الوصف
السراج المنير في سيرة البشير النذير عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: هذا الكتاب عبارة عن مُنتقى من كتب السيرة النبوية، اختصره المصنِّف من بعض الكتب المُعاصِرة، وقد ذكرَ أهمَّ القضايا المُتعلِّقة بسيرة النبي عليه الصلاة والسلام.
ناصر بن سعيد السيف
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد
فإن من نعمة الله عز وجل على عباده اتباع سُنَّة رسوله وخليله محمد - صلى الله عليه وسلم - نسأل الله العلي القدير أن يميتنا على الكتاب والسُّنة وهو راضٍ عنّا يا رب العالمين.
ومن فضله تبارك وتعالى علينا أن كتبنا مختصراً في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - سميته مجتهداً: «السِّراج المُنير في سيرة البشير النذير عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم»([1]).
نسأل الله العلي القدير أن لا يحرمنا الأجر وأن يجعلنا ممن يتبع السنة والأثر وأن يجعل الفردوس الأعلى من الجنة هو المستقر وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين([2]).
كتبه الفقير إلى عفو ربه القدير
أبو خلاد ناصر بن سعيد بن سيف السيف
غفر الله له ولوالديه وجميع المسلمين
1- من أقوال سلف الأمة في السيرة النبوية.
2- مصادر السيرة النبوية.
3- أشهر كتب التفسير التي هي من مصادر السيرة النبوية.
4- أشهر كتب الحديث التي هي من مصادر السيرة النبوية.
5- أشهر كتب المغازي والسير والدلائل والشمائل التي هي من مصادر السيرة النبوية.
6- أشهر كتب الأدب واللغة والشعر التي هي من مصادر السيرة النبوية.
7- ملاحظات وفوائد مهمة على مصادر السيرة النبوية.
8- مناهج المحدثين وكتّاب السيرة والتاريخ في أخبار السيرة النبوية.
9- من أهم أسباب اختلاف أساليب نقل أخبار السيرة وروايتها.
10- أشهر من روى أخبار السيرة النبوية.
11- نبذة من سيرة محمد بن إسحاق.
12- نبذة من سيرة الواقدي.
13- نبذة من سيرة محمد بن سعد.
14- أهمية دراسة السيرة النبوية.
15- أسباب اختيار جزيرة العرب منطلقاً للرسالة المحمدية.
16- أسباب تميز رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - بخاتمة الرسالات وأمته بآخر الأمم وأفضلها.
* قال الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: «إن الله تعالى نهج سبيله وكفانا برسوله - صلى الله عليه وسلم - فلم يبق إلا الدعاء والإقتداء».
* قال زين العابدين علي بن الحسين بن علي - رضي الله عنه -م أجمعين: «كنا نُعلِّم مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما نُعلِّم السورة من القرآن».
* قال الإمام محمد بن شهاب الزهري رحمه الله: «علم السيرة علم الدنيا والآخرة».
* قال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص رحمهم الله أجمعين: «كان أبي يعلمنا المغازي والسرايا ويقول: يا بني هذه شرف آبائكم فلا تضيعوا ذكرها».
* قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: «رأيت الاشتغال بالفقه وسماع الحديث لا يكاد يكفي في صلاح القلب إلا أن يمزج بالرقائق والنظر في سير السلف الصالح».
* قال الإمام ابن حزم الظاهري رحمه الله: «إن سيرة محمد - صلى الله عليه وسلم - لمن تدبرها تقتضي تصديقه ضرورة وتشهد له بأنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حقاً فلو لم تكن له معجزة غير سيرته لكفى».
* قال عبيدالله بن عُتبة رحمه الله: «كنا نحضر مجالس عبدالله بن عباس فيحدثنا العشية كلها في المغازي وكان قد خصص جزءاً من يومه لتدريس المغازي».
* قال الخطيب البغدادي رحمه الله: «تتعلق بمغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحكام كثيرة فيجب كتابتها والمحافظة عليها».
* قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مملوءة بالعِبر والعِظات والدروس والمبادئ العظيمة وإنا نحسب أن سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكمال عقله وخلقه واستقامته وسلامة ما يدعوا إليه كل ذلك نفسه دعوة إلى الإسلام في وسط غياهب الجهالة في الماضي وهو لا يزال القوة الداعية إلى الإسلام في عصرنا الحاضر وإننا نجد بعض الناس يسلمون إذا علموا السيرة النبوية وأدركوا عقله وبعده عن الأوهام والخرافـات التي تسود العامة وتستهوي تفكير السذّاج».
* قال سليمان الندوي رحمه الله: «الدين لا ينجح ولا يعلو ولا ينتشر إلا بسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي بُعث به وبما عرفه الناس عنه من شؤون حياته وأخلاقه وأعماله وأقواله».
* قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «من هنا تعلم اضطرار العبد فوق كل ضرورة إلى معرفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبما جاء به وتصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرُّسل وإذا كانت السعادة للعبد في الدارين متعلقة بهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيجب على كل من نصح نفسه وأحب نجاتها وسعادتها أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه وما يخرج به عن الجاهلين به ويدخل في عداد أتباعه وشيعته وحزبه والناس في هذا بين مُقل ومستكثر ومحروم والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم».
* قال الدكتور زيد الزيد حفظه الله: «السيرة جزء من هذا الدين والتعريف بها تعريف بهذا الدين» .
* قال الشيخ إبراهيم العلي حفظه الله: «شخصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تقاس بالإنجازات التي تمت في عصره فقط ولكن بما نتج عن هذه الإنجازات وما تحقق بعده من فتوحات التي تمت في عهد الخلفاء الراشدين وتأسيس دولة الإسلام العظيمة الممتدّة من الصين شرقاً إلى جبال فرنسا غرباً».
* قال سليمان الندوي رحمه الله: «سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - هي السيرة الوحيدة التي جمعت الخصائص الأربع المطلوبة التي يجدر بالناس أن يتخذوها قدوة وأسوة في حياتهم وهي:
1- سيرة تاريخية يشهد لها التاريخ بصحتها.
2- سيرة جامعة لجميع أطوار الحياة وأصناف المجتمع وشؤون الحياة.
3- سيرة كاملة لا نقص فيها.
4- سيرة عملية لم تكن فقط قولية بل قول الداعي يصحبه عمل وتطبيق على نفسه.
ولن تجد سيرة لفرد تصلح أن تكون للإنسانية سوى سيرة هذا النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ».
1- تفسير القرآن الكريم.
2- كتب الحديث ومصنفاته.
3- كتب المغازي والسير والدلائل والشمائل.
4- كتب الأدب واللغة والشعر.
1- تفسير الإمام الطبري المسمى (جامع البيان عن تأويل آي القرآن).
2- تفسير الإمام البغوي المسمى (معالم التنزيل).
3- تفسير الإمام ابن الجوزي المسمى (زاد المسير).
4- تفسير الإمام الحافظ ابن كثير المسمى (تفسير القرآن العظيم).
5- تفسير الإمام السيوطي المسمى (الدُّر المنثور).
1- صحيح البخاري ذكر أبرز أحداث سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جميع المجالات في أكثر الكتب والأبواب.
2- صحيح مسلم أفرد كتباً وأبواباً عن سيرته - صلى الله عليه وسلم - خاصةً في ذكر الغزوات والسرايا وفضائل النبي - صلى الله عليه وسلم - وفضائل الصحابة.
3- سنن الترمذي أكثر من ذكر السيرة من أهل السنن خاصة في أبواب المناقب.
4- سنن أبي داود يأتي بعد سنن الترمذي في ذكر السيرة.
5- سنن ابن ماجه يأتي بعد سنن أبي داود في ذكر السيرة وخاصة في كتاب الجهاد.
6- سنن النسائي يأتي بعد سنن ابن ماجه في ذكر السيرة.
7- مسند الإمام أحمد وهو أكثر الكتب ذكراً للغزوات والسرايا خاصة في كتاب الجهاد وكتاب المناقب وكتاب السيرة وهذا ليس بغريب لأن مسند الإمام أحمد يضم ما بين دفتيه أكثر من ثلاثين ألف حديث.
1- كتاب (موسى بن عقبة) وهو محدث ثقة من تلاميذ الإمام محمد بن شهاب الزهري.
قال الإمام مالك رحمه الله: «عليكم بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة فإنها أصح المغازي».
وقال الإمام مالك رحمه الله: «عليكم بمغازي موسى بن عقبة فإنه رجل ثقة طلبها على كبر سن ليقيّد من شهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يكثر كما أكثر غيره».
وقال الإمام الذهبي رحمه الله: «وأما مغازي موسى بن عقبة فهي في مجلد ليس بالكبير سمعناها وغالبها صحيح ومرسل جيد لكنها مختصرة تحتاج إلى زيادة وتتمة».
وقال يحيى بن معين رحمه الله: «كتاب موسى بن عقبة عن الزهري أصح هذه الكتب» يعني: المغازي.
2- كتاب (دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة) للإمام البيهقي.
3- كتاب (الشمائل المحمدية) للإمام أبي عيسى محمد بن سورة الترمذي صاحب السنن واختصره وحققه الإمام العلامة المحدث محمد بن ناصر الدين الألباني رحمه الله.
4- كتاب (الخصائص الكبرى) للإمام السيوطي.
5- كتاب (شمائل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ) للإمام الحافظ ابن كثير.
1- كتاب (أخبار مكة) لأبي الوليد محمد بن عبدالله الأزرقي.
2- كتاب (تاريخ الأمم والملوك) لابن جرير الطبري المشهور بتاريخ الطبري محدث واسع الدراية ولكن في تاريخه جمع الصحيح والضعيف والواهي.
3- كتاب (تاريخ خليفة بن خياط) لخليفة بن خياط العصفري رتب التاريخ على حسب السنوات الهجرية.
4- كتاب (تاريخ دمشق الكبير) لأبي القاسم علي بن الحسن بن عساكر ت (571هـ) حافظ عصره وينقل الروايات بالأسانيد وقد بدأ كتابه بسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
5- كتاب (البداية والنهاية ) للإمام الحافظ ابن كثير.
1- ما جاء في كتب الحديث الصحيحة من روايات للسيرة مقدمٌ على ما جاء في كتب المغازي.
2- ضرورة الإسناد في قبول الروايات التاريخية وخاصة في روايات السيرة النبوية.
3- رواية الضعيف أو الاستئناس به منهج اعتمده ونبّه إليه بعض أئمة الحديث على رأسهم الإمام أحمد فقد قال في شأن هذا: «إذا روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضائل الأعمال وما لا يضع حكماً ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد»([3]).
4- قال الإمام الذهبي رحمه الله: «أكثر الأئمة على التشديد في أحاديث الأحكام والترخيص قليلاً لا كل الترخيص في الفضائل والرقائق فيقبلون في ذلك ما ضعف إسناده لا ما اتهم روايته فإن الأحاديث الموضوعة والأحاديث شديدة الضعف والوهن لا يلتفتون إليها».
5- قال الإمام ابن رجب الحنبلي: «فقد رخص كثيرٌ من الأئمة في رواية أحاديث الرقائق ونحوها عن الضعفاء منهم عبدالرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل».
6- إن أكثر الحفّاظ ومنهم الطبري يذكرون في مصنفاتهم الروايات الضعيفة والواهية مع سكوتهم عليها في الغالب لأنهم يرون أنه متى ما ذكروا الإسناد فقد برئوا من العُهدة وأسندوا أمره إلى النظر في إسناده لمن جاء بعدهم.
7- إن الاهتمام بالإسناد من ضرورات الدين الإسلامي التي اختصت هذه الأمة عن غيرها من الأمم السابقة.
8- قال عبدالله بن المبارك: «الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء».
9- قال عبدالله بن المبارك: «الذي يطلب أمر دينه بلا إسناد كمثل الذي يرتقي السطح بلا سلم».
10- قال الإمام الشافعي: «الذي يطلب الحديث بلا إسناد كمثل حاطب ليل».
11- قال الطيبي: «الإسناد خصيصة هذه الأمة وسنة من السنن البالغة وطلب العلو فيه سُنَّة أيضاً ولذا استحب فيه الرحلة».
12- قال الإمام ابن حزم الظاهري: «أما أقوال الصحابة والتابعين فلا يمكن أن يبلغ اليهود إلى صاحب نبي أصلاً ولا إلى تابع له ولا يمكن النصارى أن يصلوا إلى أعلى من شمعون وبولس).
1- منهج المحدثين: هو ضبط الروايات ضبطاً شديداً والتحري الدقيق خاصة في كل ما يضاف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوعاً.
2- منهج كتَّاب السِّير والتاريخ: هو مقارب لمنهج المحدثين خاصة من كان منهم نشأ في بيئة أهل الحديث والاهتمام به.
اختلاف المناهج والنظرات والاستنباطات والأسلوب للمؤلف وهذا من أعظم البراهين على أن السيرة لا تنقضي عجائبها في نقل أخبارها وروايتها وغير ذلك.
اشتهر الكثير ولكن أشهرهم:
1- محمد بن إسحاق. 2-الواقدي. 3- محمد بن سعد.
هو أبو بكر محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي توفي سنة (150هـ) وكان ولاؤه لقيس ابن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف القرشي وسبى خالد بن الوليد جده يسار من بلدة عين التمر قريبة من الأنبار العراقية سنة 12هـ.
نشأ في المدينة النبوية واهتم بالحديث وطلب العلم على القاسم بن محمد بن أبي بكر وأبّان بن عثمان وأبي سلمة بن عبدالرحمن بن عوف ونافع مولى ابن عمر ومحمد بن شهاب الزهري ورأى أنس بن مالك وسعيد ابن المسيب وتنقل بين الأمصار الإسلامية المشرقية وتفرد برواية الأحاديث عن شيوخهم.
اختلف أهل الحديث في عدالته وتوثيقه فمنهم من تكلم فيه ومنهم من وثّقه والصواب: «أن محمد ابن إسحاق إمام في المغازي والسير وهذا اتفق عليه الجميع وأما في الحديث فيصل إلى مرتبة الحسن لذاته إذا صرح بالتحديث لأنه من المدلسين في الإسناد إذا عنعن».
* سبب تميز سيرة محمد بن إسحاق يعود لأمور منها:
1- اهتمامه في السيرة بالتسلسل الزمني في إيراد الأحداث.
2- يجمع المرويات في الواقعة الواحدة ويسوقها مساقاً واحداً.
3- سعة علمه ومكانته في عصره وفصاحته في إيراده.
4- أعطى تهذيب ابن هشام لسيرته بهاءً وجمالاً وفتح للعلماء الاهتمام بها ودراستها وشرحها والتعليق عليها.
هو محمد بن عمر بن واقد المدني نزيل بغداد مولى عبدالله بن بريدة الأسلمي توفي سنة (207هـ).
اختلف أهل الحديث في عدالته وتوثيقه منهم من تكلم فيه ومنهم من وثقه والصواب: «أن الواقدي متروك مع سعة علمه ولم يُخرَّج له من الأحاديث إلا ابن ماجه في سننه وهذا رأي غالب العلماء فيه إلا أنه كان إمام في المغازي والسير».
* سبب تميز سيرة الواقدي يعود لأمور منها:
1- ترتيب التفاصيل للحوادث بأسلوب منطقي وفني.
2- ذكر أسماء الرجال الذين نقل عنهم أولاً قبل بدء الحادثة.
3- تحديد التاريخ والمواقع الجغرافية للغزوات والسير.
4- يذكر أسماء الذين استخلفوا في المدينة النبوية أثناء الغزوات.
5- يذكر شعار المسلمين في المعارك.
6- إفراد الآيات التي نزلت في الأحداث.
هو أبو عبدالله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي مولاهم البصري المعروف (ابن سعد) لازم شيخه الواقدي زمناً طويلاً وتوفي سنة (230هـ) وكان يكتب له.
طريقة ابن سعد في سياق الروايات عن الضعفاء والثقات بالأسانيد ويبرأ من العُهدة ولم يذكر أن شرطه في الروايات أن تكون صحيحة.
اختلف أهل الحديث في عدالته وتوثيقه فمنهم من تكلم فيه ومنهم من وثّقه والصواب: «أن محمد بن سعد ثقة غير أنه كثير الرواية في الطبقات عن الضعفاء ومنهم الواقدي إلا أنه كان إمام في المغازي والسير فيؤخذ ما حدَّث به عن الثقات».
1- تُدرس سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنها سيرة أعظم رجل عرفته البشرية فهي سيرة سيد ولد آدم عليهما الصلاة والسلام كما يقول - صلى الله عليه وسلم - : «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة» رواه مسلم.
2- قال عبد الحميد بن باديس رحمه الله: «فقه القرآن الكريم يتوقف على فقه حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسننه وفقه حياته - صلى الله عليه وسلم - يتوقف على القرآن وفقه الإسلام عليهما».
3- بمعرفة السيرة تعرف كيف وصل لك هذا الدين العظيم.
4- إن الدارس للسيرة النبوية يقف على التطبيق العملي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لأحكام الإسلام.
5- إن الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقتضي الاهتمام بمعرفة شمائله وأحواله ودلائل نبواته وخصائصه - صلى الله عليه وسلم - .
6- الازدياد في معرفة سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أهم أسباب حُبِّه والاقتداء به في جميع أحواله.
7- الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - الذي يأتي بمعرفة سيرته دليل على اتباعه ومحبة العبد لربه جل وعلا حيث قال سبحانه: [قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] {آل عمران:31}.
8- معرفة السيرة تُعين على فهم كلام الله عز وجل وسُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
9-معرفة السيرة تُعين على الاهتمام بأكثر الفنون من عقيدة وتفسير وفقه وأخلاق وغيرها.
10- معرفة أسباب نزول الآيات ومعرفة مناسبة كثير من أقواله - صلى الله عليه وسلم - وأقوال أصحابه لا تُعرف إلا بدراسة السيرة النبوية.
11- معرفة حكم الناسخ والمنسوخ في الكتاب والسُّنة لا يأتي ذلك إلا بمعرفة السيرة النبوية.
12- إن خصائص ومعجزات وشمائل النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تُعرف إلا بمعرفة السيرة النبوية.
13- من أصول الدين معرفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وذلك بدراسة سيرته من:
أ - معرفته - صلى الله عليه وسلم - نسباً فهو أشرف الناس نسباً.
ب- معرفة حاله ومكان ولادته ومهاجره.
ج- معرفة حياته النبوية وهي ثلاث وعشرون سنة.
15- الاستشعار في دراسة سيرة هذا النبي العظيم هادي البشرية عليه الصلاة والسلام بأنك سوف تلقاه في الفردوس الأعلى إذا امتثلت أمره واجتنبت نهيه وأحببت فعله وقوله وصارت كل حركاتك اقتداءً به - صلى الله عليه وسلم - .
1- إن جزيرة العرب أرض حرة لا سلطان فيها لأحد ممن يعادون الدين مثل الفرس والروم ونحوها.
2- إن جزيرة العرب لم تكن ذات ديانة موحدة في سائر بقاعها فكانت عبادات مختلفة منهم من يعبد الأصنام ومنهم من يعبد الملائكة ومنهم من يعبد الكواكب وكان القلة منهم على الحنيفية الإبراهيمية.
3- إن جزيرة العرب كان النظام السائد فيها النظام القبلي فكان لكل عشيرة وقبيلة نظام.
4- إن سُكان جزيرة العرب وخاصة سُكان مكة بعيدون عن مظاهر المدينة التي تؤثر فيها الحضارات والأفكار والعادات.
5- إن جزيرة العرب تقع وسط العالم مما يسهل اتصال هذه الرسالة وانتشارها بين البلدان والأمصار.
6- تفوق اللغة العربية وسعة انتشارها ففي جزيرة العرب لغة واحدة وهي اللغة العربية.
7- إن مكة المكرمة تتميز بكثرة الزائرين إليها للبيت العتيق وحجاجه وأصحاب التجارة ولقاءات الأدب والشعر والأسواق الموسمية.
8- قال ابن خلدون في جزيرة العرب: «وسكانها من البشر أعدل أجساماً وألواناً وأخلاقاً وأدياناً حتى أن النبوات توجد في الأكثر فيها ولم نقف على خبر بعثة نبي ورسول في الأقاليم الجنوبية ولا الشمالية وذلك لأن الأنبياء والرسل إنما يختص بهم أكمل نوعاً في الأخلاق ليتم القبول لما يأتيهم من عند الله عز وجل» .
1- تكليف النبي - صلى الله عليه وسلم - الرسالة لجميع الإنس والجن ليظهر فضله بعموم رسالته ويعظم أجره وصبره ويكثر ثوابه بكثرة من يؤمن به وهذا فيه قوله تعالى: [وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ] {القلم:3}.
2- انقطاع الوحي والرسالة لا يدل على انقطاع الدعوة إلى الله عز وجل بل هي ماضية إلى قيام الساعة.
3- حفظ الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم من التبديل والنقص والزيادة والتحريف قال تعالى: [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] {الحجر:9}.
4- أن الله جل وعلا جعل من هذه الأمة طائفة لا تزال قائمة على الحق فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» رواه البخاري ومسلم.
5- كانت الأمم السابقة إذا بدّلت دينها بعث الله لهم نبياً يبين الحق لهم وهذه الأمة لا نبي بعد نبيها فكانت عصمتها تقوم مقام النبوة فلا يمكن لأحدٍ أن يبدّل الدين إلا أقام الله من يبيّن الخطأ فلا تجتمع الأمة على ضلال.
6- تكريم للأمة بعد نبيها لاعتمادها على نفسها من خلال مصادر التشريع القرآن والسُّنة وعمل سلف الأمة.
@ @ @
1- البشارة بمحمد - صلى الله عليه وسلم - .
2- نسب محمد - صلى الله عليه وسلم - .
3- حادثة الفيل.
4- مولد محمد - صلى الله عليه وسلم - .
5- ختان محمد - صلى الله عليه وسلم - .
6- تسمية محمد - صلى الله عليه وسلم - .
7- اليتيم محمد - صلى الله عليه وسلم - .
8- رضاعة محمد - صلى الله عليه وسلم - .
9- حادثة شق صدر محمد - صلى الله عليه وسلم - .
10- وفاة أم محمد - صلى الله عليه وسلم - .
11- محمد - صلى الله عليه وسلم - في كفالة جده عبد المطلب ثم عمه أبي طالب.
12- رعي محمد - صلى الله عليه وسلم - للأغنام.
13- قصة بحيرا الراهب.
14- مشاركة محمد - صلى الله عليه وسلم - في حرب الفجّار.
15- مشاركة محمد - صلى الله عليه وسلم - في حلف الفضول.
16- زواج محمد - صلى الله عليه وسلم - بخديجة - رضي الله عنها -.
17- بناء الكعبة.
18- خلوة وتعبّد محمد - صلى الله عليه وسلم - قبيل البعثة.
19- إرهاصات النبوة قبل البعثة.
20- بدء الوحي.
21- فترة انقطاع الوحي عن محمد - صلى الله عليه وسلم - ثم تتابعه.
22- مراتب الوحي.
23- تصديق ورقة بن نوفل بمحمد - صلى الله عليه وسلم - .
24- مراتب دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ومراحلها.
25- دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - السرية.
26- دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - الجهرية.
27- أساليب المشركين في محاربة الدعوة الإسلامية.
28- التقاء محمد - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه في مكة.
29- الهجرة الأولى إلى الحبشة.
30- الهجرة الثانية إلى الحبشة.
31- إسلام النجاشي - رضي الله عنه -.
32- إسلام حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه -.
33- إسلام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.
34- المقاطعة العامة ودخول محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شعب أبي طالب.
35- وفاة أبي طالب.
36- وفاة خديجة - رضي الله عنها -.
37- تتابع المصائب على محمد - صلى الله عليه وسلم - .
38- زواج محمد - صلى الله عليه وسلم - من سودة - رضي الله عنها -.
39- زواج محمد - صلى الله عليه وسلم - من عائشة - رضي الله عنها -.
40- هجرة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف.
41- الإسراء والمعراج.
42- عرض محمد - صلى الله عليه وسلم - نفسه على القبائل.
43- بيعة العقبة الأولى.
44- بيعة العقبة الثانية.
* صفته في التوراة وتبشير اليهودية:
عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -م فقلت: «أخبرني عن صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التوراة فقال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحرزا ً للأميين([5]) أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق([6]) ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء([7]) بأن يقولوا: لا إله إلا الله ويفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوبا غلفاً» رواه البخاري.
* أخبار الكهّان عن بعثته:
عن عبدالله بن عمر - - رضي الله عنهما - قال: ما سمعت عمر بشيء فقط يقول إني لأظنه كذا إلا كان كما يظن وبينما عمر جالس إذ مر به رجل فقال عمر: لقد أخطأ ظني أو أن هذا على دينه في الجاهلية أو لقد كان كاهنهم عليَّ الرجل فدعي له فقال له ذلك.
فقال : ما رأيت كاليوم استقبل به رجلاً مسلماً.
قال: فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني.
قال: كنت كاهنهم في الجاهلية.
قال: فما أعجب ما جاءتك به جنيتك؟
قال: بينما أنا يوماً في السوق جاءتني أعرف منها الفزع
فقالت: ألم تر الجن وإبلاسها ويأسها من بعد إنكاسها([8]) ولحوقها بالقلاص([9]) وأحلاسها.
قال: صدق بينما أنا نائم عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه فصرخ به صارخ لم أسمع صارخاً قط أشد صوتاً منه يقول: يا جليح([10]) أمر نجيح رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله فوثب القوم قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا ثم نادى: يا جليح أمر نجيح رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله فقمت فما نشبنا أن قيل: هذا نبي. رواه البخاري.
* تبشير النبيين به وكيف كان أول أمره:
عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: قلت يا نبي الله ما كان أول بدء أمرك؟ قال: «دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورأت أمي نوراً أضاءت منه قصور الشام» رواه أحمد وله شواهد.
* قال الإمام البخاري رحمه الله: «هو أبو القاسم محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار ابن معد بن عدنان».
* قال الإمام البغوي رحمه الله: «لا يصح حفظ النسب فوق عدنان».
* قال ابن سعد رحمه الله: «الأمر عندنا الإمساك عمّا وراء عدنان إلى إسماعيل».
* قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «إلى ها هنا معلوم الصحة متفق عليه بين النسّابين ولا خلاف ألبتة وما فوق عدنان مختلف فيه ولا خلاف بينهم أن عدنان من ولد إسماعيل».
* الخلاصة في نسبه - صلى الله عليه وسلم - أن نسبه - صلى الله عليه وسلم - الثابت بلغ (22) رجلاً واختلف من بعد (22) الذي هو من عدنان إلى إسماعيل عليه السلام ولا يثبت نسباً إلى آدم عليه السلام([11]) والثابت قطعاً أن إسماعيل ولد إبراهيم عليهما السلام.
* أخواله - صلى الله عليه وسلم - من بني زهرة لأن أمه آمنة بنت وهب يلتقي نسبها مع والده - صلى الله عليه وسلم - في كلاب بن مرة.
* الذي سمى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بهذا الاسم هو جده عبد المطلب وأمه رغبة منهما عن أسماء أهل بيته لأنه أول من سمي بذلك وكذلك أراد الله أن يحمده الله في السماء وخلقه في الأرض([12]).
* اعلم رحمك الله: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلى وأطهر أهل الأرض نسباً وقوماً وقبيلة وفخذا ولذلك من طعن أو شك أو استهزأ أو غمز أو لمز في نسبه - صلى الله عليه وسلم - فقد وقع في الكفر الأكبر المخرج من الملة فيكون حلال الدم والمال».
* من أقواله - صلى الله عليه وسلم - :
1- عن واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله عز وجل اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل كنانة واصطفى من بني كنانة قريشاً واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم» رواه مسلم والترمذي وأحمد.
2- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «بعثتُ من خير قرون بني آدم قرناً فقرناً حتى بعثتُ من القرن الذي كنتُ فيه» رواه البخاري وأحمد.
3- قال أبو سفيان - رضي الله عنه - حين سأله هرقل: «كيف نسبه فيكم؟ أجاب: هو فينا ذو نسب».
فقال هرقل: «هو ذلك وسألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب فكذلك الرسل تُبعث في نسب قومها» رواه البخاري.
* قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «اسم الرسول - صلى الله عليه وسلم - محمد فهو - صلى الله عليه وسلم - محمود عند الله ومحمود عند ملائكته ومحمود عند إخوانه من المرسلين ومحمود عند أهل الأرض كلهم».
في عهد عبد المطلب بن هاشم جد النبي - صلى الله عليه وسلم - وقعت حادثة الفيل التي تزامنت مع العام الذي وُلد فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فعندما رأى أبرهة الحبشي نائب ملك الحبشة أن العرب والحجاج يتوافدون إلى البيت العتيق في مكة في كل عام بنى كنيسة كبيرة بصنعاء وأسماها (القُليس) وأراد أن يصرف العرب والحجاج إليها بدلاً من البيت الحرام بمكة فسمع بذلك رجلٌ من بني كنانة فسار إليها ودخل في الكنيسة ليلاً ولطخ جدرانها بالعَذرة فلما علم بذلك أبرهة غضب وقرر أن يهدم الكعبة وسار بنفسه يقود جيشاً عدده ستون ألف رجل وكان في جيشه عددٌ من الفيلة ومضى يشق طريقه إلى مكة حتى وصل إلى شرق مكة عند جبل كبكب يبعد عن البيت الحرام عشرين كيلاً.
فساق أبرهة أموالاً لقريش منها مائتا بعير لعبد المطلب فجاء عبد المطلب وكان سيد قريش وقابل أبرهة وأجلّه وأكرمه وقال له: ما حاجتك؟ فقال: حاجتي أن يرد الملك عليَّ مائتي بعير التي أخذها فقال أبرهة كنت أعجبتني حين رأيتك ثم زهدت فيك حينما كلمتني!! تكلمني في مائتي بعير وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه!؟ قال عبد المطلب: «أنا رب الإبل وإن للبيت رباً سيمنعه» قال: ما كان ليمتنع مني قال: أنت وذاك ولجأت قريش إلى الجبال وجلست تنظر ماذا يصنع أبرهة وجيشه فعندما أراد الدخول إلى مكة توجهوا بالفيلة وكان معهم فيل اسمه «محمود» فلما قربوا من مكة برك الفيل فضربوه ليقوم فأبى ولما غيروا وجهة الفيل بغير اتجاه مكة قام الفيل وهرول ثم أرسل الله طيراً أبابيل تحمل أحجاراً لا تصيب أحداً إلا أهلكته، كما قال تعالى: [أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ] {الفيل}. فهذه الحادثة وقعت عام (571) ميلادي قبل مولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحوالي شهر ونصف تقريباً.
* فوائد من حادثة الفيل:
1- حادثة الفيل جاءت لتبرز وتعلي مكانة قريش بين سائر القبائل العربية فهي القبيلة التي حُميت وإن لم تكن هي المقصودة وإنما جاءت تبعاً وأرضها هي الأرض التي حُرست وسائر القبائل انتصر عليها أبرهة واستباح أرضها عندما كان سائراً إلى مكة تقوده الغيرة والحسد النصراني.
2- قال ابن هشام في السيرة: «فلما رد الله ملك الحبشة عن مكة وأصابهم ما أصابهم من النقمة أعظمت العرب قريشاً وقالوا: هم أهل الله قاتل الله عنهم وكفاهم مؤنة عدوهم».
3- قال الله تعالى [أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ الله يَكْفُرُونَ] {العنكبوت:67}.
قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في تفسيرها: «هذا تذكير خاص لأهل مكة وإنما خصوا من بين المشركين من العرب لأن أهل مكة قدوة لجميع القبائل ألا ترى أن أكثر القبائل العربية ينتظرون ماذا يكون من أهل مكة؟ فلما أسلم أهل مكة يوم الفتح أقبلت الوفود من القبائل معلنة إسلامهم».
4- موقف عبد المطلب وهو مشرك يوحي للمسلم بوجوب الاعتماد على الله سبحانه وتعالى والتوكل عليه والثقة بنصره فإذا كان هذا كلام عبد المطلب يقولها وهو واثق أن لهذا البيت رباً سيتولى حمايته فماذا يقال للمسلم الذي يغفل عن نصر الله لدينه ونبيه وعباده الصالحين.
5- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وأما الكعبة فإن الله شرَّفها وعظّمها وجعلها محرّمة فلم يمكّن الله أحداً من إهانتها لا قبل الإسلام ولا بعده بل لما قصدها أهل الفيل عاقبهم الله بالعقوبة المشهورة».
6- روي أن ابن عمر - - رضي الله عنهما - نظر يوماً إلى الكعبة فقال: «ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك» رواه الترمذي وقال الألباني: حسن صحيح.
7- قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «وكان أمر الفيل تقدمة قدمها الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وإلا فأصحاب الفيل كانوا نصارى أهل كتاب وكان دينهم خيراً من دين أهل مكة إذ ذاك لأنهم كانوا عبّاد أوثان فنصرهم الله على أهل الكتاب نصراً لا صنع للبشر فيه وكان إرهاصاً وتقدمةً للنبي - صلى الله عليه وسلم - الذي خرج من مكة وتعظيماً للبيت الحرام».
8- قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: «إنما حمى الله عز وجل الكعبة في حادثة الفيل مع أنه في آخر الزمان سوف يسلِّط عليها رجلاً من الحبشة يهدمها حجراً حجراً حتى تتساوى بالأرض لأن قصة أصحاب الفيل مقدمة لبعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي يكون فيها تعظيم البيت وأما في آخر الزمان فإن أهل البيت إذا أهانوه وأرادوا فيه بإلحاد بظلم ولم يعرفوا قدره حينئذ يسلِّط الله عليهم من يهدمه حتى لا يبقى على وجه الأرض ولهذا يجب على أهل مكة خاصة أن يحترزوا من المعاصي والذنوب والكبائر لئلا يهينوا الكعبة فيذلهم الله عز وجل».
9- إن حادثة الفيل درسٌ لكل من تسوِّل له نفسه الاعتداء على حرم الله فالله جل شأنه هو الذي يتولى حمايته في كل زمان.
10- اعلم رحمك الله: «أن الله عز وجل إذا أراد شيئاً عظيماً قدم له أمراً عظيماً تُمثَّل وذلك بحادثة الفيل وأصدائها بين القبائل وبقدوم مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - ».
تزوج عبدالله بن عبد المطلب بآمنة بنت وهب من بني زهرة ثم خرج إلى الشام وبالتحديد لمدينة غزة في فلسطين في عير لقريش للتجارة ثم انصرفوا وفي طريقهم للعودة إلى المدينة وتوقف عبدالله عند أخواله من بني النجّار وقد أحس بالمرض وأقام عندهم أياماً ثم مات ودُفن بالمدينة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جنينً في بطن أمه وكان عمر والده خمساً وعشرين سنة.
* قال خليفة بن خياط رحمه الله: «والمجمع عليه أن عليه الصلاة والسلام ولد عام الفيل».
* الصحيح في يوم مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - هو يوم الإثنين وذلك لحديث أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه - عن صوم يوم الإثنين فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ذاك يوم ولدت فيه ويوم بعثت أو أنزل عليَّ فيه» رواه مسلم وأبو داود.
* المجمع عليه أن مكان مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة أما المكان تحديداً ففيه أقوال وهي:
- القول الأول: في الدار الكائنة في شعب بني هاشم.
- القول الثاني: في الدار الكائنة عند الصفا.
* كانت القابلة من النساء المهتمة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي الشفاء أم عبدالرحمن بن عوف - - رضي الله عنهما -.
* الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولد في ربيع الأول من اليوم التاسع الذي يوافق الشهر الذي يسمى أبريل من اليوم الثاني والعشرين.
* قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «بعد ولادته - صلى الله عليه وسلم - أرسلته أمه إلى جده عبد المطلب فأخذه ودخل به الكعبة ولما كان يوم سابع ذبح عنه ودعا له قريشاً فلما أكلوا قالوا: يا عبد المطلب ما سميت ابنك الذي دعيتنا على وجهه؟ فقال: محمداً قالوا: كيف سميت باسم ليس لأحد من آبائك وقومك؟ فقال: إني لأرجو أن يحمده أهل الأرض ويحمده أهل السماء وهذا الاسم (محمد) غير معهود في الجاهلية إلا من عدة أشخاص سمّاهم آباؤهم بهذا الاسم لما سمعوا بأن نبياً سيبعث اسمه محمد رجاء أن يكون هو ثم إن الله سبحانه وتعالى حمى كل من تسمى بهذا الاسم في ذلك الوقت بأن يدعي النبوة أو يدعيها له أحد أو يظهر عليه أمر يشكل على أحد».
* وقفات مهمة في تاريخ ميلاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
1- أن تاريخ ميلاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يرتبط بعبادة معينة من العبادات ولم يشرع فيه أي نوع من العبادات احتفالاً كان أو غيره.
2- يدل البحث والتحري والجمع بين الأقوال من أهل العلم في يوم مولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مدى المحبة العظيمة لهذا النبي العظيم والعناية بسيرته وحياته وتاريخه - صلى الله عليه وسلم - .
* قال المحققون: «لم يثبت بطرق صحيحة ولكن اشتهر القول بأن عند مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - سقطت أربع عشر شُرفة من إيوان كسرى وخُمدت نار المجوس وغاصت بحيرة ساوة وانهدمت المعابد التي حولها».
* ظهر الخلاف بين العلماء في ختان النبي - صلى الله عليه وسلم - :
- القول الأول: أن جده عبد المطلب ختّنه في اليوم السابع وصنع له مأدبة وسماه محمداً .
- القول الثاني: أنه خُتِّن يوم شق صدره الملائكة عندما كان عند مرضعته حليمة السعدية.
- القول الثالث: وهو الصحيح ورجحه كبار العلماء على أنه وُلد مختوناً.
* قال محمد بن عبدالله النيسابوري المعروف بالحاكم رحمه الله : «تواترت الأحاديث على أنه - صلى الله عليه وسلم - ولد مختوناً».
* قال أبو نعيم الأصفهاني رحمه الله: «جاء حديث مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله (من كرامتي على ربي أني ولدتُ مختوناً ولم يرَ أحداً سوأتي)» الحديث أخرجه الطبراني والخطيب البغدادي وابن عساكر من طريق أنس بن مالك - رضي الله عنه -.
* عُرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأسماء جاءت في أحاديث منها:
- قوله - صلى الله عليه وسلم - : «إن لي أسماء: أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب» رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وزاد ابن سعد: «الخاتم».. وزاد مسلم: «المقفي ونبي الرحمة».. وزاد الترمذي: «نبي الملاحم».
* قال الإمام محمد بن شهاب الزهري رحمه الله: «العاقب الذي ليس بعده نبي».
* جاء في القرآن الكريم أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - : أحمد ومحمد.
* قال بعض العلماء: «أن اسم محمد جاء في التوراة وأن اسم أحمد جاء في الإنجيل».
* يُكنّى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأبي القاسم وأمر أن نتسمى باسمه ولا نُكنِّي بكنيته كما جاء ذلك في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
* قال ابن عساكر رحمه الله: «كنّا جبريل عليه السلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبي إبراهيم فكره ذلك».
* حُكم التكنّي بكنيته - صلى الله عليه وسلم - :
- اختلف العلماء في التكنِّي بكنيته - صلى الله عليه وسلم - على أقوال:
- القول الأول: النهي عن التكني بكنيته - صلى الله عليه وسلم - في حال حياته.
- القول الثاني: النهي عن الجمع بين اسمه وكنيته - صلى الله عليه وسلم - فقط.
- توفي والده - صلى الله عليه وسلم - وهو في بطن أمه ودُفن في المدينة.
- توفيت أمه - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ست سنوات ودفنت في الأبواء (بين مكة والمدينة).
- توفي جده - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثمان سنوات ودفن في مكة.
- تولى رعاية النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك عمه أبي طالب.
* عناية أبي طالب بالنبي - صلى الله عليه وسلم - :
تروى كتب السير أن أبا طالب كان شديد الاعتناء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فكان لا ينام إلا ومحمد - صلى الله عليه وسلم - بجانبه ولا يخرج إلا معه ويخصُّه بالطعام ولا يأكل إلا عندما يحضر وظل يعتني به إلى أن توفي أبو طالب قبل الهجرة بنحو ثلاث سنوات.
* الفوائد في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عاش يتيماً:
1- قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «النبي - صلى الله عليه وسلم - بلغ أبلغ اليُتم وأعلى مراتبه».
2- يُتم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه رداً على المبطلين دعواتهم بأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - تلقَّى دعوته بتوجيهات وإرشادات والده أو مكانة جده في قريش.
3- نشأة النبي - صلى الله عليه وسلم - في طفولته مع والدته قد كان مثله بعض الأنبياء مثل: إسماعيل وموسى وعيسى ويدل هذا على أهمية اختيار الزوجة.
4- يُتم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه أسوة للأيتام في كل مكان وزمان ليعرفوا أن اليُتم ليس نقمة وأنه لا يجب أن يُقعد بصاحبه عن بلوغ أسمى المراتب وأعلاها.
5- شاء الله سبحانه وتعالى أن يجعل نبيه - صلى الله عليه وسلم - يتيماً حتى لا تدخل يد أب حانية في توجيهه بل يتولاه الله سبحانه وتعالى ولا يتلقّى شيئاً من مفاهيم وأعراف وعادات الجاهلية وإنما يتلقّى من لدن حكيم خبير سبحانه وتعالى.
* الحكمة من الرضاعة في البادية:
كانت عادة الحضر من العرب أن يسترضعوا أبناءهم في البدو ابتعاداً بهم عن أمراض المدن ورغبة في تقوية أجسادهم وتعويداً على الاعتماد على أنفسهم منذُ الصغر بعيداً عن تدليل الأمهات والجدات والأقارب وتقويماً لألسنتهم من اللحن وغيره من مفسدات اللغة.
* ذكر أهل السير أن أمه آمنة أرضعته - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أو سبعة أيام.
* قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «أمهات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللاتي أرضعنه: ثويبة مولاة أبي لهب أرضعته أياماً وأرضعت معه أبا سلمة عبدالله بن عبد الأسد المخزومي بلبن ابنها مسروح وأرضعت معهما عمه حمزة بن عبد المطلب واختلف في أسلامها. والله أعلم. وحليمة السعدية بلبن ابنها عبدالله أخي أنيسة وجذامة التي هي الشيماء أولاد الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي واختلف في إسلام أبويه من الرضاعة والله أعلم. وأرضعت حليمة السعدية ابن عمه أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب كان شديد العداوة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أسلم عام الفتح وحسن إسلامه وكان عمه حمزة مسترضعاً من بني سعد بن بكر فأرضعت أمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً وهو عند أمه حليمة فكان حمزة رضيع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جهتين: من جهة ثويبة ومن جهة السعدية».
* النساء اللاتي أرضعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
1- أمه آمنة بنت وهب.
2- ثويبة مولاة أبي لهب.
3- حليمة السعدية.
* قصة شيماء أخت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة:
«عندما قدمت شيماء مع وفد هوازن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المدينة بسط لها النبي - صلى الله عليه وسلم - رداءه وأجلسها عليه رعاية لحقها».
* النساء اللاتي احتضنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - :
1- أمه آمنة بنت وهب.
2- ثويبة مولاة أبي لهب.
3- حليمة السعدية.
4- الشيماء أخته من الرضاعة.
5- أم أيمن بركة الحبشية زوجة زيد بن حارثة.
* قصة أم أيمن - رضي الله عنها -:
«دخل أبو بكر وعمر على أم أيمن بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي تبكي فقال: يا أم أيمن ما يبكيك فما عند الله خير لرسوله؟ قالت إني لأعلم أن ما عند الله خير لرسوله وإنما أبكي لانقطاع خبر السماء فهيجتهما على البكاء فبكيا» رواه مسلم.
* قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله: «بني سعد عند قرية الشهبة على نحو مائة كيلو من الطائف جنوب غرب مسجد يسمى (مسجد حليمة السعدية) وهو مسجد لا أصل له وبنو سعد هناك لا يرون صحة هذا ويقولون: إن مراضع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بني سعد قرب وادي نخلة بين ميقات قرن المنازل وحُنين والله أعلم».
* قال الشيخ صالح الشامي حفظه الله:
- أمه: آمنة والقابلة: الشفاء أم عبدالرحمن بن عوف وحاضنته: بركة ومرضعاته: ثويبة وحليمة السعدية. فينعقد في سلك هذا النظام ما هيأ الله تعالى له - صلى الله عليه وسلم - من الأسماء ففي الوالدة والقابلة: الأمن والشفاء وفي الحاضنة: البركة والنماء وفي مرضعتيه: الثواب والحلم والسعد».
* قصة رضاعة حليمة السعدية للنبي - صلى الله عليه وسلم - :
عن عبدالله بن جعفر - - رضي الله عنهما - قال: لما ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدمت حليمة بنت الحارث في نسوة من بني سعد بن بكر يتلمسن الرضعاء في مكة قالت حليمة: «فخرجت في أوائل النسوة على أتان لي قمراء([13]) ومعي زوجي الحارث بن عبد العزى أحد بني سعد بن بكر ثم أحد بني ناضرة وقد أدمـت([14]) أتاننا ومعـي بالركب شارف([15]) والله ما تبض([16]) بقطرة لبن في سنة شهباء([17]) قد جاع الناس حتى خلص إليها الجهد ومعي ابن لي والله ما ينام ليلنا وما أجد في يدي شيئاً أعلله به إلا أن نرجو الغيث وكانت لنا غنم فنحن نرجوها.
فلما قدمنا مكة فما بقي منا أحد إلا عرض عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكرهته فقلنا: إنه يتيم وإنما يكرم الظئر ويحسن إليها الوالد فقلنا ما عسى أن تصنع بنا أمه أو عمه أو جده فكل صواحبي أخذ رضيعاً فلما لم أجد غيره رجعت إليه وأخذته والله ما أخذته إلا إني لم أجد غيره فقلت لصاحبي: والله لأخذن هذا اليتيم من بني عبد المطلب فعسى الله أن ينفعنا به ولا أرجع من بين صواحبي ولا آخذ شيئاً فقال: قد أصبت.
قالت: فأخذته فأتيت به الرحل فوالله ما هو أن أتيت به الرحل فأمسيت أقبل ثدياي باللبن حتى أرويته وأرويت أخاه وقام أبوه إلى شارفنا تلك يلمسها فإذا هي حافل([18]) فحلبها فأرواني وروي فقال: يا حليمة تعلمين والله لقد أصبنا نسمة مباركة([19]) ولقد أعطانا الله عليها ما لم نتمنى قالت: فبتنا بخير ليلة شباعاً وكنّا لا ننام ليلنا مع صبينا.
ثم اعتدينا راجعين إلى بلادنا أنا وصواحبي فركبت أتاني القمراء فحملته معي فوالذي نفس حليمة بيده لقطعن الركب([20]) حتى أن النسوة ليقلنَّ: أمسكي علينا أهذه أتانك التي خرجت عليها؟ فقلت: نعم فقالوا: أنها كانت أدمت حين أقبلنا فما شأنها؟ قالت فقلت: والله حملت عليها غلاماً مباركاً.
قالت: فخرجنا فما زال يزيدنا الله في كل يوم خيراً حتى قدمنا والبلاد سِنَة ولقد كان رعاتنا يسرحون ثم يريحون فتروح أغنام بني سعد جياعاً وتروح غنمي شباعاً بطاناً([21]) حفلاً([22]) فنحتلب ونشرب فيقولون: ما شأن غنم الحارث بن عبد العزى وغنم حليمة تروح شباعاً حفلاً وتروح غنمكم جياعاً؟ ويلكم اسرحوا حيث تسرح غنم رعاؤهم فيسرحون معهم فما تروح إلا جياعاً كما كانت وترجع غنمي كما كانت.
قالت: وكان يشب شباباً ما يشبه أحد الغلمان يشب في اليوم شباب الغلام في شهر ويشب في الشهر شباب السُّنة فلما استكمل سنتين أقدمنا مكة أنا وأبوه فقلنا: والله لا نفارقه أبداً ونحن نستطيع فلما أتينا أمه قلنا: أي ظئـر! والله مـا رأينا صبياً قط أعظم بركة منه وإنا نتخوف وباء([23]) مكة وأسقامها فدعيه نرجع به حتى تبريء من دائك فلم نزل بها حتى أذنت فرجعنا به فأقمنا أشهراً ثلاثة أو أربعة.
فبينما هو يلعب خلف البيوت هو وأخوه في بهم له([24]) إذ أتى أخوه يشتد وأنا وأبوه في البدن فقال: إن أخي القرشي أتى رجلان عليهما ثياب بيض فأخذاه واضطجعاه فشقا بطنه فخرجت أنا وأبوه يشتد فالتزمه أنا وأبوه فضمنناه إلينا فقلنا: مالك بأبي أنت؟ فقال: أتاني رجلان وأضجعاني فشقا بطني وصنعا به شيئاً ثم رداه كما هو فقال أبوه: والله ما أرى ابني إلا وقد أصيب إلحقي بأهله فرديه إليهم قبل أن يظهر له ما نتخوف منه. قالت: فاحتملناه فقدمنا به على أمه فلما رأتنا أنكرت شأننا وقالت: ما رجعكما به قبل أن أسألكماه وقد كنتما حريصين على حبسه؟ فقلنا: لا شيء إلا أن قد قضى الله الرضاعة وسرّنا ما نرى وقلنا: نؤويه كما تحبون أحب إلينا قال فقالت: إن لكما شأناً فأخبراني ما هو فلم تدعنا حتى أخبرناها فقالت: كلا والله لا يصنع الله ذلك به إن لابني شأنا أفلا أخبركما خبره إني حملت به فوالله ما حملته حملاً قط كان أخف عليَّ منه ولا أيسر منه ثم رأيت حين حملته خرج مني نوراً أضاء منه أعناق الإبل ببصرى أو قالت: قصور بصرى ثم وضعته حين وضعه فوالله ما وقع كما يقع الصبيان لقد وقع معتمداً بيديه على الأرض رافعاً رأسه إلى السماء فدعاه عنكما فقبضه وانطلقنا».
* ملاحظة مهمة على حديث عبدالله بن جعفر - - رضي الله عنهما - في قصة حليمة السعدية في رضاعتها للنبي - صلى الله عليه وسلم - :
1- الحديث رواه ابن حبان والطبراني والبيهقي وأبو يعلى وجميعهم رووه من طريق محمد بن إسحاق وقد صرح بالسماع.
2- قال إبراهيم العلي: «كثير من مقاطع الحديث له شواهد تقويها فهو حسن الشواهد».
3- قال مهدي رزق الله: «تفرد بالرواية محمد بن إسحاق».
4- قال الألباني: «الحديث ضعيف الإسناد»([25]).
وقعت هذه الحادثة كما ذكرنا في حديث عبدالله بن جعفر - - رضي الله عنهما - في قصة رضاعة حليمة السعدية للنبي - صلى الله عليه وسلم - .
فعن أنس - رضي الله عنه - قال: «إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن صدره فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لامه([26]) ثم أعاده في مكانه وجاء الغلمان يسعون إلى أمه (يعنـي حليمة السعدية) فقالوا: إن محمداً قد قُتل فاستقبلوه وهو منتقع اللون([27])».
قال أنس - رضي الله عنه -: «وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره»:
* وقعت حادثة شق صدر النبي - صلى الله عليه وسلم - في المرة الأولى في بادية بني سعد بن بكر واختلف في عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلك الحادثة إلى عدة أقوال وهي:
- القول الأول: سكت بعض العلماء ومنهم الإمام مسلم في روايته حديث أنس.
- القول الثاني: كان عمره سنتين وجاء هذا في رواية محمد بن إسحاق.
- القول الثالث: كان عمره خمس سنوات وهذا قول أبي نعيم.
- القول الرابع: كان عمره ست سنوات وهذا قول الأموي.
- القول الخامس: وهو القول الصحيح أن عمره أربع سنوات وهذا قول الزرقاني وابن سعد والسبب في اختيار هذا القول أن في هذه السن يمكن أن يمارس فيها رعي الأغنام ويفهم ما يدور حوله.
* وقعت حادثة شق صدر النبي - صلى الله عليه وسلم - في المرة الثانية في مكة قبيل الإسراء إلى البيت المقدس وكان عمره خمسين سنة وهذا قول البخاري ومسلم والذهبي وغيرهم.
* قال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله: «أن جميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحية القدرة فلا يستحيل شيء من ذلك».
خرجت آمنة ومعها ابنها محمد - صلى الله عليه وسلم - وحاضنته أم أيمن إلى المدينة وكان عمره - صلى الله عليه وسلم - ست سنوات قاصدة زيارة خواله - صلى الله عليه وسلم - من بني النّجار وبقيت هي وابنها - صلى الله عليه وسلم - في المدينة أياماً وعند رجوعهم إلى مكة مرضت آمنة واشتد عليها المرض في قرية الأبواء التي تقرب من مكة بخمس وعشرين كيلاً فمرضت وماتت بها ودفنت وقد زارها النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعد يوم وفاتها عندما كان عمره أربع وخمسين سنة وذلك في السَّنة السابعة للهجرة في صلح الحديبية.
* تأمل هذا المشهد العظيم:
قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: «زار النبي - صلى الله عليه وسلم - قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزورا القبور فإنها تذكر الموت» رواه مسلم.
* قال ابن هشام رحمه الله: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند جده عبد المطلب بعد وفاة أمه آمنة ولقد كان يوضع لعبد المطلب فراشاً في ظل الكعبة ويجلس بنوه حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالاً له فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتي وهو غلام فيجلس على هذا الفراش فيأخذه أعمامه ويمنعونه فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم: دعوا ابني فإن له لشأناً ثم يجلسه معه على فراشه يمسح على ظهره بيده ويسّره ما يراه يصنع ولم تستمر هذه الرعاية طويلاً فقد هلك عبد المطلب بعد سنتين من كفالته لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وكان عمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - في وقتها ثماني سنوات وكان أبو طالب هو شقيق عبدالله بن عبد المطلب أمهما فاطمة بنت عمرو بن عائذ ولأجل ذلك أوصى عبد المطلب عند وفاته لأبي طالب بكفالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ».
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم فقال أصحابه: وأنت يا رسول الله؟ فقال: نعم كنت أرعاها على قراريط([28]) لأهل مكة» رواه البخاري وابن ماجه.
وعن جابر - رضي الله عنه -: قال كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نجتني الكباث([29]) فقال: «عليكم بالأسود منه فإنه أطيبه قال: قلنا: وكنت ترعى الغنم يا رسول الله؟ قال: نعم وهل من نبي إلا قد رعاها» رواه البخاري ومسلم.
* قال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله: «قال العلماء: الحكمة في إلهام الأنبياء رعي الأغنام قبل النبوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم».
* قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله: «الأنبياء كانوا رعاة الأغنام في صغرهم ليكونوا رعاة الإنسانية في كبرهم كما قُدّر لموسى ومحمد وغيرهما من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في ابتداء أمرهم رعاية الغنم ليتدرجوا من رعاية الحيوان البهيمي وإصلاحه إلى رعاية بني آدم ودعوتهم وإصلاحهم».
* اعلم رحمك الله: «أن رعاية النبي - صلى الله عليه وسلم - للأغنام مصدر رزق له ولذا لم يكن للكفار منّة يذكرونها عليه بل قد كان يعتمد على نفسه - صلى الله عليه وسلم - في طلب رزقه ومعاشه بلا منّة من الكفار».
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -. قال: «خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه النبي - صلى الله عليه وسلم - في أشياخ من قريش فلما أشرفوا([30]) على الراهب([31]) هبطوا فحلوا رحالهم([32]) فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يسيرون فلا يخرج إليهم ولا يلتفت. قال: فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم([33]) الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: هذا سيد العالمين هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين فقال له الأشياخ من قريش: ما علمك ؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خرّ([34]) ساجداً ولا يسجدان إلا لنبي وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من عضروف([35]) كتفه مثل التفاحة.
ثم رجع فصنع لهم طعاماً فلما أتاهم به وكان هو في رعية الإبل قال: أرسلوا إليه فأقبل وعليه غمامة([36]) تظلله فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة فلما جلس مال فيء الشجرة([37]) فقال: انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه. قال: فبينما هـو قائم عليهـم وهو يناشدهم([38]) أن لا يذهبوا به إلى الروم فإن الروم إذا عرفوه بالصفة فيقتلونه فالتفت فإذا سبعة قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم فقال ما جاء بكم؟ قالوا: جاءنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبقى طريق إلا بُعث إليه بأناس وإنا قد أخبرناه خبره بعثنا إلى طريقك هذا فقال: هل خلفكم أحد هو خير منكم؟
قالوا: إنما اخترنا خيره لطريقك هذا قال: أفرأيتم أمراً أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده؟ قالوا: لا قال فبايعوه وأقاموا معه.
قال: أنشدكم الله أيكم وليه([39]) قالوا: أبو طالب فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب وبعث معه أبا بكر وبلالاً وزوده الراهب من الكعك والزيت».
* أقوال أهل العلم في هذا الحديث:
- أخرجه الترمذي في المناقب: باب ما جاء في بدء نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
- قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجها.
- قال الذهبي: أظنه موضوعاً وبعضه باطل وهو حديث منكر جداً.
- قال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
- قال ابن حجر: رجاله ثقات وذكر ( أبي بكر وبلال) غير محفوظ.
- قال الألباني: حديث صحيح وذكر (أبي بكر وبلال) منكر.
- قال ابن القيم: ذكر (أبي بكر وبلال) لعلها مدرجة فيه ووهم من أحد الرواة.
- قال إبراهيم العلي: سنده صحيح ورجاله ثقات وذكر (أبي بكر وبلال) غلط واضح.
* الطرفان المشاركان في حرب الفجار هما:
- الطرف الأول: كنانة وقريش.
- الطرف الثاني: قيس عيلان.
* سبب حرب الفجار:
«قُتل رجلٌ واحدٌ من قريش ثم تداعى بعده الاختلاف للقتال».
* سبب تسمية حرب الفجار بهذا الاسم:
«لأنهم استحلوا المحارم بينهم».
* استمرت الحرب زمناً طويلاً فكان عمره - صلى الله عليه وسلم - عندما بدأت الحرب خمسة عشرة سنة وانتهىت الحرب وكان عمره - صلى الله عليه وسلم - عشرين سنة.
* كانت مشاركة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحرب بقوله - صلى الله عليه وسلم - : «كنت أنبل على أعمامي» والحديث إسناده منقطع وهو ضعيف. ومعنى الحديث: أي أرد عليهم نبل عدوهم إذا رموهم بها.
* كانت مشاركة النبي - صلى الله عليه وسلم - غير مباشرة على أنه بلغ سن القتال لأن حرب الفجار كانت بين كفار ولم يأذن الله تعالى لمؤمن أن يقاتل إلا لتكون كلمة الله تعالى هي العليا.
* سبب مشاركة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحرب:
«اشتراك النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحرب بطريقة غير مباشرة يمكن تفسيره بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترك بهذه الكيفية في الدفاع عن المقدسات والمحارم وخاصة أن قيس عيلان هي المعتدية وهذا من القيم العليا التي اهتم بها الرسل والمصلحون بنصرة المظلوم».
- روى الإمام أحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام وما أحب أن لي حمر النعم وأني أنكثه».
قال أحمد شاكر: «الحديث صحيح الإسناد».
- روى الإمام البيهقي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما شهدت حلفاً لقريش إلا حلف المطيبين وما أحب أن لي حمر النعم وأني كنت نقضته».
قال بعض المحققين: «الحديث إسنادي قوي».
- قال أهل السير: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يدرك حلف المطيبين والمراد بالحلف هو حلف الفضول».
- الجمع بين رواية الإمام أحمد والإمام البيهقي وأهل السير:
«أن حلف المطيبين قد تجدد في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعرف باسم آخر هو حلف الفضول».
* سبب تسمية حلف المطيبين بهذا الاسم:
أن بني عبد مناف ومن حالفهم وبني عبد الدار ومن حالفهم أخرجوا جفنة مملوءة طيباً عند الكعبة ثم غمس القوم أيديهم فيها فتعاقدوا وتعاهدوا هم وحلفاؤهم ثم مسحوا الكعبة بأيديهم توكيداً على أنفسهم فسموا بذلك وكان التعاقد على أن يتخاذلوا ولا يسلم بعضهم بعضاً للعدو».
* سبب تسمية حلف الفضول بهذا الاسم:
قال محمد بن إسحاق: تداعت القبائل من قريش إلى الحلف فاجتمعوا في دار عبدالله بن جدعان لشرفه وسنه وكان حلفهم عنده بنو هاشم وبنو عبد المطلب وبنو أسد بن عبد العزى وبنو زهرة بن كلاب وبنو تميم بن مرة فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا مظلوماً من أهلها وغيرهم فمن من دخلها من الناس إلا كانوا معه وكانوا على من ظلمه حتى يردوا عليه مظلمته فسميت قريشاً ذلك الحلف حلف الفضول.
* سبب الحلف والتعاقد والتعاهد بين قريش:
أن رجلاً من قبيلة (زبيد) باليمن قدم مكة ومعه بضاعة فباعها على العاص بن وائل السهمي فأبى أن يعطيه حقه فاشتكى إلى أندية قريش فلم يجد من يعينه على العاص بن وائل فصعد عند طلوع الشمس على جبل أبي قبيس وقريش في أنديتهم حول الكعبة فاستعرضهم لرد مظلمته فقام الزبير بن عبد المطلب فقال: ما لهذا مترك فاجتمعت بنو هاشم وزهرة وبنو تيم بن مرة في دار عبدالله بن جدعان فتحالفوا بالله ليكونوا يداً واحدة مع المظلوم حتى يُرد إليه حقه ثم مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه سلعة الزبيدي ودفعوها لصاحبها وقد حضر النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان عمره عشرين سنة وقد قال - صلى الله عليه وسلم - عن هذا الحلف: «لقد شهدت بدار عبدالله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعيت لمثله في الإسلام لأجبته».
* خديجة بنت أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب. فهي امرأة حازمة شريفة لبيبة من أوسط قريش نسباً وأعظمهم شرفاً وأكثرهم مالاً وكان رجال قومها يحرصون على الزواج منها وكانت تستأجر الرجال من مالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم.
* أزواج خديجة - رضي الله عنها - قبل أن يتزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - :
- زوجها الأول: عتيق بن عائذ المخزومي.
- زوجها الثاني: أبو هالة بن النبّاش التميمي. فولدت منه هالة وهند.
* قصة متاجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - بمال خديجة - رضي الله عنها -:
عندما بلغت خديجة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بلغها من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه أن يخرج من مالها تاجراً إلى الشام وتعطيه أفضل مما تعطيه غيره من التجار فوافق - صلى الله عليه وسلم - .
فكانت رحلته إلى الشام يصحبه غلام لخديجة اسمه (ميسرة) فرأى من الآيات والمعجزات فأخبر بها سيدته خديجة فرغبت في الزواج منه. ومن الأحداث التي وقعت في الرحلة:
1- كان ميسرة يرى ملكين يظلانه إذا اشتدت الهاجرة وكذلك رأت خديجة ما رآه ميسرة عندما دخل - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة في الظهيرة.
2- وقع بين النبي - صلى الله عليه وسلم - ورجلٍ كلامٌ في البيع فقال الرجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : احلف باللات والعزى فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «ما حلفت بهما قط وإني لأمر فأعرض عنهما» فقال الرجل لميسرة: هذا والله نبي تجده أحبارنا منعوتاً في كتبهم.
3- ربح التجارة أضعافاً ما كان يتاجر به من قبله فأعطت خديجة النبي - صلى الله عليه وسلم - ضعف ما اتفق عليه.
4- قال الراهب نسطوراً لميسرة: «ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي» .
5- قال ورقة بن نوفل ابن عم خديجة بعدما أخبرته بما حدث في رحلة الشام عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : «لئن كان حقاً يا خديجة إن محمداً لنبي هذه الأمة وقد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر هذا زمانه».
* قصة زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من خديجة - رضي الله عنها -:
طلبت خديجة - رضي الله عنها - من النبي - صلى الله عليه وسلم - الزواج فتقدم وكان معه عمه حمزة بن عبد المطلب والذي تولى زواج خديجة عمها عمرو بن أسد لأن والدها مات قبل حرب الفجار وكان عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - خمساً وعشرين سنة وعمر خديجة - رضي الله عنها - أربعون سنة.
* أولاد النبي - صلى الله عليه وسلم - :
رُزق النبي - صلى الله عليه وسلم - الأولاد من خديجة ما عدا إبراهيم فهو من مارية القبطيّة والمتفق عليه من أولاد خديجة هم: القاسم وبه كان يكنى ومات صغيراً قبل البعثة ثم زينب ثم رُقية ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم عبدالله الذي ولد بعد البعثة وكان يقال له الطاهر والطيب وشرعت الصلاة الجنازة بعد وفاة خديجة في حادثة الإسراء والمعراج ومات الأبناء الذكور صغاراً بالاتفاق وتوفيت خديجة وبلغت من العمر خمساً وستين سنة وأما البنات فأدركن البعثة ودخلن في الإسلام وهاجرن معه - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة - صلى الله عليه وسلم - و- رضي الله عنه -ن وكان عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - خمسين سنة عند وفاة خديجة.
* من فضائل خديجة - رضي الله عنها -:
1- قال محمد بن شهاب الزهري رحمه الله: «لم يتزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - على خديجة حتى ماتت» رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
2- عن عبدالله بن عباس - - رضي الله عنهما - قال: خط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأرض أربعة خطوط فقال: «أتدرون ما هذا؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون» رواه أحمد والطبراني وأبو يعلى ورجالهم رجال الصحيح.
3- عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «خير نسائها مريم وخير نسائها خديجة» رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأحمد. وأشار وكيع إلى السماء والأرض عند ذكر الحديث.
قال النووي رحمه الله: «أراد وكيع بهذه الإشارة تفسير الضمير في نسائها وأن المراد به جميع نساء الأرض أي كل ما بين السماء والأرض من النساء».
4- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتى جبريل عليه السلام النبي فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدم وطعام وشراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب([40]) لا صخب فيه([41]) ولا نصب([42])» رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد والحاكم في المستدرك.
5- عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ما غرت على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا على خديجة وإني لم أدركها قالت: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ذبح الشاة يقول: «ارسلوا بها إلى أصدقاء خديجة» فأغضبته يوماً فقلت: خديجة، فقال: «إني رزقت حبها» رواه مسلم.
* قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله: «أخرج عبد الرزاق والحاكم والطبراني أن الكعبة كانت في الجاهلية مبنية بالرضم([43]) ليس فيها مدر([44]) وكانت قدر ما تقتحمها العناق وكانت ثيابها توضع عليها تسدل سدلاً وكانت ذات ركنين» كهيئة هذه الحلقة D.
* قصة بناء الكعبة:
كانت الكعبة محاطة ببيوت أهل مكة ففي صحيح البخاري عن عمرو بن دينار وعبيد الله بن أبي زيد قال: «لم يكن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - حول البيت حائط وكانوا يصلون حول البيت حتى كان عمر - رضي الله عنه - فبنى حوله حائطاً قال عبيدالله: جداره قصير فبناه ابن الزبير».
فكانت الكعبة معرضة للسيول التي تنحدر عليها من جبال مكة بسبب عدم وجود الأسوار التي تحميها.
ولما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمساً وثلاثين سنة جاء سيل عارم فصدع جدران الكعبة وأوهن أساسها فأرادت قريش هدمها ولكن تهيبوا من ذلك لمكانتها في قلوبهم وخوفهم أن يصيبهم أذى.
فقال الوليد بن المغيرة: أتريدون بهدمها الإصلاح أم الإساءة؟
قالوا: بل الإصلاح.
فقال: إن الله لا يهلك الصالحين وأخذ المعول وشرع بالهدم وتربص الناس تلك الليلة وقالوا: ننتظر فإن أصيب لم نهدم منها شيئاً ورددناها كما كانت وإن لم يصبه شيء هدمناها فقد رضي الله ما صنعنا. فأصبح الوليد من ليلته عائداً إلى عمله فهدم وهدم الناس حتى إذا انتهوا إلى أساس إبراهيم عليه السلام فبنوا عليها.
واتفقوا فيما بينهم أن لا يدخل في البناء من كسبهم إلا طيباً لا يدخل فيها مهر بغي ولا بيع ربا ولا مظلمة أحد من الناس.
وقد تجزأت قريش في بناء الكعبة وأخذت كل مجموعة جانباً وشارك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في البناء.
ولما وصل البناء إلى موضع الحجر الأسود اختلفوا في من يضعه؟
فكل قبيلة تريد أن تحظى على هذا الشرف حتى كادت الحرب أن تقع بينهم وقرّب عبد الدار جفنة مملوءة دماً ثم تعاقدوا هم وبنو عدي بن كعب بن لؤي على الموت واستمروا على هذه الحالة عدة أيام.
ثم ألهم الله سبحانه وتعالى أكبرهم سناً وهو أبو أمية بن المغيرة المخزومي فقال: يا معشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل عليكم فرضوا وأقبلوا يترقّبون أول قادم فإذا به محمد - صلى الله عليه وسلم - فلما رأوا قالوا: هذا الأمين رضيناه هذا محمد.
فلما وصل إليهم أخبروه فبسط رداءً ثم أخذ الحجر فوضعه فيه ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بطرف ثم أمرهم برفعه فرفعوه جميعاً حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه بيده المباركة وبهذا كان سبباً في وقاية قريش من الحرب وكانت النفقة قد ضاقت بقريش عن إتمام البيت على القواعد فاضطروا إلى النقص منه فبنوا على الجزء الشمالي الذي تركوه جداراً قصيراً للإعلام أنه من البيت وهو ما يعرف حاليا بالحجر ورفعوا باب الكعبة عن الأرض ونقصوا منها قليلاً من الجهة الشرقية وهو ما يسمى بالشاذوران.
* اعلم رحمك الله: «أن حادثة بناء الكعبة ووضع الحجر الأسود وحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - وإصلاحه بين قريش لهي علامة من علامات ومقدمات النبوة العظيمة».
* كانت قريش تُسمى بالحُمس:
ومعنى الأحمس الشديد في دينه وكانت قريش لا تجاوز الحرم ويقولون: نحن أهل الله لا نخرج من الحرم وكان سائر الناس يقفون بعرفة وهم يقفون في مزدلفة.
* قال محمد بن إسحاق: «وكانت الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى والكهّان من العرب قد تحدثوا بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل مبعثه لما تقارب زمانه وأما الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى فوجدوا في كتبهم صفته وصفة زمانه وما كان عهد الأنبياء إليهم فيه وأما الكهان من العرب فأتتهم به الشياطين من الجن فيما تسترق من السمع وكان الكاهن والكاهنة لا يزال يقع منهما ذكر بعض أموره لا تلقي العرب لذلك فيه بالاً حتى بعثه الله تعالى ووقعت تلك الأمور التي كانوا يذكرونها فعرفوها».
* سبب خلوة وتعبّد محمد - صلى الله عليه وسلم - قبيل البعثة:
«قبيل بلوغ النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعين سنة حُبِّب إليه الخلوة وذلك لما في الخلوة من صفاء النفس وهدوء البال والتفكر بالمخلوقات وعظيم خلق الله تبارك وتعالى فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخلو في غار حراء في رمضان من كل عام وكان ذلك بسبب ما يراه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قومه من الضلال المبين من عبادة الأوثان والسجود لها وأشتدت محبته - صلى الله عليه وسلم - بالخلوة عند مقاربة إيحاء الله له وإذا عاد من الغار بدأ بالطواف بالبيت ثم ينصرف إلى منزله - صلى الله عليه وسلم - ».
* هل كانت خلوة وتعبّد محمد - صلى الله عليه وسلم - قبيل البعثة على الشرع؟
اختلف العلماء في ذلك على أقوال منها:
القول الأول: قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «قيل: شرع نوح وقيل: شرع إبراهيم وهو الأشبه والأقوى وقيل: شرع موسى وقيل: شرع عيسى وقيل: كل ما ثبت أنه شرع عنده اتبعه وعمل به».
القول الثاني: قال الغزالي رحمه الله: «تعبد عملي لا معنى له».
القول الثالث: قال محمد بن عثيمين رحمه الله: «كان يصعد إلى الغار عليه الصلاة والسلام ويتحنث ويتعبد الله عز وجل بما فتح الله عليه.
القول الرابع: قال الإمام ابن حجر رحمه الله: «لم يأت التصريح بصفة تعبده لكن في رواية عبيد بن عمر عند ابن إسحاق (فيطعم من يرد عليه من المساكين)».
القول الخامس: قال ابن المرابط وغيره: «أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتعبد بالفكر وهو قول الجمهور».
القول السادس: الصواب من هذه الأقوال السابقة ما قاله الغزالي وابن عثيمين.
* ما المقصود بالخلوة ؟
« الخلوة هي التفرغ لعبادة الله سبحانه وتعالى والاستعانة بهذه العبادة لمزيد من الطاعة ومواجهة أمور الحياة».
* هل استمرت الخلوة للنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد البعثة؟
«لقد كانت خلوته - صلى الله عليه وسلم - في الغار قبيل البعثة وأما بعد البعثة فقد تغيرت وأصبحت خلوة من نوع آخر وهو التهجد وقيام الليل حين ينام الناس وكان هذا التهجد على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته فرضاً ثم أصبح مستحباً بعد ذلك على الأمة».
* قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله في قيام الليل: «نحن في لذة لو عرفها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف».
* اعلم رحمك الله: «إن الخلوة مهمة في حياة المسلم لأنه يخلو بنفسه ويراجعها ويستشعر ضعفه أمام عظمة الله سبحانه وتعالى ويفكر في مظاهر الكون ويطّلع على آفات النفس من عجب وكبر وحسد ورياء ونحو ذلك ثم يستغفر الله ويتوب إليه ويستأنس بذكر الله ويتذكر الجنة والنار ومصيره في الآخرة ويتأثر فيما بعد بالازدياد في الطاعة والبعد عن المعصية».
* من إرهاصات النبوة قبيل البعثة:
- قالت عائشة - رضي الله عنها -: «إن أول ما بدىء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح». رواه البخاري ومسلم.
- قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لخديجة - رضي الله عنها -: «إني أرى ضوءاً وأسمع صوتاً وإني أخشى أن يكون بي جنن» فقالت خديجة - رضي الله عنها -: «لم يكن الله ليفعل ذلك بك يا ابن عبدالله». ثم أتت خديجة - رضي الله عنها - ورقة بن نوفل فذكرت ذلك له فقال: «إن يك صادقاً فإن هذا ناموس مثل ناموس موسى فإن بُعث وأنا حي فسأعزره وأنصره وآمن به» رواه أحمد بإسناد حسن.
* قال علقمة بن قيس رحمه الله: «إن أول ما يؤتى الأنبياء في المنام حتى تهدأ قلوبهم ثم ينزل الوحي».
* قال البيهقي رحمه الله: «إن مدة الرؤيا كانت ستة أشهر وعلى هذا فابتداء النبوة بالرؤيا وقع في شهر مولده وهو شهر ربيع الأول بعد إكماله أربعين سنة ووحي اليقظة في رمضان».
* قال مهدي رزق الله حفظه الله: «أوحي للرسول - صلى الله عليه وسلم - لأول مرة في يوم الاثنين الحادي والعشرين من شهر رمضان من العام الأربعين لميلاده - صلى الله عليه وسلم - ».
عندما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - سن الأربعين أُوحي إلى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فنزل عليه الوحي في غار حراء بالرسالة السماوية الخالدة.
عن عبدالله بن عباس - - رضي الله عنهما - قال: «أُنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن أربعين وكان بمكة ثلاثة عشرة سنة وبالمدينة عشراً فمات وهو ابن ثلاث وستين» رواه البخاري ومسلم وأحمد.
* قالت عائشة - رضي الله عنها - في كيفية بدء الوحي: «أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح([45]) ثم حُبِّب إليه الخلاء([46]) وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه قبل أن ينزع([47]) إلى أهله ويتزوّد لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها حتى جاءه الحق في غار حراء. فجاءه الملك فقال: اقرأ قال: ما أنا بقارىء قال فأخذني فغطني([48]) حتى بلغ مني الجهد([49]) ثم أرسلني([50]) فقال: اقرأ قلت: ما أنا بقارىء فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ فقلت ما أنا بقارىء فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ] {العلق:1-3} فرجع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: زملوني([51]) زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع([52]) فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتحمل الكلَّ([53]) وتكسب المعدوم([54]) وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق([55]) فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة وكان أمرىءً تنصّر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي فيكتب الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخاً كبيراً قد عمي فقالت له خديجة: يا بن عم اسمع من ابن أخيك. قال له ورقة: يا بن أخي ما ترى؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخبر ما رأى فقال له ورقة: هذا الناموس([56]) الذي نزّل الله على موسى يا ليتني فيها جذعاً ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أو مخرجيَّ هم؟ قال: نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً ثم لم يشب ورقة أن توفي وقت الوحي» رواه البخاري ومسلم وأحمد.
* معرفة خديجة - رضي الله عنها - بصفات النبي - صلى الله عليه وسلم - :
جاءت معرفة خديجة - رضي الله عنه - بصفات النبي - صلى الله عليه وسلم - من حال الاستقراء في أخلاقه في فترة الحياة الزوجية وقبل ذلك عندما تاجر بماله إلى الشام وما سمعت من الناس من صفاته الحميدة.
* وردت عدة معاني في كلمة (ابن أخي) وهي: «أخ الدين أو أخ النسب أو أخ الأرض».
* قال بدر الدين العيني رحمه الله: «لقد غطّ جبريل عليه السلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات وانتزع شريح القاضي من هذا أن لا يضرب الصبي إلا ثلاثاً على القرآن الكريم كما غطّ جبريل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثلاثاً».
* قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «وأشرف أفعالها (أي الصلاة) السجود وأشرف أذكارها القراءة وأول سورة أنزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - افتتحت بالقراءة وختمت بالسجود ووضعت الركعة على ذلك فأولها قراءة وآخرها سجود».
* قال الشيخ عبدالرحمن بن قاسم رحمه الله: «من قام بدين الإسلام ودعا الناس إليه فقد تحمل أمراً عظيماً وقام مقام الرسل في الدعوة وقصد أن يحول بين الناس وبين شهواتهم وأهوائهم واعتقاداتهم الباطلة فحينئذ لا بد أن يؤذوه فعليه أن يصبر ويحتسب».
* قال عبدالله بن عباس - - رضي الله عنهما -: «أن فترة انقطاع الوحي كانت أربعين يوماً».
* قال العلامة محمد بن ناصر الدين الألباني رحمه الله في رواية البخاري: (حزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما نقلنا حزناً غدا منه مراراً كي يتردّى من رؤوس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي بنفسه تبدّى له جبريل عليه السلام فقال له: يا محمد إنك رسول الله حقاً ... الحديث».
«أن هذه الجزئية من الحديث ضعيفة لكونها من بلاغات الزهري وأنها تنافي عصمة الأنبياء من الانتحار».
* نزول الوحي بعد انقطاع:
«قال محمد بن شهاب الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن جابر بن عبدالله الأنصاري قال وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه «بينما أنا أمشي إذ سمعت صوتاً من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه فرجعت فقلت: زملوني فأنزل الله تعالى: [يَاأَيُّهَا المُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ]. {المدَّثر: 1-5} فحمي الوحي وتتابع» رواه البخاري.
* الحكمة من هذا الانقطاع:
1- ليحصل لرسول - صلى الله عليه وسلم - التشويق على أن يعود الوحي بعد أن تثبت لديه الحقيقة أنه أصبح نبياً.
2- بيان أن الوحي ظاهرة منفصلة عن ذات الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
3- التدرج بحال النبي - صلى الله عليه وسلم - وتحقيق المراد وذلك البدء بالخلوة ثم الرؤيا الصادقة ثم النبوة ثم الرسالة ثم الدعوة بأساليبها.
* نزول سورة الضحى وسببها:
عن جندب بن عبدالله البجلي - رضي الله عنه - قال: «اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يقم ليلة أو ليلتين أو ثلاث فقالت امرأة: ما أرى شيطانك إلا تركك فأنزل الله تعالى [وَالضُّحَى* وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى* مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى... الآيات] رواه البخاري ومسلم والترمذي والطيالسي وأحمد والحميدي والطبراني.
* فائــدة:
«أول ما أنزل الله من القرآن ابتداءاً قوله: [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ] {العلق:1} وأول ما أنزل الله من القرآن بعد فترة الوحي وعودة جبريل للنزول على النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: [يَاأَيُّهَا المُدَّثِّرُ]».
* الخلاصـة:
«أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نبىء (بالعلق) وأرسل (بالمدثر)».
* إن الله تعالى قد كمّل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - من مراتب الوحي مراتب عديدة:
الأولى: الرؤيا الصادقة وكانت مبدأ الوحي كما في حديث عائشة: (أول ما بدىء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح) رواه البخاري ومسلم.
الثانية: ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (إن روح القدس نفث في رُوعي إنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب) خرّجه الألباني في حاشية فقه السيرة للغزالي وقال عنه حديث صحيح .
الثالثة: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتمثل له الملك رجلاً لا يعرفه أحد أو على صورة دُحية الكلبي فيخاطبه حتى يعي عنه ما يقول له وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحياناً.
الرابعة: أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس وكان أشده عليه فيتلبس به الملك حتى إن جبينه ليتفصّد عرقاً في اليوم شديد البرد وحتى إن راحلته لتبرك به الأرض.
الخامسة: أنه كان يرى الملك في صورته التي خُلق عليها فيوحي إليه ما شاء الله أن يوحيه وهذا وقع له مرتين كما في سورة النجم وكما في سورة التكوير.
السادسة: ما أوحاه الله وهو فوق السماوات ليلة الإسراء المعراج من فرض الصلاة.
السابعة: كلام الله له منه إليه بلا واسطة ملك كما كلَّم موسى وهذه مرتبة لموسى بن عمران [وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا] {النساء:164}» وثابتة لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في الإسراج والمعراج.
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لا تسبوا ورقة فإني رأيت له جنة أو جنتين» رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وقال الحافظ ابن كثير: إسناده جيد وقال الألباني: حديث صحيح.
وعن عائشة - رضي الله عنها - أن خديجة - رضي الله عنها - سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ورقة بن نوفل فقال: «قد رأيته فرأيت عليه ثياباً بياضاً فأحسبه لو كان من أهل النار لم يكن عليه ثياب من بياض» قال الحافظ ابن كثير: إسناده حسن ولكن رواه الزهري وهشام عن عروة مرسلاً.
* قال الإمام ابن القيم رحمه الله: مراتب الدعوة خمس وهي:
الأولى: النبوة.
الثانية: إنذار عشيرته الأقربين.
الثالثة: إنذار قومه.
الرابعة: إنذار قوم ما أتاهم من نذير من قبله وهم العرب قاطبة.
الخامسة: إنذار جميع من دعوته من الجن والإنس إلى آخر الدهر.
* قال صفي الرحمن المباركفوري رحمه الله: مراحل الدعوة في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - :
المرحلة الأولى: الدعوة سراً واستمرت ثلاث سنوات.
المرحلة الثانية: الدعوة جهراً والكف عن القتال واستمرت إلى الهجرة.
المرحلة الثالثة: الدعوة جهراً مع قتال المبتدئين واستمرت إلى صلح الحديبية.
المرحلة الرابعة: الدعوة جهراً مع قتال كل من يقف في سبيل الدعوة.
* الآيات الأولى في الدعوة إلى الله عز وجل:
- [يَاأَيُّهَا المُدَّثِّرُ]: إشارة إلى أن زمان الخلود والراحة بين الزوجة والأبناء قد ولى وجاء زمن المجاهدة بكل أبعادها المادية والمعنوية.
- [قُمْ فَأَنْذِرْ]: إشارة إلى تكليف النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمر الدعوة إلى الإسلام والإيمان بالله العزيز المنان.
- [وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ]: إشارة إلى أن ليس في الوجود أكبر من الله تعالى خالق الوجود ليتواضع الناس كلهم لله الكبير المتعال.
- [وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ]: إشارة إلى أن الداعية إلى الله عز وجل لا بد أن يبدأ بتطهير نفسه ظاهراً وباطناً حتى يكون المثل الأعلى لمن يدعوهم إلى الطهارة بكل معانيها.
- [وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ]: إشارة إلى أن التوحيد الخالص يقتضي عدم تعظيم أو تقديس أي شيء سوى الله الخالق.
- [وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ]: إشارة إلى أن ما خص به من منع إعطاء الشيء ابتغاء شيء أكثر منه هو أنه مأمور بأجمل الأخلاق وأشرف الآداب ليكون مثلاً أعلى للبشرية وهو يدعو للمكارم والأخلاق .
* طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - الدعوية الأولى:
«بدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالدعوة إلى التوحيد ونبذ كل مظاهر الشرك واستمرت ثلاث سنوات».
* فائدة في دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - السرية:
«بدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعوته سراً وكان من الطبيعي أن يتحدث مع ألصق الناس به من أهله وأصدقائه ومن يتوسم فيه الخير معتمداً طريق الاصطفاء والاختيار فيمن يتحدث معه».
* أوائل المسلمين:
1- خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها - أم المؤمنين زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - .
2- ورقة بن نوفل - رضي الله عنه -.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «وتوفي بعد هذه القصة بقليل فإن مثل هذا الذي صدر عنه تصديق بما وجد وإيمان بما حصل من الوحي ونية صالحة للمستقبل».
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «وأسلم القس ورقة بن نوفل وتمنى أن يكون جذعاً إذ يخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قومُه».
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: «ولهذا نقول: أول من آمن به من النساء: خديجة بنت خويلد ومن الرجال: ورقة بن نوفل».
3- أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -.
4- علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وهو أول من أسلم من الصبيان.
5- زيد بن حارثة - رضي الله عنه -.
* انتشار الدعوة السرية بين قريش:
نشط هؤلاء السابقون في الدعوة إلى الله سراً فقد أسلم على يد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - جمع من الصحابة وهم:
1- عثمان بن عفان - رضي الله عنه -.
2- الزبير بن العوام - رضي الله عنه -.
3- عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -.
4- سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -.
5- طلحة بن عبيدالله - رضي الله عنه - .
وهؤلاء الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - من العشرة المبشرين بالجنة.
وكان أيضاً من أوائل المسلمين:
1- أبو عبيدة عامر بن الجراح - رضي الله عنه -.
2- أبو سلمة - رضي الله عنه -.
3- الأرقم بن الأرقم - رضي الله عنه -.
4- عثمان بن مظعون - رضي الله عنه -.
5- قدامة بن مظعون - رضي الله عنه -.
6- عبدالله بن مظعون - رضي الله عنه -.
7- سعيد بن زيد - رضي الله عنه -.
وغيرهم من الصحابة أسلموا سراً وكان يجتمع بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متخفياً يتلو عليهم ما ينزل من الوحي ويرشدهم إلى الدين.
* قال ابن هشام رحمه الله: «وفي فترة وجيزة وصل عدد الذين سبقوا إلى الإسلام من بطون قريش إلى أكثر من أربعين نفراً».
* قال مجاهد بن جبر المكي رحمه الله: «وممن اشتهروا بين السابقين إلى الإسلام من الموالي: بلال بن رباح وصهيب بن سنان وعمار بن ياسر ووالده وأمه سميه بنت خياط».
* ملاحظات:
1- يتضح من سجل أسماء السابقين الأولين إلى الإسلام أنهم كانوا من خيرة أقوامهم ولم يكونوا كما يذكر بعض الكتاب المسلمين وغيرهم بأنهم كانوا خليطاً من الفقراء والضعفاء والأرقاء الذين أرادوا استعادة حريتهم أو كرامتهم.
2- الذين تحملوا النصيب الأكبر من التعذيب هم الأرقاء والموالي وكانت فتنتهم على ملأ من الناس وانتشر أمرهم بينما امتنع آخرون بأقوامهم ومن عُذِّب منهم عُذِّب في قبيلته ولم ينتشر أمرهم ولم يذكروا كثيراً. ولم يستطيع النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يفعل للمستضعفين شيئاً إلا الدعاء وخاصة بعدما استقر في المدينة وكان يقول - صلى الله عليه وسلم - : «اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين بمكة اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنيّ يوسف» رواه أحمد.
* أول شهيدة في الإسلام:
هي سمية بنت خياط أم عمار بن ياسر - - رضي الله عنهما - التي آمنت فعُذِّبت لأجل إيمانها حتى قتلها عدو الله أبو جهل عندما طعنها مع قُبلها بحربة وكان زوجها ياسر بن عمّار يُعذَّب حتى مات وكان يمر عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يُعذَّبون ويقول: (أبشروا آل عمار وآل ياسر فإن موعدكم الجنة) رواه الحاكم والطبراني.
* اعلم رحمك الله: «أن الابتلاء يميز الخبيث من الطيب فضعيف الإيمان لا يتحمّل الابتلاء ولذا لما ذهب الإيذاء البدني في المدينة كثر النفاق وصار من يدخل في الدين ظاهراً باحثاً عن المصالح الدنيوية».
* قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «وأقام - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك ثلاث سنين يدعو إلى الله تعالى مستخفياً ثم نزل عليه [فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ] {الحجر:94} فأعلن - صلى الله عليه وسلم - الدعوة وجاهر قومه بالعداوة واشتد الأذى عليه وعلى المسلمين».
* الجهر بالدعوة:
عن عبدالله بن عباس - - رضي الله عنهما -: لما نزلت: [وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ] {الشعراء: 214} خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى صعد الصفا فهتف: يا صباحاه([57]) فقالوا: من هذا فاجتمعوا إليه فقال: «أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟» قالوا: ما جربنا عليك كذباً قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» قال أبو لهب: تباً لك ما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام فنزلت سورة: [تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ] {المسد:1}. رواه البخاري ومسلم.
* اعلم رحمك الله: «أن مدة دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - السرية كانت ثلاث سنوات يدعو إلى توحيد الله عز وجل وربط الناس برب الناس جل وعلا وإفراد العبودية له وحده لا شريك له وتعلّق القلوب به كما كانت دعوة الأنبياء والرسل جميعاً فينبغي لكل داعية إلى الله تعالى أن تكون قضية التوحيد أولاً وطريقة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - منهجاً».
* قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «كلما كان توحيد الله أعظم كانت مغفرة الله له أتم فمن لقيه لا يشرك به شيئاً البتّة غفر الله له ذنوبه كلها كائنة ما كانت ولم يعذب بها».
* قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «ولما كان المشرك خبيث العنصر خبيث الذات لم تطهّر الناس خبثه بل لو خرج منها لعاد خبيثاً كما كان كالكلب إذا دخل البحر ثم خرج منه فلذلك حرّم الله على المشرك الجنة».
* اعلم رحمك الله: «أن التأمل في قوله تعالى: [فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ] أن يجد الصدع يكون بالقوة والصلابة والوضوح وهكذا يكون المسلم حينما يدعو إلى ربه تبارك وتعالى بثقة وبصوت مرتفع ولا يخجل ولا يستحي من عرض الدين والحديث عنه».
* قال الإمام ابن القيم رحمه الله: أصناف الناس أربعة:
1- من وجد أنسه بالله في الخلوة وفي الناس فهو المحب الصادق.
2- من وجد أنسه بالله بين الناس وفقده في الخلوة فهو معلول.
3- من فقد أنسه بالله في الخلوة وبين الناس فهو ميت مطرود.
4- من فقد أنسه بالله بين الناس ووجده في الخلوة فهو صادق ضعيف.
* اعلم رحمك الله: «أن من سار على المنهج النبوي في الدعوة إلى الله عز وجل فإنه يجد ما وجده - صلى الله عليه وسلم - من أذى فعليه أن يتحمّل ذلك رجاء نيل الموعود على لسان خير مولود - صلى الله عليه وسلم - في فضل الدعوة والصبر على الأذى فيها».
بعد نزول قوله تعالى: [وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ] وقوله تعالى: [فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ] جدَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة بأساليبها وأنواعها إنفاذاً لأمر الله عز وجل بإقامة التوحيد وتحقيقه وهدم الشرك وأباطيله فكانت لقريش أساليب لمنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من دعوته المؤثرة والناس يزدادون في الدخول في الإسلام.
* أساليب المشركين في محاربة الدعوة الإسلامية:
1- الأسلوب الأول: طلب من أبي طالب الحد من نشاط دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
ذهبت مجموعة من أشراف قريش تطلب من عم النبي - صلى الله عليه وسلم - أبي طالب الحد من دعوته وقالوا: إن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفّه أحلامنا وضلل آباءنا فإما أن تكفه عنا وإما أن تخلي بيننا وبينه فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه فنكفيكه. فقال لهم أبي طالب قولاً رفيعاً وردهم رداً جميلاً فانصرفوا عنه.
2- الأسلوب الثاني: التهديد بمنازلة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعمه أبي طالب:
قال محمد بن إسحاق: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظن أن عمه قد ضعف عن نصرته ولذا قال له: (يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته) ثم بكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقام من عنده فلما ولّى ناداه عمه فقال له: (أقبل يا ابن أخي) فلما أقبل قال له: (اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت فو الله لا أُسلِمَك لشيء أبداً).
* واعلم رحمك الله: «أن مواقف أبي طالب مع نبينا - صلى الله عليه وسلم - عجيبة حقاً وأن الله امتحن قلب أبي طالب بحب نبينا - صلى الله عليه وسلم - حباً طبيعياً لا شرعياً وكان استمرار أبي طالب على الكفر له حِكم عظيمة منها لو كان مسلماً ما كانت له هيبة ومنعة واحترام من قريش. وبقي أبو طالب طول حياته إلى وفاته قبل هجرة نبينا - صلى الله عليه وسلم - بثلاث سنوات وهو يدافع عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - ويحميه ولم يدخل في دين الإسلام وقد روي أن قوله تعالى: [وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ] {الأنعام:26} قد نزلت فيه» .
3- الأسلوب الثالث: الاتهامات الباطلة لصد الناس عنه:
1- اتهموه بالجنون: وفي ذلك نزل قوله تعالى: [وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ] {الحجر:6} فأجابهم تبارك وتعالى [مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ] {القلم:2}.
2- اتهموه بالسحر والكذب: وفي ذلك نزل قوله تعالى: [وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ] {ص:4}.
3- اتهموه بالإتيان بالأساطير: وفي ذلك يقول الله تعالى: [وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا] {الفرقان:5}.
4- اتهموه بأن القرآن ليس من عنده: وإنما هو من عند البشر وفي ذلك يقول تعالى: [وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ] {النحل:103}.
5- اتهموا المؤمنين بالضلالة: وفي ذلك يقول تعالى: [وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ] {المطَّففين:32}.
4- الأسلوب الرابع: السخرية والاستهزاء والضحك والغمز واللمز والتعالي على المؤمنين.
اعلم رحمك الله تعالى أن من منهج القرآن الكريم في مواجهة السخرية والاستهزاء التأكيد على الأمور التالية:
1- أن السخرية والاستهزاء واجهها كل الأنبياء والدعاة فيما مضى وكفي بهم أسوة قال تعالى: [وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ * وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ]. {الزُّخرف: 6-7}.
2- الإكثار من الحث على الصبر قال تعالى: [فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ] {ق:39}.
3- الاستعانة على الدعوة والمضي فيها بالعبادة قال تعالى: [وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ] {الحجر: 97-98}.
4- أن المستهزىء يدل على استهزائه أنه مفلس ولا شيء عنده ويقابل هذا بالصبر قال تعالى: [فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ] {الرُّوم:60}.
5- الأسلوب الخامس: التشويش:
كان المشركون يتواصون بينهم بافتعال ضجة عالية وصياح مبكر عندما يُقرأ القرآن حتى لا يسمع فيفهم فيترك أثراً فيهم، قال تعالى: [وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا القُرْآَنِ وَالغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ] {فصِّلت:26}.
6- الأسلوب السادس: طلب أن تكون للرسول - صلى الله عليه وسلم - معجزات أو مزايا ليست عند البشر العاديين:
طلبوا أن يجعل صخرة معينة ذهباً لينحتوا منها وتغنيهم عن رحلتي الشتاء والصيف.
وطلبوا أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر فلقتين.
7- الأسلوب السابع: المساومات:
حاولت قريش جمع الإسلام والجاهلية زعموا ذلك أن يترك المشركون بعض ما هم عليه ويترك النبي - صلى الله عليه وسلم - ما هم عليه قال تعالى: [وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ] {القلم:9}.
وحاولت قريش أن تعبد الله يوماً وأن محمداً يعبد الآلهة يوما فأنزل الله سورة الكافرون.
8- الأسلوب الثامن: سب القرآن:
روى البخاري ومسلم وغيرهما في قوله: [وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا] {الإسراء:110}.
أن عبدالله بن عباس - - رضي الله عنهما - قال: نزلت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مختفٍ بمكة كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : [وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ]أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن: [وَلَا تُخَافِتْ بِهَا] عن أصحابك فلا تسمعهم: [وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا].
9- الأسلوب التاسع: الاتصال باليهود للإتيان منهم بأسئلة تعجيزية للرسول - صلى الله عليه وسلم - :
أرسلت قريشاً نفراً إلى المدينة على رأسهم النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط ليأتوا من يهود المدينة بأسئلة تعجيزية فيطرحونها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت لهم اليهود: سلوه عن أهل الكهف وعن ذي القرنين والروح ولكن الله أبطل كيدهم عندما أنزل الله قرآناً في شأن الإجابة عن أسئلتهم.
10- الأسلوب العاشر: الترغيب:
أن الوليد بن المغيرة جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال: (يا عم إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالاً) قال: (لمَ) قال: (ليعطوك فإنك أتيت محمداً) ثم قال عن القرآن الذي سمعه من محمد - صلى الله عليه وسلم - : (ووالله إن لقوله الذي يقول لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو ما يُعلى عليه وإنه ليحطم ما تحته). رواه الحاكم والبيهقي بإسناد صحيح.
11- الأسلوب الحادي عشر: الترهيب:
قال محمد بن إسحاق رحمه الله: «كان أبو جهل إذا سمع عن رجل قد أسلم وله شرف ومنعة أنّبه وأخزاه وقال له: (تركت دين أبيك وهو خير منك! لنُسَفِهَنَّ حُلُمك ولَنُضعِفنَّ رأيك ولَنُضعِفنَّ شرفك) وإن كان ضعيفاً ضربه وأهانه.
12- الأسلوب الثاني عشر: الاعتداء الجسدي:
وهذا الأسلوب تنوع الاعتداء فيه إلى أقسام وهي:
1- الاعتداء الجسدي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
- قال الإمام ابن حجر رحمه الله: «وقد أخرج أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح عن أنس قال: (لقد ضربوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرة حتى غُشي عليه فقام أبو بكر فجعل ينادي: ويلكم أتقتلون رجلاً يقول ربي الله؟ فقالوا: من هذا؟ فقال أبو بكر المجنون) وزاد البزار في رواية: (فتركوه وأقبلوا على أبي بكر)».
- قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «أن غالب ما وقع للرسول - صلى الله عليه وسلم - من اعتداء جسدي وما يشبه ذلك كان بعد وفاة عمه أبي طالب».
2-الاعتداء الجسدي على الصحابة من قريش بمكة:
- نال أبو بكر - رضي الله عنه - نصيبه من الأذى حتى أنه فكر بالهجرة إلى الحبشة فراراً بدينه وضُرب عندما خطب بالحرم حتى حمل إلى بيته ولم يعرف وجهه من الدم.
- أول من جهر بالقرآن في الحرم عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان يُضرب على وجهه حتى أثّروا فيه.
- تنوع أساليب الاعتداء على الصحابة وصبروا على ما أصابهم - رضي الله عنه -م وأرضاهم أجمعين.
3- الاعتداء الجسدي على المسلمين العرب من خارج مكة:
عندما سمع أبو ذر الغفاري - رضي الله عنه - بخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء من المدينة إلى مكة ودخلها وأخذ يسأل عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فضربه أهل مكة حتى أُغشي عليه وكاد أن يموت فخلّصه العباس منهم.
4- الاعتداء الجسدي على الموالي:
كان الموالي ليس لهم منعة فكان العذاب عليهم شديد.
- قال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: «أول من أظهر الإسلام سبعة: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد فأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنعه الله بعمه وأبو بكر منعه الله بقومه وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدرع الحديد وصهروهم في الشمس فما منهم من أحد إلا وقد وأتاهم على ما أرادوا إلا بلالاً فإنه هانت عليه نفسه في الله تعالى وهان على قومه فأخذوه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: أحد أحد» رواه أحمد بإسناد صحيح.
- أعذر الله سبحانه وتعالى المعذبين فيما يقولون حينما يبلغ الجهد منهم مبلغه قال الله تعالى: [مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ] {النحل:106}.
قال جمهور المفسرين: «أن من أسباب نزول هذه الآية عندما أُوذي عمار بن ياسر حتى أجبروه على أن يتلفّظ بكلمة الكفر بلسانه».
- كان أبو بكر - رضي الله عنه - يعتق رقاب المستضعفين فقال له أبوه: (إني أراك تعتق رقاباً ضعفاً فلو أنك إذا فعلت ما فعلت أعتقت رجالاً جُلُداً يمنعونك ويقومون عنك) فقال أبو بكر: ( يا أبت إني أريد ما عند الله) فأنزل الله قوله تعالى: [فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى] {الليل:5-7}.
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلتقي سراً بالداخلين في الإسلام ليعلمهم ما نزل من الوحي من تعاليم الدين قبل ابتداء الدعوة الجهرية.
* منزل اجتماع المسلمين:
«منزل الأرقم بن الأرقم المعروف الآن بدار الخيزران عند الصفا» .
* صفة منزل الأرقم بن الأرقم:
«كان للمنزل باب خلفي يدخله الداخل ولا يُرى مع ازدحام الناس عند الصفا» .
* لماذا اختار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم بن الأرقم بالذات؟
قال صفي الرحمن المباركفوري رحمه الله: «لأن الأرقم لم يكن معروفاً بإسلامه ولأنه من بني مخزوم التي تحمل لواء التنافس والحرب ضد بني هاشم إذ يُستبعد أن يختفي الرسول - صلى الله عليه وسلم - في قلب العدو ولأنه كان فتى صغيراً عندما أسلم في حدود الست عشرة سنة وهذه الحالة تنصرف الأذهان إلى منازل كبار الصحابة».
* اعلم رحمك الله: «أن من أعظم النعم على العبد الصحبة الصالحة التي تُعين على طاعة الله عز وجل فتذكره إذا نسـي وتعلمه إذا جهل وتنبهه إذا غفل ليكون التواصل مستمراً ومثمراً مع مرور الزمان مع أهل الخير والفضل والصلاح».
* قال البروفسور عبدالله الطيب: «إن هذه الهجرة كانت إلى المناطق المعروفة بالسودان حالياً».
* سبب الهجرة إلى الحبشة:
«كان الاضطهاد في أواسط أو أواخر السنة الرابعة من النبوة واشتد الأذى على المسلمين في مكة في أواسط السنة الخامسة وفكر المسلمون في حيلة تنجّيهم من العذاب الأليم الذي وقع بهم من كفار قريش».
* علامات وآيات تدل على الهجرة:
- في السنة الخامسة من النبوة نزلت سورة الكهف وفيها ثلاث قصص وفيها إشارات بليغة من الله تعالى إلى عباده المؤمنين بالهجرة وهي:
1- القصة الأولى:
قصة أهل الكهف ترشد المؤمنين إلى الهجرة من المراكز الكفرية والعدوان مخافة الفتنة على الدين متوكلاً على الله تعالى: [وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ فَأْوُوا إِلَى الكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا] {الكهف:16}.
2- القصة الثانية:
قصة الخضر وموسى عليهما السلام تفيد أن الظروف لا تجري ولا تنتج حسب الظاهر دائماً بل ربما يكون الأمر على خلاف الظاهر ففيها إشارة لطيفة إلى أن الاضطهاد القائم ضد المسلمين سيرفع قريباً.
3- القصة الثالثة:
قصة ذي القرنين تفيد أن الأرض لله يورثها من عباده من يشاء وأن الفلاح إنما هو في سبيل الإيمان دون الكفر.
- وفي السنة الخامسة من النبوة نزلت سورة الزمر التي تشير إلى الهجرة وتعلن بأن أرض الله ليست ضيقة قال تعالى: [لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ] {الزُّمر:10}.
* قصة الهجرة المباركة:
خرج المسلمون وعددهم اثني عشر رجلاً وأربع نسوة حتى انتهوا إلى الشعيبة وهو ميناء للسفن قريبة من جدة بحوالي 68 كيلاً وكان من المسلمين الماشي والراكب ووفق الله تعالى عندما وصلوا إلى الميناء وجدوا سفينتين حملوهم فيها إلى الحبشة بنصف دينار وكان ذلك في شهر رجب من السنة الخامسة من بعد مبعثه - صلى الله عليه وسلم - وخرجت قريش في آثار المسلمين ولم يجدوهم ولم يدركوا أحداً منهم.
* المهاجرون إلى الحبشة في الهجرة الأولى:
1- عثمان بن عفان - رضي الله عنه -.
2- رُقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوجة عثمان - - رضي الله عنهما -.
3- عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -.
4- أبو حذيفة عتبة بن ربيعة - رضي الله عنه -.
5- سهلة بنت سهيل بن عمرو زوجة أبو حذيفة - - رضي الله عنهما -.
6- الزبير بن العوام - رضي الله عنه -.
7- مصعب بن عمير - رضي الله عنه -.
8- أبو سلمة بن عبد العزى - رضي الله عنه -.
9- أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة زوجة أبو سلمة - - رضي الله عنهما -.
10- عثمان بن مظعون - رضي الله عنه - وهو أمير هذه الهجرة المباركة.
11- عامر بن ربيعة - رضي الله عنه -.
12- ليلى بنت أبي حثمة زوجة عامر - رضي الله عنها -.
* من فضائل عثمان بن عفان - رضي الله عنه -:
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إنهما أول بيت هاجر في سبيل الله بعد إبراهيم ولوط عليهما السلام» رواه البيهقي بإسناد ضعيف.
المقصود: عثمان بن عفان ورقية بنت الرسول - صلى الله عليه وسلم - و- رضي الله عنها -.
* سبب رجوع المهاجرين من الحبشة إلى مكة:
وصل الخبر إلى الحبشة في شهر رجب من السنة الخامسة بأن أهل مكة أسلموا فقرروا الرجوع إلى بلدهم فعندما وصلوا إلى مكة وجدوا أن الأمر كان كذباً وما زالت العداوة مستمرة ومتزايدة فمن المهاجرين من رجع للحبشة ومنهم من دخل في جوار رجال من قريش.
* قصة سجود المشركين بعدما انتهى النبي - صلى الله عليه وسلم - من قراءة سورة النجم:
عن عبدالله بن عباس - - رضي الله عنهما - قال: «سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس إلا رجلاً رأيته أخذ كفاً من تراب فسجد عليه فرأيته بعد ذلك قتل كافراً وهو أمية بن خلف» رواه البخاري.
وروعة أسلوب سورة النجم وخاصة بصوت النبي - صلى الله عليه وسلم - وما في السورة من قوارع تطير منها القلوب والنبي - صلى الله عليه وسلم - يهدر بها ويرعد بإنذاراتها فصدمت قلوب المستكبرين والمستهزئين فما تمالكوا إلا أن يسجدوا بعدما رأوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - سجد على الأرض فلما رفعوا رؤوسهم أرادوا أن يعتذروا عما فعلوا وتعذروا بأن محمداً مدح أصنامهم وعطف عليها زعموا ذلك).
* قصة الغرانيق المكذوبة:
ويزعم بعض الناس أن سبب رجوع المهاجرين من الحبشة وقوع هدنة حقيقية بين الإسلام والوثنية وأساسها أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - مدح الأصنام واعترف بفضلها إذ زعموا أنه قرأ على المشركين سورة النجم حتى وصل إلى قوله تعالى: [أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى] {النَّجم:20} وألقى الشيطان في آذان المشركين قوله: (تلك الغرانيق العُلى وأن شفاعتهنَّ لترتجى) فسجد وسجد كفار مكة.
فلما بلغ المهاجرون في الحبشة ما فعل كفار قريش ظنوا أنهم أسلموا بهذه القصة المكذوبة.
* مسائل في بطلان قصة الغرانيق:
1- لم تروى القصة في الكتب السِّتة ولا في مسند الإمام أحمد ولا في غيرهم من أصحاب الكتب المعتمدة.
2- روى هذه القصة ثلاثة وهم:
أ- ابن سعد في الطبقات من طريق الواقدي وهو متروك الحديث.
ب- الإمام الطبري في تفسيره وإسناده ضعيف.
ج- البيهقي في دلائل النبوة وإسناده ضعيف.
3- قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «وقد ذكر من المفسرين ها هنا قصة الغرانيق ولكنها من طرق كلها مرسلة ولم أراها مسندة من وجه صحيح والله أعلم».
4- ألف الإمام الألباني رحمه الله قبل أكثر من خمسين عاماً رسالة سماها (نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق) خرّج أحاديثها وحكم عليها بالضعف والبطلان.
5- قال الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الأعظمي:«ولو فرضنا جدلاً أن أسانيدها صحيحة ثابتة فهل تثبت بذلك صحة القصة معاذ الله !!!».
6- قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: «كل حديث رأيته يخالف العقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع فلا تعتبر روايته».
7- قال الشيخ محمد عبده رحمه الله: «إن وصف العرب لآلهتهم بالغرانيق لم يرد لها في نظمهم ولا في خطبهم والذي تعرفه اللغة أن الغرنوق اسم الطائر مائي أسود أو أبيض ومن معانيه الشاب الأبيض الجميل ويطلق على غير ذلك».
8- المتأمل للآيات في سورة النجم ما يدل على بطلان القصة من حيث الأسلوب اللغوي السليم بأن آيات الغرانيق جاءت بين الآيات فيها ذم ثم مدح ثم ذم لذات الشيء وهي قوله تعالى: [إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ... الآيات] {النَّجم:23}.
9- اضطرابات في الروايات مما يسبب ضعفها ووهنها:
قيل: وقعت في الصلاة.
قيل: وقعت خارج الصلاة.
قيل: حدّث نفسه فنسها
قيل: أن الشيطان قالها على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - فقرأها.
قيل: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ناعساً.
قيل: أن الشيطان انتهز سكوت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقرأها الشيطان بصوت النبي - صلى الله عليه وسلم - .
10- الخلاصة: أن قصة الغرانيق باطلة من حيث السند ومن حيث المتن ومن حيث العقل وأن سورة النجم تتحدث عن قصة الإسراء والمعراج الواقعة في السنة العاشرة من البعثة وهجرة الحبشة في السنة الخامسة.
* قصة الهجرة:
عندما عاد بعض من هاجر الهجرة الأولى إلى الحبشة ووجدوا أن الابتلاء الواقع على المسلمين في مكة أصبح أشد مما كان ولما رأى حالهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن لهم بالهجرة إلى الحبشة مرة ثانية وكان عددهم يقارب ثمانين رجلاً وعشرين امرأة وقيل غير ذلك.
* قريش تسعى لإعادة المهاجرين:
حاولت قريش في كل مرة أن تُعيد المهاجرين من الحبشة بأي وسيلة وقدَّموا إلى النجاشي وأعوانه الهدايا الثمينة لإغرائهم وكان المسلمون هناك لا يؤذون ولا يسمعون ما يكرهون وعبدوا الله تعالى إلى أن جاء رسول قريش للنجاشي وطلب منه المسلمين فتكلم عنهم جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - فأوضح حقيقة الدين الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - وموقف قومهم منه.
وعندما طلب النجاشي شيئاً مما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأ عليه جعفر - رضي الله عنه - صدر سورة مريم فبكى النجاشي حتى ابتلت لحيته وبكّى من عنده من العلماء حتى ابتلت صحائفهم التي يحملونها.
فقال النجاشي لسفيرا قريش: «إن هذا الذي جاء به عيسى يخرج من مشكاة واحدة انطلقا والله لا أسلمهم إليكما أبداً».
فقال سفيرا قريش عبدالله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص: «والله لآتينهم غداً بما يبيد خضرائهم».
فلما كان من الغد جاء عمرو إلى النجاشي وقال: «إن هؤلاء يقولون عن عيسى بن مريم قولاً عظيما».
فأرسل النجاشي إلى المسلمين فجاء جعفر - رضي الله عنه - وقال: «نقول فيه بالذي جاء به نبينا هو عبدالله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول».
فأخذ النجاشي عوداً من الأرض وقال: «يا معشر القسيسين والرهبان ما يزيد هؤء على ما يقولون في ابن مريم ما يزن هذه مرحباً بكم وبمن جئتم من عنده وأشهد أنه رسول الله وأنه الذي بشّر به عيسى ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أقبل نعليه امكثوا في أرضي ما شئتم».
فأعطى المسلمون الطعام والشراب والكسوة ورجع سفيرا قريش إلى مكة مخذولين ومعهما هداياهم التي ردّها عليهم النجاشي.
* مدة بقاء المسلمين المهاجرين في الحبشة:
مكث المسلمون في الحبشة إلى أن هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وقبل موقعة بدر رجع بعضهم وعددهم ثلاثة وثلاثون رجلاً وثماني نساء وعاد الباقون مع جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - عندما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فتح خيبر في السنة السابعة للهجرة.
* فضل المهاجرين إلى الحبشة:
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل الحبشة: «ليس بأحق بي منكم ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان» رواه البخاري.
قال الإمام ابن حجر رحمه الله: «وظاهر الحديث أن تفضيلهم على غيرهم من المهاجرين ولكن لا يلزم منه تفضيلهم على الإطلاق».
* قال محمد بن إسحاق رحمه الله: «أن النجاشي لما مات كان يتحدث أنه لا يزال يُرى على قبره نور».
* قال ابن هشام رحمه الله: «أن قوم النجاشي خرجوا عليه لأنه أسلم وقبل أن يخوض حرباً ضدهم هيأ للمسلمين سفناً ليركبوها إذا انهزم وكتب كتاباً يشهد فيه بإسلامه وبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما مات النجاشي استغفر له».
* توفي النجاشي في السنة التاسعة للهجرة وصلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الغائب؟
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «مات اليوم عبد صالح أصحمة من الحبش فهلُمَّ فصلوا عليه» رواه مسلم.
* قال عبدالقادر الأرناؤوط رحمه الله: «أن النجاشي الذي صلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - هو ذات النجاشي الذي أرسل إليه لأن كتب التاريخ لا تذكر سوى خبر نجاشي واحد».
* قال محمد بن إسحاق رحمه الله: «أن أمةً لعبدالله بن جدعان أخبرت حمزة أن أبا جهل قد أساء إلى ابن أخيه محمد - صلى الله عليه وسلم - إساءات بذيئة فلم يتردد في المجيء إلى أبي جهل وهو في مجلسه من قومه فضربه بالقوس على رأسه فشجه شجة منكرة وقال له: أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول فرد علي ذلك إن استطعت فقامت رجال من بني مخزوم نصرة لأبي جهل فمنعهم أبو جهل فكانت تلك بداية انشراح صدر حمزة للإسلام».
* إسلام حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - في السنة السادسة من البعثة بعد دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم.
* دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -:
- عن عبدالله بن عمر - - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب فكان أحبهما إلى الله عز وجل عمر بن الخطاب) رواه الترمذي وصححه الألباني.
- عن عبدالله بن عمر - - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب صدر عمر بيده حين أسلم ثلاث مرات وهو يقول: (اللهم أخرج ما في صدر عمر من غل وأبدله إيماناً) رواه الطبراني.
* إسلام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -:
قيل: إنه أسلم عقب الهجرة الأولى إلى الحبشة في السنة الخامسة من البعثة.
وقيل: إنه أسلم بعد إسلام حمزة بثلاث أيام.
* عزة المسلمين بإسلام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -:
عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: «ما زلنا أعزة منذُ أن أسلم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -» رواه البخاري.
* صلاة المسلمين عند الكعبة:
عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: «إن إسلام عمر كان فتحاً وإن هجرته كانت نصراً وإن إمارته كانت رحمةً ولقد كنّا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر بن الخطاب فلما أسلم قاتل قريشاً حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه» رواه ابن هشام برواية ابن إسحاق بسند ضعيف.
* تسميته بالفاروق:
سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالفاروق لأنه فرق بين الحق والباطل.
* قال محمد بن إسحاق رحمه الله: عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: «لما أسلمت تذكرت أي أهل مكة أشد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عداوة قال: قلت: أبو جهل فأتيت حتى ضربت عليه بابه فخرج إليَّ وقال: أهلاً وسهلاً ما جاء بك ؟ قال: جئت لأخبرك أني قد آمنت بالله وبرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - وصدقتُ بما جاء به قال: فضرب الباب في وجهي وقال: قبّحك الله وقبّح ما جئت به».
* قصة إسلام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -:
- القصة الأولى: «أن عمر بن الخطاب كان في طريقه لينال من محمد - صلى الله عليه وسلم - فلقي رجلاً في طريقه فأخبره عن إسلام أخته وزوجها فغضب عمر فذهب إليهما فوجد عندهما خباب فضرب أخته حتى سال الدم منها ثم وجد معها صحيفة فيها آيات من سورة طه وأراد أن يأخذها فأمرته أن يغتسل ثم أخذها وقرأ ما فيها واسلم وذهب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليعلن إسلامه».
هذه القصة لم ترد بإسناد صحيح مقبول عند المحدثين وبعض القصة وردت بأسانيد حسنة وهي عند أهل المغازي والسيِّر فلا يمنع من قبولها.
- القصة الثانية: قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: «خرجت أبغي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن أسلم فوجدته قد سبقني إلى المسجد فقمت خلفه فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أعجب من تأليف القرآن قال: فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش قال فقرأ [إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ] {الحاقَّة: 40-41} قلت كاهن قال فقرأ: [وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ] {الحاقَّة: 42-43} إلى آخر السورة قال: فوقع الإسلام من قلبي كل موقع» رواه أحمد والطبراني والحديث مرسل أرسله شريح بن عبيد ولم يدرك عمر.
* سبب المقاطعة العامة:
لما رأت قريش أن عدد الداخلين في الإسلام ازداد وأن وسائلها وأساليبها السابقة في محاربتهم وقمعهم لم تنفع خاصةً بعد إسلام حمزة وعمر فأعادت قريش الأساليب والوسائل لصدّ المسلمين واستخدمت أقسى الأساليب والوسائل وذلك بمقاطعة المسلمين عامة.
* قال موسى بن عقبة رحمه الله: «بقت المقاطعة ثلاث سنين».
* قال الإمام ابن حجر رحمه الله: «ابتدأ الحصار في أول يوم من المحرم سنة سبع من البعثة».
* قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من الشعب في العام العاشر من المبعث».
* قصة الصحيفة المكتوبة في جوف الكعبة:
أجمع الكفار على قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبلغ ذلك أبا طالب فجمع بني هاشم وبني المطلب فأدخلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شعبهم ومنعوه ممن أراد قتله فأجابوه إلى ذلك حتى كفارهم فعلوا ذلك حميّة على عادات الجاهلية فلما رأت قريش ذلك اجتمعوا وائتمروا بينهم أن يكتبوا كتاباً يتعاقدون بينهم على بني هاشم وبني المطلب على أن لا يعاملوهم ولا يناكحوهم حتى يسلِّموا إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففعلوا ذلك على صحيفة وعلَّقت في جوب الكعبة وكتب الصحيفة منصور بن عكرمة دعا عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وشلَّت أصابعه.
* قال محمد بن إسحاق رحمه الله: «إن الأرضة لم تدع اسماً لله إلا أكلته وبقي فيها من الظلم والقطيعة».
* قال ابن هشام رحمه الله: «أن الأرضة قد أكلت جميع ما فيها إلا اسم الله».
*الجمع بين قول ابن إسحاق وقول ابن هشام رحمهما الله: «المقصود في القولين واحدٌ وهو أنهم أرادوا أن يقولوا أن اسم الله تعالى لا يجتمع مع عبارات الظلم والقطيعة».
* قال السُهيلي رحمه الله: «أنهم جهدوا حتى كانوا يأكلون الخبط([58]) وورق السمر حتى إن أحدهم ليضع كما تضع الشاة وكان فيهم سعد بن أبي وقاص روي أنه قال: لقد جعت حتى أني وطئت ذات ليلة على شيء رطب فوضعته في فمي وما أدري ما هو إلى الآن».
*ارتفاع أسعار السوق بأمر أبي لهب عدو الله:
كانت العيِّر تأتي إلى مكة ويأتي المسلمون للشراء فينادي عدو الله أبي لهب ويقول: «يا معشر التجار غالوا على أصحاب محمد حتى لا يدركوا معكم شيئاً فقد علمتم مالي ووفاء ذمتي فأنا ضامن أن لا خسارة عليكم» فيزيدون الأسعار على المسلمين ولا يشترون ويرجعون إلى أطفالهم وهم جوعى ولا لباس معهم حتى تعب بعض المسلمين ومنهم من توفي في الحصار.
* قال موسى بن عقبة رحمه الله: «لما أفسد الله الصحيفة خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته وخالطوا الناس».
* اعلم رحمك الله: «أن ما أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الابتلاءات عزاء لكل مؤمن فيما يصيبه في هذه الحياة من بلاء ومصاعب وتضييق وتغذيب والحيلولة بينه وبين طاعة ربه ورفع رايته في مواطن يحبها الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم».
«عندما بلغ أبو طالب بضعاً وثمانين سنة توفي في السنة العاشرة من البعثة بعد الخروج من الشعب وقبل وفاة خديجة - رضي الله عنها - بثلاثة أيام وقبل الهجرة النبوية بثلاث سنين.
* قصة وفاة أبي طالب:
روى البخاري ومسلم عن سعيد بن المسيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على أبي طالب عندما حضرته الوفاة فوجد عنده أبا جهل وعبدالله بن أمية فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : (يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله) فقال أبو جهل وعبدالله بن أمية: (يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب) فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرضها عليه ويعيد تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: (هو على ملة عبدالمطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (أما والله لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك) فأنزل الله عز وجل: [مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ] {التوبة:113} وأنزل الله عز وجل: [إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ] {القصص:56} وأجمع المفسرون أنها نزلت في أبي طالب.
* فائدة مهمة: كل حديث يدل على أن أبا طالب قد نطق بكلمة الإسلام عند موته لا يصح.
* مصير أبي طالب في الآخرة:
عن عبدالله بن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (أهون أهل النار عذاباً أبو طالب وفي رجليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه) رواه مسلم.
* فائدة مهمة: «يروى أن أبا لهب دافع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد موت أبي طالب وعندما سأله عنه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (من مات على ما مات عليه عبد المطلب دخل النار) فترك أبو لهب المدافعة واشتدت أذيته.
توفيت خديجة - رضي الله عنها - عندما بلغت ثلاثاً وستين سنة وتوفيت في السنة العاشرة من البعثة بعد الخروج من الشعب وقبل الهجرة النبوية بثلاث سنين.
* مات أبو طالب وخديجة في عام واحد وبينهما مدة يسيرة فقد كان أبو طالب درعاً حصيناً للنبي - صلى الله عليه وسلم - وكانت خديجة وزيرة صدق في الإسلام.
* يروى أنه لما هلك أبو طالب اشتد أذى قريش على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى أن بعض سفهاء قريش نثر التراب على رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ودخل على بيته وعلى رأسه التراب فغسلته إحدى بناته وهي تبكي والرسول - صلى الله عليه وسلم - قول بها: (لا تبكي يا بُنية فإن الله مانع أباك).
* عام الحزن:
السنة العاشرة من البعثة يسمي هذا العام بعض المؤرخين بعام الحزن والصحيح أن هذا الاسم لم يسمه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا رأي الألباني رحمه الله.
وسبب تسمية هذا العام بعام الحزن ما لاقاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بوفاة عمه أبي طالب وزوجته خديجة وأذية قريش وتضيق الدعوة إلى الله عز وجل.
* كان زواجه - صلى الله عليه وسلم - من سودة - رضي الله عنها - في شهر شوال من السنة العاشرة من مبعثه - صلى الله عليه وسلم - والذي دل النبي - صلى الله عليه وسلم - على سودة - رضي الله عنها - هي خولة بنت حكيم زوجة عثمان بن مظعون - - رضي الله عنهما -.
* سودة بنت زمعة - رضي الله عنها - من أوائل المسلمين هاجرت الهجرة الثانية إلى الحبشة مع زوجها السكران بن عمرو وتوفي عنها وتزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - .
* كان زواجه - صلى الله عليه وسلم - من عائشة - رضي الله عنها - في السنة العاشرة من مبعثه - صلى الله عليه وسلم - والذي دل النبي - صلى الله عليه وسلم - على عائشة - رضي الله عنها - هي خولة بنت حكيم زوجة عثمان بن مظعون - - رضي الله عنهما -.
* عن هشام بن عروة عن أبيه - - رضي الله عنهما - قال: «نكح النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة وهي بنت ست سنين ثم بنى بها وهي بنت تسع سنين» رواه البخاري.
* قالت عائشة - رضي الله عنها -: «فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج في السلخ([59]) فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل بيتنا واجتمع إليه رجال من الأنصار ونساء فجاءتني أمي وإني لفي أرجوحة بين عذقين يرجح لي فأنزلتني من الأرجوحة ولي جميمة([60]) ففرقتها ومست وجهي بشيء من الماء ثم أقبلت تقودني حتى وقفت بي عند الباب وإني لأنهج([61]) حتى سكن من نفسي ثم دخلت بي فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس على سرير في بيتنا وعنده رجال ونساء من الأنصار فأجلستني في حجره ثم قالت هؤلاء أهلك فبارك الله لك فيهم وبارك لهم فيك فوثب الرجال والنساء فخرجوا وبنى بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتنا ما نحرت جزور ولا ذبحت شاة حتى أرسل إلينا سعد بن عبادة بجفنة([62]) كان يرسل بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دار إلى نسائه وأنا يومئذ ابنة تسع سنين» رواه أحمد في مسنده.
* سبب الهجرة إلى الطائف:
لما هلك أبو طالب واشتدت أذية قريش على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى الطائف يلتمس النصرة من ثقيف والمنعة بهم من قومه ورجاء أن يقبلوا الإسلام.
* وقت الهجرة إلى الطائف:
خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف بعد موت خديجة بثلاثة أشهر وثمانية أيام في شهر شوال من السنة العاشرة من مبعثه - صلى الله عليه وسلم - ومعه زيد بن حارثة.
* قصة الهجرة إلى الطائف:
قال محمد بن إسحاق رحمه الله: «عندما ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف التقى بسادة ثقيف أبناء عمرو بن عمير الثلاثة: عبد ياليل ومسعود وحبيب وعرض عليهم الإسلام فلم يقبلوه منه وسخروا منه وطلب منهم أن يكتموا عنه ما دار بينهم حتى لا يثيروا الناس ولكنهم لم يفعلوا وأغروا به الناس من السفهاء والعبيد فأخذوا في سبّه والصياح به حتى اجتمع الناس عليه وألجأوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة وهما فيه ورجع السفهاء والعبيد وجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ظل شجرة عنب وعتبة وشيبة ابني ربيعة ينظران إليه فلما اطمأن في جلوسه قال - صلى الله عليه وسلم - : (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهُّمُني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تُنزل بي غضبك أو يحلَّ عليَّ سخطك لك العُتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بالله) وعندما رآه ابنا ربيعة على هذه الحال تحركت إليهما عاطفة الرحم فأمرا غلاماً نصرانياً يُدعى عدّاس أن يقدم له عنباً وتعجب عدّاس من الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما قال: (بسم الله) قبل أن يأكل وزال عجبه عندما أعلمه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه نبي فأخذ يقبّل رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - ويديه وقدميه وحاول ابنا ربيعة أن يصداه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قائلين له: (لا يصرفنّك عن دينك فإن دينك خير من دينه).
* قال محمد بن سعد رحمه الله: «كانت إقامته - صلى الله عليه وسلم - في الطائف عشرة أيام».
* جبريل وملك الجبال عليهما السلام:
«خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - مهموماً من الطائف حتى وصل إلى قرن الثعالب فجاء جبريل عليه السلام فقال: (إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم) فسلَّم ملك الجبال على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: (يا محمد إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً) رواه البخاري ومسلم.
* إيمان بعض الجن برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - :
قبل أن يصل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة أقام في وادي نخلة قرب مكة بعض الأيام وخلال هذه الإقامة بعث الله إليه نفراً من الجن يستمعون القرآن فآمنوا به وقد ذكر ذلك سبحانه وتعالى في نهاية سورة الأحقاف وفي سورة الجن.
* رجوع النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى مكة :
لقد شدّ الله أزر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بقدوم ملك الجبال وإيمان بعض الجن فقام نشيطاً في الدعوة إلى الله عز وجل فعندما عزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخول مكة قال له زيد: كيف تدخل عليهم يا رسول الله وهم أخرجوك فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (يا زيد إن الله جاعل لما ترى مخرجاً وإن الله ناصر دينه ونبيه).
وأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - في طلب جوار المطعم بن عدي فاستجاب لذلك وتهيأ هو وبنوه لحماية الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحِفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمطعم بن عدي هذا الصنيع وقال في أسرى بدر: (لقد كان المطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له) رواه البخاري.
* موقف بعض الصحابة عندما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جوار المطعم بن عدي:
عندما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جوار المطعم بن عدي ردّ أبي بكر الصديق طلب جوار ابن الدغنة وردّ عمر بن الخطاب جوار خاله العاص وردّ عثمان بن مظعون جوار الوليد بن المغيرة وكان فعلهم رغبةً منهم أن يكونوا في جوار الله ورسوله كسائر المستضعفين.
* من بعض نتائج هجرته - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف:
إسلام عدّاس وهذا دليلٌ على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يرجع من الطائف دون نتائج إيجابية بل رجع بما هو خير من حمر النعم فقد هدى عدّاس على يديه والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم) وكان عدّاس نصرانياً من بلاد نينوى من بلد نبي الله يونس بن متى عليه السلام.
* قال القاضي عياض رحمه الله: «كانت حادثة الإسراء والمعراج قبل هجرته عليه السلام بسنة».
* قال محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي رحمه الله: «لم يثبت من طريق صحيح ولا حسن أن الإسراء والمعراج كان في رجب والوارد في ذلك لا أصل له».
*عقيدة أهل السُّنة والجماعة:
أن حادثة الإسراء والمعراج ثابتة بالقرآن والسُّنة وذلك في سورة الإسراء وسورة النجم ومجموع الروايات عند البخاري عشرون رواية عن ستة من الصحابة ولا توجد رواية واحدة تجمع كل ما ورد من أحداث خلال هذه الرحلة وإنما هناك روايات أشارت كل واحدة منها إلى بعض الأحداث.
* شق صدر النبي - صلى الله عليه وسلم - :
جاء في البخاري ومسلم وغيرهما أن بعد صلاة العشاء من تلك الليلة المباركة نزل جبريل عليه السلام وخرج من سقف بيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمكة وشق صدره ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلىء حكمة وإيماناً فأفرغه في صدره ثم أطبقه ثم أخذ بيده فعرج به.
* حادثة الإسراء:
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أتيت بالبراق وهي دابة بيضاء فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته فسار بي حتى أتيت بيت المقدس فربطت الدابة بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء ثم دخلت فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فأتاني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل: أصبت الفطرة قال: ثم عُرج بي» رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية أخرى: أنه صلى بالأنبياء قبل المعراج ثم بعث له آدم فمن دونه من الأنبياء عليهم السلام فأمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الليلة.
قال ابن حجر رحمه الله: «تظافرت الروايات على أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى بالأنبياء قبل العروج».
* حادثة المعراج:
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثم عرج به إلى السماوات وفي كل سماء يستفتح جبريل ثم يسأل من معك؟ فيقول: محمد فيرحّب به فرأى في السماء الدنيا آدم وفي الثانية عيسى ويحيى وفي الثالثة يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادسة موسى وفي السابعة إبراهيم مستنداً إلى البيت المعمور ثم ذهب إلى سدرة المنتهى وفرض الله عليه وعلى أمته خمسين صلاة في اليوم والليلة وفي عودته من معراجه انتهى إلى موسى فسأله موسى: ما فرض ربك على أمتك؟ فأخبره فطلب منه موسى أن يرجع إلى ربه فيسأله التخفيف ففعل وخفف الله عنه خمس صلوات ثم ما زال صاعدا ًونازلاً بين ربه وموسى وفي كل مرة يطلب منه موسى أن يرجع لربه ليخفف عنه حتى خففها الله فأصبحت خمس صلوات بأجر خمسين صلاة وعندما طلب منه موسى الرجوع بعد هذا قال: (قد سألت ربي حتى استحيت) فنادى منادي: (قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي) رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية أخرى: (ثم عرج بي حتى ظهرت في مستوى أسمع فيه صريف الأقلام ثم فرضت الصلاة وقال: ثم انطلق بي حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى وغشيها ألوان لا أدري ما هي؟ ثم أُدخلت الجنة فإذا فيها حبائل اللؤلؤ وإذا أترابها المسك) رواه البخاري ومسلم.
*رؤية الله عز وجل:
«اختلف العلماء في رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - لله عز وجل ورجّح الإمام النووي رحمه الله بأنه - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه استناداً إلى حديث عبدالله بن عباس - - رضي الله عنهما -بقوله: (رأى محمد ربه بفؤاده مرتين)».
* العودة من الإسراء والمعراج:
«يتبين من الروايات أن طريق العودة كان من السماوات العُلى إلى بيت المقدس ثم إلى مكة فقد روى الترمذي بإسناد صحيح عن شداد بن أوس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (...ثم انصرف بي فمررنا بعيِّر لقريش بمكان كذا وكذا وقد أضلوا بعيراً لهم قد جمعه فلان فسلمت عليهم فقال بعضهم: هذا صوت محمد ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة)».
* فائدة:
كانت وسيلة الإسراء البراق بينما في المعراج استعملت الروايات الفعل المبني للمجهول بقول (عُرِّج) فلم تبين الوسيلة وفي روايات قوله (نصب لي المعراج) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (وهو السلَّم فصعد فيه إلى السماء ولم يكن الصعود على البراق كما توهمه البعض)».
* الخلاصة:
قال ابن حجر رحمه الله: «إن الإسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة في اليقظة بجسد النبي - صلى الله عليه وسلم - وروحه بعد البعثة وإلى هذا ذهب الجمهور من علماء المحدثين والفقهاء والمتكلمين وتواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة ولا ينبغي العدول عن ذلك إذ ليس في العقل ما يحيله حتى يحتاج إلى تأويله».
* موقف قريش من الإسراء والمعراج:
خشي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكذبه قومه فأصبح في ذلك اليوم مهموماً فجلس إليه أبو جهل وهو في هذه الحال وسأله مستهزئاً: (هل كان من شيء؟) فأخبره بالإسراء فلم يكذبه حتى قال: (أرأيت إن دعوت قومك إليك أتحدثهم بما حدثتني؟) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (نعم) فأسرع إلى مكة فدعاهم فجاؤوا إليه وطلب منه أبو جهل أن يحدثهم فحدثهم فتعجبوا من حديثه وطلب منه أن يصف المسجد الأقصى فرفعه الله له فأخذ يصفه وهو ينظر إليه فقال: (أما النعت فقد والله أصاب)» رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
وفي رواية عند الإمام أحمد في مسنده: أنهم استنكروا أن يذهب الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الشام ثم يعود في جزء من الليلة الواحدة وهم يذهبون ويعودون في مدة شهرين لذا ارتد بعض من أسلم».
وفي رواية عند الحاكم في المستدرك: أن أبا بكر الصديق أُخبر بالخبر فصدقه دون تردد قائلاً: (والله لئن كان قاله لقد صدق وما يعجبكم من ذلك فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فهذا أبعد ما تعجبون منه) ثم أقبل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وكلما ذكر شيئاً من الوصف قال: (صدقت أشهد إنك رسول الله) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (وأنت يا أبا بكر الصديق) فسماه الصديق من حينها».
* اعلم رحمك الله: «أن ما حدث للنبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلة الإسراء والمعراج وما فيها من شواهد عظيمة ورؤيته لأهل الجنة ودخلها ورؤية لأهل النار ولم يدخلها وكانت في جزء من ليلة ولذا الواجب علينا الإيمان والتصديق وبه يحصل المؤمن على لذة الإيمان بتصديق وتسليم بأخبار الغيب».
* اعلم رحمك الله: «أن من بعدما طُرد - صلى الله عليه وسلم - من مكة والطائف فإن الله جل وعلا يثبت نبيه ويعينه على الدعوة إليه وذلك بقدوم جبريل وملك الجبال وإيمان الجن وحادثة الإسراء والمعراج وغيرها».
*قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: تأمل كيف فرضت الصلاة:
أولاً: فرضت من الله عز وجل إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بدون واسطة.
ثانيا: فرضت في ليلة هي أفضل الليالي للنبي - صلى الله عليه وسلم - .
ثالثا: فرضت في أعلى مكان يصل إليه البشر.
رابعا: فرضت خمسين صلاة وخففت خمس صلوات ويكتب للإنسان أجر خمسين صلاة وهذا فضل عظيم من الله عز وجل لهذه الأمة.
* كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرض نفسه على الأفراد فقد كان يعرضها على القبائل الوافدة إلى مكة للحج أو العمرة أو المواسم وذلك ليؤووه وينصروه ويدعوهم إلى التوحيد.
* قال جابر بن عبدالله - رضي الله عنه -: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض نفسه على الناس بالموقف فقال: ألا رجل يحملني إلى قومه فإن قريشاً منعوني أن أبلغ كلام ربي» رواه أبو داود وصححه الألباني.
*عرض الإسلام على القبائل:
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأل القبائل ويقول: (يا أيها الناس: قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا) وكان وراءه أبو لهب يسير خلفه ويقول: (إنه صابىء كاذب) وكان أبو لهب يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويرميه بالحجارة حتى أدمى كعبيه الشريفتين وكان - صلى الله عليه وسلم - يفر منه ويعرض عنه ولا يلتفت إليه.
* أبرز القبائل التي عُرض عليها الإسلام:
كان العرض على القبائل في تجمعاتهم واختلفت ردودهم وفي السنة الحادية عشر من البعثة عرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه على نفر من الخزرج عند العقبة فجلسوا معه فدعاهم للإسلام وتلا عليهم القرآن وقد عرفوا الأنصار في المدينة بخروج النبي في هذا الزمان من جيرانهم اليهود فسبق الأنصار القبائل وواعدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - في الموسم المقبل وانتشر الخبر في المدينة ومن أسباب قبول الأنصار الإسلام ما حدث في يوم بُعاث من قتل بين الأوس والخزرج وقتل فيها كبارهم مما سهل قبول الإسلام في المدينة.
* كانت بيعة العقبة الأولى في السنة الثانية عشرة من مبعثه - صلى الله عليه وسلم - وفي موسم الحج.
* عدد من كان في بيعة العقبة الأولى اثنا عشر رجلاً من المدينة منهم من آمن في العام السابق.
* بيعة العقبة الأولى تسمى بيعة النساء، وذلك قبل أن تفرض الحرب ولعدم وجود نساء في البيعة.
* الدعوة الأولى في المدينة قبل الهجرة إليها بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصعب بن عمير ليقرئهم ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين فكان يسمى (مقرىء المدينة) وكان منزله على أسعد بن زرارة.
* أول جمعة في المدينة أقامها أسعد بن زرارة وكانوا أربعين رجلاً أمّهم مصعب بن عمير فقد كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليجمِّع بهم.
* إسلام أهل المدينة قبل الهجرة إليها:
أسلم خلق كثير من الأنصار على يد مصعب بن عمير بمعاونة أسعد بن زرارة فأسلم جميع بني الأشهل إلا عمرو بن ثابت، فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أُحد وقاتل وقُتل قبل أن يسجد لله سجدة واحدة فأُخبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (عَمِلَ قليلاً وأُجِرَ كثيراً) فلم تقف دار في المدينة من دور الأنصار إلا وفيها مسلمون إلا دار بني أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف وغيرهم تأخر إسلامهم إلى السنة الخامسة من الهجرة في عام الخندق.
* انتهاء المهمة الدعوية:
قبل حلول موسم الحج في السنة الثالثة عشرة من البعثة عاد مصعب بن عمير إلى مكة ليبشر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنجاح مهمته بتوفيق من الله عز وجل.
* بنود بيعة العقبة الأولى:
روى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عبادة بن الصامت الذي كان من حجاج المسلمين من المدينة صيغة هذه البيعة بقوله: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: (تعالوا بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوني في معروف فمن وفّى منكم فأجره على الله ومن أصاب شيئاً فستره الله فأمره إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه)».
* كانت بيعة العقبة الثانية في السنة الثالثة عشرة من مبعثه - صلى الله عليه وسلم - في موسم الحج.
* حجاج المدينة:
قدمت مجموعة كبيرة من مسلمي المدينة ضمن حجاج كثيرين من مشركي المدينة وكان زعيمهم جميعاً البراء بن مَعْور.
* تحديد الزمان والمكان للبيعة:
جرت اتصالات خفية أدّت إلى الاتفاق على تحديد الزمان والمكان لإبرام الاتفاق وهو من أعظم وأهم الاتفاقيات في تاريخ الإسلام.
* قصة اللقاء:
قال كعب بن مالك - رضي الله عنه - «... ثم خرجنا إلى الحج وواعدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند العقبة من أوسط أيام التشريق فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا في رحالنا لميعاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلاً ومعنا امرأتان من نسائنا: نسيبة بنت كعب - أم عمارة- وأسماء بنت عمرو بن عدي - أم منيع- فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جاءنا ومعه عمه العباس وهو يومئذ على دين قومه إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له فلما جلس كان أول متكلم العباس فقال: (يا معشر الخزرج إن محمداً منا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا ممن رأيهم مثل رأينا فيه فهو في عز من قومه ومنعة بلدة وأنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم) قال: فقلنا له: ( قد سمعنا ما قلت فتكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك ما أحببت) فتكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغب في الإسلام ثم قال: (أبايعكم على أن تمنعوني ما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم) وعندما تأكد لأسعـد بـن زرارة موقف قومه ضرب على يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (صافحه) مبايعاً ثم تتابع القوم رجلاً رجلاً لمبايعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مبشراً بالجنة من وفىّ بها.
* كيفية مبايعة المرأتين:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يصافح النساء فإنما كان يأخذ عليهنَّ فإذا أقررن قال: أذهبن فقد بايعتكن.
* النقباء:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: «أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيباً ليكونوا على قومهم بما فيهم».
فأخرجوا منهم اثني عشر نقيباً: تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس وجميعهم حضروا البيعة.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للنقباء: «أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء لكفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي قالوا: نعم» .
* صراخ الشيطان في العقبة:
بعد أن تمت البيعة وتعيّن النقباء كان القوم على وشك المغادرة صرخ الشيطان لكفار قريش فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالانصراف إلى منازلهم بمنى فلما أصبحوا جاء كفار قريش يسألون عن لقائهم.
* بنود بيعة العقبة الثانية:
قال عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -: «بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثره علينا وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقول الحق أينما كنّا لا نخاف في الله لومة لائم».
@ @ @
1- رؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل هجرته للمدينة.
2- أسباب هجرته - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة.
3- أول المهاجرين للمدينة.
4- آخر المهاجرين للمدينة.
5- الباقين من الصحابة في مكة.
6- الإذن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالهجرة للمدينة.
7- صحبة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -.
8- تآمر كفار قريش على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
9- نوم علي بن أبي طالب في فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الهجرة.
10- خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر الصديق من مكة إلى الغار في جبل ثور.
11- خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر الصديق من الغار في جبل ثور إلى المدينة.
12- قصة سراقة بن مالك - رضي الله عنه -.
13- قصة أم معبد الخزاعية - رضي الله عنها -.
14- فوائد من الهجرة المباركة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلي([63]) إلى أنها اليمامة أو هجر([64]) فإذا هي يثرب) رواه البخاري.
منذ أن أعلن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعوته إلى الله عز وجل تعرض للمضايقات والابتلاء والاضطهاد ومن معه من المسلمين خاصة بعد وفاة عمه أبي طالب التي كانت قبل هجرته إلى المدينة بثلاث سنوات حتى هاجر بعض أصحابه - صلى الله عليه وسلم - للحبشة مرتين وخرج - صلى الله عليه وسلم - للطائف ثم رجع إلى مكة ثم هاجر للمدينة.
قال بلال بن رباح - رضي الله عنه - عندما هاجر للمدينة: «اللهم العن شيبة ابن ربيعة وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء» رواه البخاري.
عن البراء بن عازب - - رضي الله عنهما - قال: «أول من قدم علينا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مصعب بن عمير وابن أم مكتوم فجعلا يقرئان القرآن ثم جاء عمار وبلال وسعد ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين ثم جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء به حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جاء» رواه البخاري.
* الخلاف في أول من هاجر للمدينة:
- القول الأول: ذكر البخاري أن أول من هاجر إلى المدينة مصعب بن عمير وعبدالله بن أم مكتوم.
- القول الثاني: ذكر ابن إسحاق وابن سعد وموسى بن عقبة أن أول من هاجر للمدينة أبو سلمة بن عبد الأسد.
* الجمع بين القولين:
ذكر ابن حجر أنه يمكن الجمع بين حديث أهل المغازي والسير وحديث البخاري وذلك أن أبا سلمة خرج لا لقصد الإقامة بالمدينة بخلاف مصعب وابن أم مكتوم خرج لقصد الإقامة بالمدينة وتعليم أهلها للإسلام بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - .
كان آخر ممن بقي من الصحابة عبد بن جحش - رضي الله عنه - وكنيته أبو أحمد وكان كفيف البصر أخو عبدالله بن جحش - رضي الله عنه - فلما أجمع عبد بن جحش إلى الهجرة كرهت امرأته ذلك وجعلت تشير إليه أن يهاجر إلى غير المدينة وامرأته الفرعة بنت سفيان بن حرب وهاجر بأهله وماله سراً إلى المدينة مع أخوه عبدالله بن جحش فوصلوا إلى المدينة فتملك أبو سفيان داره بمكة وباعها وباع كثيراً من دور المسلمين في مكة بعد هجرتهم إلى المدينة.
لم يبق في مكة إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعلي بن أبي طالب وقلة من المسلمين إما لحبسٍ أو غيره وبعضهم في الحبشة.
وكان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - كثيراً ما يستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الهجرة فيقول له الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحباً» فيطمع أبو بكر - رضي الله عنه - أن يكون هو الصاحب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاشترى راحلتين وأخذ يعلِّفهما لمدة أربعة أشهر كما ذكر ذلك ابن هشام رحمه الله في سيرته.
عن عبدالله بن عباس - - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة فأُمر بالهجرة وأُنزل عليه: [وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا] {الإسراء:80} رواه الترمذي وقال الألباني ضعيف الإسناد ورواه أحمد وصحح إسناده أحمد شاكر. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
* عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لجبريل من يهاجر معي؟ قال: أبو بكر الصديق.
قال الحاكم صحيح الإسناد والمتن ووافقه الذهبي.
* عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: بينما نحـن يوماً جلـوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة([65]) قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله متقنعا([66]) في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر فدى له أبي وأمي والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر.
قالت: فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأستأذن فأذن له فدخل فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر: أخرج من عندك فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال: فإني قد أذن لي في الخروج([67]) فقال أبو بكر: الصحبة([68]) بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نعم قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت وأمي يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بالثمن.
* عندما علم المشركون بما تم بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأنصار في العقبة الثانية وعندما رأوا المسلمين يهاجرون للمدينة خشي كفار قريش أن يخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقودهم نحو تحقيق ما يريد ولذا قرروا التخلص منه.
* قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري رحمه الله: «في يوم الخميس السادس والعشرين من صفر سنة أربع عشرة من المبعث أي بعد شهرين ونصف تقريباً من بيعة العقبة الثانية عقد زعماء قريش اجتماعاً خطيراً في دار الندوة ليتشاوروا في التخلص من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ».
* ماذا كان في الاجتماع الذي دار في دار الندوة ؟
قد ذكر الله تعالى في كتابه العظيم ما حدث في الاجتماع بقوله تعالى: [وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ] {الأنفال:30}.
لما اجتمع كفار قريش عند باب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو جهل: إن محمداً يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم ثم بُعثتم من بعد موتكم فجُعلت لكم جنات كجنات الأردن وإن لم تفعلوا كان له فيكم الذبح ثم بُعثتم من بعد موتكم ثم جُعلت لكم نار تحرقون فيها. ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بيته فأخذ حفنة من تراب في يده فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو الآيات الأولى من سورة يس حتى بلغ قوله: [فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ] {يس:9} فعندما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذه الآيات لم يبق أحد منهم إلا وقد وضع على رأسه التراب ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حيث أراد أن يذهب. فآتاهم رجل لم يكن معهم فقال: ما تنتظرون ها هنا؟ قالوا: محمداً قال: خيبكم الله! والله قد خرج عليكم محمداً ثم ما ترك منكم رجلاً إلا وضع على رأسه تراباً وانطلق لحاجته أفما ترون ما بكم؟ قال فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب ثم ينظرون إلى فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينظرون إلى رجل نائم ومغطي وجهه وبدنه ببُرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يبرحوا حتى أصبحوا فقام علي بن أبي طالب من فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال الكفار: والله لقد كان صدقنا الذي حدثنا.
* هل هناك فرق بين جبل النور وجبل ثور ؟
نعم: جبل ثور في جنوب مكة من جهة اليمن وفيه الغار الذي اختبأ فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر الصديق - رضي الله عنه - قبل الهجرة إلى المدينة. وأما جبل النور في شمال مكة من جهة الشام وفيه الغار الذي يتعبّد فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة والنبوة.
* ملاحظة عامة: لا يشرع الصعود إلى جبل النور وجبل ثور ولا تشرع إقامة أي عبادة عليهما لأن الأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة الصريحة والأصل في العبادات المنع والحظر إلا بدليل.
* خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر إلى الغار في جبل ثور:
خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر من مكة ليلاً ومعهما الراحلتان بعدما جهزّت عائشة وأسماء أختها الراحلتين وقطعت أسماء بنت أبي بكر نطاقها حتى يُربط فم الجراب وبذلك سميت ذات النطاقين.
وصل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر إلى الغار في جبل ثور فمكث فيه ثلاث ليالٍ يبيت عندهما عبدالله بن أبي بكر الصديق وكان غلاماً فعندما يصبح يرجع إلى مكة كأنه بائت معهم فلا يسمع أمراً يتآمرون به إلا وعاه حتى يرجع قبل غروب الشمس إلى الغار فيخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر ما يحدث في مكة. وكان الذي يرعى الأغنام حول الجبل عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق إلى وقت العشاء ليخفي آثار الأقدام بمشي الأغنام ويطعم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر الصديق من لبنها ومن لحمها لمدة ثلاث ليالٍ.
واستأجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر الصديق رجلاً من بني الديل وهو عبدالله بن الأريقط هادياً ماهراً بالطرق وكان يومها على دين كفار قريش وقيل أنه أسلم بعد ذلك واتفقا على أن يأتيهما براحلتين فـي صباح اليوم الثالث ومعهم عامر بن فهيرة ويخرجون على طريق الساحل.
* حال كفار قريش في مكة أثناء تواجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر الصديق t في الغار:
لما فقدت قريش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلبوه في كل مكان من مكة وبعثوا القافة في أثره في كل طريق وأعلنت مكافأة سخيّة لمن يأتي بأي منهما حيا أو ميتاً قدرها مئة من الإبل.
وقد وصل المطاردون إلى باب الغار ولكن الله غالب على أمره حتى قال الصديق الأكبر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما».
* خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر الصديق t من الغار في جبل ثور إلى المدينة:
عندما هدأ الطلب خرجا في صباح اليوم الثالث مع دليلهما عبدالله بن الأريقط وعامر بن فهيرة في اتجاه الجنوب نحو اليمن حتى إذا وصلوا إلى طريق لم يألفه الناس ثم اتجهوا نحو الشمال على مقربة من شاطىء البحر الأحمر.
* قال الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: «والذي نفسي بيده لتلك الليلة من أبي بكر خير من آل عمر». رواه الحاكم وقال: حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين.
* قافلة من الشام قادمة إلى مكة:
قال محمد بن شهاب الزهري أخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجاراً قافلين من الشام فكسا الزبير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثياب بياض. رواه البخاري.
قال سراقة بن مالك - رضي الله عنه -: فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج إذ أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال: يا سراقة إني قد رأيت آنفاً أشخاصاً بالساحل أراهما محمداً وأصحابه قال سراقة: فعرفت أنهم هم ثم لبثت في المجلس ساعة ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج فرسي وأخذت رمحي فركبت فرسي فعثرت بي فرسي فركبت حتى إذا سمعت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات وساخت (غاصت) يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها فنهضت فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة خرج غبار ساطع في السماء مثل الدخان فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ولم يسألاني إلا أن قال: «اخف عنا» فسألته أن يكتب لي كتاب آمن فأمر عامر بن فهيرة فكتب على رقعة من آدم ثم مضى وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسراقة بن مالك: كيف بك إذا لبست سواري كسرى. فلما أتى عمر بن الخطاب بسواري كسرى ومنطقته وتاجه دعا سراقة بن مالك فألبسه إياهما وقال له عمر: أرفع يديك فقال: الله أكبر الحمد لله الذي سلبها كسرى بن هرمز الذي كان يقول: أنا رب الناس وألبسها سراقة بن مالك من بني مدلج ورفع بها عمر صوته.
عن حبيش بن خالد صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من مكة مهاجراً إلى المدينة وأبو بكر ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة ودليلهما عبدالله بن الأريقط مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية وكانت امرأة برزة (طاعنة في السن) جلدة (قوية) تختبىء (تشبيك أصابع اليدين ووضعهما على الركبتين) تسقي وتطعم فسألوها لحماً وتمراً ليشتروا منها فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك وكان القوم مرملين مسنتين (عندهم قحط وجدب) فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى شاة في كسر الخيمة فقال: ما هذه يا أم معبد فقالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم قال: هل بها من لبن قالت: هي أجهد من ذلك قال: أتأذنين لي أن أحلبها؟ قالت: بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلباً فاحلبها.
فدعا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمسح بيده ضرعها وسمى الله تعالى ودعا لها في شاتها فتفاجت (فتحت رجليها للحلب) عليه ودرت فدعا بإناء يربض (يكفي القوم) الرهط فحلب فيه ثجاً (السائل) حتى علا البهاء (الرغوة) ثم سقاها حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا وشرب آخرهم حتى أراضوا ثم حلب فيه الثانية حتى ملأ الإناء ثم غادره عندها ثم بايعها على الإسلام ثم ارتحلـوا عنهـا فجـاء زوجها أبو معبد ومعـه أعنزاً عجافاً فلما رأى أبو معبد اللبن أعجبه قال: من أين لكِ هذا يا أم معبد والشاء عازب حائل ولا حلوب (بعيدة عن المرعى) في البيت قالت: لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حالـه كذا وكذا قال: صفيه لي يا أم معبد؟ فوصفت أم معبد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصفاً دقيقاً.
فقال أبو معبد: هذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر ولقد هممت أن أصاحبه ولأفعلن إلى ذلك سبيلاً .
* فائدة مهمـة:
- أفضل من وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرجال: هند بنت أبي هالة بن النباش التميمي ابن خديجة - رضي الله عنها - وخال الحسن والحسين - - رضي الله عنهما -.
- أفضل من وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من النساء: أم معبد الخزاعية - رضي الله عنها - .
* ملاحظة:
يختلف وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كثير من الروايات وهذا يعود إلى أمرين وهما:
1- الكمال والجمال البشري للنبي - صلى الله عليه وسلم - .
2- نظر الراوي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودقة ملاحظته وقوة تعبيره واختلاف الواصفين في هذا.
* الفوائد من الهجرة النبوية:
1- الهجرة منقبة خاصة لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - فقال القرطبي رحمه الله: «والذي يُقطع به من الكتاب والسُّنة وأقوال علماء الأمة ويجب أن تؤمن به القلوب والأفئدة فضل الصديق على جميع الصحابة».
2- الهجرة منقبة خاصة لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وقد قال - رضي الله عنه -: «عهد إليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق» رواه أحمد وإسناده صحيح.
3- أن حكم الهجرة لم يُنسخ بل هو باق إلى يوم القيامة فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إن الهجرة لا تنقطع ما كان الجهاد» رواه أحمد.
4- قارن الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله خروج موسى عليه السلام من مصر وخروج محمد - صلى الله عليه وسلم - من مكة فقال: «كان موسى عليه السلام خرج من مصر خائفاً على نفسه يترقّب كما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة يترقّب وصارت العاقبة لموسى ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن عاقبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفعله وأصحابه عذّب الله أعدائهم بأيديهم وعاقبة موسى عليه السلام بفعل الله عز وجل فهي عِبَر يعتبر بها الإنسان ليصلح بها نفسه وقلبه حتى يتبين له الأمر».
5- من أين بدء التاريخ الهجري؟
- عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: «ما عدّوا من مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا من وفاته ما عدا إلا من مقدمه المدينة» رواه البخاري.
- قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «اتفق الصحابة في سنة ستة عشر في الدولة العمرية على جعل ابتداء التاريخ الإسلامي من سنة الهجرة».
@ @ @
1- قدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة.
2- بناء المسجد.
3- قصة منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
4- فرض الأذان للصلاة.
5- تحويل القبلة.
6- حمّى المدينة.
7- المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين.
8- صحيفة المدينة.
9- تسمية المدينة.
10-الإذن بالقتال.
بعد خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه أبي بكر الصديق من مكة ومعهما عبدالله بن أريقط الدليله وعامر بن فهيرة الراعي وأهل المدينة يغدون كل غداة إلى الحرة ينتظرون هذا المقدم المبارك فطال بهم الانتظار وكان يردّهم إلى بيوتهم حر الظهيرة فانقلبوا يوماً بعدما طال انتظارهم فلما أووا أهل المدينة لبيوتهم رأى رجل من اليهود وهو على أطم من أطام حدود المدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فلم يتمالك اليهودي أن يقول: يا معشر العرب هذا جدكم الذي تنتظرون فثار السلاح وارتجت المدينة وأضاءت وكبّر المسلمون فرحاً وخرج أهلها يحيون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزل على كلثوم بن الهدم شيخ عمرو بن عوف وذلك في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صامتاً فجاء الأنصار يحيون أبا بكر ولم يرون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقبل أبو بكر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدما أصابته الشمس وظلل بردائه فعرف الناس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلبث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجد الذي أسس على التقوى وصلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ثم بعد ذلك ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بأمر الله عز وجل إلى بني النجّار أخواله - صلى الله عليه وسلم - فجاؤوا متقلدين بالسيوف وكانوا مئة رجل وكان ذلك يوم الجمعة فأدركهم الوقت فصلوا في وادي رانوناء في بني سالم بن عوف فكانت أول جمعة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة.
عندما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة بعد الجمعة مع أصحابه وقد خرج أهل المدينة من ديارهم يقولون: جاء محمد جاء رسول الله الله أكبر هلم إلى العددِ والعُدة والسلام والمنعة» وكل منهم يمسك خطام راحلته - صلى الله عليه وسلم - حتى وصل إلى موضع المسجد النبوي وهو يقول: «خلو سبيلها فإنها مأمورة» فعندما بركت في أرض بني النجّار أمام دار أبو أيوب الأنصاري (خالد بن زيد) أخذ أبو أيوب الرحل وأدخله بيته فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «المرء مع رحله» وأخذ أسعد بن زرارة الراحلة فمكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند أبي أيوب شهراً كاملاً.
كان رجال من المسلمين يصلون في ذلك المكان الذي بركت فيه الناقة وكان مربداً لتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين من بني النجّار في حجر أسعد بن زرارة فاشتراها منهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان في الحائط قبور للمشركين فأُمر ونبشت وسويت وقطعت النخل وسوّيت وصفوا النخل قبلة المسجد وينقل الصحابة الأحجار ويقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فانصر الأنصار والمهاجرة
وكان عمار بن ياسر من أنشط العاملين في البناء وكان يحمل حجرين عنه وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ظهره وقال: ابن سميّة للناس أجر ولك أجران وآخر زادك شربة من لبن وتقتلك الفئة الباغية. وقد قتل عمار في موقعة صفين.
واستغرق البناء اثني عشر يوماً وبعد ذلك بُنيت حجر لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وانتقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهما وكلما تزوج بُنيت له حُجرة وكانت حجراته قصيرة البناء قريبة الفناء وكان بناء المسجد والحجرات من جريد وطين وبعضها من أحجار مرصوصة وسقفها من جريد وقد أدخلت الحجرات إلى المسجد في زمن عبد الملك بن مروان.
قال عبدالله بن عمر - - رضي الله عنهما -: كان المسجد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبنياً باللبن وسقفه الجريد والأعمدة من خشب النخل فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً وزاد عمر وبناه على بنيانه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باللبن والجريد وأعاد الأعمدة خشباً ثم غيره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة وجعل الأعمدة من حجارة منقوشة وسقفه بالساج.
لم يكن في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منبرٌ يخطب عليه بل كان يخطب الناس وهو مستندٌ إلى جذع عند مصلاه فلما اتخذ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - منبراً من ثلاث درجات وعدل عن الجذع خار ذلك الجذع وحنّ حنين النوق العشار.
وارتج المسجد لخواره وكثر بكاء الناس حتى وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده فسكت فقال: إن هذا بكى لما فقد من ذكر الله والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه لم يزل هكذا إلى يوم القيامة ثم أمر بالجذع فدفن تحت المنبر.
قال الحسن البصري رحمه الله: يا معشر المسلمين الخشبة تحن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شوقاً إليه أوليس الرجال الذين يرجون لقاءه أحق أن يشتاقوا إليه فبكى رحمه الله.
* فُرض الآذان بالكيفية التي عليها الآن في السنة الأولى على الأرجح وذلك عندما رأى عبدالله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري في منامه صيغة الآذان فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالاً فأذن بها وعندما سمعه عمر بن الخطاب جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبره أنه رأى مثل رأى عبدالله بن زيد.
* قال سعيد بن المسيب رحمه الله: «كان الناس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يؤمر بالآذان ينادي النبي - صلى الله عليه وسلم - : (الصلاة جامعة) فيتجمع الناس».
* قال ابن سعد في الطبقات رحمه الله: «أن بلالاً - رضي الله عنه - زاد في آذان لصلاة الصبح: (الصلاة خير من النوم) فأقره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليست فيما أُري الأنصاري».
* قال النووي رحمه الله: «من حكمة الآذان للصلاة: إظهار شعائر الإسلام وكلمة التوحيد والإعلام بدخول الوقت والدعاء إلى الجماعة والله أعلم».
* كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بمكة إلى بيت المقدس والكعبة بين يديه فلما قدم المدينة وجَّه إلى بيت المقدس واستمر على ذلك بضعة عشر شهراً وكان يكثر الدعاء والابتهال أن يتوجَّه إلى الكعبة التي هي قبلة إبراهيم عليه السلام.
* خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائراً أم بشر بن البراء في بني سلمة فصنعت له طعاماً وحانت صلاة الظهر فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر بأصحابه في مسجدٍ هناك فلما صلى ركعتين نزل جبريل فأشار أن صلِّ إلى البيت وصلى جبريل إلى البيت فاستدار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الكعبة واستقبل الميزاب فتحولت النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين.
* خرج عبّاد بن بشر - رضي الله عنه - وكان ممن صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمر على قوم من الأنصار ببني حارثة وهم راكعون في صلاة العصر فقال: أشهد بالله لقد صليتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ البيت فاستداروا.
* قال عبدالله بن عمر - - رضي الله عنهما -: «وبينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ فقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل عليه قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة».
* قالت عائشة - رضي الله عنها -: قدمنا المدينة وهي وبيئة فاشتكى أبو بكر واشتكى بلال فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شكوى أصحابه قال: «اللهم حبّب إلينا المدينة كما حبّبت مكة أو أشد وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها وحول حمّاها إلى الحجفة». رواه البخاري وغيره.
* قال عبدالله بن عمر - - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رأيت كأن امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى قامت بهيعة وهي الحجفة فأولت أن وباء المدينة نُقل إليها». رواه البخاري.
* قال السهيلي رحمه الله: «آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه حين نزلوا المدينة ليُذهب عنهم وحشة الغربة ويؤنسهم من مفارقة الأهل والعشيرة ويشدَّ أزر بعضهم ببعض».
* قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك وكانوا تسعين رجلاً نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار آخى بينهم على المؤاساة يتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام إلى حين وقعة بدر فلما أنزل الله عز وجل: [وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله] {الأحزاب:6} والتوارث إلى الرحم دون عقد الأخوة» .
* يرى شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وابن كثير رحمهم الله: «أن المؤاخاة كانت بين المهاجرين والأنصار فلم يؤاخِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين بعضهم مع بعض لأن المهاجرين كانوا مستغنين بأخوة الإسلام وأخوة الدار وقرابة النسب عن عقد المؤاخاة».
* قال عبدالله بن عباس - - رضي الله عنهما -: «ما أُلغي من نظام المؤاخاة هو الإرث أما النصر والرفادة والنصيحة فباقية ويمكن أن يوصي ببعض الميراث بين المتآخين».
* عندما استقر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة وأراد أن ينظم العلاقات بين أهل المدينة كتب كتاباً بهذا الشأن. وعُرف في المصادر القديمة باسم (الكتاب) أو (الصحيفة) وأسماه الكتّاب في الوقت المعاصر (الدستور) أو (الوثيقة).
* هذه الوثيقة مهمة في تنظيم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمدينة وتنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم مع الدول والملل الأخرى وتنظيم السياسي في الإسلام ومضمون هذه الصحيفة على سبيل المثال:
1- تشكيل الأمة من حيث العقيدة والذي تشتمل على كل المسلمين أينما كانوا.
2- المساواة في المعاملات العامة.
3- منع إيواء المجرمين.
4- منع خروج اليهود من دون إذن محمد - صلى الله عليه وسلم - .
5- منع الظلم والعدوان في المال والعِرض وغيرهما.
6- منع الصلح المنفرد مع العدو.
7- فداء الأسرى.
8- وفاء الدين عن الغارمين.
9- حقوق الجار.
10-حرمة المسلم بأن لا يقتل بكافر.
11-تحريم المدينة.
وغيرها من هذه البنود وقد جاءت هذه عن طريق استقراء الأحاديث وصحة أسانيده على طريقة المحدثين.
* سميت المدينة في الصحيفة بيثرب ولكن فيما بعد كره الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - هذا الاسم فاستبدلت بها أسماء غيرها.
* روى مسلم في صحيحه عن جابر - رضي الله عنه - أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله تعالى سمّى المدينة: طابة».
* روى الطيالسي بإسناده أنهم كانوا يسمون المدينة بيثرب فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طيبة.
* عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال» رواه البخاري.
* وروى السيوطي وابن شيبة بإسناده إلى أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يُقال للمدينة يثرب.
* قال ابن حجر رحمه الله: «سبب كراهة تسمية المدينة بيثرب لأن يثرب إما من التثريب الذي هو توبيخ والملامة أو من الثرب وهو الفساد وكلاهما مستقبح وكان - صلى الله عليه وسلم - يحب الاسم الحسن ويكره القبيح».
* قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: «المدينة يقال لها المدينة النبوية لأن هذا ما يصفها به السلف ولأنه أشرف لها بنسبتها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ».
* ذكر في معجم البلدان أن للمدينة تسعة وعشرين اسماً يُراجع للفائدة في كتاب الأطلس التاريخي في السيرة النبوية من إعداد فضيلة الشيخ سامي المغلوث حفظه الله.
* روى ابن جرير الطبري بسنده إلى ابن عباس - - رضي الله عنهما - أنه قال: لما أُخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون ليهلكنّ فأنزل الله عز وجل: [أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ] {الحج:39} قال أبو بكر: فعرفت أنه سيكون قتال.
* وزاد أحمد في روايته لهذا الخبر أن عبدالله بن عباس - - رضي الله عنهما - قال: وهي أول آية في القتال.
* استقر المسلمون بالمدينة وهاجر إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فكانت المدينة دار الإسلام شرع الله جهاد الأعداء.
* لم يكن الجهاد فرضاً وإنما الأذن بالقتال لمن ظلم ثم فُرض فيما بعد بمن يقاتلهم وذلك عند نزول قوله تعالى: [وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ الله الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ] {البقرة:190}. ثم فرض الجهاد عليهم بقتال المشركين كافةً عند نزول قوله تعالى: [وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً] {التوبة:36}.
* تشريع الجهاد على أربع مراحل:
1- مرحلة الصبر دون القتال بمكة .
2- مرحلة الإذن بالقتال بعد الهجرة لمن ظلم.
3- مرحلة الأمر بالقتال من يبدؤهم بالقتال.
4- مرحلة الأمر بالقتال جميع المشركين.
@ @ @
1- مقدمة في الغزوات والسرايا.
2- غزوة الأبواء.
3- غزوة بواط.
4- غزوة العشيرة.
5- غزوة بدر الأولى (سفوان).
6- غزوة بدر الكبرى.
7- غزوة بني سُليم.
8- غزوة بنو قينقاع.
9- غزوة السويق.
10-غزوة ذو أَمَر.
11-غزوة بُحران.
12-غزوة أُحد.
13-غزوة حمراء الأسد.
14-غزوة بنو النضير.
15-غزوة بدر الموعد.
16-غزوة دومة الجندل.
17-غزوة بني المصطلق.
18-غزوة الأحزاب.
19- غزوة بني قريظة.
20- غزوة بني لحيان.
21- غزوة الحديبية.
22- غزوة الغابة.
23- غزوة خيبر.
24- غزوة ذات الرقاع.
25- عمرة القضاء.
26- فتح مكة
27- غزوة حُنين.
28- غزوة الطائف.
29- غزوة تبوك.
* أطلق المؤرخون اسم (الغزوة) على المجموعة أو الجيش من المسلمين الذي يقوده النبي - صلى الله عليه وسلم - .
* واسم (السريّة) على المجموعة أو الجيش من المسلمين الذي يقوده أحد أفراد المسلمين والمجموعة القليلة منها تسمى (بعث) وذلك للاستطلاع.
* كانت أول الخطوات في هذا الميدان إرسال سرايا وبعوث لسيطرة على خطوط والطرق التجارية شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً وعزل قريش عن الإمداد من القوافل من الشام والهدف هز اقتصاد قريش وإضعاف حلفائهم من بعض القبائل.
* شارك النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته قائداً ومقاتلاً في 28 معركة:
- المعارك في السنة الثانية للهجرة: «الأبواء- بواط - العشيرة - سفوان - بدر الكبرى- بنو سليم- بنو قينقاع - السويق) ثمان معارك.
- المعارك في السنة الثالثة للهجرة: «ذو أَمَر - بُحران- أُحد - حمراء الأسد» أربع معارك.
-المعارك في السنة الرابعة للهجرة: «بنو النضير- بدر الموعد» معركتين.
- المعارك في السنة الخامسة للهجرة: «دومة الجندل - بنو المصطلق – الأحزاب - بنو قريظة» أربع معارك.
- المعارك في السنة السادسة للهجرة: «بنو لحيان - الحديبية» معركتين.
- المعارك في السنة السابعة للهجرة: «الغابة – خيبر - ذات الرقاع - عمرة القضاء» أربع معارك.
- المعارك في السنة الثامنة للهجرة: «فتح مكة – حنين- الطائف» ثلاث معارك.
- المعارك في السنة التاسعة للهجرة: «تبوك» معركة واحدة.
* الخلاصة المهمة:
1- عدد الغزوات التي قادها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - 28 غزوة.
2- عدد الغزوات التي دار فيها القتال بين الطرفين 9 غزوات.
3- عدد الغزوات التي حققت أهدافها دون قتال 19 غزوة.
4- استمرت الغزوات 8 سنوات من 2 للهجرة إلى 9 للهجرة.
5- أكبر عدد الغزوات في العام الأول للغزوات 2 للهجرة فيها 8 غزوات وأقل عدد الغزوات في العام الثامن للغزوات 9 للهجرة وفيها غزوة واحدة .
6- بلغت عدد البعوث والسرايا 38 ما بين بعثٍٍ وسرية.
* فائدة:
أول غزوة غزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأبواء.
أول سرية بعثها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقيادة حمزة بن عبد المطلب في ربيع الأول في السنة الثانية للهجرة إلى سيف البحر من أرض جهينة.
الأبواء: قرية بينها وبين الجحفة ثلاثة وعشرون ميلاً.
خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شهر صفر من السنة الثانية للهجرة ويريد الاعتراض على عير قريش ويريد بني ضمرة فسار حتى بلغ الأبواء من ديار بني ضمرة فلم يلقَ حربا وكانت فرصة لموادعة بني ضمرة من كنانة على أن لا يعينوا عليه أحداً وكتب في ذلك كتاباً لزعيمهم مَحشيّ بن عمرو الضمري وهذه أول غزوة غزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
بواط: هي جبل من جبال جهينة من ناحية رضوى.
خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شهر ربيع الأول من السنة الثانية للهجرة في مائتين من أصحابه يعترض عيراً لقريش فيها أمية بن خلف ومئة رجل من قريش وألفان وخمسمائة بعير فبلغ بواطاً ثم رجع ولم يلقَ حربا.
العُشيرة: هي لبني مدلج بناحية ينبع.
خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شهر جمادي الآخرة من السنة الثانية للهجرة في مئة وخمسين من أصحابه ليعترض قافلة كبيرة لقريش في طريقها إلى الشام وبلغ العُشيرة وفاتت العيِّر عليهم وكانت سبباً لوقوع بدر الكبرى ودعى فيها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة على أن لا يعينوا عليه أحداً ثم عاد للمدينة ولم يلقَ حرباً .
خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شهر جمادي الآخرة في السنة الثانية للهجرة ومعه مائتان من أصحابه لمطاردة كرز بن جابر الفهري للاعتداء على مواشي ومراعي المدينة وتمت بذلك المطاردة ولم يدرك العدو فرجعوا إلى المدينة دون قتال.
بدر: اسم بئر حفرها رجل من غفار اسمه بدر.
تُسمى بدراً الكبرى أو العظمى أو بدر القتال أو يوم الفرقان وهذه التسمية الأخيرة جاءت في القرآن بقوله تعالى: [وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الفُرْقَانِ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ] {الأنفال:41} قال عبدالله بن عباس - - رضي الله عنهما -: (لأن الله تعالى فرّق بين الحق والباطل).
بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أبا سفيان خرج من الشام في ألف بعير لقريش فيها أموال عظيمة يقال: أنها خمسون ألف دينار ولا يحرس القافلة إلا عدد قليل من الرجال لا يتجاوزون السبعين رجلاً فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه (هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا لعل الله أن تغنموها). وخرج الصحابة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم السبت الثاني عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة وكان عددهم ثلاثمائة وبضعة عشرة رجلاً وكان معهم فرسان وسبعون بعيراً يتعقّبونها وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلي بن أبي طالب ومرثد الغنوي يتعقبون بعيراً. وفي هذا كان أبو سفيان يتتبع الأخبار فبلغ أبو سفيان خروج محمدٍ وأصحابه على القافلة واعتراضها واستأجر رجلاً اسمه ضمضم بن عمرو الغفاري إلى أن يشق قميصه من قُبل ومن دُبر ويأتي قريش في أنديتهم ويخبرهم بما فعل محمداً وأصحابه في المدينة في خروجهم على القافلة واعتراضها. وفي مقابل هذا الحدث خرج من مكة بعد وصول الخبر إليهم من ضمضم بن عمرو الغفاري قرابة تسعمائة وخمسون رجلاً ومئة فارس وسبعمائة بعير ولم يتخلف من أشرافهم إلا أبا لهب فإنه بعث في مكانه العاص بن هاشم بن المغيرة.
ولما بلغ الرسول - صلى الله عليه وسلم - الخبر بخروج النفير من مكة ومسيرهم إليهم ليمنعوا عيرهم فجمع الصحابة واستشارهم فقام أبو بكر فتكلم فأحسن ثم قام عمر فتكلم فأحسن ثم قام المقداد فقال يا رسول الله: امضِ لما أراك الله فنحن معك والله لا نقول كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون ولكن نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون ونقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك. فقال الراوي: «فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أشرق وجهه وسره ما قال المقداد». ثم قام سعد بن عبادة فقال يا رسول الله: «إيّانا تريد يا رسول الله والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخوض البحر لأخضناها ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الضماد لفعلنا». ثم قام سعد بن معاذ فقال يا رسول الله: «والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلّف منّا رجل واحد وما نكره أن نلقي عدونا غداً إنا لصبر في الحرب صدق عند اللقاء لعل الله يريك منّا ما تقرّ به عينك فسر بنا على بركة الله». فعندما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقوال الصحابة قال لهم: «سيروا وأبشروا فإن الله وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم».
ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى بدر قريباً من البئر ووصلت قريش حتى نزلت بالعدوة القصوى من الوادي وبينهم مسافة فأنزل الله جل وعلا في تلك الليلة مطراً كثيراً فكان على المشركين شديداً منعتهم من التقدم وكان على المسلمين طلاً وطُهراً لهم وأذهب عنهم رجز الشيطان ووطأ به الأرض وصلّب الرمال وثبّت الأقدام ومهّد به المنزل وربط على قلوبهم ولم يمنعهم من السير وسال الوادي فشرب المؤمنون وملأوا الأسقية وسقوا الركاب واغتسلوا من الجنابة وسار الجيش الإسلامي حتى نزل قريب من ماء بئر بدر بعد مشورة الحباب بن المنذر وأشار سعد بن معاذ أن يُبنى عريشاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - في مكان مرتفع على ميدان القتال وكان مع القائد الأعلى - صلى الله عليه وسلم - الصديق الأكبر وقام سعد بن معاذ عند باب العريش متوشحاً بسيفه فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ميدان القتال وهو يشير بيده لأصحابه هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان فقال الراوي: «ما أشار أحد بمكان حتى رأينا مصرع ما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ».
وفي ليلة المعركة وهي ليلة السابعة عشرة من رمضان ليلة الجمعة أصاب المسلمون نعاساً فناموا فقال علي بن أبي طالب: «ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي تحت الشجرة». فرأى المشركون المسلمون فهابهم مما رأوا وهم قلة فترددوا بينهم وقال لهم أبو جهل بعدما سمع ما تناقله في صفوفه: «والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمدٍ وأصحابه «فأفسد على الناس رأيهم وحميت الحرب».
وفي صبيحة الجمعة صفّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه صفوفاً متراصة ثم خرج من صفوف المشركين عُتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة بن ربيعة فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «قم يا عبيدة بن الحارث قم يا حمزة قم يا علي» فتعاون الصحابة الثلاثة فقتلوا المشركين الثلاثة ورجعوا إلى صفوفهم. وأثناء تسوية الصفوف مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسواد بن غزيّة وهو خارج الصف فضرب في بطنه بالقضيب وقال: «استقم يا سواد» فقال يا رسول الله: «أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل قأقدني (يعني مكنّي من نفسك للقصاص)» فكشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطنه وقال: «استقد» فاعتنقه سواد وقبّل بطنه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «وما حملك على هذا يا سواد؟» فقال: يا رسول الله حضر ما ترى (يعني موطن الشهادة) فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدك جلدي فدعا له الرسول - صلى الله عليه وسلم - بخير وقال له خيراً.
وتزاحم وتزاحف والتحم الصفين في معركة يشهدها التاريخ ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - القائد الأعلى يناشد ربه وهو تحت العريش ويقول: «اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإيمان اليوم فلا تُعبد في الأرض أبداً» وأبو بكر الصديق يقول: يا رسول الله بعض مناشدتك لربك فإن الله منجز لك ما وعدك ، وأخذتِ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - سنةٌ من النوم ثم استيقظ مبتسماً فقال: «أبشر يا أبا بكر هذا جبريل على ثناياه النقع» ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العريش وهو يقول: [سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ] {القمر:45} وجاء إلى صفوف المسلمين ويحرضهم ويشد من أزرهم ويعدهم بالجنة على الموت في سبيل الله وعندما اشتد الوطيس وتوالت الإمدادات الإلهية بجند الله من الملائكة لتثبيت قلوب المؤمنين وتزفّ لهم البشرى ويُلقي في قلوب الذين كفروا الرعب وتشارك في القتال ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - معهم يقاتل وجبريل والملائكة والصحابة حتى قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: لقد «رأينا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أقربنا إلى العدو وكان من أشد الناس يومئذ بأساً». ودارت الدائرة على أعداء الله ورسوله ومضى المسلمون الأبطال يقتلون ويأسرون من هؤلاء الكفّار وقُتل من صناديد قريش وأشرافهم ما يزيد على سبعين رجلاً منهم عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة وابنه في المبارزة في أول المعركة وقتل أبو جهل والذي قتله معاذ ومعوّذ بن عمرو بن الجموح فتيان من الأنصار وحز رأسه ابن مسعود وسُحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحبل ربُط بأذنه إلى العريش وعند زوال الشمس ذلك اليوم العظيم رجعت فلول قريش منهزمين مدحورين صاغرين أذلين إلى ديارهم وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدفن قتلاهم في القليب. وأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرسل إلى المدينة مكبّرين مهللين حامدين مبشرين بنصر الله العظيم.
وحكم الله في الغنائم بعدما اختلفوا فيها فأنزل جل وعلا أول آيات سورة الأنفال وفي اليوم الثالث من بعد ما انتهت المعركة رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة ومر على القليب الذي دفن فيه القتلى من الكفّار وقال لمن فيها بأسمائهم: «يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله؟ هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً» فقال عمر: يا رسول الله كيف تكلم أجساداً لا أرواح فيها؟ فقال: «والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم».
وعندما وصل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ومعهم سبعون أسيراً وفرّقهم بين الصحابة وأوصاهم خيراً بهم حتى حكم الله فيهم بالفداء ومنّ على بعضهم لكونهم فقراء وبعضهم على تعليم الصحابة وتعليم الغلمان القراءة والكتابة. وقد استشهد من الصحابة أربعة عشر رجلاً ستة من المهاجرين وستة من الخزرج واثنان من الأوس وانتهت بذلك هذه المعركة التاريخية العظيمة.
لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة من بدر لم يقم بها إلا سبع ليال حتى غزا بنفسه يريد بني سُليم وذلك في شوال من العام الثاني من الهجرة فبلغ ماء من مياههم يقال له: الكدر فأقام عليه ثلاث ليالي ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حرباً وكان سبب خروجه ما بلغه أن بهذا الموضع جمعاً من سُليم وغطفان يخططون لحرب المسلمين.
وقعت هذه الغزوة في شهر شوال من السنة الثانية للهجرة وسبب هذه المعركة أن اليهود أظهروا الحسد عندما انتصر المسلمون في بدر ويذكر أن سبب المعركة أن يهودياً عقد طرف ثوب امرأة مسلمة في سوق بني قينقاع فلما قامت انكشفت فصاحت مستنجدة بالمسلمين وقام أحد المسلمين فقتل اليهودي ثم اجتمع عليه اليهود وقتلوا المسلم فحاصرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنهم كانوا حلفاء لرأس المنافقين أُبيّ بن سلول وخشى المسلمون منهم الخيانة فكان الحصار خمس عشرة ليلة وعندما اشتد الحصار نزلوا على حكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أن للمسلمين أموالهم وأن لهم النساء والذرية فأجلاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصحابة من المدينة وتولى أمر ذلك عبادة بن الصامت وتولى قبض الأموال محمد بن مسلمة فقسّمت الأموال بين الصحابة بعد إخراج الخُمس للرسول - صلى الله عليه وسلم - .
وقعت هذه المعركة في شهر ذي الحجة من السنة الثانية من الهجرة فوصل أبو سفيان إلى أطراف المدينة سراً في مائتي فارس ولجأ إلى بني النضير ثم قام بمهاجمة واد بالمدينة فقتل رجلين وحرّق نخلاً وفرّ إلى مكة ولحق به المسلمون حتى وصلوا إلى قرقرة الكُدر في أطراف المدينة وسميت بغزوة السويق لأن الغالب في أكلهم السويق.
والسويق: الحنطة أو الشعير المحمصة تطحن وتُخلط بالسمن واللبن والعسل والماء ويكون زاداً للمسافر.
بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن غطفان تجمعت في ذي أمر من نجد فسار إليهم وعندما علموا بذلك فروا وكان عدد المسلمين أربعمائة وخمسون رجلاً وكان ذلك في الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الثالثة من الهجرة.
وذكر الواقدي وابن سعد وقوع قصة دعثُور المحاربي في هذه الغزوة وهي: أن في طريق العودة من ذي أمر قد أصيبوا بالمطر فابتل ثوب النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم نزع ثيابه فنشرها على شجرة لتجف ثم اضطجع تحت الشجرة والأعداء ينظرون فأغروا سيدهم دعثُور لقتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندما وقف عند رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والسيف بيده قال: من يمنعك مني اليوم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «الله» ودفعه جبريل عليه السلام حتى وقع السيف منه فأخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: من يمنعك مني اليوم؟ فقال: لا أحد. فأسلم وعاد وحكى لقومه وأخبرهم بما حدث وأخذ يدعوهم للإسلام.
خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثمائة من الصحابة يريد قريشاً وبني سُليم ووصل إلى بُحران من ناحية الفرع على الطريق التجاري بين مكة والشام ولم ينشب قتال بين الطرفين وكان ذلك في شهر جمادي الأولى من السنة الثالثة من الهجرة.
اتفق كتّاب السيرة على أن غزوة أُحد وقعت في شوال من السنة الثالثة للهجرة.
وسبب الغزوة انتقام قريش لقتلاها في بدر. وكانت قريش قد خصصت قافلة أبي سفيان التي نجت من المسلمين وأرباحها لتجهيز جيشهم لغزوة أُحد وفيها ثلاثة آلاف مقاتل من قريش ومن أطاعها من كنانة وأهل تهامة ومعهم مئتا فرس وسبعمائة درع وجُعلت الميمنة لخالد بن الوليد والميسرة لعكرمة بن أبي جهل وخرجت معهم النساء لإثارة وحماسهم وتشد من أزرهم وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل المعركة: «أنه هز سيفاً فانقطع صدره وهي ما أصيب من المؤمنين يوم أُحد ثم هزه مرة أخرى فعاد كأحسن ما كان فإذا هو نصر الله والفتح واجتماع المؤمنين». ورأى النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل المعركة: «بقراً تنخر فإذا هم المؤمنون يوم أُحد». ورأى النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل المعركة: «أنه في درع حصينة فأولها بالمدينة».
شاع الخبر في المدينة بقدوم قريش وأرجفت اليهود والمنافقون فيها ووصل المشركون في ظاهر المدينة عند جبل عينين وبات الأوس والخزرج يحرسون باب النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستشارهم - صلى الله عليه وسلم - في طريقة القتال أن تكون في المدينة في أزقتها وشوارعها وإلا أن يخرجوا إليهم لقتالهم خارج المدينة فأشا أكثر الشباب ومن لم يشهد بدراً الخروج للعدو وبعد صلاة العصر من يوم الجمعة اجتمع الناس ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيته فاستشار بعض الصحابة مع بعضهم لعلهم أكرهوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعد خروجه - صلى الله عليه وسلم - وقد لبس لأمته (الدرع) وتقلّد السيف. ندم بعض الصحابة بالخروج للقتال خارج المدينة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه» وسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه قرابة ألف رجل فلما كان في مكان قريب من أُحد يسمى الشوط انسحب رأس النفاق أُبي بن سلول بثلاثمائة من أصحابه فقال: «أطاعهم وعصاني علام نقتل أنفسنا ها هنا» فرجع بمن اتبعه من قومه من أهل النفاق والشك. واستعرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجيش بعد انسحاب المنافقين فرد الغلمان والصغار الذين لا يطيقون القتال وأجاز بعضهم ممن يطيق القتال. ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع الجيش بجانب الوادي جاعلاً ظهره إلى جبل أُحد ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم وفي صباح يوم السبت تهيأ للقتال ومعه سبعمائة رجل واستعمل على الرماة وهم خمسون رجلاً على الجبل عبدالله بن جبير وأمرهم أن لا يبرحوا مكانهم حتى وإن انتصر المسلمون لئلا يأت المشركون من ورائهم وقد لبس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ درعين واصطف المشركون والمسلمون وخرج للمبارزة من المشركين طلحة بن أبي طلحة وخرج من المسلمين الزبير بن العوام وتقابلا فوثب الزبير على راحلة طلحة وذبحه بسيفه ورجع فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له: «إن لكل نبي حوارياً وإن حواريّ الزبير بن العوام».
وبعد ذلك التحم الجيشان وحمي الوطيس وتعانقت السيوف وقاتل الصحابة خير قتال وقتل وحشي أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب بحربته ليس له هم في المعركة إلا قتله لحريته ففعل وأسلم بعد ذلك وحشي - رضي الله عنه - وقد قتل مسيلمة الكذاب مدّعي النبوة في اليمامة بالحربة التي قتل بها حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه -.
وقد حضر في المعركة الملائكة يتقدمهم جبريل عليه السلام وسُحق جيش الكفار وانتصر المسلمون في أول المعركة ورجع جيش الكفار من ساحة المعركة وأخذ الصحابة الغنائم فرآهم أهل الجبل من الرماة ونزل بعضهم وأمرهم أميرهم عبدالله بن جبير أن يبقوا حتى يأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتركوا أمره ولما رأى المشركون جبل الرماة استدار خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل وقتلوا القلة من المسلمين من كان على الجبل وأصيب سبعون من الصحابة وتفرقت جموع المسلمين وضعفت قوتهم واضطربت الصفوف وأراد المشركون قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحماه أصحابه بقلوبهم قبل أبدانهم وفر بعض المسلمين وبعضهم قاتل عن دينه وأُشيع في أرض المعركة قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثبت حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القلة من الصحابة حتى أصيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجراح وكسرت رباعيته وجُرحت شفته السفلى وشج رأسه ودخلت حلقتا المغفر التي على رأسه في وجنتيه حتى أخرجها أبو عبيدة بن الجراح بثناياه حتى سقطت من شدتها وغوصها في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ولما وقعت الهزيمة بسبب مخالفة الرماة لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقُتل من قُتل من المسلمين انطلق المشركون بالتمثيل بالشهداء وهم قرابة السبعين رجلاً أغلبهم من الأنصار فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدفنهم في أماكنهم ويقدم صاحب القرآن وكان يجمع الاثنين في ثوب واحد ورجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وأصحابه والمنافقون يشمتون فيهم واليهود خرج الحسد الذي في قلوبهم وأنزل جل وعلا ستين آية من سورة آل عمران تتحدث عن معركة أحد وما دار فيها من القتال والأحداث من أول الآية الحادية والعشرين بعد المئة.
أراد المشركون أن يعودوا على المسلمين مرة أخرى بعد انتصارهم في غزوة أحد فلما علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك أمر الصحابة الذين شهدوا أُحداً أن يخرجوا إلى حمراء الأسد ليلحقوا بالمشركين فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسولاً إليهم أن يعودوا إلى مكة وكانت هذه الغزوة في اليوم الثامن من شهر شوال من السنة الثالثة للهجرة وتقع حمراء الأسد قريباً من ميقات ذو الحليفة جنوب المدينة النبوية.
من المعروف أن اليهود من بني النضير حرضوا المشركين على قتال المسلمين فكانت بها غزوة أُحد وأعانوا على إغارة أبي سفيان على أطراف المدينة مما أدى إلى مطاردة المسلمين له وتسمى هذه المطاردة بغزوة السويق وكذلك كان كعب بن الأشرف زعيم يهود بني النضير يقرض الشعر في هجاء المسلمين وتحريض قريش عليهم ومحاولات يهودية في قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - .
عندما صدر منهم ما صدر هؤلاء اليهود من بني النضير طلب منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخروج من المدينة خلال عشرة أيام وعندما أرادوا الخروج جاء رأس الكفر والنفاق أُبي بن سلول وحرض اليهود على العصيان ووعدهم بأن يكون معهم وحاصرهم المسلمون بعدما علموا ذلك وفي سورة الحشر بيان عظيم لهذه الأحداث العظيمة.
ثبت في القرآن والسُّنة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرّق وقطّع بعض نخل بني النضير خلال مدة الحصار وأجلى اليهود من بني النضير من المدينة إلى الشام ومنهم خيبر وفيهم أشرافهم وأسلم اثنين منهم وكانت أموالهم ونخيلهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النفقة والسلاح والعُدة في سبيل الله عز وجل وقُسِّمت الأراضي بين المهاجرين ولم يعطَ من الأنصار إلا سهل بن حنيف وأبو دجانة لفقرهما وعلى هذا الأجلاء لم يتوقف زعماء اليهود من مكرهم ومكائدهم حتى بعد إجلاهم وذلك بتحريض من كان في المدينة ومن كان حولها فكانت غزوة الخندق وقد وقعت غزوة بني النضير في شهر ربيع الأول من السنة الرابعة للهجرة.
خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شهر شعبان من السنة الرابعة للهجرة لموعده الذي التزم به لأبي سفيان في يوم أُحد وكان معه ألف وخمسمائة من الصحابة وعشرة أفراس ووصل إلى بدر وانتظر بها المشركين ثمانية أيام وأما المشركون فخرجوا حتى وصلوا إلى مر الظهران على بعد أربعين كيلاً من مكة ثم عاد المشركون ويتقدمهم أبو سفيان لمكة بحجة أن العام عام جدب وصار هذا الموقف عظيم في استعادة هيبة المسلمين بعد انتكاسة يوم أُحد.
بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قبائل حول دومة الجندل تقطع الطريق وتنهب الناس وتريد مهاجمة المدينة فبادرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرج إليهم في ألف من المسلمين وكان الجيش يسير ليلاً ويستريح في النهار اتقاء حرارة الشمس حتى وصل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى دومة الجندل وأخبره الدليل بوجود قطعان من الماشية والإبل واستولى عليها المسلمون ونزل عند منازلهم ولم يجدوا أحداً حيث إن أهالي دومة الجندل هربوا خوفاً من مواجهة الجيش الإسلامي وبقوا فيها وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السرايا ثم بعد مكثهم أياماً رجعوا إلى المدينة في العشرين من شهر ربيع الآخر من السنة الخامسة.
تسمى هذه الغزوة بغزوة بني المصطلق أو المريسيع والمصطلق: لقب لشخص اسمه جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بطن من بني فزاعة. والمريسيع: ماء لبني خزاعة بينه وبين الفرع مسيرة يوم.
وقعت هذه الغزوة في السنة الخامسة من الهجرة في شهر شعبان. وكانت آثار غزوة أُحد أن تجرأ بعض الأعراب على محاربة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأن بني المصطلق قد أجمعوا لغزو المدينة بمناصرة بعض القبائل وتأكد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الخبر بإرسال بريدة بن الحصيب الأسلمي وقد أغار عليهم الجيش الإسلامي وبني المصطلق عند الماء وأنعامهم تُسقى فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم وأصاب جويرية بنت الحارث بنت زعيمهم الحارث بن أبي ضرار ولم يقتل من المسلمين إلا واحداً خطأ وهو هشام بن صبابة. وكانت جويرية بنت الحارث من نصيب ثابت بن قيس الأنصاري وعندما قدمت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشكت إليه فأخبرها بأن يكون عتقها بزواجها منه فقبلت وأطلق الناس ما كان من بني المصطلق وقالوا: أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعتق بزواجها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مئة من أهل بيت بني المصطلق فهي أعظم امرأة بركة على قومها.
وفي هذه المعركة حدث أمران عظيمان وهما:
الأول: أن رأس المنافقين عبدالله أُبي بن سلول أثار المنافقين في رجوعهم إلى المدينة وأطلق أن الذل للمسلمين وغير ذلك فسمع بعض الصحابة ما قاله أُبي بن سلول فقال عمر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (مر به عباد بن بشر فليقتله) ورفض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندما سمع أُبي جاء ليحلف عند رسول الله أنه ما قال شيئاً وعندما سمع ابنه الصحابي الجليل عبدالله بن أبي بن سلول أراد قتل أبيه فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أن نحسن إليه ما بقي معنا» وعندما وصلوا إلى حدود المدينة وقف الابن الصحابي وأوقف أباه رأس النفاق ولم يدخله المدينة إلا أن يأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأذن له ودخل.
الثاني: قصة الإفك وذلك بخروج عائشة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدما نزلت آيات الحجاب وفي الرجوع إلى المدينة وهي على الهودج فقدت عقداً لها فبحثت عنه وقد سار الرحل يحسبون أنها في هودجها وبعد مسير الجيش وجدت عائشة العقد تحت رحلها فجلست وغلبها النوم ومر بها صفوان بن المعطل وهو في آخر الجيش فعرفها وخمّرت وجهها وكان يعرفها قبل الحجاب وما كلمها وما كان يقول إلا: «إنا لله وإنا إليه راجعون» وأناخ راحلته وركبت الراحلة وقد وصلوا إلى الجيش عند الظهيرة ووصلوا إلى المدينة وتولى الإفك رأس النفاق عبدالله بن أُبي بن سلول ولم تعلم عائشة بما أُشيع عنها إلا بعد زمان من أم مسطح فمرضت عائشة في بيتها وواساها أبوها وأمها ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرابة شهراً كاملاً ولم ينزل وحياً ببراءتها فعندما نزل الوحي في الآيات العشر من سورة النور استبشرت عائشة - رضي الله عنها - بالبراءة مما نُسب إليها.
تسمى غزوة الخندق نسبة للخندق الذي حفره المسلمون فيها. ووقعت هذه الغزوة في شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة.
وسبب الغزوة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أجلى بني النضير وساروا إلى خيبر وبها من اليهود أصحاب عدد وجند وبيوت وأحساب فخرج بعض زعمائهم إلى مكة فدعوا أتباعهم إلى حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم الذين حزّبوا الأحزاب فاجتمعت القبائل بتحريض اليهود وزعامة أبي سفيان وكان عدد الأحزاب عشرة آلاف رجل متجهين إلى حرب المسلمين في المدينة.
فعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخندق وسارعوا في إنهائه قبل وصول الأحزاب وقد استعاروا المساحي والمكاتل والكرازين للحفر من بني قريظة وأثناء عمل الصحابة الخندق كان يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للمهاجرين والأنصار» وكان المنافقون يتهربون من حفر الخندق وأصاب المسلمون المجاعة فدعا سهل بن سعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه رجلان على شعير وعناق فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الخندق وقد تجاوزوا ألف رجل فسمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونفث في الطعام فأكل أهل الخندق وأطعموا أهل المدينة وبقي لأصحاب البيت وأثناء حفر الخندق تعرضت صخرة لصحابة لا تأخذها المعاول فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «بسم الله» وضربها وكسر ثلثها وكل ما ضرب الصخرة قال: (الله أكبر أُعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة، الله أكبر أُعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض، الله أكبر أُعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذه الساعة) حتى لم يبق في الصخرة شيئ وعند وصول الأحزاب بقرب المدينة أتى زعيم بني النضير حُييّ بن أخطب إلى زعيم بني قريظة كعب بن أسد على أنه ينقض الموادعة والاتفاقية مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففعل بعد محاولات الرفض وعندما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتأكد من الخبر دب في المدينة الخوف وعظم البلاء وخيف على النساء والأطفال والذراري وقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أبشروا يا معشر المؤمنين بنصر الله تعالى وعونه» وتناقل المنافقون الأخبار والتثبيط في صفوف المسلمين حتى قال أحدهم: محمد يعدنا أن نأخذ كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط. وظلت مناوشات المشركين للمسلمين وتراشقهم بالنبل دون انقطاع طيلة الحصار حتى أنهم شغلوا المسلمين يوماً عن أداء صلاة العصر فصلوها بعد غروب الشمس وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في دعائه: «اللهم منزّل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وزلزلهم».
وفشلت محاولات المشركين في اقتحام الخندق وقُتل من اقتحمه واستشهد من المسلمين ستة منهم سعد بن معاذ واستمر الحصار لمدة أربع وعشرين ليلة وقد كفى الله المؤمنين القتال وذلك بطريقتين وهما:
الأولى: جهود نُعيم بن مسعود - رضي الله عنه - الذي أسلم دون أن يشعر قومه بذلك فسعى بإذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى التفريق بين اليهود والمشركين حتى قال لبني قريظة لا تبدؤوا بالحرب ضد محمد إلا إذا كانت قريش تعطيكم رهائن كي لا يذهبوا ويتركونكم وحتى قال كذلك لقريش: أن بني قريظة سيطلبون منكم رهائن ثم يسلمونها إلى محمد دليلاً على توبتهم من نقض العهد وهكذا فرّق الله قلوبهم وأذلهم وأنشأ بينهم سوء الظن.
الثانية: هبوب ريح شديدة لم تدع لجيش المشركين خيمة إلا أسقطتها ولا قِدْراً إلا أكفأته ولا ناراً إلا أطفأتها حتى اضطروا إلى إعلان الرحيل يجرون أذيال الخيبة والفشل حتى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (الآن نغزوهم ولا يغزوننا نحن نسير إليهم).
بعد رجوع الأحزاب وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلاحه فجاءه جبريل عليه السلام فقال: (أوضعت السلاح والله إن الملائكة لم تضع أسلحتها فانهض بمن معك إلى بني قريظة فإني سائر أمامك أزلزل بهم حصونهم وأقذف في قلوبهم الرعب فسار جبريل في موكبه من الملائكة).
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: (كأني أنظر إلى الغبار ساطعاً في زقاق بني غنم موكب جبريل حين سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني قريظة) .
وعن ابن عمر - - رضي الله عنهما - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب: (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة).
وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة آلاف مقاتل معهم ست وثلاثون فرساً وضُرب الحصار على بني قريظة بضع عشرة ليلة حتى نزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطلب الأوس الإحسان إلى حلفائهم بني قريظة كما أحسن إلى بني قينقاع حلفاء الخزرج فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم) قالوا: بلى قال: (فذاك سعد بن معاذ) قالوا: قد رضينا فحكم سعد بن معاذ: أن يقتل مقاتليهم وتسبى ذراريهم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (قضيت بحكم الله) فأسلم بعضهم قبل نزول الحكم من سعد بن معاذ وبعد نزول الحكم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحفر خندق وضربت أعناق مقاتليهم الرجال وامرأة واحدة قتلت سويد بن الصامت - رضي الله عنه - وأُتي بحيي بن أحطب زعيمهم وعليه حُلة وقد جمعت يداه إلى عنقه فلما نظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: «أما والله ما لمتُ نفسي في عداوتك ولكنه من يخذل الله يُخذل» ثم جلس فضربت عنقه وقد وقعت هذه الغزوة في أواخر شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة.
بنو لحيان هم الذين غدروا ببعض الصحابة وقتلوهم وكانت ديارهم قريبة من حدود مكة ولوجود بعض الثارات بين المسلمين وقريش والإعراب رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يتوغل في البلاد القريبة من العدو الرئيسي وهم قريش وبعدما وهنت وضعفت عزائم الأحزاب رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ بثأر أصحابه من بنو لحيان فخرج إليهم في مائتي صحابي في ربيع الأول سنة ست من الهجرة النبوية واستخدم التورية والتعمية إذ خرج كأنه قاصد الشام والتف حتى وصل بطن غُران قريباً من بنو لحيان فلما سمعت بقدوم جيش المسلمين هربوا إلى رؤوس الجبال وسمعت قريش بذلك فدخل في قلوبهم الرعب وأراد المشركون الهجوم على المسلمين في حال صلاتهم فأنزل الله على رسوله صلاة الخوف كما في سورة النساء وعندما رأى المشركون ذلك رجعوا إلى ديارهم ورجع المسلمون إلى المدينة.
كان سبب هذه الغزوة رؤيا رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه دخل البيت هو وأصحابه وطافوا بالبيت وحلّق بعضهم وقصّر بعضهم وأخبر بذلك أصحابه واستبشروا بالرؤيا خيراً.
فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شهر ذي القعدة سنة ست من الهجرة النبوية ومعه الأنصار والمهاجرون والأعراب وساق معه الهدي وأحرم بالعمرة ليأمن الناس من حربه وليُعلم أنه خرج زائراً لهذا البيت معظماً له.
فحاولت قريش منعه حتى أقاموا على حدود مكة لمنعه فأرسل إليهم رسولاً يخبرهم أنهم لم يأتوا للقتال وإنما جاؤوا معتمرين وآذوا رسولهم وعقروا ناقته وأُرسل عثمان لقريش ليبين لهم سبب قدومهم لمكة وأشيع أن عثمان قد قتل فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للبيعة فأخذ بيد نفسه وقال هذه عن عثمان ولم يتخلف أحد عن البيعة إلا الجد بن قيس ولما تمت البيعة رجع عثمان وأرسلت قريش سهيل بن عمرو فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقبلاً قال: (قد سهل لكم من أمركم) وعندما وصل تكلم سهيل ثم جرى الصلح بينهما وكان بينهما كتاباً كتبه علي بن أبي طالب وفي الصلح وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهم الناس ويكف بعضهم عن بعض ومن أتى من قريش إلى محمد بغير أذن يرد عليهم ومن جاء قريشاً من محمد لم يردوه.
ولما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الصلح قال: (قوموا فانحروا ثم احلقوا) فما قام رجل منهم فقام ودخل إلى أم سلمة فذكر لها ما لقي الناس فقالت أم سلمة أخرج ثم لا تكلم أحداً منهم حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك فعندما فعل ذلك قام الناس وفعلوا مثله حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً ورجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وقد أُنزلت عليه أول آيات من سورة الفتح.
وقعت هذه الغزوة في السابع من شهر محرم من السنة السابعة من الهجرة النبوية وسببها إغارة عبدالرحمن بن عيينة بن حصن الفزاري من بنو غطفان على أبل للمسلمين بالغابة فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخمسمائة رجلاً لمطاردته فبقوا في مكان اسمه ذو القرد قريباً من المدينة مدة خمسة أيام وقُبض عليه وقتلوه وأخصلوا الإبل المسروقة، وهرب باقي المشركين ورجع المسلمون إلى المدينة.
لما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحديبية مكث شهرين تقريباً وخرج إلى خيبر وأمر أن لا يخرج معه إلا من شهد الحديبية وكان عددهم ألفاً وستمائة وثلاثمائة فرس وحاصر المسلمون اليهود في خيبر متحصنين في حصونهم فأسقطها المسلمون واحداً تلو الآخر واليهود يقاومون أشد المقاومة وهم يعلمون أنهم خاسرون فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب ومعه الراية فاتحاً الحصون فاستقبل مرحب اليهودي وقتله وخرج أخوه مرحب واسمه ياسر وقتله الزبير بن العوام وفتحت حصون اليهود وسقطت في أيدي المسلمين واصطلح اليهودي على أن يخرجوا منها على أن يحقن دمائهم وبعضهم يزرع فيها للمسلمين وبهذا فتحت خيبر وصارت تحت القيادة الإسلامية بعد قتل ثلاثة وتسعين رجلاً من اليهود وسبيت نسائهم وذراريهم ومنها صفية بنت حيي بن أخطب التي كانت في سهم دحية الكلبي فاشتراها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعتقها وتزوجها.
خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعض أصحابه بعد فتح خيبر إلى ذات الرقاع من نخل فلقي جمعاً من غطفان وأخاف الناس بعضهم بعضاً وسميت ذات الرقاع لأن الصحابة تنقبت أقدامهم ولفوا عليها الخرق ثم رجعوا إلى المدينة.
خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة سبع من الهجرة بعد استدارة العام من الشهر الذي صده المشركون فيه عن مكة وساق معه ستين بدنة وحمل السلاح ومائة فارس وأحرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الذين شهدوا صلح الحديبية وغيرهم فكانوا ألفا رجل سوى النساء والصبيان وتوجهوا إلى مكة وهم يلبون بالعمرة فخرجت قريش من مكة إلى رؤوس الجبال وعند وصولهم إلى المسجد الحرام وحبس الهدي عند ذي طوى دخل المسجد واضطجع واستلم الحجر الأسود وهرول في الأشواط الثلاثة الأولى وأمر أصحابه بذلك ليري قريش القوة بعدما قالوا قريش أن محمد وأصحابه أصابهم حمّى يثرب وبعد الطواف سعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بين الصفا والمروة على راحلته وبعد الفراغ من الشوط السابع نحر الهدي وقال: (هذا منحر وكل فجاج مكة منحر) وبعد فراغهم من العمرة رجعوا إلى المدينة وفي طريق العودة وفي موضع يسمى (سرف) تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة بنت الحارث خالة عبدالله بن العباس - رضي الله عنه -م أجمعين.
خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكتائب الإسلام وجنود الرحمن سنة ثمان للهجرة النبوية في شهر رمضان وكان سبب ذلك نقض قريش العهد الذي وقع في صلح الحديبية وحاول أبو سفيان تعديل النقض ولم يرضَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة بعشرة آلاف رجل ولقيه العباس بن عبد المطلب وأهله مهاجراً من مكة إلى المدينة وكان مقيماً فيها للسقاية ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - راضٍ عنه ولما وصل الجيش الإسلامي قريباً من مكة نزلوا في وادي شمال مكة وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن توقد عشرة آلاف نارٍ فأرعب بذلك مشركي قريش فجاء أبو سفيان ومن معه لينظروا المسلمين فأدركوهم وأسلم أبو سفيان وقال العباس يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً قال: (نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن).
وبعد أن التف الجيش الإسلامي حول مكة ورفعوا رايتهم وأن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخلها وهو على راحلته متخشعاً متواضعاً لله عز وجل يتلو القرآن على ناقته يقرأ سورة الفتح وقد أهدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دم أربعة من مشركي قريش وإن تعلقوا بأستار الكعبة وهم: عكرمة بن أبي جهل وعبدالله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبدالله بن أبي السرح وقد قُتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة وقُتل مقيس في مكة واختفى عكرمة وابن أبي السرح حتى ضمنا الأمان وجاءا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسلمين وقتل وأهدر دم امرأتان وهما فرتنى وسارة جاريتان لابن خطل.
فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد الحرام واستلم الحجر الأسود ثم طاف بالبيت وفي يده قوس وحول البيت ثلاثمائة وستون صنماً فجعل يطعنها بالقوس ويقول: (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) والأصنام تتساقط على وجوهها ثم أمر بفتح الكعبة وكان مفتاحها عند عثمان بن طلحة ودخلها ورأى صورة لإبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام فقال - صلى الله عليه وسلم - : (قاتلهم الله والله ما استقسما بها قط) ثم طاف بالبيت ووقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيباً فيه يذكرهم أن لا فرق بينهم إلا بالتقوى وقد عفى عنهم جميعاً وسلّم مفتاح الكعبة لعثمان بن طلحة وبايع الرجال والنساء على الصفا على الإسلام والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا وقدروا عليه وجاء أبو بكر بوالده أبي قحافة فأسلم بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقام في مكة بضعة عشر يوماً وأرسل الصحابة إلى حول مكة لهدم الأصنام والأوثان والأنصاب وأُزيلت المراكز الوثنية التي تعبد من دون الله عز وجل في جزيرة العرب ثم رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ومعه أصحابه الكرام - رضي الله عنه -م جميعاً.
تقع حُنين قريباً من مكة وتسمى الآن بالشرائع وتعد هذه الغزوة امتداداً لفتح مكة وكانت في اليوم السادس من شهر شوال من السنة الثامنة من الهجرة بعد أن علم ما تقوم به ثقيف وهوازن من الاستعداد لمواجهة الجيش الإسلامي وقد كان عدد جيش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثني عشر ألف رجل وكان عدد العدو عشرين ألف رجل وكان جيش العدو قد اختبأ في الوادي حتى نزل الجيش الإسلامي فيه وأمطروهم بالنبال والسهام فاختلط أمر المسلمين وثبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه قلة من المؤمنين منهم العباس بن عبد المطلب ونادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب).
وكان يدعو ويقول: (اللهم إنك إن تشأ لا تُعبد بعد اليوم) وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العباس أن ينادي وكان قوي الصوت جهورياً (يا أصحاب الشجرة يا أصحاب سورة البقرة) حتى تجمّع الصحابة حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحمى الوطيس وأمدّ الله المسلمين بجنود لم يروها وأنزل عليهم السكينة وانتصر المسلمون وجيء بالأسرى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنهم أخت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشيماء من الرضاعة لأمها حليمة السعدية فأكرمها وأحسن إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتفرق جمع هوازن وثقيف ومنهم من التجأ إلى الطائف وتحصنوا بحصونها.
هرب من غزوة حُنين بعض من هوازن وثقيف إلى الطائف وحاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاروا يرمون بالنبال على المسلمين وآذوهم وأقام المسلمون حول الحصن وبنوا مسجداً يسمى الآن مسجد عبدالله بن عباس - - رضي الله عنهما - ومكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حول الحصن بضع عشرة ليلة استخدم فيها المنجنيق ولم يتمكنوا من فتح الحصون.
وعاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون من غير أن يفتحوا الطائف حتى قيل له ادعُ عليهم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (اللهم اهدِ ثقيفاً).
وعندما وصلوا إلى الجعّرانة قسّمت الغنائم وأسلم بعض هوازن حتى زعيمهم وردّ المسلمون عليهم أهليهم وأبنائهم ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة من الجعّرانة معتمراً وبعدما انتهى من عمرته عاد إلى المدينة وقد نصره الله جل وعلا وفتح مكة.
أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في شهر رجب من العام التاسع بالتهيؤ لغزو الروم وذلك بسبب أنه بلغه أن الروم تجمّعت بالشام مع هرقل لحرب المسلمين.
فحث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإنفاق والبذل في سبيل الله تعالى فتبرع عثمان بن عفان بألف دينار وثلاثمائة بعير بأحلاسها وجاء أبو بكر بماله كله وعمر بنصف ماله وجاء عبدالرحمن بن عوف بثمانية آلاف درهم وأقبل الرجال والنساء بالإنفاق والبذل في سبيل الله تعالى وقد كان وقت جدب وقحط بالمدينة وشدة الحر لا يعرف المسلمون بأي اتجاه سوف يذهب بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجيش قرابة الثلاثين ألف رجل وكانوا يتعاقبوا البعير الواحد لكل رجلان أو ثلاثة مع شدة الحر وقلة المؤونة حتى وصلوا إلى تبوك ولم يجدوا أحداً فيها فأقام فيها بضع عشرة ليلة ثم انصرف إلى المدينة عائداً وأمر بعض أصحابه بهدم مسجد الضرار الذي بناه المنافقون وطلبوا من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي فيه بعد رجوعه من تبوك فهدم المسجد وأشعل فيه النار وصار مكان للزبائل وعندما وصل المسلمون إلى المدينة تلقّاهم الصبيان والناس يرحبون بهم وجاء المعذرون ليعتذروا لتخلفهم واستغفر لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ما وقع في قصة كعب وصاحبيه الذين تاب الله عليهم بعد خمسين ليلة من الابتلاء والاختبار وهذه نهاية الصدق مع الله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ] {التوبة:119}.
@ @ @
1- حجة الوداع.
2- وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
في السنة التاسعة من الهجرة بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر أميراً على الحج ليقيم المسلمون حجهم وأنزل الله أول الآيات من سورة التوبة فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علياً بعد أبي بكر الصديق ليكون معه ويتولى علي بن أبي طالب بنفسه إبلاغ البراءة إلى المشركين نيابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكونه ابن عمه ومن عصبته فأبلغ الناس في يوم النحر ما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به أن يؤجّل أربعة أشهر من يوم أذن فيهم ليرجع كل قوم إلى مأمنهم وبلادهم ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة إلا أحد كان له عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد فهو إلى مدته فلم يحج بعد ذلك العام مشرك ولم يطوف بالبيت عُريان وكل هذا تمهيداً لحج النبي - صلى الله عليه وسلم - في العام العاشر للهجرة.
فعندما تجهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للحج في أواخر شهر ذي القعدة من السنة العاشرة للهجرة النبوية أحرم من ذي الحليفة وواصل المسير ومن معه من الصحابة حتى وصل إلى المسجد الحرام في ثمان ليالي ومعه ما يزيد على مائة ألف من المسلمين وكان قارناً فدخل المسجد الحرام وطاف وسعى ولم يحل إحرامه وأمر من لم يكن معه هدي أن يحلو إحرامهم وأن يجعلوها عمرة وفي اليوم الثامن من ذي الحجة توجه إلى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء وبات تلك الليلة وفي الصباح ذهب إلى عرفات ووقف فيها وخطب الناس ووقف في عرفة حتى غربت الشمس ثم بات إلى مزدلفة ثم مضى في مناسك حجه وهو يقول: «لتأخذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه» وبعد إتمام مناسك الحج رجع المسلمون مع رسولهم - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة.
عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حجة الوداع وأُنزلت عليه سورة النصر التي تضمنت نعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبدأت تظهر عليه علامات التوديع وذلك:
- بقوله في الحج: ( لتأخذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا).
- عندما قدم المدينة خرج إلى البقيع واستغفر لهم وصلى على شهداء أُحد.
- خطب في الناس كخطبة مودع.
وفي نهاية شهر صفر من السنة الحادية عشرة من الهجرة بدأ يشكو من صداع في رأسه وثقل من أثر المرض ويزداد على هذه الحالة وكان يوصي وصايا في يوم مرضه ومنها:
1- إخراج المشركين من جزيرة العرب.
2- الاعتصام بالكتاب والسُّنة.
3- تنفيذ جيش أسامة بن زيد.
4- الوصية بالأنصار خيراً.
5- الوصية بالصلاة وما ملكت الأيمان.
واستأذن زوجاته أن يمرّض عند عائشة في بيتها وأمر أبا بكر الصديق أن يصلي بالناس وتصدق بالمال القليل الباقي عنده وقال - صلى الله عليه وسلم - : (لا نورث ما تركناه صدقة) واشتد به المرض والسكرات والحمّى وفي يوم الاثنين من شهر ربيع الأول لعام الحادي عشر من الهجرة وفي الضحى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودفن في حجرة عائشة - رضي الله عنها -.
@ @ @
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني
اللهم اغفر لي جدِّي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي
اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
اللهم انفعني بما علَّمتني وعلِّمني ما ينفعُني وارزقني علماً ينفعُني وزدني علماً
والحمد لله على كل حال وأعوذ بالله من حال أهل النار
سبحانك اللهم وبحمدك أشهدُ أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
كتبه الفقير إلى عفو ربه القدير
أبو خلاد ناصر بن سعيد بن سيف السيف
غفر الله له ولوالديه وجميع المسلمين
11/7/1429هـ
([1]) استفدت في تحضير هذه المادة من عدة مراجع وفي مقدمتها كتاب: «صحيح السيرة النبوية» لفضيلة الشيخ إبراهيم العلي حفظه الله تعالى، وكتاب: «السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية» لفضيلة الشيخ مهدي رزق الله حفظه الله تعالى، وكتاب: «فقه السيرة النبوية» لفضيلة الشيخ زيد الزيد حفظه الله تعالى، وقد اعتمدت غالباً على مواضيع هذه الكتب والتعليق عليها، والحمد الذي بنعمته تتم الصالحات.
([2]) نشكر فضيلة شيخنا الشيخ محمد بن عبدالحكيم القاضي حفظه الله تعالى على مراجعة بعض هذه الورقات والتعليق عليها، فجزاه الله خير الجزاء، والحمد الذي بنعمته تتم الصالحات.
([3]) قال شيخنا الشيخ محمد بن عبدالحكيم القاضي حفظه الله تعالى: «التحقيق والله أعلم أن الضعيف هنا يراد به الحديث الحسن».
([4]) قال شيخنا الشيخ محمد بن عبدالحكيم القاضي حفظه الله تعالى: «يقول جل وعلا [اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَته] وهو سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين، وقد تلمس البعض شيئاً من أسباب اختيار جزيرة العرب منطلقاً للرسالة المحمدية، وإن كانت الأسباب الحقيقية لا يعلمها إلا الله، فهو أعلم حيث يجعل رسالته».
([5]) حرزاً للأميين:حافظاً لهم.
([6]) ولا سخاب في الأسواق:رفع الصوت بالخصام.
([7]) الملة العوجاء: ملة إبراهيم التي غيرتها العرب عن استقامتها.
([8]) يأسها من بعد إنكاسها: يأسها من الاستماع أو الاستراق السمع من السماء.
([9]) القلاص: جمع قلوص وهي الفتية من النياق.
([10]) جليح: الوقح المكافح بالعداوة.
([11]) قال شيخنا الشيخ محمد بن عبدالحكيم القاضي حفظه الله تعالى: «لأن نسب إبراهيم إلى آدم عليهما السلام لم يأتِ إلا في كتب أهل الكتاب وقد طرأ عليها التحريف والتبديل».
([12]) قال شيخنا الشيخ محمد بن عبدالحكيم القاضي حفظه الله تعالى: «أراد الله سبحانه وتعالى أن يهيئ أسباب تسمية النبي ﷺ (محمداً) تحقيقاً لما سماه في الكتب السماوية السابقة».
([13]) قمراء: القمرة لون البياض إلى الحمرة .
([14]) أدمت: حدثت في ركبها جروح.
([15]) الشارف: الناقة المسنة.
([16]) تبض: لا تشرح قطرة لبن.
([17]) شهباء: سنة مجدبة.
([18]) حافل: كثيرة اللبن.
([19]) نسمة: نفس.
([20]) قطعت الركب: سبقت الركب.
([21]) البطان: ممتلئة البطون .
([22]) حفلا: كثيرات اللبن .
([23]) الوباء: المرض .
([24]) البهم: صغار الظأن والماعز.
([25]) أثناء بحثي في تخريج هذا الحديث لم أجد قول الألباني رحمه الله فتعبتُ من الجهد ونمت ورأيتُ في منامي رجلاً واقفاً يقول: «حديث عبدالله بن جعفر ضعيف الإسناد» فأشار بيده وقال: هذا قول هذا الرجل وكان جالساً على الأرض متربعاً عليه ثوب أبيض وعمامة بيضاء ليست بالكبيرة فالتفتَ عليَّ فإذا هو الألباني رحمه الله فاستيقظت من منامي فأعدت البحث في تخريج الحديث فوجدتُ قول الألباني رحمه الله كما قيل في المنام».
([26]) لامة: جمعه وضم بعضه لبعض.
([27]) منتقع اللون: متغير اللون.
([28]) قراريط: هو الجزء من الدينار أو الدرهم.
([29]) الكباث: النضيج من ثمر الأراك.
([30]) اشرفوا: طلعوا.
([31]) الراهب: زاهد وعابد النصارى.
([32])حلوا رحالهم: انزلوا رحالهم.
([33])يتخللهم: يمشي بينهم وهو يبحث عن شخص معين.
([34])خر: سقط.
([35])غضروف: رأس لوح الكتف.
([36])غمامة: سحابة.
([37])فيء الشجرة: ظل الشجرة.
([38])يناشدهم: يقسم عليهم.
([39]) وليه: قريبة.
([40]) قصب: اللؤلؤ المجوف.
([41]) صخب: الصوت المرتفع.
([42]) نصب: المشقة والتعب.
([43]) الرضم: الحجارة بعضها على بعض.
([44]) ليس فيها مدر: ليس بينهما ما يمسك الحجارة.
([45]) فلق الصبح: يقال في الشيء الواضح البيَّن.
([46]) الخلاء: الخلوة لتفرغ للعبادة.
([47]) ينزع: يرجع.
([48])فغطني: عصرني وضمني.
([49]) الجهد: المشقة.
([50])أرسلني: تركني.
([51]) زملوني: غطوني بالثياب ولفوني بها.
([52]) الروع: الخوف.
([53]) الكلَّ: تنفق على الضعيف واليتيم والعيال وأصل الكل الثقل والأعياء.
([54]) تكسب المعدوم: تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك.
([55]) نوائب الحق: إنك لا يصيبك مكروه لما جعل الله فيك من مكارم الأخلاق.
([56]) الناموس: هو جبريل عليه السلام ومعنى الناموس: صاحب سر الخير.
([57])يا صباحاه:كلمه ينادى بها للإجتماع لوقوع أمر عظيم.
([58]) الخبط: ورق من الطلح والسلم ونحوه يخبط بالعصا فيسقط وكانت تأكله الإبل.
([59]) السلخ: مكان بعوالي المدينة.
([60]) جميمة: الشعر الساقط على المنكبين.
([61]) لأنهج: التنفس العميق.
([62]) بجفنة: القطعة التي فيها الطعام.
([63]) وهلي: اعتقادي.
([64]) هجر: وهي مدينة معروفة في منطقة البحرين (الأحساء).
([65]) نحر الظهيرة: عند زوال الشمس.
([66]) متقنعاً: مغطياً رأسه.
([67]) الخروج: الهجرة.
([68]) الصحبة: أريد المصاحبة.