الوصف
اشتملت هذه الرسالة على ذكر نسب النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أعلى الأنساب وأشرفها، وعلى ذكر أخلاقه صلى الله عليه وسلم، وفسّر هذا الخلق العظيم بالتخلق بأخلاق القرآن، والتأدب بآدابه والعمل به في جميع المجالات، كما تضمّنت لمحات من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.
جمع وتحقيق الفقير إلى الله تعالى
عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
الحمد لله رب العالمين الذي له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى، الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي أرسله رحمة للعالمين وحجة على الخلائق أجمعين، أرسله شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون صلى الله وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه المتمسكين بسنته المهتدين بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد فإن معرفة السيرة النبوية ودراستها من أهم المهمات لأنه e المعلم الأول والقدوة الأكمل في جميع المجالات e، وقد ألف العلماء قديمًا وحديثًا كتبًا كثيرة في السيرة النبوية ما بين مطولات ومختصرات وما بين ذلك وقد لخصت في هذا الموضوع ما تيسر وضمنته كتابي (بهجة الناظرين فيما يصلح الدنيا والدين) ثم أفردت ما يتعلق بهذا الموضوع في رسالة صغيرة لتكون خفيفة المحمل قريبة التناول وزدت عليها ما تيسر من غيرها ونسبت كل قول إلى قائله وذكرت المراجع والفهرس في آخر الرسالة.
وقد اشتملت هذه الرسالة على ذكر نسب النبي e الذي هو أعلى الأنساب وأشرفها، وعلى ذكر أخلاقه e وفسر هذا الخلق العظيم بالتخلق بأخلاق القرآن والتأدب بآدابه والعمل به في جميع المجالات كما تضمنت لمحات من حياة الرسول e، وكان e في أول الأمر يدعو سرًا حتى أنزل الله عليه (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ( فجهر بالدعوة وكان e في أول قدومه إلى المدينة مهاجرًا كان يحرس فأنزل الله عليه (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ( فترك الحرس. كما ذكر في هذه الرسالة صفاته e التي هي أجمل الصفات، وأكملها وخصائصه التي خص بها دون غيره ومعجزاته التي أعجزت البشر جميعًا، وأعظمها هذا القرآن العظيم، حيث تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله أو بعشر سور. مثله أو بحديث مثله فعجزوا عن ذلك كله كما قال تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا( [الإسراء: 88] ومن معجزاته عليه الصلاة والسلام الإسراء إلى بيت المقدس ثم المعراج إلى السموات العلا ثم إلى سدرة المنتهى حيث كلمة الله تعالى وفرض عليه وعلى أمته الصلوات الخمس، ورأى في تلك الليلة الأنبياء والمرسلين، ورأى الجنة والنار ثم نزل إلى بيت المقدس وعاد إلى مكة كل ذلك في ليلة واحدة وذلك من دلائل قدرة الله وعظمته وسعة علمه ورحمته بخلقه، فلله الحمد والشكر والثناء على ذلك كما أن ذلك من أعظم دلائل نبوته e.
ثم ذكرت في هذه الرسالة حكم الاحتفال بهذه الليلة ليلة الإسراء والمعراج حيث لم يثبت تاريخها، ولو ثبت لم يشرع الاحتفال بها حيث لم يحتفل بها الرسول e ولا خلفاؤه الراشدون ولا التابعون لهم بإحسان، ولو كان في هذا الاحتفال خير لسبقونا إليه وهم أعلم بالسنة ممن بعدهم، وهكذا يقال في الاحتفال بمولد الرسول e وغيره من المواليد والاحتفالات التي ما أنزل الله بها من سلطان ثم ذكرت في هذه الرسالة وجوب الصلاة على النبي e ومواطنها وفوائدها وثمراتها. وختمت هذه الرسالة بذكر حقوق النبي e والحمد لله رب العالمين وe على نبينا محمد.
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة ابن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
هذا هو المتفق عليه، وفيما بعد عدنان إلى آدم خلاف كثير.
وأمه e آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة.
ولد e يوم الاثنين في شهر ربيع الأول من عام الفيل، قيل: ثانيه، وقيل: ثالثه، وقيل: ثاني عشره، وقيل غير ذلك.
وليلة ميلاده e اضطرب إيوان كسرى حتى سمع صوته وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوة، وأرضعته حليمة بنت أبي ذئب الهذلية وعندها شق صدره وملئ حكمة وإيمانا بعد أن استخرج حظ الشيطان منه، وأرضعته أيضًا ثوبية الأسلمية جارية أبي لهب، وحضنته أم أيمن بركة الحبشية وكان ورثها من أبيه فلما كبر أعتقها وزوجها زيد بن حارثة.
وتوفي أبوه وهو حمل، وقيل: له شهران، وقيل سبعة وقيل: مات أبوه وله ثمانية وعشرون شهرًا وماتت أمه وهو ابن أربع سنين، وقيل: ست، وكفله جده عبد المطلب، فلما بلغ ثماني سنين وشهرين وعشرة أيام توفي عبد المطلب فوليه عمه أبو طالب ولما بلغ اثنتي عشرة سنة وشهرين وعشرة أيام خرج مع عمه أبي طالب إلى الشام فلما بلغ بصرى رآه بحيرى الراهب فعرفه بصفته فجاءه وأخذ بيده، وقال: هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين، إنكم حين أقبلتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا خر ساجدًا ولا يسجدان إلا لنبي وإنا نجده في كتبنا، وقال لأبي طالب: لئن قدمت به الشام ليقتلنه اليهود فرده خوفًا عليه منهم ثم خرج e مرة ثانية إلى الشام مع ميسرة غلام خديجة في تجارة لها قبل أن يتزوجها فلما قدم الشام: نزل تحت ظل شجرة قريبًا من صومعة راهب فقال الراهب: ما نزل تحت ظل هذه الشجرة قط إلا نبي وكان ميسرة يقول: إذا كانت الهاجرة واشتد الحر نزل ملكان يظللانه.
ولما رجع e من سفره ذلك تزوج خديجة بنت خويلد وعمره خمس وعشرون سنة وشهران وعشرة أيام وقيل غير ذلك.
ولما بلغ e خمسًا وثلاثين سنة شهد بنيان الكعبة ووضع الحجر الأسود بيده.
ولما بلغ e أربعين سنة ويومًا ابتعثه الله تبارك وتعالى بشيرًا ونذيرًا وأتاه جبريل بغار حراء فقال: "اقرأ فقال: ما أنا بقارئ قال e فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ فقلت: ما أنا بقارئ فقال في الثالثة: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(".
وكان مبدأ النبوة فيما ذكر يوم الاثنين ثامن شهر ربيع الأول ثم حاصره أهل مكة في الشعب، فأقام محصورًا دون الثلاث السنين هو وأهل بيته وخرج من الحصار وله تسع وأربعون سنة وبعد ذلك بثمانية أشهر وإحدى وعشرين يومًا مات عمه أبو طالب وماتت خديجة بعد أبي طالب بثلاثة أيام.
ولما بلغ e خمسين سنة وثلاثة أشهر قدم عليه جن نصيبين فأسلموا.
ولما بلغ e إحدى وخمسين سنة وتسعة أشهر أسرى به من بين زمزم والمقام إلى البيت المقدس، ثم أتى بالمعراج فركبه وعرج به إلى السماء وفرضت الصلاة.
ولما بلغ e ثلاثًا وخمسين سنة هاجر من مكة إلى المدينة في يوم الاثنين لثمان خلون من ربيع الأول ودخل المدينة يوم الاثنين، فأقام بها عشر سنين سواء وتوفي e، وفي بعض هذه التواريخ خلاف بين أهل النقل.
(ومن أخلاقه e) سئلت عائشة رضي الله عنها فقالت: كان خلقه القرآن يغضب لغضبه ويرضى لرضاه ولا ينتقم لنفسه ولا يغضب لها إلا أن تنتهك حرمات الله فيغضب لله وإذا غضب لم يقم لغضبه أحد، وكان أشجع الناس وأسخاهم وأجودهم ما سئل شيئًا فقال: لا، ولا يبيت في بيته دينار ولا درهم فإن فضل ولم يجد من يأخذه وجاءه الليل لم يرجع إلى منزله حتى يبرأ منه إلى من يحتاج إليه، لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت أهله عامًا فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير ثم يؤثر من قوت أهله حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام.
وكان أصدق الناس لهجة وأوفاهم ذمة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة وأحلم الناس وأشدهم حياء، بل أشد حياء من العذراء في خدرها خافض الطرف نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء جل نظره الملاحظة.
وكان e أكثر الناس تواضعًا يجيب من دعاه من غني أو فقير أو حر أو عبد وأرحم الناس يصغي الإناء للهرة وما يرفعه حتى تروي رحمة لها.
وكان e أعف الناس وأشدهم إكرامًا لأصحابه لا يمد رجليه بينهم ويوسع عليهم إذا ضاق المكان، ولم تكن ركبتاه تتقدم ركبة جليسه، من رآه بديهة هابه ومن خالطه أحبه، له رفقاء يحفون به إذا قال انصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا لأمره.
يبدأ من لقيه بالسلام ويتجمل لأصحابه ويتفقدهم ويسأل عنهم، فمن مرض عاده ومن غاب دعاه ومن مات استرجع فيه وأتبعه الدعاء ومن كان تخوف أن يكون وجد في نفسه شيئًا انطلق إليه حتى يأتيه في منزله ويخرج إلى بساتين أصحابه ويأكل ضيافاتهم، ويتألف أهل الشرف ويكرم أهل الفضل ولا يطوي بشره عن أحد، ولا يجفو عليه ويقبل معذرة المعتذر إليه والقوي والضعيف عنده في الحق سواء ولا يدع أحدًا يمشي خلفه ويقول: "خلوا ظهري للملائكة" ولا يدع أحدًا يمشي معه وهو راكب حتى يحمله فإن أبى قال: "تقدمني إلى المكان الذي تريد" يخدم e من خدمه وله عبيد وإماء لا يرتفع عليهم في مأكل ولا مشرب ولا ملبس، قال أنس: خدمته e عشر سنين فوالله ما صحبته في حضر ولا سفر لأخدمه إلا كانت خدمته لي أكثر من خدمتي له، وما قال لي أف قط، ولا قال لشيء فعلته لم فعلت كذا، ولا لشيء لم أفعله ألا فعلت كذا.
وكان e في سفر فأمر بإصلاح شاة فقال رجل: يا رسول الله علي ذبحها وقال آخر: علي سلخها وقال آخر عليَّ طبخها فقال e: "وعلي جمع الحطب" فقالوا: يا رسول الله نحن نكفيك فقال: "قد علمت أنكم تكفونني ولكن أكره أن أتميز عليكم فإن الله تبارك وتعالى يكره من عبده أن يراه متميزًا بين أصحابه" وقام e فجمع الحطب.
وكان e لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث انتهى به المجلس ويأمر بذلك. ويعطي كل جلسائه نصيبه لا يحسب جليسه أن أحدًا أكرم عليه منه، وإذا جلس إليه أحدهم لم يقم e حتى يقوم الذي جلس إليه إلا أن يستعجله أمر فيستأذنه.
ولا يقابل e أحدًا بما يكره، ولا يجزي السيئة بمثلها بل يعفو ويصفح.
وكان e يعود المريض، ويحب المساكين ويجالسهم ويشهد جنائزهم ولا يحقر فقيرًا لفقره، ولا يهاب ملكًا لملكه، يعظم النعمة وإن قلت لا يذم منها شيئًا فما عاب طعامًا قط، إن اشتهاه أكله وإلا تركه.
وكان e يحفظ جاره، ويكرم ضيفه وكان أحسن الناس تبسمًا وأحسنهم بشرًا لا يمضي له وقت في غير عمل لله عز وجل أو فيما لا بد منه، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون فيه قطيعة رحم فيكون أبعد الناس منه يخصف نعله ويرقع ثوبه ويركب الفرس والبغل والحمار ويردف خلفه عبده أو غيره ويمسح وجه فرسه بطرف كمه أو بطرف ردائه.
وكان e يحب الفأل ويكره الطيرة وإذا جاءه ما يحب يقول: "الحمد لله رب العالمين" وإذا جاءه ما يكره قال: "الحمد لله على كل حال" وإذا رفع الطعام من بين يديه قال: "الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وآوانا وجعلنا من المسلمين" وأكثر جلوسه مستقبل القبلة ويكثر الذكر ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة ويستغفر الله في المجلس الواحد مائة مرة، وكان e يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء.
وكان e يصوم الاثنين والخميس وثلاثة أيام في كل شهر وعاشوراء وكان يفطر يوم الجمعة. وأكثر صيامه في شعبان.
وكان e تنام عيناه ولا ينام قلبه انتظارًا للوحي، وإذا نام نفخ ولا يغط، وإذا رأى في منامه ما يكره قال: "هو الله لا شريك له" وإذا أخذ مضجعه قال: "رب قني عذابك يوم تبعث عبادك" وإذا استيقظ قال: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور".
وكان e لا يأكل الصدقة ويأكل الهدية ويكافئ عليها ولا يتأنق فيما أكل. وكان يعصب على بطنه الحجر من الجوع، وآتاه الله تبارك وتعالى مفاتيح خزائن الأرض فلم يقبلها واختار الآخر([2]) صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن صحابته أجمعين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وبعد:
فإن معرفة أحوال النبي e من أهم المهمات لأنه القدوة الأكمل والمعلم الأكبر: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا( [الأحزاب: 21].
امتاز e بين قومه قبل الرسالة بالصدق والتواضع والزهد والأمانة حتى سموه الأمين، وكانوا يودعون عنده ودائعهم وأماناتهم وكان يكره أعمال الجاهلية فلم يشرب خمرًا قط ولم يحضر للأوثان عيدًا ولا احتفالاً ولما قارب الأربعين من عمره أحب الانقطاع عن الناس فكان يخلو في غار حراء ليعبد الله، ولما بلغ الأربعين من عمره بعثه الله نبيًّا ورسولاً فنزل عليه الروح الأمين جبريل وهو يتعبد في غار حراء وقال له: (اقرأ) قالها ثلاثا ورسول الله e يقول له في كل مرة: "ما أنا بقارئ" لأنه ما كان يعرف القراءة قبل ذلك فقال له: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ( [العلق: 1-5].
ثم انقطع عنه الوحي بعد ذلك مدة حتى اشتد شوقه إليه ثم نزل عليه قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ( [المدثر: 1-7] فبدأ بالدعوة سرًا وبهذه الآية صار رسولاً وأول من آمن به من الرجال أبو بكر الصديق، ومن الموالي زيد بن حارثة ومن المماليك بلال بن رباح. ومن الصبيان علي بن أبي طالب ومن النساء خديجة بنت خويلد، ودعا أبو بكر من يثق به من قريش فأجابه إلى الإسلام جمع كثير والدعوة إلى الله تعالى عن علم وبصيرة طريق من ابتع هذا النبي e.
الجهر بالدعوة:
مضت ثلاث سنين والرسول e يدعو الناس سرًا ثم نزل عليه قوله تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ( [الحجر: 94] فجهر بالدعوة وصدع بها ليلاً ونهارًا سرًا وجهرًا دعا إلى توحيد الله تعالى وترك عبادة الأصنام وتعظيمها والابتعاد عن المنكرات والمحرمات فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وسخر منه واستهزأ بدعوته وناصبه العداوة وكان من أشد أعدائه أبو جهل وعمه أبو لهب فاحتمل أذاهم واستمر يدعو إلى الله وعمه أبو طالب يذود عنه ويحميه وقد انتقم الله من جميع المستهزئين برسوله بعد الهجرة فمنهم من قتل ومنهم من أهلكته الأمراض.
وكان e يعرض نفسه على القبائل يدعوهم إلى الإسلام وأن يمنعوا عنه أذى قومهم فيقول: "من يؤويني حتى أبلغ رسالة ربي" أقام e في مكة عشر سنوات يدعو إلى التوحيد ويهدم قواعد الشرك وبعدها عرج به إلى السماء وفرضت عليه، وعلى أمته الصلوات الخمس فصلى في مكة ثلاث سنين وبعدها أمر بالهجرة إلى المدينة دار الإسلام فلما هاجر إلى المدينة معززًا منصورًا أمر ببقية شرائع الإسلام مثل: الزكاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أقام في المدينة عشر سنوات يجاهد اليهود والكفرة والمشركين والمنافقين والقرآن ينزل عليه ببيان الأحكام وحل المشاكل وظل يجاهد ويناضل في سبيل الله وإعلاء كلمته حتى نصره الله ودخل الناس في دين الله أفواجًا وبلغ عدد غزواته التي حضرها بنفسه سبعًا وعشرين غزوة وعدد سراياه التي لم يحضرها سبعًا وأربعين سرية وأهم غزواته: (بدر الكبرى- وأحد- والأحزاب- والحديبية- والفتح- وحنين) فلما أن أكمل الله له ولأمته دينهم وأتم به النعمة وبلغ رسالة ربه اختاره الله إلى جواره فتوفي وقد انتشر الإسلام قبل وفاته في جزيرة العرب كلها.
اتصف e بجميع صفات الكمال الحميدة فكان أشد الناس حياء وأكثرهم أدبًا واشتهر بين قومه بالنزاهة والكرم والذكاء والتواضع والأمانة والعفة وكان e أحسن الناس خلقًا جميل الصورة أبيض اللون مشربًا بحمرة طيبة الرائحة وقد أوجب الله على الأمة محبة هذا الرسول الكريم الذي هو بأمته رؤوف رحيم كما أوجب عليهم تصديقه ومتابعته ورتب على ذلك سعادة الدنيا والآخرة وصدق الله العظيم إذ يقول: }لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ{ [آل عمران: 164] وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال في الإقناع: خص النبي e بواجبات ومحظورات ومباحات وكراهات وأكرم وجعل خير الخلائق أجمعين وأمته أفضل الأمم وجعلت شهداء على الأمم بتبليغ الرسل إليهم وأصحابه خير القرون، وأمته معصومة من الاجتماع على الضلالة وإجماعهم حجة ونسخ شرعه الشرائع وجعل كتابه معجزًا ومحفوظًا من التبديل، وجعل أولى بالمؤمنين من أنفسهم ويلزم كل واحد أن يقيه بنفسه وماله وأن يحبه أكثر من نفسه وماله وولده والناس أجمعين وحرم على غيره نكاح زوجاته بعد موته وهن أزواجه في الدنيا والآخرة وجعلن أمهات المؤمنين في تحريم النكاح ووجوب احترامهن وطاعتهن وتحريم عقوقهن، وأولاد بناته ينسبون إليه دون أولاد بنات غيره وهو طاهر بعد موته بلا نزاع بين العلماء وساوى الأنبياء في معجزاتهم وانفرد بالقرآن وجعلت له ولأمته الأرض مسجدًا وطهورًا ونصر بالرعب مسيرة شهر. وبعث إلى الناس كافة وأعطي الشفاعة العظمى والمقام المحمود، ومعجزاته باقية إلى يوم القيامة ونبع الماء من بين أصابعه بركة من الله تعالى حلت في الماء بوضع أصابعه فيه فجعل يفور ويخرج من بين أصابعه لا أنه يخرج من بين اللحم والدم كما ظنه بعض الجهال قاله في الهدي، ومن دعاه وهو يصلي وجب عليه قطعها وإجابته وتطوعه e بالصلاة قاعدًا كتطوعه قائمًا في الأجر، وهو سيد ولد آدم وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، وأول شافع وأول مشفع وأول من يقرع باب الجنة، وهو أكثر الأنبياء تبعًا وأعطي جوامع الكلم وصفوف أمته في الصلاة كصفوف الملائكة ولا يحل لأحد أن يرفع صوته فوق صوته ولا يناديه باسمه فيقول: يا محمد بل يقول: يا رسول الله يا نبي الله، ويخاطب في الصلاة بقوله: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ولو خاطب مخلوقًا غيره بطلت صلاته، وخاطب إبليس باللعنة في صلاته فقال: "ألعنك بلعنة الله" ولم تبطل، وكانت الهدية حلالاً له بخلاف غيره من أولياء الأمور فلا يجوز لهم أخذ الهدايا من الرعايا لقوله e: "هدايا العمال غلول"([3]) أي (خيانة) ومن رآه في المنام فقد رآه حقًا فإن الشيطان لا يتخيل به، وكان لا يتثاءب، وعرض عليه الخلق كلهم من آدم إلى من بعده كما علم آدم أسماء كل شيء ويبلغه سلام الناس بعد موته، والكذب عليه ليس ككذب على غيره ومن كذب عليه متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار وتنام عيناه ولا ينام قلبه، ولا ينتقض وضوءه بنومه ولو مضطجعًا ويرى خلفه كما يرى أمامه رؤية بالعين حقيقة والدفن في البنيان مختص به لئلا يتخذ قبره مسجدًا وخص بصلاة ركعتين بعد العصر ولم يكن له أن يهدي ليعطي أكثر منه، ومن الواجبات التي خص بها e الوتر والسواك لكل صلاة والأضحية وركعتا الفجر والمشاورة في الأمر مع أهله وأصحابه ومصابرة العدو الكثير للوعد بالنصر، ومنع من أخذ الصدقة والزكاة على قرابتيه وهما بنو هاشم وبنو المطلب وأبيح له أن يتزوج بأي عدد شاء وله التزوج بلا ولي ولا شهود وبلا مهر وبلفظ الهبة وله أن يتزوج في زمن الإحرام وأبيح له الوصال في الصوم وخمس خمس الغنيمة والصفي من المغنم وهو ما يختاره من المغنم قبل القسمة وجعلت تركته صدقة فلا يورث صلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين انتهى ملخصًا.
المعجزات: جمع معجزة: وهي أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة وهو e أكثر الأنبياء معجزات وقد قيل إنها تبلغ ألفًا وقيل ثلاثة آلاف سوى القرآن فإن فيه ستين ألف معجزة تقريبًا وقد جمع له كل ما أوتيه الأنبياء من معجزات وخصائص وفضائل ولم يجمع ذلك لغيره فمنها:
1- القرآن الكريم: وهو أعظم المعجزات الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فإن القرآن معجزة إلى يوم القيامة.
2- انشقاق القمر ليلة البدر حتى افترق فرقتين كما قال تعالى: }اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ{.
3- أن الله زوى -أي جمع- له الأرض كلها فضم بعضها لبعض حتى رآها وشاهد مغاربها، ومشارقها قال: "وإن ملك أمته سيبلغ ما زوي له منها".
4- حنين الجذع إليه لما فارقه إلى المنبر وصار يخطب على المنبر بعد ما كان يخطب عليه ولم يسكن حتى أتى إليه فضمه واعتنقه فسكن.
5- نبع الماء من بين أصابعه، رواه البخاري.
6- تسبيح الحصى بكفه، رواه ابن عساكر من حديث أبي داود وغيره.
7- تسبيح الطعام حين وضع عنده -أي بين يديه فنطق كما في البخاري عن ابن مسعود.
8- تسليم الحجر والشجر عليه بالنطق، رواه أبو نعيم في دلائل النبوة.
9- تكليم الذراع له e فأخبره أنه مسموم رواه البخاري.
10- أن البعير شكا إليه الجهد، أي المشقة، أن صاحبه يجيعه ويتعبه، رواه أبو داود.
11- شهادة الذئب له بالنبوة، رواه الطبراني وأبو نعيم.
12- أنه جاء مرة إلى قضاء الحاجة ولم يجد شيئًا يستتر به سوى نخلة صغيرة وأخرى بعيدة عنها. ثم أمر كلا منهما فأتتا إليه فسترتاه حتى قضا حاجته ثم أمر كلا منهما بالمضي إلى مكانها رواه الإمام أحمد والطبراني والبيهقي.
13- أنه قربت منه ست من الإبل لينحرها فصارت كل واحدة تقرب منه ليبدأ بها، رواه أبو داود والنسائي.
14- أن عين قتادة بن النعمان الأنصاري سقطت يوم أحد فردها فكانت المردودة أحد من العين الصحيحة، رواه الحاكم وغيره من عدة طرق.
15- أن عين علي بن أبي طالب t برأت من الرمد حين تفل فيها، متفق عليه.
16- أن عبد الله بن عتيك الأنصاري أصيبت رجله حين نزل من درج أبي رافع ابن أبي الحقيق لما قتله فمسحها بيده الشريفة فبرأت. رواه البخاري.
17- أن أبي بن خلف كان يلقى المصطفى فيقول: إن عندي قعودًا أعلفه كل يوم أقتلك عليه فيقول بل أنا أقتلك إن شاء الله فطعنه يوم أحد في عنقه فخدشه غير كثير فقال: قتلني محمد فقالوا: ليس بك بأس قال: إنه قال: أنا أقتلك فلو بصق علي لقتلني فمات.
18- أنه أخبر أمية بن خلف أنه يقتله فقتل كافرًا يوم بدر. رواه البخاري.
19- أنه عد لأصحابه في بدر مصارع الكفار فقال: "هذا مصرع فلان غدًا" ويضع يده على الأرض، وهذا، وهذا، فكان كما وعد. وما تجاوز أحد منهم موضع يده. رواه أبو داود.
20- أنه أخبر عن طوائف من أمته أنهم سيركبون وسط البحر أي يغزون في البحر كالملوك على الأسرة ومنهم أم حرام بنت ملحان فكان كما أخبر. رواه البخاري وغيره.
21- أنه قال في الحسن بن علي: "أن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" فكان كما قال. فإنه لما توفي أبوه بايعه أربعون ألفًا على الموت فنزل عن الخلافة لمعاوية حقنا لدماء المسلمين رواه البخاري وغيره.
22- أنه أخبر في شأن عثمان بن عفان t أنه ستصيبه بلوى شديدة يريد قتله فكان كما قال. رواه البخاري.
23- أنه أخبر بمقتل الأسود العنسي في صنعاء اليمن في الليلة التي قتل فيها في المدينة، فجاء الخبر بما أخبر به. ذكره ابن إسحاق وغيره.
24- أنه أخبر بقتل كسرى كذلك في ليلة مقتله فجاء الخبر كما ذكر.
25- أخبر عن الشيماء بنت الحارث السعدية أخت رسول الله من الرضاع أنها قد رفعت في خمار أسود على بغلة شهباء فكان كذلك. رواه أبو نعيم.
26- أنه دعا لعمر بن الخطاب t بأن الله تعالى يعز به الإسلام أو بأبي جهل بن هشام فأصابت دعوته عمر فأصبح مسلمًا فعز بإسلامه كل من أضحى مسلمًا.
27- أنه دعا لعلي بن أبي طالب t بذهاب الحر والبرد عنه فكان علي لا يجد حرًا ولا بردًا. رواه البيهقي.
28- أنه دعا لابن عباس بفقه الدين وعلم التأويل فصار بحرًا زخارًا واسعًا في العلم.
29- أنه دعا لثابت بن قيس بن شماس بأنه يعيش سعيدًا ويقتل شهيدًا فكان كذلك.
30- أنه دعا لأنس بن مالك بكثرة المال والولد وبطول العمر فعاش نحو المائة سنة وكان ولده لصلبه مائة وعشرين ولدًا ذكرًا، وكان له نخل يحمل في كل سنة حملين.
31- أنه قال في رجل ادعى الإسلام وغزا معه وأكثر قتال الكفار مع المسلمين أنه من أهل النار فصدق الله تعالى مقالته فإنه أصابته جراحة فقتل نفسه بيده عمدًا. وقاتل نفسه في النار، متفق عليه.
32- كان بينه وبين عتيبة بن أبي لهب أذى فدعا عليه بأن يسلط الله عليه كلبًا من كلابه فقتله الأسد. رواه أبو نعيم وغيره.
33- أنه لما شكا إليه شاك قحوط المطر - أي حبسه وانقطاعه وهو فوق المنبر في خطبة الجمعة فرفع يديه إلى الله تعالى ودعا. وما في السماء قطعة من السحاب فطلعت سحابة حتى توسطت السماء فاتسعت فأمطرت فقال: "اللهم حوالينا ولا علينا فأقلعت وانقطعت". متفق عليه.
34- أنه أطعم الألف الذين كانوا معه في غزوة الخندق من صاع شعير ودون صاع وبهيمة -وهي ولد الضأن فأكلوا وشربوا وانصرفوا وبقي بعد انصرافهم عن الطعام أكثر مما كان من الطعام. متفق عليه.
35- أنه أطعم أهل الخندق أيضًا من تمر يسير أتت به إليه جارية. رواه أبو نعيم.
36- أنه أمر عمر الفاروق t أن يزود أربع مائة راكب أتوا إليه من تمر كان عنده فزودهم منه والتمر كان مقداره كالفصيل الرابض فزودهم جميعًا وكأنه ما مسه أحد. رواه أحمد وغيره.
37- أنه أطعم جماعة من أقراص شعير قليلة بحيث جعلها أنس تحت إبطه لقلتها فأكل منها ثمانون رجلاً وشبعوا كلهم وهو كما أتى لهم كأنه لم يمسه أحد كما جاء في الصحيحين عن أنس.
38- أنه أطعم الجيش حتى وصلوا إلى حد الشبع من مزود -وهو وعاء التمر- ورد ما بقي فيه لصاحبه أبي هريرة، ودعا له بالبركة فأكل منه حياته إلى حين قتل عثمان t.
39- أنه حين تزوج بزينب بنت جحش أطعم خلقًا كثيرًا من طعام قدم إليه في قصعة ثم رفع الطعام من بينهم وقد شبعوا وهو كما وضع أو أكثر. كما رواه أبو نعيم.
40- أنه في يوم غزوة حنين رمى الكفار بقبضة من تراب وقال: "شاهت الوجوه فامتلأت أعينهم ترابًا كلهم وهزموا عن آخرهم". رواه مسلم وغيره.
41- أنه لما اجتمعت صناديد قريش في دار الندوة وأجمعوا على قتله وجاءوا إلى بابه ينتظرون خروجه فيضربونه بالسيوف ضربة رجل واحد خرج عليهم ووضع التراب على رأس كل واحد منهم.
وكم له من معجزات بينة ظاهرة صلوات الله وسلامه عليه([4]).
قال الله تعالى -بسم الله الرحمن الرحيم-: }سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{ [الإسراء: 1].
يمجد الله تعالى نفسه المقدسة ويعظمها لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه من الأفعال العظيمة والمنن الجسيمة التي من جملتها أنه أسرى بعبده ورسوله محمد e }لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ{ وهو مسجد مكة الذي هو أجل المساجد على الإطلاق وأفضلها: }إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى{ وهو بيت المقدس الذي هو من المساجد الفاضلة أولى القبلتين وهو مصلى الأنبياء }الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ{ بكثرة الأشجار والأنهار والثمار }لِنُرِيَهُ{ أي محمد e }مِنْ آيَاتِنَا{ أي العظام كما قال تعالى: }لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى{ [النجم: 18] }إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{ أي السميع لأقوال عباده مؤمنهم وكافرهم ومصدقهم ومكذبهم، البصير بهم فيعطي كلا منهم ما يستحقه في الدنيا والآخرة.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه السورة بعد سياق الأحاديث الواردة في الإسراء: وإذا حصل الوقوف على مجموع هذه الأحاديث صحيحها وحسنها وضعيفها فحصل مضمون ما اتفقت عليه من مسرى رسول الله e من مكة إلى بيت المقدس وأنه مرة واحدة وإن اختلفت عبارة الرواة في أدائه أو زاد بعضهم فيه أو نقص منه فإن الخطأ جائز على من عدى الأنبياء عليهم السلام، وألحق أنه عليه السلام أسري به يقظة لا منامًا من مكة إلى بيت المقدس راكبًا البراق -دابة نحو البغل تركبها الرسل عند العروج إلى السماء([5]) فلما انتهى إلى باب المسجد ربط الدابة عند الباب ودخله فصلى في قبلته تحية المسجد ركعتين ثم أتي بالمعراج، وهو كالسلم ذو درج يرقى فيها- فصعد فيه إلى السماء الدنيا ثم إلى بقية السماوات السبع فتلقاه من كل سماء مقربوها وسلم على الأنبياء الذين في السماوات بحسب منازلهم ودرجاتهم حتى مر ﷺ بموسى الكليم في السادسة وإبراهيم الخليل في السابعة ثم جاوز منزلتيهما -صلى الله عليهما وعلى سائر الأنبياء-، حتى انتهى إلى مستوى يسمع فيه صريف أقلام، أي الأقلام القدر لما هو كائن.
ورأى سدرة المنتهى وغشيها من أمر الله تعالى عظمة عظيمة من فراش من ذهب، وألوان متعددة وغشيتها الملائكة ورأى هناك جبريل على صورته، التي خلق عليها وله ستمائة جناح، ورأى رفرفًا أخضر قد سد الأفق، ورأى البيت المعمور وإبراهيم الخليل باني الكعبة الأرضية مسند ظهره إليه لأنه الكعبة السماوية يدخله كل يوم سبعون ألف ملك يتعبدون فيه ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة لكثرتهم ورأى الجنة والنار وفرض الله عليه هنالك الصلوات خمسين ثم خففها إلى خمس رحمة منه ولطفًا بعباده وفي هذا اعتناء عظيم بشرف الصلاة وعظمتها، ثم هبط إلى بيت المقدس وهبط معه الأنبياء فصلى بهم فيه لما حانت الصلاة ويحتمل أنها الصبح من يومئذ، ثم خرج من بيت المقدس فركب البراق وعاد إلى مكة بغلس والله سبحانه وتعالى أعلم([6]).
ما يستفاد من الآية الكريمة
1- تنزيه الله تعالى عما لا يليق به من النقائص والعيوب.
2- الإيمان بإسراء رسول الله e إلى بيت المقدس وعروجه إلى السماء.
3- بيان الحكمة في ذلك وهي إظهار شرفه e ورؤيته آيات ربه الكبرى وفرض الصلوات الخمس عليه وعلى أمته.
4- فضل المسجد الحرام الذي هو أفضل المساجد على الإطلاق لأنه يحوي الكعبة المشرفة قبلة المسلمين وموضع حجهم ولذلك عظم فضل الصلاة فيه.
5- فضل المسجد الأقصى (بيت المقدس) وبركته التي منها تفضيله على غيره من المساجد سوى المسجد الحرام ومسجد الرسول بالمدينة، وأنه يطلب شد الرحل إليه للعبادة والصلاة فيه، وأن الله اختصه محلاً لكثير من أنبيائه وأصفيائه خلصه الله من أيدي البغاة المعتدين.
6- إثبات صفة السمع والبصر لله كما يليق به وأنه يسمع أقوال عباده ويبصر أعمالهم والله سبحانه وتعالى أعلم.
1- لا ريب أن الإسراء والمعراج من آيات الله العظيمة الدالة على صدق رسوله محمد e وعلى عظم منزلته عند الله عز وجل.
2- كما أنها من الدلائل على قدرة الله الباهرة.
3- وعلى علوه سبحانه على جميع خلقه.
4- وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها وكل ما ورد في ذلك فهو غير ثابت عن النبي e([7]).
5- وما رئي أنها في السابع والعشرين من رجب أو في ربيع الأول فلم يصح عن النبي e.
قال الحافظ ابن حجر قال ابن دحية وذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب وذلك كذب([8]).
وقال الحافظ ابن رجب رئي بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد أن الإسراء بالنبي e كان في السابع والعشرين من رجب وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره([9]).
6- ولو ثبت تعيين الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات أو الاحتفالات.
1- قوله e: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" أي مردود على عامله وهو صريح في رد كل بدعة ليس لها أصل في الكتاب والسنة سواء أحدثها أو قلد غيره فيها كالاحتفال بهذه الليلة.
2- قوله e: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وهذا تحذير من النبي e عن اتباع الأمور المحدثة في الدين ومن ذلك الاحتفال بمثل هذه الليلة.
3- أنه e لم يحتفل بهذه الليلة ولا بغيرها من المناسبات والليالي والفتوحات الإسلامية لا هو ولا خلفاؤه الراشدون ولا الأئمة الأربعة، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة الثلاثة الذين هم خير القرون.
ولو كان في هذه الاحتفالات خير لسبقونا إليه وهم أعلم الناس بالسنة وأكمل حبًا لرسول الله e ممن بعدهم.
4- أن العبادات توقيفية ليس لأحد أن يشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله قال تعالى: }أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ{ [الشورى: 21].
5- دعوى إظهار محبة الرسول e بمثل هذه الاحتفالات والإشادة بذكره دعوى باطلة وإنما يظهر أثر محبته في الاقتداء به واتباع سننه وتحكيم شريعته وامتثال أمره واجتناب نهيه والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه صلوات الله وسلامه عليه قال الله تعالى: }قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ [آل عمران: 31] فجعل تعالى لمحبته علامة وهي متابعة رسول الله e ورتب تعالى على اتباع رسوله محبته لمن اتبعه ومغفرة ذنوبه وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
1- الحافظ ابن حجر العسقلاني في رسالته «تبيين العجب بما ورد في فضل رجب».
2- الحافظ عبد الرحمن بن رجب في كتابه لطائف المعارف فيما المواسم العام من الوظائف (126).
3- الشيخ أحمد بن عبد السلام الشقيري في كتابه السنن والمبتدعات ص (127).
4- الشيخ علي محفوظ في كتابه الإبداع في مضار الابتداع ص (141).
5- سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز في التحذير من البدع ص (7) ذكر فيها بدعة الاحتفال بالمولد النبوي وليلة الإسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان مؤيدًا كلامه بالأدلة من الكتاب والسنة فجزاه الله خيرًا.
1- تخصيصه بالعمرة التي تعرف بالرجبية والتي هي إحياء لعادة الجاهلية الذين يعتمرون في رجب لكونه شهرًا حرامًا لا يحصل فيه قتال.
ولكن النبي e أبطل تلك العادة فلم يعتمر في رجب كما صرحت بذلك عائشة أم المؤمنين منكرة على ابن عمر رضي الله عنهما فأقرها على ذلك. نبه على هذه المسألة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين في مقدمة رسالة تبيين العجب بما ورد في فضل رجب.
2- الاجتماع في المساجد ليلة السابع والعشرين من رجب وإلقاء الخطب والمحاضرات وقراءة قصة الإسراء والمعراج والاحتفال بذلك وتخصيصها بالعبادة والقراءة والذكر والدعاء كل ذلك من البدع المحدثة في الدين وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
3- صلاة الرغائب التي تصلى بين العشائين ليلة أول جمعة من شهر رجب سميت بذلك لأجل العطايا المرغوب فيها الحاصلة لمصليها بزعم واضع الحديث فيها ذكر ذلك الشيخ أبو شامة الشافعي في كتابه الباعث على إنكار البدع والحوادث ص (32) قال ابن رجب وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء.
4- الذبيحة التي كانوا في الجاهلية يذبحونها للأصنام في شهر رجب ويسمونها العتيرة وتسمى الرجيبة.
فنهى الشرع عنها وفي الصحيحين عن أبي هريرة t عن النبي e قال: "لا فرع ولا عتيرة" والفرع بفتحتين هو أول النتاج كانوا يذبحونه للأصنام فنفاه الإسلام وأبطله.
5- تخصيص هذا الشهر بصلاة أو صيام أو زكاة لم يصح فيه شيء بخصوصه عن النبي e.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن رجب والحافظ ابن حجر لم يرد في فضل رجب ولا في صيام شيء منه ولا في قيام ليلة مخصوصة لم يرد فيه حديث صحيح يصلح للحجة([10]).
نصيحة وتحذير
وبناء على ما تقدم فإننا ننصح إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بأن يمتثلوا ما أمر الله به ورسوله، وأن ينتهوا عما نهى الله عنه ورسوله، وأن يتمسكوا بكتاب الله وسنة رسول الله e في أقوالهم وأفعالهم وأحكامهم ونظمهم وتصرفاتهم فهذا هو الصراط المستقيم الذي أمرنا باتباعه وترك ما خالفه وسار عليه سلفنا الصالح ورتب عليه سعادة الدنيا والآخرة.
وأن يحذروا من البدع والخرافات والمحدثات في الدين التي ما أنزل الله بها من سلطان والتي تؤدي بفاعلها إلى شقاوة الدنيا والآخرة قال تعالى: }وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ [الأنعام: 153].
نسأل الله تعالى أن يهدينا وإياكم وسائر إخواننا المسلمين صراطه المستقيم وأن يجنبنا طريق المغضوب عليهم والضالين وأن يحفظنا وإياهم بالإسلام وأن يجعلنا وإياهم هداة مهتدين وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلوات الله وسلامه على خير خلقه وأنبيائه نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
قال الله تعالى: }إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{ [الأحزاب: 56].
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله e يقول: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا" رواه مسلم.
وعن ابن مسعود t أن رسول الله e قال: "أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة" رواه الترمذي وقال حديث حسن.
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله e: "رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل علي" رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
وعنه t قال: قال رسول الله e: "لا تجعلوا قبري عيدًا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم" رواه أبو داود بإسناد صحيح.
وعن علي t قال: قال رسول الله e: "البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي" رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح([11]).
1- وهو أهمها وأكبرها في الصلاة في آخر التشهد وقد أجمع المسلمون على مشروعيته.
2- في التشهد الأول عند بعض العلماء.
3- في آخر القنوت.
4- في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية.
5- في الخطب كخطبة الجمعة والعيدين والاستسقاء وغيرها.
6- بعد إجابة المؤذن وعند الإقامة لما روى مسلم في صحيحه عن حديث عبد الله بن عمر أنه سمع رسول الله e يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي.." الحديث وفي إجابة المؤذن خمس سنن عن رسول الله e:
أحدها: الصلاة عليه e.
الثانية: أن يقول مثل ما يقول المؤذن.
الثالثة: أن يدعو له e بالوسيلة والفضيلة والمقام المحمود.
والرابعة: أن يقول رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولاً.
والخامسة: أن يدعو الله بعد إجابة المؤذن وصلاته على رسوله وسؤاله له الوسيلة فإن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة.
فهذه خمس وعشرون سنة في اليوم والليلة لا يحافظ عليها إلا السابقون.
7- من مواطن الصلاة على النبي e عند الدعاء وله ثلاث مراتب:
أحدها: أن يصلي عليه قبل الدعاء وبعد حمد الله تعالى، والمرتبة الثانية: أن يصلي عليه في أول الدعاء وأوسطه وآخرة. والثالثة: أن يصلي عليه في أوله وآخره ويجعل حاجته متوسطة بينهما. فمفتاح الدعاء الصلاة على النبي e كما أن مفتاح الصلاة الطهور فصلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا.
8- من مواطن الصلاة على النبي e عند الدخول للمسجد وعند الخروج منه.
9- على الصفا والمروة.
10- عند اجتماع القوم قبل تفرقهم.
11- عند ذكره e.
12- عند الفراغ من التلبية.
13- عند استلام الحجر الأسود في الطواف.
14- إذا خرج إلى السوق أو إلى دعوة ونحوها.
15- عند ختم القرآن وهذا لأنه محل دعاء.
16- يوم الجمعة قال e: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي". رواه أبو داود بإسناد صحيح.
17- عند القيام من المجلس.
18- عند المرور على المساجد ورؤيتها.
19- عند الهم والشدائد وطلب المغفرة.
20- عند كتابة اسمه e.
21- عند تبليغ العلم إلى الناس -عند التذكير والقصص، وإلقاء الدروس وتعلم العلم في أول ذلك وآخره.
22- في أول النهار وآخره.
23- عقب الذنب إذا أراد أن يكفر عنه.
25- عند إلمام الفقر والحاجة أو خوف وقوعه.
26- عند خطبة الرجل المرأة في النكاح.
27- عند العطاس عند بعض العلماء. وقال آخرون: لا تستحب الصلاة على النبي e عند العطاس وإنما هو موضع حمد الله وحده.
28- بعد الفراغ من الوضوء.
29- عند دخول المنزل.
30- في كل موطن يجتمع فيه لذكر الله.
31- إذا نسي الشيء وأراد ذكره.
32- عند ا لحاجة تعرض للعبد.
33- عند طنين الأذن.
34- عقب الصلوات.
35- عند الذبيحة عند بعض العلماء.
36- في الصلاة في غير التشهد بل في حال القراءة إذا مر بذكره.
37- من مواطن الصلاة عليه e بدل الصدقة لمن لم يكن له مال فتجزى الصلاة عليه عن الصدقة للمعسر.
38- عند النوم.
39- عند كل كلام خير ذي بال فإنه يبتدئ بحمد الله والثناء عليه ثم بالصلاة على رسول الله e ثم يذكر كلامه بعد ذلك.
40- في أثناء صلاة العيد فإنه يستحب أن يحمد الله ويثنى عليه ويصلى على النبي e([12]).
1- امتثال أمر الله سبحانه وتعالى.
2- موافقته سبحانه في الصلاة عليه e.
3- موافقة ملائكته فيها.
4- حصول عشر صلوات من الله على المصلي عليه مرة.
5- أنه يرفع له عشر درجات.
6- أنه يكتب له عشر حسنات.
7- أنه يمحى عنه عشر سيئات.
8- أنه يرجى إجابة دعائه إذا قدمها أمامه.
9- أنها سبب لشفاعته e.
10- أنها سبب لغفران الذنوب.
11- أنها سبب لكفاية الله العبد ما أهمه.
12- أنها سبب لقرب العبد منه e يوم القيامة.
13- أنها تقوم مقام الصدقة لذي العسرة.
14- أنها سبب لقضاء الحوائج.
15- أنها سبب لصلاة الله على المصلي وصلاة ملائكته عليه.
16- أنها زكاة للمصلي وطهارة له.
17- أنها سبب لتبشير العبد بالجنة قبل موته.
18- أنها سبب للنجاة من أهوال يوم القيامة.
19- أنها سبب لرد النبي e الصلاة والسلام على المصلي والمسلم عليه.
20- أنها سبب لتذكر العبد ما نسيه.
21- أنها سبب لطيب المجلس وأن لا يعود حسرة على أهله يوم القيامة.
22- أنها سبب لنفي الفقر.
23- أنها تنفي عن العبد اسم البخل إذا صلى عليه عند ذكره e.
24- أنها نجاة له من الدعاء عليه برغم الأنف إذا تركها عند ذكره e.
25- أنها ترمي صاحبها على طريق الجنة وتخطي بتاركها عن طريقها.
26- أنها تنجي من نتن المجلس الذي لا يذكر الله فيه ورسوله e.
27- أنها سبب لتمام الكلام الذي ابتدئ بحمد الله والصلاة على رسوله e.
28- أنها سبب لوفور نور العبد على الصراط.
29- أنه يخرج بها العبد عن الجفاء.
30- أنها سبب لإبقاء الله سبحانه الثناء الحسن للمصلي عليه بين أهل السماء والأرض.
31- أنها سبب للبركة في ذات المصلي وعمله وعمره وأسباب مصالحه.
32- أنها سبب لنيل رحمة الله.
33- أنها سبب لدوام محبته للرسول e وزيادتها وتضاعفها.
34- أن الصلاة عليه e سبب لمحبته للعبد.
35- أنها سبب لهداية العبد وحياة قلبه.
36- أنها سبب لعرض اسم المصلي عليه e وذكره عنده كما قال: "فإن صلاتكم معروضة علي". رواه أبو داود بإسناد صحيح.
37- أنها سبب لتثبيت القدم على الصراط والجواز عليه.
38- أن الصلاة عليه e أداء لأقل القليل من حقه وشكر له على نعمته التي أنعم الله بها علينا.
39- أنها متضمنة لذكر الله وشكره معرفة إنعامه على عبيده بإرساله.
40- أن الصلاة عليه e من العبد هي دعاء، ودعاء العبد وسؤاله من ربه نوعان:
أحدهما: سؤاله حوائجه ومهماته وما ينوبه في الليل والنهار فهذا دعاء وسؤال وإيثار لمحبوب العبد ومطلوبه.
الثاني: سؤاله أن يثني على خليله وحبيبه ويزيد في تشريفه وتكريمه ولا ريب أن الله تعالى يحب ذلك ورسوله يحبه..
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم([13]).
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وأشهد أن لا إله لا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي ما ترك خيرًا إلا هدى إليه ولا شرًا إلا حذر منه عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
أما بعد فقد اعتاد كثير من الناس في سائر الأقطار الإسلامية والعربية إقامة الحفلات الرائعة لذكرى مولد الرسول e في شهر ربيع الأول من كل سنة زاعمين أن هذه الاحتفالات عبارة عن إظهار الشكر لله على وجود هذا النبي الكريم بإظهار السرور بمثل اليوم الذي ولد فيه e وإظهار محبته والولاء له. فيقال لا شك أن محمدًا e هو سيد الخلق وأعظمهم وقد أرسله الله رحمة للعالمين وحجة على الخلائق أجمعين، وكانت ولادته وهجرته ووفاته في شهر ربيع الأول وهو صاحب المقام المحمود والحوض المورود والشفاعة العظمى أرسله الله بين يدي الساعة شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين من ربه صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ومع هذا فلا يجوز لأحد أن يقيم احتفالات بمولده e ولا بمولد غيره.
الأدلة على تحريم الاحتفال بالمولد:
1- أنه e لم يقم احتفالاً بمولده لا هو ولا خلفاؤه الراشدون ولا الأئمة الأربعة ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة الثلاثة الذين هم خير القرون ولو كان في هذا الاحتفال خيرًا لسبقونا إليه وهم أعلم الناس بالسنة وأكمل حبًا لرسول الله e ومتابعة لشرعه ممن بعدهم.
2- قول الله تعالى: }وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا( [الحشر: 7] وقد بين لنا رسول الله ( كل ما نحتاج إليه في أمور ديننا ودنيانا فلم يشرع لنا الاحتفال بمولده لا بقوله ولا بفعله، وقد أكمل الله له ولأمته دينهم وأتم به عليهم النعمة ورضي لهم الإسلام دينًا.
3- قوله ( "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة"، رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وهذا تحذير للأمة من اتباع الأمور المحدثة ومن ذلك الاحتفال بالمولد.
4- قوله (: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، وهو صريح في رد كل بدعة ليس لها أصل في الكتاب ولا في السنة كالاحتفال بالمولد.
5- أن العبادات توقيفية ليس لأحد أن يشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ( [الشورى: 21].
6- دعوى إظهار محبة الرسول e بهذه الاحتفالات دعوى باطلة، وإنما تظهر محبته في الاقتداء به واتباع سنته والعمل بشريعته وتحكيمها في القليل والكثير وامتثال أوامره واجتناب نواهيه والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه قال الله تعالى: }قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ [آل عمران: 31].
1- مخالفة السنة.
2- ارتكاب البدعة.
3- اختلاط الرجال بالنساء والافتتان بهن قال e: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
4- مشابهة النصارى في الاحتفال بميلاد عيسى عليه السلام. وقد نهينا عن مشابهتهم وأمرنا بمخالفتهم وفي جامع الترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله e قال: "ليس منا من تشبه بغيرنا لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى" وقال e: "ومن تشبه بقوم فهو منهم" رواه أحمد وأبو داود وغيرهما وصححه ابن حبان.
5- استعمال آلات اللهو والغناء المحرم وشرب المسكرات.
6- الإسراف والتبذير وإضاعة الأموال في سبيل هذه الموالد فهي نفقة لم يأذن بها الله ولا رسوله.
7- وقد يقع في هذه الموالد ما هو أعظم من ذلك من الاستغاثة بالرسول e وطلب المدد منه وسؤاله قضاء الحاجات وتفريج الكربات وشفاء المرضى والنصر على الأعداء وهذا هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله وقد قال الله لنبيه e: }قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا{ وهذا في حياته فكيف بعد وفاته؟
1- الإمام سليمان بن خلف الباجي من أئمة العلماء بالمغرب وشارح كتاب (الموطأ) وأحد شيوخ الإمام ابن عبد البر الأندلسي المتوفى سنة 494 هـ سئل رحمه الله عن المولد فأجاب لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة ولا بنقل عمل عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين بل كل هذا بدعة ابتدعها البطالون([14]).
2- شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى عام 728 هـ في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ص294 قال: ما يحدثه بعض الناس مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام من اتخاذ مولد النبي e عيدًا فإن هذا لم يفعله السلف.
3- ابن الحاج في المدخل (2/ 3) قال: ومن جملة ما أحدثوه من البدع -يعني: الصوفية- ما يفعلونه في شهر ربيع الأول من المولد وقد احتوى على بدع وانحرافات جمة.
4- الشيخ علي محفوظ في كتابه الإبداع في مضار الابتداع ص (126-130) قال: (لا نزاع في أن الاحتفال بالمولد من البدع) وذكر المفاسد الناتجة عنها.
5- الشيخ محمد بن عبد السلام في كتابه (السنن والمبتدعات) ص (122، 123) قال: فاتخاذ مولده e موسمًا والاحتفال به بدعة منكرة وضلالة، لم يرد بها شرع ولا عقل ولو كان في هذا خير فكيف غفل عنه الخلفاء الراشدون والتابعون والأئمة وأتباعهم.
6- الشيخ إبراهيم عبد الباقي في كتابه (تصحيح الإيمان) (188، 193) قال: ولو حللنا هذه الموالد تحليلا صحيحا لما وجدنا فيها عنصرًا من عناصر الخير ثم ذكر عيوبها وما ينتج عنها من مفاسد.
7- الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة السابق، له رسالة (حكم الاحتفال بالمولد النبوي والرد على من أجازه) قال فيها: أن مما أحدث بعد القرون المشهود لها بالخير بدعة الاحتفال بالمولد النبوي).
8- الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، له رسالة خاصة في هذا الموضوع ضمن رسائله في التحذير من البدع قال فيها: (إن الاحتفال بالموالد ليس من دين الإسلام بل هو من البدع المحدثات التي أمر الله سبحانه ورسوله e بتركها والحذر منها).
9- الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، له رسالة ضمن رسائله المسماة بالرسائل الحسان في نصائح الإخوان ص(23) قال: إن هذه الاحتفالات المبتدعة هي من سنن النصارى وليس في الإسلام أصل لهذا بل الإسلام ينهى عن مشابهتهم ويأمر بمخالفتهم ومعلوم أن كل بدعة يتعبد بها أصحابها فهي محرمة ممنوعة.
10- الشيخ عبد الله بن محمد الخليفي إمام الحرم المكي في رسالته (القول المبين في رد بدع المبتدعين) ص (43) قال: (اعلم رحمك الله أن اتخاذ بعض الناس يوم مولد الرسول e عيدًا محدث لا أصل له في الشرع.
نصيحة وتحذير
وبناء على ما تقدم من كلام الله تعالى وكلام رسوله e وكلام أهل العلم فإننا ننصح إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يتمسكوا بتعاليم دينهم وبكتاب ربهم وسنة نبيهم وأن يحذروا من الوقوع في البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان ليفوزوا بسعادة الدنيا والآخرة ويسلموا من شقاوة الدنيا والآخرة فإن الخير كله في طاعة الله ورسوله والشر كله في معصية الله ورسوله قال تعالى: }وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا{ [الأحزاب: 71] }وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا{ [الأحزاب: 36].
وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التي هي أوكد الحقوق بعد حق الله تعالى والتي هي من واجبات الإيمان.
1- الإيمان به e والرضى به نبيًا ورسولاً.
2- الشهادة له بالبلاغ.
3- محبتة e وتقديمها على محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين.
4- محبة ما أمر به وبغض ما نهى عنه.
5- أن نتبعه في أصول الدين وفروعه.
6- أن نصدقه في كل ما أخبر به من الشرائع والغيوب الماضية والمستقبلة.
7- طاعته e فيما أمر وتقديمها على طاعة كل أحد كائنا من كان قال تعالى: }وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا{ [النور: 54].
8- اجتناب ما نهى عنه وزجر قال تعالى: }وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا{ [الحشر: 4].
9- أن لا يعبد الله إلا بما شرع قال e: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه مسلم.
10- أن يكون حب المسلم وبغضه وفعله وتركه وقوله واعتقاده وعمله بحسب أوامر الرسول e ونواهيه قال e: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به"([15]).
11- تحكيم شريعته e والرضى بها واعتقاد كمالها والانقياد والاستسلام لها والدعوة إليها والدفاع عنها ونصرتها.
12- تعظيمه e وتوقيره واحترامه.
13- الاقتداء به e فيما يقوله ويفعله في عباداته ومعاملاته وعاداته وأخلاقه وآدابه.
14- النصيحة له e والعناية بسنته والبحث عن هديه وسيرته وتعظيم أمره ونهيه.
15- الإكثار من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
اللهم صل على محمد صلاة تجعلها بيننا وبين عذابك حجابًا وتجعلها لنا إلى كرامتك مآبًا، وتفتح لنا بها إلى الجنة العالية بابًا اللهم صلِّ على محمد عدد قطر الأمطار، وعدد رمال الأودية والقفار وعدد ورق الأشجار وعدد زيد البحار، وعدد مثاقيل الجبال والأحجار، وعدد أهل الجنة وأهل النار، وعدد الأبرار والفجار، واجعل اللهم صلاتنا عليه حجابًا من عذاب النار وسببًا في دخول الجنة دار النعيم والقرار -اللهم صلِّ على محمد عدد من صلى عليه وعدد من لم يصل عليه-.
كما أمرت بالصلاة عليه وصل عليه كما تحب أن يصلى عليه وصل عليه كما ينبغي أن يصلى عليه اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته وأصحابه وأتباعه وتوفنا اللهم على سنته واجعلنا من أهل ولايته وانفعنا بهدايته وأدخلنا في شفاعته واحشرنا في زمرته وأوردنا حوضه واسقنا منه شربة لا نظمأ بعدها أبدًا وأدخلنا الجنة مع صحابته الأبرار الطيبين والأخيار آمين يا رب العالمين يا أرحم الراحمين يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام وصلى الله على محمد اهـ من بستان الواعظين لابن الجوزي ص (296).
([1]) من رسالة (نور العيون في سيرة الأمين المأمون) ص (8، 18).
([2]) المصدر السابق (19-25).
([3]) رواه أحمد والبيهقي في السنن ورمز السيوطي لضعفه.
([4]) انظر (العجالة السنية على ألفية السيرة النبوية) ص (122، 133).
([5]) المصباح المنير (1/ 51).
([6]) تفسير ابن كثير (1/ 22، 23).
([7]) انظر حكم الاحتفال بهذه الليلة في التحذير من البدع للشيخ عبد العزيز ابن باز.
([8]) انظر رسالة تبيين العجب بما ورد في فضل رجب ص (6).
([9]) انظر لطائف المعارف لابن رجب ص (126).
([10]) انظر اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام ابن تيمية ص (301) وتبيين العجب بما ورد في فضل رجب لابن حجر ص (6) ولطائف المعارف لابن رجب ص (123).
([11]) انظر هذه الأحاديث في كتاب (رياض الصالحين) ص (588-589).
([12]) انظر كتاب (جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام) لابن القيم رحمه الله ص (222-301).
([13]) انظر (جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام) لابن القيم ص (302-312).
([14]) انظر كتاب (البيان في تصحيح الإيمان) لإبراهيم عبد الباقي ص193.
([15]) قال النووي في الأربعين النووية: حديث صحيح وتقدم.