Description
رسالة إلى أهل عرفة ومزدلفة ومنى: كتيب باللغة العربية، اشتمل على وقفات يسيرة إلى أهل عرفة ومزدلفة ومنى، وبيان بعض أبواب الخير، ونصائح للحاج بعد عودته من الحج.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أعان على العبادة ويسَّر، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
فإن نعم الله -عز وجل- كثيرة لا تعد ولا تحصى }وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا {[النحل:18]. وأعظم النعم وأجلِّها نعمة الإسلام التي أكرمنا الله بها، فله الحمد والشكر على منِّه وفضله }يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ{[الحجرات:17]. فكم على وجه الأرض من كافر حُرِم نعمة الإسلام، وكم من حسيب ووجيه، وكم من تاجر ورئيس أغلق دونه الباب، فلك الحمد ربنا كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.
ثم من نعمة الله عليك -أيها الحاج- أن أظلك برحمته، ويسر لك سبل الحج، فلم يمنعك مرض، أو قلة مال، أو خوف طريق أو غيرها من التأخر عن أداء الركن الخامس من أركان الإسلام، الذي بشر النبي ﷺ من أداه بقوله: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه» [متفق عليه].
وقال ﷺ في الحديث الآخر: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» [رواه مسلم]، فالحج ركن من أركان الإسلام، والحج أعظم الأعمال بعد الإيمان والجهاد، وهو من أفضل القُرُبات، ويهدم ما قبله.
وأبشر بيوم تقال فيه العثرة، وتغفر فيه الزلة؛ فقد قال ﷺ: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة» [رواه مسلم].
فهنيئا لك هذا الخير العظيم، وهذه النفحات الإيمانية التي تغسل أدران المعاصي والذنوب. وأوصيك بتقوى الله، والإخلاص في العمل، والبعد عن الرياء والعجب، وعليك بالإنابة والإخبات والذل لربك -عز وجل- واحمده على نعمة أداء هذا الركن العظيم.
وإليك وقفات يسيرة لا تغيب عن بالك:
أولا: تذكَّر أنك في أيام عظيمة، وهي أيام عشر ذي الحجة، قال ﷺ «ما العمل في أيام أفضل من هذه العشر»، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: «ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء» [رواه البخاري].
وسئل ابن تيمية -رحمه الله- عن عشر ذي الحجة، والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟
فأجاب: «أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة».
قال ابن حجر -رحمه الله- «والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة، لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيره».
ثانيا: أنت في بلد الله الحرام مكة، وهو بلد تضاعف فيه الحسنات، وكذلك السيئات يعظم إثمها، وقد توعد الله -عز وجل- من يُرد فيه الفساد بعذاب اليم، وقال -تعالى-: }وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ{[الحج:25]. قال ابن كثير -رحمه الله-: «أي يهم بأمر فظيع من المعاصي الكبار» وعن ابن عباس-رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ قال: «أبغض الناس إلى الله ثلاثة» وذكر منهم: «ملحد في الحرم» [رواه البخاري]. قال في فتح الباري: «وظاهر سياق الحديث أن فعل الصغيرة في الحرم أشد من فعل الكبير في غيره».
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعًا: «لو أن رجلا هم فيه بإلحاد وهو بعدن أبين، لأذاقه الله عذابا أليما»، هذا فيمن هم، فكيف بمن عمل؟!
واحرص -أيها المسلم- على تعظيم شعائر الله، فإنه -جل وعلا- يقول: }ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ{[الحج:32].
ثالثا: في هذا الموسم والمكان فرصة للتوبة إلى الله -عز وجل- ومحاسبة النفس على تقصيرها، وخطمها بخطام العودة والإكثار من دموع الندم والتوبة، ويكفي ما امتلأت به الصحائف من الذنوب والآثام، ويكفي ما مضى من العمر، وفيه ما فيه من تفريط وغفلة... وقال -تعالى-: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ{[الحشر:18]. قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: «أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم».
قال مالك بن دينار -رحمه الله-: «رحم الله عبدا قال لنفسه: ألست صاحبة كذا؟ ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله –تعالى- فكان لها قائدًا».
رابعا: لقد تركت أهلك، وديارك، وأموالك، وأولادك راغبا فيما عند الله -عز وجل- فلا تضيع هذه الأوقات الثمينة، وفرِّغ نفسك من لقاء الناس وكثرة الحديث، وتفرَّغ لأمر آخِرتك، واستشعر هول المطلع وعظمة الجبار.
خامسا: لابد أن يكون الصبر لك شعارًا ودثارًا، فتجمَّل به، واحرص عليه، فأنت في عبادة عظيمة تصاحبها مشقة السفر ووعثاؤه، وقلة الزاد وضيق المركب، وكثرة الزحام وطول الطريق، فلا تتأفف، ولا تتذمر، ولا تدافع من حولَك، وعليك بالرفق والسكينة.
عن جابر بن عبد الله أن النبي ﷺ سمع زجرًا شديدًا وضربًا وصوتا للإبل فقال: «أيها الناس عليكم بالسكينة؛ فإن البِّر بالإيضاع -يعني الإسراع-»[متفق عليه].
وكان ﷺ يقول: «أيها الناس، السكينة، السكينة» [رواه مسلم].
ومِن خطبة لعُمر بن عبد العزيز -رحمه الله- بعرفات أنه قال: «ليس السابق من سبق بعيره وفرسه، ولكن السابق من غفر له».
سادسا: تذكر -أيها الأخ المسلم- أن الله -عز وجل- حرَّم الظلم على نفسه، وجعله محرما، وحرم إيذاء المؤمنين والمؤمنات، فاحذر أن يزل لسانك بكلمة جارحة أو يدك بدفع أحد الحجاج، أو بالاستعلاء والتكبر عليهم، واذدرائهم، وابتعد عن الرفث والفسوق في الحج، قال -تعالى-:
}الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ{[البقرة:197].
قال ابن سعدي -رحمه الله-:
الرفث: هو الجِماع ومقدِّماته الفعلية والقولية، خصوصا عند النساء بحضرتهن.
والفسوق: وهو جميع المعاصي، ومنها محظورات الإحرام.
والجدال: وهو المماراة والمنازعة والمخاصمة؛ لكونها تثير الشر، وتوقع العداوة.
والمقصود من الحج: الذل والانكسار لله، والتقرب إليه بما أمكن من القربات، والتنـزه عن مقارفة السيئات، فإنه بذلك يكون مبرورًا، والمبرور ليس له جزاء إلا الجنة، وهذه الأشياء، وإن كانت ممنوعة في كل مكان وزمان، فإنه يغلظ المنع عنها في الحج.
سابعا: وأنت في هذه الأيام المباركة استشعر أن الوقت محدود سريع الانقضاء، فانزع إلى خير الصحب وأفضل المرافقين، وابحث عن أحرصهم على تكبيرة الإحرام، وأداء النوافل، وقراءة القرآن، واجعله لك معينا ومساعدا، وليكن هو رفيق الرحلة الذي يعينك، ويشد من أزرك على الطاعة والعبادة.
ثامنا: الدعاء.. الدعاء، قال ﷺ: «الدعاء هو العبادة» [رواه أبو داود] فاحرص أخي الكريم على الدعاء وأكثر منه بقلب حاضر ورجاء في الإجابة، فإن الله جواد كريم، وقد اجتمع لك المكان الطاهر والزمان الفاضل، وأنت حاج مسافر.. فتحر فتح الأبواب، وأكثر من الدعاء لخاصة نفسك، ولوالديك وذريتك، وادع الله -عز وجل- أن يجعلك من المقبولين، واجعل لأمة محمد ﷺ نصيبا من الدعاء.. بأن يصلح أحوالهم، وأن يهديهم سواء السبيل.
تاسعا: في هذا التجمع يكثر اختلاط الرجال بالنساء، وعلى كل مسلم ومسلمة أن يحرص على البعد عن المزاحمة مع غض البصر، قال –تعالى-: }قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ{[النور:30]، وقال –تعالى-: }وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ{.
قال ابن كثير -رحمه الله-: «وهذا أمر من الله –تعالى- لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم لما حرم عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أو وقع البصر على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعا».
والنبي ﷺ يُذكِّر على ابن أبي طالب -رضي الله عنه- وهو من هو في الورع والتقي، فيقول ﷺ: «يا عليُّ، إن لك كنزا في الجنة، فلا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى وليست لك الآخرة»[رواه أحمد].
وهذا ابن سيرين -رحمه الله- يقول: «إني أرى المرأة في المنام فأعرف أنها لا تحل لي، فأصرف بصري عنها...»، فاستحضِر يا من أنت في بلد الله الحرام.. عِظَم الذنب وقُرب الرحيل، وتذكر يوما تتطاير في الصحف، وتشيب في الولدان.
هذا وقد فتح الله لك أبوابا كثيرة للخير ومنها:
1-الحرص على أداء الصلاة في وقتها، وعوِّد نفسك أن تأتي مع الآذان فأنت في إجازة تامة من أعمال الدنيا، ومتفرغ للطاعة والعبادة، وأعظمها بعد الشهادتين أداء الصلاة، قال ﷺ: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لا يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه» [متفق عليه].
2-لِلأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منزلة عظيمة في الإسلام، وعدَّه بعض العلماء الركن السادس من أركان الإسلام، وقدَّمه الله-عز وجل- على الإيمان في قوله –تعالى-:
}كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ{[آل عمران:11]، وقدمه الله -عز وجل- في سورة التوبة على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، قال-تعالى-: }وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{ [التوبة:71]. وفي هذا التقديم بيان لشأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعظم منزلته وخطر تركه، ودرجات تغيير المنكر ذكرها النبي ﷺ بقوله: «من رأي منكم المنكر فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» [رواه مسلم].
ومجالات الأمر بالمعروف كثيرة في موسم الحج منها: إقامة الصفوف حال الصلاة، وتنبيه الغافل، وتعليم الجاهل، وإبعاد النساء عن الرجال، والأمر بالحجاب والتحذير من السفور، والمسلمة تعلم النساء كيفية الصلاة الصحيحة وأحكام الطهارة، وتحذرهن من البدع والشرك، وتأمرهن بالحجاب، وغير ذلك.
3-الدعوة إلى لله -عز وجل- باب عظيم من أبواب الخير قال ﷺ: «من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا» [رواه مسلم] ويتم ذلك بتعليم الجاهل، والغافل، وتوزيع الكتب الشرعية والأشرطة الإسلامية، والدلالة على مكان الدروس والمحاضرات، وغيرها كثير.
وأهيب بالإخوة الذين لديهم علم شرعي، أو ملكات أدبية المشاركة في أنشطة المخيمات، فكم اهتدى في هذه الرحلة من شخص، كما أن المشاركة تجعل الإخوة الحجاج أكثر قربا وترابطا، وإبعادا لهم عن القيل والقال.
4-من أعمال الحج التي كانت معروفة قديما إطعام الطعام خاصة في أوقات الزحام، وفي الإطعام أجر عظيم، قال -تعالى-: }وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا{[النساء:8]. وكان السلف الصالح يحرصون على إطعام الطعام؛ سواء أكان ذلك بإشباع جائع، أو إطعام أخ صالح، قال ﷺ: «أيما مؤمن أطعم مؤمنا على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة» [رواه الترمذي].
5-استثمر الوقت في أنواع العبادة والطاعة، وأيام الحج أيام قلائل، فلا تضيعها في القيل والقال، والغمز واللمز ومراقبة الناس، وانتقاد الأكل والشرب والمخيَّم والمكيفات، بل اسمُ بنفسك عن أمور الدنيا.
6-بادر بإعانة المسنين ومساعدتهم؛ فإن ذلك احترام وتوقير لذي الشيبة، ومن الرحمة بهم.
7-توزيع الماء البارد: (السقيا) حيث كثرة الزحام والعطش، قال ﷺ: «...ومن سقى مؤمنا على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم» [رواه الترمذي بسند حسن].
8-الصدقة بالمال: فإن الإنفاق من أعظم القربات وأجلِّ الطاعات، والآيات والأحاديث في فضل الصدقة كثيرة جدا، ومن بين هذا الجمع المبارك: الفقير، وأصحاب الحاجات، ففي إعطائهم سد لجوعتهم، وتفريج لكربتهم، وإغناؤهم عن السؤال، حتى إن كانت بالقليل من المال، قال ﷺ: «اتقوا النار ولو بشق تمرة» فأقرض الله -عز وجل- وهو غني عنك؛ ليضاعف لك الأجر والمثوبة }مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً{[البقرة:245].
قال ابن القيم -رحمه الله-: «فإن للصدقة تأثيرا عجيبا في دفع البلاء، ولو كانت من فاجر، أو ظالم، بل من كافر، فإن الله يدفع بها أنواعا من البلاء».
9-إشاعة السلام: في هذا المجتمع الكبير وفي وسط الزحام المتتابع والحر الشديد، تكون الابتسامة طريق مودة ورحمة، ورفعا للمعاناة وإظهارا للترابط والتواد، قال ﷺ: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» [رواه مسلم].
10-البشاشة والتبسم: قال ﷺ: «لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق» [رواه مسلم].
وقال عبد الله بن الحارث: «ما رأيت أكثر تبسما من رسول الله ﷺ» [رواه أحمد] ولا تكثر من الضحك والمزاح؛ فإنها أيام عبادة وجد، لا هزل وضحك.
11-تفريج الكرب: في السفر يحصل بعض المتاعب والمصاعب، وفي إعانة المسلمين وتفريج كربهم خير عظيم، قال ﷺ: «ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله بها كربة من كرب يوم القيامة» [متفق عليه] ومن صور تفريج الكرب إرشاد التائهين، وإيصال المنقطعين، وإعانة المحتاجين.
12-التضحية والإيثار: لقد كان من سمات صحابة رسول الله ﷺ التضحية والإيثار وتقديم إخوانهم المسلمين على أنفسهم في المأكل والمشرب، وتحمل الجهد والعناء عنهم.
13-حسن الصحبة: للصحبة آداب يحسن بك معرفتها، فأنت في سفر، والسفر يسفر عن أخلاق الرجال.
واحذر كثرة السؤال والتدقيق والتحدث في كل شيء، قال ﷺ: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» [رواه الترمذي].
14-الاستئذان عند الدخول والخروج: عند الرغبة في الذهاب للحرم، أو رمي الجمرات أو غيرها، لابد من إعلام المسؤول ليعرف وجهة كل فرد؛ حتى يسهل ترتيب العمل، كما وأن ذلك أدعى لعدم التفرق والضياع.
15-أجعل لك في هذه الأيام المباركة جدولاً لحفظ سورة من كتاب الله -عز وجل- ولتكن: سورة البقرة، أو سورة الكهف، أو سورة النور مثلا، واستعن بالله.. وسوف يفتح الله علي قلبك.
16-حافظ قدر المستطاع على نظافة المكان الذي تنزل فيه، والطريق الذي تسير فيه، ومن أوجه الصدقة إزالة الأذى عن الطريق.
17-من آداب السفر الشرعية اتخاذ أمير في السفر قال ﷺ: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم» [رواه أبو داود] وهذا أدعى للاتفاق، والبعد عن كثرة الآراء وتعددها.
أخي الكريم:
احذر العجب والمباهاة بعملك؛ فإن الله -عز وجل- هو الذي وفقك وأعانك، وهو الذي هداك، فلا تعجب بعملك، فإنه قليل في جنب الله -عز وجل- بل استشعر عظمة خالقك وسعة مغفرته، وادعه -عز وجل- أن لا يكلك إلى عملك، ولا إلى نفسك طرفة عين.
-احذر الرياء، والسمعة عند العودة، والتفاخر، وإعلام الناس ليعظموك.
-تجنب أن تُسوِّد عملك الصالح بالمنِّ والأذى، ولا تردد أقوال بعض الجهلة (تعبنا)، (الزحام كثيرا)، (والحر شديد)، (خسرت كذا..) واصبر واحتسب، فالعبادة فيها مشقة وطول طريق واجتماع كبير، تحدث خلاله أمور على غير ما اعتدت عليه في بلدك.
-تأمل غربتك في مكة وهُنَّ أيام قلائل، ووسائل الاتصال متاحة! فكيف هي حالك في غربة القبر ووحشته؟! واعلم.. أنك تموت وحدك، وتحاسب وحدك، وتبعث وحدك، فاستعد لهذا اليوم وما بعده.
-أكثِر من الدعاء أن يتقبل الله حجك، وأن يكتب أجرك، وأن يثبتك على دينه حتى تلقاه.
الحال بعد العودة:
ها أنت قد حججت إلى بيت الله الحرام، وأكرمك الله -عز وجل- بأداء هذه الشعيرة العظيمة، وأدعو الله -عز وجل- أن تكون قد خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك، وأبشِّرك بحديث الصادق الذي لا ينطق عن الهوى «ما أهلَّ -يعني لبى – مُهِلٌ ولا كبَّر مكبِّر قط إلا بُشِّر بالجنة» [صحيح الجامع الصغير 5445].
وقال ﷺ: «ما ترفع إبل الحاج رِجلا، ولا تضع يدًا إلا كتب الله بها حسنة، أو محا عنه سيئة، أو رفع له درجة» [صحيح الجامع الصغير: 5472].
ها قد عادت صحائفك بِيضًا، فماذا الحال بعد هذا العفو والعتق؟! هل تعيد السيرة الأولى من كثرة الذنوب والآثام؟ أم تسارع إلى ملء الصحف بالطاعات وكثرة العبادة؟!
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وجعلها صوابًا خالصة لوجهه الكريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.