الوصف
في هذه المقالة بيان أن المصلحة أصلٌ في دعوة المسلم الجديد؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها: «لولا أن حداثة قومك بالكفر لنقضتُ البيتَ ثم لبنيتُه على أساس إبراهيم عليه السلام ...» الحديث؛ رواه البخاري (1585)، لئلا يصدهم عن الإسلام.
اعتبار المصلحة في دعوة المسلم الجديد
اعتبارُ المصلحة أصلٌ في دعوة المسلم الجديد، ويُؤخذ ذلك من قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لعائشة - رضي الله عنها -: «لولا أنَّ قومَك حديثو عهدٍ بجاهليَّة لنقضتُ البيت».
فكان من منهج النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع المسلمين الجُدُد اعتبارُ المصلحة، وما تقدَّم من هَدْي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في معاملة المسلِم الجديد من التدرُّج والتأليف وغيره، مبناه على المصلحة.
ومِن اعتبار المصلحة مع المسلِم الجديد:
ألاَّ يُحدَّث بما يصدُّه عن الإسلام في بَدْء الأمر، فلا بدَّ من مراعاة المصلحة في ذلك، فإنَّ المسلِم الجديد، والراغب في الإسلام قد يحكم عليه مِن خلال قول أو فعل يقوم به الداعية.
وجدير بالذِّكْر هنا: أنَّ بعض القائمين بالدَّعْوة قد يصدُّون عن الإسلام دون أن يشعروا، لا سيَّما في الحديث مع غير المسلمين الباحثين عن حقيقةِ الإسلام، فلا بدَّ مِن مراعاة حال المدعو.
وبعضُ القائمين بالدَّعْوة قد يَعْمِدون - كما قال بعض العلماء - إلى تقديم الاحتساب على الدعوة، فيُلْقي بعضهم الصليبَ من على رَقبة المدعو، ويرميه ويقول له: حتى أتحدَّث معك عن الإسلام لا بدَّ أن تخلعَ هذا، أو يبادر إلى نزْع حِرْزٍ وضعَه على يده، أو غير ذلك، أو يبادر بإخباره عن أحكامِه مع زوجته، أو يبدأ معه بالحديث حولَ تبرُّئِه من والديه، أو يبدأ معه في الحديث عن الخِتان، وربَّما بدأ معه بالحديث عن حُكم التدخين، ووجوب الإقلاع عنه فورَ إسلامه!
وكل ذلك قد يصدُّه عن الإسلام، وهو ليس من الحِكمة التي أُمِر الداعي أن يدعوَ بها الناس، ثم إنَّ الكافر إذا نَطَق بالشهادتين سيحصل منه خيرٌ كثير بالتوحيد، حتى ولو صار مسلمًا عاصيًا، لكان هذا خيرًا له من أن يبقى كافرًا.
بل إنَّ بعض الدعاة يظنُّ أن من اللازم أن يقتنعَ الكافر بالإسلام قناعةً تامةً، فيذكِّره بالرِّدَّة وحُكمها، فيرده عن الإسلام!!
ولذا لا ينبغي تأخيرُ الهداية عن المدعو بحُجَّة أن يتفهَّم الإسلام أكثر، وأن يفهمَ جميع أحكامه قبلَ الدخول فيه، بل عليه أن ينطقَ بالشهادتين بمفهومهما الصحيح؛ ليدخلَ في سلك الموحِّدين الذين يخرجون من النار ولا يخلدون فيها، ويوضح ذلك ويبينه ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - حين قال: "الداخلُ في الإسلام لا يمكن حين دخوله أن يُلقَّن جميعَ شرائعه، ويؤمَر بها كلها، وكذلك التائب من الذنوب والمتعلِّم والمسترشد، لا يمكن في أوَّل الأمر أن يُؤمَر بجميع الدِّين، ويذكر له جميع العلم، فإنه لا يُطيق ذلك، وإذا لم يُطقْه، فلم يكن واجبًا عليه في هذه الحال، وإذا لم يكن واجبًا عليه، فلم يكن للعالِم والأمير أن يُوجِبَه جميعَه ابتداءً، بل يعفو عن الأمر والنهي بما لا يمكن عِلمُه وعمله إلى وقت الإمكان، كما عفَا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عمَّا عفا عنه إلى وقتِ بيانه، ولا يكون ذلك من باب إقرار المحرَّمات، وترْك الأمر بالواجبات؛ لأنَّ الوجوب والتحريم مشروطان بإمكان العِلم والعمل، وقد فرضْنا انتفاءَ هذا الشَّرْط، فتدبَّر هذا الأصل، فإنه نافع".
وقد شَهِد تاريخ المسلمين صورًا من اعتبار المصلحة مع المسلِم الجديد، فمِن ذلك: ما جاء في ترجمة غازان بن آرغون سلطان التتار، وحفيد جنكيز خان، وكان على طريقة جدِّه الأعلى جنكيز خان - أنَّ جلوسه على تخت الملك كان سنة 693هـ، فحَسَّن له نائبه نوروز الإسلام، فأسلَم سنة 694هـ، ونثَر الذهب والفِضَّة واللؤلؤ على رؤوس الناس، وفَشَا بذلك الإسلام في التتار، وقيل له بعدَ إسلامه: إنَّ دين الإسلام يُحرِّم نكاحَ نساء الآباء، وقد كان استضاف نساءَ آبائه إلى نسائه، وكان أحبهنَّ إليه بلغان خاتون، فهمَّ أن يرتدَّ عن الإسلام، فقال له بعضُ خواصه: إنَّ أباك كان كافرًا، ولم تكن بلغان معه في عَقْد صحيح، إنما كان مسافِحًا بها، فاعقدْ أنت عليها، فإنَّها تَحِلُّ لك، ففعل، ولولا ذلك لارتدَّ عن الإسلام، واستُحسِن ذلك من الذي أفتاه به لهذه المصلحة.
قال الشوكاني - رحمه الله -: "بل هو حسن، ولو كان تحتَه ألف امرأة على سِفاح، فإنَّ مثل هذا السلطان المتولِّي على أكثر بلاد الإسلام في إسلامه من المصلحة ما يسوغ ما هو أكبرُ من ذلك، حيث يؤدِّي التحريج عليه، والمشي معه على أمر الحقِّ إلى ردَّته - فرحم الله ذلك المفتي".
إنَّ العلماء وحدَهم هم الذين يستطيعون أن يقفوا مثلَ هذه المواقف، ويُقدِّرون المصلحة، أما غيرهم فقد يُضيِّقون على المسلم الجديد عند إسلامه، ولا يعتبرون المصلحة، بل قد يصدُّون عن الإسلام من حيثُ يظنُّون أنهم يحسنون.