الوصف
يتناول الكتاب شرح عقيدة التثليث مفندا إياها من نصوص كتابهم المقدس; مشيرا إلى هل هي وحي إلهي أم إبتداع بشري.
بقلم
M. A. C. Cave
م. ا. ك.كيڤ
ترجمة: محمد عبد العظيم علي
مراجعة وتدقيق: أبو كريم المراكشي
إهداء المؤلف
أهدي هذا البحث المتواضع إلى الله لما أنعم به عليّ من الحكمة... وإلى زوجتي "نينت" الشريكة المساعدة القريبة إلى قلبي، ذات القلب الموهوب، والأم الحنون على أولادنا لإنها امرأة فاضلة تخشى الله تعالى.
.. وإلى كل أولادي لحماستهم ومعاونتهم.
.. وإلى أقاربي وحلفائي على ولائهم.
.. وإلى ذكرى والديّ اللذين تحمّلاني وهناً على وهن... ومع ذلك غمراني بحنانهما وعطفهما.
.. وأخيراً أهديه إلى جميع أصدقائي المخلصين وجميع معارفي على كلماتهم الرقيقة لتشجيعي وعلى دعمهم القوي لنشر هذا الكتاب.
م. ا. ك.كيڤ
15 أغسطس 1996
شكر وتقدير
بكل خشوع أحمد الله وأشكره على بركته لأنه منحني فرصة إصدار هذا الكتاب، وجعل حلمي وأملي حقيقة واقعة.
وأعبر عن تقديري الخاص للدكتور: مانح بن حماد الجهني السكرتير العام للندوة العالمية لشباب الإسلامي (WAMY) لنشر هذا البحث.
وأقدم شكري الجزيل إلى جميع أصدقائي الذين عاونوني بأمانة في هذا العمل، وزودوني بالتفاصيل الفنية.
وعظيم امتناني لجميع الذين عملوا معي بإخلاص وتفانٍ لنشر هذا الكتاب ليغمر الله القوي العزيز برحمته الواسعة وبركاته الجميع.
م. ا. ك.كيڤ
قال عيسى (يوحنا 8: 40): "ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله".
قال الله تعالى في سورة آل عمران (٥٩) في كتابه العزيز: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
حقيقة وحدانية الله سبحانه وطبيعة دور عيسى طبقا للكتاب المقدس.
«إن نبذ مفهوم تجسيد الإله ومفهوم الثالوث لا يقلل من منزلة عيسى وإنما يجعل الله في مكانته العليا، الوحيده، المجيدة، التي لانظير لها كإله واحد حق مستحق للعبادة.
إن عيسى ليس الله، وإنما نبي عظيم ورسول الله».
إن نشر كتاب "عقيدة الثالوث هل هي من وحي الله؟" سوف يساعد على دعم فكر و اهتمام كل شخص يتمتع بعقل مستقيم، فضلاً عن ارشاد أتباع المسيحية الحديثة. حيث أن عقيدة الثالوث حيّرت وأربكت كل طائفة مسيحية.
ورغم أن السيد / كيڤ كان من قبل مسيحياً يؤمن بالثالوث، إلا أنه عندما بدأ بحثه في أصل هذه العقيدة، إكتشف باندهاش شديد - أن هذه العقيدة هي تطور حديث تَصوّره ودبر له كثير من الكتّاب والمفكرين المسيحيين، ولقد أقام السيد/ كيڤ الدليل على أن الثالوث لايعدو أن يكون عقيدة من صناعة بشرية وليست من وحي الله، ومن ثم فقدت هذه العقيدة - المفصلة تفصيلاً - مقوماتها بسبب تناقضاتها الذاتية من داخلها، وأثبتت أنها شائكة على مستوى هيئة المسيحيين بصفة عامة، وهيئة الكهنوت بصفة خاصة التي تحاول مساندة تلك العقيدة.
إنه من غير المقبول في نظر أي شخص سليم العقل أن يعتنق هذه العقيدة بسبب مايعتريها من خلل ونقص.. ولما كان الإنسان كائناً عاقلاً فعليه أن يكون أكثر ميلاً إلى إمعان التفكير في القضايا ذات الطابع الروحاني التي يكون لها أهمية في حياته، فعليه أن ينفذ إلى كتب الأديان الأخرى التي من حوله لكي يتوصل إلى حقيقة مقنعة. وعليه ألا يقبل أن يكون ضحية للمجاملة أو منساقاً لعقيدة عمياء كما كان حاله في الماضي، بل يحاول أن يتدبر نصوص الكتب المنزلة.
أطالب القاريء الكريم أن يعكف على دارسة هذا الكتاب بعقلية غير متحيزة، وبقلب منفتح على الحقيقة، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي تؤدي إلى القرار الصحيح الذي تتوقف عليه حياة الإنسان في هذه الدنيا وفي الآخرة.
تمهيد
لا شيء يجرح مشاعر المسيحيين أكثر من التشكيك في عقيدة الثالوث باعتبارها المصدر والمنبع الرئيسي لديانتهم، ومنذ أن نشأتُ كمسيحي فإنني أعلم عن ظهر قلب، كيف يُجرح أي تابع مخلص للمسيحية عند المساس بأي شيء يعلم أنه صحيح، غير أن الاتباع الأعمى بعد الحصول على علم أفضل، هو أيضا ابتعاد عن الطريق الصحيح.. لأنني ملزم أمام وصايا الله أن أرشد هؤلاء الذين ضلوا الطريق بسبب العقيدة الفاسدة لأنه حقٌ أساسي لكل فرد أن يعلم الحقيقة التي توصله إلى الدين الحق.
فمن الحقائق المقررة أن الإنسان خلقه الله كائناً عاقلاً ومن ثم فإنه يتمتع بملكة العقل، وباستدعاء الإنسان لعقله يكون دائما ميالاً للبحث عن الحقيقة، وبناء على ذلك فمن المتوقع من الإنسان كفرد أن يستخدم عقله في التفكر في الأمور بموضوعية - بكل ما تحمل الكلمات والأعمال من معنى - لكي يصل إلى هدفه، وفضلاً عن ذلك فإنه مزود بحرية الإختيار حتى يستطيع أن يوائم نفسه في مجتمع متحضر. والصحيح أيضًا أنه لا يحق لأحد أن يجبر إنساناً آخر بالقوة على أن يقبل حتى الحقيقة ذاتها، غير أنه يكون من الغطرسة والتعنت أن يرفض كائن عاقل الحق ويتنكر منه. ولذلك نرى الرجال أصحاب المباديء ينصرون "الحق" ولو كان مُراً بل إنهم على استعداد للدفاع عن هذا الحق مهما تكن الظروف إلى درجة التضحية بأرواحهم.
إن الثالوث متأصل بقوة فيما بين المسيحيين بحيث من النادر أن نرى شخصًا يتدبر ما ينطوي عليه "ثلاثة في إله واحد"، وبرغم أن أصل هذه العقيدة يرجع إلى الوثنية فإن غالبية المسيحيين لايتساءلون أبدًا عن مدى صحة هذه العقيدة لعدم إدراكهم أنها "صناعة بشرية" وأنها ليست من روح الله، فالثالوث معناه:
"أن الآب إله والإبن إله وروح القدس إله، وجميعهم يكوّنون إلهًاً واحداً، وأن الثالوث مساوٍ في الأزلية - بلا بداية أو نهاية- ومساوٍ في الدرجة".
في نظر المؤمنين بالثالوث يكون لعيسى طبيعتان - ناسوتية وإلهية -. ويعتقدون أنه ابن الله وأنه إله كامل لأنه ثاني شخص في ألوهية عقيدة الثالوث.
ومع ذلك سوف يكتشف قاريء هذا الكتاب، أن بعض حقائق الوحي قد تم تحريفها عن قصد بيد مسيحيين من مفكرين وكُتاب وعلماء لاهوت ومؤلفين وإنجيليين وكنائس لتجسيد ادعائهم بأن عقيدة الثالوث "من وحي الله". وقبل ذلك بوقت طويل حذر النبي إرميا الناس من التحريف الذي وقع في الوحي بيد الذين يعلّمون دين الله فقال:
"كيف تقولون نحن حكماء وشريعة الرب معنا، حقاً إنه إلى الكذب حوّلها قلم الكتاب الكاذب" (إرميا 8:8).
أما بشأن المفهوم الخطأ في العبادة، فقد كرر علينا عيسى التحذير الذي حذرنا به النبي إشعياء إلا أن الناس منه في غفلة عندما قال:
"يقترب إليّ هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عني بعيدًا وباطلاً يعبدونني وهم يعلّمون تعاليم هي وصايا الناس" (متى 8:15).
ولقد انطلقتُ في مباشرة عملي في هذه المغامرة بدافع البحث عن الحقيقة فيما يتعلق بمفهوم الثالوث، ولم يقتصر بحثي على دراسة الكتاب المقدس وحده، وإنما امتد إلى أبحاث ومقالات لعلماء دينيين، تحقق لبعض أعمالهم درجة بالغة من العظمة ونالت تصديق بعض الطوائف المسيحية وباشرت بحثي بعقلية مستنيرة نظراً لأنني آمنت من قبل بعقيدة الثالوث.
فالواقع أن الفكرة في الأصل نشأت من أجل أن أتوصل إلى دليل ملموس وحقيقي يثبت مصداقية وصحة هذه العقيدة على أنها من عند الله لا العمل على إثبات شيء آخر. وحتى أكون موضوعياً في بحثي استخدمت أكبر قدر من المراجع التي استطعت الحصول عليها.
صحيح أن الجهد من جانبي انطلق روحانياً لكي أزن الأدلة بحسب مدلولها، وللأسف كلما كان البحث يتقدم خطوات كانت عقيدة الثالوث تنتقل عبر الأجيال البشرية على أنها حقيقة مطلقة لكنها للأسف كانت تتجه للاحتضار، ولو كانت النتيجة لصالح تلك العقيدة لانشرح صدري، إلا أن مما أثار رعبي وفزعي أنه تبين أن عقيدة الثالوث خاطئة.
إن عقيدة الثالوث ما هى إلا صناعة بشرية ابتكرها الناس لكي تخدم مصالحهم الذاتية والكهنوتية، وهكذا انتهت جميع الإدعاءات السابقة إلى أنها عقيدة باطلة.
إن عقيدة الثالوث ليست فقط مخالفة لتعاليم أنبياء الله، وإنما هي أيضا إهانة للعقل البشري لأنها تخالف العقل ولا وجود لها في أي موضع في الكتاب المقدس.
وأخيراً الحقيقة المُـرّة تنفي عقيدة الثالوث وعقيدة التجسيد معاً، و تنفي كل المعتقدات المرتبطة بهما، أما عبادة الله بما يتفق مع الهداية التي نزل بها الوحي فإنها تقتضي رفض عقيدة الثالوث وعقيدة التجسيد رفضاً تاماً.
"إن نبذ مفهوم تجسيد الإله ومفهوم الثالوث لايقلل من منزلة عيسى ، وإنما يجعل الله في مكانته العليا الوحيدة، المجيدة، التي لا نظير لها كإله واحد حق مستحق للعبادة. إن عيسى ليس الله وإنما هو نبي عظيم و رسول الله".
إنني أدعو الجميع - أفراداً و جماعات - أن يبحثوا عن الحق في كتابي، الذي قد يفتح قلوب الذين يشتاقون إلى الخلاص...
"يارب.. لقد كافحنا من خلال هذا الكتاب أن نبلَّغ المعنى الصحيح لرسالتك إلى البشرية. يارب.. اغمرهم ببركاتك.. واهدهم إلى الحق.. يارب.. و إذا كنا قد أخطأنا ندعوك أن تغفر لنا وأن تحمي الناس من تقصيرنا..أمين.
تقارير إعلامية خاصة.. من المملكة المتحدة
تقارير الأساقفة الأنجليكان الصادمة
موجات من الصدمات اجتاحت أنحاء أنجلترا جميعاً والعالم المسيحي خاصة لصدور تقرير نشرته (الديلي نيوز) Daily News بالمملكة المتحدة. تحت عنوان " تقرير الأساقفة الأنجليكان يحدث صدمة " وينقل التقرير أن أكثر من نصف أساقفة انجلترا الأنجليكان يوافقون على أن "المسيحيين غير ملزمين بالإيمان بأن عيسى إله".
وأثبت الإقتراع أن 31 من أساقفة انجلترا الـ39 ينفون "إلوهية" "و قيام" عيسى .. وبهذا تبطل تماما اثنتان من العقائد الجوهرية المسيحية وينسبون بطلان هاتين الفكرتين القديمتين الشامختين إلى أخطاء وقعت في الكتاب المقدس .
ويضيف التقرير أن 19 من 31 من الأساقفة اتفقوا على أنه "يكفي النظر إلى عيسى بأنه 'الوكيل الأعلى لله'" (وهكذا أكثر من نصف أساقفة انجلترا الأنجليكان قد برأوا أنفسهم من التحريف (على الله) ويرون.. أن عيسى "رسول الله فقط".
الأسقف ديفيد جنكينزDavid Jenkins - يفند عقائد المسيحية الجوهرية: في مقابلة في البرنامج الديني (Credo) "عقيدة"، (بتليفزيون لندن في نهاية الأسبوع) جاء أسقف مدينة دربان (Durban) المعين حديثاً - وهو الكاهن البروفسور "ديفيد جنكينز" (David Jenkins)- وهو الأسقف الرابع في المقام العالي لكنيسة إنجلترا، يوجه هجومه إلى الأساس المتزعزع الذي يقوم علية كامل بناء المسيحية، واستنكر كثيرًا من العقائد الجوهرية في المسيحية مثل "الألوهية" و"قيام المسيح" موضحًا أن الأحداث التي نُقلت عن بداية بعثة عيسى لم تكن صحيحة بالمرة. وإنما أضيفت إلى قصة عيسى عن طريق المسيحيين الأوائل لكي يعبروا عن اعتقادهم في عيسى كمسيح.
هذا المفهوم عن الله وعن عيسى يشاركه جميع الرسل، بل وأوائل المسيحيين، والقدماء والمحدثون من العلماء المسيحيين، والمفكرون والكتّاب وحتى المسيحيون العاديون. يقول عيسى (متى 10:4) "إنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد". وفي (يوحنا 3:17) يقول "وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته". وأيضا في (يوحنا 17:20) "إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم".
أليس هذا دليلاً قاطعًا؟ من أين إذن جاء قبول عيسى على أنه إله ؟
والآن يأتي هنا سؤال المليار دولار.. ألا وهو: " هل عقيدة الثالوث من وحي الله ؟ ".
المسيحيون
لا يزال ما يقرب من المليار من الناس في أنحاء العالم على اعتقادهم وممارستهم لعقيدة الثالوث. بينما ضعف هؤلاء - إن لم يكن أكثر - يرفضون الثالوث برمته ويذهبون إلى أن هذه العقيدة ليس مصدرها الكتاب المقدس وإنما هي عقيدة خاطئة ولا أساس لها ولا معنى لها ومنافية للعقل.
وطبقا لما كتبه "بامبر جاسكويجن" BamberGascoigne)) في كتابه "المسيحيون" لم تبق كلمة واحدة على قيد الحياة مسجلة في أي مستند بشأن عيسى وأتباعه عن الخمسين عامًا الأولى من عمره ما نسميه الآن بالتقويم المسيحي، و بعد ذلك كتب المسيحيون بأنفسهم خلال الخمسين عامًا التالية غالبية الكتب التي تسمى الآن العهد الجديد، ولكن حتى ذلك الحين لم توجد أي كلمة وردت عن أي كاتب من الخارج، ثم بدأ الكتّاب الرومان في القرن الثاني يعلقون في كتاباتهم.
فمنهم (تاسيتوس) (Tacitus) الذي قال "هنالك جماعة مكروهة بسبب شرورها وأدناسها يطلق عليها الشعب المسيحي" والمسيح - الذي يشتق منه اسمها- قاسى أشد العقوبة أيام عهد " تيبريوس" (Tiberius)، على يد أحد موظفيه الرسميين "بلاطس البونطي" (Pontius Pilate).
ومنهم أيضا "سويطونيوس" (Suetonius) الذي قال: "المسيحيون طبقة من الناس اخترعوا أسطورة جديدة وشريرة ".
ومنهم أيضا "لوسيان" (Lucian) الذي قال "هؤلاء الفقراء البائسون أقنعوا أنفسهم بأنهم سيعيشون خالدين كل الوقت بعبادتهم للسوفسطائي المصلوب، ومعيشتهم طبقا لقوانينه، لذلك زهدوا في الأشياء التي تتعلق بهذه الدنيا واعتبروها ممتلكات عامة، وقد تلقوا هذه المعتقدات بالتقليد والرواية دون البحث عن أي دليل، لدرجة لو أن أي دجال أو محتال اندس بينهم لحقق بسرعة ثروة باستغلال هؤلاء الناس البسطاء"، ومع ذلك ازدهرت المسيحية وصارت ديناً كبيراً غير أن تعاليم المسيحية الحديثة كما هي معروفة اليوم تختلف عما كان يعلّمه المسيح لتلاميذه، فعقائد المسيحية المختلفة مثل الثالوث كانت تطوراً حدث في مرحلة متأخرة. بدأ في حكم الإمبراطور قسطنطين الكبير Constantine.the.Great في مجمع " نيقيه " (Nicaea)، ثم تطور فيما بعد إلى عقيدة كبرى في عهد الإمبراطور ثيودوسيوس Theodosius عام 381م.. وياللغرابة.. فمنذ هذا الوقت والمسيحية يتضاعف عدد طوائفها المتباينة حتى أنه من الصعب التعرف على العقيدة المسيحية الحقيقية، وعلى كل حال في الوضع الحالي لا يوجد أحد قريب من تعاليم الأنبياء الأصلية لأنهم يؤسسون تعاليمهم على الكتاب المقدس الذي يخضع للمراجعات المتكررة.
والله وحده يعلم متى يستطيع المسيحيون أن يُخرجوا النسخة الصحيحة (الجديرة بالتصديق) لكتابهم المقدس.
وقد يندهش الإنسان من كثرة عدد طبعات الكتاب المقدس المتداولة اليوم. فكل طبعة تختلف عن الأخرى، ومع ذلك يدّعي كل طرف أن طبعته هي الأصلية.
وقد أصبح لديهم ميل بأن يعلنوا للعالم أن نسختهم هي التي نزل بها وحي الله ومرجعهم الجاهز هو (الرسالة الثانية تيموثاوس 1:3) الذي يقول: "كل كتاب هو من وحي الله...". ولكن ما لا يفهمه المسيحيون بصفة جوهرية هو أن مضمون كتبهم المقدسة ليس مضمون "للكتاب المقدس" وإنما حكايات وتقارير وأحداث وأعراف.
وتصبح المشكلة أكثر تعقيداً عندما نعرف أن بعض طبعات الكتاب المقدس تحتوي على كتب أكثر من غيرها من الطبعات.
فطبعة الأرثوذوكس (OVC) تشتمل على86 كتاباً. والطبعة (Charismatic Version "C.V") بها 76 كتابا، وطبعة الرومان الكاثوليك (RCV) تشتمل على 73 كتاباً، وجميع طبعات البروتستانت تحتوي على 66 كتاباً، بما فيها (ترجمة العالم الجديد للكتاب المقدس) (1984) (New World) المستخدمة بمعرفة "شهود ياهوا" (Jehovah's (Witnesses. وطبعات أخرى مثل طبعة "الملك جيمس" (King James) (1611-1942) K.J. وطبعة "أمريكان ستاندرد" ((American Standard (1901-1944) A.S. وطبعة (Revised Standard) (ستاندرد المحققة) (1971) الطبعة الثانية (RS) (كتاب أورشليم) (1966) (B.J)، (وكتاب الأخبار السارة) (Good News Bible) (طبعة اليوم الإنجليزية Todays English version) (1976) (TEV) و(الكتاب المقدس) (1954مطبوعة في 1965) (رونالد أ. نوكس) (KX)، و (الطبعة الدولية الجديدة ) New Iinternational Version)). والمزيد والمزيد من الطبعات الأخرى التي لاحصر لها.
ثم ماذا عن ادعاءات كبار المحققين للكتاب المقدس (لطبعة ستاندرد المحققة) (RSV)- الطبعة المحققة عام 1952 وللعهد الجديد- الطبعة الثانية عام 1971 بمعرفه أبناء كولينز (Wm. Collins Sons – Co. Ltd.) المطبوعة لجمعية الكتاب المقدس الكندية، التي كُتب في مقدمتها:
1-" بالرغم من أن طبعة الملك جميس بها عيوب جسيمة.. فإن هذه العيوب هي من الكثرة ومن الخطورة حتى أنها تستدعي مراجعة الترجمة الإنجليزية".
2- "تعتمد طبعة الملك جيمس للعهد الجديد على نص يوناني كان مشوهاً بسبب الأخطاء".
وماذا عن اتهامات (شهود يهوه) في نشرة Awake في سبتمبر 1951التي ذكرت أن "في الكتاب المقدس" 50000 خطأ".
وماذا لو قلت لك بما يخالف معتقداتنا - أنه "لا أحد من كُتّاب الأناجيل الأربعة كان تلميذً أصلياً لعيسى " ونجد أسماء الاثنى عشر تلميذاً التي ذكرها عيسى في لوقا (14:6-16) مرقس (17:3) وبينما اسما متى ويوحنا مذكوران، فإن أسماء مرقس ولوقا وبولس غير موضحة.
ومع ذلك فإن الشواهد التالية، سوف تكتشف أن الإنجيلييْن المنسوبيْن إلى متى ويوحنا على التوالي، تم كتابتهما بيد شخص ثالث.
اقرأ النص (9:9 متى): "وفيما يسوع مجتاز من هناك رأى إنسانًا جالسًا عند مكان الجباية اسمه متى فقال اتبعني فقام وتبعه".
وفي (يوحنا 23:21) "هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا ونحن نعلم أن شهادته حق."
ففي المثال الأول، قص الكاتب مجرد ماحدث بين عيسى والرجل المسمى متى، بينما في المثال الثاني، واضح أن ضمير "نحن" يخص الكاتب الإنجيلي.
دعنا الآن ننقل ما قاله العالمان المسيحيان بشأن "إعداد الكتاب المقدس" "كان الناسخ أحيانًا لا يحرر ما كان موجوداً في النص، وإنما ماكان يعتقد أنه موجود فيه، وقد يعتمد على ذاكرة متقلبة، أو يجعل النص متفقاً مع آراء المدرسة التي ينتمي إليها، وبالإضافة إلى الطبعات والمقتبسات الواردة من الآباء المسيحيين كان هناك حوالي 4000 مخطوطة يونانية (MSS.Greek) عن العهدTestament كان معلوماً أنها موجودة. ونتيجة لذلك كان تباين القراءات هائلا " .
"ومن ثم فإن إعداد الأناجيل يعكس مفهوم الإحتياجات العملية التي كانت مطلوبة للجماعة التي كانت الكتابة تتم من أجلهم، حيث استخدمت فيها المواد التقليدية، إلا أنه لم يكن هناك أي تردد في تعديلها، أو عمل إضافات لها، أو ترك مالم يكن يتوافق مع غرض الكاتب" .
عقيدة الثالوث
تنص عقيدة الثالوث على أن الإله يتمثل في ثلاثة أشخاص، يقال أن كلاً منهم لا بداية له وله وجود أزلي، وأن كلاً يُعتبر إلهاً على كل شئ قدير ولا يقل ولا يزيد عظمة عن الآخرين. ويقال أن كلاً منهم إله كامل بمعنى الكلمة ويتصف بكل صفات الألوهية وأنهم متساوون في الزمان والمكان والقوة والمعرفة. وتمثل هذه العقيدة ركنًا أساسيًا في العقيدة المسيحية التي تعتنقها تقريباً كل الطوائف المسيحية.
إلا أن عقيدة الثالوث ليست من وحي الإله بل هي من صنع الإنسان ابتكرها المسيحيون في الربع الأخير من القرن الرابع. في الواقع كانت هذه العقيدة نتاج مؤتمر القسطنطينية عام 381 ميلاديًا الذي وافق فيه على وضع الروح القدس في نفس مكانة الإله والمسيح عيسى.
وذُكر في الموسوعة البريطانية أن مبدأ الوحدة في الجوهر (Homoousia) للوجوس الإلهيDivine Logos مع الإله الآب أكد ألوهية المسيح عيسى.
ويمكن إدراك سر شخص المسيح من عبارة: طبيعتان في شخص واحد.. غير مشتق بصفة أولية من تعاليم تجريد ية، وإنما يتغير من خلال الطقوس الدينية على أى أشكال جديدة وفيما لا يحصى من ترانيم عبادية، وكما هو الحال في كلمات طقوس عيد الفصح (Easter Liturgy): "ظهر ملك السماوات على الأرض بدون حنان الإنسان، وإنه كان مع الرجال قد اشترك لأنه اتخذ لحمه من عذراء طاهرة وأصبح منها على الفور وفي هذا قبلَه، واحد هو الابن، ثنائي الجوهر، لكن ليس في الشخص، وبالتالي ففي إعلانه كما في الحقيقة إله كامل وإنسان كامل نؤمن بعيسى إلهنا ".
وتذكر العقيدة الأثاناسية (Athanasian):(1) "يوجد شخص واحد للآب وآخر للابن وآخر لروح القدس ولكن الألوهية الخاصة بالآب والخاصة بالإبن والخاصة بالروح القدس هي كلها واحدة، المجد متساو، والجلالة مشتركة في الخلود... الآب إله، والابن إله، والروح القدس إله." ومع ذلك، فليس هناك ثلاثة آلهة وإنما إله واحد...وبالمثل بما أننا مجبرون بموجب الحقيقة المسيحية بأن نقر لكل شخص بذاته أنه إله ورب، فإنه يحرم علينا بموجب الديانة الكاثوليكية أن نقول بثلاثة آلهة أو بثلاثة أرباب" .
التعريف الأورثوذكسي للثالوث المسيحي والعقيدة الأثاناسية: تنص عقيدة الثالوث على أن الآب إله، والابن إله، والروح القدس إله وجميعهم يمثلون إلهًا واحدًا. والثالوث مساوٍ في الخلود بلا بداية أو نهاية ومساوٍ في الدرجة.
وتذكر كنيسة الروم الكاثوليك: "يستخدم لفظ الثالوث ليعبر عن العقيدة المركزية للديانة المسيحية.. بينما أطلقت الكنيسة اليونانية الأورثوذكسية على -الثالوث– أنه "العقيدة الجوهرية للمسيحية" حتى قيل: إن المسيحيين هم هؤلاء الذين يسلمون بأن المسيح إلهاً، وتقر نفس الكنيسة في كتاب "عقيدتنا الأورثوذكسية المسيحية Our Orthodox Christian Faith تعلن نفس الكنيسة: "الإله ثالوثي" "God is Triune))... الآب إله بالكامل. الابن إله بالكامل. الروح القدس إله بالكامل."
بدأ اضطهاد المسيحيين وإلغاء الكنيسة المبكرة في عهد الأباطرة الرومان في القرن الأول، وانتهى بتولي قسطنطين الكبير للسلطة عام 312م في "جسر ميلفيان" (Milvian.Bridge) ، ونتيجة ذلك كان التحول إلى إعتناق المسيحية مصحوباً بمزايا خاصة تمنح للشعب في شكل مكاسب سياسية وعسكرية واجتماعية،.وبالتالي إنضم آلاف من غير المسيحيين إلى الكنيسة، مما.مكن قسطنطين من بسط سلطان واسع على شئون الكنيسة.
وفي ظل حكم قسطنطين، ظهرت فكرة أن المسيح إله مساوٍ لله الآب وبدأت تحقق توسعاً في الإنتشار، ومع ذلك لم يكن الثالوث كعقيدة قد تأسس بعد، وكانت فكرة "الإله الثالوثي" قد أثارت خلافاً كبيراً داخل الكنيسة بسبب أن كثيراً من رجال الدين والعلمانيين لم يقبلوا بوضع المسيح كإله.
وبلغ هذا الخلاف حد المواجهة بين "ألكساندروس"Alexander أسقف الإسكندرية بمصر، وكاهنه "آريوس" Arius.
كان وعظ الأسقف "ألكساندروس" بأن عيسى مساوٍ للرب بخلاف وعظ آريوس، حتى إن مجمعاً كنسياً عقد بالإسكندرية عام 321م وتم فيه خلع "آريوس" وطرده.
إلا أن " آريوس" - رغم إزدراء المجمع له - كان له مؤيدون كثيرون خارج مصر. فكثير من الأساقفة البارزين مثل العلامة المؤرخ " أوسابيوس" (Eusebius) الفلسطيني من مدينة قيسارية وسمّيه القوي "أوسابيوس"- عالم اللاهوت- أسقف مدينة نيكوميديا Nicomedia كانا يؤيدان "آريوس" (إن عيسى ليس إلها).
غير أن الجدل المستمر حيّر قسطنطين.. ولكي يضفي على موقفه صفة الشرعية، دعى في مايو 325م كافة أساقفة الكنيسة المسيحية إلى "نيقيه" Nicaea (وموقعها الحالي في آسيا الصغرى بتركيا)، وبدأ مجمع "نيقيه" بحث النزاع الخاص بالعلاقة بين الله وعيسى .
ولقد مارس قسطنطين، الذي كان يدير المداولات، سلطته السياسية، لكي يحمل الأساقفة على قبول موقفه اللاهوتي، وكانت العقيدة التي اعتمدها 218 أسقف ضد مذهب آريوس بشكل صارخ وبعبارة أخرى أيدت "عقيدة نيقيه" أن الابن مساوٍ للرب. ولقد وقّع 218 أسقف على هذه العقيدة، بينما كانت فعلاً من صنع أقلية.
ولقد لخصت الموسوعة البريطانية إجراءات "مجمع نيقيه" كالآتي: "انعقد مجمع نيقيه" في 20 مايو 325م. وتولى قسطنطين رئاسة المجلس بنفسه، و بهمة أدار النقاش، واقترح بنفسه (ولاشك في دور "أوسيوس"(Ossius) التلقيني) الصيغة الصليبية الحاسمة التي عبّرت عن العلاقة بين المسيح والرب في العقيدة التي صدرت عن المجمع "من جوهر واحد مع الآب" وتحت ضغط و إرهاب الإمبراطور، وباستثناء اثنين من الأساقفة، وقع الأساقفة على العقيدة وكثير منهم كانت العقيدة ضد ميولهم.
اعتبر قسطنطين أن قرار مجمع نيقية جاء بإلهام رباني، وطوال ما كان على قيد الحياة لم يجرؤ أحد أن يتحدى بصراحة عقيدة نيقيه. إلا أن الإتفاق الذي كان منتظراً لم يتحقق فيما بعد.
عقيدة نيقيه
نؤمن بإله واحد الآب، سلطانه مطلق. خالق الأشياء كلها المرئية وغير المرئية - وبرب واحد عيسى المسيح - ابن الله -المولود من الآب - مولود فقط - أي من جوهر الآب، إله من إله، نور من نور، إله حقيقي من إله حقيقي، مولود وليس مخلوقاً من جوهر واحد مع الآب الذي من خلاله خُلقت كل الأشياء، أشياء في السماء وأشياء على الأرض، والذي - من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا- نزل وصُنع من لحم، وأصبح رجلاً، وتعذب وقام في اليوم الثالث وصعد إلى السموات وسوف يأتي ليحاكم الأحياء والأموات، و نؤمن بالروح القدس.
وإن الذين يقولون "كان حينما لم يكن" "وقبل أن يولد لم يكن" وأنه "جاء من كون مالم يكن" أو هؤلاء الذين يزعمون أن ابن الله "من مادة أخرى أو جوهر آخر"، أو " مخلوق " (created)، أو " قابل للتغيير" (changeable)، أو " قابل للتبديل" (alterable).
هؤلاء تلعنهم الكنيسة الكاثوليكية والرسولية.
العقيدة النيقاوية
يشرح "بتنسون" (Bettenson) العقيدة النيقاوية كالآتي: (لقد) وُجدت في "إبيفانيوس" (Epiphanius) – "أنكوراتوس" (Ancoratus) عام 118م -374م واستخرجها العلماء تقريبا كلمة كلمة من المحاضرات التعليمية الدينية لسيريل" (S. Cyril) - بأورشليم، والمقروءة والمصدق عليها في "كلسدون" (Chalcedon) عام 451م كعقيدة (الـ 318 أسقف الذين اجتمعوا في نيقيه) وعقيدة الـ150 أسقف الذين اجتمعوا بعدهم (أي في القسطنطينية381م). ومنذ ذلك الحين أصبحت تُسمى العقيدة القسطنطيناوية أو القسطنطيناوية النيقاوية، ومتفق عليها من جانب كثيرين بأنها صيغة مدققة لعقيدة أورشليم المنعقدة بـ "سيريل" (Cyril).
- نحن نؤمن بإله واحد الآب ذي السلطان المطلق الخالق للسماء والأرض ولكافة الأشياء المرئية وغير المرئية.
- وبرب واحد عيسى المسيح المولود الوحيد ابن الله، المولود من الآب قبل جميع العصور، نور من نور، إله حقيقي من إله حقيقي، مولود وليس مخلوقاً، من جوهر واحد مع الآب من خلاله خُلقت جميع الأشياء، والذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السموات. وعُمل من اللحم من الروح القدس والعذراء مريم، وصار رجلاً وصُلب من أجلنا في حكم بيلاطس البنطي Pontius Pilate، وعُذّب ودُفن وقام من جديد في اليوم الثالث طبقاً للكتاب المقدس، وصعد إلى السموات وجلس على يمين الآب. وسوف يأتي من جديد بالمجد ليحاكم الأحياء والأموات والذي ملكه بلا نهاية:
- وبالروح القدس الرب واهب الحياة الذي نشأ من الآب والمعبود مع الآب والابن جميعاً ولهم المجد والذي تكلم خلال الأنبياء: في كنيسة كاثوليكية ورسولية واحدة مقدسة: نقر بمعمودية واحدة للخلاص من الذنوب وننتظر بعثا من الموت والحياة للعصور القادمة.
ورغم قبول مجمع الأساقفة لعقيدة مؤتمر نيقية فإنه لم يرد فيها ذكر "الثالوث".
و استمر الخلاف حول طبيعة المسيح لمدة عقود كثيرة. وفي عام 381م انعقد مجمع مسكوني ثان في القسطنطينية.
صدق مجمع القسطنطينية على عقيدة "نيقيه". وذكر أن عيسى والله متساويان، ومشتركان في الخلود، وقال بألوهية روح القدس، وصارت عقيدة الثالوث بذلك مقررة رسمياً كحجر زاوية في الدين المسيحي لمدة 15 قرنا التالية.
ملحوظة: مثل "صلاة الرب" (متى 6-13:9) كل الروم الكاثوليك عليهم إحياء ذكرى "عقيدة نيقيه" التي أدخلوها في صلاتهم. وقد جعل الإمبراطور " ثيودوسيوس" (Theodosius) الإيمان بالمسيحية موضوعًا لأمر إمبراطوري:
"إنها إرادتنا أن تمارس كل الشعوب التي نحكمها هذا الدين الذي أبلغه الرسول بطرس الرباني إلى الرومان, وسوف نؤمن بالألوهية الواحدة اللآب والابن والروح القدس في ظل مفهوم المساواة في الجلالة ومفهوم الثالوث المقدس".
"إننا نأمر بأن هؤلاء الذين يتبعون هذا النظام أن يحملوا اسم (المسيحيين الكاثوليك). أما الباقون الذين نعتبرهم مجانين ومخابيل فسوف يتحملون عار المعتقدات البدعية وسوف لا يحمل مكان اجتماعهم اسم كنائس وأنهم سيبتلون: أولاً بالإنتقام الرباني، وثانياً بالعقوبات التي سوف تصدر من مبادرتنا. وسوف نأخذ على عاتقنا كل مايتفق مع حكم الله."
وفيما بعد تم صياغة عقيدة توقير مريم كـ "أم الله" و "حاملة لله" في المجمع الثاني بالقسطنطينية (553م) وأضيف لها لقب "العذراء الخالدة" "في صلوات وتراتيل الكنيسة الأورثوذكسية كان الدعاء يوجه إلى إسم "أم الله" كما كان كثيراً مايوجه إلى إسم عيسى وإلى الثالوث المقدس "..." وفي مذهب الروم الكاثوليك كانت مريم "أم الله" تصوّر بوجه الحكمة الربانية. ثم تقدم هنا خط سير تأليه أم الله خطوة إلى الأمام بأن عوملت مريم "كجوهر لأقنوم مقدس" بوجه الحكمة السماوية."
العوامل التي أثرت في عقيدة الثالوث
هذه العوامل التي تم تلخيصها عام 1989م بمعرفة (جمعية بنسلفانيا لبرج المراقبة و لمنشورات الكتاب المقدس) (Watchtower and Bible Tract Society of Pennsylvania) والتي أصبحت بمثابة التبشير بعقيدة الثالوث.
في كل مكان من العالم القديم المتوغل في القدم مثل بابل شاعت عبادة آلهة وثنية في مجموعة من ثلاثة شائعاً. وهذه الممارسة كانت أيضاً منتشرة قبل ذلك وأثناء وبعد المسيح في مصر واليونان وروما. وبعد وفاه الرسل غزت تللك المعتقدات الوثنية الدين المسيحي.
ولاحظ المؤرخ "ويل دورانت" (Will Durant) أن "المسيحية لم تقضي على الوثنية وإنما تبنتها...، فمن مصر جاءت فكرة الثالوث الإلهي" وفي كتاب عن الديانة المصرية أوضح "سجفريد مورنز" (Siegfried Morenz) "كان الثالوث هو الشغل الشاغل لرجال الدين المصريين... ثلاثة آلهة مؤتلفة تعامل ككائن مفرد يخاطب بالمفرد. وبهذه الطريقة تتضح القوة الروحية للديانة المصرية بأنها حلقة اتصال مباشرة مع اللاهوت المسيحي".
ومن ثم إنعكس تأثير رجال الكنيسة بالإسكندرية في مصر في أواخر القرن الثالث وبداية القرن الرابع مثل "أثاناسيوس" (Athanasius) على صياغة الأفكار التي قادت إلى الثالوث. ولقد كان تأثيرهم الذاتي من القوة حتى أن سجفريد مورنز(Siegfried Morenz) يعتبر "اللاهوت السكندريي هو مرحلة وسيطة بين إرث الديانة المصرية القديمة والديانة المسيحية".
وقد كتب "جميس هاستنج" James Hasting)) "في موسوعة الدين والأخلاق": "تجد في الديانة الهندية مثلاً مجموعة ثالوث براهما وسيفا وفيسنو وفي الديانة المصرية مجموعه ثالوث أوزيريس وإيزيس وحورس. وليس هذا في التاريخ الديني فقط حيث نجد الإله يُنظر إليه كثالوث. إذ تُذكر بصفة خاصة الأفلاطونية الجديدة في نظرتها إلى الحقيقة العليا والمطلقة أنها تأخذ الشكل" الثلاثي ".
وتوضح موسوعة العلم الديني "شاف هرزوج" الجديدة: New Schaff-Herzog Encyclopedia of Religious Knowledge مدى تأثير هذه الفلسفة اليونانية. ويقول "إن عقائد "الكلمة" (Logos) والثالوث تلقت تجسيدها من الأباء اليونانيين الذين... تأثروا كثيراً بالفلسفة الأفلاطونية بطريق مباشر أو غير مباشر، وهذه الأخطاء وهذه الانحرفات التي زحفت إلى الكنيسة من هذا المصدر لايمكن إنكارها".
وتقول (كنيسة الثلاثة قرون الأولى) "كان تكوين عقيدة الثالوث تدريجياً ومتأخراً نسبيًا فقد كان أصلها من مصدر أجنبي تماماً عن الكتب المقدسة اليهودية والمسيحية. إذ نمت وتغذت داخل المسيحية على يد الأباء المتأثرين بالأفلاطونية".
وعثر على تماثيل من آلهة ذوات ثلاثة وجوه في أماكن عديدة من العالم مثل: كمبوديا (Kampuchea) (الألوهية البوذية الثلاثية من القرن الثاني عشر الميلادي)، في إيطاليا (الثالوث من القرن الخامس عشر الميلادي)، في النرويج (الثالوث (الآب والابن وروح القدس) منذ القرن الثالث عشر الميلادي، في فرنسا (الثالوث منذ القرن الرابع عشر الميلادي), في ألمانيا (الثالوث منذ القرن التاسع عشر الميلادي)، في الهند (ألوهية هندية ثالوثية منذ القرن السابع الميلادي ) س. فالميرا (الثلاثي: إله القمر وإله السماوات وإله الشمس منذ القرن الأول الميلادي )، بابل (الثلاثي عشتار وسين وشاماش منذ الألفية الثانية قبل الميلاد )، مصر (الثلاثي: حورس وأوزيريس وإيزيس منذ الألفية الثانية قبل الميلاد ).
في محاولة لإنقاذ الثالوث بكل الطرق المتاحة لتبرير هذه العقيدة، وبعد إستنزاف كافة الحجج المنطقية والعقلية المعروفة لدى الإنسان، فشل عمالقة العالم المسيحي بشكل مثير للشفقة وأعلنوا أن "الثالوث هو سر ولغز".
ونقدم فيما يلي بعض التقارير والبيانات الصادرة عن رؤساء الكنائس وعن أبرز علماء اللاهوت وأشهر الكُتاب الذين جاءوا بجراءة وبلا سند يدافعون عن تللك العقيدة بتهور وطيش:
"الثالوث المقدس لغز وسر غريب في أدق معنى للكلمة. فالعقل وحده لايستطيع أن يثبت وجود إله ثالوثي، وقد أكد الوحي ذلك، وحتى بعد أن كُشف لنا عن وجود اللغز ظل من المستحيل على ذكاء وفطنة الإنسان إدراك وفهم كيف يمكن لثلاثة أشخاص ألا يكون لهم سوى طبيعة إلهية واحدة ".
والعالمان الكاثوليكيان "كارل راهنر" (KARL RAHNER) "وهربرت فورجيملر" (HERBERT VORGIMLER) قد كتبا في كتابهما (القاموس اللاهوتي) "الثالوث لغز..في أدق معنى للكلمة.. ولايفهم بدون وحي، وحتى بعد الوحي لم يصبح قابلاً للفهم بشكل كامل".
"عقيدة مكتنفة بالألغاز بهذا القدر تستلزم وحياً إلهياً". (الموسوعة الكاثوليكية) (The Catholic Encyclopedia).
"الله واحد، الله ثلاثة، وحيث أنه لايوجد شيء مثل هذا في الخلق, فلا يمكننا فهمه, ولكن فقط علينا قبوله". "مونسيجنور أوجين كلارك" (Monsignor Eugene Clark).
"نعلم أنه لغز غاية في العمق، لم نبدأ بعد في فهمه". "الكاردينال جون أوكونّور" (Cardinal John O'Connor).
"إن لغز الله في الثالوث شديد الغموض. "البابا يوحنا بولس الثاني" (Pope John Paul II ) .
الثالوث عقيدة لم يُعلّمها المسيحيون الأوائل
عبارات "الإله الآب" و "الإله الابن" و " الإله الروح القدس" ليست فقط مترادفة بالنسبة للمسيحية، وإنما هي من صميم وجوهر الإيمان المسيحي، ومع ذلك وبرغم اعتبار هذه العقيدة المنبع والمصدر الرئيسي للديانة المسيحية فإنها لم تكن معروفة أو مقررة من المسيح أو من أوائل المسيحيين، فلم يفكر مطلقاً " الآباء الرسوليون " ولا هؤلاء الذين خلفوا الأجيال حتى الربع الأخير من القرن الرابع الميلادي في إله ثالوثي، وإنما آمنوا بخالق واحد مبدع مطلق القدرة مطلق العلم مطلق العظمه الجدير وحده بالعبادة.
وفيما يلي تقارير صحيحة من مصادر مسيحية مختلفة غنية عن البيان: "إن صيغة إله واحد في ثلاثة أشخاص لم تكن مقررة بمتانة في الحياة المسيحية ولا في العقيدة المسيحية قبل نهاية القرن الرابع بل كانت هذه الصيغة بالذات هي أول إدعاء وزعم لتسمية عقيدة الثالوث، فلم يوجد لدى الآباء الرسوليين فلم يكن هناك شيء يقترب ولو من بعيد من هذه العقلية أو من هذا المنظور."
عقيدة الثالوث تم سكها على يد مسيحيين بعد حوالي 300 سنة بعد رفع المسيح ، وليس في الأناجيل القانونية الأربعة التي تم تحريرها مابين عامي 70م و 115م أية إشارة إلى الثالوث. وحتى القديس بولس الذي جلب كثيراً من الأفكار الأجنبية إلى المسيحية لم يعرف أي شيء عن الإله الثالوثي. وتقر الموسوعة الكاثوليكية الجديدة (التي تحمل التصديق الرسمي) بأن عقيدة الثالوث لم تكن معروفة من جهة المسيحيين الأولين وأن هذه العقيدة تم صياغتها في الربع الأخير من القرن الرابع:
"من العسير في النصف الثاني من القرن العشرين أن نقدم بيانًاً واضحاً وموضوعياً وأميناً بشأن الوحي والتطور العقيدي والتحضير اللاهوتي للغز الثالوث، فالمناقشات الثالوثية والكاثوليكية الرومانية وغيرها لم يعرض علينا منها سوى القليل من شبح متقلب.
فقد حدث أمران: هناك إعتراف من جانب مفسري الكتاب المقدس وعلماء اللاهوت الانجيليين بما فيهم عدد متزايد من الرومان الكاثوليك بأنه من غير الجائز لأحد أن يتحدث عن وجود المذهب الثالوثي في العهد الجديد مالم تتوافر فيه كفاءة جادة.
وهناك أيضا اعتراف متوازي القرب من جانب مؤرخي العقيدة وعلماء اللاهوت المنهجيين بأنه عندما يتكلم أحد عن مذهب ثالوث غير مؤهل، فإن هذا المتحدث يكون قد تحرك وابتعد عن فترة منشأ المسيحية أى آخر ربع القرن الرابع. فقد كان في هذا الزمن فقط ظهور ما يمكن أن يسمي عقيدة الثالوث النهائية التي تقول بإله واحد في ثلاثة أشخاص، تم دمجها بالكامل في حياة المسيحيين وفكرهم" .
"في البداية لم يكن الدين المسيحي ثالوثياً... ولم يكن كذلك في العهد الرسولي ولا فيما بعد العهد الرسولي كما يتضح من العهد الجديد ومن كتابات المسيحيين الأوائل الأخرى" (موسوعة الدين والأخلاق).
"ومع ذلك لم يفكر المسيحيون الأوائل في البداية أن يطبقوا فكرة الثالوث على ديانتهم الخاصة فقد وجهوا عبادتهم إلى الله الآب وإلى عيسى المسيح ابن الله. وكانوا يعترفون... بالروح القدس إلا أنه لم توجد في هذا الوقت أي فكرة عن أن هؤلاء الثلاثة يكوّنون فعلاً ثالوثاً ومتساوون ومتحدون في واحد". "الوثنية في مسيحيتنا". (The Paganism in Our Christianity) .
بينما الكتاب المقدس يُبشر به ويتم الإيمان به على أنه "كلمة الله"، فإنه لا يحتوي على هذه العقيدة الشهيرة "عقيدة الثالوث". فلو كانت عقيدة الثالوث صحيحة لكان قد تم توضيحها التوضيح الكامل في الكتاب المقدس لشدة الحاجة إلى معرفة الله ومعرفة طريقة عبادتة الصحيحة.
فلا أحد من بين أنبياء الله منذ آدم حتى عيسى كانت لديه فكرة الثالوث أو الإله الثالوثي. ولا أحد من رسل الله صرح بأي حديث مرتبط بهذا الشأن أو أنه توجد أية إشارة سواء في العهد القديم أو الجديد بالكتاب المقدس. تؤكد مثل هذه العقيدة. فمن الغريب إذن أنه لا عيسى ولا أحد من تلاميذه جرى حديثه عن الثالوث في الكتاب المقدس بل على العكس فقد قال عيسى :" الرب إلهنا رب واحد" (مرقس 29:12). وطبقا لقول القديس بولس "أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم كما أنتم أيضا تعلمون" (الأعمال 22:2).
النصوص السابقة تتحدث عن نفسها. فلماذا يأتي شخص ويسبب ازعاجاً وقلقاً بعقيدة مليئة بالغموض والبلبلة عجز أبرز وأكبر علماء المسيحية أن يفسروها أو يشرحوها بطريقة يقبلها العقل ؟.
ولقد سبق أن تنبأ عيسى بهذا النوع من القضايا في (متى8:15-9) "يقترب إليّ هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً وباطلاً يعبدونني وهم يُعلّمون تعاليم هي وصايا الناس".
وتبعه القديس بولس بقوله في (رسالة تيموثاوس الثانية (4: 3-4) "لأنه سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم معلمين مستحكة مسامعهم فيصرفون مسامعهم عن الحق وينحرفون إلى الخرافات".
ونقرأ فيما بعد في (تيطس 16:1) "يعترفون بأنهم يعرفون الله ولكنهم بالأعمال ينكرونه إذ هم رجسون غير طائعين ومن جهة كل عمل صالح مرفوضون".
وفي وسط هذه المعضلة، استنزفت عقول كبيرة بين المسيحيين كل وسائل المنطق المعروفة لإضفاء قابلية للتصديق لعقيدة الثالوث إلا أنهم فشلوا بما يثير الشفقة وبالتالي أعلنوا أنها "لغز".
ومع ذلك فإن عبادة الله القوي العظيم لاينبغي أن تلوث. فالله يريد من الإنسان أن يعبده وحده طبقا لهدايته الربانية. فيما أن الله ذاته عادل يستتبع ذلك أن عدله يقتضي أن تكون رسالته واضحة وبسيطه في شكلها وأن تكون تعاليمه في جملتها خالية من أي خلل أو خرافة أو غموض. ويجب أن تكون رسالته حقيقة مطلقة قادرة دائما على مواجهة أي تحدي من أي نوع من جوانب العلم بما فيها الاكتشافات البشرية في المجال العلمي.
وبما أن عقيدة الثالوث "لغز وسر" في حد ذاتها، فإنها بناء على ذلك لايمكن النظر إليها على أنها من مصدر إلهي. يقول الكتاب المقدس: "لأن الله ليس إله تشويش بل إله سلام ". (رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس 33:14).
تقر الموسوعة الدينية بأن:" علماء اللاهوت متفقون اليوم على أن الكتاب المقدس العبراني لايحتوي على عقيدة الثالوث". كما تقول الموسوعة الكاثوليكية الجديدة "إن العهد القديم لم يلقن عقيدة الثالوث المقدسة."
وعلى نفس المنوال يقر اليسوعي ادموند فورتمان (Edmund Fortman) في كتابه بعنوان (الإله الثالوثي) (TheTruine God) بأن "العهد القديم... لايقول لنا شيئا صريحاً أو ضمنياً عن إله ثالوثي: الآب والابن والروح القدس... ولايوجد أي دليل على أن أي كاتب مقدس قد شك في وجود (ثالوث) داخل الألوهية. أما أن يُرى في )العهد القديم( إيحاءات أو تنبؤات أو علامات محجوبة لثالوث الأشخاص فهذا معناه تجاوز معاني الألفاظ وتجاوز مراد الكتاب المقدسين" .
تقول الموسوعة الدينية "إن علماء اللاهوت متفقون اليوم على أن العهد الجديد أيضاً لايحتوي " على عقيدة صريحة عن الثالوث.
ويذكر (فورتمان) اليسوعي "إن كتّاب العهد الجديد... لايعطوننا أية عقيدة ثالوثية صريحة أو مصاغة، ولا أية تعاليم واضحة أنه في الإله الواحد توجد ثلاثة آلهة متساوية لشخصيات إلهية... ولا توجد في أي مكان أية عقيدة ثالوثية عن ثلاثة ذوات متميزة لها حياة إلهية ونشاط إلهي في نفس الألوهية".
وبالمثل يذكر (القاموس الدولي اللاهوتي للعهد الجديد) إن "العهد الجديد لا يحتوي على العقيدة المتطورة للثالوث. ويغيب عن الكتاب المقدس الإعلان الصريح بأن الآب والابن والروح القدس من جوهر متساوي." (وهذا قول اللاهوتي البروتستانتي (كارل بارث KARL BARTH)).
ويذكر كذلك المؤرخ (أرثر ويجال ARTHUR WEIGALL) أن "عيسى لم يذكر أبداً شيئاً عن مثل هذه الظاهرة. ولا يظهر لفظ "ثالوث" في أي موضع من العهد الجديد. ولم تتبنى الكنيسة هذه الفكرة إلا بعد 300 سنة من وفاة الرب" (كتاب الوثنية في مسيحيتنا) .
رفض عقيدة الثالوث من المسيحيين المعاصرين:
كثير من علماء اللاهوت المسيحيين المحدثين يرفضون الإلتزام بالعقيدة التي وضعتها الكنائس وآخرهم وأبرزهم وأشهرهم الأسقف الجديد لمدينة دربان ديفيد جنكنز (Bishop David Jenkins) بروفسور اللاهوت والدراسات الدينية بجامعة ليدزLeeds University، والذي قال إن بعض الأحداث المبكرة في بعثة عيسى "لم تكن صحيحة بشكل قاطع، وإنما أٌضيفت إلى قصة عيسى بيد المسيحيين الأوائل للتعبير عن إيمانهم به كمسيح " .
ويقول البرفسور (جون هيك) (John Hick) "إن ماطوّرته الأورثوذكسية كطبيعتين لعيسى - إلهية وبشرية - ودخل في ميراث شخصية عيسى التاريخية بقى على شكل كلمات غير قابلة لأن يكون لها معنى قابل للتحديد". ثم أردف قائلا: "لأنه إذا قيل بدون تفسير إن عيسى التاريخي الناصري كان أيضا إلهاً فهذا القول هو مجرد من أي معنى كما لو قلت إن هذه الدائرة المرسومة بالقلم على الورق هي أيضاً مربع. لأن هذه الصيغة اللغوية يجب أن يخضع مضمونها لعلم دلالات الألفاظ: وأنه في اللغة المستخدمة للتعبير عن التجسيد (Incarnation) فإن كل مضمون استخدم حتى الآن كان ينبغي رفضه تماماً. ويواصل قوله بأن التجسيد الإلهي هو مجرد فكرة أسطورية. ثم يقول مرة أخرى، إنني استخدم كلمة أسطورة (Myth) بالمعنى التالي "الأسطورة قصة تقال ولكنها حرفيا ليست صحيحة أو إنها فكرة أو صورة جرى تطبيقها على شخص أو شيء معين ولكنها حرفيا لاتنطبق عليه" والقول "بأن عيسى كان الإله الابن المجسد ليس صحيحا حرفياً. لأنه ليس لهذا القول معنى حرفي، وإنما هو تطبيق على عيسى لفكرة أسطورية وظيفتها تشبه وظيفة لفظ البنوة (sonship) الإلهية التي نسبت في العالم القديم إلى ملك من الملوك."
ويقول (فيكتور بول ويرويل) (Victor Paul Wierwille) في كتابه "عيسى ليس الله": "أنا أقول إن عيسى ليس الله ولكنه ابن الله. فلا وجود بينهما لخلود مشترك بلا بداية ولانهاية، ولا لمساواة مشتركة. إذ لم يكن عيسى حرفياً مع الله في البداية ولا هو تتوفر فيه كافة امكانيات الإله."
ويقول (فيكتور بول ويرويل) في تعليقه القوي (empathic comment ) "قبل أن أختم دعوني أفضي بسريرة روحي. فالقول بأن عيسى ليس الله - في رأيي - لايقلل من أهمية ومدلول عيسى بأي شكل. وإنما ببساطة يرفع الله أباً لربنا عيسى إلى منزلته الوحيدة والرفيعة والتي لامثيل لها. فالواحد هو الله."
إنني أؤمن بأن عيسى خلقه الله. وبأنه كان (المسيح) "الممسوح بالزيت" Anointed) ) ورسول من الله. وأنه كان كلمة الله إلى مريم وروح منه. ولا أقبله كإله أو الإله المجسد أو ابن الله أو الإله الابن. فالله وعيسى مختلفان وكائنان منفصلان. فالله هو الخالق وعيسى هو الكائن المخلوق. وهما من جوهرين مختلفين وغير متساويين لا في الزمن ولا في القدرة ولا في العلم ولا في المنزلة.
إن العديد من التقارير والبيانات الصريحة عن عيسى وعن أنبياء الله السابقين (عليهم السلام) و الموجودة في الكتاب المقدس تبطل كلا الفكرتين عن "الله المجسد" وعن "عقيدة الثالوث." وأي شيء يخالف ما أوضحته لا يعدو أن يكون شائعات اصطنعها أفراد يحتاجون إلى أن يجعلوا من إدعاءاتهم أشياء لها وجود. والأدلة التي لديهم هي على أحسن الفروض مدسوسات وتحريفات أُدخلت على أصل إنجيل عيسى وعلى رسائل الله الأولى. "عيسى ليس الله وإنما فقط نبي عظيم ورسول الله".
تعاليم أنبياء الله:
من الغريب أنه لم يُعلّم أحد من الأنبياء قبل أو بعد عيسى عقيدة الثالوث. بل إنهم جميعًا أعلنوا وحدانية الله. فالله وحده فوق الوجود المادي. إنه القوي قوة مطلقة. الخالق لكل الأشياء المرئية. وغير المرئية ليس له شريك ولا رفيق أو مشارك أو عائلة أو ذرية أو مساعد في ألوهيته. إنه وحده الحافظ والرازق لكافة المخلوقات.
وفيما يلي بيان بتعاليم أنبياء الله في العهد القديم والجديد:
النبي موسى قال "الآن علمت أن الرب أعظم من جميع الآلهه...". (الخروج 11:18).
"الرب إلهنا واحد فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك." "ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك وقصها على أولادك وتكلم بها حين تجلس في بيتك وحين تمشي في الطريق وحين تنام وحين تقوم واربطها علامه على يدك ولتكن عصائب بين عينيك واكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك." ( التثنية 4:6 -9).
"احترزوا من أن تنسوا عهد الرب إلهكم الذي قطعه معكم وتصنعوا لأنفسكم تمثالاً منحوتاً صورة كل مانهاك عنه الرب إلهك. لأن الرب إلهك هو نار آكلة, إله غيور." (تثنية 23:4).
وأكد عيسى نفس الفكرة عن الله في (مرقس 29:12) "الرب إلهنا رب واحد..." فكلا النبيين موسى وعيسى عليهما السلام أكّدا بما يلفت الأنظار أن ربهما وربنا رب واحد. وجدير بالملاحظة أنه لايوجد أي شيء في بيانهما أن أياً منهما شارك في الألوهية. "ليس قدوس مثل الرب لأنه ليس غيرك وليس صخرة مثل إلهنا" (1صمويل 2:2).
والنبي داود قال في المزامير: (18:83) "ويعلمون أنك اسمك يهوه وحدك العلي على كل الأرض".
(1:104) "باركي يا نفس الرب يارب إلهي قد عظمت جداً مجداً وجلالاً". (7:105) "هو الرب إلهنا".
(27:118) "الرب هو الله وقد أنار لنا".
(28:118) "إلهي أنت فأحمدك إلهي".
النبي سليمان قال: "الخوف من الرب هو بداية الحكمة. ومعرفة القدوس بصيرة." (أمثال 10:9).
وهذه الكلمات منسوبة إليه "اتق الله واحفظ وصاياه لأن هذا هو الإنسان كله". (جامعة 13:12).
والنبي إشعياء : "إله الدهر الرب خالق أطراف الأرض". (اشعياء 28:40).
الحاصل أن الخالق وحده هو الله الذي خلق الأشياء كلها (الكون كله وما فيه) منذ آلاف السنين قبل مجيء عيسى ، فعيسى نفسه خلقه الله وكذلك خلق الروح القدس، فالواقع أنه لم يكن في الوجود ثالوث حتى ابتكر الناس هذا الثالوث في القرن الثالث الميلادي.
ولقد أكد عيسى "للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد". (متى 10:4وو لوقا 8:4) "أنه لا أحد يستحق العبادة الا الله وحده."
وقال النبي عيسى "وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته" (ويوحنا 3:17).
إن تصريحات عيسى بعاليه تثبت وجود شخص واحد إلهي فقط "أنت الإله الحقيقي" فعيسى لايعرف شيئا عن الثالوث ولم يكن يعلم بوجود ثالوث.
بالإضافة إلى ذلك فإن عيسى لم يدّع الألوهية لأنه أشار إلى كائن "أنت" أنه الإله الحقيقي و قال عن نفسه أنه رسول الله أي " يسوع المسيح الذي أرسلت".
أما عن بولس فلم يكن يدري شيئاً عن الثالوث قال "أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم ". (أعمال 22:2).
"لأنه وإن وُجد مايُسمى آلهة سواء كان في السماء أو على الأرض كما يوجد آلهة كثيرون وأرباب كثيرون لكن لنا إله واحد الآب الذي منه جميع الأشياء ونحن له ". (الرسالة الأولى الى كورنثوس 5:8-6).
وفيما يلي بيان بتعاليم أنبياء الله في القرآن الكريم:
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيم َوَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِي َمُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (البقرة:136).
و قد أرسل الله نوحاً إلى قومه حيث قال لهم يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ . (الأعراف:59 ) .
وقد وصيّ إبراهيم أبناءه وأيضاً وصيّ يعقوب أبناءه فيقول الله تعالى وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ . (البقرة: ١٣٢).
مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . (آل عمران: ٦٧).
أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . ( البقرة: ١٣٣).
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ... . (الأعراف: ٦٥).
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ... . (الأعراف: 73 ).
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ... . (الأعراف: 85 ).
وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي . (طه: ٩٠).
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . ( الأنبياء: ٨٣).
وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ . ( النمل: ١٥).
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ . (النمل: ١٦).
وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89 ) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ... (90) . (الأنبياء: ٨٩ - ٩٠).
و قال عيسى إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيم . ( ٌآل عمران: ٥١).
وعندما سأل رجل محمداً عن العمل الذي يدخل الجنة قال له "أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً." (البخاري).
وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ماكان من عمل". (البخاري ومسلم).
وفي حديث صحيح آخر قال رسول الله "من لقى الله لايشرك به شيئاً دخل الجنة" (البخاري).
وعن ابن عباس (رضى الله عنه) قال: قال رسول الله "ألا أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف." (الترمذي).
وفي حديث آخر في ما معناه أن الله لاينزل عقابه بالناس بذنوبهم إلا إذا عصوا وتحدوا وتمردوا على الله وأعرضوا عن الإيمان بأنه لا إله إلا الله.
"لم يكن عيسى مسيحياً وإنما كان يهودياً ولم يدعُ إلى دين جديد وإنما علّم الناس أن يعملوا بما يتفق مع إرادة الله، وكان من رأيه كما كان من رأي اليهود أن إرادة الله موجودة في (الناموس) وفي الكتابات الأخرى للكتاب المقدس."
تظهر النصوص التالية من الكتاب المقدس الطبيعة الحقيقية لله تعالى ولعيسى ، فمن الواضح الآن أن الله وحده هو الأعلى والحاكم والمنزه، وأنه فوق الوجود المادي (Transcendent)، أما عيسى فإنه كائن محدد، كان يعاني بسبب رغباته، و كان يخضع لإرادة الله، وكل تصريحات وأفعال عيسى تؤكد بوضوح كامل تبعيته لله تعالى.
شهادة العهد القديم عن الله
إن تعاليم العهد القديم والعهد الجديد هي في جوهرها توحيدية، وإن العهد الجديد ليس مرحلة انتقال من إله واحد إلى (ثلاثة آلهة في واحد)، ولقد أكد عيسى ذلك في تعاليمه قائلا: "لاتظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ماجئت لأنقض بل لأكمل فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لايزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل". (متى 5-18:17).
إن تقريرات الله بسيطة، وواضحة وخالية من أي تناقض أو التباس. وفيما يلي بعض هذه الكلمات الإلهاميه من عند الله في الكتاب المقدس حيث يقول الله تعالى:
(التكوين 1:17) "أنا الله القدير".
(الخروج 11:15) "من مثلك بين الآلهة يارب؟ من مثلك معتزا في القداسة؟ مخوفاً بالتسابيح صانعاً العجائب؟". (الخروج 2:20) "أنا الرب إلهك".
(الخروج 20-5:3) "لا يكن لك آلهة أخرى أمامي. لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة ما مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض لاتسجد لهن ولا تعبدهن لأني أنا الرب إلهك إله غيور".
هذه النصوص تحرم تحريماً قاطعاً كل أنواع " الصور" عن الله سواء بالفن الطبيعي أو التمثيلي. فلا يمكن لأي صورة أن تناسب الله أكثر من نفسه. وبما أنه سبحانه فوق الوجود المادي فإنه يتعذر تصويره بمعرفة البشر باستثناء ما أوحى به عن طريق الأنبياء من صفات ربانية لذاته.
(اللاويين 19-4:3) "أنا الرب إلهكم لا تلتفتوا إلى الأوثان وآلهة مسبوكة لا تصنعوا لأنفسكم أنا الرب إلهكم".
(العدد 19:23) "ليس الله إنسانا فيكذب ولا ابن إنسان فيندم".
(تثنية 35:4) "إنك قد أريت لتعلم أن الرب هو الإله ليس آخر سواه".
(تثنية 4:6) "إسمع يااسرائيل الرب إلهنا رب واحد".
(تثنية 39:32) "انظروا الآن أنا أنا هو وليس إله معي".
(1 صمويل 2:2) "ليس قدوس مثل الرب لأنه ليس غيرك وليس صخرة مثل إلهنا".
(1 ملوك 22:8) وقال سليمان: "أيها الرب إله إسرائيل ليس إله مثلك في السماء من فوق ولاعلى الأرض من أسفل".
(مزامير 10:86) "لأنك عظيم أنت وصانع عجائب أنت الله وحدك".
(أشعياء 28:40) "أما عرفت أم لم تسمع إله الدهر الرب خالق أطراف الأرض لا يكل ولا يعبأ ليس عن فهمه فحص".
(إشعياء 8:42) "أنا الرب هذا اسمي ومجدي لا أعطيه لآخر ولاتَسْبحي للمنحوتات".
(إشعياء 43-11:10) "أنتم شهودي يقول الرب وعبدي الذي اخترته لكي تعرفوا وتؤمنوا بي وتفهموا أني أنا هو قبلي لم يصور إله وبعدي لايكون أنا أنا الرب وليس غيري مخلص".
(أشعياء 6:44) "أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيري".
(اشعياء 45-6:5) "أنا الرب وليس آخر، لا إله سواي لكي يعلموا من مشرق الشمس ومن مغربها أن ليس غيري أنا الرب وليس آخر".
(إشعياء 18:45) "لأنه هكذا قال الرب خالق السماوات هو الله مصور الأرض وصانعها هو قررها لم يخلقها باطلاً للسكن صورها أنا الرب وليس آخر".
(إشعياء 9:46) "أذكروا الأوّليّات منذ القدم لأني أنا الله وليس آخر الإله وليس مثلي".
(إشعياء 12:48) "أنا هو الأول وأنا الآخر ويدي أسست الأرض ويميني نشرت السماوات".
(إشعياء 1:66) "هكذا قال الرب السماوات كرسي والأرض موطيء قدمي".
(إرميا 10-11:10) "أما الرب الإله فحق هو إله حي وملك أيدي هكذا تقولون لهم: الآلهة التي لم تصنع السماوات والأرض تبيد من الأرض ومن تحت هذه السماوات".
(حزقيال 4:13) "هكذا قال السيد الرب".
شهادة العهد الجديد عن عيسى
كان ميلاد عيسى مبشراً به: "وفي الشهر السادس أُرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الخليل اسمها ناصرة إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف واسم العذراء مريم" (لوقا 1-27:26).
وهكذا يتضح أن الله لم ينزل لكي يكون لحماً كما تدّعي الكنائس، وإنما أرسل ملاكه جبريل ليخبر مريم بخطة الله. إذن عيسى كان روحاً مخلوقة في رحم مريم بقوة الله. ومن هنا تنتفي عقيدة الإله المجسد ويصبح هذا الإدعاء بدون أي أساس.
ولقد أخبر الملاك جبريل مريم قائلا: "وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع". (لوقا 31:1).
إذن من هم أعضاء الثالوث (بمعنى الألوهية ثلاثة في واحد) قبل ميلاد عيسى عليه السلام ؟
لقد كان هناك فقط إلهاً واحداً حقيقيا منذ البداية حياته أزلية، أما الثالوث فقد كان تحولاً عن الإيمان بإله واحد (الوحدانية) إلى ثلاثة آلهة (شرك ووثنية).
وكان الناس قبل عيسى يؤمنون بإله واحد فقط، ولكن بعد ميلاده أضافت الكنائس شخصين آخرين إلى الألوهية.
ومن ناحية أخرى عندما كان عيسى جنيناً في الرحم هل كان الله العلي القدير أيضا منفوثاً به في الرحم؟ طالما أن أنصار عقيدة الثالوث يدّعون أن الشخصين أو الثلاثة أشخاص متحدون في "جسد واحد". فهل كل هؤلاء كان يتم نموهم كجنين واحد في رحم مريم؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا ولدت مريم عيسى وحده فقط ؟
كم هي فكرة ساذجة ومثيرة للإستياء الاعتقاد بأن عيسى متحد بالجسد مع الله !.
الله الذي ليس له بداية ولا نهاية خلق السماوات والأرض وكل الأشياء الموجودة بينهما منذ ملايين السنين وقبل ظهور الحضارة الإنسانية. ولقد مضت أجيال وأجيال قبل ميلاد عيسى .
"ولما تمت ثمانية أيام ليختنوا الصبي يسوع". (لوقا 21:2) فما أسوأ من هذا التجديف في حق الله ! وهل إذا كان عيسى حقا هو الله الحق أتظن أنه يحتاج إلى الاختتان؟
"وكان الصبي ينمو ويتقوى بالروح ممتلئاً حكمة وكانت نعمة الله عليه". (لوقا 40:2). في البداية لم يكن عيسى (الإله) مزوداً بالعلم وهو صغير وإنما زُود بالحكمة عندما بلغ سن المراهقة. أما الإله الحقيقي فإن حكمته لا تزيد ولا تنقص ولا يخضع للزمان ولا المكان لأنه في كل وقت كامل ومطلق.
"ولما كان عيسى يصلي "صلاة الرب". (لوقا 11-4:2) هل يمكن لأحد أن يصلي لروح نفسه؟.
بالتأكيد لا.
ومن هنا يظهر التمييز بين الإله الحقيقي والنبي عيسى وبالاضافة إلى ذلك فإن إرادة الله مستقلة ومنفصلة عن إرادة عيسى مما يدل على أنهما ليسا واحداً ولا متساويين.
ولقد قيل إن عيسى كان يصوم "فبعد ما صام أربعين نهارا وأربعين ليلة جاع أخيراً... (متى 2:4), والصوم إحدى وسائل تكفير الذنوب وإظهار الطاعة والخضوع لمن هو في منزلة الأعلى.
فالله لا هو خاضع لأحد كائنًا من كان ولا هو في حاجة إلى الصيام لغفران ذنوبه، ولا هو أيضا يعاني من رغباته، وإنما الله سبحانه بخلاف عيسى متحرر من كل شيء لأنه وحده الأعلى والأكمل.
"ولقد حضر جمع كبير من الناس لكي يستمعوا إلى عيسى وأحضروا معهم كثيرا من المرضى فتحقق لهم الشفاء من آفاتهم" (متى 31:15) "ومجدوا إله إسرائيل" فكيف يكون إله المسيحيين "ثلاثة" وإله اليهود واحد ؟.
"ثم تقدم قليلا وخر على وجهه وكان يصلي قائلا: ياأبتاه إن أُمكن فلتعبر عني هذه الكأس ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت". (متى 39:26) و(مرقس 14-36:35).
فإلى من كان عيسى يوجه صلاته ؟ أكان عيسى يوجه صلاته إلى نفسه باعتباره جزءاً من الألوهية؟
إطلاقاً... لأن الحقيقة أن عيسى كان دائماً يصلي لله طلباً للعون وحتى عندما أعاد لعازر إلى الحياة (يوحنا 11-43:41) كان عيسى دائماً شاكراً لله مما يثبت كامل عجزه وخضوعه لله.
"وفي الصبح إذ كان راجعاً إلى المدينة جاع فنظر شجرة تين على الطريق وجاء إليها فلم يجد فيها شيئاً إلا ورقاً فقط". ( متى21-19:18) هل يمكن لإله أن يشعر بالجوع وأن يجهل مواسم الشجر لحمل الثمار؟.
والقديس بولس يقول "أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال. يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم". (أعمال 22:2) هنا يتضح ماذا كان بولس يعني بكلمات "قد تبرهن لكم" بمعنى أنه "مدهون بالزيت" أي "مختار من قبل الله" أي "ليكون نبياً".
لم يذكر أو يشر عيسى إلى الثالوث، ولا كان على علم بوجود ثلاثة أشخاص إلهية في الألوهية وإنما كانت فكرته هي ذات الفكرة التي كانت لدى من سبقه من الأنبياء الإسرائيليين الذين كانوا يدعون إلى وحدانية الله.
"إن أول كل الوصايا هى اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك" (مرقس 12-30:29).
"للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد". وهذا موجود بالإنجيل في (متى 10:4) وفي (لوقا 8:4)، فقد قال عيسى إن الله وحده هو المعبود بحق "الرب إلهنا رب واحد ". (مرقس 29:12).
وهكذا يؤكد عيسى وحدانية الله "بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات". (متى 21:7).
واضح أن الله كان في السموات بينما عيسى كان على الأرض، وبالتالي كيف يكون اتحادهما في جسد واحد ؟ وتذكر عقيدة المسيحيين أن (ثلاثة أشخاص) متحدون في جسد واحد (ثلاثة في إله واحد) فكيف يمكن لجميع أعضاء الثالوث أن يكونوا إلهاً كاملاً بينما كل إله منهم يمثل ثلث الألوهية فقط؟.
"وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته". (يوحنا 3:17) وهنا يضع عيسى خطاً فاصلاً بين الله وبين نفسه، فلكي تتوصل إلى الحياة الأبدية يجب أن تعرف (وتقر) بالله الحقيقي وأن عيسى مرسل فقط كرسول الله.
فقد قال عيسى "لماذا تدعوني صالحاً ؟ ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله". (مرقس 18:10).
فعيسى يؤكد أن لا أحد صالح غير الله، وبهذا ميز بين الله وبين نفسه.
"وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب". (متى 36:24) (ومرقس 32:13).
وهكذا يقر عيسى بأن علمه مقيد بخلاف الله العليم الخبير، وكذلك المحاكمة يوم القيامة هي ملك لله وحدة الذي يحتفظ بالأسرار لنفسه.
"الحق الحق أقول لكم لايقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً". (يوحنا 19:5) فهكذا يقر عيسى بأنه تابع لله.
"أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئاً، كما أسمع أدين، ودينونتي عادلة، لأني لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الآب الذي أرسلني". (يوحنا 30:5).
"لأني قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني". (يوحنا38:6).
"تعليمي ليس لي بل للذي أرسلني". (يوحنا 16:7).
"ولست أفعل شيئاً من نفسي بل أتكلم بهذا كما علمني أبي". (يوحنا 28:8).
وهكذا بكل وضوح يذكر عيسى أنه ليست له تنقصه قدرة إلهية، فمن نفسه لا يستطيع عمل شيء حيث أن الله وحده هو مصدر القوة والسلطان.
"ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله". (يوحنا 40:8)، ويعترف عيسى هنا أنه لايعدو أن يكون رسولاً يؤدي رسالته المكلف بها من الكائن الأعلى.
فيقول النبي عيسى "...إني أصعد إلى أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم". (يوحنا 17:20).
هذا النص يضع نهاية "لعقيدة الثالوث ولعقيدة التجسيد". ويُظهر أن علاقة عيسى بالله تشبه علاقة أي كائن بشري آخر بالله بمعنى عبادته وطلب العون منه.
وكل النصوص السابقة تحدد بشكل في منتهى الدقة انخفاض درجة منزلة عيسى تجاه الله وضعفه وتبعيته لفضل الله.
القرآن الكريم هو الوحي الأخير والخاتم من الله العلي القدير. ولقد أوحى الله في القرآن مايكشف عن نفسه العليا بوضوح شديد لا يدع مجالاً لأي تفسير إلا فهم معاني الألفاظ المكتوبة، علماً بأن كلمات الله سبحانه وكلمات أحاديث رسوله محمد هي كلمات الحق كل الحق.
ولاجدال في أن كلمات الله غاية في الوضوح لأنها بسيطة وتعبر عن نفسها دون أي لبس. الله الذي أبدع السماوات والأرض، وقدرته وعلمه بلا حدود، إنه الرب الحميد المجيد الرازق لكل خلقه، وبالتالي فلا ينبغي للناس أن ينخدعوا بأي أوهام باطلة أنه يمكن أن توجد آلهة أخرى غير الله الواحد القهار.
دعونا ننقل ما يقوله القرآن الكريم عن الله سبحانه وتعالى الذي له صفات الكمال المطلق التي تليق بألوهيته الحقة لأنه وحده فوق الوجود المادي.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(٥) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧) . (الفاتحة: ١ - ٧).
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢) (البقرة: ٢١ - ٢٢ ).
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩) . ( البقرة: ٢٨ - ٢٩).
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ . ( البقرة: ١١٧).
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ . ( البقرة: ٢٥٥ )
... وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (آل عمران: ١٥٦)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا . (النساء: ١).
قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . (المائدة: ٧٦).
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْركِينَ . (الأنعام: ١٤).
أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٢) . (الأعراف: ١٩١ - ١٩٢)
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى . (طه: ٨)
أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٦٤) قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٦٥) . ( النمل: ٦٤ - ٦٥).
لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ . (لقمان: ٢٦).
يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ . (الرحمن: ٢٩).
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ . ( الحشر: ٢٣ ).
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . ( التغابن: ٢).
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤) . (الإخلاص: ١ - ٤).
يذكر أنصار الثالوث لدعم عقيدتهم عدة نصوص فقط من الكتاب المقدس ويفسرونها تفسيراً غريباً، إما بالابتعاد عن معنى المضمون أو عن معنى النص الأصلي، بينما يدعو الكتاب المقدس في جملته إلى التوحيد (وحدانية الله) ابتداء من أول كتاب فيه (وهو التكوين) من العهد القديم، إلى آخر كتاب في العهد الجديد (وهو رؤية يوحنا).
وفيما يلي بعض النصوص التي يذكُرونها كبراهين على صحة عقيدة الثالوث:
الدليل الأول: في النص الموجود في طبعة الملك جيمس (King James) (رسالة يوحنا الأولى 7:5) المعتمدة عام 1611م "فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد". هذا النص شطب من معظم الطبعات المدققة بعد أن تبين أنها لم تكن من المخطوط الأصلي، وإنما هي إضافة لاحقة في زمن متأخر.
الدليل الثاني: من (متى 19:28) "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس".
الدليل الثالث: (2 كورنثوس 13-14:13) "يسلم عليكم جميع القديسين نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدس مع جميعكم".
الدليل الرابع: في (1 كورنثوس 12-6:4) "فأنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد وأنواع خدم موجودة ولكن الرب واحد وأنواع أعمال موجودة ولكن الله واحد الذي يعمل الكل في الكل".
وفيما يختص بالأدلة الثاني والثالث والرابع، فإن مجرد سرد الأسماء (أي تسميتهم) لا يؤسس أو ينشيء عقيدة الثالوث بأي شكل فضلاً عن بيان تعدادهم فهم في الواقع ثلاثة كائنات منفصلة لكل منهم قوام مختلف وظروف متباينة.
فالثلاثة لم يكونوا أبداً متساوين في الزمن ولا في المنزلة ولا في العلم ولا في القدرة كما يتضح من تعريف الثالوث ذاته.
وفضلاً عن ذلك عندما تم تعميد عيسى طبقاً (لمتى 3:16) نزل روح الرب عليه في شكل حمامة فبهذا كيف يمكن الإدعاء بأن عيسى جزء من الثالوث بينما عيسى كان دائماً مع الروح القدس ؟
وفيما يلي بعض النصوص من الكتاب المقدس التي تُطرح كأدلة وترفع عيسى إلى مقام الألوهية طبقاً لآخر تركيبة لعقيدة الثالوث:
المثال الأول: "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا". (تكوين26:1). بعض علماء اللاهوت المسيحيين يستخلصون أن الرب لم يكن واحداً وبمفرده في زمن إتمام عملية الخلق، ومع ذلك فإن الرب يتكلم عن نفسه بلغه المتكلم الجمع. ويمكن تفسير ذلك بأنه جمع تفخيم من حيث معناه عظمة الله وجلاله ومجده. ويشرح علماء المسيحية ذلك، على أنه إشارة إلى إطلاق القدرة الإلهية أو قوة الله غير المحدودة أو إبداع الله المطلق بكل كماله، والبعض يطلق على هذا الجمع جمع الوقار، وفي علم النحو يشار إليه على أنه جمع الجلالة.
وفي كتاب التكوين أول كتاب في العهدين، نجد الرب وحده بلا مساعد قام بعملية الخلق (مثل الاصحاح 3:1) "وقال الله ليكن نور فكان نور"، وفي النص 27 من نفس الإصحاح "فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه". ولم يرد في هذه النصوص أي ذكر لمساعد أو لمصاحب للرب من أي نوع كان، والفعل الذي يصف ما قاله الرب وما فعله جاء بالمفرد (مثلاً: "ورأى الله النور أنه حسن"، خلق السماء وخلق الإنسان وبارك الله الكل وأنهى عمله.... الخ).
في بداية كتاب التكوين نقرأ: "في البدء خلق الله السماوات والأرض.." فيلاحظ أنه بينما جاءت كلمة (السماوات) بالجمع فان كلمتي (الله) و(الأرض) بالمفرد فلماذا جمعت كلمة (السماوات) ؟ السبب بسيط وهو أن القرآن الكريم أخبرنا أن السماوات مخلوقة من سبعة طباق. أما لماذا جعل كُتّاب الكتاب المقدس كلمتي الله والأرض في شكلها المفرد ؟ فكان ذلك بسبب تأكدهم من أن الأرض واحدة فقط وأن الله واحد فقط،كما أخبرنا جميع أنبياء الله.
المثال الثاني: "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله". (يوحنا 1:1) لاحظ أن المتكلم لم يكن عيسى ، وإنما على الأرجح كان يوحنا، ومن جهة أخرى يسلم كل عالم مسيحي بأن هذا النص المفرد كتبه يهودي اسمه فيلو (Philo) من الإسكندرية بمصر قبل مجيء عيسى ويوحنا المعمدان (عليهما السلام).
ثم إن كثيرا من مترجمي المخطوط اليوناني إلى الإنجليزية كتبوا في النص (يوحنا 1:1) الحرف الأول من كلمة (God) بالحجم الكبير (G) في الحالة الأولى إشارة إلى الله القوى. أما في الحالة الثانية لكلمة (god) فقد كتبوا الحرف الأول بالحجم الصغير (g) الذي جرى استخدامه عن المخلوقات وليس عن الله القوى.... كما هو الحال في المزامير (6:82) "أنا قلت إنكم آلهة (gods) بنو العلي كلكم لكن مثل الناس تموتون وكأحد الرؤساء تسقطون".
وكذلك الحال في ( 2كورنثوس 4:4) "الذين فيهم إله (god) هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين". وطالما أن هذه الكلمة (في الحالة الثانية) هي (god) فقط فلا يكون المقصود بهذه العبارة الله العليGod) ) وإنما فقط (god) مثل المثالين السابقين.
غير أن المترجمين المحدثين للكتاب المقدس ترجموا من النص (يوحنا 1:1) حسب المثالين التاليين: الجملة الثالثة كانت (and the word was with God) تحولت إلى (and the word was a god) بمعنى أن ترجمة الجملة الثالثة قد تحول من (وكانت الكلمة الله) فعربت إلى (وكانت الكلمة مخلوقاً) .
الجملة الأولى كانت:(In the beginning was the Word)
ترجمت إلى (In the beginning the Word was)
تعريبها "في البدء الكلمة كانت" بدلاً من "في البدء كانت الكلمة" .
ومن وجهة نظر أخرى يترجم بعض العلماء المسيحيين لفظ (Word) "الكلمة" على أنها (Divine Command) "أمر إلهي" وبالتالي يدّعون أن التركيب الصحيح للنص (يوحنا 1:1-3) يجب أن يكون:
"In the beginning was the Command, and the Command was with the God, and the Command was Divine. This (the Command) was in the beginning with the God. All things were made by this (the command): and without this was not any thing made that was made."
وتعريبا لها "في البدء كان الأمر، والأمر كان مع الله، والأمر كان إلهياً. وهذا (الأمر) كان في البدء مع الله. كل شيء كان بهذا (الأمر). وبدون هذا لم يكن شيء مما كان".
واللفظ اليوناني الذي استخدمه يوحنا هو (Logos) مشتق من (Lego) بمعنى (To speak) (يتكلم).
بينما اللفظ الانجليزي (Decalogue) معناه: (Ten.Commandments) (الوصايا العشر) هو تركيبة من كلمتين يونانيتين كلمة deka بمعنى (عشرة) و كلمة logous بمعنى ( أوامر)، ولفظ logos معناه (God's Spoken Command ) (أمر الله المنطوق).
وكلمةwith) ) "مع" تسبب معضلة لهؤلاء الذين يفضلون استخدام لفظ (Logos) " كعيسى" بدلاً من (الأمر) (The command) والسبب واضح إذ: كيف يمكن لعيسى أن يكون مع الله وأن يكون هو الله في نفس الوقت؟ وفكرة كون (أمر الله المنطوق) مع الله منذ البدء تتفق وتنسجم مع فكرة الكتاب المقدس عن عملية الخلق (وقال الله ليكن نور فكان نور) (التكوين 3:1).
وفي النص اليوناني كان يوحنا قد استخدم حرف التعريف "the" (ho) قبل لفظ (God) لأنه فاعل، أما هنا فلم يستخدم يوحنا حرف التعريف "the" قبل "God" (Theo) لأنه تأكيد. وبعبارة أخرى فإن اللفظ المستخدم هنا يدل على الطبيعة، الجودة، الصفة أو ملكية الفاعل, وفي هذه الحالة: طبيعة أمر الله التي هي طبيعة إلهية.
وفي بعض طبعات الكتاب المقدس نجد لفظ (This) استبدل بلفظ (one This) أو بلفظ (Jesus) He) ومع ذلك فإن لفظ (This) يشير إلى (أمر الله المنطوق).
وفضلاً عن ذلك، فمن الواضح من (يوحنا 1:1) "أن الله وحده هو الذي كان موجوداً منذ الأزل. وكلماته هي دائماً معه، بنفس الطريقة التي بها كلماتك معك, وكلماتي معي. والكلمة التي يصدرها الله ليست هي إلهاً آخر أو الله ذاته وإنما "كلمة إلهية" (أمر) منه.
وإلا سيصبح كل خلق إلهاً منفصلاً طالما أن كل خلق يمثل كلمته. وبنفس الحجة تنطبق مع (التكوين 3:1). فالنور المخلوق بكلمته ليس الله وإنما هو خلقٌ (نور) من الكلمة الإلهية. وبناء على ذلك تصبح الجملة "الكلمة كان الله" (في يوحنا 1:1) في غير محلها بشكل مطلق.
وأيضا إذا حاولنا قراءة مكتوبات أخرى تتعلق بالخلق فسوف يتحقق لنا أن الله الخالق استخدم كلماته في كل عملية خلق بنفس الطريقة التي يصفها القرآن الكريم "كن فيكون" .
المثال الثالث: "أنا والآب واحد" (يوحنا 30:10) فهم المسيحيون هذه العبارة بمعنى أن الآب (الله) وعيسى واحد ونفس الذات متحدان في جسد واحد، وأصبح الرب لحمًا في شخص عيسى وعاش بين الناس، ونفس المعنى في (يوحنا 10:14) عندما قال عيسى "أنا في الآب والآب فيّ". وكذلك في (يوحنا 20:14) عندما قال عيسى "أنا في أبي وأنتم فيّ وأنا فيكم". ومع ذلك أساءوا تفسير معنى العبارة 28 من نفس الاصحاح عندما أعلن عيسى "لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لأني قلت أمضي إلى الآب لأني أبي أعظم مني". فإذا كان ما قاله عيسى حقاً أن الآب أعظم منه فإن ذلك ينهى المسألة بأنهما غير متساويين.
وأيضاً فإن المؤمنين بالثالوث لا يعلمون أنه لو اتبعنا حججهم فسوف تكون النتيجة وجود مجموع من 15 بدن في جسد واحد. إنها "عملية رياضية بسيطة" يحسبها أي تلميذ صغير! الآب إله والابن (عيسى) إله وروح القدس إله (أي الثالوث) المكون من ثلاث أشخاص متحدة في إله واحد يضاف إليهم الـ12 تلميذاً الأصيليين بنفس الطريقة التي يفهم بها المسيحيون النص (يوحنا 20:14) مما سوف ينتج عنه مجموع 15 كائناً متحداً في جسد واحد. وتوضح العبارة (يوحنا 17-23:21) المعنى أكثر حول طبيعة كونهم واحد:
"ليكون الجميع واحدا كما أنك أنت أيها الآب فيّ وأنا فيك ليكونوا هم أيضا واحدًا فينا ليؤمن العالم أنك أرسلتني وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحداً. كما أننا نحن واحد أنا فيهم وأنت فيّ ليكونوا مكمَّلين إلى واحد." والعبارتان السابقتان ليس لهما معنى مقصود سوى "وحدة الغرض" كمؤمنين حقيقيين، ومن جانب آخر فإن عيسى لم يدَّع في العبارة (يوحنا 31:10-36) أنه (إله) أو (الإله الابن) (باعتباره متحداً مع الآب (الإله)) بل يقر بأنه شخص مستقل.
وإذا أصر المؤمنون بالثالوث على أن العبارة (30:10) تساند عقيدة الثالوث إذاً فعليهم ألا يقيدوا العدد في إلههم بثلاثة فقط.. بل عليهم أن يضيفواالـ 12تلميذاً (يوحنا 10:14-20) كما فهموا معنى هاتين العبارتين باعتبار أن "كل واحد حالّ في جسد واحد" وبالتالي سوف تصبح المعضلة أكبر وكتلة (الثالوث) أكثر تعقيداً وأكثر إشكالاً.
المثال الرابع: "الذي رآني فقد رأى الآب" (يوحنا 9:14). ولكن ألم يقل عيسى صراحة "الله لم يره أحد قط". كما قال في يوحنا (37:5) "والآب نفسه الذي أرسلني يشهد لي لم تسمعوا صوته قط ولا أبصرتم هيئته".
وهنا يقول عيسى إنه ليس الله لأنه كان يتكلم معهم ويرونه. وفي متى (21:7) يقول عيسى "أبي الذي في السماوات". وبينما كان هو في هذا الوقت أمامهم. فكل هذه الأقوال من عيسى لها معنى واحد فقط ألا وهو أن الله وعيسى ليسا واحداً. إذ كيف يكون الآب وعيسى واحداً ومتحدين جسدياً (كما يفسرها المسيحيون) عندما يكون الآب في السماء وعيسى على الأرض ؟
وحتى يتحقق إيمان الإنسان بالله فما عليه إلا أن يتأمل في مخلوقات الله وهي عديدة: الشمس والقمر والنجوم... وكل شيء من حوله.
وفي (يوحنا 24:4) يقر عيسى بأن (الله روح) وبناء عليه كيف يمكن لأحد أن يرى الله ؟ وفي يوحنا (18:1) نقرأ "الله لم يره أحد قط". بالإضافة إلى أن عيسى قد قدم تمييزًا واضحاً بينه وبين الله في (يوحنا 1:14) "لا تضطرب قلوبكم أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي". وحرف (الفاء) هنا أساسي في الجملة لأنه يدل على أن الله منفصل تماماً أى (الذات العليا) عن عيسى ، وفي (يوحنا 3:17) "وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته".
المثال الخامس: في (يوحنا 28:29) "ربي وإلهي!" ورغم أن هذه العبارة ليست لها أية أهمية لأنها أبطلت بالنصوص السابقة فإن العلماء من رأيهم أن في هذه الظروف المعجزة يمكن لملاحظه توماس أن تكون صادرة كعلامة تعجب بسبب التعجب تجاه عيسى بينما في الحقيقة بينما في الحقيقة علامة التعجب موجهة نحو الله إلى جانب أن توماس لا يعتبر عيسى الله لأنه يعلم تمام العلم أن عيسى لم يدَّع أبداً أن يكون الله (يوحنا 3:17).
والواقع أن القديس بولس يقدم تمييزاً آخر واضحاً بين الله وعيسى فيقرر أن الله صعد بعيسى كما جاء بالإنجيل (1 كورنثوس 15:15-20) وفي (مرقس: 19:16) "ثم إن الرب بعد ماكلمهم, رُفع به إلى السماء وجلس عن يمين الله".
فإن كان حقاً أن الله وعيسى واحد ونفس الذات، ألم يكن الأنسب أن يقال: "إن عيسى رفع نفسه!". وعندما ذُكر أن عيسى جلس عن يمين الله، ألم يكن الأجدر أن يقال: "وجلس عيسى على العرش!" والحقيقة هي أنه لا أحد جدير "بالعرش المجيد" سوى الله تعالى المستحق للعبادة بحق كما أعلن ذلك عيسى (يوحنا 3:17).
نص آخر: يشرح القديس بولس من هو الله (الأعمال 24:17) "الإله الذي خلق العالم وكل ما فيه هذا إذ هو رب السماء والأرض لا يسكن في هياكل مصنوعة بالأيادي ولا يُخدم بأيادي الناس كأنه محتاج إلى شيء إذ هو يعطي الجميع حياة ونفساً وكل شيء".
هل يصعب على إدراك البشر تصور هذا الفرق بين الله والإنسان وبين الخالق والمخلوق وبين الأزلي والفاني ؟ بالتأكيد لا وإنما هي الغفلة والنفاق والتمرد التي تمنع الرغبة في الفهم.
ادعاءات إضافية ترفع عيسى إلى مقام الألوهية.
يدّعي المسيحيون أن عيسى هو الله المتجسد، وأنه إله كامل وإنسان كامل. هذه الفكرة منفية تماماً من عيسى نفسه في قوله في (يوحنا17:20) "إني أصعد إلى ربي وأبيكم وإلهي وإلهكم". فأين مكان السؤال عن التجسيد ؟ لأن النص يقول لنا بعبارات بسيطة إن الله متميز ومنفصل عن عيسى وبالتالي هذه العبارة تجعل عقيدة (التجسيد) لاغية وكأن لم تكن، علماً بأن الإله الكامل غني عن أية رغبات أو ضعف. أما أن يكون الرجل إنساناً فإنه يكون خالياً من أية صفة من صفات الألوهية.
ويدّعي مسيحيون آخرون أن عيسى هو الله لأنه يقال له أيضا أنه "ابن الله" و"المسيح" و"ابن الإنسان" و"المخلّص" ومع ذلك فإن عيسى وصف (صانعي السلام) بأنهم (أبناء الله) وفي التقاليد اليهودية يقال عن كل إنسان يتبع إرادة الله "ابن الله".
انظر الأمثلة المذكورة في الكتاب المقدس (التكوين 2:6-4)، (الخروج 22:4)، (ارمياء 9:31)، (المزامير 7:2)، (لوقا 38:3)، (رومية 14:8)، وفي (يوحنا 35:6). يقول عيسى "بل أحبوا أعداءكم وأحسنوا وأقرضوا وأنتم لاترجون شيئاً فيكون أجركم عظيماً وتكونوا بني العلي". أن يكون إنسانٌ ابن الله، لا يرفعه كونه هذا إلى منزلة الألوهية. شأنه شأن ابن الرئيس لايجعله الرئيس نفسه وإنما فقط ابن الرئيس.
ومن جهة أخرى يذكر العهد القديم أن لفظ "المسيح" (Messiah) في العبرانية معناه (الإله الممسوح بالزيت) وليس (Christ) "المصلوب", أما لفظ (Cyrus) "قوروش" الفارسي فيسمى "المسيح" أو "الممسوح بالزيت" (التكوين 13:31), (اللاويين 10:8), (صموئيل 10:2), (اشعياء 1:45), (حزقيال 14:28), ولقد سُمى حزقيال في الكتاب المقدس "ابن الإنسان".
أما بخصوص تسمية "المخلّص" في (2 الملوك 5:13) فقد مُنح بعض الأفراد هذا اللقب أيضاً دون أن يكونوا آلهة، ومعنى (الإله الممسوح) هو منح سلطة روحية لرجل نبيل لنشر كلمة الله. فكيف يمكن لهذا اللفظ "ابن الله" أن يضفي عليه صفة الألوهية ويرفعه إلى مقام الألوهية.
والآن سؤال آخر لجائزة المليار دولار:
(كيف تكون المسيحية بدون عقيدة الثالوث ؟)
لم يُشر إلى عيسى ولا مرة واحدة أنه "الإله الابن"، وإنما كانت الإشارة إليه على أنه "ابن الله". وتكررت هذه الإشارة في العهد الجديد 68 مرة مما يدل على أن عيسى ليس إلهاً على وجه الإطلاق. أما القول بأن الإشارتين واحدة وبنفس المعنى فإنما ذلك يكون إبطالاً لقواعد اللغة واعتبارها بلا فائدة كأداة للاتصال بين الناس.
كانت لعيسى بدايته لأنه مخلوق من الله. فلم يكن عيسى هو المساوي في الأزلية مع الله، أو المساوي لله تعالى بأي معنى من المعاني, فلقد كان دائمًا خاضعاً لإرادة الله وظل خاضعاً لها.
وكان تعريف "آريوس" لله أنه (agenetos) بمعنى المصدر النهائي لكل شيء، وهو سبحانه وتعالى ليس له أي مصدر. وهذا يميز الله سبحانه بتكوينه الجوهري عن كافة الأشياء الأخرى. أما لفظ (Logos) أو "الكلمة" المذكور بإنجيل يوحنا فيستمد وجوده من الله، وبالتالي لم يكن هو الله على الإطلاق .
وعقيدة الثالوث انحراف واضح عن أصل تعاليم أنبياء الله, بينما عبادة الله طبقاً لإرادته سبحانه ما هي إلا رفض عقيدة الثالوث برمتها، "لأن الله ليس إله تشويش بل إله سلام". (1 كورنثوس 33:14).
ويكتب جون بيكرJohn Baker)) "إن عيسى لم يعتبر نفسه "الرجل الكامل (Everyman), أو "المخلّص للعالم" ولا حتى أنه كائن إلهي له وجود سابق وآت من السماء". ويقر الكاتب بأن عيسى "أخطأ بشأن البرنامج الذي خططه الله تعالى للعمل به" وأردف الكاتب قائلاً: " إن "الوقوع في الخطأ بخصوص تفاصيل المستقبل هو "سمة من سمات الطبيعة البشرية" التي أمكن التغلب عليه باستثمار عيسى في إطار جملة قوى "فوق بشرية (superhuman powers) قد تكون تمكنت في الواقع من تحقيق الأحلام القديمة للوثنية المنهكة غير أنها طردت تماماً أى تجسيد حقيقي لله."
وقد كتب ذلك جون هيكJohn Hick) ) في مقدمة كتابه "خرافة الإله المجسد" (The Myth of God Incarnate)، بعد أن أدرك هذه الحقيقة الناصعة، أنه "نتيجة لاتساع العلم بأصول المسيحية، نشأت الحاجة المتزايدة واقتضت الاعتراف بأن عيسى هو كما هو مبين في (أعمال 21:2). "إنسان موافق عليه من الله". وله دور خاص وفق الغاية الإلهية، وأن الفكرة الأخيرة عنه كإله مجسد والشخصية الثانية في الثالوث المقدس يمارس عيشة بشرية ما هي إلا طريقة أسطورية أو شعرية للتعبير عن معناه لنا."
وتذكر العقيدة المسيحية أن "الثلاثة أشخاص" متحدون في جسد واحد فقط "ثلاثة في إله واحد". فكيف يمكن لأي عضو في الثالوث أن يكون إلهاً كاملاً بينما كل منهم في الواقع هو ثلثٌ في الألوهية ؟. ومن المحال و المنافي للعقل أيضا الاعتقاد بأن كل واحد هو إله كامل في حين أن الثلاثة مجسمون في كائن واحد وبالتالي جميعهم يعتبرون إلهاً كاملاً.
ونكرر عندما كان عيسى على الأرض لم يكن إلهاً كاملاً، ولا كان "الآب في السماء" إلهاً كاملاً أيضاً، وإلا تناقضت أقوال المسيح حيث يقول في (يوحنا 17:20) "إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم". فإذا كان الله ثلاثة في واحد فمن هو الإله الذي كان في السماء في مدة الثلاثة أيام التى كانت بين عملية الصلب المزعومة وبين عملية البعث ؟ ومن كان الإله حينما كان عيسى جنيناً في بطن مريم ؟
فلو كانت تللك العقيدة في تعاليم عيسى لبين ذلك بنفسه بعبارات واضحة، في حين أن لفظ "ثالوث" لم يكتب في الكتاب المقدس، وإنما المكتوب في (مرقس 29:12) "الرب إلهنا رب واحد".
لم يفكر كثير من المسيحيين في الأزمة التى نتجت عن عقيدة: الثلاثة في إله واحد (الثالوث), إذ كيف يمكن ارضاء الله أوعبادته بينما أحدهم غير واضح وغير محدد. فمن هو الله الحق؟.
"تقول لنا الفلسفة إنه لا يمكن لكائن خرج منه كائن آخر واستمر وجوده كفرد مستقل... أن يصبح مساوياً وشريكاً، وأن ينظر إليه على أنه كامل. إن إلحاق ابن بالله هو نفى لكمال الله " .
إن رفع عيسى إلى مقام الله يعتبر تجديفاً بالغاً ضد الله الواحد الحق، بينما فصل عيسى عن الألوهية لايقلل من منزلة عيسى وإنما يضعه في أنبل مكان كنبي عظيم ورسول الله.
قال تعالى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" . (سورة التغابن 2).
مزيد من الأدلة في تفنيد عقيدة الثالوث:
"أما كأسي فتشربانها، وأما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلا للذين أُعدّلهم من أبي". (متى 23:20). ففيما يخص نفسه يفتقد عيسى القوة أو السلطان في منح أي شيء إلا ما يتقرر من قبل الله الذي يسميه "الآب".
"ثم تقدم قليلاً وخرَّ على وجهه وكان يصلي قائلاً يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس ولكن ليس كماأريد ولكن كما تريد أنت". (متى 39:26), وهنا يلتمس عيسى عون الله الذي يدعوه "بأبتاه" مؤكداً أنه ليس كما يريد هو وإنما حسب إرادة الله، وواضح من هذا أن إرادة الله مستقلة عن إرادته.
"إلهي إلهي لماذا تركتني". (متى 46:27) "ياأبتاه في يديك استودع روحي". (لوقا 46:23) هذه الكلمات "إلهي" و "ياأبتاه" لا تصدر إلا من إنسان في شدة، فإذا كان عيسى إلهاً فمن ذا الذي يكون قد خذله؟ هل يكون قد خذل نفسه؟ كم يكون ذلك مضحكاً وسخيفاً ؟ الله لا يحتاج أن يخضع نفسه لإله آخر.
"لماذا تدعوني صالحاً ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله". (مرقس 18:10), ويؤكد عيسى أنه لا أحد أعظم في الصلاح والإستقامة من الله، وبذلك فصل نفسه عن الألوهية.
"وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الإبن إلا الآب". (مرقس 32:13) فإذا كان عيسى حقاً مساوياً لله أو جزءًا من الثالوث لعلم مايعلمه الآب.
"الحق الحق أقول لكم لايقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئا". (يوحنا 19:5).
"أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئا". (يوحنا 39:5). "تعليمي ليس لي بل للذي أرسلني". (يوحنا 16:7). في التصريحات الثلاثة بعاليه أوضح عيسى أنه لاسلطان له ولاقدرة كامنة فيه، ومايدعو إليه فهو من تعاليم الله.
"لأن أبي أعظم مني". (يوحنا 28:14) هذا البيان ينفي بشكل قاطع عقيدة الثالوث، طالما أن كلاهما من طبيعة مختلفة وأن أحدهما أعظم من الآخر.
"وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته" (يوحنا 3:17). فعيسى لم يشر أبداً إلى الله بصيغة الجمع، وإنما توجه إلي الله بلفظ أبي.
"إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم". (يوحنا 17:20). لم يكن عيسى إلهاً لأنه كان له إله يسميه (الآب).
"هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد". (يوحنا 16:3) فإذا كان عيسى جزءاً من الثالوث وأن الثلاثة متساوون في الأزلية، وبدون بداية ولا نهاية، ومتساوون في الدرجة، فإذا كان هذا كذلك، فكيف يمكن أن يكون عيسى ابناً وفي نفس الوقت في نفس قِدَم أبيه؟ انظر ( متى 18:1), لوقا (26:1), يوحنا (9:4).
"لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح". (1 تيموثاوس 5:2) يفسر هذا البيان نفسه أن الله وعيسى متميزان بعضهما عن بعض. "إعلان (بمعنى الوحى إلى) يسوع المسيح الذي أعطاه إياه الله ليُرِىَ عبيده مالابد أن يكون عن قريب" (رؤيا يوحنا 1:1). الله الحقيقي ذو علم مطلق. وبالتالي هذا يبدد نظرية الثالوث.
هل يصادق عيسى على مبدأ الروح القدس ؟
كان الله المطلق في الحكمة والواسع في الرحمة يرسل من وقت لآخر أنبياء لتبليغ رسالته ولدعوة البشر إلى الطريق المستقيم (بمعنى طريق السلام والطاعة لله الإله الواحد الحق ), وتسمى هذه الرسالة "الإسلام" (أي الإستسلام لإرادة الله ).
تم تبليغ (رسالة الله) إلى كافة الأمم والقبائل في العالم في أجيالها المتعاقبة لدعوة الناس للخضوع لإرادة الله, غير أن كل رسالات الوحي الأولى تم تحريفها وتشويهها على يد الأجيال التالية التي تنكرت للأنبياء واضطهدتهم. ولقد تعرض الوحي النقي الصافي لعمليات تطوير حيث اندست فيه الأساطير والخرافات وعبادة الأوثان والأيديولوجيات الغير عقلية والنظريات الغير منطقية. وهكذا ضاع دين الله الحق في خضم تعدد العبادات الباطلة.
فتاريخ الإنسانية سلسلة من التذبذب بين النور والظلام، والله بواسع محبته ورحمته للبشر لم يتركنا وحدنا نعيش في الظلام ونسعى لاكتشاف الطريق المستقيم معتمدين على أنفسنا بتجربة الخطأ والصواب. بل إنه أرسل إلينا خاتم المرسلين النبي محمد لهداية البشرية فيما يسمى بالعصور المظلمة.
فالوحي الذي نزل على محمد هو القرآن الكريم بواسطة الملك جبريل يمثل المصدر الأخير للهداية الإلهية التي بطبيعتها سهلة الفهم وعالمية الشمول.
و هذه الهداية الربانية قد حددت معالم العلم والحقيقة بشأن الخالق صاحب القدرة المطلقة, وبشأن الكون والغاية من خلقنا ومن حياتنا في هذه الدنيا وفي الآخرة، مما يمهد الطريق للإنسانية نحو سبيل الحق والإستقامة والفلاح في الدنيا والآخرة.
وقول صحيح تماماً تلك البشارات المنبئة عن قدوم "نبي آخر" يشبه موسى وعيسى (عليهم السلام) تحت أي مسمى مثل: فارقليط – مؤيد – معزي – ناصح – روح الحق.
أما الزعم بأن "الروح القدس هو "النبي الآخر" فهو مستبعد تماماً في إنجيل يوحنا.
ولاستيعاب رسالة عيسى في هذا الموضوع يكفي أن نرجع إلى (1 يوحنا 1:2) حيث يُفهم أن عيسى كان (الفارقليط الأصلي) "يا أولادي اكتب إليكم هذا لكي لاتخطئوا وإن أخطأ أحد فلنا شفيع) advocate فارقاليط (Paraclete عند الآب يسوع المسيح البار".
ولقد تنبأ عيسى الذي كان "الفارقليط الأصلي" بقدوم فارقليط آخر، إلا أن مراجعي الكتاب المقدس ترجموا لفظ "الفارقليط الآخر" بألفاظ مختلفة كثيرة يقرؤها القاريء حسب طبعة الكتاب المقدس التي يستخدمها بألفاظ منها:( فارقليط – المؤيد – المعزي – المساعد – الناصح – الروح المقدس – روح القدس- روح الحق).
واستُخدم نفس لفظ فارقليط في إنجيل يوحنا فيما يتعلق بنبوءة عيسى عن القادم بعده (الفارقليط الآخر) إذ قال "وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر فارقاليط (Paraclete) ليمكث معكم إلى الأبد". (يوحنا 16:14).
ولقد قال عيسى أيضا لتلاميذه إن هذا "الفارقليط" سوف يعلم كل شيء وسوف يُحضر لهم كل الأشياء لكي يتذكروا. فقال في يوحنا (26:14) "وأما المعزي (الفارقليط) الروح القدس (أى الروح المقدس) الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم".
وفي (يوحنا 26:15) "ومتى جاء المعزي (الفارقليط) الذي سأرسله أنا إليكم من الآب حتى روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي".
وسوف تلاحظون في النصوص السابقة أن طبعة (RSV) للكتاب المقدس استخدمت لفظ "المعزي" (Counselor) وفي نفس اللفظ في النص (25:14) استخدم لفظ الروح القدس (Holy Spirit)، ونفس اللفظ أُستبدل في (يوحنا 26:15) بعاليه إلى روح الحق (Spirit of truth), وأيضا في العبارة الآتية تجد الإشارة إلى المعزي (Counselor) ولكنك سوف تكتشف فيما بعد أنه أن اللفظ قد تحول مرة أخرى إلى روح الحق (Spirit of truth) في النص (يوحنا 13:16).
" لكني أقول لكم الحق: إنه خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم. ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة." (يوحنا 16-8:7), ولقد تأكد ذلك في القرآن حيث رفع الله عيسى ولكن بدون عملية الصلب المزعومة.
وفي العبارة السابقة (يوحنا 16-8:7) يتوقف مجيء "المعزي" (Counselor) أو الفارقليط على رحيل عيسى فضلاً عن أن عيسى لم يوضح أن هذا "الفارقليط" سوف يأتي في زمانه.
وفي يوحنا (16-15:12) يواصل عيسى نبوءته عن مجيء "فارقليط آخر" والذي سماه "الروح الحق" فقال "إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم, ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن. وأما متى جاء ذاك, روح الحق (الفارقليط), فهو يرشدكم إلى جميع الحق, لأنه لايتكلم من نفسه, بل كل مايسمع يتكلم به, ويخبركم بأمور آتية. ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم. كل ماللآب هو لي. لهذا قلت إنه يأخذ مما لي ويخبركم".
فالعبارة السابقة تقضي على اللبس الذي نشأ عن لفظ (روح القدس) الذي ادعاه المسيحيون لأنه طبقا ( للتكوين 2:1): هذا الروح القدس كان موجودًا على الأرض منذ أيام خلق الكون. كما كان حاضرًا عند نهر الأردن عندما عمَّد يحيى عيسى .فإذا كان هذا كذلك فكيف يستطيع عيسى أن يقول "ولكن إن ذهبت أرسله لكم" (أي روح القدس) (يوحنا 7:16) غير أن الذي كان يعنيه عيسى هو (فارقليط آخر) أو (نبي آخر) مثله سوف يأتي لأن إرسال (روح القدس) هو خارج الموضوع تمامًا لأنه كان بالفعل موجودًا على الأرض منذ يوم خلق الكون.
فضلاً عن أن (روح القدس) و(روح الحق) لفظان منفصلان تماماً، وكينونتان مستقلتان أيضًا. ولقد كان عيسى يقول لنا بصريح العبارة إن (المعزي) أو (روح الحق) أو (الفارقليط) الذي تنبأ بقدومه هو (رجل) ونبي مثله وابن إنسان سوف يعلمنا كل شيء.
وكل الضمائر التي استخدمت في الإشارة إلى "روح الحق" هي (he) في المذكر المفرد وتتفق مع لفظ "المعزي" المذكور في (يوحنا 7:16) علماً بأن لفظ (Counsellor) لفظ وصفي تصويري (descriptive) مستخدم محل "روح الحق"، ومن الناحية النحوية ينبغي للضمير أن يتفق مع الإسم الذي يحل محله مما يثبت في النصين 13 و 15 من يوحنا 16 أن روح الحق ليست له أية صلة بالثالوث.
ومن ناحية أخرى، ركز عيسى بقوة في يوحنا (13:16) على (روح الحق) على أنه مجرد نبي سوف يتلقى التعاليم من الله تعالى وبأنه "لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به"، وباعتباره نبيا فقط "وليس كائناً إلهياً أو روح قدس"، فليست له سلطة خاصة به وإنما ينزل عليه الوحي من الله في السماء.
ويلاحظ أن عيسى في يوحنا (13:16) يقول عن "روح الحق" إنه "يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" ولهذا فإن القرآن الكريم وهو رسالة محمد مجّد كلاً من عيسى وأمه مريم عليهما السلام، وقد تكرر اسم عيسى في القرآن خمس مرات أكثر من ذكر اسم محمد كما أن السورة 19 في القرآن سميت (سورة مريم) ممايثبت بشكل بليغ صحة الحجج التي أوردناها من تمجيد القرآن الكريم لعيسى تمجيداً عظيماً.
ويقول عيسى في يوحنا (26:14) "وأما "المعزي الروح القدس" الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلّمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم", ولهذا فإن القرآن الكريم الذي هو رسالة محمد هو رسالة كاملة تضم وتعزز رسالة عيسى ورسالات الأنبياء السابقين جميعًا. فالواقع أن القرآن الكريم رسالة جامعة شاملة مفهومة تغطي جميع مظاهر النشاط الإنساني سواء على المستوى الفردي أو الإجتماعي أو السياسي أو الإقتصادي أو خاص بالعلاقات الدولية ويطلق عليها "الإسلام" بمعنى: (دين الخضوع لإرادة الله الإله الواحد الحق). إنه نظام كامل للحياة ورسالة عالمية موجهة للبشر أجمعين. تهدف إلى تصالح الإنسان مع الله تعالى ويحقق إرادة الله ويحصل على ثمار الخلاص.
وكذلك في (1 يوحنا 6:4) يُستخدم اللفظان "روح الحق" و "روح الخطأ" في شأن الإنسان, وفي الطبعة القديمة للكتاب المقدس "مخطوط سيراكوس" (MSS, Codex Syriacus) الذي اكتشف عام 1812 بجبل سيناء بمعرفه السيدتان أجنس لويس و بنسلى (Mrs. Agnes S. Lewis and Mrs. Bensley (ورد نص (يوحنا 26:14) "فاراقليط- الروح" (Paraclete, the Spirit) وليس فاراقليط- "الروح القدس" (Paraclete the Holy Spirit) والمقصود بلفظ "الروح" (Spirit) المشار إليه بالطبعه (MSS) القديمة – هو "روح الحق" (Spirit of Truth) الوارد في يوحنا (26:15) في طبعة اليوم.
وأخيراً أمعنْ التفكير في قول عيسى في متى (21-43:42) "لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطي لأمة تعمل ثماره".
فهذا التحذير موجه إلى اليهود بعد أن إرتدوا وعبدوا آلهة أخرى مع الله، وكان الله تعالى قد أنزل أصل هذا التحذير في التكوين (10:49) للنبي يعقوب لتحذير يهوذا (Judah). كان ذلك هو تحقق النبوءة القديمة التي ذُكرت في تثنية (21:32) حيث يقول الله: "هم أغاروني بما ليس إلهاً. أغاظوني بأباطيلهم, فأنا أغيرهم بما ليس شعباً, بأمة غبية أغيظهم".
كان الغرب يصف أمة العرب قبل الإسلام بالأمة الغبية، ولقد صورهم أحد الكتاب بأنهم "بهائم بجلد إنسان". وبعد أن جاءهم الإسلام أصبحت أمة العرب (خير أمة أخرجت للناس). فقد أزال النبي محمد كافة آثار الوثنية وعلّمهم وحدانية الله تعالى- الخالق. إنه وحده الله الحافظ والرزاق للعالمين الذي لاشريك له أو مشارك أو رفيق أو عائلة أو ذرية أو مساعد في ألوهيته.
وصارت أمة العرب بصفة عامة والنبي محمد بصفة خاصة يمثلون تحقيق كل النبوءات السابقة.
ماهو القرآن؟ وماذا يقول عن عيسى
وعن أمه عليهما السلام؟
القرآن الكريم رسالة عالمية واضحة نزل به الوحي على النبي محمد بواسطة الملاك جبريل كعهد أخير وخاتم من الله إلى البشرية أجمعين. إنه رحمة وهداية من الله للناس. وهو نظام كامل للحياة الإنسانية يغطي كافة مظاهر نشاط الإنسان (كالسلوك الفردي والعلاقات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية ونظام العلاقات الدولية). ولقد صمد هذا النظام أمام تجارب وتقلبات الزمن لأن الله تعالى نفسه حفظه. والقرآن الكريم هو (كتاب الله) الوحيد اليوم الذي ظل على نقائه وصفائه بعد أكثر من أربعة عشر قرناً. وهو يؤيد الكتب السابقة المنزلة من عند الله على أنبياء الله ورسله الأولين وهو أيضاً يصحح الإنحرافات التي قد تسربت إلى كتب الوحي السابقة. يقول الله تعالى:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥) كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (٧) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (٨) .(العلق: ١ - ٨).
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ . (السجدة: ٢).
وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ . ( الأنعام: ٩٢).
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ . (النحل: 64)
إنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ . (الزمر:41).
والواقع أنه طبقاً لأقوال مفسري القرآن فإن هناك ثلاثة أهداف صريحة لنزول القرآن على النبي محمد :
تحقيق الوحدة بين الطوائف المتنازعة, ونشر وحدانية الله الحق.
أن الوحي هداية من أجل تحقيق السلوك المستقيم.
أنه يجب فتح باب التوبة والخلاص لتحقيق الرحمة الواسعة للمذنبين الضالين. وما نزل القرآن إلا من أجل استقامة الرجال والنساء، فإن أعرضوا فالخسارة عليهم.
دور عيسى
إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ . (آل عمران: ٥٩).
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (١٥٨) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (١٥٩) . (النساء: ١٥٧ - ١٥٩).
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا . ( النساء: ١٧١).
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (٧٢) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٣) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦) . (المائدة: ٧٢ - ٧٦).
وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧) . (المائدة: ١١٦ - ١١٧) .
ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦) . (مريم: ٣٤ - ٣٦).
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (٨٩) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (٩١) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣) . (مريم: ٨٨ - ٩٣).
لم تدّع مريم أبداً أنها أم الله أو أن ابنها هو الله، لقد كانت امرأة تقية فاضلة، وعيسى هنا ينفي أي نوع من الأشياء التي ينسبها إليه من يستخدمون اسمه. إن عبادة مريم برغم أنها مرفوضة من البروتستانت فإنها منتشرة على أوسع نطاق في الكنائس السابقة سواء في الشرق أو الغرب.
ومن جهة أخرى تيسر النصوص التالية من الكتاب المقدس فهم تعاليم عيسى (متى 10:4) "حينئذ قال له يسوع ياشيطان لأنه مكتوب للرب إلهك نسجد وإياه وحده نعبد".
وفي (يوحنا 1:20) قال لمريم المجدلية "إذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم".
وفي (لوقا 19:18) حين اعترض على أحد الحكام لأنه وصفه بأنه المعلم الصالح "فقال له يسوع لماذا تدعوني صالحا ؟ ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله".
وفي (مرقس 29:12) حيث قال: "إن أول كل الوصايا هي اسمع ياإسرائيل الرب إلهنا إله واحد".
قصة غريبة
هذه قصة ثلاثة من المجوس صاروا نصارى وتلاميذ مخلصين لراهب، فعلّمهم عقيدة المسيحية وخاصة الثالوث. ولتحصيل مزيد من العلم بالعقيدة أقاموا مع الراهب، وبعد فترة من الزمن حضر صديق للراهب لزيارته وسأله عن تحول المجوس الثلاثة إلى المسيحية، وكان الراهب فخوراً بذكر المتنصرين ودراستهم لعقائد المسيحية، ونادى الراهب أحد الثلاثة لكي يظهر للزائر مدى مهارته في تعليمهم الثالوث.
فقال الرجل الأول والسعادة تغمره "لقد علمتني أنه يوجد إله واحد في ثلاثة، أحدهم في السماء والثاني ولدته العذراء مريم، والثالث روح القدس الذي نزل على المسيح على شكل حمامة عندما بلغ الإله الثاني الثلاثين من عمره". ولما سمع الراهب هذا ضاق بالرجل وطرده قائلا إنه مجنون. وبعد ذلك نادى على الرجل الثاني وطرح عليه نفس السؤال فأجابه الرجل الثاني "لقد علمتني أنه كان يوجد في الأصل ثلاثة آلهة منهم واحد تم صلبه ومات، وظل الاثنان باقيان من بعده" إلا أن الراهب تضايق ودفعه للخارج. ثم نادى الراهب على الثالث الذي كان على درجة أعلى من الذكاء عن زميليه وكان قد درس العقيدة باتقان، فطلب منه الراهب أن يشرح عقيدة الثالوث فأجابه الرجل قائلاً: "لقد علمتني من خلال بركة المسيح، وعلمت بدقة بأن واحداً هو ثلاثة وثلاثة هي واحد، وواحد منهم تم صلبه ومات، وترتب على موت واحد موت الثلاثة آلهة جميعاً لأن الثلاثة جميعا واحد ومتحدون ولذلك فإن مات أحدهم هو موت لكل الثلاثة وإلا فلا يكون بين الثلاثة أي اتحاد".
وهذا معناه أنه بناء على عملية الصلب المزعومة من المسيحيين فكل من الله وعيسى يكونان قد هلكا وفنيا بموجب اعتقادهم بأن عيسى هو في وقت واحد الله ونبي. وبعد وفاة عيسى لم يعد لدى المسيحيين لا الله ولا النبي ولا روح القدس. إذن عن طريق الاتحاد مات الثلاثة آلهة بموت عيسى. وباختصار فإن كلاً من الاتحاد والثالوث أيضا قد فنيا باختفاء الله بسبب أن الاتحاد والثالوث يبقيان في وجود الله ومع اختفاء الله من على المسرح فمن الطبيعي أن صفاته العليا ايضا ينبغي أن تختفي.
إن خير الكتب كتاب الله تعالى وخير الهدى هدى محمد ، فلذلك وجه الله تحذيراً خطيراً إلى الذين يفسدون ويحرفون أصل رسالة الله للناس، فيقول الله تعالى:
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ . (البقرة: ٧٩).
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ . (آل عمران: ١٠).
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ . (آل عمران: ١9).
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ . (آل عمران: ٨٥).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (آل عمران: ١٠٢).
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ . (آل عمران: ١٥١).
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا . (النساء: ١).
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا . (النساء: ١١٦).
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . (الأنعام: ١٤ ).
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ . (الأعراف: ٣٧).
أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٢) . (الأعراف: ١٩١ - ١٩٢).
إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا . (مريم: ٩٣).
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا . (الفرقان: ٣).
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ . (العنكبوت: ٦٨).
إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ . (الزمر: ٧).
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ . (الأعراف: ١٧٩).