×
جدبد!

تطبيق موسوعة بيان الإسلام

احصل عليه الآن!

أحكام المسلم الجديد (العربية)

إعداد: وليد بن راشد السعيدان

الوصف

هذا الكتاب في بيان أحكام المسلم الجديد، وقد ألَّفه المؤلف على طريقة السؤال والجواب، وجمع مائة وثلاثة وثلاثين سؤالًا في ذلك، منوعة لكثير من المسائل والأحكام، ومُجيبًا عليها بالتفصيل والإلمام.

تنزيل الكتاب

أحكام المسلم الجديد

تأليف الفقير إلى عفو ربه القدير

وليدبن راشد السعيدان


بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأسهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا ، ثم أما بعد :ــ

فإن من حق إخواننا المسلمين الجدد علينا أن نبين لهم شيئا من الأحكام المتعلقة بالداخل في الإسلام حديثا ، بالعبارة الواضحة المفهومة ، والاختصار الذي لا يخل بأصل المعلومة ، لأنهم محتاجون أشد الحاجة لتلعم ذلك ، ولقد رأيت الحاجة لمثل التأليف في ذلك كبيرة جدا ، بحكم أنني أتشرف كل سنة بالحج مع المسلمين الجدد الذين تصحبهم بعض مكاتب الدعوة والإرشاد ، جزى الله القائمين عليها خير الجزاء ، فأحببت أن أشارك أحبابي القائمين على هذه المكاتب بالتأليف في هذه المسائل المهمة ، وعسى أن أوفق لحسن الكتابة وموافقة الحق وتيسير العبارة وإيضاح الإشارة ، وأنا في هذه الوريقات إنما مجرد جامع فقط ، وإنما الفضل لله أولا وآخرا ثم لأهل العلم رحم الله أمواتهم وثبت أحياءهم ، وأسميت هذه الوريقات بــ (التعديد لأحكام المسلم الجديد) فالله أسأل أن ينفع به ويبارك فيه البركة تلو البركة ويجعله عملا خالصا لوجهه الكريم ، وأن يرزقه القبول التام ، يارب أسألك باسمك الأعظم أن تغفر لعلمائنا وأن تعاملهم بفضلك وجودك وإحسانك وكرمك ، وأن ترفع نزلهم في الفردوس الأعلى ، وأن تجزيهم عنا وعن الإسلام خير الجزاء ، وقد رأيت أن تكون الكتابة في هذه الوريقات على طريقة السؤال والجواب ، لأنها أسهل في الفهم ، وأحب للنفس ، وأقرب لتناول المعلومة ، وإلى المقصود حتى لا نطيل ، والله المستعان وعليه وحده التكلان ، فأقول وبالله التوفيق ومنه أستمد العون والفضل وحسن التحقيق :ــ

س1) ما الإسلام ؟

ج) الإسلام هو الاستسلام لله تعالى بالتوحيد ، والانقياد له بالطاعة ، والخلوص من الشرك .

س2) كيف يدخل العبد في الإسلام ؟

ج) يدخل العبد في الإسلام بأن يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فمن قال هذه الكلمة ، فقد دخل في الإسلام ،وهذا باتفاق العلماء.

س3) ما معنى شهادة أن لا إله إلا الله ؟

ج) معنى هذه الكلمة العظيمة أن العبد إن قالها فهو إقرار منه واعتراف أنه لا يستحق العبادة أحد إلا الله تعالى ، فالعبادات كلها حق لله وحده لا شريك ، فهو الإله الحق ، وكل ما عبد من دون الله تعالى فهو باطل ، كما قال تعالى " ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل " فلا يستحق أحد العبادة في هذا الكون إلا الله تعالى .

س4) وهل هذه الكلمة مهمة ؟

ج) نعم ، إنها أهم كلمة في هذا الوجود ، وأعظم كلمة ، فهي الكلمة التي بعث بها كل الرسل ، من أولهم نوح عليه السلام ، إلى آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم ، فكل الرسل بعثهم الله تعالى لدعوة أممهم لتحقيق هذه الكلمة ، قال تعالى " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون " وهي مفتاح الجنة ، وأول واجب ، ومن أجلها خلق الله الثقلين الإنس والجن ، ومن أجلها خلق الله تعالى السموات والأرض ، وما بينهما ، وهي الكلمة التي تعصم الدم والمال ، وهي الكلمة الفارقة بين المفلحين الموفقين السعداء ، وبين الخاسرين الخائبين التعساء ، وهي طريق للدخول في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، فإنه يوم القيامة لا يؤذن له في أن يشفع إلا لأهل هذه الكلمة ، وهي شرط قبول الأعمال ، فلا يقبل الله من أحد عملا إلا إذا قالها مؤمنا بمعناها ومحققا لمقتضاها ، وأهلها هم أهل الاهتداء والسلامة والفرح في الدنيا والآخرة ، ولها فضائل كثيرة غير ذلك .

س5) هل يكتفى بقولها باللسان فقط ، أم أن هناك أشياء لا بد من تحقيقها حتى ينتفع قائلها بها ؟

ج) لا ، لا يكتفى بقولها باللسان فقط ، بل لا بد من تحقيق شروط الانتفاع بها ، وهي كما يلي :ــ

أ) أن يقولها وهو عالم بمعناها الذي تدل عليه ، وهو أنه لا معبود بحق في هذا الكون إلا الله تعالى ، قال تعالى " إلا من شهد بالحق وهم يعلمون " وقال صلى الله عليه وسلم " من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة " فمن قالها وهو جاهل بمعناها الذي تدل عليه فإنه لا ينتفع بها .

ب) أن يقولها مع الإخلاص ، أي لا يقولها من باب الرياء ولا السمعة ، ذلك لأن قولها عبادة ، والعبادة لا تصح إلا بالإخلاص ، وكذلك لا بد أن يقولها وهو متجرد عن كل ما ينافيها من الشرك فإن قولها مع الوقوع في الشرك لا ينفع ، قال الله تعالى " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء " وقال صلى الله عليه وسلم " أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه ".

ج) أن يقولها وهو مصدق بمعناها الذي دلت عليه من وحدانية الله في العبادة ونفي العبادة عما سواه وأما من قالها بلسانه وقلبه مكذب لمعناها فهو منافق ، ولا تنفعه هذه الكلمة ، قال تعالى " والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون " وقال صلى الله عليه وسلم " ما من عبد قال لا إله إلا الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار ".

د) أن يقولها وهو محب لها ومحب لله ومحب لرسوله صلى الله عليه وسلم ومحب لما يحبه الله ورسوله ، فالمحبة شرط في الانتفاع بها ، قال تعالى " والذين ءآمنوا أشد حبا لله " وقال صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولد والناس أجمعين " فحب الله تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم يجب تقديمه على حب النفس والولد والزوجة والبلد والقبيلة والمال وعلى كل شيء ، فلا يتحقق صدق إيمان المسلم إلا إذا كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما .

هــ) أن يقولها وهو متيقن التيقن التام بصحة معناها الذي دلت عليه ، فلا يجوز فيها الشك والريب ، قال تعالى " إنما المؤمنون الذين ءآمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا " وقال النبي صلى الله عليه وسلم " من قال لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة " فلا يستحق العبادة إلا الله جزما وقطعا من غير شك ولا تردد.

و ) القبول ، أي أن كلمة التوحيد لها لوازم ، فلا يصح الإيمان إلا أن يقبل قلبك كل لوازمها، فالصلاة والزكاة والحج والصوم والحكم بما أنزل الله ونحو ذلك كله من لوازمها ، والقبول عمل قلبي .

ز )الانقياد ، وهو عمل الجوارح ، فالقبول عمل القلب ، والانقياد عمل الجوارح ، ويتفاوت عمل الجوارح بحسب تفاوت القبول في القلب ، قال تعالى " ومن يسلم وجهه إلى الله فقد استمسك بالعروة الوثقى " وقال تعالى " وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له "

ح) الكفر بالطاغوت ، فلا بد من الكفر بجميع ما يعبد من دون الله ظلما وزورا ، قال تعالى " فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى " وقال صلى الله عليه وسلم " من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه إلا بحقه وحسابه على الله ".فهذه الشروط الثمانية هي شروط كلمة التوحيد التي لا يتم انتفاع المتكلم بها إلا بتحقيقها .

س6) ما الوصايا التي يوصى بها الداخل حديثا في الإسلام ؟

ج) أقول :ــ نوصي المسلم الجديد بعدة وصايا:ــ

1) أن يكثر من حمد الله تعالى وشكره والثناء عليه جل وعلا على أن هداه للدين الصحيح ، ويسر له اعتناقه ، واختاره من بين بقية الكفرة إلى أن يدخل في دينه ، ومن المعلوم أن نعمة الهداية من أجل النعم وأعظم المنن التي يمتن الله تعالى بها على عبده ، فهي أعظم من نعمة الأكل والشراب والهواء والنفس ، بل هي أكبر نعمة على الإطلاق ، وهذه النعمة الكبيرة العظيمة تحتاج إلى شكر كثير ، لأن الله تعالى يحب الشكر ويرفع الشاكرين ، وقد قال تعالى " وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد "

2) أن لا يمن على الله تعالى بإسلامه ، فلا يرى في نفسه العجب بإسلامه ، ولا ينسبه لحوله وقوته ، لأن الله هو المتفضل عليه بالإسلام ، قال تعالى " يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين " فالمسلم الصادق هو الذي لا يقوم في قلبه مقام المنة على ربه بإسلامه ، بل الصادق هو الذي يستشعر عظيم نعمة الله عليه بالهداية للإسلام .

3)أن يحرص الحرص الكامل على طلب العلم الشرعي الذي لا تصح عقيدته ولا عبادته إلا به ، فإن طلب هذا العلم واجب على كل مكلف ، ولا يجوز له أن يشتغل عنه بشيء مطلقا ،فإما أن يقرأ في ذلك بعض الكتب المعتمدة المترجمة إلى لغته ، ولا بد أن أتكون كتبا موثوقة المصدر موثوقة التأليف ،أو يلتحق ببعض الحلقات العلمية في مكاتب الدعوة والإرشاد ، المهم أنه لا بد أن يتعلم مهمات الدين من مسائل العقيدة ، كالتوحيد وحقيقة التوحيد وتفاصيل ذلك ، والشرك ووسائل الشرك وتفاصيل ذلك ، ويتعلم جملا من المسائل والأصول المهمة في توحيد الأسماء والصفات ، ويقبل على تعلم الصلاة وأركانها وشروطها وواجباتها ومبطلاتها وسننها ، والزكاة ومقاديرها والصوم وأحكامه ، والحج وما يتعلق به من الأحكام الفقهية ، ويتعرف على ما يحرم من المعاملات ، وما يحل منها ، ونحو ذلك من مسائل الشريعة المهمة ، وعليه أن يرتبط بمكتب الدعوة ارتباطا وثيقا ويكثر من زيارته والسؤال عما يشكل عليه ، ويستدل بهم على الكتب النافعة الجامعة في مثل هذه الموضوعات المهمة ، وأن لا يستقل بنفسه عن المكتب ، حتى يصلب عوده ، وترسخ قدمه في العلم .

4) أن يحرص على إيصال هذا الخير لمن قرب منه من زوجته وأولاده وأقربائه وجيرانه ، بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن ، وبكمال الحرص وإظهار الشفقة ، وبيان محاسن الإسلام ، لعل الله أن يهديهم على يديه ، ولينتبه من أهل الجدل والمعاندين ، وأهل التشكيك ، من بني قومه ، فلا يذهب إليهم ولا يخلو بهم ، لأنهم سلاح الشيطان ، وجنود إبليس .

5) أن يحرص على الارتباط بالمراكز الإسلامية في بلده إن كان في بلاد الكفر ، وأن يأخذ جدول مناشطهم ، ودروسهم ومحاضراتهم ، حتى يتابع هذه الجلسات أولا بأول ، ولا يفوته منها شيء ، وأن يعطيهم رقم هاتفه وأرقام الهواتف في الأماكن التي يكثر تواجده فيها حتى يتواصلوا هم معه ، ويزودونه بما عندهم من الكتب ونحوها ،ولا يغفل عن ذلك ، ولا يتساهل به ، فإن عائدته طيبة جدا ، لا سيما في أول فترات الإسلام .

6) أن يقبل على تعلم اللغة العربية والتي هي لغة الإسلام من القرآن والسنة ، فيقبل على تعلمها إقبالا كليا ، حتى يتقنها ويجيدها ، وهذا أمر لا بد منه ، بل يجعل هذا الأمر من أوائل اهتماماته بعد تعلم ما هو فرض عليه من علم الشريعة ، فإنه لن يذوق لذة الإسلام إلا إن قرأ القرآن والسنة بلغتها الأصلية .

7) أن يقبل على دراسة كتاب الله تعالى ، وأن يقرأ ترجمة موثوقة لمعانيه ، وأن يجعلها بجواره دائما ، وأن يكثر من تلاوته ، وتدبره والعمل بما فيه ، فإنه الخير كله والبر كله والفلاح كله والإحسان كله .

8) أن يحرص على إحسان إسلامه بفعل المأمورات ، وترك جميع المنكرات ، فإن من إحسان الإسلام ترك سائر المنكرات والتوبة منها ، فإن من أسلم وحسن إسلامه غفر له المغفرة الكاملة ، وصار إسلامه مكفرا لكل ذنوبه وخطاياه السابقة ، وتبدل سيئاته حسنات ، فلا ينبغي له بعد إسلامه أن يصر على ما كان يفعله قبل الإسلام من شرب الخمر مثلا ، أو فعل الفواحش ، أو أكل الربا ، أو الغش والكذب ، ونحو ذلك .

9) الإخلاص في إسلامه ، فلا يقصد بإسلامه شيئا من حطام الدنيا وملذاتها ، أو يرمي بإسلامه إلى تحصيل شيء من المال ، وإنما لا يقصد بإسلامه إلا الله تعالى والنجاة في الدار الآخرة ، وأنه إنما دخل في الإسلام لعلمه الأكيد أن الإسلام هو الدين الصحيح ، وأن ما سواه من الأديان باطل ، فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كان إسلامه لله تعالى فليبشر بالخير العظيم ، ومن كان إسلامه لدنيا يصيبها أو حطام يجمعه فإسلامه لما أسلم له ، فلا خير في إسلام قصد به غير وجه الله تعالى والدار الآخرة ، فالله الله بالإخلاص ، ومراقبة النية .

10) أن يكثر من دعاء الله تعالى بالثبات والتوفيق ، فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ، فادع الله ربك أن يثبتك على هذا الدين ، وأن يحفظك من مضلات الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، وأن يعصمك من الرجوع إلى الكفر بعد الهداية ، وفقنا الله وإياك لصالح القول وحسن العمل .

س7) هل يصح النطق بالشهادة بالإسلام بغير اللغة العربية ؟

ج) نعم يصح إسلامه بذلك ، لأن الإسلام مبناه على الإقرار ، فإن كان لا يحسن العربية ولا يفهم إلا لغته ، فلا حرج عليه أن يقولها بلغته التي يفهمها ، فالإسلام يصح بسائر اللغات ، بل لو لقن الأعجمي الشهادة باللغة العربية وهو لا يفهمها لما كفاه ذلك ، فكل ينطق الشهادة بما يعرفه من لغته بل حتى لو كان يعرف العربية ولقن الشهادة بلغته لكان إسلامه صحيحا ، فلا يشترط النطق بها باللغة العربية ، إلا أن الأكمل والأحسن هو أن يعرف معناها بلغته أولا ،ومن ثم ينطق بها باللغة العربية ، هذا أكمل ، لكن لو لم يفعل ذلك ونطق بها بلغته لصح إسلامه والحمد لله ، فإن الدين يسر ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها .

س8) هل يصح الإسلام لو أتى بالشهادتين بغير اللفظ المعروف ؟

ج) نعم يصح إسلامه ، فلو قال ( أشهد أن لا إله إلا الرحمن ) أو قال ( لا إله غير الله ) أو قال (لا إله سوى الله ) أو قال ( أشهد أنه لا يستحق العبادة أحد إلا الله ) أو قال ( إن أبا القاسم رسول الله ) ويعني به النبي صلى الله عليه وسلم ، أو قال ( آمنت بالله وحده لا شريك له وكفرت بما يعبد من دونه ) فكل ذلك يصح معه إسلامه ، لحصول الإقرار والاعتراف بمقتضى الشهادتين ، وقد نقل النووي عن صاحب المنهاج أنه لا خلاف في ذلك ، لكن الأكمل والأحسن أن ينطق بالشهادتين باللفظ المعروف المشهور .

س9) هل يشترط في إسلامه أن يعلنه أمام الملأ ؟

ج) لا ، هذا ليس بشرط في صحة إسلامه ، بل لو أسلم فيما بينه وبين نفسه فنطق بالشهادة مقرا بها ومعتقدا لمعناها ، وهو لوحده لصح إسلامه ، ولو لم يعلم به أحد ، وإنما إعلانه لإسلامه حتى يعرف إخوانه المسلمون أنه أسلم فيعامل معاملة المسلمين ، فقط ، وأما أصل صحة الإسلام فإنه لا يشترط فيها أن يعلنها أمام الناس .

س10) هل يشترط في صحة الإسلام إخراج وثيقة الإسلام ؟

ج) لا ، هذا ليس بشرط ، بل إسلامه صحيح من حين أن ينطق بالشهادتين مقرا بمعناها معتقدا لمدلولها ، وأما وثيقة الإسلام فإنما هي أمور نظامية لا شأن لها بصحة الإسلام ، حتى يعطى بها ما يعطى المسلم ، فلو تأخر إصدارها فلا حرج عليه ، وإسلامه صحيح بدونها، والحمد لله .

س11) هل لا بد من إقراره مرة ثانية عند إصدار هذه البطاقة أو يكتفى بالإقرار الأول ؟

ج) لا ، لا يلزم ذلك ، بل يكتفى بالإقرار الأول ، فإسلامه صحيح بالإقرار الأول ، وأما تقريره مرة ثانية فإنه من باب الكمال فقط ، ولا شأن له بصحة الإسلام ، ولا ينبغي التشكيك في إسلامه أو التعنيف عليه في الإقرار الثاني ، حتى لا يكون ذلك ذريعة لأمور لا تحمد عقباها .

س12) من كان نصرانيا فأسلم فهل يكتفي بالنطق بالشهادتين أم لا بد من الإقرار بأن عيسى عبدالله ورسوله ؟

ج) بل يكتفى في إسلامه بالنطق بالشهادتين ، مقرا بها ومعتقدا لمعناها ، ولكن من باب الأكمل والأحسن أن يقر بأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، هذا من باب الكمال فقط ، وأما إسلامه فيصح بالنطق بالشهادتين وإن لم يزد عليها ذلك .

س13)ما الحكم لو أراد أن يقول في الشهادة ( محمدا) فقال ( مهمدا ) ؟

ج) إن قال ذلك وهو يريد عين النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ولكن لم تساعده لغته في ذلك فلا حرج عليه ، وإسلامه صحيح ، لأن العبرة في القصد لا في مجرد اللفظ ، فإن بعض الأعاجم لا يقدر أن ينطق (الحاء) على وجهها الصحيح ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها .

س14) ما الحكم لو لم يقل (أشهد ) وإنما قال ( لا إله إلا الله ، محمدا رسول الله ) ؟

ج) هذا كاف ، ولله الحمد ، ولفظ الشهادة بعينها ليس بلازم لصحة الإسلام ، لأن المعنى صحيح ، وهو أنه يقر بأنه لا يستحق العبادة إلا الله وأن محمدا هو رسول الله صدقا وحقا ، فإسلامه صحيح بدون لفظ ( أشهد ) لكن الأكمل والأحسن أن يأتي بلفظ ( أشهد ) .

س15) ما حكم التهنئة له بعد إسلامه ؟

ج) هذا من المهمات التي لها كبير الأثر في نفس المسلم الجديد ، لا سيما إن صاحبها إظهار الفرح والسرور والبكاء من الفرح ، فإنها تؤثر في نفسه أبلغ التأثير ، وسيكون لها في قلبه أعظم المكانة ، ولئن كنا نهنئه على الربح في التجارة ونعمة الولد فلأن نهنئه على نعمة الهداية للإسلام من باب أولى وأحرى ، ولقد استبشر الصحابة بإسلام عمر وبإسلام غيره ، وبتوبة الله على الثلاثة الذين خلفوا حتى ضاقت عليهم بما رحبت ، والصور كثيرة في ذلك .

س16) ما حكم إسلام الصبي دون البلوغ ؟

ج) فيه خلاف بين العلماء ، والقول الصحيح الذي تؤيده الأدلة أن إسلامه صحيح لا غبار عليه ، ولذلك فقد حكم بصحة إسلام علي بن أبي طالب وهو صبي دون البلوغ ، وجعل ذلك من مناقبه عند العلماء ، فيقال ( أول من أسلم من الصبيان على بن أبي طالب ) ولأنه يدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم " ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة " وكذلك الزبير رضي الله عنه فإنه أسلم وهو ابن ثمان سنين ، ولأنه بإسلامه قد استجاب لدعوة الله تعالى وكيف نرده عن الاستجابة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو وإن كان محجورا عليه في ماله ، إلا أنه ليس محجورا عليه في إسلامه ، فإن الحجر عن الإسلام كفر ، وإسلامه خير كله ، ولا ضرر يلحقه فيه ، بل هو سبب سعادته وغبطته في الدنيا والآخرة .

س17) ما حكم الأولاد الصغار إذا أسلم الأبوان ؟

ج) أقول :ــ أجمع العلماء رحمهم الله تعالى على أنه إذا أسلم الأبوان فإن أولادهما الصغار يتبعونهما في الإسلام حكاه غير واحد من أهل العلم .

س18) ما حكم الأولاد فيما لو أسلم أحد الأبوين فقط دون الآخر ؟

ج) فيه خلاف ، والقول الصحيح في هذه المسألة هو أن الأولاد الصغار يتبعون في أحكامهم من أسلم من الأبوين ، فإن كان المسلم أباهم فهم مسلمون بإسلامه ، وإن كانت المسلمة أمهم فهم مسلمون بإسلامها ، فهم يتبعون في الدين خير أبويهم دينا ، ولا خير من دين الإسلام فالأولاد يتبعون المسلم من الأبوين سواء كان الأب أو الأم .

س19) ما الحكم فيما لو أسلم الجدأوالجدة ، فهل يكون أولاد الولد مسلمين تبعا له مع بقاء الأبوين على الكفر ؟

ج) فيه خلاف والأصح أنهم لا يتبعون جدهم ، لأن هذا الحكم إنما هو يخص المسلم من الأبوين القريبين فقط .

س20) ما الحكم لو أسلم أحد الجدين وقد مات الأبوان على الكفر فهل أولاد الولد تبع لهم في إسلامهم ؟

ج) فيه خلاف والأصح عندي في هذه الحالة أن الأولاد يتبعون من أسلم من الجدين ، لزوال المانع .

س21) ما الحكم لو كان المسلم الجديد قد زنى بكافرة حال كفره ، ثم حملت منه فأسلم هو ، فهل الجنين يتبعه في الإسلام أم يتبع أمه الكافرة ؟

ج) في هذه المسألة خلاف ، والأصح عندي والله أعلم أنه يتبع أمه ، وذلك لأنه من سفاح لا من نكاح صحيح ، فإنه لا ينسب لهذا الأب أصلا ، وإنما ينسب لأمه ، لأنه لا علاقة صحيحة تربطه بهذا الرجل ، ونحن قلنا إن الولد يتبع خير أبويه دينا ، إنما قولنا ذلك فيما كان على نكاح صحيح ولو في دينه السابق ، وأما السفاح فإنه محرم في كل الأديان ، وعلى ذلك فلا يحكم بإسلام هذا الطفل ، ولا ينبع أباه في الدين .

س22) ما الحكم لو أسلمت الأم وقد حملت من الزنى ؟

ج) أقول :ــ هذا عكس المسألة السابقة ، وهو أن طفلها من الزنى تبع لها في هذه الحالة ، فلو أسلمت فإنه يكون مسلما لأنه لا أب له ، فهو يتبع أمه لانقطاع الأبوة عنه ، وعليه فولد الزنى يتبع أمه في الحرية والرق والنسب والدين .

س23) ما حكم ولد الكفار إذا سباه المسلمون ؟

ج) أقول :ــ إذا سبي لوحده من غير أبويه وهو صغير فهو يصير مسلما إجماعا ، لأنه حينئذ تنقطع علائقه من أبويه ، فيكون حكمه تبعا لمن سباه ، وأما إن سبي مع أبويه أو أحدهما فإنه يكون تبعا لخير أبويه في دينهما ،فإن كانا كافرين فهو كافر ، وإن كان أحدهما مسلما فهو تبع له .

س24) ما حكم إسلام السكران ؟

ج) نسأل الله العافية والسلامة ، وعلى كل حال فالسكران يختلف فيه الحكم بحسب اختلاف درجات سكره ، فإن كان قد بلغ الحالة التي لا يعقل معها ما يقول ولا يدري بما يصنع ، فهذا لا يصح منه قول ، ولا يعتبر منه إقرار ، لأن مناط التكليف هو العقل ولا عقل لهذا السكران الطافح ، لوجود ما غطى عليه وهو السكر ، بل لو طلق في هذه الحالة فطلاقه لاغ غير معتبر ولو أقر بمال فإقراره لاغ غير معتبر ، ولو نطق بكلمة الردة في هذه الحالة لما كان لفظه معتبرا ، فلا يصح منه في هذه الحالة إسلام ولا طلاق ولا إقرار ولا ردة ، وأما إن كان سكره خفيفا بحيث لم يغط على عقله ، فيعقل ما يقول ويدري بما يصنع ، وأسلم في هذه الحالة فإن إسلامه صحيح لأن مناط التكليف العقل ، وهو باق ، فيصح إسلامه وطلاقه واعترافه وردته ، فبان لك أن الحكم يختلف باختلاف درجة سكره والله أعلم .

س25) ما حكم إخفاء الإسلام ؟

ج) إن كان إخفاؤه لمصلحة راجحة فلا بأس ، كما كان المسلمون في مكة في بادئ الأمر يستخفون بإسلامهم ، وأما إن كان لا مصلحة في ذلك فلا ينبغي لأن الأصل إظهار الإسلام وإعلانه ، حتى يعامله الناس بمقتضى إسلامه .

س26) ما الحكم لو أكره أحد على الإسلام فأسلم فهل يصح منه هذا الإسلام ؟

ج) هذا لا يخلو من حالتين :ــ فإن كان ممن يجوز إكراهه على الإسلام كالمرتد والحربي فهذا لو أكره على الإسلام وأسلم لصح إسلامه فيما بيننا وبينه ، لأن إكراهه حصل بوجه الحق ، وأما إن كان ممن لا يجوز إكراهه على الإسلام كالمعاهد والذمي والمستأمن ، فهذا لو أكره على الإسلام وأسلم فلا يصح إسلامه ، لأن إكراهه عليه لا ينبغي ، وعلى هذا يحمل قوله تعالى " لا إكراه في الدين " .

س27) ما الحكم لو أكره المسلم على الكفر ؟

ج) أقول :ــ إن الحكم بالكفر على من فعله أو قاله لا بد فيه من شرط الاختيار ، فمن قال كلمة الكفر أو فعله وهو مكره عليه إكراها شديدا بحيث لا يكون له قدرة ولا اختيار لشدة الإكراه ، فهذا لا كفر عليه ، بشرط أن يكون قلبه مطمئنا بالإيمان ، قال تعالى " من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ، لكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم "وفي الحديث " إن الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" حديث سنده جيد .

س28) هل يجب على المسلم الجديد أن يغتسل بعد إسلامه ؟

ج) أقول :ــ فيه خلاف ، والأصح والله أعلم أنه يجب عليه أن يغتسل ، والدليل على ذلك أن ثمامة بن أثال عندما أسلم أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل ، ورواية الاغتسال وإن لم تكن في الصحيحين إلا أنها صحت في غيرهما ، وكذلك عندما أسلم قيس بن عاصم أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل ، وكذلك لما أسلم أسيد بن حضير وسعد بن معاذ قالا بعد إسلامهما :ــ كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الأمر ؟ فقال لهما مصعب وأسعد بن زرارة :ــ نغتسل ونشهد شهادة الحق ، وهذا يدل على ظهور الأمر وانتشاره ، وقد تقرر أن حكم النبي صلى الله عليه وسلم على الواحد حكم على جميع الأمة إلا بدليل الاختصاص ، وتقرر أن الحديث إذا صح ولم ينسخ وجب العمل به ، لأنه حجة في ذاته ، ولو كان في مسألة تعم بها البلوى ، لأن الحق هو أن حديث الآحاد حجة فيما تعم به البلوى ، ولأن الكافر في الغالب لا يخلو من جنابة وغسله منها حال كفره لا يصح ، فوجب عليه الغسل بعد الإسلام .

س29) ما الحكم لو وجد من الكافر سبب موجب للغسل كالجنابة أو طهرت الكافرة مثلا من الحيض أو النفاس ثم أسلم أو أسلمت بعد ذلك فهل يكتفى بغسل واحد أم لا بد من غسلين ؟

ج) فيه خلاف والأصح أنه يكتفى بغسل واحد لكل ذلك ، لأن المتقرر أنه إذا اجتمع عبادات من جنس واحد في وقت واحد فإنها تتداخل ، فيغتسل بنيتها جميعا غسلا واحدا فيكفي عن الجميع ولله الحمد والمنة .

س30) ما حكم الختان في حق المسلم الجديد ، وما الحكم لو كان كبيرا طاعنا في السن ، وهل هو شرط في صحة إسلامه؟

ج) أقول :ــ الختان من شعائر الإسلام ، فإن كان المسلم رجلا فالختان في حقه من واجبات الشرع ، وإما أن كان امرأة فالختان في حقها سنة ومكرمة ، فيختتن الرجل ولو كان كبيرا ففي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:ــ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اختتن إبراهيم خليل الرحمن بعدما أتت عليه ثمانون سنة ، واختتن بالقدوم " لكن أنبه على أمرين :ــ أحدهما :ــ أنه لا ينبغي للدعاة إن يبادروا ببيان حكم الختان للمسلم الجديد في بادئ الأمر ، حتى يصلب عوده في الإسلام وتثبت قدمه فيه ، لأن المبادرة بالكلام فيه قد تكون من أسباب الردة عن الإسلام ، والردة مفسدة كبرى وبقاء القلفة مفسدة صغرى ، وقد تقرر أنه إذا تعارض ضرران فإنه يراعى أشدهما بارتكاب أخفهما ، وأن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ، فيؤخر الكلام فيه إلى إشعار آخر ، الثاني :ــ أنه إن خيف عليه الضرر البدني بتقرير الأطباء فإنه يسقط عنه إلى حين آخر يؤمن فيه هذا الضرر ، لأن مراعاة حفظ النفس أولى من مراعاة مصلحة الختان ، وأما هل الختان شرط في صحة الإسلام ؟ فأقول :ــ لا ، ليس الختان بشرط في ذلك ، بل يصح إسلامه ولو لم يختتن بالمرة .

س31) هل يؤمر من أسلم حديثا بحلق شعره ؟ أي شعر رأسه .

ج) فيه خلاف والراجح عندي أنه يؤمر به من باب الاستحباب لا من باب الوجوب ، وهو حكم خاص بمن أسلم من الرجال فقط ، وأما من أسلمت من النساء فإنها لا تؤمر لا بحلق ولا بتقصير .

س32) هل غسل الكافر بعد إسلامه شرط في صحة صلاته ؟

ج) أقول :ــ فيه تفصيل ، فإن كان قد وجد في كفره ما يوجب الغسل من جنابة أو حيض أو نفاس فيكون الغسل في حقه في هذه الحالة شرطا في صحة الصلاة لتأكدنا من قيام الحدث ، وأما إن لم يوجد في كفره ذلك فلا يكون غسله بشرط في صحة صلاته ، وإنما يؤمر بالوضوء فقط ،قال ابن الهمام ( لا نعلم خلافا في وجوب الوضوء للصلاة على من أسلم محدثا ).

س33) هل البسملة شرط في صحة غسله ؟

ج) لا وإنما هي سنة فقط .

س34) هل له أن يؤخره عن وقت إسلامه ؟

ج) الأصل أنه لا يؤخره ، بل يبادر به مباشرة ، لا سيما مع تمكنه منه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به ، والأصل أن الأمر يفيد الفورية إلا بدليل ، وهذا هو المعروف في حق من أسلم في القديم والحديث ، فقد أمر به قيس بن عاصم و ثمامة بن أثال وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير مباشرة فور إسلامهما ، ولأنه أبرأ للذمة وأبعد عن الصوارف ، وأكمل في التطهر في الظهار بعد طهارة الباطن ، فالله يحب التوابين ويحب المتطهرين ، لكن لو أخره بالعذر الشرعي فلا حرج فيغتسل متى ما زال عذره .

س35) مال حكم لو أراد الغسل ولم يجد الماء ، فهل له أن يتيمم ؟

ج) فيه خلاف ، والأصح عندي أنه يتيمم فيما إن كان عادما للماء أو غير قادر على استعماله ، لأن الله تعالى يقول " فلم تجدوا ماء فتيمموا " ولأنه قد تقرر أن التراب بدل عن طهارة الماء في كل ما كان من خصائصه .

س36) هل يلزمه استعمال الماء بعد وجوده ؟

ج) أقول :ــ فيه تفصيل :ــ فإن كان قد وجد في كفره حدث فعليه إعادة الطهارة بالماء بعد وجوده ، لأن الصحيح أن التيمم رافع للحدث رفعا مؤقتا إلى حين وجود الماء فإن وجده فليتق الله وليمسه بشرته ، وأما إن كان عن غير حدث فيكتفي بالتيمم السابق ، لأن الحدث ليس موجودا حال تيممه فلا حدث يعود بعد وجود الماء أو القدرة على استعماله .

س37) هل هناك صفة تسن في غسل المسلم الجديد ؟

ج) لا ، ليس هناك سنة خاصة به ، ولكن الأكمل والأحسن أن يغتسل كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل من الجنابة ، وذلك أحب الغسل إلى الله تعالى ، وصفته :ــ أن يتوضأ أولا كوضوء الصلاة ، ثم يخلل شعره بيديه ، حتى يروي أصول شعره ، ثم يفيض الماء على رأسه ثلاث مرات ، ثم يفيضه على بدنه كله ، مرة واحدة ، وإن أخر غسل رجليه فليغسلهما في مكان آخر غير مكانه الذي اغتسل فيه ، من باب الاستحباب فقط .

س38) هل يشرع التشهد بعد الغسل كما يشرع بعد الوضوء ؟

ج) لا ، فإني لا أعلم في ذلك سنة ثابتة ، والقياس في العبادات ممنوع .

س39) ما الذي يلزم المسلم الجديد من الصلاة إذا أسلم بعد الفجر ؟

ج) إذا أسلم بعد الفجر فلا يلزمه إلا أن يصلي الفجر فقط ، إن كان بقي من وقتها مقدار ركعة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الفجر " ويفهم من هذا الشرط أن من لم يدرك مقدار ركعة فإنه لا يعد مدركا للفجر .

س40) وما الحكم لو كان إسلامه فيما بين طلوع الشمس وقبل الزوال ، أي قبل أذان الظهر ؟

ج) إن أسلم في هذا الوقت فإنه لا يلزمه شيء من الصلوات حتى يدخل عليه وقت الظهر ، فلا تلزمه صلاة الفجر لأن وقتها قد خرج بالكلية ، ولا تلزمه صلاة الظهر لأنه لم يدخل وقتها بعد .

س41) ما الحكم فيما لو أسلم بعد أذان الظهر وقبل دخول وقت العصر ؟

ج) إن أسلم في هذا الوقت فإنه يجب عليه أن يصلي الظهر فقط ، إن كان قد بقي من وقتها مقدار ركعة ، لأن الوقت لا يدرك إلا بإدراك ركعة فيه .

س42) ما الحكم فيما لو أسلم بعد دخول وقت العصر ؟

ج) إن أسلم بعد دخول وقت العصر فإنه جزما تلزمه صلاة العصر ، ولكن هل يجب عليه أن يصلي معها الظهر جمع تأخير ؟ هذا فيه خلاف ، والأصح إن شاء الله تعالى أنه لا بد من صلاة الظهر معها ، فيصلي الظهر أولا ، ثم يصلي بعدها العصر ، وهو مذهب جماهير العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة ، بل هو قول أكثر أهل العلم ، وقد أفتى بذلك في حق الحائض جمع من الصحابة كعبد الرحمن بن عوف وعبدالله بن عباس وغيرهما رضي الله عنهم أجمعين ، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة فهو كالإجماع .

س43) ومتى يجب عليه ذلك ؟

ج) يجب عليه ذلك إن أدرك من وقت العصر ركعة ، على القول الصحيح ، فإذا أدرك من وقت العصر ركعة فإنه يجب عليه أن يصلي الظهر كاملة فإذا انتهى منها فإنه يقوم فيصلي العصر كاملة .

س44) ماذا يفعل في الأذان والإقامة ، إن كان لوحده أو كان إسلامه بعد صلاة الناس في المساجد ؟

ج) القول الصحيح في هذه المسألة :ــ أنه يؤذن أذانا واحدا ، ويقيم لكل صلاة ، هذا هو الذي كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم إن جمع بين الصلاتين كما فعله في جمع الظهرين تقديما بعرفة ، وكما فعله في جمع العشائين تأخيرا بمزدلفة ، فإن كان يحسن الأذان والإقامة فليؤذن وليقم ، وإن كان لا يحسنهما فليصل على حسب حاله ، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها .

س45) ما الحكم فيما لو أسلم بعد دخول وقت المغرب وقبل دخول وقت العشاء ؟

ج) إن أسلم في هذا الوقت فليس عليه إلا أن يصلي المغرب فقط ،إن كان قد أدرك من وقتها مقدار ركعة قبل دخول العشاء ، لأن من أدرك ركعة من الوقت قبل أن يخرج فقد أدرك الوقت

س46) ما الحكم فيما لو أسلم بعد دخول وقت العشاء ؟

ج) إذا أسلم في هذا الوقت فإنه جزما تلزمه صلاة العشاء ، لأنه أسلم وصار من أهل الوجوب قبل خروج وقتها ، ولكن هل تلزمه صلاة المغرب أيضا ؟ هذا فيه خلاف ، والأصح إن شاء الله تعالى هو أنه يلزمه أن يصلي معها المغرب ، لأن الوقتين يصيران كالوقت الواحد لأهل الأعذار والضرورة ، وقياسا على الحائض ، إذا طهرت في هذا الوقت ، كما أفتى به جمع من الصحابة كعبد الرحمن بن عوف وابن عباس وغيرهما ، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة فكان كالإجماع ، وهو قول أكثر أهل العلم ، ولو كان إسلامه قبل الفجر بركعة ، فيلزمه صلاة المغرب والعشاء ، فيؤذن أولا ثم يقيم فيصلي المغرب ، فإذا فرغ عاد فأقام فقط بلا أذان ، ثم يصلي العشاء .

س47) ما الحكم لو عرض عليه الإسلام واقتنع به ولكنه لم ينطق بالشهادة إلا بعد دخول وقت الصلاة الثانية ؟

ج) إذا كانت الحال كذلك فإنما يلزمه الصلاة التي أوقع الإسلام في وقتها ، لأنه قبل النطق بالشهادة لا يعتبر مسلما ، فلا يطلق عليه اسم الإسلام إلا بعد النطق بالشهادتين ، فيصلي تلك الصلاة التي أسلم في وقتها ، وعليه أن يراعي التفصيل السابق ، فإن أسلم في وقت العصر لزمه صلاة الظهر السابقة لها معها ، وإن أسلم في وقت العشاء لزمه صلاة المغرب السابقة لها معها .

س48) ما حكم الصلوات التي مرت عليه وتركها حال كونه كافرا ؟ هل يلزمه قضاؤها أم لا ؟

ج) أقول :ــ أجمع أهل العلم رحمهم الله تعالى على أن الكافر إذا أسلم فإنه لا يلزمه قضاء ما فاته زمن الكفر ، بل هو عفو عنه ، وهذا الإجماع يرجع لأمور :ــ منها :ــ قوله تعالى " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " والصلاة داخلة في هذا العموم ، ومنها :ــ أنه قد أسلم في عهده صلى الله عليه وسلم الأعداد الكثيرة ولم يثبت في حديث واحد أنه أمر أحدا بقضاء ما فاته زمن كفره من الصلوات ، وهذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام ، ومنها :ـ حديث " إن الإسلام يهدم ما كان قبله " ، ومنها :ــ أن في أمره بقضائها تنفيرا له عن الدين ، وحرجا وإثقالا لا تأتي بمثله الشريعة ، والمتقرر أن كل فعل في تطبيقه عسر فإنه يصحب باليسر ، وأن الأمر إذا ضاق اتسع ، وأن رفع الحرج عن المكلفين من مقاصد هذه الشريعة المباركة زادها الله شرفا ورفعة .

س49) ما الحكم فيما لو أسلم وترك عددا من الصلوات بعد إسلامه جاهلا بحكم الصلاة في الإسلام ؟

ج) أقول :ــ هذه المسألة خلافية كبيرة ، والذي يترجح فيها هو ما اعتمده أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى ، وهو أنه يستأنف الصلاة بعد علمه بالوجوب ، وأما ما تركه جاهلا بوجوبه فإنه غير مؤاخذ على تركه ، وذلك لأن الشرائع ــ على القول الصحيح ــ لا تلزم إلا بالقدرة على القول ولعمل ، فلا تكليف إلا بعلم ، ولا عقوبة إلا بعد إنذار ، فالعلم بالوجوب شرط في ثبوت الأمر الواجب ، فمن لا يعلم بالوجوب ــ ومثله يجهل ــ فإنه غير مطالب بهذا الواجب الذي جهله ، في حال كونه معذورا بجهله ، وقد بحثنا الأدلة في هذه المسألة في رسالة مستقلة ، وما ذكرناه هو النتيجة والمحصلة النهائية لهذا المبحث ، فالراجح أن من أسلم وفوت مجموعة من الصلوات جاهلا بوجوب الصلاة في شريعة الإسلام ، ومثله يجهل ، فإنه لا يلزمه قضاء شيء مما فاته منها ، بل على من حوله أن يعرفوه بوجوبها وأنها الركن الثاني من أركان الإسلام وأنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة فإذا عرف وجوبها لزمه المحافظة عليها في الوقت الذي عرف الوجوب فيه ، أي يلزمه أن يصلي الوقت الذي عرف الوجوب فيه .

س50) هل يحكم بإسلام من صلى من الكفار ولو لم ينطق بالشهادتين ؟

ج) أقول :ــ هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم ، والراجح والله تعالى أعلم أنه لا يحكم بإسلامه بمجرد ذلك ، بل ولا تصح صلاته أيضا ، لأن من شرط صحة الصلاة الإسلام ، ومن المعلوم أن الشرط لا بد أن يتقدم على المشروط ، وهو حال تكبيرة الإحرام لا يزال على كفره ، فالواجب أولا أن ينطق بالشهادتين ثم يمكن من الصلاة ، وأما قبلها فلا ، فإن قلت :ــ أوليس الصلاة فيها الشهادتان ؟ فأقول :ــ نعم ولكن الشهادتين نظمها في الصلاة في التشهد ، وهو متأخر عن تكبيرة الإحرام ، والإسلام السابق على تكبيرة الإحرام شرط لصحة الصلاة بالإجماع ، ولأن المتقرر عند أهل العلم أن الخروج من الخلاف مستحب ، لا سيما في مثل هذه المسألة الخطيرة التي يترتب عليها صحة الإسلام من عدمه ، فلا تنبغي المخاطرة بالدين .

س51) هل ُيمَكَّنُ الكافر الأصلي من الدخول للمسجد ؟

ج) أقول :ــ أما المسجد الحرام فإنه لا يجوز تمكينه من قربانه ، لأنه نجس ــ بفتح الجيم ــ قال تعالى " يا أيها الذين ءآمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا " وهذا نهي عن قربانه فضلا عن دخوله ، ولكن هذا الحكم من خصائص المسجد الحرام ، وأما بقية المساجد فيجوز أن يدخلها الكافر للمصلحة الراجحة ، كأن يرى أو يسمع ما قد يكون سببا في إسلامه ، وقد كانت الوفود الكافرة تأتي للنبي صلى الله عليه وسلم وتدخل عليه مسجده وتستمع العلم والدعوة منه ثم يسلمون ، بل يجوز ربط الكافر في المسجد ، كما ربط النبي صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال في سارية المسجد ، وكم من الكفار الذين أسلموا لما رأوا المسلمين صفوفا في الصلاة في المسجد.

س52) هل يحكم بإسلام الكافر فيما لو أذن أو أقام ؟

ج) فيه خلاف في ذلك ، والأقرب عندي إن شاء الله أنه يحكم بإسلامه إن نوى به الدخول في الإسلام ، لأن الأعمال بالنيات والأمور بالمقاصد، ومن المعلوم شرعا أن العبرة في الألفاظ بمعانيها لا بمجرد مبانيها .

س53) ما حكم من أسلم في دار الحرب وبقي مدة تاركا لبعض الواجبات ومرتكبا لبعض المحرمات جاهلا بحقيقة حكمها الشرعي ؟

ج) أقول :ــ الصحيح في حكم هذا الرجل أنه لا إثم عليه ولا شيء فيما فوته من الواجبات أو ارتكبه من المحرمات ، لأنه جاهل بالحكم جهلا يعذر به ، وقد تقرر أن الشرائع لا تلزم إلا بالعلم ، وتقرر أن التكاليف من شرط لزومها القدرة على العلم والعمل .

س54) ما الحكم فيمن أسلم في دار الحرب وبقي بها سنين لا يؤدي الزكاة ؟

ج) أقول :ــ إن كان قد علم أن الزكاة من واجبات الإسلام في المال فإنه يجب عليه أداء زكاة ما فاته من السنين ، وأما إن كان لا يعلم بوجوبها فلا شيء عليه ، ولكن عليه أن يؤدي الزكاة في السنة التي على أنها من الفرائض الشرعية ، وأما السنوات الماضية فلا زكاة عليه فيها لأنه جاهل بالوجوب جهلا يعذر به فيه ، والشرائع لا تلزم إلا بالقدرة على العلم والعمل .

س55) ما الوقت الذي إذا أسلم فيه الكافر وجبت عليه زكاة الفطر ؟

ج) فيه خلاف ، والقول الصحيح إن شاء الله تعالى أنه إن أسلم قبل غروب شمس يوم العيد وجبت عليه زكاة ، لأن هذا هو وقت وجوبها ، وإن أسلم بعد ذلك فلا تجب عليه زكاة الفطر ، فليلة الفطر تبدأ من غروب شمس آخر يوم من رمضان ، فإذا غربت شمس ذلك اليوم فقد انعقد وجوب زكاة الفطر ، والكافر ليس من أهل الوجوب ، فإن أسلم بعد الغروب فإنه لا تجب عليه الزكاة ، لأنه ليس من أهل الوجوب في ابتداء وقت وجوبها ، لكن من أسلم قبل ذلك أي قبل الغروب فإه من أهل الوجوب فعليه أن يخرج زكاة الفطر ، وهو مذهب الجمهور .

س56) هل يلزم المسلم الجديد أن يصوم ما بقي من رمضان إن أسلم في أثنائه ؟

ج) أقول :ــ لا خلاف بين الفقهاء أنه إن أسلم في شهر رمضان فإن عليه صيام ما بقي منه ، لقوله تعالى " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .

س57) هل يلزمه قضاء ما فاته من رمضان قبل إسلامه ؟

ج) أقول :ــ الذي عليه عامة أهل العلم من المذاهب الأربعة وغيرهم وجماهير أهل العلم أنه لا يجب عليه قضاء ما فاته من الصوم زمن إسلامه ، وهو الحق ، لقوله تعالى " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " وقال عليه الصلاة والسلام " إن الإسلام يهدم ما كان قبله " .

س58) هل يلزمه قضاء اليوم الذي أسلم فيه؟

ج) أقول :ــ إن كان إسلامه بعد غروب شمس ذلك اليوم فلا يلزمه قضاؤه على الصحيح من قولي أهل العلم ، لأن الليل ليس محلا للإمساك ، فبغروب الشمس خرج وقت وجوب الإمساك ، وأما إن كان إسلامه في أثناء النهار أي قبل غروب الشمس فالأمر عندي فيه تردد ولكن الذي يترجح عندي والله تعالى أعلى وأعلم أن يلزمه إمساك بقية هذا اليوم وعليه قضاؤه فيما يستقبل من الأيام بعد رمضان ، أما وجوب الإمساك عليه بقية اليوم فلأنه أصلا أفطر في أوله بغير المسوغ الشرعي ، لأن بقاءه كافرا لم يسوغ له فيه ، فهو مطالب بالصوم وبما يصححه من الإسلام ، وقد تقرر أن من أفطر في النهار بلا مسوغ شرعي فإنه يلزمه إمساك بقية هذا اليوم ، وأما وجوب قضائه فلأنه لم يأت بالصوم المأمور به شرعا ، وهذا حكم عليه في هذا اليوم الذي أسلم فيه فقط ، ولا شك أن ما قلناه هو الأحوط في حقه ، وفيه خروج من خلاف العلماء ، وهذا لأن الحق أن الكافر مخاطب بفروع الشريعة ومخاطب بما يصححها من الإسلام، والله تعالى أعلم وأعلى .

س59) ما الحكم فيما لو أسلم الكافر بعد انتهاء زمن الوقوف بعرفة ؟

ج) أقول :ــ إن كان إسلامه بعد انتهاء زمن الوقوف فيكون الحج بذلك قد فاته ، لفوات وقت الوقوف بعرفة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " الحج عرفة " وزمن الوقوف بعرفة من فجر يوم عرفة إلى فجر يوم النحر ، وقد فاته ذلك الوقت فلم يدرك منه شيئا .

س60) وما الحكم فيما لو أسلم قبل انتهاء وقت الوقوف بعرفة ؟

ج) أقول :ــ إن كانت الحال كذلك فإنه يمكنه الحج هذا العام ، لأن زمن الوقوف بعرفة لا يزال باقيا ، فإن كان قادرا على الحج في هذا العام فعليه أن يبادر به ، لأن فرض الحج على الفور على القول الصحيح ، وإن كان غير قادر على الحج فعليه أن يحج العام الذي بعده إن توفرت فيه الشروط ، وعليه أن يتعلم كيفية الحج ، إما بقراءة مسائل الحج من كتاب معتمد ، وإما أن يحرص على سؤال أهل العلم ، والمهم أن الحج على الفور مع توفر الشروط .

س61) هل الإحرام قبل الإسلام ينعقد ؟

ج) لا ، لا ينعقد ، لأن الإحرام من العبادات ، وقد تقرر أن العبادات مبناها على الإسلام ، فالإسلام شرط لصحة العبادات ، فمن أحرم قبل الإسلام فإن إحرامه هذا غير معتبر ، فعليه بعد إسلامه تجديده .

س62) ما الحكم فيما لو أحرم الكافر ودخل الحرم ، ثم لما رأى عظمة المكان أسلم ، فهل عليه أن يرجع لتجديد الإحرام من الميقات أم لا ؟

ج) أقول :ــ هذا فيه خلاف ، والقول الصحيح أنه لا يلزمه ذلك ، بل يحرم للحج من مكانه الذي هو فيه ، لأن تجاوزه للميقات من المحرمات التي تغفر بالإسلام ، لحديث " الإسلام يجب ما قبله " ولأن إحرامه قبل إسلامه ليس بإحرام معتبر ، فيحرم من مكانه ولا فدية عليه ولا كفارة .

س63) ما الحكم فيما لو أسلم ثم أوصى بالحج قبل حلول زمنه، ومات قبل وقت الحج فما حكم وصيته هذه ؟

ج) لقد اختلف العلماء في هذه الوصية ولكن القول الصحيح هو صحة هذه الوصية ، لكن مع القول بصحتها فإنها إن كانت من ثلثه فهي لازمة التنفيذ ، وأما إن كانت من مال الورثة فإنها تكون من وصايا البر والإحسان ، فلا يلزم الورثة ولا غيرهم تنفيذها ، ولكن يستحب لهم إمضاؤها لأنها من البر والإحسان بميتهم .

س64) ما حكم الأضحية على من أسلم في يوم النحر ؟

ج) أقول :ــ الأضحية على المسلم الجديد هي كغيرها على من كان مسلما ، والراجح أن الأضحية سنة مؤكدة في حق المسلمين جميعا ، فمن أسلم في يوم النحر فيستحب له أن يضحي مع إخوانه المسلمين إن كان قادرا على ثمنها ، وإلا فلا حرج عليه .

س65) ما الحكم في امرأة أسلمت وأرادت الزواج فمن يكون وليها ؟

ج) أقول :ــ هذه من المسائل المهمة التي ينبغي فهمها ، فإن كان لها قريب مسلم ولو كان بعيدا في القرابة ، فإنه يكون هو وليها ، لأنه لا ولاية للكافر على المسلمة ، فإن كان هناك أبوها أو أخوها أو ابن عمها أو نحوهم من العصبة فإنه يكون هو الولي ، وأما إن لم يكن من أقربائها أحد من المسلمين فلا يخلو أما أن تكون في ديار المسلمين وإما أن تكون في بلاد الكفار ، فإن كانت في بلاد المسلمين فالأمر سهل وهو أن يكون سلطان البلد هو وليها ، لأن المتقرر شرعا هو أن السلطان ولي من لا ولي له ، وسواء السلطان أو من ينيبه السلطان ، وأما إن كانت قد أسلمت في بلاد الكفار فالراجح أن وليها يكون هو رئيس المركز الإسلامي في بلدها أو في البلاد المجاورة لها ، لأنه أعلى سلطة إسلامية في بلدها ، فيعقد لها هذا الرئيس ، ويكون هو بمثابة وليها ، وبهذا أفتى جمع من أهل العلم .

س66) هل إذا أسلمت الكافرة على يد رجل يكون هو وليها ؟

ج) أقول :ــ لا ، لا يكون هو وليها على القول الصحيح ، بل وليها السلطان إن لم يكن من أوليائها مسلم ، وكانت في بلاد المسلمين ، أو يكون وليها رئيس المركز الإسلامي في بلدها .

س67) من أسلم حديثا وأبواه كافران فهل يكون كفئا لمن كان مسلما بالأصالة وأبواه مسلمان ؟

ج) فيه خلاف بين أهل العلم رحمهم الله تعالى ، والحق عندي في هذه المسألة هو أن من أسلم حديثا فإنه يكون كفئا لمن كان مسلما قديما ، حتى وإن كان أبواه لا يزالان كافرين ، فهذا لا يضر في الكفاءة ، فيجوز للمسلم الجديد أن يتزوج بمسلمة قديمة ولا حرج عليه ، فالمسلمون واحد قديمهم وجديدهم ولا فرق بين أحد منهم ، فالمسلمون أكفاء بعضهم لبعض من غير فرق ، هذا ما ندين الله تعالى به .

س68) ما الحكم في مسلم تزوج نصرانية أو يهودية ثم هي بدلت دينها إلى دين كفري آخر فهل يقر على نكاحها ، أو هل يجوز لمسلم أن ينكحها بعد أن بدلت دينها ؟

ج) إن كانت بدلت دينها إلى دين آخر يقر عليه بالجزية فلا بأس في بقائه معها ، ولا يبطل عقده بذلك كأن تنتقل النصرانية إلى دين اليهودية أو تنتقل اليهودية إلى دين النصرانية ، فلا ينفسخ نكاح المسلم عليها بذلك ، لأن المتقرر شرعا أنه يجوز للمسلم أن ينكح العفيفة من أهل الكتاب ، بالقرآن والإجماع ، والمرأة هنا قد انتقلت من دين يجوز للمسلم نكاح نسائهم إلى دين آخر يجوز في الإسلام نكاح نسائهم ، وهو مذهب الحنفية والمالكية والأظهر عند الشافعية ورواية عند الحنابلة ، رحم الله الجميع رحمة واسعة .

س69) ما الحكم فيما لو انتقلت امرأة وثنية إلى دين أهل الكتاب فصارت يهودية أو نصرانية فهل يجوز للمسلم نكاحها ؟

ج) نعم يجوز نكاحها في هذه الحالة ، لأن من تدين بدين أهل الكتاب فهو منهم وله أحكامهم ، وإن كان بالانتقال إلى دينهم ، ولا عبرة بالدين الذي كانت عليه ، ولا ننظر إلى حالة أبويها ، بل العبرة بها هي نفسها ، فالكتابية الأصلية أو بالانتقال يجوز للمسلم أن ينكحها بشرط أن تكون عفيفة .

س70) ما الحكم في امرأة كانت كافرة وطلقها زوجها الكافر ثم نكحها كافر آخر قبل انقضاء عدتها ثم أسلما معا فهل يفرق بينهما أو يقران على هذا النكاح ؟

ج) أقول :ــ المشكلة في هذه المسألة هي أن هذه المرأة قد تزوجت قبل انقضاء عدتها من زوجها الأول ، وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة والراجح والله أعلم أنه إن كانت عدة المرأة لا تزال باقية فإنه يفرق بينهما ، حتى تنتهي عدتها من زوجها الأول ، ثم يعقد لها على الزوج الثاني عقدا جديدا ، ذلك لأن الإسلام يحرم النكاح الجديد مع بقاء العدة من الزوج الأول ، وهو مذهب الجمهور ، لقوله تعالى " ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله " والكفار مخاطبون بالنواهي ، ولأن المرأة قد تكون قد حملت من زوجها القديم ، فيؤدي نكاحها بالزوج الثاني إلى اختلاط الأنساب ، ومن مقاصد الشريعة حفظ النسل ، والله أعلم .

س71) ما الحكم في زوجين كافرين ، تزوجا على نكاح متعة ، ثم أسلما معا ، فهل يقران على هذا النكاح أو لا ؟

ج) أقول :ــ لا ، لا يقران على هذا النكاح ، بل لا بد من تجديد العقد ويكون عقدا شرعيا مستوفيا لكل شروطه الشرعية ، ذلك لأن نكاح المتعة عندنا فاسد ، فإذا أسلما فلا يزال المفسد قائما ، فلا بد من تصحيح النكاح ، وإزالة هذا المفسد ، وهو بأن يعقد لهما عقد صحيح والأمر في تصحيحه سهل ، ولله الحمد والمنة . والله أعلم .

س72) ما الحكم في الزوجين الكافرين إذا تزوجا على غير مهر ، ثم أسلما ؟

ج) في هذه الحالة يقران على نكاحهما لأن المفسد في العقد قد زال ، ولا يحتاج إلى تجديده ، لكن ذكر بعض أهل العلم بأنه لا بد من إعطاء المرأة شيئا من المال ولو يسيرا ويتفقان على أن هذا هو المهر الشرعي ، ويزول بذلك المفسد ، وهو أمر حسن ويسير ، والمهر لا بأس بتأخيره كما هو مقرر في الإسلام . والله أعلم .

س73) ما الحكم لو تزوجها حال كفرهما على غير ولي ، ثم أسلما معا ؟

ج) في هذه الحالة أيضا يقران على نكاحهما ولا حرج ، لأن المفسد قد زال .

س74) ما الحكم لو تزوجها حال كفرهما على غير شهود ؟

ج) إن كانت الحالة ما ذكر فالنكاح صحيح عندنا بعد إسلامهما ، ولا يلزمهما تجديده ، لأن المفسد قد زال وليس هو بقائم .والله أعلم .

س74) ما الحكم فيمن تزوج بأخته ، وهما كافران في دين يجيز ذلك ، ثم أسلما ؟

ج) إن كانت الحالة كذلك فإنه لا بد فورا من التفريق بينهما ، لأن هذا محرم في كل دين ، وهذا العقد فاسد ، والسبب في فساده لا يزال قائما وهو أنه نكح أخته ، وهي بعد الإسلام أخته ، فلا بد من التفريق بينهما فورا .

س75) ما الحكم فيمن تزوج أخته من الرضاع وهما كافران ثم أسلما ؟

ج) إن كانت الحالة كذلك فلا بد من التفريق بينهما ، لأن العقد على الأخت من الرضاع عقد فاسد والمفسد بعد إسلامهما لا يزل قائما .

س76) ما الحكم في زوجين أسلما معا ونكاحهما في الكفر قد توفرت فيه كل شروط النكاح في الإسلام ؟

ج) أقول :ــ هذا النكاح صحيح بعد إسلامهما ، باتفاق العلماء ، فيقران عليه بالإجماع .

س77) ما الحكم في زوج أسلم وزوجته لم تسلم ولكنها كتابية ؟

ج) إن كانت زوجته كتابية فإنه يقر على نكاحها ، لأن ما جاز للمسلم ابتداؤه فيجوز له الاستمرار عليه واليهودية والنصرانية يجوز ابتداء نكاحها فإن أسلم وهي لم تسلم فلا بأس أن يقرها معه ، لأن نساء أهل الكتاب العفيفات يجوز للمسلم نكاحهن .

س78) ما الحكم فيمن أسلمت وزوجها لم يسلم ؟

ج) الحكم في هذه الحالة أنها لا تقر معه ، بل لا بد من التفريق بينهما ، لأنه لا يجوز للمسلمة أن تكون تحت زوج كافر ، قال تعالى " ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا " وقال تعالى " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا "وقال تعالى " لا هن حل لهم ولا هم يحلون له " ولا فرق في ذلك بين الزوج الكتابي أو غيره ، فالمسلمة لا يجوز بقاؤها تحت زوج كافر مطلقا .

س79) ما الحكم فيما لو أسلم زوجها بعد ذلك ؟

ج) أقول :ــ هذا من موارد النزاع الكبيرة بين أهل العلم رحم الله أمواتهم وثبت أحياءهم والراجح في هذه المسألة عندي هو ما اختاره أبو العباس ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وعليه جمع من المحققين وهو الذي تدل عليه السنة الصحيحة ، وخلاصته أن نقول :ــ إن أسلم الزوج بعد إسلام امرأته فلا يخلو :ــ إما أن يسلم وهي لا تزال في العدة منه وإما أن يكون إسلامه بعد انقضاء العدة ، فإن كان إسلامه قبل انقضاء العدة فهي لا تزال زوجته ، وله حق ارتجاعها ، وأما إن انقضت عدتها ولا يزال كافرا ، فقد زال سلطانه عليها فلها أن تنكح من شاءت من المسلمين ، وإن هي أحبت أن تنتظره لعل الله أن يهديه فلها ذلك ، فإن أسلم بعد ذلك وأرادت هي أن ترجع إليه فلها ذلك ، فترجع إليه من غير حاجة لتجديد عقد بينهما، بل بالعقد الأول ، على القول الصحيح ، هكذا جرت السنة ، ويكفيك في ذلك قول ابن عباس في صحيح البخاري " وكان إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر ، فإذا طهرت حل لها النكاح ، فإن هاجر زوجها قبل ذلك ردت إليه " وهذا هو اختيار الخلال وأبي بكر من أصحابنا ، وابن المنذر وابن حزم ، وهو مذهب الحسن وطاووس وقتادة وعكرمة والحكم ،رحم الله الجميع رحمة واسعة .

س80) هل على الزوج الكافر إذا أسلم وامتنعت زوجته من الإسلام أن يدفع لها شيئا من المهر؟

ج) أقول :ــ لقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة ، والراجح إن شاء الله تعالى أن إسلامه إما أن يكون قبل الدخول وإما أن يكون بعد الدخول ، فإن كان قبل الدخول فعليه أن يدفع لها نصف المهر ،لأن الفرقة جاءت من قبله على وجه لا تقدر الزوجة على تلافيه فأشبه الطلاق وهو مذهب الجمهور ، وأما إن كان بعد الدخول فعليه أن يدفع لها المهر كاملا ، لأن المهر قد استقر بالدخول فلم يسقط منه شيء وهو اتفاق الفقهاء .والله أعلم .

س81) وهل يلزم الزوج الكافر أن يدفع لزوجته شيئا من المهر إن هي أسلمت قبله وامتنع هو ؟

ج) أقول :ــ إن كان بعد دخوله بها ، فعليه أن يدفع المهر كاملا ، لأن المهر قد استقر بالدخول فلا يسقط منه شيء ، وهو اتفاق الفقهاء ، وأما إن كان قبل الدخول ، ففيه خلاف ، والراجح أنه لا يلزمه دفع شيء من المهر ، لأن الفرقة جاءت من قبلها بسبب لا يقدر الزوج على تلافيه فسقط بذلك مهرها . وهو مذهب الجمهور .

س82) ما الحكم إن كان سبب الفرقة هو عدم إقرارهم على هذا النكاح كمن نكح محرما له أو من بينه وبينها رضاع محرم ، أي أنهما أسلما ثم فرقنا بينهما لهذا السبب ؟

ج) أقول :ــ هذا لا يخلو من حالتين :ــ إما أن هذا التفريق حصل قبل الدخول أو بعد الدخل بها ، فإن كان حصل قبل الدخول بها ، فإنها لا تستحق شيئا عليه ، لأنه نكاح باطل من أساسه ، ولا يقر عليه الإسلام ، وحدثت الفرقة فيه قبل الدخول ، وأما إن كانت الفرقة حصلت بعد لدخول فالأرجح عندي والله تعالى أعلم ، أنه ينزل منزلة نكاح الشبهة ، فلها المهر بما استحل من فرجها ، فإن كان المهر قد سمي فلها المسمى كاملا ، وإن كان لم يسم فلها مهر مثلها ، والله أعلم .

س83) هل يلزم المسلم الجديد أن ينفق على زوجته التي لا تزال كافرة ، إن حكمنا بوجوب الفرقة بينهما ؟

ج) أقول :ــ في هذه الحالة لا يلزم الزوج أن ينفق على هذه الزوجة الكافرة ، التي منعناه من قربانها، وهو مذهب الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة ، وذلك لأن الفرقة جاءت من قبلها بإبائها للإسلام ، ولم يستمتع بها زوجها في تلك المدة ، والنفقة في مقابل الاستمتاع ، ولأنها بتأخرها عن الإسلام كالمرتدة والناشز ، ولأنه لا سبيل للزوج على استبقاء نكاحها ، وتلافي حالها فأشبهت البائن .

س84) ما الحكم لو كانت في هذه الحالة حاملا ؟

ج) أقول :ــ إذا كانت حاملا فإن النفقة عليها واجبة ، من أجل الحمل ، سواء امتنعت من الإسلام أو قبلت .

س85) ما الحكم لو أسلمت الزوجة قبل انقضاء عدتها ؟

ج) أقول :ــ إن أسلمت هذه الزوجة قبل انقضاء عدتها عاد لها حق وجوب النفقة ، لأن المانع منها قد زال، فتجب عليه نفقتها بعد إسلامها ، لاستقرار الزوجية وعود الإباحة .

س86) هل يلزمه نفقتها في المدة التي امتنعت من الإسلام فيها بعد أن أسلمت وعادت له، أم النفقة تبدأ بوقت إسلامها وعودتها إليه ؟

ج) أقول :ــ هذا فيه خلاف بين العلماء ، والأرجح إن شاء الله تعالى أنه لا حق لها في النفقة في المدة التي لم تسلم فيها ، لأن مدة التأخير كالنشوز وقد جاءت من قبلها ، ولأن استمتاعه بها متعطل بسبب من جهتها ، لكن من مكارم الأخلاق ومعالي الأمور أن يتساهل في مثل ذلك ، لا سيما وأن الخلاف في مثل ذلك قد يكون سببا في ردتها وعدم ثباتها ، فيكون من باب الدعوة أن يعطيها ما يعوضها عن انقطاع النفقة فيما مضى .والله أعلم .

س87) وما الحكم إن كانت المرأة هي التي أسلمت ، وزوجها ممتنع ، وحكمنا بوجوب الفرقة بينهما ، فهل يلزمه هو أن ينفق عليها في زمن عدتها ؟

ج) أقول :ــ فيه خلاف ، والراجح هو مذهب الجمهور من أنه يلزمه نفقتها زمن العدة ، فإن سلمها طوعا ، وإلا فيلزمه القاضي إن كان في ديارنا ، وإلا فالله يعوض عليها .

س88) ما الحكم لو كانت الفرقة كانت بإسلام أحد الزوجين قبل الدخول ؟

ج) في هذه الحالة قد اتفق الفقهاء على أنه لا نفقة لها وذلك لعدم وجوب العدة عليها . والله أعلم .

س89) ما الحكم فيمن أسلم وتحته أكثر من أربع زوجات ، فأسلمن معه؟

ج) إذا أسلم الرجل وتحته أربع زوجات فليتخير منهن أربعا ،ويفارق الباقي ، وهو مذهب الجمهور، لحديث قيس بن الحارث أنه أسلم وتحته ثمان نسوة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " اختر منهن أربعا " رواه أبو داود وابن ماجه ، وفي حديث غيلان بن سلمة أنه أسلم وتحته عشر نسوة ، فأسلمن معه ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخير منهن أربعا " رواه الترمذي ،

س90) ما الحكم فيما لو أسلم بعضهن وأبى بعضهن وكانت الممتنعة من أهل الكتاب فهل تدخل في الاختيار ، أم أن التخيير مخصوص بالمسلمة فقط ؟

ج) أقول :ــ التخيير يكون بين من يجوز له إبقاؤها معه بعد إسلامه ، وأنت تعلم أن نساء أهل الكتاب يجوز للمسلم نكاحها ، وإبقاؤها معه بعد إسلامه ، وعليه :ــ فيدخل في التخيير ، ولكن لا أظن المسلم أن يفارق المسلمة التي آمنت بالله تعالى ، ويبقي عنده الكافرة التي تنكر وحدانية الله وإن كانت تجوز له .

س91) ما الحكم لو امتنع من الاختيار ؟

ج) أقول :ــ هذا ليس له فيه خيرة ، بل لا بد أن يبادر باختيار الأربع ، وهذا من الواجبات الفورية التي لا تأخير فيها ، فإن امتنع فإن الحاكم يجبره على القيام بذلك بالحبس والامتناع منهن جميعا ، وإن رأى أن الضرب ينفع في مثله فلا بأس ، والمهم أنه يعزه الإمام بما يراه نافعا في مثله حتى يفئ إلى أمر الشرع ويترك عناده ويخضع لأمر الله ورسوله .

س92) في حال الامتناع ألا ترى أن الحاكم يتولى هو الاختيار ؟

ج) لا ، لا نرى ذلك لأن الأمر مبني على ما يريده الزوج ويختلف الأمر باختلاف شهوته وميوله ، وذلك لا يعرفه الحاكم ، فلا ينوب عنه فيه .

س93) لو طلب الإمهال حتى يتروى ويفكر فهل يمكن من ذلك ، وكم يؤخر لو جاز ذلك ؟

ج) أقول :ــ إن طلب الإمهال قليلا في مدة قصيرة عرفا فلا بأس بذلك ، ويقدرها بعض أهل العلم بثلاثة أيام ، ولكن عليه أن يمتنع منهن في هذه المدة ، لأن منهن من تحرم عليه لا بعينها ، ولا يمكنه اجتناب من تحرم عليه إلا باجتناب الجميع .

س94) في زمان تفكيره ، والذي قدرناه بثلاثة أيام ، هل يلزمه نفقة الجميع ؟

ج) نعم يلزمه نفقتهن جميعا ، فلهن في زمان حبسه ووقفهن على اختياره أو فسخه النفقة والسكنى إلى أن يختار ، لأنهن محبوسات عليه ، ولأنهن في حكم الزوجات أيتهن اختار جاز.

س95) ما حال أولاد من فارقهن ولم يختارهن من نسائه السابقات ؟

ج) أقول :ــ هم أولاده ينسبون إليه ، وعليه نفقتهم ، ولا إشكال في ذلك .

س96) إن كانت منهن كافرة ليست من أهل الكتاب ولم تسلم فهل تدخل في الاختيار ؟

ج) لا ، لا تدخل في الاختيار ، لأن الأصل حرمة نكاح الكافرة التي ليست من أهل الكتاب، فهذه الكافرة يجب عليه مفارقتها حلا ، ولا تدخل مع جملة نسائه في التخيير ، لقوله تعالى " ولا تمسكوا بعصم الكوافر " وقال تعالى " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " وإنما استثنيت الكافرة من أهل الكتاب فقط إن كانت عفيفة .

س97) بم يتحقق الاختيار ؟

ج) أقول :ــ لقد نص أهل العلم على أن الأصل في الاختيار أن يكون بقوله ، أي أن يقول :ــ اخترت فلانة وفلانة وفلانة ، وهذا هو الأصل ، ولكن هناك الاختيار الفعلي ، وهو أن يطأ واحدة منهن ، فإن وطئه لها يعد اختيارا منه لها ، فيكون الاختيار بالقول وبالفعل .

س98) هل يمكن تمييز ذلك بالقرعة ، أي أن يقرع بينهن ومن خرجت عليها القرعة فهي زوجته ؟

ج) لا ، لا مدخل للقرعة في هذا الأمر ، لأن الأمر مبناه على اختياره الذي يرجع إلى رغبته وهواه وشهوته وميوله ، والقرعة لا شأن لها بذلك .

س99) كم عدة المرأة التي لم يختارها ، أي التي أراد فراقها ؟

ج) أقول :ــ إذا اختار أربعا وفارق البواقي فإنه يلزمهن أن يعتددن عدة المطلقات ، لأنهن في الحقيقة مطلقات ، فإن كن ممن يحضن فعدتهن ثلاثة قروء ، وإن كن من الآيسات أو ممن لا يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر ، وإن كن أولات حمل فعدتها أن تضع حملها .

س100) ما الحكم لو أسلم وأسلم معه نساؤه كلهن ثم أحرم بالحج أو بالعمرة وأحرمن معه كلهن فهل يلزم باختيار الأربع حال إحرامه وإحرامهن أم يؤخر الاختيار إلى أن يحلوا جميعا من إحرامهم ؟

ج) في هذه المسألة خلاف بين أهل العلم ، والراجح إن شاء الله تعالى أنه يلزم بالاختيار ولو كان محرما وهن محرمات ، وهذا لا يضر الإحرام شيئا ،وذلك لأن الإحرام استدامة للنكاح وتعيين للمنكوحة وليس هو بابتداء نكاح جديد ، فهو كالرجعة ، وقد تقرر أنه يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء .

س101) هل يشترط رضا المرأة في هذا الاختيار ؟

ج) لا ، لا يشترط رضا المرأة فيه ، لأن الحق في الاختيار يعود له ، لا لها ، ولأنه واجب عليه من قبل الشارع يجب عليه تنفيذه ولا عبرة برضا أحد فيه أو عدم رضاه ، فلا خيرة لأحد فيما قضاه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا يشترط رضاها ، ولا رضا وليها .

س102) ما الحكم فيما لو مات بعد إسلامه وإسلامهن جميعا وقبل أن يختار منهن أربعا ؟

ج) أقول :ــ هذه قد تقع ، فإن وقعت فالحكم فيها أنهن جميعا عليهن العدة ، كل امرأة تعتد بحسب عدتها المقررة شرعا ، فمن كانت ذات حمل فعدتها أن تضع حملها ، ومن كانت غير ذات حمل فعدتها أربعة أشهر وعشرا ، كل بحسبه ، لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان ، ولأنه لم يتميز المفارقات بالاختيار لموته قبل ذلك ، فيلومهن جميعا العدة من غير تمييز بينهن .

س103) ألا يحق للوارث في هذه الحالة أن يختار منهن أربعا ؟

ج) لا ، لا حق له في ذلك ، لأن الاختيار لا تدخله النيابة ، ولأن هذا الحق غير موروث ، أي لا يدخل في جملة ما يورث ، فلا حق للوارث ولا للحاكم ولا لغيرهما أن يتدخل في ذلك ، بل الحق هو ما ذكرته لك من أنهن جميعا نساؤه وعليهن جميعا العدة .

س104) وما الحكم فيما لو كان العكس ، أي أسلم هو وأسلمن معه ، ثم مات النساء جميعا قبل أن يختار ؟

ج) أقول :ــ في هذه الحالة فله الاختيار بين من مات ومن بقي منهن ، ولا يتجاوز اختياره على أربع ، لأنه هو صاحب الحق في الاختيار ، ولا عبرة بموتهن أو موت بعضهن ، لأن صاحب الحق لا يزال حيا.

س105) ما الحكم فيما لو أسلم وتحته أم وابنتها وأسلما معه ؟

ج) أقول:ــ إذا كان الحال ما ذكر فإن كان قبل إسلامه أو بعده دخل بهما، فإنه يحرم عليه الجميع، الأم وابنتها، فيجب عليه مفارقة الجميع، بل يحرمان عليه على التأبيد، فلا يحل له في يوم من الأيام أن ينكح واحدة منهن، وبيان ذلك أن نكاحه للأم حرم عليه ابنتها لأن البنت تكون ربيبة له بعد الدخول بأمها ، والربيبة يحرم على زوج الأم نكاحها ، لقوله تعالى " وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن " فهذا بالنبسة للبنت ، وأما الأم فوجه تحريمها عليه فلأنه دخل بابنتها ، فيكون هو زوج ابنتها وهي أم زوجته ، وأم الزوجة حرام ، فالبنت حرمت لأنها ربيبة له ، والأم حرمت لأنها أم زوجته ، وقد قال تعالى في سياق المحرمات " وأمهات نساؤكم " ولقد نقل ابن المنذر إجماع أهل العلم على هاتين المسألتين .

س106) وما الحكم فيما لو لم يدخل بواحدة منهما ؟

ج) أقول :ــ إن لم يدخل بواحدة منهما ، فإنه يثبت له نكاح البنت فقط ، ويبطل نكاح الأم ، وذلك لأن عقد نكاحه على الأم لا يحرم عليه ابنتها إلا بالدخول ، وأما عقده على البنت فإنه يحرم عليه أمها ولو لم يدخل ، فعقده على البنت أقوى من عقده على أماها لأنه يحرم بمجرده بخلاف الآخر فإنه لا يحرم إلا بانضمام الدخل إليه ، فنكاحه البنت يحرم أمها ويفسخ عقدها إن كان موجودا ، ويمنع نفوذه وانعقاده مطلقا، وعليه :ــ فإنه يقال له ، ما لك إلا البنت فقط ، وأما أمها فحرام عليك على التأبيد . والله أعلم .

س107) وما الحكم فيما إذا لم يدخل إلا بأمها فقط ، أي أنه عقد عليهما ولكنه دخل بالأم فقط دون البنت ؟

ج) أقول :ــ في هذه الحالة فقد اتفق العلماء على أن البنت حرام عليه مطلقا ، لأنه بنكاح أمها والدخول بها صارت البنت ربيبة له ، والربيبة حرام على زوج الأم باتفاق العلماء إذا دخل بأمها .

س108) وما الحكم فيما لو لم يدخل إلا بالبنت فقط دون الأم ؟

أقول :ــ في هذه الحالة أيضا فقد اتفق أهل العلم على أنه يحرم عليه أمها على التأبيد، وأما البنت فحلال له إن أسلمت معه .

س109) ما الحكم فيما لو جمع تحته من يحرم الجمع بينهما غير الأم وابنتها ؟

ج) أقول :ــ مثال ذلك أن يجمع بين الأختين ، أو بين البنت وعمتها أو بين البنت وخالتها ، وقد اختلف أهل العلم في ذلك على أقوال ، والراجح في هذه المسألة أنه يخير بينهما ، فيختار أحدهما ويفارق الأخرى ، سواء دخل بهما أو لا ، أو دخل بهذه أو هذه ، وسواء تزوجهما في عقد واحد أو متعدد،وهو مذهب جماهير أهل العلم .

س110) هل هناك توارث بين المسلم والكافر ؟

ج) لا ، لا توارث بينهما ، فإن مات المسلم فإن قريبه الكافر لا يرثه باتفاق العلماء ، وإن مات الكافر فإن قريبه المسلم لا يرثه في قول أكثر أهل العلم ، وعلى ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر " وهو في الصحيح .

س111) ما الحكم فيما لو مات مسلم ومن أبنائه من هو كافر ثم أسلم هذا الولد الكافر فهل يرث أباه بعد إسلامه أم لا ؟

ج) في هذه المسألة خلاف بين أهل العلم ، ولكن القول الصحيح والرأي الراجح المليح هو أنه لا يرثه ، لأن العبرة بالحال عند الموت ، أي لحظة الموت ، لا بعده ، لأنه بالموت قد انتقل المال إلى مستحقيه من الورثة حكما ، وإن تأخرت قسمته ، لكنه مالهم وحدهم دون غيرهم ، للحديث السابق في قطع التوارث بين المسلم والكافر ، وفي الحديث " لا يتوارث أهل ملتين شتى " والله أعلم.

س112) ما الحكم فيما لو أسلم كافر على أحد من المسلمين ، ثم مات ولا وارث له ، فهل يرثه هذا الداعية الذي أسلم على يديه ؟

ج) فيه خلاف ، ولكن القول الصحيح ، هو أنه لا يرثه ، وذلك لأن أسباب الإرث توقيفية على الدليل الشرعي الصحيح الصريح ، ولم يثبت في الأدلة إلا ثلاثة أسباب فقط ، وهي القرابة والنكاح والولاء ، فهذه الأسباب هي ما دل عليه الدليل ويبقى ما عداها على عدم صلاحيته للتوارث بين الميت والحي ، فمن أثبت التوارث بين المسلم الجديد ومن أسلم على يديه فإنه مطالب بالدليل .

س113) ما الضابط في الأنكحة التي يتوارث بها الكفار إذا أسلموا وتحاكموا إلينا؟

ج) أقول :ــ الضابط في ذلك يقول :ــ ( كل نكاح كان بين الكفار وأقره الإسلام بعد إسلامهم فهو مفيد للتوارث بينهما )هذا على ثلاثة أنواع :ــ الأول :ــ أنكحة قد اتفق العلماء على الإقرار عليها بعد الإسلام ، فهذه الأنكحة يتوارث بها الزوجين الكافرين بعد إسلامهما باتفاق العلماء ، وهي التي يتوفر فيها ما يجب توفره في أنكحة أهل الإسلام ، من الولي والشاهدين ، والمهر وأن تكون بلفظ النكاح ، ولا يكون بينهما نسب ، أو سبب يوجب التحريم ، كنكاح المحارم أو من بينهما رضاع أو مصاهرة ، الثاني :ــ أنكحة قد اتفق العلماء على عدم صحتها بعد إسلامهم ، كنكاح من تحرم عليه بنسب أو رضاع أو مصاهرة ، فهذه أنكحة لا خلاف بين العلماء في أنهم لا يقرون عليها ، وعليه فهذا النوع من الأنكحة لا يفيد التوارث بين الزوجين ، الثالث :ــ أنكحة قد اختلف أهل العم في الإقرار عليها ، كأن يكون النكاح بغير ولي أو مهر أو شهود ، أو بغير لفظ النكاح ، وأكثر أهل العلم في مثل هذا النوع على أن الكفار يقرون عليها ، وهو القول الصحيح ، وعليه فهذه الأنكحة تفيد التوارث بين الزوجين ، وذلك لأنه قد أسلم خلق كثير على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسألهم عن شروط أنكحتهم . والله أعلم .

س114) ما الحكم فيما لو حملت الأم الكافرة من زوج كافر ، فمات الزوج وهي لا تزال كافرة ، ثم أسلمت بعد ذلك فهل يرث الولد من أبيه الكافر أم لا ؟

ج) أقول :ــ في هذه المسألة خلاف بين أهل العلم ، والراجح أنه يرث من أبيه الكافر ، وذلك لأن العبرة في الميراث من عدمه إنما هي حال الوارث حال موت مورثه ، ولا يضر تغير الحال بعد ذلك ، وهذا الجنين لاحق بأبيه ، وإن كان محكوما بإسلامه تبعا لإسلام أمه ، وذلك لأنه كان محكوما عليه بالكفر يوم مات أبوه ، وقد ورثه من تلك اللحظة . والله أعلم

س115) ما الحكم فيما لو مات الأب الكافر وله أبناء منه ، ثم أسلم أحدهم بعد موت أبيه فهل يستحق الميراث منه ؟

ج) أقول :ــ هي قريبة من المسألة السابقة ، والراجح هو كالراجح هناك ، وهو أن هذا المسلم الجديد يرث من أبيه الكافر ، لأن العبرة هي في حال الوارث في اللحظة التي مات فيها مورثه ، وهذا الوالد كان كافرا يوم مات أبوه ، والإرث ينتقل حكما للوارث في اللحظة التي مات فيها من يورثه ، ولا عبرة بتغير الحال بعد ذلك ، وليس هذا من توريث المسلم من الكافر ، لأن الإسلام إنما جاء بعد التوارث بينهما ، ففي الحقيقة أن الحال هي أن أننا ورثنا الكافر من الكافر ، والميراث ليس هو قسمة المال ، وإنما القسمة تعتبر فرزا للحق الموروث ، وأما حق الإرث فإنه ثابت من لحظة تحقق الموت ، فانتبه لهذا .والله أعلم .

س116) هل يجوز أن يعطى الكافر من الزكاة إذا رجي بذلك إسلامه وإسلام من وراءه من بني قومه ؟

ج) نعم ، يعطى من الزكاة ، وهو سهم المؤلفة قلوبهم ، وقد نص الله تعالى على ذلك في القرآن الكريم في معرض بيان أهل الزكاة المستحقين لها ، ولكن هذا يكون لولي الأمر ، لأنه يفتقر إلى اجتهاده ، وهو مبني على غلبة الظن ، فإذا غلب على ظن ولاة الأمر أنه بإعطاء هذا الكافر من الزكاة أنه سيسلم ويسلم من وراءه من بني قومه فلا حرج عليه في أن يعطيه ، ولا غضاضة عليه في ذلك ، وأي قيمة للمال إن كان سيكون في مقابل إنقاذ النفس من الكفر والخلود الأبدي في النار .والله أعلم .

س117) ما حكم العقود التي بين الكفار إذا أسلموا بعد عقدها ؟

ج) أقول :ــ إن كانت هذه العقود من العقود الجائزة في الإسلام والتي تتوفر فيها الشروط وتنتفي فيها الموانع فهم على ما تعاقدوا عليه ، لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان ، وليس في هذه العقود ما يحرمه الإسلام ، والأصل في العقود الحل ، وأما إن كانت هذه العقود مما يمنعه الإسلام منع تحريم كعقود الربا أو كانت تتضمن الميسر أو بيع ما لا يجوز بيعه شرعا كبيع الخمر والخنزير والأصنام والميتة ونحو ذلك مما ثبت تحريمه في الإسلام فهذه العقود لا تخلو من حالتين :ــ الأولى :ــ أن يكون قد تم القبض فيها وهم كفار ، أي قبل إسلامهم أي أن العقد والقبض حصلا وهم لا يزالون على كفرهم ، فهذا قد تم، ويقرون على ملكه ، ويغفر لهم بإسلامهم تحريم ذلك ، فيصير الفعل في حقهم عفوا ، بمنزلة من عقد عقدا وقبض قبضا غير محرم ، الثانية :ــ أن يكون العقد حصل قبل الإسلام ولكن لم يتم القبض بعد ، فإنه في هذه الحالة لا يجوز لهم أن يقبضوا قبضا محرما، وما سبق من التفصيل هو قول جماهير أهل العلم ، والله أعلم .

س118) هل يجب الاقتصاص ممن جنى ثم أسلم ؟

ج) أقول :ــ في هذه المسألة خلاف طويل بين العلماء رحمهم الله تعالى ، والراجح من هذا الخلاف هو ما اختاره أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى من أن العقوبات على ما فعله الكافر إذا أسلم لا تقام ، فلا يعاقب الكافر على مل فعله قبل الإسلام من محرم ، سوا كان يعتقد تحريمه أو لم يعتقده ، فلا يعاقب على قتل نفس ولا سرقة ولا زنا ولا ربا ، سواء فعل ذلك بالمسلمين أو بأهل دينه ، فإن كان بالملمين فهو يعتقد إباحة ذلك منهم ، وأما أهل دينه فهم مباحون في دين الإسلام ، وإن اعتقد الحظر ، فمتى كان مباحا في دينه أو في دين الإسلام فإنه لا يعاقب عليه ، ولكن إن كان ما فعله محرما في الدينين جميعا ، مثل أن يكون بينه وبين قوم عهد ، فإن كان عهده مع المسلمين فهذا هو المستأمن والذمي فمثل هذا بهذه الحال يضمن ما أتلفه من نفس أو مال ويعاقب على ما تعدى به على المسلمين وعلى الزنى ، والله تعالى أعلى وأعلم .

س119) ما الحكم فيما لو اعتدى مسلم على كافر فجرحه ثم أسلم هذا الكافر فسرى الجرح فمات به ؟

ج) أقول :ــ أما القصاص فلا قصاص ، أي لا يقتل به المسلم ، وذلك لأن من شروط القصاص المعتمدة المكافأة بين الجاني والمجني عليه حال الجناية ، ولا تكافؤ بينهما هنا حال الجناية لأنه حال الجناية هذا مسلم وهذا كافر ، ولكن إن أسلم بعد ذلك فسرت الجناية ومات بها ، فالصحيح عندي هو أنه يضمن بدية مسلم كاملة ، لأن سراية الجرح معتبرة ، ولأن الواجب مقدر بما تفضي إليه الجناية لا بما يحصل بها في أول الأمر ، أي أن العبرة بما انتهت إليه لا بما ابتدأت به ، وهو الذي عليه أكثر الفقهاء.

120) ما حكم الهجرة على من أسلم في دار الكفر ؟

ج) أقول :ــ الأمر فيه تفصيل :ــ فإن كان لا يقدر على إظهار شعائر دينه وهو قادر على الهجرة فإنها تكون واجبة عليه ، قال تعالى " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا " وهذا الوعيد الشديد يدل على أن الهجرة واجبة ، ولأن القيام بشعائر دينه الظاهرة واجب وهو لا يستطيع ذلك إلا بالهجرة فتكون واجبة لأنه قد تقرر في الأصول أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، لكن اشترطنا في ذلك القدرة لأن المتقرر بالاتفاق أن الواجبات منوطة بالقدرة فلا واجب مع العجز ، وأما من يتمكن من إظهار شعائر دينه ولا غضاضة عليه في ذلك ، وهو قادر على أن يهاجر فهذا تكون الهجرة في حقه من المندوبات المتأكدات لا الواجبات المتحتمات ، فالهجرة تكون واجبة أحيانا وتكون مستحبة أحيانا .

س121) هل يجب على ولي أمر الدولة الإسلامية قبول من هاجر إليه من المسلمين ممن لا يستطيع في بلد الكفر إقامة شعائر دينه ؟

ج) نعم ، يجب عليه ذلك ، وهو من حق المسلم على المسلم ، وحتى لا يفتن ذلك الضعيف في دينه ، ولأن من ضرورات الشريعة حفظ الدين ، ولا يمكن حفظ دين هذا المهاجر إلا بانضمامه إلى الدولة المسلمة ، وعدم رجوعه إلى دولته الكافرة ، ولأن هذا من التعاون على البر والتقوى المأمور به في قوله تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى " ولأنه لا مفسدة في قبوله بيننا في الدولة المسلمة ، بل في قبوله المصلحة الخالصة أو الراجحة ، ولأن هذا من مقتضى أخوة الدين ، وقد قال الله تعالى " إنما المؤمنون إخوة " ولأن هذا من نصرته فإن نصرة المسلم القادر لأخيه المسلم العاجز من الوجبات الشرعية ، وقد قال صلى الله عليه وسلم " انصر أخاك ظالما أو مظلوما " وهو هنا مظلوم فنصرته واجبة ، ولأن النبي صلى الله عليه قال " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ... الحديث " وأي إسلام وخذلان كتسليمه إلى دولته التي لا يقدر فيها على بقائه مسلما، ولأن هذا من مقتضى الشهامة والرجولة والموالاة للمسلم .

س122) وما الحكم فيما لو كان بيننا وبين دولته معاهدة على رد من جاءنا مسلما إليهم ؟

ج) هذا فيه تفصيل :ــ أما إن كانت المهاجرة إلينا امرأة ففي هذه الحالة لا يجوز لنا أن نردها لدولتها الكافرة ولو قامت الدنيا ولم تقعد ، لأن الله تعالى يقول " يا أيها الذين ءآمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن " ولأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدم رد المسلمة المهاجرة إلى بني قومها الكفار ، وأما إن كان المهاجر إلينا صبيا دون البلوغ فكذلك لا يجوز رده ، بل لا تجوز الهدنة على رده أصلا لما فيهم من ضعف العقل والمعرفة والعجز عن التخلص والهرب ، هكذا قرره علماء الإسلام ، وأما إن كان المهاجر رجلا كبيرا فلا يخلو إما أن تكون له عشيرة تحميه من الأذى وإما لا ، فإن كان له عشيرة تحميه فعلى إمام المسلمين أن يوفي بما أخذه من العهد على نفسه ودولته ويرده إليهم ، ولكن يشترط على الدولة الكافرة أن لا يهينوه ولا يؤذوه وإلا فلا عهد بيننا ، ويستدل على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قبل شروط الصلح ومنها هذا الشرط ، وقد رد بمقتضاه أبا جندل وأبا بصير ، رضي الله عنهما ، وليس هذا من خذلان المسلم بل من الوفاء بالعهد الذي قطع بالله لهم ، ومن باب دفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى ، ومن باب دفع الضرر العام بالضرر الخاص ، وأما إن كان هذا المهاجر لا عشيرة له تحميه من الأذى وكان المقصود من رده إهانته وإذلاله وفتنته عن دينه فلا يجوز تمكين الكفار منه ولا طرفة عين ، هذا ما تحصل لي في هذه المسألة ، وينبغي أصلا لولي الأمر أن لا يقبل بهذا الشرط إلا إن كان محققا للمصالح العامة ، والله يتولانا وإياك .

س123) ما الحكم فيما لو كان المهاجر من العبيد والأرقاء ؟

ج) أقول :ــ إن كانت الحالة كذلك فالقول الصحيح هو ما ذهب إليه أكثر أهل العلم من أن العبد إذا أسلم وهرب من سيده الكافر ومن الدولة الكافرة فإنه لا يرد إليهم لأنه ضعيف فيهم ومهان بينهم ولا عشيرة له تنصره ، بل ونقول :ــ إن الراجح أنه بإسلامه وهربه إلى الدولة المسلمة يكون حرا كسائر الأحرار في هذه الدولة ، ولا يغرم إمام المسلمين قيمته مطلقا .

س124) ما الحكم فيمن أسلم وأبواه لا يزالان كافرين وأراد الابن أن يجاهد في سبيل الله تعالى جهادا لم يتعين عليه فهل إذنهما معتبر وهما كافران ؟

ج) لا ، لا يعتبر إذنهما في هذه الحالة ، لأن الكافر لا ولاية له على المسلم .

س125) وما الحكم إن كان أحدهما مسلم والآخر كافر ؟

ج) إن كان كذلك فالمعتبر هو إذن من أسلم منهما ، فإن كانت الأم فلا بد من استئذانها ويسقط إذن الأب لكفره ، وإن كان الأب فيعتبر إذنه فقط ويسقط إذن الأم لكفرها .

س126) وما الحكم فيما لو خرج للجهاد وهما كافران ثم أسلما بعد ذلك فهل لا بد من استئذانهما ؟

ج) أقول :ــ في هذه المسألة تفصيل :ــ أما إن كان إسلامهما بعد حضور الصف والتقاء الجيش بجيش العدو فهنا لا يلزمه استئذانهما لأن الجهاد قد تعين عليه ورجوعه عنه والحالة هذه معصية ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وقد سقط حقهما بحضور صف القتال ، وأما إن كان إسلامهما قبل تعين الجهاد عليه فالحق في هذه المسألة وجوب استئذانهما ، لأن حقهما فيه باق ولأن الجهاد لا يزال مستحبا في حقه مالم يحضر الصف ، واستئذانهما واجب وقد تقرر أن الواجب مقدم على المستحب، والله تعالى أعلم وأعلم .

س127) ما الحكم فيما لو منع المسلم الجديد من الهجرة إلى ديار الإسلام إلا بدفع الرشوة ؟

ج) أقول :ــ إن كانت الهجرة متعينة عليه لعدم القدرة على إظهار شعائر دينه فلا نرى بأسا في دفع المال مقابل ذلك ، وهو وإن كان رشوة لكن هناك ضرورة وقد تقرر أن الضرورات تبيح المحظورات ، والضرورة تقدر بقدرها ، فيدفع من المال ما يتحقق به التفريج عنه ليسافر لبلاد الإسلام ، فيجوز له الدفع ويحرم عليهم الأخذ ، ولأن الهجرة من حقوقه الشرعية بعد إسلامه ، وقد تقرر أن من لم يستطع استخراج حقه إلا بدفع شيء من المال جاز ذلك ويكون حلالا على الدافع حراما على الآخذ.

س128) إن لم تجد المرأة محرما يهاجر معها إلى بلاد الإسلام فما الحل ؟

ج) أقول :ــ في هذه الحالة تأتي إلى ديارنا ــ وأهلا وسهلا ــ بلا محرم ، فاشتراط المحرمية هنا لا يلزم لما في مراعاته من المفاسد عليها وعلى دينها ، وقد تقرر أنه إذا تعارض مصلحتان روعي أعلاهما بتفويت أدناهما ، والمصلحة العليا هنا هي حفظ دينها وعرضها بالهجرة إلينا ، والمصلحة الصغرى وجود المحرم ، وتقرر أنه إن تعارض مفسدتان روعي أشدهما بارتكاب أخفهما ، والمفسدة العليا هنا هي تركها في هذه البلدة الكافرة مع ما يتضمن ذلك من إهانتها أو فتنها عن دينها ، أو انتهاك عرضها أو قتلها ، أو غير ذلك ، والمفسدة الصغرى هي سفرها بلا محرم ، فلتأت إلى ديار الإسلام ولو بلا محرم ، وقد كان حال كثير من النساء زمن الهجرة كذلك ، فإنهن انتقلن من مكة إلى المدينة بلا محارم ، والله أعلم .

س129) ما الحكم فيما لو اضطرت للكذب لتيسير أمور هجرتها ؟

ج) أقول :ــ لا بأس بذلك ، لكن إن قدرت على المعاريض أولا ففي المعاريض مندوحة عن الكذب ، وإن لم تنفع المعاريض فلها من الكذب ما تتحقق به المصلحة ، فإنه إن كان الكذب يجوز على الزوجة وبين المتخاصمين من باب الإصلاح فجواز الكذب حماية للدين والعرض من باب أولى وأحرى ، والله أعلم .

س130) ما حكم تغيير الاسم بعد إسلامه ؟

ج) أقول :ــ إن كان اسمه هذا من الأسماء التي عبدت لعير الله تعالى كعبد المسيح أو عبد الأسقف أو عبد التلمود أو عبد الصليب ونحو ذلك فهذا يجب عليه تغيير الاسم لأنه لا يجوز في شريعة الإسلام تعبيد الاسم لغير الله تعالى ، وأما إن لم يكن فيه تعبيد لغير الله تعالى فهذا لا يجب عليه في اسمه شيء إلا أنه إن كان الاسم مما اشتهر به الكفار أو كان قبيحا في ذاته أو كان يحمل بين طياته تزكية فالأحسن للمسلم الجديد تعييره وأن يتسمى باسم من الأسماء المشتهرة بين المسلمين ، هذا من باب الأفضل والأكمل وحتى لا يربطه بسابق عهده شيء ، بل يجدد كل شيء ، وإن أبى إلا البقاء على اسمه فلا حرج لكن بالشرط المذكور سابقا .

س131) هل يجب على المسلم الجديد أن يغسل أوانيه وثيابه ومتاعه أم لا ؟

ج) لا ، لا يجب ذلك عليه ، لكن ما تحقق يقينا من نجاسته فهو الذي فقط يجب غسله ، وأما ما لا نجاسة فيه أو شك في نجاسته فلا يجب عليه غسله ، لأن الأصل في الأشياء الطهارة إلا ما تحققنا نجاسته ، ولأن الصحيح أن أواني الكفار طاهرة إلا ما قامت فيه عين النجاسة يقينا ، وأما الشكوك والاحتمالات فإنه لا يلتفت إليها . والله أعلم .

س132) هل على المسلم الجديد الأخذ من شاربه وقص أظفاره وحلق عانته ونتف إبطه ؟

ج) أقول :ــ هذه الأشياء من خصال الفطرة وأخذها من السنة وكمال الفطرة ، فإن كانت هذه الأشياء فيه طويلة فإنه يرشد إلى الطريقة الشرعية في أخذها ، وإن كانت قصيرة فيعلم فيها الحكم حتى إذا احتاج لأخذها يكون على دراية بكيفية الأخذ منها والله أعلم .

س133) هل تسقط حقوق الآدميين بإسلام الكافر ، كمن أسلم وعليه دين للآخرين فهل إسلامه يسقط هذا الدين ؟

ج) أقول :ــ حقوق الآدميين لا تسقط بإسلام الكافر ، بل لا تسقط إلا إن قضاها أو تنازلوا عنها ، فلا تزال حقوق الآدميين ثابتة في ذمته ، لم تسقط ، وعليه الوفاء بها ، وإنما الذي يسقط بالتوبة العامة والإسلام هو ما كان من قبيل حقوق الله تعالى ، وقد تقرر أن حقوق الآدميين مبناها على المشاحة وحقوق الله تعالى مبناها على المسامحة .

وهذا ما تيسر جمعه من كتب أهل العلم فيما يخص أحكام المسلم الجديد والله ربنا أعلم وأعلى ، والحمد لله تعالى أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وله الفضل كله والنعمة كلها وبيده التوفيق ، وأسأله جل وعلا أن ينفع به النفع العام والخاص ، والعاجل والآجل ، وأن يطرح فيه البركة ، ويشرح له الصدور ويرزقه القبول العام والخاص ، وأن يغفر لأهل العلم المغفرة الواسعة الكاملة ، وأن يرفع نزلهم في الفردوس الأعلى وأن يبارك في جهودهم ، ويجمعنا بهم في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، وقد تم الفراغ منه ظهر يوم الاثنين في الثاني من شهر ربيع الأول سنة تسع وعشرين وأربعمائة وألف من هجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم .

قال مؤلفه عفا الله عنه :،، اللهم اشهد أن هذه الوريقات وقف لك

على سائر إخواني المسلمين ، وأنه لا حق فيها لوالد

ولا ولد ، وأن حقوق الطبع عامة مبذولة

لكل مسلم