيد أعداء الإسلام حقدًا وغلًا وحسدًا، فهم يعلمون ما يحمله الإسلام من سرعة انتشاره في الآفاق وجذبه للعقول وامتلاكه للقلوب وليس في وسعهم أدنى ما يقاومون به انتشاره، فيزدادون تخبطًا مع تخبطهم، فلا يجدون سوى ألسنتهم عاجزة عن التصدي والمقاومة لانتشار هذا الدين العظيم، فلا يسعهم إلا أن يطلقوا لها العنان بالسب والقذف وإلقاء الشبهات في محاولة خبيثة ضعيفة ميتة لاسترداد بعض ما فقدوا من ماء الوجه.
في محاولة لصد الناس عن اطلاعهم ومعرفتهم بالإسلام وبرسول الإسلام، فلا يرون إلا الدخول في هذا الدين أفواجًا والإيمان برسوله يقينًا وتسليمًا، ولا يحصدون إلا الخيبة والفشل والخزي مصداقًا لقول الله تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ* هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)) [الصف: ٨ ، ٩].
فعلينا ألا نلقي بأسماعنا لأعداء الإسلام وما يلقونه من شبهات وافتراءات وتُرهات، فالإسلام هو الدين الحق لأنه لو لم يكن كذلك لكانت نهايته مع بدايته لكثرة من يعمل ضده، فهو كالنور الذي يطرد الظلام؛ لأن كل ما فيه حق وصدق، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟!
ومحمد ﷺ هو رسول الله ﷺ حقًا وصدقًا كما تحقق لنا من براهين وآيات ومعجزات وشواهد.
وليس يعصيه، فلا يقول ولا يفعل إلا ما يرتضيه منه ربه تبارك وتعالى، والله عز وجل ناصره سواء كان ذلك في حياته كما علمنا، أو بعد مماته ﷺ، فالإسلام يحمل في طيه انتشارًا ويلقى قبولًا واسعًا قديمًا وحديثًا، شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا، وما تدونه الإحصاءات دليل ذلك، فالإسلام هو الدين الحق ورسوله رسول صدق.
وعلينا أن نشكر الله عز وجل على النعمة التي امتن الله سبحانه وتعالى علينا بها، ألا وهي نعمة الإسلام والإيمان والتصديق برسوله محمد ﷺ.
فهو ﷺ الرحمة المهداة والنعمة المسداة رافع لواء الحق، صاحب الشفاعة، فكان أبو بكر إذا رأى رسول الله ﷺ يقول:
أمين مصطفى بالخير يدعو | كضوء البدر زايله الظلام |
وكان عمر ينشد قول زهير:
لو كنت من شيء سوى البشر | كنت المضيء ليلة البدر |
وحتى نؤدي شكر الله عز وجل على هذه النعمة العظيمة علينا بالآتي:
1- أن نستمسك بهذا الكتاب العظيم- القرآن الكريم- الذي أنزل على رسول رب العالمين هداية للناس أجمعين، وأن نتعلم قراءته تجويدًا كما أنزل على المصطفى ﷺ، وأن نعلمه لغيرنا، وأن نسعى في حفظه كاملًا في صدورنا.
وأن ندرسه لتعلم معاني كلماته وبلاغتها وفهمه فهمًا صحيحًا، كما فهمه صحابة رسول الله ﷺ ولكي نعرف أوامر الله عز وجل لنا ونواهيه.
وأن نطبقه تطبيقًا عمليًا في حياتنا كلها؛ في العبادات والمعاملات، وأن نحكمه في كل صغيرة وكبيرة، وأن نتخلق به، فلقد كان خلق رسول الله ﷺ القرآن الكريم، فالقرآن الكريم هو حبل الله المتين الذي تكفل ربنا تبارك وتعالى بحفظه هداية لخلقه أجمعين.
2- علينا أن نتبع هذا الرسول الأمين في أقواله وأفعاله وسكناته وحركاته، فهو الذي اصطفاه الله عز وجل فأنزل عليه القرآن الكريم مهيمنًا على جميع الكتب السابقة.
فعلينا أن ننتهج نهجه وأن نقتفي أثره وأن نستن بسنته وأن نتمسك بها وأن نسير في طرقه وعلى دربه ﷺ فهو الطريق الموصل إلى الله سبحانه وتعالى وإلى رضاه جل في علاه.
3- علينا أن ندافع عن هذا الدين العظيم وخاتم الأنبياء والمرسلين والوقوف لأعداء الإسلام موحدين على الكلمة التي طالما جاهد رسول الله ﷺ لإعلائها وجمع الناس عليها ألا وهي: لا إله إلا الله.
فبهذه الكلمة تفتح لنا الدنيا بأسرها، ونسعد بها في أخرانا التي أعدها الله تبارك وتعالى لنا.
4- علينا أن نسعى جاهدين لنشر هذا الدين العظيم داعين إليه وإلى تعاليمه السامية وشرعه القويم شرقًا وغربًا.
5- علينا أن نعرف الناس كافة والبشرية قاطبة بسيرة هذا النبي الخاتم العطرة وصفاته الحسنة وشمائله الطيبة التي لم تعرف مثله ﷺ نموذجًا عمليًا اجتمعت فيه كل الصفات السامية والأخلاق الرفيعة.
6- علينا أن نعرف الناس أجمعين بسيرة صحابة رسول الله ﷺ الطيبة العطرة ابتداءً بأبي بكر الصديق والفاروق عمر بن الخطاب وذي النورين عثمان بن عفان وفتى الفتيان ورب السيف والبيان علي بن أبي طالب إلى آخر صحابة رسول الله ﷺ الكرام، فهم الذين رباهم النبي ﷺ خير التربية وهم الذين نشروا هذا الدين العظيم في شتى بقاع الأرض من بعد رسول الله ﷺ، فلم تعرف البشرية قاطبة أصحابًا كأصحاب رسول الله ﷺ في حبهم وتضحيتهم وافتدائهم له ﷺ وفي حسن اتباعهم له وتبليغهم عنه ﷺ.
فلقد اختار الله عز وجل محمدًا ﷺ ليكون خاتم النبيين والمرسلين فكان من مقتضى حكمته سبحانه وتعالى أن يختار ويصطفي له أصحابه فهو جل شأنه أعلم بقلوب عباده وهو أعلم بمن هو أهل لهذه الصحبة ومن هو أهل لنشر هذا الدين العظيم.
فاختار ربنا تبارك وتعالى أصحاب الرسول ﷺ الذين آمنوا به وصدقوه وناصروه إلى أن تمكن من نشر دعوته وتبليغ رسالته ﷺ ومن بعده ﷺ جاهدوا بأموالهم وأنفسهم إلى أن انتشر هذا الدين العظيم في شتى بقاع الأرض.
وعلينا أن نوضح حقيقة من يقدح فيهم افتراءً وكذبًا، حقدًا وغلًا من الشيعة الروافض الذين يقطنون إيران ولبنان- وهو ما يدعى كذبًا بحزب الله- وغيرهما وأن نوضح حقيقة أئمتهم المنافقين المتذندقين لا سيما الخميني لعنه الله هو وغيره.
فهم- الشيعة الروافض- يُكَفِّرُون أبا بكر وعمر وعثمان إلى آخر صحابة رسول الله ﷺ فهم يكفرون جميع الصحابة ويسبونهم ويلعنونهم باستثناء ثلاثة أو أربعة.
وهم أيضًا يقدحون أيضًا في السيدة عائشة زوجة رسول الله ﷺ بنت أبي بكر الصديق، ويقدحون أيضًا في السيدة حفصة زوجة رسول الله ﷺ بنت الفاروق عمر بن الخطاب، وغير ذلك الكثير والكثير من كفرهم البواح إلى غير ذلك من فساد تشريعهم الذي هو من أنفسهم.
ولم لا، وقد نشأت تلك الفرقة المراقة الضالة المضلة على يد اليهودي المدعي للإسلام نفاقًا عبد الله ابن سبأ.
وعلينا أن نوضح ونكشف للجميع نفاقهم وكذبهم الصريح تحت ما يسمى بالتقية، فَلَأَنْ واجهتهم بكفرهم وتكفيرهم لصحابة رسول الله ﷺ ابتداءً بأبي بكر وعمر وعثمان، وقدحهم في السيدة عائشة والسيدة حفصة إلى غير ذلك يكذبون عليك بكل جرأة ومكر وينكرون ما ينسب إليهم من تلك الأقوال رغم حقيقتها تحت ما يسمى بالتقية ليأمنوك ولمحاولة جرك وضمك إليهم ولنشر ضلالهم كما يفعل بالضبط المدعون كذبًا بحزب الله وزعيمهم في لبنان، ولكن إذا أردت أن تكشف عن وجهه القبيح وتزيل الستار الذي يغطيه، فعليك أن تواجههم بكفرياتهم التي في كتبهم قديمًا وحديثًا، فلن يستطيعوا إذن أن يتبرءوا منها.
ومن الكتب الإسلامية التي توضح كفرياتهم وأباطيلهم المدونة في كتبهم قديمًا وحديثًا الكتاب الفذ- لله ثم للتاريخ- بقلم السيد حسين الموسوي من علماء النجف الذي تحول من التشيع إلى اتباع أهل السنة بعد تبين الحق له، وقد قتل بعد كتابته لهذا الكتاب وفضحه لهم بجمعه لأقوالهم التي هي في كتبهم وبسطها في هذا الكتاب- لله ثم للتاريخ- وأيضًا كتاب: هل فرحت بالشيعة. بقلم أبي إبراهيم الكتيبي هشام بن محمد، وكتاب: عقائد الشيعة. بقلم عبد الله بن محمد السلفي.
فالشيعة الروافض وأئمتهم الذين يقطنون إيران ولبنان- المتمثلون فيما يُدعى كذبًا بحزب الله- وغيرهما هم أشد خطرًا علينا من اليهود والنصارى وغيرهما.
فإنك إن سألت اليهود: مَن خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى.
ولئن سألت النصارى: مَن خير أهل ملتكم؟ قالوا: حواري عيسى.
ولكنك إن سالت الشيعة الروافض من شر أهل ملتكم؟
قالوا بغير حياء: أصحاب محمد ﷺ.
فعلينا أن نُعَرِّف الناس بسيرة أبطال الإسلام أصحاب رسول الله ﷺ ابتداءً بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وإلى آخر صحابة رسول الله ﷺ لنقتدي بهم فهم رضوان الله عليهم كما قال الله تعالى في حقهم:
(لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: ٨٨ ، ٨٩].
(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: ١٠٠].
وكما قال رسول الله ﷺ في حقهم: ((لا نسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه» [أخرجه البخاري].
((خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم..)) [أخرجه البخاري ومسلم].
وغير ذلك الكثير والكثير من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي توضح فضل صحابة رسول الله ﷺ وكما يقول الشاعر:
حب النبي رسول الله مفترض | وحب أصحابه نور ببرهان | |
من كان يعلم أن الله خالقه | فلا يرمين أبا بكر ببهتان | |
ولا الفاروق عمر صحبه | ولا الخليفة عثمان بن عفان | |
أما علي فمشهور فضائله | والبيت لا يستوي إلا بأركان |
وكما يقول الشاعر أيضًا:
إني رضيت عليًا للهدى علمًا | كما رضيت عتيقًا صاحب الغار | |
وقد رضيت أبا حفص وشيعته | وما رضيت بقتل الشيخ في الدار | |
كل الصحابة عندي قدوةٌ علمٌ | فهل عليَّ بهذا القول من عار | |
إن كنت تعلم أني لا أحبهم إلا | لأجلك فاعتقني من النار |
7- علينا أن نعرف الناس أجمعين بتراجم أمهات المؤمنين الخَيِّرَات الطاهرات، من أزواج رسول الله ﷺ ابتداءً من السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق والسيدة حفصة بنت الفاروق عمر بن الخطاب إلى آخر أزواج رسول الله rن فهن اللواتي نزل في حقهن قول الله تعالى لرسول ﷺ: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا) [الأحزاب: ٥٢].
وهذا يوضح مكانتهن ومنزلتهن عند الله عز وجل الذي ارتضاهن أزواجًا لخاتم أنبيائه ورسله ﷺ، وعلينا أن ندافع عنهن ضد من يقدح فيهن من الشيعة -لعنهم الله- الذين يزعمون كذبًا ونفاقًا محبة آل بيت النبي ﷺ، وهم في الأصل يطعنون ويقدحون فيه جاهدين في ذلك ما استطاعوا، فمؤسس فرقتهم هو اليهودي عبد الله بن سبأ المدعي للإسلام كذبًا ونفاقًا، فأزواج رسول الله ﷺ لنا ولسائر نساء المسلمين فيهن القدوة الحسنة.
فهن اللواتي اختارهن الله عز وجل وارتضاهن ليكن أزواجًا لخاتم أنبيائه ورسله محمد ﷺ.
8- علينا أن نرفع لواء العِلم شعارًا لنا وأن نسعى جادين في نشر ورفع مستوى العلم الديني لدى أفراد الأمة الإسلامية وغيرها بكافة صوره؛ عقيدة، تفسير، فقه، سيرة، تاريخ إسلامي.
وهذا لتجنب ما يلقيه أعداء الإسلام من شبهات وافتراءات وأكاذيب.
وللدفاع عن هذا الدين العظيم الذي امتن ربنا تبارك وتعالى علينا به، علينا أن ننتهج نهج سلفنا الصالح وأن نسلك طريقهم فهو الطريق الذي سلكه رسولنا ﷺ وصحابته الكرام وأن نتجنب تلك الفرق والطرق الضالة المضلة الجاهلة التي تظهر وتتجدد كل يوم.
9- علينا أن نرفع لواء العلم وأن نعرف لعلماء الإسلام قدرهم وعِظَم شأنهم؛ فهم ورثة الأنبياء، فالأنبياء لم يورثوا درهمًا ولا دينارًا، وإنما ورثوا العلم، فهم الجبهة الحقيقية التي يقف دونها أعداء الإسلام عاجزين عن اختراقها.
فعلينا أن ننتصر لعلماء الإسلام المعتمدين المجمع عليهم، والموثوق في علمهم انتصارًا لرسول الله ﷺ، فعلماء الإسلام هم ورثة رسول الله ﷺ.
10- علينا أن نحمد الله عز وجل ليل نهار على هذه النعمة العظيمة التي امتن ربنا تبارك وتعالى علينا بها، فالحمد لله على نعمة الإسلام، وكفى بها نعمة.
قال الله تعالى: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ) [التوبة: ٤٠].
فالله سبحانه وتعالى هو ناصر رسوله ﷺ بنا أو بغيرنا، فعلينا أن نسعى جادين جاهدين لأن نكون ممن استعملهم الله سبحانه وتعالى لنصرة هذا الدين العظيم الذي جاء به خاتم المرسلين ﷺ والذي ارتضاه ربنا تبارك وتعالى لنا؛ لنسعد برضاه تبارك وتعالى في الدنيا والآخرة.
هدانا الله وإياكم لما يحب ويرضى.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على رسولنا الأمين خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ﷺ، وآته الوسيلة والفضيلة وابعثه اللهم المقام المحمود الذي وعدته.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على آله وأصحابه الأخيار الأطهار وعلى من اهتدى بهديه واقتفى أثره واستن بسنته وناصره إلى يوم الدين.
والحمد لله رب العالمين
([1]) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
([2]) (2)(3) إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان/ابن قيم الجوزية
([3]) (2) إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان/ابن قيم الجوزية
([5]) (2) تراجم سيدات بيت النبوة د/عائشة عبدالرحمن
([7]) (2) تراجم سيدات بيت النبوة د/عائشة عبدالرحمن
(1)موسوعة الإسلام والعلم الحديث،الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم د/ زغلول النجار
([10])الإعجازالعلمى فى السنة النبوية د/ زغلول النجار
([11])موسوعة الإسلام والعلم الحديث،الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم د/ زغلول النجار
([12]) إعجازالقرآن فى ما تحفيه الأرحام أ/كريم نجيب الأغر
([13])إعجازالقرآن فى ما تحفيه الأرحام أ/كريم نجيب الأغر
([14])إعجازالقرآن فى ما تحفيه الأرحام أ/كريم نجيب الأغر
([15])إعجازالقرآن فى ما تحفيه الأرحام أ/كريم نجيب الأغر
([16])إعجازالقرآن فى ما تحفيه الأرحام أ/كريم نجيب الأغر
([17])إعجازالقرآن فى ما تحفيه الأرحام أ/كريم نجيب الأغر,وقد أورد الدكتور/زغلول النجار فى كتابه(الإعجازالعلمى فى السنة النبوية) دوران البويضة حول نفسها ,وكذلك دوران الحيوانات المنوية 7 دورات حولها فى اتجاه معاكس لعقارب الساعة
([18]) تراجم سيدات بيت النبوة د/عائشة عبدالرحمن
([19]) (2) تراجم سيدات بيت النبوة د/عائشة عبدالرحمن
([21]) تراجم سيدات بيت النبوة د/عائشة عبدالرحمن
([22]) (2) (3) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
(1)(2) (3) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
(1)(2)(3) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
(1)(2)(3) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
(1)(2) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
([34])(2)(3)(4) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
([38])(2) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
([40])الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
([41])(2)(3)(4) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
([45]) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
([46]) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
([47])(2)(3)(4) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
([51])(2)(3) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
([54])(2) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
([56])(2)(3)(4) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
([60])(2)(3)(4) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
([64])(2)(3)(4)(5) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
([69])(2)(3)(4)(5) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
([74])(2) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
(1) (2) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
([78]) الرحيق المختوم /صفى الرحمن المباركفورى
([79])الرحيق المختوم /صفى الرحمن المباركفورى
([80])الرحيق المختوم /صفى الرحمن المباركفورى
([81])الرحيق المختوم /صفى الرحمن المباركفورى
([82])الرحيق المختوم /صفى الرحمن المباركفورى
([83])(2)(3)(4) لرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
([87])(2)(3)(4) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
([91])(2)الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
([93])(2) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
([95])(2)الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
([97])الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
([98]) (2)(3) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
([101])الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
. (1)من كتاب:الدين الحق بالأدلة القاطعة، الذى تم مراجعةمادتهالعلمية بهيئةالإعجاز العلمىللقرآن والسنة بمكة المكرمة
([103])موسوعة الإسلام والعلم الحديث،الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم د/ زغلول النجار
([104])موسوعة الإسلام والعلم الحديث،الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم د/ زغلول النجار
([105])موسوعة الإسلام والعلم الحديث،الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم د/ زغلول النجار
([106])(2) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
(1) من آيات الإعجاز العلمى،للدكتور/زغلول النجار،الحيوانات فى القرآن الكريم
(1) الإعجاز العلمى فى السنة النبوية للدكتور/زغلول النجار القرآن الكريم
(1) الإعجاز العلمى فى السنة النبوية للدكتور/زغلول النجار القرآن الكريم
(1) من آيات الإعجاز العلمي، للدكتور/ زغلول النجار، السماء في القرآن الكريم.
(1)(2) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
(1)(2) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
([117]) (2)(3) من آيات الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم (السماء) د/ زغلول النجار
([121]) (2)(3) من آيات الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم (السماء) د/ زغلول النجار
([124])إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان/ابن قيم الجوزية
([125]) (2) الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد
([127])الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد