الوصف
من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم: قال المؤلف - رحمه الله -:- « فلما كانت معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - أنوارًا تشرق على القلوب الطافحة بالإيمان وتزيدها قوة وثباتًا واستقامة؛ أحببت أن أذكر ما تيسر منها، والله المسؤل أن يجعل عملنا خالصًا لوجهه الكريم ».
تأليف الفقير إلى عفو ربه المنان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي تفرد بالجلال والعظمة والعز والكبرياء والجمال وأشكره شكر عبد معترف بالتقصير عن شكر بعض ما أوليه من الإنعام والإفضال.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ تسليمًا كثيرًا وعلى آله وأصحابه.
وبعد فلما كانت معجزات النبي ﷺ أنوارًا تشرق على القلوب الطافحة بالإيمان وتزيدها قوة وثباتًا واستقامة أحببت أن أذكر ما تيسر منها والله المسؤل أن يجعل عملنا خالصًا لوجهه الكريم.
اعلم وفقنا الله وإياك وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه أن الله قد جمع لنبينا ﷺ جميع أنواع المعجزات والخوارق. أما العلم والأخبار الغيبية والسماع والرؤية.
1- فمثل إخباره ﷺ عن الأنبياء المتقدمين وأممهم.
2- ومخاطبته لهم وأحواله معهم.
3- وكذلك إخباره عن أمور الربوبية والملائكة والجنة والنار بما يوافق الأنبياء قبله من غير تعلم منهم، ويعلم أن ذلك موافق لنقول الأنبياء تارة بما في أيديهم من الكتب الظاهرة ونحو ذلك من النقل المتواتر.
4- وتارة بما يعلمه الخاصة من علمائهم.
5- فإخباره عن الأمور الغائبة ماضيها وحاضرها هو من باب العلم الخارق للعادة.
6- وكذلك إخباره عن الأمور المستقبلة.
7- مثل مملكة أمته.
8- وزوال مملكة فارس.
9- والروم.
10- وقتال الترك وألوف مؤلفة من الأخبار التي أخبر بها وأما القدرة والتأثير:-
11- فانشقاق القمر.
12- وكذا معراجه إلى السموات.
13- وكثرة الرمي بالنجوم عند ظهوره.
14- وكذا إسراؤه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
15- وتكثير الماء في عين تبوك.
16- وعين الحديبية.
17- ونبع الماء من بين أصابعه.
18- وكذا تكثير الطعام. ويأتي إن شاء الله بعضها موضحًا مفصلاً قريبًا.
19- وفي صحيح مسلم من حديث جابر قال: "سرنا مع رسول الله ﷺ حتى نزلنا واديًا أفيح فذهب رسول الله ﷺ يقضي حاجته فاتبعته بإداوة من ماء فنظر رسول الله ﷺ فلم ير شيئًا يستتر فإذا شجرتان بشاطئ الوادي فانطلق رسول الله ﷺ إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال: انقادي علي بإذن الله.
فانقادت معه كالبعير المخشوم الذي يصانع قائده حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بعض أغصانها فقال: انقادي علي بإذن الله فانقادت كذلك حتى إذا كان بالمنتصف فيما بينهما فلاءم بينهما حتى جمع بينهما، فقال: التئما علي بإذن الله فالتأمتا عليه.
فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسول الله ﷺ بقربي فتباعدت فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة فإذا أنا برسول الله ﷺ مقبلاً وإذا الشجرتان قد افترقتا فقامت كل واحدة منهما على ساق" وذكر الحديث.
20- ومنها أنها انكسرت رجل عبد الله بن عتيك t بعدما قتل أبا رافع الذي يؤذي النبي ﷺ قال فانتهيت إلى النبي ﷺ فحدثته فقال لي "ابسط رجلك" فبسطت رجلي فمسحها فكأنها لم أشتكها قط.
21- وقصة أم معبد مشهورة من حديثها أن رسول الله ﷺ حين مر بها طلب لبنًا أو لحمًا يشترونه وكانوا مرملين مسنتين فلم يجدوا عندها شيئًا قط فنظر إلى شاة في كسر الخيمة خلفها الجهد عن الغنم، فسألها هل بها من لبن ؟ فقالت: هي أجهد من ذلك، فقال: أتأذنين لي أن أحلبها! فقالت بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلبًا.
فدعا بالشاة فاعتقلها ومسح ضرعها فدرت واجترت ودعا بإناء يشبع الرهط فحلب حتى ملأه وسقى القوم حتى رووا ثم شرب آخرهم ثم حلب فيه مرة أخرى عللاً بعد نهل ثم غادره عندها وذهبوا فجاء أبو معبد فلما رآى اللبن قال ما هذا يا أم معبد ؟ أنى لك هذا والشاة عازب حيال ولا حلوبة بالبيت فقالت لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك فقال صفيه فوصفته له، وذلك في طريق هجرته ﷺ إلى المدينة.
وقد قيل في ذلك الأبيات المشهورة قالت أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنها ـ فلما سمعنا قوله عرفنا حيث وجه رسول الله ﷺ تشير إلى ما ذكر من أنه أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من شعر غناء العرب وأن الناس ليتبعونه يسمعون صوته وما يرونه حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول:
جَزَى اللهُ ربُ الناسِ خَيرَ جَزَائه هُمَا نَزَلا بالِبِرَّ ثم تَرَوَّحَا لِيَهْنِ بَنِيْ كَعْبٍ مَكَانُ فَتَاتِهم سَلوُا أُخْتَكُم عن شَاتِهَا وَإنائِهَا دَعَاهَا بشَاةٍ حَائِلٍ فَتَحَلَّبَتْ فَغَادَرَهُ رَهْنًا لَدَيْهَا لِحَالِبٍ | رَفِيْقَيْنِ حَلا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ فأَفْلَحَ مَن أَمْسَى رَفِيْقَ مُحَمَّدِ ومَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنِيْنَ بِمَرْصَدِ فِإِنَّكُمُوا إِنْ تَسْأَلُوا الشَّاةَ تَشْهَدِ لَهُ بصَرِيْحِ ضَرَّةِ الشَّاةِ مُزْبِدِ يُدرُّ لَهَا قي مَصْدَرِ ثُمَّ مَوْرِدِ |
فلما سمع حسان بن ثابت أنشأ يقول مجيبًا للهاتف:
لَقَدْ خَابَ قَومٌ زَالَ عنهم نَبِيُّهُم تَرَحَّلَ عن قَوْمٍ فَظَلَّتْ عُقُولُهُمْ هَداهُم بِهِ بَعْد الضَّلالَةِ رَبُّهُمْ وقَدْ نَزَلَتْ مِنهُ عَلَى أَهْلِ يَثْرِبٍ نَبِيٌ يَرَى مَا لا يَرَى النَّاسُ حَوْلَهُ وإنْ قَالَ فِي يَوْمٍ مَقَالَةَ غَائِبٍ لِيَهْنِ أَبَا بَكْرٍ سَعَادَةُ جَدِّهِ | وقُدَّسَ مَنْ يَسْرِيْ إليْهِم ويَغْتَدِي وحَلَّ عَلَى قَومٍ بِنُوْرٍ مُجَدَّدِ وأَرْشَدَهُمْ مَن يَتْبَعِ الحقَّ يَرْشُدِ ركابُ هُدىً حَلَّتْ علَيْهِم بِأَسْعَدِ ويَتْلُوا كِتَابَ اللهِ فِي كُلِ مَسْجِدِ فَتَصْدِيْقُهَا فِي اليَوْمِ أَوْ فِي ضُحَى الغَدِ بِصُحْبَتِهِ مَنْ يُسْعِدِ اللهُ يَسْعَدِ |
22- وفي الترمذي عن علي t قال: "كنت مع رسول الله ﷺ بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله شجر ولا جبل إلا وهو يقول السلام عليك يا رسول الله" رواه الحاكم في صحيحه.
23- وجاء أعرابي إلى النبي ﷺ فقال بم أعرف أنك نبي ؟ قال: "إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله ؟" قال: نعم. فدعاه رسول الله ﷺ فجعل ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي ﷺ ثم قال ارجع فعاد، فأسلم الأعرابي.
والله أعلى وصلى الله على محمدٍ.
24- ولما بعثت قريش في فداء أسراهم إلى رسول الله ﷺ بعد بدر ففدى كل قوم أسيرهم بما رضول وكان العباس أسيرًا قال يا رسول الله قد كنت مسلمًا فقال رسول الله ﷺ "الله أعلم بإسلامك فإن يكن كما تقول فإن الله يجزيك وأما ظاهرك فقد كان علينا فافتد نفسك وابني أخويك" قال العباس: ما ذاك عندي. قال رسول الله ﷺ "فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل فقلت لها إن أصبت في سفري هذا فهذا المال الذي دفنته لبني الفضل وعبد الله وقثم".
قال والله يا رسول الله لأعلم أنك رسول الله إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل.... إلخ.
25- وقصة ارتجاف أحد وذلك أن النبي ﷺ صعد أحدًا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال رسول الله ﷺ أثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان.
26- وقصة ماء الركوة وهي ما ورد عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال عطش الناس يوم الحديبية والنبي ﷺ بين يديه ركوة يتوضأ فجهش الناس نحوه فقال: "ما لكم ؟" قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك قال جابر فوضع النبي ﷺ يده في الركوة فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا قال سالم قلت لجابر كم كنتم قال لو كنا مائة ألف لكفانا خمس عشر مائة (1500).
27- وقصة موت النجاشي وهي ما ورد عن أم كلثوم بنت أبي سلمة ربيبة رسول الله ﷺ قالت لما تزوج النبي ﷺ أم سلمة قال لها "إني قد أهديت للنجاشي أواقي من مسك وحلة وإني لا أراه إلا قد مات ولا أرى الهدية إلا سترد إلي، فإذا ردت إلي فهي لك" فكان كما قال ﷺ، مات النجاشي وردت إلى النبي ﷺ هديته فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية من ذلك المسك وأعطى سائره أم سلمة.
28- وقصة عكاشة بن محصن بن حرثان الأسدي حينما اندفع يقاتل المشركين يوم بدر ويحصد فيهم حصدًا حتى انكسر سيفه فلم يثنه ذلك عن خوض المعركة ولم يتخذ من كسر سيفه معذرة عن القتال فجاء إلى النبي ﷺ يخبره بكسر سيفه وإرادة غيره فدفع ﷺ له جذلاً من حطب فقال له قاتل بهذا يا عكاشة.
فلما أخذه عكاشة من رسول الله ﷺ هزه فعاد في يده سيفًا صارمًا طويل القامة شديد المتن أبيض الحديدة فقاتل به t حتى فتح الله تعالى على المسلمين ولم يزل عنده ذلك السيف يشهد به المشاهد مع رسول الله ﷺ حتى استشهد في قتال الردة في خلافة أبي بكر الصديق t.
29- وقصة عمير بن وهب الجمحي وذلك أنه كان مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر وكان عمير شيطانًا من شياطين قريش وممن كان يؤذي رسول الله ﷺ وأصحابه ويلقون منه عناء وهو بمكة وكان ابنه وهب ابن عمير في أسارى بدر قال فذكر عمير أصحاب القليب ومصابهم فقال صفوان والله ما في العيش بعدهم خير.
قال عمير صدقت والله أما والله لولا دين علي ليس له عندي قضاء وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله فإن لي قبلهم علة ابني أسير في ي
أيديهم قال فاغتنمها صفوان وقال علي دينك أنا أقضيه عنك وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا لا يسعني شيء يعجز عنهم.
فقال عمير فاكتم شأني وشأنك قال أفعل ثم انطلق حتى قدم المدينة فبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر وما أكرمهم الله به وما أراهم من عدوهم إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب حين أناخ راحلته على باب المسجد، متوشحا السيف، فقال عمر هذا الكلب عدو الله والله ما جاء إلا لشر.
ثم دخل عمر على رسول الله ﷺ فقال يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب، قد جاء متوشحًا سيفه، قال فأدخله علي فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه بها.
وقال لرجال من الأنصار ادخلوا على رسول الله ﷺ فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث فإنه غير مأمون ثم دخل به على رسول الله ﷺ فلما رآه رسول الله ﷺ قال أرسله فدنا عمير.
فقال رسول الله ﷺ "فما جاء بك يا عمير ؟" قال جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه يعني ولده قال فما بال السيف في عنقك قال قبحها الله من سيوف وهل أغنت عنك شيئًا قال "أصدقني ما الذي جاء بك" قال ما جئت إلا لذلك.
قال رسول الله ﷺ "بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدًا فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك".
فقال عمير أشهد أنك رسول الله قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله فالحمد لله الذي هداني للإسلام وساقني هذا الساق ثم شهد شهادة الحق فقال رسول الله ﷺ "فقهوا أخاكم في دينه واقرئوه القرآن وأطلقوا له أسيره" ففعلوا.. إلخ، والله أعلم وصلى الله على محمد.
شعرا:
فُوَآدٌ مَا يَقِرُّ لَهُ قَرَارٌ ولَيْلٌ طَالَ بالأَنكادِ حَتَّى ولِمَ لا والتُّقَى حُلَّتْ عُرَاهُ لِبَيْكِ مَعِيْ على الدِّيْنِ البَوَاكِي وقدْ هُدَّتْ قَوَاعِدُهُ اعْتِدَاءً وَأَصْبَحَ لا تُقَامُ لَهُ حُدُوْدٌ وَعَادَ كَما بَدَا فِيْنَا غَرِيْبًا فقد نَقَضُوا عُهُودَهُمُوا جِهَارًا | وأَجْفَانٌ مَدَامِعُهَا غِزَارُ ظننتُ الليلَ لَيَس لَهُ نَهَارُ وبانَ عَلَى بَنِيْهِ الانْكِسَارُ فَقَدْ أَضْحَتْ مَوَاطِنُه قِفَارُ وَزَالَ بِذَاكُمُوْا عنه الوَقَارُ وأَمْسَى لا يُبَنَّ لَهُ شِعَارُ هُنَالِكَ مَالَهُ في الخَلْقِ جَارُ وأَسْرُفوا فِي العَدَاوَةِ ثُمَّ سَارُوْا |
اللهم إنك تعلم سرنا وعلانيتنا وتسمع كلامنا وترى مكاننا لا يخفى عليك شيء من أمرنا نحن البؤساء الفقراء إليك المستغيثون المستجيرون بك نسألك أن تقيض لدينك من ينصره ويزيل ما حدث من البدع والمنكرات ويقيم علم الجهاد ويقمع أهل الزيغ والكفر والعناد ونسألك أن تغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.
30- وقصة حنين الجذع ما ورد عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ أن امرأة من الأنصار قالت لرسول الله ﷺ ألا أجعل لك شيئًا تقعد عليه فإن لي غلامًا نجارًا قال إن شئت قال فعملت له المنبر فلما كان يوم الجمعة قعد النبي ﷺ على المنبر الذي صنع فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها حتى كادت أن تنشق فنزل النبي ﷺ حتى أخذها فضمها إليه فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت.
31- وقصة عكة أم سليم لما ورد عن أنس عن أمه قالت كانت لنا شاة جمعت من سمنها في عكة فملأت العكة ثم بعثت بها مع ربيبة فقالت يا ربيبة فبلغي هذه العكة رسول الله ﷺ يأتدم بها فانطلقت بها الربيبة حتى أتت رسول الله ﷺ فقالت يا رسول الله هذه عكة سمن بعثت بها إليك أم سليم فقال أفرغوا لها عكتها ففرغت العكة فدفعت إليها فانطلقت بها.
وجاءت وأم سليم ليست في البيت فعلقت العكة على وتد فجاءت أم سليم قرأت العكة ممتلئة تقطر فقالت أم سليم يا ربيبة أليس أمرتك أن تنطلقي بها إلى رسول الله ﷺ فقالت قد فعلت فإن لم تصدقيني فانطلقي فسلي رسول الله ﷺ فانطلقت ومعها الربيبة.
فقالت يا رسول الله إني قد بعثت معها إليك بعكة فيها سمن قال قد فعلت قد جاءت قالت والذي بعثك بالحق ودين الحق إنها لممتلئة تقطر سمنا قال: فقال لها رسول الله ﷺ "يا أم سليم أتعجبين إن كان الله أطعمك كما أطعم نبيه كلي وأطعمي" قالت فجئت إلى البيت فقسمت في قعب لنا كذا وكذا وتركت فيها ما ائتدمنا به شهرين.
32- وقصة طيب عتبة صاحب رسول الله ﷺ قالت أم عاصم امرأة عتبة بن فرقد كنا عند عتبة ثلاث نسوة ما منا واحدة إلا وهي تجتهد في الطيب لتكون أطيب من صاحبتها وما يمس عتبة بن فرقد طيبًا إلا أن يلتمس دهنًا وكان أطيب ريحًا منا فقلت له في ذلك.
فقال أصابني الشرى "حكة في الجلد" على عهد رسول الله ﷺ فأقعدني رسول الله ﷺ بين يديه فتجردت وألقيت ثيابي على عورتي فنفث رسول الله ﷺ في كفه ثم دلك بها الأخرى ثم أمرهما على ظهري فعبق بها ما ترون.
33- وقصة قتادة بن النعمان فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ خرج ذات ليلة لصلاة العشاء وهاجت الظلماء من السماء وبرقت برقة فرأى رسول الله ﷺ قتادة بن النعمان فقال رسول الله ﷺ قتادة ؟ قال نعم يا رسول الله علمت إن شاهد الصلاة الليلة قليل فأحببت أن أشهدها.
فقال له رسول الله ﷺ إذا انصرفت فأتني فلما انصرف أعطاه رسول الله ﷺ عرجونًا وقال "خذه فسيضيء أمامك عشرًا وخلفك عشرًا".
34- وقصة أبي جابر وهي ما ورد عن جابر بن عبد الله t قال توفي أبي شهيدًا في أحد وعليه دين فاستعنت النبي ﷺ على غرمائه أن يضعوا من دينه فطلب النبي ﷺ فلم يفعلوا فقال لي النبي ﷺ "اذهب فصنف تمرك أصنافًا العجوة على حدة وعذق زيد على حدة" (أنواع التمر).
ثم أرسل إلى قال جابر: ففعلت ثم أرسلت إلى رسول الله ﷺ فجلس على أعلاه أو في وسطه ثم قال كل للقوم قال جابر فكلتهم حتى أوفيتهم الذي لهم وبقي تمري كأن لم ينقض منه شيء.
35- وقصة حاطب بن أبي بلتعة وذلك أن رسول الله ﷺ عندما أعلم الناس أنه سائر إلى مكة وأمرهم بالجد والتهيؤ وقال "اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش، حتى نبغتها في بلادها" فلما أجمع رسول الله ﷺ على المسير، كتب حاطب كتابًا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله ﷺ من الأمر بالسير إليهم.
ثم أعطاه امرأة وجعل لها عطاء على أن تبلغ قريشًا فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه قرونها "جدائلها".
وأتى رسول الله ﷺ الخبر من السماء بما صنع حاطب فبعث رسول الله ﷺ علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ـ رضي الله عنهما ـ فقال أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بن أبي بلتعة بكتاب إلى قريش يحذرهم ما أجمعنا عليه في أمرهم.
فخرجا حتى أدركاها بالخليقة "اسم موضع" فاستنزلاها فالتمسا في رجلها فلم يجدا شيئا فقال لها علي بن أبي طالب إني أحلف بالله ما كذب رسول الله ﷺ ولا كذبًا ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك.
فلما رأت الجد قالت أعرض فأعرض فحلت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منها فدفعته إليه فأتى به رسول الله ﷺ فدعا رسول الله ﷺ حاطبًا فقال يا حاطب ما حملك على هذا !؟.
فقال يا رسول الله أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ما غيرت ولآبدلت ولكني امرؤ ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليهم.
فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه فإن الرجل قد نافق، فقال رسول الله ﷺ "وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع إلى أصحاب بدر فقال اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم" فأنزل الله: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ[. والله أعلم وصلى الله على محمدٍ وآله وصحبه وسلم.
36- وقصة لبن أهل الصفة وذلك أن أبا هريرة قعد يومًا على الطريق فمر به رسول الله ﷺ فتبسم حين رآه وعرف ما في نفسه وما في وجهه ثم قال "يا أبا هريرة" قال قلت لبيك يا رسول الله قال الحق ومضى فتبعته فاستأذن فأذن لي فدخل فوجد لبنًا في قدح فقال من أين هذا اللبن قالوا من فلان أو فلانة.
قال أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي قال أبو هريرة فساءني ذلك فقلت وما هذا اللبن في أهل الصفة كنت أحق أنا أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها فإذا جاؤا أمرني فكنت أنا أعطيهم وما عسي أن يبلغني من هذا اللبن.
قال فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت فقال يا أبا هريرة قلت لبيك يا رسول الله خذ فأعطهم قال فأخذت القدح فجعلت أعطي الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح. حتى انتهيت إلى النبي ﷺ وقد روي القوم كلهم.
فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إلي فتبسم فقال يا أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال بقيت أنا وانت قلت صدقت يا رسول الله قال أقعد فاشرب فقعدت فشربت فقال اشرب فشربت فلا زال يقول اشرب حتى قلت والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكًا.
قال فأرني فأعطيته القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة ﷺ.
37- وقصة طعام جابر وذلك ما ورد عنه قال لما حفر الخندق رأيت بالنبي ﷺ خمصًا شديدًا فانكفأت إلى امرأتي فقلت هل عندك شيء فإني رأيت رسول الله ﷺ خمصًا شديدًا.
فأخرجت إلي جرابًا فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن فذبحناها وطحنت الشعير ففرغت إلى فراغي وقطعتها في برمتها ثم وليت إلى رسول الله ﷺ فقالت لا تفضحني أبرسول الله ﷺ فجئته فساورته فقلت يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا وطحنا صاعًا من شعير كان عندنا فتعال أنت ونفر معك.
فصاح النبي ﷺ يا أهل الخندق إن جابرًا قد صنع سؤرًا فحيهلا بكم !؟ فقال رسول الله ﷺ لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينكم حتى أجيء فجئت وجاء رسول الله ﷺ يقدم الناس حتى جئت امرأتي فقالت بك وبك فقلت قد فعلت الذي قلت فأخرجت له عجينًا فبصق فيه وبارك ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك.
ثم قال ادعي خابزة فلتخبز معك واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها وهم ألف فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا وإن برمتنا لتغط كما هي وإن عجيننا ليخبز كما هو.
38- وعن علي t قال كنت شاكيًا فمربي رسول الله ﷺ وأنا أقول اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني وإن كان متأخرًا فارفعني وإن كان بلاء فصبرني.
فقال رسول الله ﷺ كيف قلت فأعاد عليه ما قال فضربه برجله وقال اللهم عافه أو أشفه شك شعبة قال فما اشتكيت وجعي بعد. قال الترمذي حديث حسن صحيح.
39- ومن ذلك رد عين قتادة بن النعمان فقد أصيبت عينه في غزوة أحد حتى وقعت على وجنته فردها النبي ﷺ فكانت أحسن عينيه وأحدهما نظرًا وفي ذلك يقول ابنه:
أَنَا ابنُ الذيْ سَالَتْ عَلَى الخَدِّ عَيْنُه فَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ لأَوِّلِ مَرَّةٍ | فَرُدَّتْ بِكَفِّ المُصْطَفَي أَحْسَنُ الرَّدِّ فَيَا حُسْنَ ما عَيْنٍ ويَا حُسْنَ مَا خَدِّ |
والله أعلم وصلى الله على محمدٍ وآله وسلم.
40- ومن ذلك استسقاؤه واستصحاؤه ﷺ. ففي الصحيحين عن أنس أنه ﷺ رفع يديه ثم قال: "اللهم أغثنا اللهم أغثنا" قال أنس والله ما نرى في السماء من سحاب ولا من قزعة وإن السماء لمثل الزجاجة وما بيننا وبين سلع من دار.
فوالذي نفسي بيده ما وضع يديه حتى ثار السحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل من منبره حتى رأيت المطر يتحدر عن لحيته، وفي رواية أخرى قال: "فلا والله ما رأيت الشمس سبتًا قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة فاستقبله قائمًا فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يمسكها عنا، قال فرفع رسول الله ﷺ يديه ثم قال: "اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر"، قال فما يشير بيده إلى ناحية إلا انفرجت حتى رأيت المدينة في مثل الجوبة وسال الوادي قناة شهرًا.
ومن قول أبي طالب يمدح النبي ﷺ:
وأَبْيَضَ يُسْتَسْقَي الغَمَامُ بِوَجْهِهِ | ثِمَالُ اليَتَامى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ |
وهو من قصيدة لأبي طالب قالها لما تمالأت عليه قريش ونفروا عنه وأولها:
ولَمَّا رَأَيتُ القَوْمَ لا وِدَّ عِنْدَهُمْ وَقَدْ جَاهَرُونا بالعَدَاوةِ والأَذَى صَبَرْتُ لَهُمْ نَفْسِي بَسمْرَاءَ سَمْحَةٍ وأَحْضَرْتُ عِندَ البَيْتِ رَهْطِي وإخْوَتِي أَعُوذُ بِرَبِ النَّاسِ مِنْ كُلِّ طَاعِنٍ لَقَدْ عَلِمُوْا أَنَّ ابْنَنَا لا مُكَذَّبٌ كَذَبْتُم وَرَبِّ العَرشِ نَبْزِي مُحَمَّدًا ونُسْلِمُهُ حَتَى نُصَرَّعَ دُوْنَهُ ويَنْهَضُ قَوْمٌ بِالحَديد إليْكُمُ ويَنْهَضَ قَوْمٌ نَحْوَكُم غَيْرَ عُزَّلٍ ومَا تَرْكُ قَومٍ لا أَبَالَكَ سَيِّدًا وأَبْيَضَ يُسْتَسْقَي الغَمَامُ بِوَجْهِهِ يَلُوذُ بِهِ الهُلاكُ مِن آلِ هَاشِمٍ لَعَمْرِي لقد كُلِّفْتُ وِجْدًا بأَحْمَدِ فَمَنْ مِثْلُه فِي الناسِ أَيُّ مُؤَمَّلٍ حَلِيْمٌ رَشِيْدٌ عَادِلٌ غَيْرُ طَائِشٍ ومِيزانُ حَقٍ مَا يَعُوْلُ شَعِيْرةً فَوَ اللهِ لَوْلا أَنْ أَجِيءَ بِسُبَّةٍ لَكُنَا اتَّبَعْنَاهُ عَلَى كُلِّ حَالَةٍ فأَصْبَحَ فِيْنَا أَحْمَدٌ ذُوْ أَرُوْمَةٍ حَدَبْتُ بِنَفْسِي دُوْنَهُ وَحَمَيْتُهُ فأَيَّدَهُ رَبُّ العِبَاد بِنَصْرِهِ | وًدْ قَطَعُوْا كُلَّ العُرَى والوَسَائِلِ وقد طَاوَعُوا أَمْرَ العَدُوِ المُزَائل وأَبْيَضَ عَضْبٍ مِن تُراثِ المَقَاوُلِ وأَمْسَكْتُ مِنْ أَثْوَابِه بالوَصَائِلِ عَلينَا بِسُوءٍ أَوْ مُلِحٌّ بِبَاطِلِ لَدَيْنَا وَلا يَعْنَي بِقَوْلِ الأَبَاطِلِ ولَمَّا نُطُاعِنْ عِندَهُ ونُنَاضِلِ ونَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالحَلائِلِ نُهُوضَ الرَّوايَا تَحْتَ ذَاتِ الصَّلاصِلِ بِبِيْضٍ حَدِيْثٍ عَهْدُهَا بالصَّيَاقِلِ يَحُوطُ الذِّمَارَ غَيْرَ ذَرْبٍ مُوَاكِلِ ثِمَالُ اليَتَامَي عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ فَهُم عندَهُ في رَحْمَةٍ وفَوَاضِلِ وإِخْوَتِهِ دَأْبَ المُحِبِ المُوَاصِلِ إِذَا قَاسَهُ الحُكَّامُ عنِدَ التَّفَاضُلِ يُوَالِي إِلهًا لَيْسَ عَنهُ بِغَافِلِ وَوَزَّانُ حَقٍ وَزْنُهُ غَيرُ عَائِلِ تَجُرُّ عَلَى أَشْيَاخِنَا فِي المَحَافِلِ مِنَ الدَّهْرِ جِدًا غَيْرَ قَوْلِ التَّهَازُلِ تُقَصِّرُ عَنها سَوْرَةُ المُتَطَاوِلِ وَدَافَعْتُ عَنْهُ بالذُرَي والكَلاكِلِ وَأَظْهَرَ دِيْنًا حَقُّهُ غَيْرُ بَاطِلِ |
41- ومن ذلك ما في غزوة خيبر من أنه ﷺ أرسل إلى علي وهو أرمد فبصق في عينيه فبرئ كأن لم يكن به وجع.
42- وروي الإمام أحمد عن أنس قال جاء جبريل إلى النبي ﷺ ذات يوم وهو جالس حزين قد خضب بالدماء، ضربه بعض أهل مكة فقال مالك قال: فعل هؤلاء وفعلوا، قال: فقال له جبريل أتحب أن أريك آية ؟ قال نعم فنظر إلى شجرة من وراء الوادي فقال ادع تلك الشجرة فدعاها فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه فقال مرها فلترجع إلى مكانها فقال لها ارجعي فرجعت حتى عادت إلى مكانها فقال ﷺ حسبي. والله أعلم وصلى الله على محمدٍ وآله وسلم.
43- ومنها إطعامه ﷺ الذين يحفرون الخندق من أصحابه بتمرات قليلة. ففي كتب السير وغيرها أن ابنة لمشير بن سعد أخت النعمان بن بشير، قالت: دعتني أمي عمرة بن رواحة فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي، ثم قالت أي بنية اذهبي إلى أبيك وخالك عبد الله بن رواحة بغذائهما.
قالت: فأخذتها، فانطلقت بها، فمررت برسول الله ﷺ وأنا التمس أبي وخالي، فقال "تعالي يا بنية، ما هذا معك ؟" قالت: قلت يا رسول الله هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد وخالي عبد الله بن رواحة يتغذيانه، قال "هاتيه" قالت فصببته في كفي رسول الله ﷺ، فما ملأتهما.
ثم أمر بثوب فبسط له، ثم دحا بالتمر عليه فتبدد فوق الثوب ثم قال لإنسان عنده "اصرخ في أهل الخندق، أن هلم إلى الغداء" فاجتمع أهل الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه، وجعل يزيد، حتى صدر أهل الخندق عنه، وإنه ليسقط من أطراف الثوب.
44- ومنها إخباره ﷺ عليه أصحابه قبل مسيرهم إلى فتح مكة وهم يتجزون للمسير أنه يصير بينهم وبين قريش دماء قليلة، فكان الأمر كما أخبر به ﷺ، فإنه وقع بين بعض كتائبه حين دخولهم مكة وبين قوم من قريش قعدوا بالخندمة، ليردوا النبي ﷺ بزعمهم عن دخول مكة مناوشة قليلة. وقتل بعض المشركين، وانهزم الباقون، وقد ملكهم الرعب والذغر وجللهم الخوف، وحديثهم في خبر الفتح مشروح.
45- ومنها قوله ﷺ لأصحابه لما رجع الأحزاب خائبين "الآن نغزوهم ولا يغزوننا" فكان الأمر كما قال، فإن قريشًا بعد ذلك لم يرجعوا إلى غزو المدينة، وإن رسول الله ﷺ توجه إلى مكة عام الحديبية، فصالحوه وهادنوه، ثم دخل مكة من قابل مع أصحابه آمنين، ثم فتحها بعد ذلك.
46- ومنها إخباره ﷺ أن ابنته فاطمة أول أهل بيته لحوقًا به، فكان كذلك، فإنها ـ رضي الله عنها ـ توفيت بعده بأربعين يومًا، أو خمس وسبعين يومًا، أو ستة أشهر، على اختلاف الروايات، ولم يتوف قبلها أحد من أهل بيته.
47- ومن ذلك أن عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس، وهو أخو لبيد بن ربيعة، وفدا على رسول الله ﷺ، في قومهما من بني عامر، فقال عامر لأربد، إذا قدمنا على محمد، فإني شاغل عنك وجهه، فاعله أنت بالسيف، حتى تقتله، قال أربد أفعل ثم أقبل عامر يمشي، وكان رجلاً جميلاً، حتى قام على رأس رسول الله ﷺ فقال يا محمد، ما لي إن أسلمت، فقال لك ما للإسلام وعليك ما على الإسلام، قال ألا تجعلني الوالي من بعدك.
قال ليس ذلك لك، ولا لقومك، ولكن لك أعنة الخيل، تغزو بها، قال أو ليست لي اليوم، ولكن اجعل لي ولك المدد، قال ليس ذلك لك، فقال قم يا محمد، إلى ههنا، فقام إليه، فوضع عامر يده بين منكبيه، ثم أومأ إلى أربد، أن اضرب، فسل أربد سيفه، قريبًا من ذراع، ثم أمسك الله يده، فلم يستطع أن يسله ولا يغمده.
فالتفت رسول الله ﷺ إلى أربد، فرآه على ما هو عليه، فقال اللهم اكفنيهما بما شئت اللهم اهد بني عامر، واغن الدين عن عامر، فانطلقا وعامر يقول، والله لأملأنها عليك خيلاً دهمًا، ووردًا، فقال رسول الله ﷺ يأبى الله ذلك، وأبناء قيلة، يعني الأنصار، ثم قال عامر لأربد، ويلك لماذا أمسكت عنه ؟ فقال والله ما هممت به مرة، إلا رأيتك، ولا أرى غيرك، أفأضربك بالسيف.
وسار عامر، فطرح الله عليه الطاعون في عنقه، فقتله، في بيت امرأة من بني سلول، وجعل يقول يا آل عامر، غدة كغدة البعير، وموت في بيت سلولية، وانتهت حياته لعنه الله، وأما أربد، فقدم على قومه، فقالوا ما وراءك، يا أربد، فقال والله لقد دعانا محمد، إلى عبادة شيء، لوددت أنه عندي الآن، فأرميه بنبلي هذا، حتى أقتله.
ثم خرج بعد مقالته بيوم أو يومين، ومعه جمال له تتبعه فأرسل الله عليه صاعقة، فأحرقته، وقيل نزل في صاعقته "هو الذي يريكم البرق خوفًا وطمعًا – إلى قوله ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء".
48- ومنها إطعامه ﷺ، بني المطلب بذراع جزور وعس من لبن، فقد ذكر أهل النقل أنه لما نزل على النبي ﷺ ]وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ[ أمر عليًا، فقال له "يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فضقت بذلك ذرعًا، وعرفت أني متى أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمت عليها، حتى جاءني جبريل، فقال لي يا محمد إلا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك. فاصنع لنا صاعًا من طعام، واجعل عليها رجل شاة، واملآ لنا عسًا من لبن.
ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أبلغهم ما أمرت به، ففعلت ما أمرني به، ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس ـ رضي الله عنهما ـ وأبو لهب، فلما اجتمعوا إليه، دعاني بالطعام الذي صنعته، فجئت به.
فلما وضعته تناول رسول الله ﷺ جذية من اللحم فشقها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال خذ باسم الله، فأكل القوم حتى ما لهم بشيء حاجة، وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل مثل ما قدمت لجميعهم.
ثم قال اسق القوم، فجئتهم بذلك العس، فشربوا حتى رووا جميعا، وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله.
فلما أراد رسول الله ﷺ أن يكلمهم، بدره أبو لهب فقال سحركم صاحبكم، فتفرق القوم، ولم يكلمهم رسول الله ﷺ.
فقال الغد "يا علي إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فعد لنا من الطعام مثل ما صنعت ثم اجمعهم" ففعلت، ثم جمعتهم، فدعاني بالطعام، فقربته ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا وشربوا.
ثم تكلم رسول الله ﷺ فقال يا بني عبد المطلب إني قد جئتكم بخيري الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه وعرض عليهم مؤازرته على ذلك، فلم يجبه إلا علي بن أبي طالب t، فهذا من الأمور الخارقة للعادة، أظهره الله على يدي نبيه ﷺ تصديقًا له.
49- ومنها ما ذكره في أعلام النبوة، أن معمر بن يزيد وكان أشجع قومه، استغاثت به قريش، وشكوا إليه رسول الله ﷺ، وكانت بنو كنانة تصدر عن رأيه وتطيع أمره، فلما شكوا إليه قال لهم إني قادم إلى ثلاث، وأريحكم منه، وعندي عشرون ألف مدجج، فلا أرى هذا الحي، من بني هاشم يقدر على حربي.
وإن سألوني الدية، أعطيتهم عشر ديات، ففي مالي سعة وهو مشهور بالشجاعة، والبأس، فلبس يوم وعده قريشًا سلاحه، وظاهر بين درعين، فوافقهم بالحطيم، ورسول الله ﷺ في الحجر يصلي، وقد عرف ذلك، فما التفت، ولا تزعزع، ولا قصر في صلاة.
فقيل له هذا محمد ساجد، فأهوى إليه، وقد سل سيفه، وأقبل نحوه، فلما دنا منه رمي بسيفه، وعاد، فلما صار إلى باب الصفا، عثر فر درعه، فسقط، فقام وقد أدمى وجهه بالحجارة، يعدو كأشد العدو، حتى بلغ البطحاء، ما يلتفت إلى خلف، فاجتمعوا وغسلوا، عن وجهه الدم، وقالوا: ماذا أصابك، قال ويحكم، المغرور من غررتموه، قالوا ما شانك قال ما رأيت كاليوم، دعوني ترجع إلى نفسي فتركوه ساعة، وقالوا ما أصابك يا أبا الليث، قال إني لما دنوت من محمد، فأردت أن أهوي بسيفي إليه، أهوى إلي من عند رأسه شجاعان، أقرعان، ينفخان بالنيران، تلمع من أبصارهما، فعدوت فما كنت لأعود، في شيء من مساءة محمد.
50- قال ومن أعلامه:
أن كلدة بن أسد أبا الأشد، وكان من القوة بمكان، خاطر قريشًا يومًا في قتل رسول الله ﷺ، فأعظموا له الخطر، إن هو كفاهم، فرأى رسول الله ﷺ في الطريق يريد المسجد، ما بين دار عقيل، وعقال، فجاء كلدة ومع المزراق، فرجع المزراق في صدره، فرجع فزعًا، فقالت له قريش مالك يا أبا الأشد، فقال ويحكم، ما ترون الفحل خلفي، قالوا لا ما نرى شيئا، قال ويحكم فإني أراه، فلم يزل يعدو حتى بلغ الطائف، فاستهزأت به ثقيف، فقال أنا أعذركم، لو رأيتم ما رأيت لهلكتم.
والله أعلم وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وسلم.
51- ومنها إرسال الريح الشديدة على الأحزاب، وهم قريش، ومن معهم يوم الخندق أرسلها الله عليهم ليلاً، قال عكرمة قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب، انطلقي ننصر رسول الله ﷺ، فقالت الشمال غن الحرة لا تسري بليل، وكانت الريح التي أرسلها الله عليهم الصبا، ففروا لشدتها عن بعض أثقالهم وأمتعتهم، ولو أقاموا إلى الصباح لهلكوا جميعا.
وهو المدلول عليه بقوله تعالى ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا[.
ففي خبر القصة أن رسول الله ﷺ لما رأى من أصحابه الجزع لطول الحصار، صعد إلى الجبل فدعا الله وكان فيما دعاه أن قال "واصرف عنا شر هؤلاء القوم بقوتك وحولك وقدرتك".
فنزل جبريل يخبره عن الله بأنه استجاب له وأمر الله الريح والملائكة أن يهزموا قريشًا والأحزاب تلك الليلة، فأمر ﷺ حذيفة بن اليمان أن يدخل معسكرهم أي قريش، ويأتي بأخبارهم وقال له إن الله عز وجل قد أخبرني أنه أرسل على قريش الريح، وهزمهم.
قال فدخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرًا، ولا نارًا، ولا بناءً، فقطعت أطناب الفسطاط، وقلعت الأوتاد، وأكفأت القدور، وجالت الخيل بعضها في بعض، وكثر تكبير الملائكة في جوانب المعسكر.
قال وقال أبو سفيان يا معشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل، فردوا بغيظهم ]وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ[.
فالباري جل وعلا أرسل الريح على أولئك المشركين نصرًا لنبيه محمد ﷺ وتصديقًا لدعوته، واستجابة لدعائه، لعلمه تعالى أن أصحاب محمدٍ ﷺ ذلك اليوم لا يقومون بقتال أولئك ففي هذه معجزة عظيمة.
52- ومن ذلك ما رواه أبو هريرة t، قال لما فتحت خيبر، أهديت للنبي ﷺ شاة فيها سم فقال "اجمعوا لي من كان هنا من اليهود" فجمعوا، فقال لهم "إني سائلكم عن شيء، فهل أنتم صادقي عنه ؟" قالوا نعم، يا أبا القاسم، فقال لهم "من أبوكم ؟" قالوا: فلان، قال "كذبتم، أبوكم فلان" قالوا صدقت، وبررت، قال "فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟" قالوا: نعم، وإن كذبناك عرفت، كما عرفته في أبينا، قال لهم: "من أهل النار ؟" قالوا نكون فيها يسيرًا، ثم تخلفونا فيها.
قال "اخسؤا فيها، والله لا نخلفكم فيها أبدًا" قال "هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟" قالوا نعم، قال "هل جعلتم في هذه الشاة سمًا؟" قالوا: نعم، قال "فما حملكم على ذلك ؟" قالوا: أردنا إن كنت كاذبًا نستريح منك، وإن كنت صادقًا لم يضرك، رواه البخاري.
53- ومن ذلك ما ورد عن صفوان بن عسال: قال بعض اليهود لصاحبه، اذهب بنا إلى هذا النبي، فقال له صاحبه، لا تقل نبي، إنه لو سمعك كان له أربعة أعين، فأتيا النبي ﷺ فسألاه عن تسع آيات بينات.
فقال لهم "لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تولوا الأدبار يوم الزحف، وعليكم خاصة اليهود، أن تعدوا يوم السبت" فقبلا يده، ورجله، وقالا: نشهد أنك نبي.
فقال "ما يمنعكما أن تتبعاني ؟" قالا إن داود دعا ربه، أن لا يزال من ذريته نبي، وإنا نخاف إن اتبعناك، تقتلنا اليهود، للترمذي والنسائي.
54- وعن جابر قال غزونا مع النبي ﷺ قبل نجد، فأدركنا النبي ﷺ في القائلة في واد كثير العضاه، فنزل تحت شجرة، فعلق سيفه بغصن من أغصانها.
وتفرق الناس في الوادي، يستظلون بالشجر، فقال ﷺ: "إن رجلا أتاني وأنا نائم، فأخذ السيف، فاستيقظت، وهو قائم على رأسي، والسيف صلتًا في يده، فقال من يمنعك مني، قلت الله، فشام السيف فها هو ذا جالس" ثم لم يعرض له وكان ملك قومه، فانصرف حين عفى عنه، فقال لا أكون في قوم هم حرب لك، متفق عليه.
55- ومنها إخباره ﷺ أن الأرضة أكلت من صحيفة قريش ما فيه ظلم، وقطيعة رحم.
وأبقت ما فيها من أسماء الله تعالى.
ومن حديثها أن قريشًا كتبوا فيما بينهم صحيفة بأن لا يبيعوا بني هاشم، ولا يبتاعوا منهم، ولا يناكحوهم، ولا يكلموهم، أو يدفعوا إليهم محمدًا ليقتلوه، ودفنوها في الكعبة، فقام أبو طالب ومن معه بحماية النبي ﷺ، فبقوا محصورين في الشعب سنتين أو ثلاثًا.
قال ابن هاشم وقد ذكر بعض أهل العلم أن رسول الله ﷺ قال لأبي طالب: يا عم، إن الله قد سلط الأرضة على صحيفة قريش فلم تدع فيها اسمًا هو لله إلا أثبتته فيها، ونفت منها الظلم، والقطيعة، والبهتان، فقال أربك أخبرك بهذا، قال نعم، قال فوالله ما يدخل عليك أحد.
ثم خرج إلى قريش فقال يا معشر قريش، إن ابن أخي أخبرني بكذا وكذا فهلم صحيفتكم، فإن كانت كما قال ابن أخي فانتهوا عن قطيعتنا، وانزلوا عما فيها، وإن كان كاذبًا، دفعت إليكم ابن أخي، فقال القوم رضينا، فتعاقدوا على ذلك.
ثم نظروا فإذا هي كما قال ﷺ، فزادهم ذلك شرًا فعند ذلك صنع الرهط من قريش في نقض الصحيفة ما صنعوا.
56- ومنها ما روي عنه ﷺ أنه قال لعلي يوم أحد بعد انجلاء الهيجاء، إن قريشا لن يصيبوا منا مثلها بعد هذا، حتى يفتح الله علينا مكة، فكان الأمر كما قال، فإنه لم تصب قريش من أصحاب النبي ﷺ بعد أحد ما أصابت منهم يوم أحد.
وما زال أمر النبي ﷺ يعلو عليهم حتى غزاهم في عقر دارهم، ومحل قرارهم، ولم يستطيعوا دفعه، بل استأسروا له راغمين، فمن عليهم فأطلقهم من حبالة القتل، وأعتقهم من رق الأسر، وناداهم وهم مرعوبون "اخرجوا فأنتم الطلقاء" وذلك يوم فتح مكة بالنسبة الثامنة من الهجرة.
57- ومن ذلك ما ورد عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ ، أنها قالت للنبي ﷺ، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد، قال "لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيته منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل، بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت، وأنا مهموم على وجهي، فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، وإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني، فقال إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال، لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم علي، ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، فقال النبي ﷺ "بل أرجو، أن يخرج الله من أصلابهم، من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئًا" متفق عليه.
58- ومن ذلك ما ورد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة قال: صعد النبي ﷺ حراء، ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير، وطلحة، وسعيد، فتحرك الجبل، فقال النبي ﷺ اسكن حراء، فليس عليك إلا نبي أو صديق، أو شهيد، فسكن الجبل.
59- ومن أعلام نبوته ﷺ أنه بعث خالد بن الوليد من تبوك، في أربع مائة وعشرين فارسًا، إلى أكيدر دومة الجندل، من كندة، فقال خالد يا رسول الله، كيف لي به وسط بلاد كلب، وإنما أنا في عدد يسير، فقال ستجده يصيد البقر، فتأخذه، فخرج خالد، حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين، في ليلة مقمرة صافية، وهو على سطح له، من شدة الحر، مع امرأته، فأقبلت البقر، تحك بقرونها باب الحصن، فقال أكيدر دومة: والله ما رأيت بقرا جاءتنا ليلاً غير هذه الليلة، لقد كنت أضمر لها الخيل، إذا أردتها شهرًا أو أكثر، ثم نزل فركب بالرجال، والآلة، فلما فصلوا من الحصن، وخيل خالد تنظر إليهم، لا يصهل منها فرس ولا يتحرك، فساعة فصل، أخذته الخيل، فاستؤسر أكيدر دومة.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
يا قَومُ فَرْضُ الهِجْرَتيْنِ بِحَالِهِ فالهِجرةُ الأولَى إِلَى الرحَمن حتَّى يَكُونَ القصدُ وجْهَ الله ويكونَ كلُ الدينِ للرحمن ما والحُبُّ والبُغْضُ اللذَيْنِ هُمَا لِكُـ للهِ أَيِضًا هَكذَا الإِعْطَاءُ واللهِ هَذا شَطْرُ دِينِ اللهِ والتَّـ والهجرةُ الأُخْرَى إِلَى المَبْعُوثِ بالْـ أَتَرَوْنَ هَذِي هِجْرَةَ الأَبْدَانِ لا قطعُ المَسَافَةِ بالقُلُوبِ إلِيه في أَبدًا إِليهِ حُكْمُهَا لا غَيْرُهُ يا هجرةً طَالَتْ مَسَافَتُهَا على يا هِجْرةً طَالَتْ مَسَافَتُهَا عَلَى يا هِجْرةً والعَبْدُ فَوْقَ فِرَاشِهِ سَارُوا أَحَثَّ السَيْرِ وهُو فَسَيْرُهُ هَذَا وتَنْظُرُهُ أَمَامَ الرَّكْبِ رُفعَتْ لَهُ أَعلامُ هَاتِيْكَ النُصُوْ نارٌ هِيَ النُوْرُ المُبِيْنُ ولَمْ يَكُنْ مَكْحُولتانِ بمِرْوَدِ الوَحْيَيْنِ لا فلِذَاكَ شَمَّرَ نَحْوَهَا لَمْ يَلْتَفِتْ يَا قومُ لَوْ هَاجَرْتُمُوْا لَرَأَيْتُمُ ورَأَيْتُمُ ذَاكَ اللِّوَاءَ وتَحْتَهُ الـ أَصحابَ بَدْرِ والأُولَى قَدْ بَايُعْوا وكَذَا المُهَاجِرَةُ الأُولَى سَبَقُوا كَذَا الْـ والتَّابِعُونَ لَهُم بإحْسَانٍ وسَا لَكِنْ رَضِيْتُمْ بالأَمَانِي وابْتُلِيْتُم بالْـ بَلْ غَرَّكُم ذَاكَ الغَرُوْرُ وسَوَّلَتْ ونَبَذْتُم غِلَّ النُصُوصِ وَرَاءَكُمْ وتَرَكْتُمُ الوَحْيَيْنِ زُهْدًا فِيْهِمَا وعَزَلْتُمُ النَّصَيْنِ عَمَّا وُلِيَّا وزَعَمْتُم أَنَّ لَيْسَ يَحْكُم بَيْنَنَا حَتَّى إِذَا انْكَشَفَ الغِطَاءُ وحُصِّلَتْ وإِذا انْجَلَى هَذا الغُبَارُ وصَارَ مَيْـ وبَدَتْ عَلَى تِلكَ الوُجُوهِ سِمَاتُهَا مُبْيَضَّةً مِثْلَ الرِّياضِ بجَنَّةٍ فهُنَاكَ يَعْلَمُ رَاكَبٌ ما تَحْتَهُ وهُنَاك تَعْلَمُ كُلُّ نَفْسٍ مَا الذِي وهُنَاكَ يَعْلَمُ مُؤْثِرُ الآراء والشَـ أَيَّ البَضَائِعِ قد أَضَاعَ وما الذي سُبْحَانَ رَبِ الخَلْق قاسِم فَضْلِهِ لَو شَاءَ كان النَاسُ شَيْئًا واحدًا لَكِنَّه سُبْحَانَه يَخْتَصُّ بالْفضلِ وسِوَاهُمُ لا يَصْلَحونَ لِصَالِحٍ وعِمَارةُ الجناتِ هُمْ أَهلُ الهُدَى فسلِ الهِدَايَةَ مَنْ أَزمَّةُ أَمْرِنَا وَسَلِ العِيَاذَ مِن اثْنَتَيْنَ هُمَا اللتَا شَر النفوِسِ وسَيء الأَعْمَالِ مَا ولَقَد أَتَى هَذَا التَّغَوُذُ مِنَهُمَا لو كانَ يَدْري العَبْدُ أَنَّ مُصَابَهُ جَعَلَ التَّعَوُذَ مِنْهُمَا دَيْدَانَهُ | والله لم يُنْسَخْ إِلى ذَا الآنِ بالإِخْلاصِ في سِرٍ وفي إِعلانِ بالأَقْوالِ والأَعمالِ والإِيمانِ لِسوَاهُ شيءٌ فيه مِن إِنسانِ لِّ ولايَةٍ وعَدَاوةٍ أَصْلانِ وَالسَّمْعُ اللذانِ عَلَيْهمَا يَقِفَانِ ـحْكِيمُ لِلْمُخْتَار شَطْرٌ ثانِ ـإِسْلامِ والإِيمانِ والإِحسانِ واللهِ بل هِيْ هِجْرةُ الإِيمانِ دَرَكِ الأصُولِ مَعَ الفُروْعِ وذانِ فالحُكْمُ مَا حَكَمَتْ بِه النَّصَانِ مَنْ خُصَّ بالحِرمَانِ والخُذْلانِ كَسَلان مَنْخُوبِ الفُوآد جَبَانِ سَبَقَ السُّعَاةَ لِمَنْزِلِ الرِّضْوَانِ سَيْرَ الدَّلِيْلِ وَلَيْسَ بِالذَّمِلانِ كَالْعَلَمِ العَظيم يُشَافُ فِي القِيْعَانِ صِ رُؤُوسُها شَابَتْ مِن النِيَرانِ لِيَراهُ إلا مَنْ لَهُ عَيْنَانِ بمَرَاوُدِ الأَرَاءِ والهَذَيَانِ لا عن شَمَائِلِهِ ولا أَيْمَانِ أَعْلامَ طَيْبَةَ رُؤْيةً بعِيَانِ ـرُّسْلُ الكِرَامُ وعَسْكَرُ الإِيْمَانِ أَزكَى البَرِيَّةِ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ أَنْصَارُ أَهْلُ الدارِ والإِيْمَانِ لكُ هَدْيِهِمْ أَبدًا بِكُلِ زَمَانِ ـحُظوظِ ونَصْرةِ الإخْوَانِ لكُم النُفُوسُ وسَائِسَ الشَّيْطَانِ وقَنِعْتُمُ بقِطَارَةِ الآذانِ ورَغِبْتُمُ في رَأْي كُلِّ فُلانِ لِلْحُكْم فيه عَزْلَ ذِي عُدْوَانِ إلا العُقُولُ وَمْنطِقُ اليَوْنانِ أَعْمَالُ هَذَا الخَلْقِ بالمِيْزَانِ ـدَانُ السِّبَاقِ تَنَالُه العَيْنَانِ وسْمَ المَلِيْكِ القَادِرِ الدَّيَانِ والسُوْدُ مِثْلَ الفَحْمِ لِلنِّيْرانِ وهُنَاكَ يُقْرَعُ نَاجِدُ النَّدْمَانِ مَعَهَا مِن الأَرْبَاحِ والخُسْرَانِ ـطحاتِ والهَذَيانِ والبُطْلانِ مِنْهَا تَعَوَّضَ في الزَمانِ الفَانِ والعَدْلِ بَيْنَ الناسِ بِالمِيْزَانِ مَا فِيْهمُ مِن تَائِهٍ حَيْرَانِ العظيم خُلاصةَ الإِنسانِ كالشَّوكِ فَهْوَ عِمَارَةُ النِيْرانِ اللهُ أَكْبَرُ لَيْسَ يَسْتَوِيانِ بِيَدَيْهِ مَسْأَلةَ الذلِيْلِ العَانِ نِ بُهُلْكِ هَذَا الخلَق كَافِلَتَانِ وَاللهِ أَعظُمُ مِنْهُمَا شَرَّانِ فِي خُطْبَةِ المَبْعُوثِ بالقُرآنِ فِي هَذِهِ الدنيا هُما الشَّرانِ حَتَّى نَرَاهُ دَاخِلَ الأَكْفَانِ |
اللهم ثبت محبتك في قلوبنا وقوها ووفقنا لشكرك وذكرك وارزقنا التأهب والاستعداد للقائك واجعل ختام صحائفنا كلمة التوحيد واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
60- ومنها أخذ الله المشركين المستهزئين بالنبي ﷺ بما شغلهم عنه وأزال منعهم إياه عن تبليغ الرسالة، وهو المشار إليه بقوله تعالى ]إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ[.
وهم خمسة نفر من رؤساء قريش، الوليد بن المغيرة المخزومي، وكان رأسهم، والعاص بن وائل السهمي، والأسود بن عبد المطلب ابن الحارث بن أسد بن عبد العزي بن زمعة.
وكان رسول الله ﷺ قد دعا عليه، فقال "اللهم اعم بصره، وأثكله بولده" والأسود بن عبد يغوث بن وهب، والحارث بن قيس بن الطلاطلة.
فأتى جبريل النبي ﷺ والمستهزون يطوفون بالبيت.
فقام جبريل إلى جنبه، فمر به الوليد بن المغيرة، فقال جبريل يا محمد كيف تجد هذا، فقال "بئس عبد الله" فقال قد كفيته، وأومأ إلى ساق الوليد، فمر برجل من خزاعة نبال يريش نباله، وعليه برد يماني، وهو يجر إزاره، فتعلقت شظية من نبله بإزاره، فمنعه الكبر أن يطأطئ رأسه فينزعها وجعلت تضرب ساقه، فخدشته فمرض منها فمات.
ومر بع العاص بن وائل، فقال جبريل كيف تجد هذا يا محمد، قال "بئس عبد الله"، فأشار جبريل إلى أخمص رجليه، وقال قد كفيته، فخرج على راحلته، ومعه ابنان له يتنزه، فنزل شعبًا من تلك الشعاب، فوطئ على شبرقة، فدخلت منها شوكة في أخمص رجله، فقال لدغت لدغت، فطلبوا فلم يجدوا شيئًا، وانتفخت رجله، حتى صارت مثل عنق البعير، فمات مكانه.
فمر به الأسود بن عبد المطلب، فقال جبريل كيف تجد هذا يا محمد، قال "بئس عبد الله" فأشار بيده إلى عينينه، وقال: قد كفيته، فعمي، قال ابن عباس رماه جبريل بورقة خضراء، فعمي فذهب بصره، ووجعت عيناه، فجعل يضرب برأسه الجدار، حتى هلك.
ومر به الأسود بن عبد يغوث، فقال جبريل كيف تجد هذا يا محمد، قال "بئس عبد الله على أنه ابن خالي" فقال: قد كفيته. وأشار إلى بطنه، فاستسقى بطنه فمات، ومر به الحارث بن قيس قال جبريل كيف تجد هذا يا محمد، فقال "عبد سوء" فأومأ إلى رأسه، وقال قد كفيته، فامتخط قيحا، فقتله، وقيل أكل حوتًا مالحًا، فلم يزل يشرب حتى انقد بطنه.
61- ومن أعلام نبوته ﷺ، ما روي أن الحطم – واسمه شريح بن ضبيعة، البكري – أتى المدينة، وخلف خيله خارج المدينة، ودخل وحده، على النبي ﷺ، فقال له إلام تدعو الناس، فقال "إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة".
فقال حسن، ولكن أنظرني، فلى من أشاوره، فلا أقطع أمرًا دونهم ولعلي أسلم، وآتي بهم، وكان النبي ﷺ قد قال لأصحابه "يدخل اليوم عليكم رجل من ربيعة يتكلم بلسان شيطان" ثم خرج شريح، من عنده، فقال رسول الله ﷺ "لقد دخل بوجه كافر، وخرج بقفا غادر، وما الرجل بمسلم" فمر بسرح المدينة. فاستاقه، وانطلق، فاتبعوه فلم يدركوه.
فلما كان العام القابل، خرج حاجًا، في حجاج بكر بن وائل، من اليمامة، ومعه تجارة عظيمة، وقد قلدوا الهدي، فقال المسلمون للنبي ﷺ هذا الحطم، قد خرج حاجًا، فخل بيننا وبينه.
فقال النبي ﷺ "إنه قلد الهدي" فقالوا يا رسول الله، هذا شيء كنا نفعله في الجاهلية، فأبى النبي ﷺ، فأنزل الله عز وجل ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[ الآية.
62- ومن أعلام نبوته ﷺ، قوله في ليلة الإسراء، حين أصبح "إن من آية ما أقول لكم، إني مررت بعير لكم، في مكان كذا وكذا، وقد أضلوا بعيرًا لهم، فجمعه لهم فلان، وإن مسيرهم ينزلون بكذا، ثم كذا، ويأتونكم يوم كذا وكذا، يقدمهم جمل آدم، عليه مسح أسود، وغرارتان، سوداوان" فلما كان ذلك اليوم، أشرف الناس ينظرون، حين كان قريبًا من نصف النهار، حتى أقبلت العير، يقدمهم ذلك الجمل، الذي وصفه رسول الله ﷺ فكان كما أخبر.
63- ومن ذلك دعاؤه ﷺ على أفراد من المشركين أصحاب القليب، فعن ابن مسعود t قال: بينما رسول الله ﷺ يصلي عند البيت، وأبو جهل، وأصحابه جلوس وقد نحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل، أيكم يقول إلي سلا جزور بني فلان، فيضعه بين كتفي محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم فأخذه.
فلما سجد النبي ﷺ وضعه بين كتفيه، فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض، وأنا قائم أنظر، لو كانت لي منعة، طرحته عن ظهره، والنبي ﷺ، ما يرفع رأسه، حتى انطلق إنسان إلى فاطمة ل.
فجاءت وهي جويرية، فطرحته عنه، ثم أقبلت عليهم تشتمهم، فلما قضي صلاته ﷺ، رفع صوته، ثم دعا عليهم، وكان إذا دعا، دعا ثلاث مرات، وإذا سأل سأل ثلاثًا، فقال اللهم عليك بقريش، فلما سمعوا صوته، ذهب عنهم الضحك، وخافوا دعوته.
ثم قال الله عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وذكر السابع، ولم أحفظه، فوالذي بعث محمدًا ﷺ عليه وسلم بالحق، لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر.
ثم سحبوا إلى القليب، (قليب بدر) أخرجه الشيخان، والنسائي تيسير الوصول ج4 ص216.
64- ومن ذلك ما في صحيح البخاري، عن يزيد بن أبي عبيد، قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة، فقلت: يا أبا مسلم ما هذه الضربة، فقال هذه ضربة أصابتني يوم خيبر فقال الناس: أصيب سلمة، فأتيت رسول الله ﷺ فنفث فيه ثلاث نفثات فما أشتكيها حتى الساعة.
65- ومن ذلك أنه ﷺ لما أراد الهجرة، خرج من مكة، ومعه أبو بكر فدخل غارًا في جبل ثور، ليستخفي من قريش، وقد طلبته، وبذلت لمن جاء به مائة ناقة، فأعانه الله بإخفاء أثره، ونسجت العنكبوت على باب الغار.
ولما خرج، لحقه سراقة بن مالك بن جعشم، وهو من جملة من توجه لطلبه، فقال أبو بكر هذا سراقة قد قرب، فقال رسول الله ﷺ "اللهم اكفنا سراقة" فأخذت الأرض قوائم فرسه إلى إبطها، فقال سراقة، يا محمد ادع الله أن يطلقني، ولك علي أن أرد من جاء يطلبك، ولا أعين عليك أبدًا، فقال "اللهم إن كان صادقًا فأطلق عن فرسه" فأطلق الله عنه، ثم أسلم سراقة وحسن إسلامه.
66- ومن ذلك ما ذكره الماوردي في أعلام النبوة، من أن أبا لهب خرج يومًا، وقد اجتمعت قريش، فقالوا له يا أبا عتبة، إنك سيدنا، وأنت أولى بمحمد منا، وإن أبا طالب، هو الحائل بيننا وبينه، ولو قتلته لم ينكر أبو طالب، ولا حمزة، منك شيئًا، وأنت بريء من دمه، نؤدي نحن الدية، وتسود قومك، فقال فإني أكفيكم، ففرحوا بذلك، ومدحته خطباؤهم.
فلما كان في تلك الليلة، وكان مشرفًا عليه، نزل أبو لهب، وهو يصلي وتسلقت امرأة أبي لهب، أم جميل الحائط، حتى وقفت على رسول الله ﷺ، وهو ساجد فصاح به، أبو لهب، فلم يلتفت إليه، وهما كانا لا ينقلان أقدامهما، ولا يقدران على شيء، حتى تفجر الصبح، وفرغ رسول الله ﷺ، فقال له أبو لهب يا محمد، أطلق عنا، فقال "ما كنت لأطلق عنكما، أو تضمنا لي أنكما لا تؤذياني" قالا: قد فعلنا، فدعا ربه فرجعا.
67- ومن ذلك أن الناس لما انهزموا عن رسول الله ﷺ يوم حنين، وهو معتزل عنهم، رآه شيبة بن عثمان، بن أبي طلحة، فقال اليوم أدرك ثأري من محمد، فأقتله، لأن أبا شيبة قتل يوم أحد في جماعة إخوته وأعمامه، قال شيبة فلما أردت قتله، أقبل شيء حتى تغشى فؤادي فلم أطق ذلك فعلمت أنه ممنوع.
والله أعلم وصلى الله على محمدٍ وآله وسلم.
68- ومن ذلك قصة أبي جهل وحجره، ففي السيرة النبوية أن أبا جهل قال يومًا، يا معشر قريش، إن محمدًا قد أبى إلا ما ترون، من عيب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وشتم آلهتنا، وإني أعاهد الله لأجلسن له غدًا، بحجر ما أطيق حمله، فإذا سجد في صلاته، فضخت به رأسه، فأسلموني عند ذلك، أو امنعوني، فليصنع بعد ذلك عبد مناف ما بدا لهم، قالوا: والله لا نسلمك لشيء أبدًا، فامض لما تريد.
فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرًا كما وصف، ثم جلس لرسول الله ﷺ ينتظره، وغدا رسول الله ﷺ كما كان يغدو، فقام يصلي، وقد غدت قريش، فجلسوا في أنديتهم، ينتظرون ما أبو جهل فاعل، فلما سجد رسول الله ﷺ. احتمل أبو جهل الحجر، ثم أقبل نحوه، حتى إذا دنا منه، رجع منهزمًا، منتقعًا لونه، مرعوبًا، قد يبست يداه على حجره حتى قذف الحجر من يده.
وقام إليه رجال من قريش فقالوا له: ما لك يا أبا الحكم ؟ قال: قمت إليه لأفعل به ما قلت لكم البارحة، فلما دنوت منه، عرض لي دونه، فحل من الإبل، لا والله ما رأيت مثل هامته، ولا قصرته، ولا أنيابه، لفحل قط، فهم بي أن يأكلني، وروي أن رسول الله ﷺ قال: ذلك جبريل لو دنا لأخذه.
69- ومنها قصة أخرى مع أبي جهل فعن أبي هريرة، قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قالوا: نعم. قال: فقال واللات والعزي، لئن رأيته يصلي كذلك لأطأن على رقبته، ولأعفرن وجهه في التراب، فأتى رسول الله ﷺ وهو يصلي ليطأ على رقبته، قال فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه.
قال: فقيل لها ما لك، فقال: إن بيني وبينه خندقًا من نار، وهولاً، وأجنحة، قال فقال رسول الله ﷺ "لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا" قال: فأنزل الله لا أدري في حديث أبي هريرة أم لا ]كَلاَّ إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى[ إلى آخر السورة.
70- ومن أعلام نبوته ﷺ، ما يلي: قال محمد بن كعب القرظي، حدثت أن عتبة بن ربيعة كان سيدًا حليمًا، قال يومًا وهو جالس في نادي قريش، ورسول الله ﷺ جالس، وحده في المسجد، قال يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد، وأكلمه، وأعرض عليه أمورًا، لعله يقبل منا بعضها فنعطيه، ويكف عنا، وذلك حين أسلم حمزة، ورأوا أصحاب رسول الله ﷺ، يزيدون ويكثرون.
فقالوا بلى، يا أبا الوليد، فقم إليه فكلمه، فقام عتبة، حتى جلس إلى رسول الله ﷺ، فقال يا ابن أخي إنك منا حيث علمت من البسطة في العشيرة والمكان في النسب وإنك قد أتيت قومك، بأمر عظيم، فرقت جماعتهم وسفهت أحلامهم، وعبت آلهتهم، وكفرت من مشي من آبائهم فاسمع مني، أعرض عليك أمورًا تنظر فيها، فقال رسول الله ﷺ (قل يا أبا الوليد).
فقال يا ابن أخي، إن كنت تريد شرفًا، سودناك علينا، وإن كنت تريد مالاً بما جئت به، جمعنا لك من أموالنا، حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كان الذي بك رئيًا، لا نستطيع رده، طلبنا لك الطب، ولعل هذا شعر جاش بصدرك، فإنكم لعمري بني المطلب تقدرون من ذلك ما لا يقدر عليه غيركم، حتى إذا فرغ ما عنده، من سائر الأمور التي يزعم إنها ترده عما يقول، فقال له رسول الله ﷺ "أو قد فرغت يا أبا الوليد ؟" قال نعم.
قال "فاستمع مني" قال فافعل فقال ﷺ ]بِسْم اللهِ اْلرَّحْمَنِ اْلرَّحِيم ، حم (1) تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ[ ثم مضي فيها يقرأ، فلما سمعها عتبة، أنصت له، وألقى يديه خلف ظهره، معتمدًا عليها يستمع منه، حتى انتهى رسول الله ﷺ إلى السجدة فسجد، ثم قال "قد سمعت يا أبا الوليد فأنت وذاك" فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض نحلف بالله، لقد جاءكم أبو الوليد، بغير الوجه الذي ذهب به.
فلما جلس فيهم قالوا ما وراءك، يا أبا الوليد، فقال ورائي إني سمعت قولاً، والله ما سمعت بمثله قط، ما هو بالشعر، ولا السحر، ولا الكهانة، يا معشر قريش أطيعوني، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، واعتزلوه، فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب، فملكه ملككم، وعزه عزكم، فأنتم أسعد الناس به، فقالوا سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه فقال هذا رأيي لكم فاصنعوا ما بدا لكم.
71- ومنها ما روي عنه ﷺ من أن بنته فاطمة الحسين بن علي يقتل بالعراق فكان الأمر كما أخبر فقتل الحسين t في كربلاء سنة إحدى وستين وله أربع وخمسون سنة وستة أشهر ونصف الشهر.
72- ومنها دعاؤه ﷺ لأنس بن مالك، واستجابة الله لدعائه، فعن أنس t، قال جاءت بي أمي أم أنس إلى رسول الله ﷺ، وقد آزرتني بنصف خمارها، وردتني بنصفه، فقالت يا رسول الله، هذا أنيس، ابني أتيتك به يخدمك، فادع الله له، فقال "اللهم أكثر ماله، وولده".
قال أنس، فوالله إن مالي كثير، وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة اليوم، أخرجه مسلم، وعن أبي خلدة خالد بن دينار، قال قلت لأبي العالية، سمع أنس من رسول الله ﷺ، قال خدمه عشر سنين، ودعا له، وكان له بستان يحمل في النسة الفاكهة مرتين، وكان، فيه ريحان، يجيء منه ريح المسك، أخرجه الترمذي.
73- ومن ذلك إخباره ﷺ عن مقتل القراء، فعن أنس بن مالك t قال جاء ناس إلى النبي ﷺ، فقالوا ابعث معنا رجالاً يعلمونا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلاً من الأنصار، يقال لهم القراء فيهم خالى حرام يقرؤن القرآن، ويتدارسون بالليل يتعلمون.
وكانوا بالنهار يجيئون بالماء، فيضعونه في المسجد، ويحتطبون، فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة، وللفقراء، فبعثهم النبي ﷺ إليهم، فعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان فقالوا اللهم بلغ عنا نبينا، أنا قد لقيناك فرضينا عنك، ورضيت عنا.
قال: وأتى رجل حرامًا، خال أنس، من خلفه فطعته برمح حتى أنفذه، فقال حرام، فزت ورب الكعبة، فقال رسول الله ﷺ لأصحابه "إن إخوانكم قد قتلوا وإنهم قالوا اللهم بلغ عنا نبينا، أنا قد لقيناك فرضينا عنك، ورضيت عنا".
74- ومن ذلك ما روي أن النبي ﷺ لما تلا ]وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى[ قال عتبة بن أبي لهب، كفرت بالذي دنا فتدلى، فقال النبي ﷺ "اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك" يعني الأسد، فخرج عتبة مع أصحابه، في عير إلى الشام، حتى إذا كانوا في طريقهم، زأر الأسد، فجعلت فرائص عتبة ترتعد، فقال أصحابه من أي شيء ترتعد، فوالله ما نحن وأنت إلا سواء، فقال إن محمدًا دعا علي، وما ترد له دعوة، ولا أصدق منه لهجة.
فوضعوا العشاء فلم يدخل يده فيه، وحاط القوم أنفسهم بمتاعهم وجعلوا عتبة وسطهم وناموا، فجاء الأسد يشم رؤوسهم رجلاً رجلاً، حتى انتهي إلى عتبة، فهشمه هشمة أوصلته إلى آخر رمق، فقال وهو بآخر رمق، ألم أقل لكم إن محمدًا أصدق الناس لهجة.
75- ومن ذلك قوله ﷺ لابن عباس، وهو يومئذ غلام: "اللهم فقهه في الدين، وعلم التأويل" فخرج أفقه الناس في الدين، وأعلمهم بالتأويل، حتى سمي البحر، لسعة علمه، t.
76- ومنها ما رواه الإمام أحمد في مسنده من أن عائشة لما أقبلت وبلغت مياه بني عامر ليلاً، نبحت الكلاب، فقالت أي ماء هذا، قالوا ماء الحوأب، قالت ما أظنني إلا أني راجعة، قال بعض من كان معها بل تقدمين، فيراك المسلمون، فيصلح الله عز وجل ذات بينهم، قالت إن رسول الله ﷺ قال لها ذات يوم "كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب" وفي حديث ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ "ليت شعري، أيتكن صاحبة الجمل المدبب، تخرج فينبحها كلاب الحوأب، يقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير، ثم تنجو بعدما كادت" رواه البزار ورجاله ثقات كل ذلك يقع طبق ما أخبر الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه.
والله أعلى وصلى الله على محمدٍ وآله وسلم.
77- ومن ذلك إخباره ﷺ أم حرام، عن غزوها في البحر وعلو مكانتها ففي صحيح البخاري، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك t، أنه سمعه يقول كان رسول الله ﷺ إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت تحت عباءة بن الصامت.
فدخل يومًا فأطعمته، فنام رسول الله ﷺ ثم استيقظ يضحك قالت فقلت ما يضحكك يا رسول الله، فقال "ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر، ملوكًا على الأسرة – أو قال مثل الملوك على الأسرة" شك إسحاق، قالت أدع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها رسول الله ﷺ.
ثم وضع رأسه، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت قلت ما يضحكك يا رسول الله، قال "ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله" كما قال في الأولى، فقلت يا رسول الله أدع الله أن يجعلني منهم، قال "أنت من الأولين" فركبت البحر زمان معاوية، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت، فوقع كما أخبر ﷺ.
78- ومنها إخباره عن أول زوجاته لحوقًا به بعد وفاته، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن بعض أزواج النبي ﷺ قلن يا رسول الله أينا أسرع بك لحوقا، قال أطولكن يدًا، فأخذن قصبة يذرعنها فكانت سودة أطولهن يدا، فعلمنا بعد إنما، كان طول يدها الصدقة، وكانت تحب الصدقة، وكانت أسرعنا لحوقًا به ﷺ، أخرجه الشيخان.
79- ومن ذلك إخباره ﷺ عامل كسرى ملك الفرس على اليمن أن الله وعده أن يقتل كسرى في يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا ومن حديثه أن كسرى كتب إلى عامله على اليمن بآذان أنه بلغني أن رجلاً من قريش خرج بمكة يزعم أنه نبي فسر إليه فاستتبه فإن تاب وإلا فابعث إلي رأسه.
فبعث بآذان بكتاب كسرى إلى رسول الله ﷺ.
فكتب إليه رسول الله ﷺ "إن الله قد وعدني أن يقتل كسرى في يوم كذا وكذا، من شهر كذا وكذا" فلما أتى بآذان كتاب رسول الله ﷺ توقف، لينظر، وقال إن كان نبيًا فسيكون ما قال، فقتل كسرى، في اليوم الذي قال رسول الله ﷺ، قتل على يد ابنه، شيرويه.
فلما بلغ ذلك بآذان بعث بإسلامه، وإسلام من معه، من الفرس إلى رسول الله ﷺ، فقالت الرسل من الفرس، إلى من نحن يا رسول الله، قال "أنتم منا وإلينا أهل البيت".
80- ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري قال عدا الذئب على شاة فأخذها فطلبه الراعي فانتزعها منه، فأقعى الذئب على ذنبه، فقال ألا تتقي الله تنزع مني رزقًا ساقه الله إلي، فقال يا عجبي ذئب يكلمني كلام الإنس، فقال الذئب ألا أخبرك بأعجب من ذلك، محمد ﷺ بيثرب، يخبر الناس بأنباء ما قد سبق، قال فأقبل الراعي يسوق غنمه، حتى دخل المدينة، فزواها إلى زاوية من زواياها.
ثم أتى رسول الله ﷺ فأخبره فأمر رسول الله ﷺ فنودي الصلاة جامعة، ثم خرج فقال للراعي أخبرهم، فأخبرهم، فقال رسول الله ﷺ "صدق، والذي نفس محمد بيده، لا تقوم الساعة، حتى يكلم الرجل عذبة سوطه، وشراك نعله، ويخبره فخده، بما أحدث أهله بعده".
قال ابن كثير وهذا إسناد على شرط مسلم، وقد صححه البيهقي ولم يروه إلا الترمذي من قوله: "والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الإنس" إلى آخره.
81- ومن ذلك توقيته ﷺ مواقيت الحج المكانية وذلك أنه عينها من قبل فتح بلدانها قال الناظم:
وإِحْرَامُ حَجِّ مِن مَوَاقِيْتَ خَمْسَة ولِلشَامِ والمِصْريِّيْ والغَرْبِ جُحْفَةً وخُذْ ذَاتَ عِرْقٍ لِلْعِرَاق وَوَفْدِهِ وَتَعْيِينُها مِن مُعْجِزَاتِ نَبِّيِنَا | لِطَيْبَةَ وَقِّتْ ذَا الحُلَيْفَةِ واقْصِدِ ولِلْيَمَنِ التَّالِي يَلملَم فارْصُدِ وقَرْنًا لِوَفْدٍ طَائِفِي ومُنْجِدِ لِتَعْيِيْنِهِ مِن قَبْلِ فَتْحِ المُعَدَّدِ |
82- ومن ذلك إنذاره ﷺ بريح شديدة في تبوك، وطلب من أصحابه أن يأخذوا حذرهم، ففي صحيح مسلم عن أبي حميد، قال خرجنا مع رسول الله ﷺ، في غزوة تبوك، فأتينا وادي القرى، على حديقة لامرأة، فقال رسول الله ﷺ اخرصوها، فخرصناها، وخرصها رسول الله ﷺ عشرة أوسق، وقال: أحصيها، حتى نرجع إليك إن شاء الله، وانطلقنا، حتى قدمنا تبوك، فقال رسول الله ﷺ "ستهب ريح شديدة" فقام رجل فحملته الريح إلى أن ألقته بجبلي طيء، وجاء رسول صاحب إيلة، إلى رسول الله ﷺ بكتاب، وأهدى له بغلة بيضاء، فكتب إليه رسول الله ﷺ، وأهدى له بردًا، ثم أقبلنا، حتى قدمنا، وادي القرى، فسأل رسول الله ﷺ المرأة، عن حديقتها كم بلغ ثمرها، فقالت عشرة أوسق، تمامًا كما أخبر.
83- ومن ذلك إخباره ﷺ أنه سيأتي زمان ترتحل فيه الظعينة من الحيرة إلى الكعبة، لا تخاف إلا الله ووقع طبق ما أخبر.
ففي صحيح البخاري عن عدي بن حاتم قال: بينما أنا عند النبي ﷺ إذ أتاه رجل، فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا قطع السبيل، فقال "يا عدي هل رأيت الحيرة ؟" قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها. قال "فإن طالت بك حياة، لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحدًا إلا الله" قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار طيء – أي قطاع الطريق – الذين سعروا البلاد – "ولئن طالت بك حياة، لتفتحن كنوز كسرى" قلت كسرى ابن هرمز، فال "كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدًا يقبله منه.
وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه، وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له فيقولن: ألم أبعث إليك رسولاً فيبلغك، فيقول بلى: فيقول ألم أعطك مالاً، فيقول بلى، فينظر عن يمينه، فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره، فلا يرى إلا جهنم" قال عدي، سمعت النبي ﷺ يقول "اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة".
وقال عدي فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة ختى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة، لترون ما قال النبي أبو القاسم ﷺ يخرج ملء كفه".
84- ومن ذلك دعاؤه ﷺ للنابغة الجعدي، بقوله له "لا يفضفض الله فاك" فعمر، وكان أحسن الناس ثغرًا، كلما سقطت له سن، نبتت له أخرى.
85- ومن ذلك سقوط الأصنام، بإشارة من قضيب، كان في يده فإنه كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما، أرجلها مثبتة بالرصاص، في الحجارة تثبيتًا محكمًا، فلما دخل عام الفتح إلى المسجد الحرام، جعل يشير بقضيب في يده، إلى تلك الأصنام فوقعت لوجوهها، وظهورها، حسب إشارته ﷺ.
86- ومن ذلك ما روي أن العباس بن عبد المطلب، بعث ابنه عبد الله، إلى رسول الله ﷺ في حاجة، فوجد عنده رجلاً فرجع ولم يكلمه، من أجل مكان الرجل، فلقي العباس رسول الله ﷺ، فأخبره بذلك، فقال "ورآه ؟" قال نعم "قال أتدري من ذاك الرجل ؟" ذاك جبريل.
"ولن يموت حتى يذهب بصره، ويؤتى علمًا" وقد مات ابن العباس سنة ثمان وستين، بعد ما عمي بصره، t وصار بحرًا زاخرًا في العلم.
87- ومن ذلك، ما رواه البيهقي عن خمارة عن أنيسة بنت زيد بن أرقم، عن أبيها أن رسول الله ﷺ دخل على زيد يعوده في مرض كان به، قال "ليس عليك من مرض بأس، ولكن كيف بك إذا عمرت بعدي، فعميت ؟" قال: إذا أحتسب وأصبر، قال "إذًا تدخل الجنة، بغير حساب" قال فعمي بعد ما مات رسول الله ﷺ، ثم رد الله عليه بصره، ثم مات.
88- ومن ذلك إخباره ﷺ عن محنة عثمان t، ففي صحيح البخاري عن أبي موسى t، قال كنت مع النبي ﷺ في حائط من حيطان المدينة، فجاء رجل فاستفتح، فقال النبي ﷺ "افتح له وبشره بالجنة" ففتحت، فإذا هو أبو بكر، فبشرته بما قال النبي ﷺ فحمد الله.
ثم جاء رجل فاستفتح، فقال النبي ﷺ "افتح له وبشره بالجنة" ففتحت، فإذا هو عمر، فأخبرته بما قال النبي ﷺ، ثم استفتح رجل فقال لي "افتح له وبشره بالجنة، على بلوى تصيبه" فإذا هو عثمان فأخبرته بما قال النبي ﷺ فحمد الله، ثم قال: الله المستعان.
89- ومن ذلك ما ورد عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، قال كنا مع النبي ﷺ ثلاثين ومائة فقال ﷺ هل مع أحد منكم طعام، فإذا مع رجل صاع من طعام، أو نحوه، فعجن، ثم جاء رجل مشعان طويل بغنم يسوقها، فقال ﷺ "بيعًا، أم هبة ؟" قال بل بيع، فاشترى منها شاة، فصنعت، فأمر ﷺ بسواد البطن أن يشوى، وأيم الله، ما في الثلاثين والمائة، رجل إلا قد حز له حزة من سواد بطنها إن كان شاهدا أعطاه إياه، وإن كان غائبًا خبأ له فجعل منها قصعتين فأكلوا أجمعون وشبهنا ففضلت القطعتان فحملتا على البعير، رواه الشيخان.
90- ومن ذلك ما ورد عن سمرة، قال كنا مع النبي ﷺ نتداول من قصعة، من غدوة حتى الليل، تقوم عشرة، وتقعد عشرة، فقلنا فمما كانت تمد، قال ومن أي شيء تعجب، ما كانت تمد إلا من ها هنا، وأشار بيده إلى السماء، رواه الترمذي.
91- ومن ذلك ما رواه جابر، أن النبي ﷺ جاءه رجل يستطعمه، فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال الرجل يأكل منه، وامرأته، وضيفهما، حتى كاله ففنى، فأتى النبي ﷺ فقال: "لو لم تكله لأكلتم منه، ولقام لكم" رواه مسلم.
92- ومن ذلك دعاؤه ﷺ على مضر، وإمساك القطر عنهم، فإنهم لما كذبوه، وآذوه، في نفسه، وأصحابه، دعا عليهم فقال "اللهم اشدد وطأتك على مضر وابعث عليهم سنين كسني يوسف ﷺ" فأمسك عنهم القطر، حتى جف النبات، والشجر، وماتت الماشية، وحتى اشتووا القد، وأكلوا العلهر، وتفرقوا في البلاد، لشدة الحال.
فوفد حاجب بن زرارة، إلى كسرى فشكا إليه ما نالهم، وسأله أن يأذن له في الرعي، بالسواد، ورهنه قوسه.
والقصة مشهورة، يسوقها أهل التفسير، عند قول الله تعالى: ]فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ[.
قال ابن القيم رحمه الله:
يا قاعِدًا سَارَتْ بِهِ أَنفاسُهُ حَتَّى مَتَى هَذَا الرُقَادُ وقَدْ سَرَى وحَدَتْ بِهِم عَزَمَاتُهُم نَحْوَ العُلَى رَكِبُوْا العَزَائِم واعْتَلَوا بظُهُورِهَا سَارُوْا رُوَيْدًا ثُمَّ جَاؤُا أَوَّلاً سَارُوْا بإثْباتِ الصِّفَاتِ إِليْهِ لا عَرفُوهُ بالأَوْصَافِ فامْتَلأَتْ قُلُوْ فَتَطَايَرَتْ تِلكَ القُلُوبُ إِليْهِ بالْـ وأَشَدُّهُم حُبًا لَهُ أَدْرَاهُمُوْا فالحُبُّ يَتْبَعُ لِلشُّعُورِ بَحَسْبِه ولِذَاكَ كَانَ العَارِفُونَ صِفَاتِهِ ولِذَاكَ كَانَ العَالِمُونَ بِرَبِهِمْ ولِذَاكَ كَانَ المُنْكُرِونَ لَهَا هُمُ الْـ ولِذَاكَ كَانَ الجَاهِلونَ بِذَا وذَا وَحَيَاةُ قَلْبِ المَرْءِ في شَيْئَيْنِ مَنْ في هَذِهِ الدُنْيَا وفي الأُخْرَى يَكُوْ ذِكْرِ الإِلَهِ وَحُبِّهِ مِن غَيْرِ مِن صَاحِبِ التَعَطيلِ حَقَّا كَامْتِنَا أَيُحِبُهُ مَنْ كَانَ يُنْكِرُ وَصْفَهُ لا وَالذِي حَقًا عَلَى العَرْشِ اسْتَوى اللهُ أَكْبَرُ ذَاكَ فَضْلُ اللهِ يُؤ وتَرَى المُخَلَّفَ فِي الدِّيَارِ تَقُوْلُ ذَا اللهُ أَكْبَرُ ذَاكَ عَدْلُ اللهِ يَقْـ ولَهُ عَلَى هَذَا وهَذَا الحَمْدُ فِي الْـ حَمْدٌ لِذَاتِ الرَّبِ جَلَّ جَلالَه يا مَن تَعُزُّ عَلَيْهُم أَرْوَاحُهُمْ ويَرَوْنَ خُسْرانًا مُبِيْنًا بَيْعَهَا ويَرَوْنَ مَيْدانَ التَّسَابُقِ بارِزًا ويَرَوْنَ أَنْفَاسَ العِبَادِ عَلَيْهمُ ويَرَوْنَ أَنَّ أَمَامَهُمْ يَوْمَ اللِّقا ماذا عَبَدْتُمْ ثُمَّ ماذا قَدْ أَجَبْـ هاتُوا جَوابًا لِلسُّؤال وَهَيِئُوا وَتَيَقَّنُوا أَنْ لَيْسَ يُنْجِيْكُمْ سِوَى تَجْرِيْدكُم تَوْحِيْدَهُ سُبْحَانَه وَكَذَاكَ تَجْرِيدُ أَتْباعِ رَسُولِهِ واللهِ مَا يُنْجِي الفَتَى مِنْ رَبِهِ يَا رَبِّ جَرِّدْ عَبْدَكَ المِسْكِيْنَ رَا لم تَنْسَهُ وذَكَرتهُ فاجْعَلْهُ لا وبه خَتَمْتَ فَكُنْتَ أَوْلَى بالجَمِيْـ فالعَبْدُ لَيْسَ يَضِيْعُ بَيْنَ خَوَاتِمٍ أَنْتَ العَلِيْمُ بهِ وقَدْ أَنَشَأْتَهُ والضَّعْفُ مُسْتَوْلٍ عَلَيْنَا مِن جَمِيْـ يَا رَبِّ مَعَذِرةً إِليْكَ فَلَمْ يَكُنْ لَكِنْ نُفُوسٌ سَوَّلَتْهَا وغَرَّهَا فَتَيَقَّنَتْ يَا رَبِ أَنَّكَ واسِعُ الْـ وَسِعَتْ إلى الأَبَوَيْنِ رَحْمَتُكَ الَّتِي هَذَا ونَحْنُ بَنُوهُمَا وَحَلُوْمُنَا جُزْءٌ يَسِيْرٌ والعَدُوُّ فَواِحٌد ومَقَالُنَا ما قَالَه الأَبَوانِ قَبْـ نَحْنُ الأُولَى ظَلَمُوا وإِنْ لَمْ تَغْفِر الـ يا رَبِّ فانْصُرْنَا عَلَى الشيطان لَيْـ | سَيْرَ البَرِيْدِ ولَيْسَ بالذَّمِلانِ وَفْدُ المَحَبِّةِ مَعْ أُوْلِي الإِحْسَانِ لا حَادَي الرُكْبَانِ والأَضْعَانِ وسَرَوْا فَمَا حَنُّوْا إلى نُعْمَانِ سَيْرَ الدَّلِيْلِ يَؤُمُ بالرُكْبَانِ التَّعْطِيْلِ والتَّحْرِيفِ والنُكْرانِ بُهُمُ لَه بالحُبِ والإِيْمَانِ أَشْوَاقِ إِذ مُلِئَتْ مِن العِرْفانِ بصِفَاتِهِ وحَقَائِقِ القُرآنِ يَقْوَى ويَضْعُفُ ذَاكَ ذُوْ تِبْيَانِ أَحْبَابَهُ هُمْ أَهْلُ هَذَا الشَّانِ أَحْبَابَه وبِشِرْعَةِ الإِيْمَانِ أَعْدَاءُ حَقًا هُمْ أُولُو الشَّنَئانِ بُغَضَاءَهُ حَقًا ذَوِيْ شَنَئانِ يُرْزَقْهُمَا يَحْي مَدَى الأَزْمَانِ نُ الحَيَّ ذَا الرضْوَانِ والإِحْسَانِ إِشراكٍ بِهِ وهُمَا فَمُمْتَنِعَانِ عِ الطائِرِ المَقْصُوصِ مِن طَيْرانِ وعُلُوَّهُ وكَلامَهُ بقُرانِ مُتَكَلِمًا بالوَحْي والفُرقَانِ تِيْهِ لمَنْ يَرْضَى بلا حُسْبَانِ إِحْدَى الأَثَا فِي خُصَّ بالحِرْمَانِ ـضِيْهِ على مَن شَاءَ مِن إِنْسَانِ أُوْلَى وفي الأُخْرَى هُمَا حَمْدَانِ وكذاكَ حَمْدُ العَدْلِ والإِحْسَانِ ويَرَوْنَ غَبْنًا بَيْعَهَا بِهَوانِ في إِثْرِ كُلِّ قَبِيْحَةِ ومُهَانِ فَيُتَارِكُونَ تَقَحُّمَ المَيْدَانِ قَدْ أُحْصيَتْ بالعَدِ والحُسْبَانِ لله ِمَسْأَلَتَانِ شَامِلَتَانِ ـتُمْ مَن أَتَى بالحَقِ والبُرْهَانِ أَيْضًا صَوَابًا لِلْجَوابِ يُدَانِ تَجْرِيْدكُمَ بَحَقائِقِ الإِيْمَانِ عن شِرْكَةِ الشَيطانِ واْلأَوْثَانِ عن هَذِهِ الآراءِ والهَذَيانِ شَيءٌ سِوَى هَذَا بِلا رَوَغَانِ جِيْ الفَضْلَ مِنْكَ أَضْعَفَ العُبْدَانِ يَنْسَاك أَنْتَ بَدَأْتَ بالإِحْسَانِ ـلِ وبالثَّنَاءِ مِنَ الجَهُولِ الجَانِي وفَواتِحٍ من فَضْلِ ذي العِرْفَانِ مِن تُرْبَةٍ هِي أَضْعَفُ الأَرْكَانِ ـعِ جِهَاتِنا سِيْمَا مِن الإِيمانِ قَصْعُد العِبَادِ رُكُوبَ ذَا العِصْيَانِ هَذَا العَدُوُّ لَهَا غُرُوْرَ أَمَانِ ـغُفْرانِ ذُوْ فَضْلٍ وذُوْ إِحْسَانِ وسِعَتْهُمَا فعلا بِكَ الأَبَوَانِ في جَنْبِ حِلْمِهما لَدَى المِيْزَانِ لَهُمَا وأَعْدَانَا بِلا حُسْبَانِ ـلَ مَقَالَةِ العَبْدِ الظَّلُومِ الجَانِ ذَنْبَ العَظِيْمَ فَنَحْنُ ذُوْ خُسْرَانِ ـسَ لَنَا بهِ لَوْلا حِمَاكَ يَدَانِ |
اللهم ثبت وقوِّ إيماننا بك وبملائكتك وبكتبك وبرسلك وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره اللهم عاملنا بعفوك وغفرانك وامنن علينا بفضلك وإحسانك ونجنا من النار وعافنا من دار الخزي والبوار وادخلنا بفضلك وكرمك وجودك الجنة دار القرار واجعلنا مع عبادك الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في دار رضوانك وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
93- ومن ذلك إخباره ﷺ عن محنة المسلمين، وتداعي الأمم عليهم، ففي سنن أبي داود، عن ثوبان قال: قال رسول الله ﷺ "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعي الأكلة إلى قصعتها" فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ قال: "بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن" فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن ؟ قال "حب الدنيا وكراهة الموت" وأخرجه أيضا أحمد في مسنده.
94- ومن ذلك إخباره ﷺ باتساع ملك المسلمين وفوزهم بكنوز كسرى وقيصر واضطراب أمر المسلمين في النهاية.
ففي صحيح مسلم عن ثوبان قال: قال لي رسول الله ﷺ: "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم.
وإن الله قال لي: يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني أعطيتك لأمتك إن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، أو قال من بين أقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا.
95- ومن ذلك ما في صحيح البخاري عن أنس t قال كان رجل نصرانيًا فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران فكان يكتب للنبي ﷺ فعاد نصرانيًا، فكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه، لما هرب منهم، نبشوا عن صاحبنا، فألقوه، فحفروا له، فأعمقوا، فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا، لما هرب منهم فألقوه خارج القبر فحفروا وأعمقوا له في الأرض، ما استطاعوا، فأصبح قد لفظته الأرض، فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه.
96- ومن ذلك ما روي عن علي بن أبي طالب t قال: بعثني رسول الله ﷺ إلى اليمن فقلت يا رسول الله تبعثني وأنا حدث السن لا علم لي بالقضاء قال "انطلق فإن الله تعالى سيهدي قلبك ويثبت لسانك" قال علي t فما شككت في قضاء بين اثنين ولذلك قال ﷺ "أقضاكم علي".
97- ومن ذلك ما ورد عن قيس بن أبي حازم عن أبي شهم وكان رجلاً بطالاً فمرت به جارية فأهوى بيده إلى خاصرتها قال فأتيت النبي ﷺ من الغد وهو يبايع الناس فقبض يده وقال ﷺ: "أصاحب الجبذة أمس ؟" قال فقلت لا أعود يا رسول الله فقال ﷺ "فنعم إذا" الحديث أخرجه النسائي.
98- ومن ذلك ما رواه ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ ، قال كنت جالسًا مع النبي ﷺ في مسجد منى، فأتاه رجل من الأنصار، ورجل من ثقيف، فسلما، ثم قالا، يا رسول الله جئنا نسألك، فقال "إن شئتما أخبرتكما، بما جئتما تسألاني عنه فعلت، وإن شئتما أن أمسك وتسألاني فعلت" فقالا أخبرنا يا رسول الله، فقال الثقفي للأنصاري، سل، فقال أخبرني يا رسول الله.
فقال "جئت تسألني عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام، وما لك فيه، وعن ركعتيك بعد الطواف، وما لك فيها، وعن طوافك بين الصفا والمروة، وما لك فيه، وعن وقوفك عشية عرفة، ومالك فيه، وعن رميك الجمار، ومالك فيه، وعن نحرك، ومالك فيه، مع الإفاضة" فقال "والذي بعثك بالحق لعن هذا جئت، أسألك.
قال "فإنك إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام، لا تضع ناقتك خفًا، ولا ترفعه، إلا كتب الله لك به حسنة، ومحا عنك خطيئة، وأما ركعتاك بعد الطواف، كعتق رقبة من بني إسماعيل عليه السلام، وأما طوافك بالصفا والمروة، كعتق سبعين رقبة، وأما وقوفك عشية عرفة، فإن الله يهبط إلى سماء الدنيا، فيباهي بكم الملائكة يقول عبادي جاؤني شعثًا، من كل فج عميق، يرجون جنتي فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل، أو كقطر المطر، أو كزبد البحر، لغفرتها، أفيضوا عبادي، مغفورًا لكم، ولمن شفعتم له.
وأما رميك الجمار، فلك بكل حصاة رميتها، تكفير كبيرة من الموبقات، وأما نحرك فمدخور لك عند ربك، وأما حلاقك رأسك فلك بكل شعرة حلقتها حسنة، ويمحى عنك بها خطيئة، وأما طوافك بالبيت، بعد ذلك، فإنك تطوف ولا ذنب لك، يأتي ملك يضع يده بين كتفيك، فيقول اعمل فيما تستقبل فقد غفر لك ما مضى" رواه الطبراني في الكبير والبزار واللفظ له ورواه ابن حبان في صحيحه.
99- ومنها إخباره ﷺ في مقتل علي بن أبي طالب وأن قاتله يخضب لحية علي من دم رأسه، فعن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري – وكان ابن فضالة من أهل بدر – قال: خرجت مع أبي عائدًا لعلي بن أبي طالب، من مرض أصابه ثقل منه، قال فقال له أبي ما يقيمك بمنزلك هذا لو أصاب أجلك إلا أعراب جهينة، تحمل إلى المدينة، فإن أصابك أجلك وليك أصحابك، وصلوا عليك.
فقال علي إن رسول الله ﷺ عهد إلي أن لا أموت حتى أؤمر، ثم تخضب هذه، - يعني لحيته – من دم هذه – يعني هامته، وعن عثمان بن صهيب عن أبيه، قال قال علي قال لي رسول الله ﷺ "من أشقى الأولين ؟" قلت: لا علم لي يا رسول الله. قال "الذي يضربك على هذه – وأشار علي إلى يافوخه بيده – فيخضب هذه من هذه" يعني لحيته من دم رأسه، قال: فكان يقول وددت أنه قد انبعث أشقاكم.
وقتل t ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة 40 هـ، عندما خرج يوقظ الناس لصلاة الفجر، فضربه ابن ملجم بالسيف على قرنه، فسال دمه على لحيته، رضي الله عنه وأرضاه، فوقع طبق ما أخبره به النبي ﷺ.
100- ومنها إجابة دعائه ﷺ لأبي هريرة، في تحبيبه إلى الناس وأمه، فقد ورد عن أبي هريرة t أنه قال، والله ما خلق الله مؤمنا يسمع بي أو يراني إلا أحبني، قال إن أمي كانت امرأة مشركة، وإني كنت أدعوها إلى الإسلام، وكانت تأبى علي فدعوتها يومًا، فأسمعتني في رسول الله ﷺ ما أكره.
فأتيت رسول الله ﷺ وأنا أبكي فقلت يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام، فكانت تأبي علي، وإني دعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال "اللهم اهد أم أبي هريرة" فخرجت أعدو أبشرها، بدعاء رسول الله ﷺ.
فلما أتيت الباب إذا هو مجاف، وسمعت خضخضة، (خشخشة) وسمعت خشف رجل – يعني وقعها، فقالت يا أبا هريرة كما أنت، ثم فتحت الباب، وقد لبست درعها، وعجلت عن خمارها أن تلبسه، وقالت أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، فرجعت إلى رسول الله ﷺ أبكي من الفرح، كما بكيت من الحزن.
فقلت يا رسول الله أبشر، فقد استجاب الله دعاءك، قد هدى الله أم أبي هريرة، وقلت يا رسول الله، ادع الله أن يحببني وأمي إلى عباده المؤمنين.
فقال "اللهم حبب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحببهم إليهما" قال أبو هريرة، فما خلق الله من مؤمن يسمع بي ولا يراني أو يرى أمي إلا وهو يحببني.
101- ومنها قصة أخرى، مع أبي هريرة، وهي ما ورد عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، قال قلت يا رسول الله، إني أسمع منك حديثًا كثيرًا فأنساه فقال "ابسط رداءك" فبسطته، ثم قال "ضمه"، فضممته، فما نسيت حديثًا بعد، رواه البخاري.
وقال الإمام أحمد حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عبد الرحمن الأعرج، قال سمعت أبا هريرة يقول إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله ﷺ، والله الموعد إني كنت امرأ مسكينًا، أصحب رسول الله ﷺ على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق في الأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم، فحضرت من رسول الله ﷺ يوما مجلسًا، فقال "من بسط رداءه حتى أقضي مقالتي ثم يقبضه إليه فلن ينسى شيئًا سمعه مني" فبسطت بردة علي، حتى قضى مقالته، ثم قبضتها إلي، فوالذي نفسي بيده، ما نسيت شيئا سمعته منه بعد ذلك.
اللهم ثبت محبتك في قلوبنا وقوها ونور قلوبنا بنور الإيمان واجعلنا هداة مهتدين وتوفنا مسلمين والحقنا بالصالحين واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
102- ومنها إخباره ﷺ أن الحسن بن علي وهو ابن فاطمة يصلح الله به بين فئتين عظيمتين، فتم ذلك بمصالحة الحسن لمعاوية بن أبي سفيان، وذلك بعد وفاة رسول الله ﷺ بثلاثين سنة.
103- ومنها إخباره ﷺ بأن عمار بن ياسر تقتله الفئة الباغية، وهو يدعوهم إلى الجنة، وهم يدعونه إلى النار، ويكون آخر زاده ضياحًا من لبن، فتله أصحاب معاوية بصفين، وهو مع علي بن أبي طالب، وكان آخر زاده من الدنيا ضياحا من لبن (والضياح) اللبن الخاثر يصب فيه الماء ثم يخبط.
104- ومنها إخباره ﷺ أصحابه، وهم يحفرون الخندق بأن الله يفتح عليه اليمن والشام والمغرب والمشرف، ففي السير والتفاسير، عن سلمان الفارسي، قال: ضربت في ناحية من الخندق فغلظت علي صخرة، ورسول الله ﷺ قريب مني.
فلما رآني أضرب، ورأى شدة المكان علي، نزل فأخذ المعول من يدي، فضرب ضربة لمعت تحت المعول برقة، قال ثم ضرب به ضربة أخرى، فلمعت تحته برقة أخرى، قال ثم ضرب به الثالثة، فلمعت تحته برقة أخرى، قال قلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما هذا الذي رأيت لمع تحت المعول وأنت تضرب قال "أو قد رأيت ذلك يا سلمان ؟" قال قلت: نعم.
قال أما الأولى، فإن الله فتح علي بها اليمن، وأما الثانية فإن الله فتح علي بها الشام والمغرب، وأما الثالثة فإن الله فتح علي بها المشرق، فكان الأمر كما أخبر على التفصيل، فإن أول ما فتح من البلدان المذكورة اليمن، فتحت على عهد رسول الله ﷺ، وفتحت بعدها الشام والمغرب، وفتح بعد الشام المشرق، في مدة قليلة بعد وفاة رسول الله ﷺ.
105- ومنها قصة جمل جابر بن عبد الله، فعنه t أنه كان على جمل له قد أعيا فأراد أن يسيبه قال، فلحقني النبي ﷺ فدعا لي وضربه، فسار سيرًا لم يسر مثله، فقال "بعنيه بأوقية" قلت: لا، ثم قال "بعنيه" فبعته بأوقية، واشترطت حملانه إلى أهلي، فلما بلغت أتيته بالجمل، فنقدني ثمنه، ثم رجعت فأرسل في أثري، فقال "أتراني ماكستك لآخذ جملك، خذ جملك ودراهمك فهو لك" متفق عليه.
106- ومن ذلك إخباره ﷺ أصحابه عما وقع لخبيب بن عدي، فعن أبي هريرة t قال بعث النبي ﷺ عشرة عينا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري، جد عاصم بن عمر بن الخطاب، حتى إذا كانوا بالهدة، بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل، يقال لهم بنو لحيان.
فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام، فاقتفوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه، فقالوا تمر يثرب، فاتبعوا آثارهم، فلما أحس بهم عاصم وأصحابه، لجئوا إلى موضع، فأحاط بهم القوم، فقالوا لهم انزلوا بأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدًا، فقال عاصم بن ثابت: أيها القوم أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر.
ثم قال: اللهم أخبر عنا نبينا ﷺ، فرموهم بالنبل فقتلوا عاصمًا، ونزل إليهم ثلاثة نفر، على العهد والميثاق، منهم خبيب، وزيد بن الدثنة، ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم، أطلقوا أوتار قسيهم، فربطوهم بها، قال الرجل الثالث، هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم، إن لي بهؤلاء، وأسوة، يريد القتلى، فجرروه، وعالجوه، فأبى أن يصحبهم.
فانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة، حتى باعوهما بعد وقعة بدر، فابتاع بنوا الحارث بن عامر بن نوفل خبيبًا، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيرًا، حتى أجمعوا على قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسًا، يستحد بها، فأعارته، فدرج بني لها، وهي غافلة حتى أتاه، فوجدته في مجلسه على فخده، والموس بيده.
قالت ففزعت فزعة عرفها خبيب فقال أتخشين أن أقتله، ما كنت لأفعل ذلك، قالت والله، ما رأيت أسيرًا قط، خيرًا من خبيب، والله لقد وجدته يومًا يأكل قطفًا من عنب في يده، وإنه لموثق بالحديد، وما بمكة من ثمرة، وكانت تقول إنه لرزق رزقه الله خبيبًا.
فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل، قال لهم خبيب دعوني أصلي ركعتين، فتركوه فركع ركعتين، فقال لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت، ثم قال: اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تبق منهم أحدًا ثم أنشأ يقول:
فلَسْتُ أَبالي حِيْنَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا وذَلِكَ في ذَاتِ الإِلهِ وَإِنْ يَشَأ | علَى أَيِّ جَنْبٍ كانَ للهِ مَصْرَعِي يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ |
ثم قام إليه أبو سروعة، عقبة بن الحارث فقتله، وكان خبيب هو الذي سن لكل مسلم قتل صبرًا الصلاة، وأخبر النبي ﷺ أصحابه يوم أصيبوا خبرهم، وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت، حين حدثوا أنه قتل، أن يأتوا بشيء منه، يعرف، وكان قتل رجلاً عظيمًا من عظمائهم، فبعث الله لعاصم، مثل الظلة من الدبر فمحته من رسلهم فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئًا، والشاهد في إخبار رسول الله ﷺ أصحابه يوم أصيبوا.
107- ومن ذلك إخباره ﷺ بأن علي بن أبي طالب يفتح الله على يديه خيبر.
ففي الصحيحين عن سهل بن سعد t أن رسول الله ﷺ قال يوم خيبر "لأعطين الراية غدًا رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه، فبات الناس يدوكون ليلتهم، أيهم يعطاها فقال "أين علي بن أبي طالب ؟" فقيل هو يشتكي عينيه فأرسلوا إليه فأتى به فبصق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية فقال "انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم" ففتح الله على يديه فكان كما قال.
108- ومن ذلك نعيه ﷺ زيدًا، وجعفرًا وابن رواحة، فقد روى البخاري عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ نعى زيدًا وجعفرًا وابن رواحة للناس، قبل أن يأتي خبرهم، فقال: "أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان، حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله" يعني خالد بن الوليد، حتى فتح الله عليهم والله أعلم وصلى الله على محمدٍ وآله وسلم.
109- ومنها ما ورد عن رفاعة بن رافع، قال رميت بسهم يوم بدر ففقئت عيني، فبصق فيها رسول الله ﷺ، ودعا لي، فما آذاني منها شيء بعد.
110- ومن ذلك أنه ﷺ استسقى مرة، فقام أبو لبانة، فقال يا رسول الله إن التمر في المرابد.
فقال "اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبانة عريان فيشد مربده بإزاره" فأمطرت فاجتمعوا إلى أبي لبانة فقالوا إنها لن تقلع حتى تقوم عريانًا فتشد ثعلب مربدك بإزارك ففعل فأقلعت السماء.
111- ومنها قتال الملائكة معه ﷺ يوم أحد ففي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص، قال رأيت رسول الله ﷺ يوم أحد، ومعه رجلان يقاتلان عنه، عليهما ثياب بيض، كأشد القتال ما رأيتهما قبل ولا بعد.
112- ومنها ما ورد عن نافع بن جبير، قال سمعت رجلاً من المهاجرين يقول شهدت أحد، فنظرت إلى النبل يأتي من كل ناحية، ورسول الله ﷺ وسطها، كل ذلك يصرف عنه.
113- ومنها دعاؤه ﷺ لأبي طلحة وأم سلمة، واستجابة الله لدعوته، فعن أنس t قال: كان لأبي طلحة ابن يشتكي فخرج أبو طلحة فقبض الصبي، فلما رجع أبو طلحة قال ما فعل الصبي قالت أم سليم وهي أم الصبي، هو أسكن ما كان، فقربت له العشاء، فتعشى، ثم أصاب منها فلما فرغ قالت: واروا الصبي.
فلما أصبح أبو طلحة، أتى رسول الله ﷺ فأخبره، فقال أعرستم الليلة، قال نعم، قال "اللهم بارك لهما" فولدت غلامًا، فقال لي أبو طلحة، احمله، حتى تأتي به النبي ﷺ، وبعث معه بتمرات، فقال "أمعه شيء ؟" قال: نعم، تمرات، فأخذها النبي ﷺ، فمضغها، ثم أخذها من فيه، فجعلها في في الصبي، ثم حنكه، وسماه، عبد الله، وفي رواية للبخاري قال ابن عيينة فقال رجل من الأنصار – فرأيت تسعة أولاد، كلهم قد قرؤا القرآن، يعني من أولاد عبد الله المولود.
114- ومن ذلك الكدية، وهي الصخرة الصلبة، التي لا تعمل فيها المعاول، فشكوها إلى رسول الله ﷺ، فدعا بإناء من ماء، فتفل فيه ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به، ثم نضح الماء على تلك الكدية، فيقول من حضرها، فوالذب بعثه بالحق نبيًا لانهالت، حتى عادت كالثيب، لا ترد فأسًا، ولا مسحاة.
115- ومنها ما رواه مسلم، عن جابر بن عبد الله، أن النبي ﷺ قدم من سفر فلما كان قرب المدينة، هاجت ريح شديدة، تكاد أن تدفن الراكب، فزعم أنه ﷺ قال "بعثت هذه الريح لموت منافق" فلما قدم المدينة إذا عظيم من المنافقين قد مات.
116- ومنها ما رواه عبد الله بن عمرو الخزاعي عن أبيه قال دعاني النبي ﷺ، وأراد أن يبعثني بمال، إلى أبي سفيان بمكة، ليقسمه في قريش، بعد الفتح، فقال "التمس صاحبًا" فجاءني عمرو بن أمية الضمري، فقال: بلغني أنك تريد الخروج إلى مكة، فتلتمس صاحبًا، قلت أجل، قال فأنا لك صاحب.
فجئت النبي ﷺ، فقلت قد وجدت صاحبًا، قال من، قلت عمرو بن أمية، قال "إذا هبطت بلاد قومه، فاحذره، فإنه قد قال القائل: أخوك البكري لا تأمنه" فخرجنا، حتى إذا كنا بالأبواء، قال إني أريد حاجة إلى قومي، وودت، أن تلبث لي قليلاً فقلت، انصرف راشدًا، فلما ولى ذكرت، قول النبي ﷺ، فشددت على بعيري، فخرجت أوضعه، حتى إذا كنت بالأصافر إذا هو يعارضني في رهط، فأوضعت، فسبقته، فلما رآني جاءني، فقال قد كانت لي إلى قومي حاجة، قلت أجل، ومضينا، حتى قدمنا مكة، فدفعت المال إلى أبي سفيان.
117- ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم أن ابن مسعود سئل من آذن النبي ﷺ بالجن ليلة استمعوا القرآن، فقال آذنت بهم شجرة.
118- ومنها ما ذكره أبو رجاء، قال دخل النبي ﷺ حائطًا لبعض الأنصار، فقال له "ما تجعل لي إن أرويت حائطك هذا ؟" قال له إني أجهد أرويه فلا أطيق، قال ﷺ "تجعل لي مائة تمرة، اختارها من تمرك ؟" قال: نعم، فأخذ الغرب، فما لبث أن أرواه، حتى قال الرجل غرقت علي حائطي، فاختار مائة تمرة، فأكل هو وأصحابه، حتى شبعوا.
ثم رد عليه مائة تمرة كما أخذها، رواه الطبراني في الكبير.
والله أعلم وصلى الله على محمدٍ وآله وسلم.
119- ومنها ما رواه البزار من أن أبا ذر تبع النبي ﷺ يومًا، فجلس قال: فجلست عنده، فقال: "يا أبا ذر: ما جاء بك ؟" قلت الله ورسوله، فجاء أبو بكر فسلم وجلس عن يمينه ﷺ، فقال له "ما جاء بك يا أبا بكر ؟" قال: الله ورسوله، فجاء عمر، فجلس عن يمين أبي بكر، فقال "يا عمر ما جاء بك ؟" قال: الله ورسوله، ثم جاء عثمان، فجلس عن يمين عمر، فقال "يا عثمان ما جاء بك ؟" قال: الله ورسوله، فتناول ﷺ سبع حصيات، أو تسع حصيات، فسبحن في يده، حتى سمعت لهن حنينًا كحنين النحل.
ثم وضعهن فخرسن، ثم وضعهن في يد أبي بكر فسبحن في يده حتى سمعت لهن حنينًا كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، ثم تناولهن فوضعهن في يد عمر فسبحن في يده، حتى سمعت لهن حنينًا كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، ثم تناولهن فوضعهن في يد عثمان، فسبحن في يده، حتى سمعت لهن حنينًا كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن. وقال الزهري يعني الخلافة.
120- ومنها قصة المزادتين، أو السطيحتين فعن عمران بن حصين أن النبي ﷺ في بعض أسفاره شكى إليه الناس من العطش فدعا فلانًا ودعا عليًا، فقال "اذهبا فابغيا الماء" فانطلقا، فلقيا امرأة بين مزادتين أو سطيحتين من ماء على بعير لها.
فقالا لها أين الماء، فقالت عهدي بالماء أمس هذه الساعة ونفرنا خلوف، قالا انطلقي إذا قالت إلى أين، قالا إلى رسول الله ﷺ، قالت، الذي يقال له الصابيء قالا: هو الذي تعنين، فانطلقي، فجاءا بها النبي ﷺ وحدثاه الحديث، فاستنزلوها عن بعيرها، ودعا ﷺ بإناء فأفرغ فيه من فواه الأفوا أفواه المزادتين، أو السطيحتين، وأوكأ أفواهما، وأطلق العزالى، فنودي في الناس اسقوا، واستقوا، فسقى من شاء، واستقى من شاء وكان آخر ذلك أن أعطى رجلاً أصابته جنابة إناء من ماء، فقال "اذهب فأفرغه عليك" وهي قائمة تنظر ما يفعل بمائها.
وأيم الله لقد أقلع عنها وإنه ليخيل إلينا أنها أشد ملأة منها حين ابتدأ فيها، فقال ﷺ "اجمعوا لها" فجمعوا لها من بين عجوة ودقيقة وسويقة، حتى جمعوا لها طعامًا فجعلوه في ثوب، وحملوه على بعيرها ووضعوا الثوب بين يديها، وقال لها: تعلمين ما رزأنا من ماءك شيئًا.
ولكن الله هو الذي أسقانا، فأتت أهلها وقد احتبست عنهم، وقالوا ما حبسك يا فلانة، قالت العجب، لقيني رجلان فذهبا بي إلى هذا الصابيء ففعل كذا وكذا، فوالله إنه لأسحر الناس من بين هذه وهذه، تعني السماء والأرض، أو إنه لرسول الله حقًا، فكان المسلمون بعد يغيرون على من حولها من المشركين، ولا يصيبون القوم الذي هي منه.
فقالت يومًا لقومها، ما أرى إلا أن هؤلاء القوم يدعونكم عمدًا، فهل لكم في الإسلام، فأطاعوها، فدخلوا في الإسلام، وفي رواية قالت لهما هيهات هيهات لا ماء لكم، وفيه فأخبرته ﷺ أنها مؤتمة فأمر براويتها، فأنيخت فمج في العزلاوين العلياوين.
ثم بعث براويتها فشربنا، ونحن أربعون رجلاً، عطاشا، حتى روينا، وملأنا كل قربة معنا، وإداوة وغسلنا صاحبنا، غير أنا لم نسق بعيرًا، وهي تكاد تتضرج بالماء، يعني المزادتين، رواه الشيخان مطولاً.
121- ومن ذلك قصة سلمة بن الأكوع، قال خرجنا مع النبي ﷺ في غزوة، فأصابنا جهد حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا، فأمر النبي ﷺ فجمعنا أزوادنا، وبسط لنا نطعا فاجتمع زاد القوم على النطع، فتطاولت لأحزره كم هو، فإذا هو كربضة العنز، ونحن أربع عشرة مائة (1400) فأكلنا حتى شبعنا جميعًا، ثم حشونا جربنًا، فقال ﷺ، "فهل من وضوء ؟" فجاء رجل بإداوة فيها نطفة من ماء، فأفرغها في قدح، فتوضأنا كلنا، ندغفقه دغفقة، رواه الشيخان.
122- ومن ذلك ما رواه الترمذي عن أبي هريرة، قال أتيت النبي ﷺ يومًا بتمرات، فقلت يا رسول الله ادع فيهن بالبركة، فضمهن، ثم دعا لي فيهن، ثم قال "خذهن، فاجعلهن في مزودك هذا أو في المزود، فكلما أردت أن تأخذ منه شيئًا أدخل يدك فيه، وخذ ولا تنثره نثرًا" ففعلت، فلقد حملت من ذلك التمر كذا وكذا من وسق في سبيل الله، فكنا نأكل منه ونطعم، وكان لا يفارق حقوي، حتى كان يوم قتل عثمان انقطع والله أعلم.
123- ومنها ما رواه الشيخان عن السائب بن يزيد، قال ذهبت بي خالتي إلى النبي ﷺ، فقالت يا رسول الله، إن ابن أختي وجع: فمسح رأسي، ودعا لي بالبركة: فتوضأ، فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه، مثل زر الحجلة، وقال الجعيد، رأيت السائب بن يزيد، ابن أربع وتسعين، جلدًا معتدلاً: فقال قد علمت ما متعت به سمعي وبصري إلا بدعاء النبي ﷺ.
124- ومنها ما رواه الترمذي، قال أبو زيد بن أخطب، مسح النبي ﷺ بيده على وجهي، ودعا لي: قال عزرة: فلقد رأيته بعد ما عاش عشرين ومائة سنة، وليس في لحيته إلا شعيرات تعد بيض.
125- ومنها ما رواه البخاري عن أنس t قال: بلغ عبد الله بن سلام، مقدم النبي ﷺ المدينة فأتاه، وقال: إني سائلك عن ثلاث، لا يعلمهن إلا نبي، ما أول أشراط الساعة، وما أول طعام يأكله أهل الجنة، ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه، ومن أي شيء ينزع إلى أخواله، فقال ﷺ "أخبرني بهن آنفًا جبريل" قال: عبد الله ذاك عدو اليهود من الملائكة.
"أما أول أشراط الساعة، فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة، فزيادة كبد الحوت، وأما الشبه في الولد، فإن الرجل إذا غشى المرأة فسبقها ماؤه، كان الشبه له، وإذا سبقت كان الشبه لها" قال أشهد أنك رسول الله، الحديث.
126- ومن ذلك إخباره ﷺ إن أمته تحذو حذو بني إسرائيل، وحذو من كان قبلهم من الأمم، حذو القذة بالقذة، والنعل بالنعل.
وكان الأمر كما أخبر حذت حذوهم في الاختلاف، والتفرق، وارتكاب المحرمات، والإحداث في الدين، والكذب، على النبي ﷺ حذو اليهود والنصارى.
127- ومن ذلك إخباره ﷺ يوم هوازن بقتل ذي الخويصرة، حرقوص بن زهير السعدي، وأصحابه، مارقين من الدين، خارجين على حين فرقة من الناس.
وحديثهم مذكور في بعض السير، وكتب الحديث، ومضمونة أن ذا الخويصرة قام إلى النبي ﷺ، وهو يقسم غنائم هوازن، فقال اعدل يا محمد، فإنك لم تعدل فقال له النبي ﷺ "تربت يداك فمن يعدل إذا لم أعدل أنا" فقام عمر بن الخطاب t، فقال يا رسول الله إنه نافق فمرني أضرب عنقه.
فقال النبي ﷺ "دعه فإنه له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته عند صلاتهم وقراءته عند قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يخرجون على حين فرقة من الناس، يقتلهم أولى الطائفتين بالحق، آيتهم المخدج، يعني ذا الثدية، فكان الأمر كما أخبر ﷺ، فإن الرجل المذكور وأصحابه خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بعد حرب صفين.
فقتلهم علي t في النهروان، واستخرج المخدج ذا الثدية، من الماء مقتولاً، حتى نظر إليه الناس من عسكره، وكانوا ما يقرب من ستين ألفًا، فكبر علي حين وجده، وسجد سجدة شكر، وكبر العسكر الذي معه فرحًا وسرورًا بما شاهدوه من خبر رسول الله ﷺ الذي وقع طبق ما قال.
128- ومن ذلك ما أخبر به في حياته ﷺ وذلك مأخوذ من القرآن، قال تعالى: ]تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ [.
فأخبر أن عمه أبا لهب سيدخل النار هو وامرأته، وعاشا مدة، وقدر الله أنهما ماتا على شركهما، ولم يسلما حتى ولا ظاهرًا، وهذا من دلائل النبوة الباهرة.
129- ومن ذلك ما أتى به في القرآن قال تعالى ]قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا[ وتحداهم بعشر سور، وبسورة من مثله، وأخبر أنهم لن يفعلوا ذلك أبدًا، ولم يقع، ولن يقع: صدق الله العظيم، فهذا من المعجزات الباهرة.
130- وقال تعالى: ]وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا[ وهكذا وقع سواء سواء، مكن الله هذا الدين وأظهره وأعلاه ونشره في الآفاق وأنفذه وأمضاه.
131- وقال تعالى: ]قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ[، قيل إنهم فارس وقيل الروم، وقيل هوازن، وثقيف، وغطفان، يوم حنين، وقيل بنو حنيفة، قوم مسيلمة الكذاب، والمهم أنه وقع كما أخبر الله.
132- وقال تعالى: ]وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (20) وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا[ وسواء كان هذا خيبر، أو مكة، فقد فتحت، وأخذت كما وقع به الوعد سواء بسواء.
133- وقال تعالى: ]لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا[ فوقع إنجاز هذا الوعد في سنة سبع عام عمرة القضاء.
134- وقال تعالى ]وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ[ فوقع طبق ما أخبر الله.
135- وقال تعالى ]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[ وهكذا وقع، فإن الله عوض من أسلم منهم بخيري الدنيا والآخرة.
136- وقال تعالى ]وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ[ وهكذا وقع عوضهم الله عما كان يغدو إليهم مع حجاج المشركين بما شرعه لهم من قتال أهل الكتاب، وضرب الجزية عليهم، وسلب أموال من قتل منهم على كفره، كما وقع بكفار أهل الشام من الروم، ومجوس الفرس بالعراق، وغيرها من البلدان، التي انتشر الإسلام على أرجائها.
137- وقال تعالى ]سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ[ الآية وهكذا وقع لما رجع ﷺ من غزوة تبوك كان قد تخلف عنه طائفة من المنافقين فجعلوا يحلفون بالله، لقد كانوا معذورين في تخلفهم، وهم في ذلك كاذبون فأمر رسول الله ﷺ أن يجري أحوالهم على ظواهرها، ولا يفضحهم عند الناس.
138- وقال تعالى: ]وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً[ وهكذا وقع لما اشتوروا عليه ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه من بين أظهرهم، المهم أنه وقع كما أخبر سواء بسواء.
موعظة
عباد الله لقد تغير الناس اليوم في أحوالهم الدينية تغيرًا يدهش الناظرين هذه الصلاة التي هي ثاني أركان الإسلام وهي عموده أعرض الناس عنها غير مبالين ولا نادمين جهلوا ما هي الصلاة وأي قيمة قيمتها وما منزلتها من بين سائر الطاعات وما علموا أنها الصلة بين العبد وبين ربه فهي خير موضوع وضع للتقرب إلى الرحمن ولذلك هي تطهر المصلي المقيم لها من ذنوبه إذا اجتنب الكبائر فعليك أيها المسلم أن تحرص عليها كل الحرص وأن تعتني بها كل الاعتناء ولا تضيع هذا الواجب العظيم الذي بأدائه تكون من المؤمنين الموعودين بالفوز المطلوب والنجاة من المرهوب، وبترك هذا الواجب تكون من الكافرين الموعودين في الجحيم أبد الآبدين فإذا حان وقتها فاهتموا بها تهيئوا لمناجاة خالقكم العزيز الحكيم وخذوا زينتكم ممتثلين قوله تعالى: ]يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ[ واعتنوا أولاً بالطهارة التي هي مفتاحها ثم أدوها بخضوع وخشوع واطمئنان ولا تكونوا كالذين يصلون بأجسامهم ويحركون ألسنتهم وشفاههم ويرفعون أيديهم مكبرين ويحنون ظهورهم راكعين وساجدين ولكن قلوبهم لم تتحرك إلى استحضار عظمة مولاهم ولم تتدبر معاني ما تلفظ به ألسنتهم لأنها في أودية الدنيا سارحة تفكر في العقارات والمداينات والفلل والعمائر التي عن قريب سيخلفونها رغم أنوفهم إذا نظرت إلى أحدهم وهو يصلي لاهيًا في تفكيره يعبث في ثوبه تارة وفي ساعته تارة وفي أنفه تارة وينقش سنة تارة وبعضهم يلمس مكان لحيته أو يصلح ميازيب غترته أو يقلم أظفاره بأسنانه. وهكذا حتى يخرج منها صفرًا ما معه منها والله أعلم إلا العشر ولهذا لو تأملت المؤدي لها هكذا رأيت أن الصلاة هذه لم تؤثر عليه لا في تتميم الواجبات ولا في ترك المحرمات والمكروهات بل ولا في تخفيفها لأن الصلاة الصحيحة التي أقامها صاحبها من شأنها أنها تهذب النفس وترقق الخلق وتنهى عن الفحشاء والمنكر.
فإذا رأينا إنسانا يصلي لكنه يأكل الربا ويحضر الملاهي والمنكرات أو يبيعها أو يشتريها أو رأيناه مع السفل الذين يلاحقون النساء في الأسواق أو رأيناه يجاهر بالمعاصي من شرب دخان بين الناس أو يحلق لحيته أو يحلق لحاء الناس أو يجعل خنافس أو يتشبه بأعداء الله من اليهود والنصاري أو يغش المسلمين أو يرتشي أو يحمل النساء بدون محرم أو يخلو بهن بدون محرم أو يصور لذوات الأرواح أو يبيع الصور أو يسخر بالمسلمين أو نحو ذلك من المعاصي والمنكرات علمنا أن هذه الصلاة التي يصلي أنها لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلم يزدد من الله إلا بعدًا وربما كان المتصف بشيء من الصفات السابقة مع صلاته أنه يكيد بها الناس ويتخذها أحبولة يتصيد بها ثناء الناس عليه أو للحصول على شيء من الدنيا قال بعضهم في مصل يتصيد بصلاته.
ذِئبٌ رَأَيْتُ مُصَلِّيًا يَدْعُوْ وَجُلُّ دُعَائِهِ عَجِّلْ بِهَا عَجِّلْ بِهَا | فإذَا مَرَرْتُ بِهِ رَكَعْ مَا لِلْفَرِيْسَة لا تَقَعْ إنَّ الفؤادَ قَدِ انْصَدَعْ |
ومن كانت هذه حاله فما أبعده عن الدين وما أقربه إلى الرياء والنفاق نسأل الله العصمة لنا ولإخواننا المسلمين عن ما يخل بالدين إنه جواد كريم.
وصلى اله على محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.
139- ومن ذلك ما ورد من أن سبب نزول قول الله تعالى لنبيه ﷺ ]قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ[ إلى آخر السورة، هو أن رهطًا من قريش منهم الحارث بن قيس السهمي، والعاص بن وائل، والوليد بن المغيرة، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب بن أسد، وأمية بن خلف، قالوا: يا محمد هلم فاتبع ديننا ونتبع دينك، ونشركك في أمرنا كله تعبد آلهتنا سنة، ونعبد إلهك سنة، فإن كان الذي جئت به خيرًا كنا قد شركناك فيه، وأخذنا حظنا منه، وإن كان الذي بأيدينا خيرًا كنت قد شركتنا فيه، وأخذت بحظك منه.
فقال "معاذ الله أن أشرك به غيره" قالوا: فاستلم بعض آلهتنا، نصدقك ونعبد إلهك، فقال لا حتى أنظر ما يأتيني من عند ربي فأنزل الله عز وجل ]قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ[ إلى آخر السورة، فكان كما قال ﷺ فلم يتبعهم ولم يتبعوه في عبادة الله وحده لا شريك له.
140- ومن ذلك ما وعد ﷺ به أصحابه من المهاجرين والأنصار في حال ضعفهم، من أن الله سينصرهم ويمكنهم، ويقويهم، ويظهرهم، فيقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، وتكون العقبى لهم، وتلا بذلك القرآن.
فقال عز من قائل ]أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ[ فتمكن أصحابه وخلفاؤه، وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وكانت العقبى لهم، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه.
141- ومن ذلك إلقاء النعاس على المجاهدين مع رسول الله ﷺ أمانًا أمنهم الله به من خوفهم الذي حصل لهم من كثرة عدوهم، وقلة عددهم، وكذلك فعل بهم يوم أحد: قال تعالى ]إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ[.
ومن ذلك تقليل المجاهدين مع النبي ﷺ في أعين المشركين وتقليل المشركين في أعين المؤمنين ليقدم المؤمنون ويتجرؤا ويطمعوا فيهم ولئلا يهرب المشركون، قال تعالى: ]وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ[.
142- ومن ذلك إنزال المطر على المجاهدين مع النبي ﷺ، فأطفأ الغبار، وتلبدت به الأرض، حتى ثبتت الأقدام، وتوضؤا منه، وسقوا الركاب، وملوا الأسقية، وزالت عنهم وسوسة الشيطان، وذلك أنهم نزلوا يوم بدر على كثيب أعفر، تسيخ فيه الأقدام، وحوافر الدواب، وقد سبقهم الكفار إلى ماء بدر، وأصبح المسلمون بعضهم محدثين، وبعضهم مجنبين، وأصابهم الظمأ، ووسوس إليهم الشيطان، وقال: تزعمون أنكم على الحق، وفيكم نبي الله، وأنكم أولياء الله، وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم تصلون مجنبين، ومحدثين، فكيف ترجون أن تظهروا عليهم، وأصاب المشركين من ذلك المطر ما لم يقدروا على أن يرحلوا معه.
143- ومن ذلك ما نزل في رجال بأعيانهم، من أنهم يصرون على كفرهم إلى أن يموتوا، من ذلك ما نزل في أبي جهل ]فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (31) وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى[ فقال أبو جهل: أتوعدني يا محمد، والله ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعل شيئًا وإني أعز من مشى بين جبليها فلما كان يوم بدر صرعه الله شر مصرع، وقتله أسوأ قتلة، وكان ﷺ يقول: "إن لكل أمة فرعونًا وإن فرعون هذه الأمة أبو جهل" ونزل في أبي جهل قوله تعالى ]إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ[ ذكر ذلك غير واحد من المفسرين.
144- ومنها قصة البكاؤون الذين استحملوا رسول الله ﷺ وكانوا أهل حاجة فقال لا أجد ما أحملكم عليه فتولوا يبكون وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا ألا يجدوا ما ينفقون.
وقام علية بن يزيد فصلى من الليل وبكى وقال اللهم إنك قد أمرت بالجهاد ورغبت فيه ثم لم تجعل عندي ما أتقوى به مع رسولك ولم تجعل في يد رسولك ما يحملني عليه وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها من مال أو جسد أو عرض.
ثم أصبح مع الناس فقال النبي ﷺ: أين المتصدق هذه الليلة فلم يقم إليه أحد ثم قال أين المتصدق فليقم فقام إليه فأخبره فقال النبي ﷺ: أبشر فوالذي نفس محمد بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة ففي هذا معجزة من معجزاته ﷺ لأن هذا غيب أعلم الله به نبيه ﷺ.
145- ومنها ما روي أنه قيل لعمر بن الخطاب t حدثنا عن شأن ساعة العسرة فقال عمر خرجنا إلى تبوك في قيض شديد فنزلنا منزلاً وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع وحتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ثم يجعل ما بقي على كبده.
فقال أبو بكر الصديق يا رسول الله إن الله قد عودك في الدعاء خيرًا فادع الله لنا فقال أو تحب ذلك قال نعم فرفع رسول الله ﷺ يديه إلى السماء فلم يرجعهما حتى قالت السماء – أي آذنت بمطر فأطلت ثم سكبت فملؤا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نرها جاوزت العسكر.
146- ومنها حينما ضلت ناقة رسول الله ﷺ ببعض الطريق فخرج أصحابه في طلبها وعند رسول الله ﷺ رجل من بعض أصحابه يقال له عمارة ابن حزم الأنصاري.
وكان في رحله زيد بن لصيت القينقاعي وكان منافقًا فقال زيد بن لصيت وهو في رحل عمارة عند رسول الله ﷺ: أليس يزعم محمد أن يخبركم من خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته.
فقال رسول الله ﷺ وعمارة عنده إن رجلاً قال إن محمدًا يخبركم أنه بني وهو يزعم أن يخبركم بخبر السماء وهو لا يدري أين ناقته وإني والله ما أعلم إلا ما أعلمني الله وقد دلني الله عليها وهي في الوادي في شعب كذا وكذا قد حبستها شجرة بزمامها فانطلقوا حتى تأتوا بها.
فذهبوا فجاؤا بها وقد وجدها الحارث بن خزمة الأشهلي كما قال رسول الله ﷺ فقال زيد لكأني لم أسلم إلا اليوم فقد كنت شاكًا في محمد وقد أصبحت وأنا فيه ذو بصيرة أشهد أنه رسول الله.
147- ومنها أنه لما مضى رسول الله ﷺ سائرًا فجعل يتخلف عنه الرجل فيقولون يا رسول الله تخلف فلان فيقول دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه حتى قيل يا رسول الله تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره فقال دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه.
وتلوم أبو ذر على بعيره فلما أبطأ عليه بعيره – أي انقطع – أخذ المتاع من عليه فحمله على ظهره ثم خرج يتبع أثر رسول الله ﷺ ماشيًا ونزل رسول الله منازله فنظر ناظر من المسلمين فقال يا رسول الله إن هذا رجل يمشي على الطرق وحده.
فقال رسول الله ﷺ كن أبا ذر فلما تأمله القوم قالوا يا رسول الله هو – والله أبو ذر فقال رسول الله ﷺ رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده وقد تحقق قوله ﷺ فإن عثمان t لما نفى أبا ذر نزل أبو ذر الربذة فأصابه بها قدره ولم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه فأوصاهما أن غسلاني وكفناني.
ثم ضعاني على قارعة الطريق فأول ركب يمر بكم فقولوا له هذا أبو ذر صاحب رسول الله ﷺ فأعينونا على دفنه فلما مات فعلا ذلك به ثم وضعاه على قارعة الطريق.
فأقبل عبد الله بن مسعود t ورهط معه من أهل العراق عمارًا فلم يرعهم إلا جنازة على الطريق قد كادت الإبل تطوها وقام الغلام فقال هذا أبو ذر صاحب رسول الله ﷺ فأعينونا على دفنه.
فاستهل عبد الله بن مسعود ويقول صدق رسول الله ﷺ "تمشي وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك".
ثم نزل هو وأصحابه وواروه ثم حدثهم ابن مسعود حديثه وما قاله له رسول الله ﷺ في مسيره إلى تبوك واسم أبي ذر "جندب بن جنادة" ومات في سنة 32 هـ.
وذكر أبو حاتم بن جبان في صحيحه وغيره في قصة وفاته عن مجاهد عن إبراهيم بن الأشتر عن أبيه عن أم ذر قالت لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيت فقال ما يبكيك فقلت ما لي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض وليس عندي ثوب يسعك كفنًا ولا يدان لي في تغييبك.
قال أبشري ولا تبكي فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول لنفر أنا فيهم ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المسلمين وليس أحد من أولئك النفر إلا وقد مات في قرية وجماعة فأنا ذلك الرجل فوالله ما كذبت ولا كذبت فأبصري الطريق فقلت أنى وقد ذهب الحاج وتقطعت الطرق.
فقال اذهبي فتبصري قالت فكنت أشتد إلى الكثيب أتبصر ثم أرجع فأمرضه فبينما أنا هو كذلك إذا أنا برجال على رحالهم كأنهم الرخم تخب بهم رواحلهم قالت فأشرت إليهم فأسرعوا إلي حتى وقفوا علي.
فقالوا يا أمة الله ما لك قلت امرؤ من المسلمين يموت قالوا ومن هو قلت أبو ذر قالوا صاحب رسول الله ﷺ قلت نعم ففدوه بآبائهم وأمهاتهم وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه.
فقال لهم أبشروا فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول لنفر أنا فيهم ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين وليس من أولئك النفر رجل إلا وقد هلك في جماعة.
والله ما كذبت ولا كذبت وإنه لو كان عندي ثوب يسعني كفنًا لي أو لامرأتي لم أكفن إلا في ثوب لي أو لها وإني أنشدكم الله أن لا يكفنني رجل منكم كان أميرًا أو عريفًا أو بريدًا أو نقيبًا وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد قارف بعض ما قال إلا فتى من الأنصار.
قال أنا أكفنك يا عم أكفنك في ردائي هذا وفي ثوبين من عيبتي من غزل أمي قال فأنت تكفنني فكفنه الأنصاري وقاموا عليه ودفنوه في نفر كل([1]) يمان ففي هذه معجزة.
148- ومنها ما ذكره ابن إسحاق من أن أبا خيثمة رجع – بعد ما سار رسول الله ﷺ أياما إلى أهله في يوم حار فوجد امرأتين له في عريش لهما في حائطه قد رشت كل واحدة منهما عريشها وبردت له فيها ماء وهيأت له فيه طعامًا.
فلما دخل قام على باب العريش فنظر إلى امأتيه وما صنعتا له فقال رسول الله ﷺ في الضح – لهب الشمس وحرارتها – والريح والحر وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيإ وامرأة حسناء في ماله مقيم ما هذا بالنصف والعدل.
ثم قال والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله ﷺ فهيئآ لي زادًا ففعلتا ثم قدم ناضحه فارتحله – أي أحضر جمله فوضع عليه الرحل وأعده للسفر.
ثم خرج في طلب رسول الله ﷺ حتى أدركه حين نزل تبوك وكان عندما أقبل قال الناس هذا راكب على الطريق فقال رسول الله ﷺ كن أبا خيثمة.
فقالوا يا رسول الله هو والله أبو خيثمة فلما أناخ راحلته أقبل فسلم على رسول الله ﷺ وأخبر خبره فقال له رسول الله ﷺ خيرًا ودعا له بخير وفي هذه معجزة.
149- ومنها ما ذكر من أن جماعة من المنافقين منهم وديعة بن ثابت ومنهم مخشي بن حمير قال بعضهم لبعض أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضًا والله لكأنكم غدا مقرنين في الحبال إرجافًا وإرهابًا للمؤمنين.
فقال مخشي والله لوددت أني أقاضى على أن يضرب كل منا مائة جلدة وأنا ننقلب قبل أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه وقال رسول الله ﷺ لعمار بن ياسر "أدرك القوم فإنهم قد احترقوا فسلهم عما قالوا فإن أنكروا فقل بلى قلتم كذا وكذا فانطلق إليهم عمار فقال ذلك لهم.
فأتوا رسول الله ﷺ يعتذرون إليه فقال وديعة بن ثابت كنا نخوض ونلعب فأنزل الله فيهم ]وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ[ فقال مخشي بن حمير: يا رسول الله قعد بي اسمي واسم أبي فكان الذي عفي عنه في هذه الآية وتسمى عبد الرحمن وسأل الله أن يقتل شهيدًا لا يعلم بمكانه فقتل يوم اليمامة فلم يوجد له أثر، ففي هذه القصة معجزة أيضًا.
150- ومنها ما ذكره ابن عائذ في مغازيه من أن رسول الله ﷺ نزل تبوك في زمان قل ماؤها فيه فاغترف رسول الله ﷺ غرفة بيده من ماء فمضمض بها فاه ثم بصقه فيها ففارت عينها حتى امتلأت فهي كذلك حتى الساعة.
قلت: في صحيح مسلم: أنه قبل وصوله إليها قال إنكم ستأتون غدا إن شاء الله تعالى – عين تبوك وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي.
قال فجئناها وقد سبق إليها رجلان والعين مثل الشراك تبض بشيء من مائها فسألها رسول الله ﷺ هل مستما من مائها شيئًا قالا نعم.
فسبهما وقال ما شاء الله أن يقول ثم غرفوا من العين قليلاً قليلاً حتى اجتمع في شيء ثم غسل رسول الله ﷺ وجهه ويديه ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير فاستقى الناس ففي هذه معجزة واضحة.
151- ومنها قصة أبي رغال لما روى أبو داود أن النبي ﷺ قال هذا قبر أبي رغال وآية ذلك أن معه غصنًا من ذهب إن رأيتم نبشتم عنه أصبتموه معه فابتدره الناس فاستخرجوا الغصن وهذه معجزة أيضًا.
152- ومن ذلك الوعد بإرجاع النبي ﷺ إلى مكة قال الله تعالى: ]إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ[ قال المفسرون إلى مكة ووقع طبق ما أخبر فيكون علما من نبوته ﷺ.
153- ومن ذلك قوله تعالى: ]لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (20) وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا[.
ففي هذه الآيات إخبار عن غيوب كثيرة منها تزكية المؤمنين المبايعين تحت الشجرة وإعلان الرضا عنهم وهم عدد كثير.
ولا شك أن الأمر كما قال إذ لو كان في إيمان أحدهم دخل لشك وارتاب وأعلن ارتداده وكفره ولو كان القرآن من محمد لم يقدم على هذا الإعلان الخطير إذ لا يعلم ما في بواطنهم إلا الله فدل ذلك على صحة هذا الإخبار وأنها أعلام على نبوته ﷺ.
154- ومن ذلك الإخبار بحوادث خاصة كما في قوله تعالى: ]وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ[ ففي هذا علم على نبوته ﷺ لأن هذه أمور غيبية أطلع الله نبيه عليها.
155- ومن ذلك قوله تعالى: ]وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ[ وذلك أن رجلاً جاء إلى النبي ﷺ فقال إني مجهود فأرسل إلى بعض نسائه فقالت والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك حتى قلن كلهن مثل ذلك فقال ﷺ من يضيف هذه الليلة رحمه الله.
فقام رجل من الأنصار فقال أنا يا رسول الله فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته هل عندك شيء قالت لا إلا قوت صبياني قال فعلليهم بشيء فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه أنا نأكل قال فقعدوا به وأكل الضيف.
فلما أصبح غدا على رسول الله ﷺ فقال: قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة فهذا غيب من الغيوب أعلم الله نبيه به فهو معجزة واضحة.
156- ومن ذلك قوله تعالى: ]إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللّهَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (106) وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (109) وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا (110) وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (112) وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا[.
أخرج الترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن قتادة بن النعمان t، قال كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أبيرق بشر وبشير ومبشر، وكان بشر رجلاً منافقًا يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله ﷺ ثم ينحله لبعض العرب ثم يقول قال فلان كذا وكذا فإذا أسمع أصحاب رسول الله ﷺ قالوا والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الرجل الخبيث أو كما قال الرجل وقالوا ابن الأبيرق قالها قال وكانوا أهل بيت وحاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام.
وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة من الشام من الدرمك ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير.
فقدمت ضافطة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملاً من الدرمك فجعله في مشربة له وفي المشربة سلاح ودرع وسيف فعدي عليه من تحت البيت فنقبت المشربة وأخذ الطعام والسلاح.
فلما أصبح أتاني عمي رفاعة فقال يا ابن أخي قد عدي علينا في ليلتنا هذه فنقبت مشربتنا فذهب بطعامنا وسلاحنا قال فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم.
قال وكان بنو أبيرق قالوا ونحن نسأل في الدار والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجلاً منا له صلاح وإسلام. فلما سمع لبيد اخترط سيفه.
وقال: أنا أسرق والله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقة قالوا إليك عنا أيها الرجل فما أنت بصاحبها فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها فقال لي عمي يا ابن أخي لو أتيت رسول الله ﷺ فذكرت ذلك له.
قال قتادة فأتيت رسول الله ﷺ فقلت إن أهل بيت أهل جفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة له وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا، فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه فقال النبي ﷺ سآمر في ذلك.
فلما سمع بذلك بنو الأبيرق أتوا رجلاً منهم يقال له أسيد بن عروة فكلموه في ذلك فاجتمع في ذلك أناس من أهل الدار فقالوا يا رسول الله إن قتادة بن النعمات وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت.
فأتيت النبي ﷺ فكلمته فقال عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير ثبت ولا بينة.
قال فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله ﷺ في ذلك فأتاني عمي رفاعة فقال يا ابن أخي ما صنعت فأخبرته بما قال لي رسول الله ﷺ فقال الله المستعان.
فلم نلبث أن نزل القرآن: ]إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا[ يعني بني أبيرق واستغفر الله مما قلت لقتادة... فلما نزل القرآن أتى رسول الله ﷺ بالسلاح فرده إلى رفاعة.
157- ومن ذلك ما جاء في تبرئة أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ من الإفك قال تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ[ الآية.
عشر آيات كلها نزلت في شأن عائشة ـ رضي الله عنها ـ حين رماها أهل الإفك والبهتان من المنافقين بما قالوا من الكذب البحت والفرية التي غار الله لها ولنبيه ﷺ.
فأنزل الله تعالى براءتها صيانة لعرض الرسول ﷺ بعد ما بقيت الألسنة تخوض في حادثة الإفك قريبًا من الشهر والرسول ﷺ لا يوحى إليه كما جاء في صحيحي البخاري ومسلم – وهو حائر متردد في أمر عائشة يسأل ويستشير.
والمنافقون يشيعون الفاحشة حتى وقع فيها من وقع من المسلمين.
ثم جاءها الرسول ﷺ في بيت أهلها ثم قال يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه.
فوالله ما رام مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى أنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات.
فلما سري عن رسول الله ﷺ وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي يا عائشة احمدي الله فقد برأك الله فقالت لي أمي قومي إلى رسول الله ﷺ فقلت لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله.
فأنزل الله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ[ الآيات ففي هذه القصة علم من أعلام نبوته ﷺ لمن تدبره وتفهمه فقد كان موقفه ﷺ من عائشة بعد إشاعة الفرية والبهتان موقف التردد والحيرة.
ثم تحول بعد الوحي فجأة إلى موقف الثقة والاطمئنان وهذا التحول لا يمكنه أن يكون لو لم يكن واثقًا ببرائتها بإخبار من العليم الخبير جل وعلا وتنزه وتقدس.
158- ومن ذلك تحدي اليهود في تمني الموت مرتين فقال: "يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبدًا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين".
ووجه الدلالة أنه طلب من اليهود أن يتمنوا الموت ثم أخبر أنهم لن يتمنوه أبدًا فما تمنا أحد منهم مع حرصهم على تكذيب الرسول ﷺ ومعارضتهم له وكيدهم له فقام ذلك دليلاً صادقًا على نبوته ومعجزة عظيمة.
159- قال شيخ الإسلام فأخبر عن اليهود أنهم لن يتمنوا الموت أبدًا وكان كما أخبر فلا يتمنى اليهود الموت أبدًا وهذا دليل من وجهين من جهة إخباره بأن لا يكون أبدًا من وجهة صرف الله لدواعي اليهود عن تمني الموت مع أن ذلك مقدور لهم وهذا من أعجب الأمور الخارقة للعادة وهم مع حرصهم على تكذيبه لم تنبعث دواعيهم لإظهار تكذيبه بإظهار تمني الموت. ا.هـ.
160- ومن ذلك الوعد بحفظ القرآن قال تعالى: ]إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[ وهذا الإخبار إنما هو من الغيب ووقع كما جاء في القرآن فحفظ وتم وعد الله بذلك.
ولن يأتيه تغيير يعم جميع المصاحف الموجودة على وجه الأرض قال تعالى: ]لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ[.
161- ومن ذلك الوعد بعصمة النبي ﷺ من الناس قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ[ وقد حقق الله وعده فحفظ نبيه ولم يقدر أحد على قتله مع كثرة المحاولات من أعدائه ففي ذلك علم من أعلام نبوته ومعجزة واضحة.
162- ومن ذلك قوله تعالى: ]فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[ قال البغوي أي يكفيك شر اليهود والنصارى وقد كفى بإجلاء بني النظير وقتل بني قريظة وضرب الجزية على اليهود والنصارى. ا.هـ وهذا إخبار عن الغيب فيكون معجزًا دالاً على صدقه حيث وقع طبق ما أخبر.
163- ومن ذلك المباهلة قال الله تعالى: ]الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ[.
قيل إن سبب نزول هذه الآية هو أن العاقب والسيد صاحبي نجران جاءا إلى رسول الله ﷺ وجادلاه في أمر عيسى عليه السلام فأنزل الله تعالى آية المباهلة والمباهلة دعاء الله والابتهال إليه أن ينزل لعنته على الكاذبين فواعداه على أن يلاعناه الغداة.
فغدا رسول الله ﷺ فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه وأقرا له بالخراج قال فقال رسول الله ﷺ "والذي بعثني بالحق لو قالا لأمطر عليهم الوادي نارًا ففي هذا علم من أعلام نبوته فلولا أنهم عرفوا من التوراة والإنجيل ما يدل على نبوته لما أحجموا عن المباهلة، ثانيًا وثوقه ﷺ بذلك.
164- ومن ذلك ما قيل من أنه نزل في الأخنس بن شريق ]وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ[ فمات على كفره، وقال مقاتل: نزلت في الوليد بن المغيرة كان يغتاب النبي ﷺ، ويطعت عليه في وجهه، ونزل فيه قوله تعالى: ]ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ[ فمل يزده الله مالاً ولا ولدًا بعد هذا كما أخبر، وصار في نقصان ماله وولده إلى أن مات كافرًا، وقد كان عند نزول ذلك حيًا سليمًا.
165- ومنهم النضر بن الحارث بن كلدة، أخو بني عبد الدار، وكان شديد الرد على الله وعلى رسوله، شديد العداوة والإرصاد، وقد كان رحل في عداوة رسول الله ﷺ، إلى فارس، وطلب ما يكيد به الإسلام، فاشترى أخبار العجم، وقدم بها إلى مكة يحدث بها قريشًا ويقول إن محمدًا يحدثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة، فيستملحون حديثه، ويتركون استماع كلام الله.
فأنزل الله هذه الآية: ]وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ[ قاله مقاتل والكلبي.
وقيل: نزل فيه أيضًا غيرها، وقيل: إنه يوم بدر أصابته جراحة ذهبت بقحف رأسه وحصل في أيدي المسلمين من جملة المأسورين وقال لا أذوق طعامًا، ولا شرابًا ما دمت في أيديهم فمات من الضربة وصار إلى النار بعد أن أذاقه الله العذاب المهين في الدنيا كما قال وكما أخبر عز وجل.
والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وسلم.
166- ومن ذلك قوله تعالى: ]الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ[ نزلت هذه الآيات حين غلب سابور ملك الفرس على بلاد الشام، وما والاها من بلاد الجزية، وأقاصي بلاد الروم، حتى ألجأه إلى القسطنطينية، وحاصره مدة طويلة، ثم عادت الدولة إلى هرقل، كما بشر القرآن قبل سبع سنوات، من انتصاره على الفرس، فوق طبق ما أخبر، فهذه معجزة من القرآن على رسالة الرسول ﷺ.
167- ومن ذلك ما أخبر به، وهو موجود في القرآن ذكره ما جاء عن آدم ونشأته، وما وسوس به إليه إبليس، وما وقع له من الهبوط إلى الأرض، بعد أن كان في الجنة.
168- وحدثنا عن نوح أول المرسلين وما لقيه من قومه، من أذى وسخرية، ومدة لبثه فيهم، وما أرشده الله إليه من صنع الفلك، وركوبه، وإنجائه، ومن مع نوح وهم أصحاب السفينة، ودعوته لابنه، وعصيان ابنه له، وجواب الله له حين ما قال: ]إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي[ وانهمار السماء بالماء، وتفجر الأرض عيونًا، وإغراق الكافرين ونجاة المؤمنين.
169- وأخبر القرآن عن موسى عليه السلام وما تم له عند ولادته، وما وقع له في مصر، وما حدث له في مدين، وما رآه في جبل الطور، وما كلف به من أعباء الرسالة، وما دار بينه وبين فرعون من حوار، وما جرى من السحرة، وما انتهى إليه أمر فرعون، وملئه، وموسى وقومه.
170- وأخبر القرآن عن عيسى.
171- وأمه عليهما السلام، وما وقع لهما من الخوارق، وما صنعه لهما بنوا إسرائيل من مكائد.
172- وأخبر عن داود.
173- وسليمان عليهما السلام وذكر الإحسان إليهما وما آتاهما من العلم والفهم قال الله تعالى: ]وَكُلاً آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا[ فأنعم الله على داود بتسخير الجبال والطير للتسبيح معه وأخبر أنه جل وعلا علمه صنعة الدروع وأخبر أنه أنعم على سليمان بتسخير الريح العاصفة التي تجري بأمره وتسخير الشياطين تغوص في البحار وتعمل له أعمالاً أخرى.
174- وأخبر عن إبراهيم خليل الرحمن، ومحاجته للملك الجبار وهو نمرود، البابلي، المعطل، المنكر، لرب العالمين، إلى أن وقف وانقطعت حجته، واضمحلت شبهته، وأخبر عن طلبه لربه، أن يريه كيف يحيي الموتى، وإجابة الله دعوته، وتلبية طلبته، وعن ما ابتلاه به من ذبح ابنه إسماعيل وأخبر عن ما من عليه به من العلم، والدعوة والصبر، وما أكرمه به من الذرية الصالحة، والنسل الطيب وأنه جعل صفوة الخلق من نسله.
175- وأخبر عن يوسف عليه السلام، وما جرى له مع إخوته، ومقدار لبثه في السجن، ومراودة امرأة العزيز له، وظهور براءته وبيان صدقه، وإيثار الله له على إخوته، وما جرى لأبيه يعقوب.
176- وأخبر عن لوط، وما قاله لقومه، توبيخًا لهم، وجوابهم السخيف له جزاء نصحه، وإنجاء الله له، وأهل بيته إلا امرأته، وأخبر عن مجيء الرسل إليه، وأنه ساءه مجيئهم، وذلك لما يتوقعه من اعتداء قومه عليهم وفعلا جاؤا يهرولون إليه، وأخبر عن ما أوقعه الله من العقوبة العظيمة، جزاء فعلتهم، الشنيعة، التي لم يسبقهم بها أحد.
177- وأخبر عن زكريا، وندائه لربه، وآثاره الصالحة ومناقبه الجميلة، وتبشير الله له بغلام اسمه يحيى، وطلبه من ربه أن يجعل له آية، يطمئن بها قلبه، وليس شكًا في خبر الله، وإنما هو كما قال الخليل: ]رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي[ وإجابة الله إلى طلبته، ومنعه من الكلام، ثلاث ليال سويًا.
178- وأخبر عن يحيى عليه السلام وأن الله جعله برًا بوالديه، ولا يتعالى عن قبول الحق، ووصفه بصفات كلها مناهج للخير، ووسائل للطاعة، أولها قوله تعالى: ]وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا[ إلى أن ذكر سبحانه جزاءه، على ما قدم من عمل صالح، وأسلف من طاعة ربه.
179- وأخبر عما أخبر الله به جل وعلا عن مريم ابنة عمران، وأنه أنجب منها ولدًا من غير أب، وتقدم الكلام حولها وولدها عليهما السلام، وما لقيا من الابتلاء، والامتحان، وما قابلا به ذلك.
180- وأخبر عن يونس عليه السلام، وإباقه إلى الفلك، ومساهمته لأهل الفلك، والتقام الحوت له، وإنه كان من المسبحين، الذين يذكرون الله كثيرًا، وعن نبذه في مكان خال لا نبات فيه، وأخبر عن لطفه به ورعايته له، وعنايته به، بإنبات شجرة اليقطين، وأنه أرسله (إلى مائة ألف أو يزيدون) وأنهم آمنوا، ومتعهم الله إلى حين.
((موعظة))
عباد الله للعلم الديني آثار جليلة كم جل بها رجل حقير وكلما كان الرجل أعلم بالعلم الديني كان عند الله وعند العقلاء جليل مضى السلف الصالح الذين يطيب المجلس بذكرهم لقدرهم المنقطع النظير كانوا رجالاً مثلنا ولكن ببركات ما وهبهم مولاهم من العلم الديني وآثاره الجليلة كانوا خير الناس بعد النبيين كانوا أغنى العالم لأنهم رضوا بقسمة مولانا الحكيم الخبير وكانوا أشجع الناس لأنهم علموا أن الأجل لا يطيله الجبن الذميم فكم من قتلة قرنت بالجبن كما قيل:
كَمْ مَخْلَص وَعُلاً في خَوْضِ مَهْلَكَةٍ | وقَتْلَةٍ قُرِنَتْ بالذَّمِ في الجُبُنِ |
وكانوا في الحلم والعقل كالجبان الرواسي وكانوا محط رحال الجود والكرم لأنهم يعلمون أن البخيل بعيد من الله بعيد من الناس وأن الذي يرضى بالبخل ويحث عليه إبليس لعنه الله وكانوا يستقبلون البلايا مهما قست بالصبر الجميل لعلمهم أنها تصرف الحكيم الخبير وكانوا يستقبلون النعم بالحمد والشكر لجزمهم أنها لله ومن الله وأنه يزيد الشاكرين ويرضى عن الحامدين وكانوا أبعد الناس عن الشر ولا يحبون أهله لعلمهم أن ذلك يغضب الله وكانوا يحبون الخير لإخوانهم المسلمين وكانوا لا يضمرون حسدًا ولا شرًا لأحد من إخوانهم المؤمنين لعلمهم أن الله يحيط علما بما يسرون وما يعلنون وكانوا إذا قالوا أو فعلوا يتحرون ما يرضي الله تعالى فيما يقولونه ويفعلونه وكانوا لا يشهدون المنكر والزور بل ينكرون على من يحضرون وكانوا يحنون إلى مجالس الذكر حنين الإلف فارقه الإلف وهكذا كانوا إذا أرادوا أن يتحركوا أو يسكنوا باستشارة العلم الديني يتحركون ويسكنون لهذا كانوا لليوم موضع إعجاب الشرق والغرب ونالوا فوق هذا رضى رب العالمين هكذا كانوا ببركات ما وهبهم الله من العلم الديني أما نحن فقد كنا موضع إعجاب من ناحية أن هدفنا في التعليم هو الحطام الفاني لا غير لهذا كان الواحد منا إذا رسب يكاد ينتحر ويقول فات على سنة محصول رواتبها لا يقل عن خمسة آلاف ولو كان قصده العلم بما جهله وتوجيه عباد الله عندما ينجح كان عنده يتساوى السرعة والبطء لأجل أن يمهر في المعلومات لهذا القصد ماتت الفضائل وانتزعت بركة العلم وفقدت هيبة العالم عند كل أحد أحد وصار كل يفتي ولك يرشح نفسه للفتيا فورا ولكن الناس الورعين لا يطمئنون إلا إلى النوادر ممن يوثق بدينهم وأمانتهم ويتركون المرائين والمحبين للظهور والشهرة الذين ضاعوا وضيعوا عباد الله.
وختامًا فلو أننا أحيينا طريقة سلفنا في العلم المطابق للعمل لأصبحنا وقد أحيينا عزهم وشرفهم الدفين رحمة الله على تلك الأرواح العاملة بما علمت.
شعرًا:
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَبْكِ العُلُومَ وأَهْلَهَا فَأَنْتَ بَهِيْمِيُّ الطِّبَاعِ وَإِنَّمَا سَتَبْكِيْ العُلا قَوْمًا تَسَامَوْا لِنَيْلِهَا يُعِيْدُوْنَ مِنْهَا مَا تَعَفَّتْ رُسُوْمُهُ كَفَى غُرْبَةً لِلدِّيْنِ هَذَا الذِيْ نَرَى أَلَمْ تَبْقَ فِي أَهْلِ الدِيَانَةِ هِمَّةٌ | وقَدْ غَيَّبَتْهَا في التُرَابِ لُحُوْدُ قُصَارَاكَ ثَوْبٌ نَاعِمٌ وثَرِيْدُ كأَنَّ لَهُمْ دَمْعَ العُيُونِ هُجُودُ فَتُضْحِيْ عَلَيْهَا لِلْفِخَارِ بُرُوْدُ فَلَيْسَ عَلَى ذَا الاغْتِرَابِ مَزِيْدُ أَلَمْ يَبْقَ شَخْصٌ لِلطُّغَاةِ يَذُوْدُ |
اللهم ثبتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ووفقنا لما وفقت له عبادك الصالحين من امتثال أوامرك واجتناب نواهيك واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
181- وأخبر عن صالح عليه السلام، وإرساله إلى ثمود القبيلة المعروفة، الذين يسكنون الحجر، وما حوله، وأنه دعاهم إلى التوحيد ونهاهم عن الشرك، وأنه جاءهم بآية، خارقة من خوارق العادات، وهي ناقة، شريفة، فاضلة.
وأخبر أنه بوأهم في الأرض، ومكن لهم فيها، وسهل لهم الأسباب، الموصلة إلى ما يريدون، وأمدهم بالقوة، وأنهم قابلوا إخلاص صالح ونصحه، بعقر الناقة، والتحدي بالعذاب، وآخر الأمر ]فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا[، ]وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[.
182- وأخبر عن هود عليه السلام، وإرساله إلى عاد الأولى، في أرض اليمن، يدعوهم إلى التوحيد، وينهاهم عن الشرك، وأنهم قابلوا دعوته برميه بالسفاهة، والكذب، واستنكروا التوحيد واحتجوا عليه بما لا يصلح عقلاً ولا شرعًا أن يكون حجة، من تقليد الآباء، والأجداد، وتحدوا بإتيانه بالوعيد، وأجابهم هود على مقالتهم، وآخر الأمر أنجى الله هودا والذين آمنوا معه، وقطع دابر المكذبين بآيات الله.
183- وأخبر عن شعيب عليه السلام، وإرساله إلى مدين، وأن لا يبخسوا الناس أشيائهم، وأن لا يعثوا في الأرض مفسدين، وأن أشرافهم والكبراء منهم قابلوا ذلك بالتهديد باستعمال القوة السبعية، ولم يراعوا دينًا، ولا ذمة ولا حقًا، بل اتبعوا عقولهم السخيفة، وآخر الأمر أخذتهم الزلزلة الشديدة، فأصبحوا في دارهم جاثمين.
184- وأخبر عن أصحاب الكهف، وأنهم فتية آمنوا بربهم، وأن الله لطف بهم حيث وفقهم للإيمان، وأنهم اعتزلوا قومهم، وآووا إلى الكهف، وبين حالهم بعد أن آووا إلى الكهف وهو أن الشمس تميل عن كهفهم جهة اليمين، وعند الغروب تقرضهم ذات الشمال، فلا تصيبهم الشمس في طلوعها، ولا غروبها، وبين أن هدايتهم، كانت بعناية الله إلى آخر قصتهم.
185- وأخبر عن أيوب عليه السلام، وما أصابه الشيطان به، ونداءه لربه واستجابة الله له، وكشف ما به من ضر، وإعطائه أهله، ومثلهم معه.
186- وأخبر عن إسماعيل عليه السلام، وأنه كان صادق الوعد وأنه من وفائه بالوعد لما وعد من نفسه الصبر على ذبح أبيه له، قال ستجدني إن شاء الله من الصابرين ووفى بذلك، ومكن أباه من الذبح، الذي هو أعظم مصيبة تصيب الإنسان، وأنه كان يأمر أهله بالصلاة والزكاة... إلخ.
187- وأخبر عن إدريس عليه السلام وأن الله وصفه بصفات الكمال، حيث جمع له بين الصديقية وبين اصطفائه لوحيه وأنه رفعه مكانا عاليًا.
188- وأخبر عن إسحاق عليه السلام، وأنه ممن اختارهم الله واصطفاهم، وشرفهم بطاعته، وقواهم على العمل لما يرضيه، وآتاهم البصيرة في الدين قال الله تعالى: ]وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ[.
189- وأخبر عن ذي القرنين، وأنه بلغ المشارق والمغارب، وأن الله أعطاه من كل شيء سببًا، وأخبر أنه لما بلغ بين السدين، وجد من دونهما قومًا لا يكادون يفقهون كلام أتباعه ولا كلام غيرهم، وأنهم أخبروه، عن إفساد يأجوج ومأجوج، وأنهم أرادوا أن يجمعوا له ويجعلوا له خرجًا على أن يسد بينهم وبين يأجوج ومأجوج وأنه قال ما أنا فيه خير مما تبذلونه وأجابهم إلى طلبهم وهو السد على يأجوج ومأجوج بأن يجعل ردمًا.
190- وأخبر عن لقمان وأن الله آتاه الحكمة، وأخبر عن موعظته لابنه، المتضمنة للتحذير من الشرك، والأمر بالإخلاص لله وحده وذكر جل وعلا أمره له بالشكر، وأن شكر الشاكر يعود نفعه عليه، وأن من كفر فالله غني حميد فلا يضر الكفر إلا صاحبه، وأن من وصايا لقمان القيمة لابنه الأمر بإقامة الصلاة، والأمر بالمعروف، والصبر على ما يصيبه، وأن تلك الوصايا من الأمور المهمة التي يعزم عليها، ويتحتم على العباد فعلها، ولا محيص منها، ثم حذره من أشياء أخر أولها الكبر... إلخ.
191- وأخبر عن الخضر، وما اختص به من العلم، وما جرى بينه وبين موسى، عندما اتصل به، وما جرى لموسى وفتاه، في سفره إلى الخضر، وما تزوداه في السفر، إلى آخر القصة والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وسلم.
192- وأخبر عن أهل القرية، إذ جاءها المرسلون، وما جرى من أهل القرية، من التكذيب للرسل، وما قاله الرسل، وأن أهل القرية حينما توعدوا الرسل وهموا بقتلهم جاء رجل يسعى من أطراف المدينة، لينصح قومه، ويحضهم على اتباع الرسل، ويذب عن الرسل، وأنه أبان لهم أنه ما اختار لهم إلا ما اختار لنفسه، وهذا يشبه مؤمن آل فرعون الذي دافع عن موسى عليه السلام، وأخبر عن ما حل بأهل القرية، من النكال والعقوبة.
193- وأخبر عن سبإ، وما أمدهم به من البساتين، والمياه العظيمة، والثمار التي بها يتنعمون، ويحصل لهم بها الغبطة، والسرور وأنهم ظلموا أنفسهم، وكفروا بالله، وبنعمته، فأرسل الله عليهم سيل العرم، وذهب بالبساتين، وأهلك الحرث والنسل، وبدلوا بتلك الجنان، والبساتين الحسنة، ببستانين ليس فيهما إلا أشجار تافهة، لا يؤبه لها، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
194- وأخبر عن قارون وما أوتيه من كنوز، وأن مفاتحه تنوء بالعصبة أولى القوة، وأنه بغى على موسى وقومه، وأن قومه نصحوه، بعدة نصائح، وأنه قابلها بالإباء، وكفران النعمة، وأنه خرج مرة على قومه في زينته، وأخبر عن ما قال له مريدوا الحياة الدنيا، وما قال لهم أولوا العلم، وذكر مآل بطره وأشره، وما حل به من الوبال، والنكال، وهو الخسف به وبداره.
وقال الله تعالى لنبيه ورسوله محمد ﷺ ]وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا[ وقال ]وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ[ وقال ]ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ[ وقال تعالى ]تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ[.
وقال تعالى ]كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ[ الآية.
وقال تعالى ]نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ[ وقال ]ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ[.
فالنبي ﷺ عليه وسلم لم يعلمها عن مشاهدة ولكن أعلمه إياها الذي أحاط بكل شيء علمًا الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء وقال تعالى ]فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ[ وأخبر النبي ﷺ بأمور غيبية غير ما ذكرنا أعلمه الله بها وفي بعض ما ذكرنا كفاية تامة لمن أحب أن يقرأها ويتأملها ليقوى إيمانه بالله وبرسله وبما أخبروا به صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
(فصل)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وسيرة النبي ﷺ من آياته، وأخلاقه وأقواله وأفعاله وشريعته من آياته، وأمته من آياته، وكرامات صالحي أمته من آياته.
وذلك بتدبر سيرته من ولد إلى أن بعث ومن حين بعث إلى أن مات وبتدبر نسبه وبلده وأصله وفصله فإنه كان من أشرف أهل الأرض نسبًا من صميم سلالة إبراهيم الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب.
فلم يأت نبي من بعد إبراهيم إلا من ذريته وجعل له ابنين إسماعيل وإسحاق وذكر في التوراة هذا وهذا وبشر في التوراة بما يكون من ولد إسماعيل.
ولم يكن في ولد إسماعيل من ظهر فيما بشرت به النبوات غيره ودعا إبراهيم لذرية إسماعيل بأن يبعث فيهم رسولاً منهم ثم هو من قريش صفوة بني إبراهيم من بني هاشم صفوة قريش.
ومن مكة أم القرى وبلدة البيت الذي بناه إبراهيم ودعا الناس إلى حجه، ولم يزل محجوجًا من عهد إبراهيم مذكورًا في كتب الأنبياء بأحسن وصف، وكان من أكمل الناس تربية ونشأة لم يزل معروفا بالصدق والبر والعدل ومكارم الأخلاق وترك الفواحش والظلم وكل وصف مذموم.
مشهودًا له بذلك عند جميع من يعرفه قبل النبوة وممن آمن به وكفر بعد النبوة، لا يعرف له شيء يعاب به لا في أقواله ولا في أفعاله ولا في أخلاقه ولا جربت عليه كذبة قط ولا ظلم ولا فاحشة.
وكان خلقه وصورته من أكمل الصور وأتمها وأجمعها للمحاسن الدالة على كماله، وكان أميًا من قوم أميين لا يعرف لا هو ولا هم ما يعرفه أهل الكتاب "التوراة والإنجيل".
ولم يقرأ شيئًا من علوم الناس ولا جالس أهلها ولم يدع بنبوة إلى أن أكمل الله له أربعين سنة فأتى بأمر هو أعجب الأمور وأعظمها وبكلام لم يسمع الأولون والآخرون بنظيره.
وأخبر بأمر لم يكن في بلده ولا في قومه من يعرف مثله ولم يعرف قبله ولا بعده، لا في مصر من الأمصار ولا في عصر من الأعصار من أتى بمثل ما أتى به ولا من ظهر كظهوره.
ولا من أتى من العجائب والآيات بمثل ما أتى به ولا من دعا إلى شريعة أكمل من شريعته، ولا من ظهر دينه على الأديان كلها بالعلم والحجة وباليد والقوة كظهوره.
ثم إنه اتبعه أتباع الأنبياء وهم الضعفاء من الناس وكذبه أهل الرئاسة وعادوا وسعوا في هلاكه وهلاك من تبعه بكل طريق، كما كان الكفار يفعلون مع الأنبياء وأتباعهم.
والذين اتبعوه لم يتبعوه لرغبة ولا لرهبة، فإنه لم يكن عنده مال يعطيهم ولا جهات يوليهم إياها ولا كان له سيف بل كان السيف والجاه والمال مع أعدائه، وقد آذوا أتباعه بأنواع الأذى وهم صابرون محتسبون لا يرتدون عن دينهم لما خالط قلوبهم حلاوة الإيمان والمعرفة.
وكانت مكة يحجها العرب من عهد إبراهيم فتجتمع في الموسم قبائل العرب فيخرج إليهم يبلغهم الرسالة ويدعوهم إلى الله صابرًا على ما يلقاه من تكذيب المكذب وجفاء الجافي وإعراض المعرض إلى أن اجتمع بأهل يثرب وكانوا جيران اليهود قد سمعوا أخباره منهم وعرفوه.
فلما دعاهم علموا أنه النبي المنتظر الذي تخبرهم به اليهود وكانوا قد سمعوا من أخباره ما عرفوا به مكانته، فإن أمره كان قد انتشر وظهر في بضع عشرة سنة فآمنوا به وتابعوه على هجرته وهجرة أصحابه إلى بلدهم وعلى الجهاد معه.
فهاجر هو ومن اتبعه إلى المدينة وبها المهاجرون والأنصار ليس فيهم من آمن برغبة دنيوية ولا برهبة إلا قليلاً من الأنصار أسلموا في الظاهر ثم حسن إسلام بعضهم ثم أذن له في الجهاد ثم أمر به.
ولم يزل قائمًا بأمر الله على أكمل طريقة وأتمها من الصدق والعدل والوفاء لا يحفظ عليه كذبة واحدة ولا ظلم لأحد ولا غدر بأحد، بل كان أصدق الناس وأعدلهم وأبرهم وأوفاهم بالعهد مع اختلاف الأحوال عليه من حرب وسلم وأمن وخوف وغنى وفقر وقلة وكثرة وظهوره على العدو تارة وظهور العدو عليه تارة.
وهو على ذلك كله ملازم لأكمل الطرق وأتمها حتى ظهرت الدعوة في جميع أرض العرب التي كانت مملوءة من عبادة الأوثان ومن أخبار الكهان وطاعة المخلوق في الكفر بالخالق وسفك الدماء المحرمة وقطيعة الأرحام لا يعرفون آخرة ولا معادًا.
فصاروا أعلم أهل الأرض وأدينهم وأعدلهم وأفضلهم وهذه آثار علمهم وعملهم في الأرض وآثار غير هم يعرف العقلاء فرق ما بين الأمرين وهو ﷺ مع ظهور أمره وطاعة الخلق له وتقديمهم له على الأنفس والأموال مات ولم يخلف درهمًا ولا دينارًا ولا متاعًا ولا دابة إلا بغلته وسلاحه ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقا من شعير ابتاعها لأهله.
وكان بيده عقار ينفق منه على أهله والباقي يصرفه في مصالح المسلمين فحكم بأنه لا يورث ولا يأخذ ورثته منه شيئًا وهو في كل وقت يظهر على يديه من الآيات وفنون الكرامات ما يطول وصفه.
ويخبرهم بما كان وما يكون ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويشرع الشريعة شيئا بعد شيء.
أكمل الله دينه الذي بعث به وجاءت شريعته أكمل شريعة لم يبق معروف تعرف العقول أنه معروف إلا أمر به ولا منكر تعرف العقول أنه منكر إلا نهى عنه.
لم يأمر بشيء فقيل ليته لم يأمر به ولا نهى عن شيء فقيل ليته لم ينه عنه وأحل الطيبات لم يحرم شيئًا منهاكما حرم في شرع غيره وحرم الخبائث لم يحل منها شيئًا كما استحله غيره.
وجميع محاسن ما عليه الأمم فلا يذكر في التوراة والإنجيل والزبور نوع من الخبر عن الله وعن ملائكته وعن اليوم الآخر إلا وقد جاء به على أكمل وجه وأخبر بأشياء ليست في هذه الكتب.
وأمته أكمل الأمم في كل فضيلة فإذا قيس علمهم بعلم سائر الأمم ظهر فضل علمهم وإن قيس دينهم وعبادتهم وطاعتهم لله بغيرهم ظهر أنهم أدين من غيرهم وإذا قيس شجاعتهم وجهادهم وصبرهم على المكاره في ذات الله ظهر أنهم أعظم جهادًا وأشجع قلوبًا وهذه الفضائل به نالوها ومنه تعلموها وهو الذي أمرهم بها ا.هـ.
وقال آخر:
اعلم أن من شاهد أحواله ﷺ وأصغى إلى سماع أخباره المشتملة على أخلاقه وأفعاله وأحواله وعاداته وسجاياه وسياسته لأصناف الخلق وهدايته إلى ضبطهم وتألفه أصناف الخلق وقوده إياهم إلى طاعته.
مع ما يحكى من عجائب أجوبته في مضائق الأسئلة وبدائع تدبيراته في مصالح الخلق ومحاسن إشاراته في تفصيل ظاهر الشرع التي يعجز الفقهاء والعقلاء عن إدراك أوائل دقائقها في طول أعمارهم لم يبق له ريب ولا شك في أن ذلك لم يكن مكتسبًا بحيلة تقوم بها القوة البشرية.
بل لا يتصور ذلك إلا بالاستمداد من تأييد سماوي وقوة إلهية وأن ذلك كله لا يتصور لكذاب ولا ملبس بل كانت شمائله وأحواله شواهد قاطعة بصدقه حتى أن العربي القح كان يراه فيقول: والله ما هذا وجه كذاب.
فكان يشهد له بالصدق بمجرد رؤيته لشمائله فكيف من شاهد أخلاقه ومارس أحواله في جميع مصادره وموارده اهـ.
اللهم ألهمنا ذكرك وشكرك وارزقنا حبك وسهل علينا طاعتك وفرغنا للتفكير في مخلوقاتك واجعل لنا رضاك موئلاً وعاقبة واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
إِلى اللهِ تشْكُوا قَسْوةً وَتَوَحُّدَا ودُوْنَكَ مِنِّي النُّصْحَ يَاذَا المُوَحِّدُ | ونَرْجُوْهُ غُفْرَانًا فَرَبُّكَ أَوْحَدُ قُمِ الليَّلَ يَا هَذَا لَعَلَّكَ تَرْشُدُ |
إِلى كَمْ تَنَامُ الليلَ والعُمْرُ يَنْفَدُ | |
تيقظ وَتُبْ فاللهُ لِلْخَلْقِ رَاحِمٌ فَقُمْ لا تَنَمْ فالشَّهْمُ بالَلَّيلْ قَائِمٌ | وإِنِّي لِنَفْسِي نَاصِحٌ ومُلازِمٌ أَرَاكَ بِطُوْلِ اللَّيلِ وَيْحَكَ نَائِمٌ |
وَغَيْرُكَ في مِحْرابِهِ يَتَهَجَّدُ | |
لَقَدْ فَازَ أَقْوَامٌ ونَحْنُ نُشَاهِدُ فَلَيْسَ سَواءٌ قَائِمٌ ذَا وَرَاقِدُ | أَما تَسْتَحِيْ أَوْ تَرْعَوِي أَوْ تُجَاهِدُ ولَوْ عَلِمَ البَطَّالُ مَا نَالَ زَاهِدُ |
مِنَ الأَجْرِ والإِحْسَانِ مَا كَانَ يَرْقُدُ | |
فَكَمْ قَدْ أَكَلْنَا والتَّقِيُّونَ صُوَّمُ وَلَوْ مُفْلِسٌ يَدْرِيْ وَهَلْ أَيْنَ خَيَّمُوْا | ونُمْنًا وَهُمْ بالْليَّلِ يَبْكُونَ قَوَّمُ لَصَامَ وقَامَ الليلَّ والناسُ نُوَّمُ |
إِذَا مَا دَنَى مِنْ عَبْدِهِ المُتَفَرِّدُ | |
وأَسْبَل في الدَّاجِي دُمُوعًا بعَبْرَةٍ وقَامَ وصَلَّى خَائِفًا في مَحَبَّةً | وتابَ وأَبْدَى الخَوْفَ مِن كُلِّ هَيْبَةٍ بَحَزْمٍ وعَزْمٍ واجْتِهَادٍ وَرَغْبَةٍ |
وَيَعْلَمُ أَنَّ اللهَ ذُوْ العَرْشِ يُعْبَدُ | |
فَحَاذِرْ مِن الدُنْيَا ومِنْ لَدْغِ صِلِّهَا فَسَافِرْ وطَلِّقْهَا ثَلاثًا وخَلِّهَا | فَلَيْسَ لَهَا عَهْدٌ يَفِيْ لَوْ لِخِلِّهَا ولَوْ كَانَتِ الدُنْيَا تَدُوْمُ لأَهْلِهَا |
لَكَانَ رَسُولُ اللهِ فِيْهَا مُخَلَّدُ | |
أَلَمْ يَأْنْ أَنْ نَخْشَعْ وأَيْنَ التَّهَجُدُ تيَقَّظْ أَخِيْ وَاحْذَرْ وإِيَّاكَ تَرْقُدُ | أَفِي سِنَةٍ كُنَّا أَمِ القَلْبُ جَلْمَدُ أَتَرْقُدُ يَا مَغْرُوْرُ والنارُ تُوْقَدُ |
فلا حَرُّهَا يَطْفَى ولا الجَمْرُ يَخْمُدُ | |
أَمَا لَوْ عَلمْنَاهَا نَهَضْنَا إِذَا شَظَى وَلَمْ تَغْتَمِضْ عَيْنًا بِتَذْكَارِنَا اللَّظَى | نَعُجُّ وبَعْضُ القَوْمِ لِلَبَعْضِ أَيْقَظَا أَلا إِنَّهَا نَارٌ يُقَالُ لَهَا لَظَى |
فَتَخْمُدُ أَحْيَانًا وأَحْيَانًا تُوْقَدُ | |
عَلَى الخَمْسِ تَوْدِيعًا بوَقْفٍ فَصَلِّها وتُبْ عَن ذُنُوْبٍ لا تَذِلُّ بِذُلِّهَا | وحَافِظْ عَلَى تِلْكَ النَّوافِلِ كُلِّهَا فيَا رَاكِبَ العِصْيَانِ وَيْحَكَ خَلِّهَا |
سَتُحْشَرُ عَطْشَانَا وَوَجْهُكَ أَسْوَدُ | |
أَلا إِنَّ أَهْلَ العْلِمِ فِي عِلْمِ غَيْبِهِ سَمَوْ بالهُدَى والناسُ مِن فَوْقِ تُرْبِهِ | لَهُمْ كُلُّ خَيْر مِن إِلَهِيْ بقُرْبِهِ فكَمْ بَيْنَ مَسْرُورٍ بِطَاعَةِ رَبِّهِ |
وآخَرُ بالذَّنْبِ الثَّقِيْلِ مُقَيَّدُ | |
إِذَا كُوِّرَتْ شَمْسُ العِبَادِ وأَنْجُمٌ | وقُرِّبَتِ النَّارُ العَظِيْمَةُ تُضْرَمُ |
وَكُبْكِبَ هَذَا ثُمَّ هَذَا مُسَلَّمٌ | |
فَهَذَا سَعِيدٌ فِي الْجِنَانِ مُنَعَّمٌ وَقَدْ كَانَ هَذَا الْحُكْمُ مِنْ رَبِّنَا مَضَى إِلَهِي أَنِلْنِي الْعَفْوَ مِنْكَ مَعَ الرِّضَى | وَهَذَا شَقِيٌّ فِي الْجَحِيمِ مُخَلَّدٌ وَلابُدَّ هَذَا الْحُكْمُ فِي الْحَشْرِ يُمْتَضَى إِذَا نُصِبَ الْمِيزَانُ لِلْفَصْلِ وَالْقَضَى ج |
وَقَدْ قَامَ خَيْرُ الْعَالَمِينَ مُحَمَّدٌ | |
نَبِيُّ الْهُدَى الْمَعْصُومُ عَنِ كُلَّ زَلَّةِ وَمِلَّتُهُ يَا صَاحِبِي خَيْرُ مِلَّةْ | شَفِيعُ الْوَرَى أَكْرِم بِهَا مِنْ فَضِيلَةٍ عَلَيْهِ صَلاةُ اللهِ فِي كُلِّ لَيْلَةْ |
مَعَ الآلِ وَالأصْحَابِ مَا دَارَ فَرْقَدٌ ([2]) |
(فصل)
وقال الماوردي رحمه الله في ذكر خصائص الرسول ﷺ وفضائله وشرف أخلاقه وشمائله المؤيدة لنبوته والمبرهنة على عموم رسالته:
فالكمال المعتبر في البشر يكون من أربعة أوجه: كمال الخلق وكمال الخلق وفضائل الأقوال وفضائل الأعمال.
فأما الوجه الأول في كمال خلقه بعد اعتدال صورته فيكون بأربعة أوصاف أحدها: السكينة الباعثة على الهيبة والتعظيم الداعية إلى التقديم والتسليم.
وكان أعظم مهيب في النفوس حتى ارتاعت رسل كسرى من هيبته حين أتوه مع ارتياعهم بصولة الأكاسرة ومكاثرة الملوك الجبابرة.
فكان ﷺ في نفوسهم أهيب وفي أعينهم أعظم وإن لم يتعاظم بأهبة ولم يتطاول بسطوة بل كان بالتواضع موصوفًا وبالوطأة – أي السهولة – معروفًا.
والثاني: في الطلاقة الموجبة للإخلاص والمحبة الباعثة على المصافاة والمودة.
وقد كان صلوات الله عليه محبوبًا استحكمت محبة طلاقته في النفوس حتى لم يقله مصاحب ولم يتباعد منه مقارب وكان أحب إلى أصحابه من الآباء والأبناء وشرب الماء البارد على الظمأ.
والثالث: حسن القبول الجالب لممايلة القلوب حتى تسرع إلى طاعته وتذعن بموافقته وقد كان قبول منظره ﷺ مستوليًا على القلوب ولذلك استحكمت مصاحبته في النفوس حتى لم ينفر منه معاند ولا استوحش منه مباعد إلا من ساقه الحسد إلى شقوته وقاده الحرمان إلى مخالفته.
والرابع: ميل النفوس إلى متابعته وانقيادها لموافقته وثباته على شدائده ومصابرته، فما شذ عنه معها من أخلص ولا ند عنه فيها من تخصص.
وهذه الأربعة من دواعي السعادة وقوانين الرسالة وقد تكاملت فيه فكمل لما يوازيها واستحق ما يقتضيها.
وأما الوجه الثاني في كمال أخلاقه فيكون بست خصال:
(إحداهن): رجاحة عقله وصحة وهمه وصدق فراسته وقد دل على وفور ذلك فيه صحة رأيه وصواب تدبيره وحسن تألفه.
وأنه ما استغفل في مكيدة ولا استعجز في شديدة بل كان يلحظ الأعجاز في المبادئ فيكشف عيوبها ويحل خطوبها وهذا لا ينتظم إلا بأصدق وهم وأوضح جزم.
والخصلة الثانية: ثباته في الشدائد وهو مطلوب وصبره على البأساء والضراء وهو مكروب ومحروب ونفسه في اختلاف الأحوال ساكنة لا يخور في شديدة ولا يستكين لعظيمة وقد لقي بمكة من قريش ما يشيب النواصي ويهد الصياصي وهو مع الضعف يصابر صبر المستعلي ويثبت ثبات المستولي.
والخصلة الثالثة: زهده في الدنيا وإعراضه عنها وقناعته بالبلاغ منها فلم يمل إلى غضارتها ولم يله لحلاوتها وقد ملك من أقصى الحجاز إلى عذار العراق ومن أقصى اليمن إلى شحر عمان.
وهو أزهد الناس فيما يقتنى ويدخر وأعرضهم عما يستفاد ويحتكر لم يخلف عينًا ولا دينًا ولا حفر نهرًا ولا شيد قصرًا ولم يورث ولده وأهله متاعًا ولا مالاً ليصرفهم عن الرغبة في الدنيا كما صرف نفسه عنها فيكونوا على مثل حاله في الزهد فيها.
وحقيق بمن كان في الدنيا بهذه الزهادة حتى اجتذب أصحابه إليها أن لا يتهم بطلبها ويكذب على الله تعالى في إدعاء الآخرة ويقنع في العاجل وقد سلب الآجل بالميسور النزر ورضي بالعيش الكدر.
والخصلة الرابعة: تواضعه للناس وهم أتباع وخفض جناحه لهم وهو مطاع يمشي في الأسواق ويجلس على التراب ويمتزج بأصحابه وجلسائه فلا يتميز عنهم إلا بإطراقه وحيائه، فصار بالتواضع متميزًا وبالتذلل متعززًا.
ولقد دخل عليه بعض الأعراب فارتاع من هيبته فقال خفض عليك فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة وهذا من شرف أخلاقه وكريم شيمه فهي غريزة فطر عليها وجبلة طبع بها لم تندر فتعد ولم تحصر فتحد.
والخصلة الخامسة: حلمه ووقاره عن طيش يهزه أو خرق يستفزه فقد كان أحلم في النفار من كل حليم وأسلم في الخصام من كل سليم.
وقد مني بجفوة الأعراب فلم يوجد منه نادرة ولم يحفظ عليه بادرة ولا حليم غيره إلا ذو عثرة ولا وقور سواه إلا ذو هفوة فإن الله تعالى عصمه من نزع الهوى وطيش القدرة لهفوة أو عثرة ليكون بأمته رؤوفًا وعلى الخلق عطوفًا قد تناولته قريش بكل كبيرة وقصدته بكل جريرة وهو صبور عليهم ومعرض عنهم.
وما تفرد بذلك سفهاؤهم عن حلمائهم ولا أراذلهم دون عظمائهم بل تمالأ عليه الجلة والدون، فكلما كانوا عليه من الأمر ألح – كان عنهم أعرض وأصفح حتى قهر فعفا، وقدر فغفر.
(وقال لهم) حين ظفر بهم عام الفتح وقد اجتمعوا إليه ما ظنكم بي قالوا ابن عم كريم فإن تعف فذاك الظن بك وإن تنتقم فقد أسأنا فقال بل أقول كما قال يوسف لإخوته ]لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ[.
وقال: اللهم قد أذقت أول قريش نكالاً فأذق آخرهم نوالاً وأتته هند بنت عتبة وقد بقرت بطن عمه حمزة ولاكت كبده فصفح عنها وأعطاها يده لبيعتها.
فإن قيل فقد ضرب رقاب بني قريظة صبرًا في يوم واحد وهم نحو سبعمائة فأين موضع العفو والصفح قيل إنما فعل ذلك في حقوق الله تعالى.
وقد كانت بنو قريظة رضوا بتحكيم سعد بن معاذ عليهم فحكم أن من جرت عليه الموسى قتل ومن لم تجر عليه استرق فقال رسول الله ﷺ: هذا حكم الله من فوق سبعة أرقعة، فلم يجز أن يعفو عن حق وجب لله تعالى عليهم وإنما يختص عفوه بحق نفسه.
والخصلة السادسة: حفظه للعهد ووفاؤه بالوعد فإنه ما نقض لمحافظ عهدًا ولا أخلف لمراقب وعدًا يرى الغدر من كبائر الذنوب والإخلاف من مساوئ الشيم فيلتزم فيهما الأغلظ ويرتكب فيهما الأصعب حفظًا لعهده ووفاء بوعده حتى يبتدئ معاهدوه بنقضه فيجعل الله تعالى له مخرجًا كفعل اليهود من بني قريظة وبني النضير وكفعل قريش بصلح الحديبية فيجعل الله تعالى له في نكثهم الخيرة.
فهذه ست خصال تكاملت في خلقه، فضله الله تعالى على جميع خلقه.
وأما الوجه الثالث في فضائل أقواله فمعتبر بثمان خصال:
إحداهن: ما أوتي من الحكمة البالغة، وأعطي من العلوم الجمة الباهرة، وهو أمي من أمة أمية لم يقرأ كتابًا ولا درس علمًا ولا صحب عالمًا ولا معلمًا فأتى بما بهر العقول وأذهل الفطن من إتقان ما أبان وإحكام ما أظهر فلم يعثر فيه بزلل في قول أو عمل.
وقد شرع من تقدم من حكماء الفلاسفو سننًا حملوا الناس على التدين بها حين علموا أنه "لا صلاح للعالم إلا بدين ينقادون له ويعملون به" فما راق لها أثر ولا فاق لها خبر.
والخصلة الثانية: حفظه لما أطلعه الله تعالى عليه من قصص لأنبياء مع الأمم وأخبار العالم في الزمن الأقدم حتى لم يعزب عنه منها صغير ولا كبير ولا شذ عنه منها قليل ولا كثير.
وهو لا يضبطها بكتاب يدرسه ولا يحفظها بعين تحرسه، وما ذاك إلا من ذهن صحيح وصدر فسيح وقلب شريح وهذه الثلاثة آلة ما استودع من الرسالة وحمل من أعباء النبوة فجدير أن يكون بها مبعوثًا وعلى القيام بها محثوثًا.
والخصلة الثالثة: إحكامه لما شرع بأظهر دليل وبيانه بأوضح تعليل حتى لم يخرج منه ما يوجبه معقول ولا دخل فيه ما تدفعه العقول.
ولذلك قال ﷺ "أوتيت جوامع الكلم واختصرت لي الحكمة اختصارًا" لأنه نبه بالقليل على الكثير فكف عن الإطالة وكشف عن الجهالة وما تيسر ذلك إلا وهو عليه معان وإليه مقاد.
والخصلة الرابعة: ما أمر به من محاسن الأخلاق ودعا إليه من مستحسن الآداب وحث عليه من صلة الأرحام وندب إليه من التعطف على الضعفاء والأيتام.
ثم ما نهى عنه من التباغض والتحاسد وكف عنه من التقاطع والتباعد لتكون الفضائل فيهم أكثر ومحاسن الأخلاق بينهم أنشر، ومستحسن الآداب عليهم أظهر وتكون إلى الخير أسرع ومن الشر أمنع.
فيتحقق فيهم قول الله تعالى ]كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ[ فلزموا أمره واتقوا زواجره فتكامل بهم صلاح دينهم ودنياهم حتى عز بهم الإسلام بعد ضعفه وذل بهم الشرك بعد عزه فصاروا أئمة أبرارًا وقادة أخيارًا.
والخصلة الخامسة: وضوح جوابه إذا سئل وظهور حجاجه إذا جادل لا يحصره عي ولا يقطعه عجز ولا يعارضه خصم في جدال إلا كان جوابه أوضح وحجاجه أرجح.
والخصلة السادسة: أنه محفوظ اللسان من تحريف في قول واسترسال في خبر يكون إلى الكذب منسوبًا وللصدق مجانبًا فإنه لم يزل مشهورًا بالصدق في خبره فاشيًا وكثيرًا حتى صار بالصدق مرقومًا وبالأمانة مرسومًا.
وكانت قريش بأسرها تتيقن صدقه قبل الإسلام فجهروا بتكذيبه في استدعائهم إليه فمنهم من كذبه حسدًا ومنهم من كذبه عنادًا ومنهم من كذبه استبعادًا أن يكون نبيًا أو رسولاً.
ولو حفظوا عليه كذبة نادرة في غير الرسالة لجعلوها دليلاً على تكذيبه في الرسالة، ومن لزم الصدق في صغره كان له في الكبر ألزم ومن عصم منه في حق نفسه كان في حقوق الله تعالى أعصم وحسبك بهذا دفعًا لجاحد وردًا لمعاند.
والخصلة السابعة: تحرير كلامه في التوخي به إبان حاجته والاقتصار منه على قدر كفايته فلا يسترسل فيه هذرًا ولا يحجم عنه حصرًا وهو فيما عدا، حالتي الحاجة والكفاية أجمل الناس صمتًا وأحسنهم سمتًا.
ولذلك حفظ كلامه حتى لم يختل وظهر رونقه حتى لم يعتل واستعذبته الأفواه حتى بقي محفوظًا في القلوب مدونًا في الكتب فلن يسلم الإكثار من الزلل ولا الهذر من الملل.
والخصلة الثامنة: أنه أفصح الناس لسانًا وأوضحهم بيانًا وأوجزهم كلامًا وأجزلهم ألفاظًا وأصحهم معاني لا يظهر في هجنة التكلف ولا يتخلله فيهقة التعسف.
وقد دون كثر من جوامع كلمه ومن كلامه الذي لا يشاكل في فصاحته وبلاغته ومع ذلك فلا يأتي عليه إحصاء ولا يبلغه استقصاء.
ولو مزج كلامه بغيره لتميز بأسلوبه ولظهر فيه آثار التنافر فلم يلتبس حقه من باطله ولبان صدقه من كذبه هذا ولم يكن متعاطيًا للبلاغة ولا مخالطًا لأهلها من خطباء أو شعراء أو فصحاء وإنما هو من غرائز طبعه وبداية جبلته وما ذاك إلا لغاية تراد وحادثة تشاد.
وأما الوجه الرابع في فضائل أفعاله فمختبر بثمان خصال:
(إحداهن) حسن سيرته وصحة سياسته في دين نقل به الأمة عن مألوف وصرفهم به عن معروف إلى غير معروف فأذعنت به النفوس طوعًا وانقادت خوفًا وطمعًا وشديد عادة منتزعة إلا لمن كان مع التأييد الإلهي معانًا بحزم صائب وعزم ثاقب.
وحسبك بما استقرت قواعده على الأبد حتى انتقل عن سلف إلى خلف يزداد فيهم حلاوته ويشتد فيهم جدته ويرونه نظامًا لأعصار تنقلب صروفها ويختلف مألوفها أن يكون لمن قام به برهانًا ولمن ارتاب به بيانًا.
والخصلة الثانية: أنه جمع بين رغبة من استمال ورهبة من استطاع حتى اجتمع الفريقان على نصرته وقاموا بحقوق دعوته رغبًا في عاجل وآجل ورهبًا من زائل ونازل، لاختلاف الشيم والطباع في الانقياد الذي لا ينتظم بأحدهما ولا يستديم إلا بهما فلذلك صار الدين بهما مستقرًا والصلاح بهما مستمرًا.
والخصلة الثالثة: أنه عدل فيما شرعه من الدين عن الغلو والتقصير إلى التوسط وخير الأمور أوساطها وليس لما جاوز العدل حظ من رشد ولا نصيب من سداد.
والخصلة الرابعة: أنه لم يمل بأصحابه إلى الدنيا ولا إلى رفضها وأمدهم فيها بالاعتدال، وقال: "خيركم من لم يترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه ولكن خيركم من أخذ من هذه وهذه" وهذا صحيح لأن الانقطاع إلى أحدهما اختلال والجمع بينهما اعتدال.
وقال ﷺ: "نعم المطية الدنيا فارتحلوها تبلغكم الآخرة" وإنما كان كذلك لأن منها يتزود لآخرته. ويستكثر فيها من طاعته وأنه لا يخلو تاركها من أن يكون محرومًا مضاعًا أو مرحومًا مراعى وهو في الأول كل وفي الثاني ومستذل.
والخصلة الخامسة: تصديه لمعالم الدين ونوازل الأحكام حتى أوضح للأمة ما كلفوه من العبادات وبين لهم ما يحل وما يحرم من مباحات ومحظورات وفصل لهم ما يجوز ويمتنع من عقود ومناكح ومعاملات.
حتى احتاج أهل الكتاب في كثير من معاملاتهم ومواريثهم لشرعه ولم يحتج شرعه إلى شرع غيره ثم مهد لشرعه أصولاً تدل على الحوادث المغفلة ويستنبط لها الأحكام المعللة فأغنى عن نص بعد ارتفاعه وعن التباس بعد إغفاله ثم أمر الشاهد أن يبلغ الغائب ليعلم بإنذاره ويحتج بإظهاره فقال ﷺ: "بلغوا عني ولا تكذبوا علي فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه إلى من هو أفقه مني".
فأحكم ما شرع من نص أو تنبيه وعم ما أمر من حاضر وبعيد حتى صار لما تحمله من الشرع مؤديًا ولما تقلده من حقوق الأمة موفيا لئلا يكون في حقوق الله زلل وذلك في برهة من زمانه لم يستوف تطاول الاستيعاب حتى أوجز وأنجز وما ذاك إلا بديع معجز.
والخصلة السادسة: انتصابه لجهاد الأعداء وقد أحاطوا بجهاته وأحدقوا بجنباته وهو في قطب مهجور، وعدد محقور فزاد به من قل وعز به من ذل وصار بإثخانه في الأعداء محذورًا وبالرعب فيه منصورًا فجمع بين التصدي لشرع الدين حتى ظهر وانتشر وبين الانتصاب لجهاد العدو حتى قهر وانتصر الجمع بينهما معوز إلا لمن أمده الله بمعونته وأيده بلطفه والمعوز معجز.
والخصلة السابعة: ما خص به من الشجاعة في حروبه والنجدة في مصابرة عدوه فإنه لم يشهد حربًا في فزاع إلا صابر حتى انجلت عن ظفر أو دفاع وهو في موقفه لم يزل عنه هربًا ولا حاز فيه رغبًا.
بل ثبت بقلب آمن وجأش ساكن قد ولى عنه أصحابه يوم حنين حتى بقي بإزاء جمع كثير وجم غفير في تسعة من أهل بيته وأصحابه على بغلة مسبوقة إن طلبت غير مستعدة لهرب ولا طلب وهو ينادي أصحابه ويظهر نفسه ويقول إلي عبدا الله "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب" فعادوا أشذاذًا وأرسالاً وهوازن تراه وتحجم عنه فما هاب حرب من كاثرة ولا انكفأ عن مصاولة من صابره.
وقد عضده الله تعالى بأنجاد وأنجاد فانحازوا وصبر حتى أمده الله بنصره وما لهذه الشجاعة من عديل ولقد طرق المدينة فزع فانطلق الناس فتلقوه نحو الصوت فوجدوا رسول الله ﷺ قد سبقهم إليه فتلقوه عائدًا على فرس عري لأبي طلحة الأنصاري وعليه السيف فجعل يقول أيها الناس لم تراعوا لم تراعوا ثم قال لأبي طلحة إنا وجدنا بحرًا وكان الفرس يبطئ فما سبقه فرس بعد ذلك.
وما ذاك إلا عن ثقة من أن الله تعالى سينصره وأن دينه سيظهره تحقيقًا لقوله تعالى ]لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ[ وتصديقًا لقول رسوله ﷺ "زويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيلغ ملك أمتي ما زوي لي منها" وكفى بهذا قيامًا بحقه وشاهدًا على صدقه.
والخصلة الثامنة: ما منح من السخاء والجود حتى جاد بكل موجود وآثر بكل مطلوب ومحبوب، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي على آصع من شعير لطعام أهله.
وقد ملك جزيرة العرب وكان فيها ملوك وأقيال لهم خزائن وأموال يقتنونها ذخرًا ويتباهون بها فخرًا ويستمتعون بها أشرًا وبطرًا وقد حاز ملك جميعهم فما اقتنى دينارًا ولا درهمًا لا يأكل إلا الخشن ولا يلبس إلا الخشن.
ويعطي الجزل الخطير ويصل الجم الغفير ويتجرع مرارة الإقلال ويصبر على سغب الاختلال وكان يقول "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن ترك دينًا أو ضياعًا فعلي ومن ترك مالاً فلورثته" فهل مثل هذا الكرم والجود كرم وجود أم هل لمثل هذا الإعراض والزهادة إعراض وزهد هيهات.
هل يدرك شأو من هذه شذور من فضائله ويسير من محاسنه التي لا يحصى لها عددًا ولا يدرك لها أمدًا لم تكمل في غيره فيساويه ولا كذب بها ضد يناويه ولقد جهد كل منافق ومعاند وكل زنديق وملحد أن يزري عليه في قول أو فعل.
وأو يظفر بهفوة في جد أو هزل فلم يجد إليه سبيلاً وقد جهد جهده وجمع كيده.
فأي فضل أعظم من فضل شاهدة الحسدة والأعداء فلم يجدوا فيه مغمزًا لثالب أو قادح ولا مطعنًا لجارح أو فاضح فهو كما قال الشاعر:
شَهِدَ الأَنَامُ بِفَضْلِهِ حَتَّى العِدَا | والفَضْلُ مَا شَهِدَتْ بِهِ الأَعْدَاءُ |
وبالجملة فآية أخلاقه صلوات الله عليه آية كبرى وعلم من أعلام نبوته العظمى وقد أجملها بعضهم بقول وآية أخرى لا يعرفها إلا الخاصة ومتى ذكرت الخاصة فالعامة في ذلك مثل الخاصة.
وهي الأخلاق والأفعال التي لم تجتمع لبشر قط قبله ولا تجتمع لبشر بعده وذلك أنا لم نر ولم نسمع لأحد قط كصبره ولا كحلمه ولا كوفائه ولا كزهده ولا كجوده ولا كنجدته ولا كصدق لهجته ولا ككرم عشرته ولا كتواضعه ولا كحفظه ولا كصمته أي إذا صمت ولا كقوله إذا قال ولا كعجيب منشئه ولا كعفوه ولا كدوام طريقته وقلة امتنانه.
ولم تجد شجاعًا قط إلا وقد جال حوله وفر فرة وانحاز مرة ولا يستطيع منافق ولا زنديق ولا دهري أن يحدث أنه ﷺ جال جولة قط ولا فر فرة قط ولا حام على غزوة ولا هاب حربًا من مكاثرة.
وذلك من أعجب ما آتاه الله نبيًا قط مع سائر ما جاء به من الآيات ومن ضرورة البرهانات إذ أعداؤه جم غفير وجمعهم كثير فخصمهم حين جادلوه وصابرهم حين عاندوه وكابد من الشدائد ما لم يثبت عليها إلا كل معصوم ولم يسلم منها إلا منصور إلى أن علت كلمته وظهرت دعوته.
وكل هذه آيات تنذر بالحق وتلائم الصدق، لأن الله لا يهدي كيد الخائنين ولا يصلح عمل المفسدين، انتهى كلامه.
اللهم اسلك بنا مناهج السلامة وعافنا من موجبات الحسرة والندامة ووفقنا للاستعداد لما وعتنا وأدم لنا إحسانك ولطفك كما عودتنا واتمم علينا ما به أكرمتنا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"ممن ينتسب إليه"
لَهْفِيْ عَلَى الإِسْلامِ مِنْ أَشْيَاعِهِ لَهَفِيْ عَلَيْهِ تَنَكَّرَتْ أَعْلامُهُ لَهْفِيْ عَلَيْهِ أَصْبَحَتْ أَنْوَارُهُ لَهَفِيْ عَلَيْه أَصْبَحَتْ أَنْصَارُهُ لَهَفِيْ عَليهِ أَهْلُهُ فِي غُرْبَةٍ لَهَفِيْ عَلَيْهِمْ أَصْبَحُوا فِي ضَيْعَةٍ لَهَفِيْ عَلَيْهِمْ كَمْ لَنَا قَدْ أَخْلَصُوْا لَهَفِيْ عَلَى مَنْ يَجْلِبُونَ عَلَيْهِمُوْا لَهَفِيْ عَلَى مَنْ هُمْ مَصَابِيْحُ الهُدَى لَهَفِيْ عَلَيْهِم أُوْجِدُوْا فِي أُمَّةٍ لا يُعْرَفُ المَعْرُوْفُ فِيْمَا بَيْنَنَا خَذَلَتْ ذَوِيْ النُّصْحِ الصَّحِيْحِ وَأَصْبَحَتْ يَا وَيْحَ قَوْمٍ لا يُمَيِّزُ جُلُّهُمْ فَتَصَدَّرَ الجُهَّالُ والضُّلالُ فِيْـ مِنْ كُلِّ مَنْ يَخْتَالُ فِي فَضْاضِهِ مُتَقَمِّشٌ مِنْ هَذِهِ الأَوْضَاعِ والْـ يُبْدِيْ التَّمَشْدُقَ فِي المَحَافِلِ كَيْ يُرَى تَبًا لَهُ مِنْ جَاهِلٍ مُتَعَالِمٍ رَفَعَتْ خَسِيْسَتَهُ الْمَنَاصِبُ فازْدَرَى لَيْسَ التَّرَفُعُ بالْمَنَاصِبِ رِفْعَةً تَرَكَ الْمَنَابِرَ مَنْ يَقَوْمُ بِحَقِّهَا وَنَزَا عَلَيْهَا سَفْلَةٌ يَا لَيْتَهُمْ خَطَبُوْا التَّفَرُّقَ فَوْقَهَا ولَطَالَمَا كَمْ يأْمُرُوْنَ بِمْحَدَثَاتٍ فَوْقَهَا تَبْكِيْ الْمَنَابِرُ مِنْهُمُوْا وَتَوَدُّ لَوْ مَا عِنْدَهُمْ بالأَمْرِ الأَوَّلِ خِبْرَةٌ ثَكِلَتْهُمُ الآبَاءُ إِنَّ حَيَاتَهُمْ جَهِلُوْا كِتَابَ اللهِ وَهْوَ نَجَاتُهُمْ وَجَفَوْا مَنَاهِجَ خَيْرِ أَسْلافٍ لَهُمْ لا يَرْجِعُونَ لآيَةٍ أَوْ سُنَّةٍ بَلْ يَرْجِعُوْنَ لِرَأْيِ مَنْ أَلْقَوْا لَهُمْ وَكَذاكَ يَرْجعُ مَنْ تَصَوَّفَ فِيْهِمُوْا فَالأَوَّلُونَ أَتَوْا بِأَحْكَامٍ لَنَا والآخِرُوْنَ أَتَوْا لَنَا بِطَرَائِق وَمُحَصَّلُ الطُّرقِ الَّتِي جَاءُوْا بِهَا وكَذَا رُؤُسُهُمُ الطَّغَاةُ فإنَّهُمْ مَا حَكَّمُوْا ِفّيهُمْ شَرَائِعَ دِيْنِهِمْ بَلْ حَكَّمُوْا فِي النَّاسِ آراءً لَهُمْ وَيْحَ الشَّرِيعَةِ مِنْ مَشَايِخِ جُبَّةٍ غَزَوُوا الوَرَى بالزِّيّ وَالسَّمْتِ الذِي وَرُؤُسُ سُوْءٍ لا اهْتِمَامَ بِهِمْ بِدِيْـ وَلَربَّمَا أَبْدَوُا عِنَايَتَهُمْ بِهِ تَعْسًا لِمَنْ أَضْحَى يُتَابِعُ قَوْلَ مَنْ تَرَكُوْا هِدَايَة دِيْنِهِمْ وُعُقوْلِهِمْ تَرَكُوْا هِدَايَةَ رَبِّهِمْ فإِذَا بِهِمْ وَتَفَرَّقُوْا شِيَعًا بِهَا عَنْ نَهْجِهِ كُلٌ يَرَى رَأْيًا وَيَنْصُرُ قَوْلَهُ وَلَوَ أَنَّهُمْ عِنْدَ التَّنَازُعِ وُفِّقُوا وَلأَصْبَحُوْا بَعْدَ الخِصَامِ أَحِبَّةً لَكِنَّهُمْ إذْ آثَرُوْا وَادِي تَخَيَّـ فالْمُقْتَدِيْ بالْوَحْي في أَعْمَالِهِ لِعُدُوْلِهِ عَنْ أَخْذِهِ بِمَذَاهِبِ جَعَلُوا مَذَاهِبَهُمْ مُسَيْطِرَةً عَلَى ذَادُوْا ذَويْ الأَلْبَابِ عَنْ فِقْهِ الكِتَا وَغَدَتْ شَرِيْعَتُنَا بِمُوْجَبِ قَوْلِهِم حَجَبُوْا مَحَاسِنَهَا بِتَأْوِيْلاتِهم وَلَوَ أَنَّهل بَرَزَتْ مُجَرَّدَةً لَهَا لَكِنَّهُمْ قَامُوْا حَوَائِلَ دُوْنَهَا ما عِنْدَهُمْ عِنْدَ التَّنَاظُرِ حُجَّةٌ لا يَفْزَعُوْنَ إِلى الدَّلِيْلِ وإِنَّمَا لا عُجْبٌ إِذْ ضَلُّوا هِدَايَةَ دِيْنِهِمْ هَا قَدْ غَلَوْا في الأَوْليَا وقُبُوْرهمْ وَبَنَوْا عَلَى تِلْكَ القبُُوْرِ مَسَاجِدًا وكَذَا عَلَيْهَا أَسْرَجُوْا واللَّعْنُ جَا وكَذاكَ قَدْ صَنَعُوْا لَهَا الأَقْفَاصَ تُوْ يَكْسُوْنَهَا بِمَطَارِفٍ مَنْقُوْشَةٍ بَلْ عِنْدَ رَأْسِ الْقَبْرِ تَلْقَى نَصْبَهُ ولَسْوفَ إِْن طَالَ الزَّمَانُ بِهِمْ تَرَى ودَعَوْهُمُوْا شُفَعَاءَهُمْ أَيْضًا كَمَا وتَقَرَّبُوْا لَهُمُوْا بتَسِييْبِ السَّوَا وتَمَسَّحُوْا بقُبُورِهِمْ وَسُتُوْرِهِمْ وإِذَا رَأَيْتَهُمُوْ هُنَاكَ تَرَاهُمُوْا مَا عِنْدَهُمْ هَذَا الخُشُوعُ إِذَا هُمُوْا واسْتَنْجَدُوْا بِهِمُوْا لِمَا قَدْ نَابَهُمْ وَدعَوْهُمُوْا بَرًا وَبَحْرًا لا كَمَنْ فَهُمُوْا ِبَهذَا الوَجْه قَدْ زَادُوْا عَلَى تَرَكُوْا دُعَاءَ الحَيِّ جَلَّ جَلالُهُ وإِليْهِمُوْا جَعَلُوا التَّصَرُّفَ في الوَرَى فَكَأَنَّهُم أَرْجَي لَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ وكَأنَّهُم وُكَلاؤُهُ في خَلْقِهِ وكَأَنَّهُمْ حُجَّابُ رَحْمَةِ رَبِّهِمْ يَا قَوْمُ لا َغْوٌث يَكُونُ مُغِيْثُكُمْ يَا قَوْمُ فادُعُوْ الله لا تَدْعُوْا الوَرَى مَا بالُكُمْ لَمْ تُخْلِصُوْا تَوْحِيْدَكُمْ هَا أَنْتُمُوْا أَشْبَهْتُمُوْا مَنْ قَبْلَكُمُ إِنْ كَانَ هَذَا الفِعْلُ لا يُسْمُوْنَهُ مَعْنَى العِبَادَةِ ثَابِتٌ مُتَحَقَّقٌ إِنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ بَلْ مُخُّهَا فإِذَا زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ شُفَعآؤُكُمْ فالجاهِلِيَّةُ كَانَ هَذَا زَعْمُهُمْ مَا كَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ يَعْتَقِدُوْنَهُمْ واللهُ مَا شَرَعَ التَّوَسَّلَ لِلْوَرَى والفِعْل لَيْسَ بِطَاعَةٍ حَتَّى يَجِي والعَامِلُونَ عَلَى وِفَاقِ الأَمْرِ لا والعَامِلُونَ بمُقْتَضَى أَهْوَائِهِمِ هَلْ مَا فَعَلْتُمْ جَاءَكُمْ أَمْرٌ بِهِ أَوْ هَلْ أَتَى مِنْ قُدْوَةٍ فِي الدِّيْنِ مِنْ وَهُنَا لَكُمْ عِنْدِيْ نَصِيْحَةُ مُخْلِصٍ أَنْ تأْخُذُوْا بالاحْتِيَاطِ لأَمْرِكُمْ إِن كَانَ مَا تَأْتُونَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فالابْتِعَادُ عَنِ المَخُوْفِ مُقَدَّمٌ | لَهْفِيْ عَلَى القُرآنِ والإِيْمَانِ إِلا عَلَى الخِرِّيْتِ فِي ذَا الشَّانِ مَحْجُوْبَةً عَنْ سَالِكٍ حَيْرَانِ فِي قِلَّةٍ فِي هَذِهِ الأَزْمَانِ أَضْحَوْا وَهُمْ فِي الأَهْلِ والأَوْطَانِ أَنْوَارُهُمْ تَخْفَى عَلَى العُمْيَانِ فِي النُّصْحِ لَوْ كَانَتْ لَنَا أُذُنَانِ بالنُّصْحِ كُلَّ أَذىً وَكُلَّ هَوَاِنِ مَا بَيْنَنَا لَوْ تُبْصِرُ العَيْنَانِ قَنِعَتْ مِنْ الإِسْلامِ بالعُنْوَانِ والنَّكْرُ مَأْلُوفٌ بِلا نُكْرَانِ عَوْنًا لِكُلِّ مُضَلِّلٍ فَتَّانِ ذَا الْحَقِّ مِن ذِيْ دَعْوةِ البُطْلانِ ـهِمْ بإدِعَاءِ العِلْمِ والْعِرْفَانِ فَدْمٌ ثَقِيْلٌ وَاسِعُ الأَرْدَانِ آَرَاء إِمَّعَةٌ بِلا فُرْقَانِ لِلَّناسِ ذَا عِلْمٍ وَذَا إِتْقَانِ مُتَسَلِّطٍ بِوِلايَةِ السُّلْطَانِ أَهْلَ الهُدَى والعِلْمِ والإِيْمَانِ بِالعِلْمِ والتَّقْوَى عُلُّوُ الشَّانِ مِنْ كُلِّ ذِي لَسْن وَذِيْ عِرْفَانِ قَدْ أُدْرِجُوْا مِنْ قَبْلُ فِي الأَكْفَانِ خُطِبَتْ عَلَيْهَا إِلْفَةُ الإِخْوَانِ تَقْضِيْ عَلى سُنَنٍ سُنِنَّ حِسَانِ تَنْدَكُّ تَحْتَهُمُوْا إِلَى الأَرْكَانِ بَلْ نَقْلُ آرَاءٍ أَوْ اسْتِحْسَانِ مَوْتٌ لِسُنَّةِ خَاتَمِ الأَدْيَانِ وَهُدَى النَّبِيِ مَبُيِّنِ القُرْآنِ فِي العِلْمِ والتَّقْوَى وَفِي الإِتْقَانِ أَوْ سِيْرَةِ المَاضِيْنَ بالإِحْسَانِ بأَزِمَّةِ التَّقْلِيْدِ والأَرْسَانِ لِلذَّوْقِ أَوْ لِتَخَيُّلٍ شَيْطَانِي فِيْهَا مُخَالِفُ سُنَّةٍ وَقُرَانِ غَيْرِ الطَّرِيْقِ الأَقْوَمِ القُرْآنِي أَوْضَاعُ سُوْءٍ رَدَّهَا الوَحْيَانِ لَمْ يَرْفَعُوْا رَأْسًا بِذَا الفُرْقَانِ والعَدْلُ فِيْهَا قَائِمُ الأَرْكَانِ مِنْ وَحْي شَيْطَانٍ أَخِيْ طُغْيَانِ واللابِسِيْنَ لَنَا مُسُوْكَ الضَّانِ يُخْفِيْ مَخَازِيْ الجَهْلِ والعِصْيَانِ ـنٍ قَامَ أَوْ قَدْ خَرَّ لِلأَذْقَانِ بِسِيَاسَةٍ تَخْفَى عَلَى الإِنْسَانِ بَخَسَ الهُدَى وَمَزِيَّةُ الأَذْهَانِ هَذَا وَرَبِّكَ غَايَةُ الخِذْلانِ هَذَا وَرَبِّكَ غَايَةُ الخُسْرَانِ مِنْ أَجْلِهَا صَارُوا إِلى شَنَآنِ وَلَهُ يُعَادِي سَائِرَ الإِخْوَانِ لَتَحَاكَمُوْا لِلِهِ دُوْنَ تَوَانِ غَيْظَ العِدَا ومَذَلَّةَ الشَّيْطَانِ يَبَ أَصْبَحُوْا أَعْدَاءَ هَذَا الشَّانِ يَلْقَى الأَذَى مِنْهُمْ وَكُلَّ هَوَانِ في الرَّأْيِ مَا قَامَتْ عَلَى بُرْهَانِ فَهْمِ الحَدِيْثِ وَمَنْزِلِ القُرْآنِ بِ وَفِقْهِ سُنَّةِ صَاحِبِ التِّبْيَانِ مَنسُوْخَةً في هَذِهِ الأَزْمَانِ فَغَدَتْ مِن الآَراِء في خُلْقَانِ مَ الأَذْكِيَاءُ بِحُسْنِهَا الفَتَّانِ كَاْلأَوْصِيَاءِ لِقَاصِرِ الصِّبْيَانِ أَنَّى بِهَا لِمُقَلِّدِ حَيْرانِ فِي العَجْزِ مَفْزَعُهُمْ إِلَى السُّلْطَانِ أَنْ يَرْجِعُوْا لِلْجَهْلِ والعِصْيَانِ أَضْحَتْ يُحَجُّ لَهَا مِن البُلْدَانِ وَالنَّصُّ جَاءَ لَهُمْ بِلَعْنِ البَانِي فِي الفِعْلِ ذَا أَيْضَا مَعَ البُنْيَانِ ضَعُ فَوقَهَا فِي غَايَةِ الإتْقَانِ قَدْ كَلَّفَتْهُمْ باهِظَ الأَثْمَانِ قَدْ عَمَّمُوْهَا عِمَّةَ الشَّيْخَانِ وَلَهَا يَدَانِ تَلِيْهِمَا الرِّجْلانِ قَدْ كَانَ يَزْعُمُ عَابِدُوْ الأَوْثَانِ ئِبِ والنُّذُوْرِ وَسَائِرِ القُرْبَانِ وَكَذَاكَ بالأَقْفَاصِ والجُدْرَانِ مُتَخَشِّعِيْنَ كَأَخْبَثِ العُبْدَانِ صَلَّوْا لِرَبِّهمُ العَظِيْمَ الشَّانِ نَاسِيْنَ فَاطِرَ هَذِهِ الأَكْوَانِ خَصُّوْا الدُعَاءَ بِرَبِّهِمْ فِي الثَّانِي مَنْ أَشْركُوْا في غَابِرِ الأَزْمَانِ لِدُعَاءِ أَمْوَاتٍ بِلا حُسْبَانِ فَهُمُوْا مُغِيْثَ السَائِلِ الحَيْرَانِ وعَلَيْهِمُوْا أَحْنَى مِنَ الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ عَنْ إِفْكِ ذِيْ بُهْتَانِ هُمْ قَاسَمُوْهَا بَيْنَهُمْ بِوِزَانِ إِنَّ المُغِيْثَ اللهُ لِلإِنْسَانِ أَنْتُمْ وَهُمْ باْلَفقْرِ مَوْسُوْمَانِ تَوحَيدُكُمْ والشِّرْكُ مُقْتَرنَانِ فِي شِرْكِهِمْ بِعِبَادَةِ الدَّيَّانِ بِعِبَادَةٍ فَهِيَ اسْمُهُ القُرْآنِي فِي فِعْلِكُمْ شَرْعًا وَعُرْفُ لِسَانِ قَدْ قَالَ ذَا مَنْ جَاءَ بالفُرْقَانِ تَتَوَسَّلُونَ بِهِمْ إِلَى الرَّحْمنِ أَيضًا وقد نُسِبُوْا إِلَى الكُفْرَانِ خَلَقُوْهُمُوْا يَا جَاهِلَ القُرْآنِ إِلا بِطَاعَتِهِ مَعَ الإِيْمَانِ أَمْرٌ بِهِ شَرْعًا إِلى الإِنْسَانِ يَعْدُوْنَهُ بالزَّيْدِ والنُّقْصَانِ هُمْ مُؤْثِرُوْنَ لِطَاعَةِ الشَّيْطَانِ مِنْ رَبِّكُمْ عَنْ صَاحِبِ التِّبِيْانِ صَحْبِ النَّبِي وتَابِعِ الإحْسَانِ لا يَمْتَرِيْ فِيْمَا يَقُولُ اثْنَانِ قَبْلَ الخُلُوْدِ بمَوْقِدِ النِّيْرَانِ وَالشِّرْكُ مَخْشِيٌ لَدَى الإِتْيَانِ عَقْلاً عَلَى الأَقْدَامِ للإِنْسَانِ |
يا مَعْشَرَ العُلَمَاءِ لَبُّوا دَعْوةً يا مَعْشَرَ العُلَمَاءِ هُبُّواْ هَبَّةً يا مَعْشَرَ العُلَمَاءِ قُوْمُوْا قَوْمَةً يا مَعْشَرَ العُلَمَاءِ عَزْمَةَ صَادقٍ يا مَعْشَر العُلَمَاءِ أَنْتُمْ مُلْتَجَا يا مَعْشَرَ العُلَمَاءِ كونوا قدوة يا مَعْشَرَ العُلَمَاءِ أَنْتُمْ حُجَّةٌ يا مَعْشَرَ العُلَمَاءِ إِنَّ سُكُوْتَكُمْ يا مَعْشَرَ العُلَمَاءِ لا تَتَخَاذَلُوْا وَتَجَرَّدُوْا لله مِنْ أَهْوَائِكُمْ وتَعاقَدُوْا وتَعَاهَدُوْا إِنْ تَنْصُرُوْا كُوْنُوا بِحَيْثُ يَكُونُ نَصْبَ عُيُوْنِكُمْ قَدْ فَرَّقَتْنَا كَثْرَةُ الآرَاءِ إِذْ وَمِن أَجْلِهَا صِرْنَا يُعَادِيْ بَعْضُنَا وغَدَتْ أُخُوَّةُ دِيْنِنَا مَقْطُوْعةً واللهُ أَلَّفَ بَيْنَنَا فِي دِيْنِهِ عُوْدُوْا بِنَا لِسَمَاحَةِ الدِّيْنِ الذِيْ عُوْدُوْا لِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِن الهُدَى فإِلْيكُمُوا تَتَطَلَّعُ الأَنْظَارُ فِي فاللهُ يَنْصُرُ مَنْ يَقُوْمُ بِنَصْرِهِ | تُعْلِي مَقَامَكُوْا عَلَى كِيْوَانِ قَدْ طَالَ نَوْمَكُو إِلى ذَا اْلآنِ للهِ تَعْلِيْ كِلْمَةَ الإِيْمَانِ مُتَجَرِّدٍ لِلهِ غَيْرَ جَبَانِ لِلدِّيْنَ عِنْدَ تَفَاقُمِ الحَدَثَانِ لِلنَّاسِ فِي الإسلام والإِحسان لِلنَّاسِ فادْعُوْهُمْ إِلى القُرْآنِ مِن حُجَّةِ الجُهَّالِ كُلَّ زَمَانِ وتَعَاوَنُوا ِفي الحَقِّ لا العُدْوَانِ ودَعُوْا التَّنَافُسَ فِي الحُطَامِ الفَانِي مُتَعَاضِدِيْنَ شَرِيعَةَ الرَّحْمنِ نَصْرُ الكتابِ وسُنَّةُ الإِيْمَانِ صِرْنَا نُشَايِعُهَا بِلا بُرْهَانِ بَعْضًا بِلا حَقٍّ ولا مِيْزَانِ والظُلْمُ مَعْرُوْفٌ عن الإِنْسَانِ وَعَلَى التَّفَرُّقِ عَابَ فِي القُرْآنِ كُنَّا بِهِ فِي عِزَّةٍ وَصِيَانِ أَسْلافَكُمْ فِي سَالِفِ الأَزْمَانِ تَوْحِيْدِ كَلْمَتِنَا عَلَى الإِيْمَانِ واللهُ يَخْذُلُ نَاصِرَ الشيطان |
(فصل)
وقال الإمام ابن حزم: وبرهان ضروري لمن تدبره حسي لا محيد عنه وهو أن النبي ﷺ أتى إلى قوم لقاح لا يطيعون لأحد ولا ينقادون لرئيس نشأ على هذا آباؤهم وأجدادهم وأسلافهم منذ ألوف من الأعوام قد سرى الفخر والعز والنخوة والكبر والظلم والأنفة في طباعهم وهم أعداد عظيمة ملأوا جزيرة العرب وهي نحو شهرين في شهرين قد صارت طباعهم طباع السباع وهم ألوف الألوف قبائل وعشائر يتعصب بعضهم لبعض أبدًا فدعاهم بلا مال ولا أتباع – بل خذله قومه – إلى أن ينحطوا من ذلك العز إلى غرم الزكاة.
ومن الحرية والظلم إلى جري الأحكام عليهم ومن طول الأيدي بقتل من أحبوا وأخذ مال من أحبوا إلى القصاص من النفس ومن قطع الأعضاء من اللطمة من أجل من فيهم لأقل علج غريب دخل فيهم وإلى إسقاط الأنفة والفخر إلى ضرب الظهور بالسياط وبالنعال إن شربوا خمرًا أو قذفوا إنسانًا.
وإلى الضرب بالسوط والرجم بالحجارة إلى أن يموتوا إن زنوا فانقاد أكثرهم لكل ذلك طوعًا بلا طمع ولا غلبة ولا خوف ما منهم أحد أخذ بغلبة إلا مكة وخيبر فقط وما غزا قط غزوة يقاتل فيها إلا تسع غزوات بعضها عليه وبعضها له، فصح ضرورة أنهم إنما آمنوا طوعًا لا كرهًا.
وتبدلت طبائعهم بقدرة الله تعالى من الظلم إلى العدل ومن الجهل إلى العلم ومن الفسق والقسوة إلى العدل العظيم الذي لم يبلغه أكابر الفلاسفة وأسقطوا كلهم أولهم عن آخرهم طلب الثأر وصحب الرجل منهم قاتل ابنه وأبيه وأعدى الناس له صحبة الأخوة المتحابين دون خوف يجمعهم ولا رياسة ينفردون بها دون من أسلم من غيرهم ولا مال يتعجلونه فقد علم الناس كيف كانت سيرة أبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ وكيف كانت طاعة العرب لهما بلا رزق ولا عطاء ولا غلبة.
فهل هذا إلا بغلبة من الله تعالى على نفوسهم كما قال تعالى ]لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ[ ثم بقي عليه الصلاة والسلام كذلك بين أظهرهم بلا حارس ولا ديوان جند ولا بيت مال محروسًا معصومًا.
وقال ابن حزم رحمه الله أيضًا قبل ذلك: كانت العرب بلا خلاف قوما لقاحًا لا يملكهم أحد كمضر وربيعة وإياد وقضاعة أو ملوكًا في بلادهم يتوارثون الملك كابرًا عن كابر كملوك اليمن وعمان وشهر ابن بارام ملك صنعا والمنذر بن ساوى ملك البحرين والنجاشي ملك الحبشة وجيفر وعياذ ابني الجلندي وملكي عمان فانقادوا كلهم لظهور الحق وبهوره وآمنوا به ﷺ طوعًا وهم آلاف آلاف وصاروا إخوة كبني أب وأم وانحل كل من أمكنه الانحلال عن ملكه منهم إلى رسله طوعًا بلا خوف غزو ولا إعطاء مال ولا طمع في عز بل كلهم أقوى جيشًا من جيشه وأكثر مالاً وسلاحًا منه وأوسع بلدًا من بلده كذي الكلاع وكان ملكًا متوجًا ابن ملوك متوجين تسجد له جميع رعيته يركب أمامه ألف عبد من عبيده سوى بني عمه من حمير وذي ظليم وذي زود وذي مران وذي عمرو وغيرهم كلهم ملوك متوجون في بلادهم.
هذا كله أمر لا يجهله أحد من حملة الأخبار بل هو منقول كنقل كون بلادهم في مواضعها وهكذا كان إسلام جميع العرب أولاهم كالأوس والخزرج ثم سائرهم قبيلة قبيلة لما ثبت عندهم من آياته وبهرهم من معجزاته وما اتبعه الأوس والخزرج إلا وهو فريد نابذه قومه حسدًا له.
إذ كان فقيرًا يتيمًا أميًا لا يقرأ ولا يكتب نشأ في بلاد الجهل والجاهلية يرعى غنم قومه يتقوت بها فعلمه الله تعالى الحكمة دون معلم وعصمه من كل من أراده بلا حرس وبلا حاجب ولا بواب ولا قصر يمتنع فيه على كثرة من أراد قتله من شجعان العرب وفتاكهم كعامر بن الطفيل وأربد بن جزء وغورث بن الحارث وغيرهم مع إقرار أعدائه بنبوته كمسيلمة وسجاح وطليحة والأسود وهو مكذب لهم فهل بعد هذا برهان أو بعد هذه كفاية من الله تعالى كفاية وهو لا يبغي ذنبا ولا يمني بها من اتبعه بل أنذر الأنصار بالأثرة عليهم بعده وتابعوه على الصبر على ذلك.
قام له أصحابه على قدم فمنعهم وأنكر ذلك عليهم وأعلمهم أن القيام لله تعالى لا لخلقه ورضوا بالسجود له فاستعظم ذلك وأنكره إلا لله وحده.
ولا شك في أن هذه ليست صفة طالب دنيا قط أصلاً ولا صفة راغب في غلبة ولا بعد صوت بل هذه حقيقة النبوة الخالصة لمن كان له أدنى فهم.
ثم قال الإمام ابن حزم وأيضًا فإن سيرة محمد ﷺ لمن تدبرها تقتضي تصديقه ضرورة وتشهد له بأنه رسول الله ﷺ حقًا فلو لم تكن له معجزة غير سيرته ﷺ لكفى وذلك أنه عليه الصلاة والسلام نشأ كما قلنا في بلاد الجهل لا يقرأ ولا يكتب ولا خرج عن تلك البلاد قط إلا خرجتين.
إحداهما إلى الشام وهو صبي مع عمه إلى أول أرض الشام ورجع والأخرى أيضًا إلى أول الشام ولم يطل بها البقاء ولا فارق قومه قط ثم أوطأه الله تعالى رقاب العرب كلها فلم تتغير نفسه ولا حالت سيرته إلى أن مات ودرعه مرهونه في شعير لقوت أهله. أصواع ليست بالكثيرة ولم يبت قط في ملكه دينار ولا درهم وكان يأكل على الأرض ما وجد ويخصف نعله بيده ويرقع ثوبه ويؤثر على نفسه وقتل رجل من أفاضل أصحابه مثل فقده يهد عسكرًا قتل بين أظهر أعدائه من اليهود فلم يتسبب إلى أذى أعدائه بذلك إذ لم يوجب الله تعالى له ذلك ولا توصل بذلك إلى دمائهم ولا إلى دم واحد منهم ولا إلى أموالهم بل فداه من عند نفسه بمائة ناقة.
وهو في تلك الحال محتاج إلى بعير واحد يتقوى به وهذا أمر لا تسمح به نفس ملك من ملوك الأرض وأهل الدنيا من أصحاب بيوت الأموال بوجه من الوجوه ولا يقتضي هذا أيضًا ظاهر السيرة والسياسة فصح يقينًا بلا شك أنه إنما كان متبعًا ما أمر به ربه عز وجل سواء كان ذلك مضرًا به في دنياه غاية الإضرار أو كان غير مضر به وهذا عجيب لمن تدبره.
ثم حضرته ﷺ المنية وأيقن بالموت وله عم أخو أبيه هو أحب الناس إليه وابن عم هو من أخص الناس به وهو أيضًا زوج ابنته وكلاهما عنده من الفضل والدين والسياسة في الدنيا والبأس والحلم وخلال الخير ما كان كل واحد منهما حقيقًا بسياسة العالم كله فلم يحابهما وهما من أشد الناس محبة فيه وهو من أحب الناس فيهما.
إذ كان غيرهما متقدمًا لهما في الفضل قاصدًا اتباع ما أمر به ﷺ.
ولم يورث ورثته ابنته ونساءه وعمه فلسًا فما فوقه وهم كلهم أحب الناس إليه وأطوعهم له، وهذه أمور لمن تأملها كافية مغنية في أنه إنما تصرف بأمر الله تعالى له لا بسياسة ولا بهوى فوضح بما ذكرنا ولله الحمد كثيرًا أن نبوة محمد ﷺ حق وأن شريعته التي أتى بها هي التي وضحت براهينها واضطرت دلائلها إلى نصديقها والقطع على أنها الحق الذي لا حق سواه وأن دين الله تعالى الذي لا دين له في العالم غيره انتهى كلامه.
وقال بعضهم يخاطب نفسه ويوبخها على تفريطها وإهمالها:
يا نَفْسِ هَذَا الَّذِيْ تَأْتِيْنَهُ عَجَبٌ وَصْفُ النِّفَاقِ كَمَا في النَّصِّ نَسْمَعُهُ حُبُّ المتَاعِ وحُبُّ الجَاهِ فانْتَبِهِيْ وتُصْبِحِيْنَ بِقَبْرٍ لا أَنِيْسَ بِهِ إِلا وخَلَّفُوكِ وَمَا أَسْلَفْتِ مِن عَمَلٍ واسْتَيْفِنِي أَنَّ بَعْدَ المَوْتِ مُجْتَمَعًا والخَلْقُ طُرًّا وَيَجْزِيْهِمْ بِمَا عَمِلُوْا واخْشَىْ رُجُوْعًا إِلى عَدْلٍ تَوَعَّدَ مَنْ وَقُوْدُهَا النَّاسُ والأَحْجَارُ حَامِيَةٌ والبُعْدِ عَن جَنَّةِ الخُلْدِ التِي حُشِيَتْ فِيْهَا الفَوَاكِهُ والأَنْهَارُ جَارِيَةٌ وهَذِهِ الدَّارُ دَارٌ لا بَقَاءَ لَهَا والأَهْلُ والْمَالُ والمَرْكُوبُ تَرْكَبُهُ لا بَارَكَ اللهُ في الدُنْيَا سِوَى عَوَضِ يُرِيْدُ صَاحِبُهُ وَجْهَ الإِلَهِ بِهِ لا يَقْبَلُ الله أَعْمَالاً يُرِيْدُ بِهَا تَمَّتْ وَصَلُّوا عَلَى المُخْتَارِ سَيِّدِنَا | عِلْمٌ وعَقْلٌ ولا نُسْكٌ ولا أَدَبُ عِلْمُ اللِّسَانِ وجَهْلُ القَلْبِ والسّبَبُ مِن قَبْلُ تُطوَى عَلَيْك الصُّحْفُ والكُتُبُ الأَهْلُ والصّحْبُ لَمَّا أَلْحَدُوْا ذَهَبُوْا الْمَالُ مُسْتَأْخِرٌ وَالكَسْبُ مُصْطَحَبُ لِلْعَالَمِيْنَ فَتَأْتِيْ العُجْمُ والعَرَبُ فِي يَوْمِ لا يَنْفَعُ الأَمْوَالُ والحَسَبُ لا يَتَّقِيْهِ بِنَارٍ حَشْوُهَا الغَضَبُ لا تَنْطَقِيْ أَبَدَ الآبَادِ تَلْتَهِبُ بالطَّيِبَاتِ ولا مَوْتٌ ولا نَصَبُ والنُوْرُ والحُوْرُ والوِلْدَانُ والقُبَبُ لا يَفْتِنَنَّكِ مِنْهَا الوَرْقُ والذَّهَبُ والثَّوبُ تَلْبَسُهُ فالكُلُ يَنْقَلِبُ مِنْهَا يُعَدُّ إِذَا مَا عُدَّتِ القُرَبُ دُوْنَ الرِّيَا إِنَّهُ التَّلْبِيْسُ والكَذِبُ عُمَّالُهَا غَيْرَ وَجْهِ اللهِ فاجْتَنِبُوْا والآل والصَّحْبِ قَوْمٌ حُبُّهُمْ يَجِبُ |
ومما أشير فيه إلى بعض المعجزات التي وردت في القرآن ما يلي:
هُوَ اللهُ مَنْ أَعْطَى هُدَاهُ وَصَحَّ من بِذَاكَ عَلَى الطَّوفَانِ نُوْحٌ وقَدْ نَجَا وغَاضَ لَهُ مَا فَاضَ عَنْهُ اسْتِجَابَةً وسَارُواْ مَتْنُ الرِّيْحِ تَحْتَ بِسَاطِهِ وقَبْلَ ارْتِدَادِ الطَّرْفِ أُحْضِرَ مِنْ سَبَا وأَخْمَدْ لإِبْرَاهِيْمَ نَارَ عَدُوِّهِ ولَمَّا دَعَا الأَطْيَارَ فِي رَأْسِ شَاهِقٍ وفِي يَدِهِ مُوْسَى عَصَاهُ تَلَقَّفَتْ ومِنْ حَجَرٍ أَجْرَى عُيُونًا بِضَرْبَة ويُوْسُفُ إِذ أَلْقَى البَشِيْرُ قَمِيْصَهُ رَآهُ بعينٍ قَبْلَ مَقْدَمِهِ بَكَى وفِي آلِ إِسْرَائِيلَ مَائِدَةُ السَّمَا ومِنْ أَلمٍ أَبْرَى ومِنْ وَضَحٍ غَدَا وصَحَّ بأَخْبَارِ التَّواتُرِ أَنَّهُ وأَبْعَدُ مِنْ هَذَا عَنْ السِّحْرِ أَنَّهُ يُنَزِّهُ عَنْ رَيْبِ الظُّنُونِ عَفِيْفَةً وقال لأَهْلِ السَّبْتِ كُونُوا إِلَهُنَا وصَرَّعَ أَهْلَ الفِيْلِ مِنْ دُوْنِ بَيْتِهِ وأَحْرَقَ رَوْضَ الجَنَّتَيْنَ عُقُوبَةً | هَوَاهُ أَراهُ الخارقات بحكمةِ بِهِ مَن نَجَا في قَوْمِهِ فِي السَّفِيْنَةِ وَجَدَّا إِلى الجُوْدِيْ بِهَا واسْتَقَرَّتِ سُلَيْمَانُ بالجَيْشَيْنِ فَوْقَ البَسِيْطَةِ لَهُ عَرْشُ بِلْقِيْسٍ بِغَيْرِ مَشَقَّةِ وفِي لُطْفِهِ عَادَتْ لَهُ رَوْضَ جَنَّةِ وقَدْ قُطِّعَتْ جَاءَتْهُ غَيْرَ عَصِيَّةِ مِنَ السِّحْرِ أَهْوَالاً عَلَى النَّفْسِ شَقَّةِ بِهَا دَائِمًا سَقّت ولِلْبَحْرِ شَقَّتِ عَلَى وَجْهِ يَعْقُوبٍ عَلَيْهِ بِأَوْبَةِ عَلَيْهِ بِهَا شَوْقًا إِليه فَكَفَّتِ لِعِيْسيَ بنِ مَرْيَمَ أُنْزِلَتْ ثُمَّ مُدَّتِ شَفَى وَأَعَادَ الطَّيْرَ طَيْرًا بِنَفْخَةِ أَمَاتَ وأَحْيَا بالدُّعَا رُبَّ مَيِّتِ رَضِيْعٌ يُنَادِي بالِلِّسَانِ الفَصِيْحَةِ مُبَرَّأَةً مِن كُلِّ سُوْءٍ وَرِيْبَةِ قُرُوْدًا فَكَانُوا عِبْرَةً أَيَّ عِبْرَةِ بِطَيْرٍ أَبَابِيْلٍ صِغَارٍ ضَعِيْفَةِ بِكَافٍ ونُونٍ عِبْرَةً لِلْبَرِيَّةِ |
وقال يوسف بن محمد الصرصري رحمه الله:
مُحَمَّدُ الْمَبْعُوْثُ لِلْخَلْقِ رَحْمَةً لَئِنْ سَبَّحَتْ صُمُّ الجِبَال مُجِيْبَةً فإِنَّ الصُّخُورَ الصُمَّ لانَتْ بكَفِّهِ وإِنْ كَانَ مُوسَى أَنْبعَ الْمَا مِن الحَصَى وإِنْ كانَتِ الرِّيحُ الرُّخَاءُ مٌطِيْعَةً فإِنَّ الصَّبَا كَانَتْ لِنَصْرِ نَبِيِّنَا وإِنْ أُوْتِيَ المُلْكَ العَظِيْمَ وسُخِّرَتْ فإِنَّ مَفَاتِيْحَ الكُنوزِ بِأَسْرِهَا وإِنْ كَانَ إِبراهيمُ أُعْطِيَ خُلَّةً فَهَذَا حَبِيْبٌ بَلْ خَليْلٌ مُكَلِّمٌ وخُصِّصَ بالحَوْضِ العَظِيْمِ وباللِّوَا وبالمَقْعَدِ الأَعْلَى المُقَرَّبِ عِنْدَهُ وبالرُتْبَةِ العُلْيَا الوَسِيْلَةِ دُوْنَهَا وفي جَنَّةِ الفِرْدَوْسِ أَوَّلُ دَاخِلٍ | يُشَيِّدُ مَا أَوْهَى الضَّلالُ وَيُصْلِحُ لِدَاوُدَ أَوْ لانَ الْحَدِيْدُ المُصَفَّحُ وإِنَّ الحَصَى فِي كَفِّهِ لَيُسَبِّحُ فَمِنْ كَفِّهِ قَدْ أَصْبَحَ الْمَاءُ يَطْفَحُ سُلَيْمَانَ لا تَأْلُوْ تَرُوْحُ وتَسْرَحُ برُعْبٍ عَلَى شَهْرٍ بِهِ الخَصْمُ يَكْلَحُ لَهُ الجِنُّ تَشْفِي مَا رِضِيْهِ وتَلْدَحُ أَتَتْهُ فَرَدَّ الزَّاهِدُ المُتَرَجِّحُ ومُوْسَى بِتَكْلِيْمٍ عَلَى الطُورِ يُمْنَحُ وخُصِّصَ بالرُؤْيَا وبالحَقِ أَشْرَحُ وَيَشْفَعُ لِلْعَاصِيْنَ والنَّارُ تَلْفَحُ عَطَاءٌ بِبُشْرَاهُ أُقِرُّ وأَفْرَحُ مَرَاتِبُ أَرْبَابِ المَوَاهِبُ تَلْمَحُ لَهُ سَائِرُ الأَبْوَابِ بالخَيْرِ تُفْتَحُ |
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين، اللهم قو إيماننا بفهم آياتك، وارزقنا العمل بها، وزدنا علمًا ينفعنا، وأصلح نياتنا، ووفقنا لذكرك وشكرك، وارزقنا حبك، وحب من يحبك، وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد فقد رأيت أنه من المناسب أن أختم هذا الكتاب المحتوي على كثير من الأحكام والآداب بمنظومة الآداب لابن عبد القوي لاشتمالها على كثير من الآداب الشرعية وأسأل الله الحي القيوم العلي العظيم القوي العزيز الحكيم ذا الجلال والإكرام الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد أن ينفع بها نفعًا عامًا من قرأها ومن سمعها ومن حضرها وأن يفتح لنا ولإخواننا المسلمين باب القبول والإجابة اللهم صلي على محمدٍ وآله وسلم آمين يا رب العالمين.
من منظومة الآداب لابن عبد القوي رحمه الله:
بِحَمْدِكَ ذِي الإكْرَامِ مَا رُمْتُ أَبْتَدِي وَصَلِّ عَلَى خَيْرِ الأَنَامِ وآلِهِ وبَعْدُ فإِنِّي سَوْفَ أَنْظِمُ جُمْلَةً مِنْ السُّنَّةِ الغَراءِ أَوْ مِنْ كِتَابِ مَنْ ومِن قَوْلِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ عُلَمَائِنَا لَعَلَّ إِلَهَ العَرْشِ يَنْفَعُنَا بِهِ أَلا مَنْ لَهُ فِي العِلْمِ والدِّيْنِ رَغْبَةٌ ويَقْبَلَ نُصْحًا مِن شَفِيْقٍ عَلَى الوَرَي فَعِنْدِيَ مِنْ عِلْمِ الحَدِيْثِ أَمَانَةٌ أَلا كُلُّ مَنْ رَامَ السَّلامَةَ فليَصُنْ يَكُبُ الفَتَى فِي النَّارِ حَصْدُ لِسَانِهِ وطَرْفٌ الفَتَى يَا صَاحِ رائدُ فَرْجِهِ ويَحْرُمُ بُهْتٌ واغْتِيَابُ نَمِيْمَةٌ وفُحْشٌ ومَكْرٌ والبِذَا وَخَدِيْعَةٌ بِغَيْرِ خِدَاعِ الكَافِرِيْنَ بِحَرْبِهِمِ ويَحْرُمُ مِزْمَارٌ وشَبَّابَةٌ ومَا ولَوْلمَ ْيُقَارِنْهَا غِنَاءٌ جَمِيْعُهَا ولا بأْسَ بالشِّعْرِ المُبَاحِ وحِفْظِهِ فقد سَمِعَ المُخْتَارُ شِعْرَ صَحَابَةٍ وحَظْرَ الهِجَا والمَدْح بِالزورِ والخَنَا وَوَصْفِ الزِّنَا والخَمْرِ والمُرْدِ والنِسَا الْـ وَأَوْجِبْ عَنْ المُحْضُورِ كَفَّ جَوَارِحٍ وأَمْرُكَ بالمَعْروفِ والنَّهْي يا فَتَى عَلَى عَالِمٍ بالحَظْرِ والفِعْلِ لَمْ يَقُمْ ولو كَانَ ذَا فِسْقٍ وَجَهْلٍ وفِي سِوَى الْـ وبالعُلَمَا يَخْتَصُّ مَا اخْتَصَّ عِلمُهُ وأَضْعَفُه بالقَلْبِ ثُم لِسَانِهِ وأَنْكِرْ عَلَى الصِبْيَانِ كُلَّ مَحَرَّمٍ وبالأَسْهَلِ ابْدَأْ ثُمَّ زِدْ قَدْرَ حَاجَة إِذَا لَمْ يَحَفْ فِي ذَلِكَ الأَمْرَ حَيْفَةٌ ولا غُرْمَ فِي دَفِّ الصَّنُوْجِ كَسَرْتَهُ وآلةِ تَنْجِيْمٍ وسِحْرٍ ونَحْوِهِ "وقُلْتُ كَذَاكَ السِّيْنَمَاءُ ومِثْلُهُ "وأَوْرَاقُ أَلْعَابٍ بِهَا ضَاعَ عُمْرُهُم "كَذَا بَكَمَاتٌ والصَّلِيْبُ ومِزْمَرٌ "كَذَلِكَ دُخَّانٌ وشِيْشَةُ شُرْبِهِ "ومِن بَعْدِ ذَا فاسْمَعْ كَلامًا لِنَاظِمٍ وبَيْض وجَوْزِ لِلْقِمَارِ بِقَدْرِ مَا ولا شَقِّ زِقِّ الخَمْرِ أَوْ كَسْرِ دِنِّهِ وَإِنْ يَتَأَتَى دُوْنَهُ دَفْعُ مُنْكَرٍ وهِجْرانُ مَن أَبْدَى المَعَاصِيَ سُنَّةٌ وقِيْلَ عَلَى الإِطْلاقِ مَا دَامَ مُعْلِنًا ويَحْرُمُ تَجْسِيْسٌ عَلَى مُتَسَتِّرٍ وهِجْرَانُ مَنْ يَدْعُو لأَمْرٍ مَضَلٍّ أَوْ عَلَى غَيْرِ مَن يَقْوَى عَلَى دَحْضِ قَوْلِهِ ويَقْضِي أُمُورَ الناسِ فِي إِتَيَانِه وَحَظْرُ انْتِفَا التَّسْلِيْمِ فَوقَ ثَلاثَةٍ وكُن عَالِمًا إِنَّ السلامَ لَسُنَّةٌ ويُجْزِيءُ تَسْلِيْمُ امْرِئٍ مِنْ جَمَاعَةٍ وتَسْلِيْمُ نَزْرٍ والصَّغِيْرِ وعَابِرِ السَّـ وإِنْ سَلَّمَ المأْمُوْرُ بالرَّدِ مِنْهُمُ وسَلِّمْ إِذَا مَا قُمْتَ عَنْ حَضْرَةِ امْرِئٍ وإفْشَاؤُكَ التَّسْلِيْمَ يُوْجِبْ مَحَبَّةً وتَعْرِيْفُهُ لَفْظُ السلامِ مُجَوَّزٌ وقَد قِيْلَ نَكِّرْهُ وقِيْلَ تَحِيَّةً وسُنَّةٌ اسْتِئْذَانُه لِدُخُوْلِهِ ثَلاثًا ومَكْرُوْهٌ دُخُولٌ لِهَاجِمٍ وَوَقْفَتُهُ تِلْقَاءَ بَابٍ وكُوَّةٍ وَتَحْرِيْكُ نَعْلَيْهِ وإظْهَارُ حِسِّهِ وَكُلُ قيَِامٍ لا لِوَالٍ وعَالِمٍ وصَافِحْ لَمِنْ تَلْقَاهُ مِن كُلِّ مُسْلِمٍ ولَيْسَ لِغَيْرِ اللهِ حَلَّ سُجُوْدُنَا ويُكْرَهُ مِنْكَ الانْحِنَاءُ مُسَلِّمًا وحَلَّ عِنَاقٌ لِلْمُلاقِي تَدَيُنًا ونَزْعُ يَدٍ مِمَّنْ يُصَافِحُ عَاجِلاً وأَنْ يَجْلِسَ الإِنْسَانُ عِنْدَ مُحَدِّثٍ ومَرْأَى عَجُوزٍ لَمْ تُرْدِ وَصِفَاحُهَا وتَشْمِيْتُهَا واكْرَهْ كِلا الخِصْلَتَيْنِ ويَحْرُمُ رَأَيُ المُرْدِ مَعْ شَهْوَةٍ فَقَطْ وَكُنْ واصِلَ الأَرْحَامِ حَتَّى لِكَاشِحٍ وَيَحْسُنُ تَحْسِيْنٌ لِخُلْقٍ وَصُحْبِةٍ وَلَوْ كَانَ ذَا كُفْرٍ وَأَوْجَبَ طَوْعَهُ كَتَطْلابِ عِلْمٍ لا يَضُرُّهُمَا بِهِ وأَحْسِنْ إِلى أَصْحَابِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ويُكْرَهُ فِي الحَمَّامِ كُلُّ قِرَاءَةٍ وغَيِّرْ بِغَيْرِ الأَسْوَدِ الشَّيْبَ وأََبْقِهِ ويُشْرَعُ إيِكَاءُ السِقَا وغِطَا الإِنَا وتَقْلِيْمُ أَظْفَارٍ ونَتْفٌ لإِبْطِهِ ويَحْسُنُ خَفْضُ الصَّوتِ مِنْ عَاطِسٍ ويَحْمَدُ جَهْرًا ولْيُشَمِتْهُ سَامِعٌ وقُلْ لِلْفَتَى عُوْفِيْتَ بَعْدَ ثَلاثَةٍ وغَطِّ فَمًا واكْظُمْ تُصِبْ فِي تَثَاؤُبٍ ولا بَأْسَ شَرْعًا أَنْ يَطِبَّكَ مُسْلِمٌ وتَرْكُ الدَّوا أَوْلَى وفِعْلُكَ جَائِزٌ ورَجِّحْ عَلَى الخَوْفِ الرَّجَا عِنْدَ يَأْسِهِ ويُشْرَعُ لِلْمَرْضَى العِيَادَةُ فأْتِهِمْ فَسَبْعُونَ أَلفًا مِن مَلائِكَةِ الرِّضَا وإِنْ عَادَهُ فِي أَوَّلِ اليَوْمِ وَاصَلَتْ فَمِنْهُمْ مُغِبًّا عُدْهُ خَفِّفْ ومِنهُمْ الْـ وفَكِّرْ وَرَاعِ فِي العِيَادَةِ حَالَ مَن ومَكْرُوْهٌ اسْتِأْمَانُنَا أَهْلَ ذِمَّةٍ ومَكْرُوْهٌ اسْتِطْبَابُهُم لا ضَرُوْرَةً وإِنْ مَرِضَتْ أُنْثَى ولَمْ يَجْدُوْا لَهَا ويُكْرَهَ حَقْنُ المَرْءِ إِلا ضَرُوُرَةً كَقَابِلةٍ حِلٌّ لَهَا نَظَرٌ إِلَى ويُكْرَهُ إِنْ لَمْ يَسْرِ قَطْعُ بَوَاسِرِ لآكلِةَ ٍتسَرْي بِعُضْوٍ أَبِنْهُ إِنْ وقَبْلَ الأَذَى لا بَعْدَهُ الَكَّي فاكْرَهَنْ وفِيْمَا عَدَا الأَغْنَامِ قَدْ كَرِهُوْا الخِصَا وقَطْعُ قُرُوْنٍ والآذَنِ وشَقَّهَا ويَحْسُنُ فِي الإِحْرَامِ والحِلِّ قَتْلُ مَا وغِرْبَانِ غَيْرِ الزَّرْعِ أَيْضًا وشِبْهُهَا كَبقٍّ وبُرْغُوثٍ وفَأْرٍ وَعَقْرَبٍ ويُكْرَهُ قَتْلُ النَّمْلِ إِلا مَعَ الأَذَى ولَوْ قِيْلَ بالتَّحْرِيْمِ ثُمَّ أُجِيْزَ مَعْ وقَدْ جَوَّزَ الأَصْحَابُ تَشْمِيْسَ قَزِّهِمْ ويُكْرَهْ لِنَهْي الشَّرْعِ عَنْ قَتْلِ ضِفْدِعٍ ويُكْرَه قَتْلُ الهِرِّ إِلا مَعَ الأَذى وقَتْلُكَ حَيَّاتِ البُيَوتِ ولَمْ تَقُلْ وذَا الطُّفْيَتَيْنِ أَقْتُلْ وابْتَرَ حَيَّةٍ وما فِيِهِ إِضْرَارٌ ونَفْعٌ كَبَاشَقٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُلْكًا فَأَنْتَ مُخَيَّرٌ ويُكْرَهُ نَفْخُ فِي الغَدَا وتَنَفُسٌ فإِنْ كَانَ أَنْوَاعًا فلا بَأْسَ فالذِي وأَخْذٌ وإِعْطَاءُ وأَكْلٌ وشُرْبُهُ وأَكْلُكَ بالثَّنْتَيْنِ والأَصْبُعَ اكْرَهَنْ ويُكْرَهُ باليُمْنَى مُبَاشَرَةُ الأَذَى كذا خَلْعُ نَعْلَيْهِ بِهَا واتِّكَاؤُهُ ويُكْرَهُ فِي التَّمْرِ القِرَانُ وَنَحْوُهُ وكُنْ جَالِسًا فَوْقَ اليَسَارِ ونَاصِبَ ويُكْرَهُ سَبْقُ القَوْمِ لِلأكْلِ نَهْمَةً وَلا بَأْسَ عِنْدَ الأَكْلِ مِن شِبَعِ الفَتَى ويَحْسُنُ تَصْغِيْرُ الفَتَى لُقْمَةَ الغَدَا ويَحْسُنُ قَبْلَ المَسْحِ لَعْقُ أَصَابِعٍ وتَخْلِيْلُ مَا بَيْنَ المَواضِعِ بَعْدَهُ وغَسْلُ يَدٍ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ وكُلْ طَيِّبًا أَوْ ضِدَّهُ والبَس الذِي وما عِفْتَهُ فاتْرُكْهُ غَيْرَ مَعُنِّفٍ ولا تَشْرَبَنْ مِن فِي السِّقَاءِ وثُلْمَةِ الْـ ونَحِّ الانا عَن فِيْكَ واشْرَبْ ثَلاثَةً ولا تَكْرَهَنَّ الشُرْبَ مِن قَائِمٍ ولا إنْ ويُكْرَهُ لُبْسَ فيه شُهْرَةُ لابِسٍ وإِنْ كَانَ يُبْدِي عَوْرَةً لِسِوَاهُمَا وخَيْرُ خِلالِ المَرْءِ جَمْعًا تَوَسُطُ الْـ ولُبْس مِثَالِ الحَيّ فاحْضِرْ بأَجْودٍ وأَحْسنُ مَلْبُوسٍ بَيَاضٌ لِميِّتٍ ولا بَأْسَ بالمَصْبُوغِ مِن قَبْلِ غَسْلِهِ وقِيْلَ اكْرَهَنْهُ مِثْلَ مُسْتَعْمَلِ الانَا وأَحْمَرَ قَانٍ والمُعَصْفَرَ فاكْرَهَنْ ولا تَكْرَهَنْ فِي نَصِّ ما قَدْ صَبَغَتَهُ ولَيْسَ بِلُبْسِ الصُوْفِ بَأْسٌ ولا القَبَا ولُبْسُ الحَرِيْرِ احْظِرْ عَلَى كُلِ بَالِغٍ ويَحْرُمَ بَيْعٌ لِلرِّجَالِ لِلِبْسِهِمْ ويَحْرُمُ لُبْسٌ مِن لُجَيْنٍ وعَسْجَدٍ ويَحْرُمُ سَتْرٌ أَوْ لِبَاسُ الفَتَى الذي وفِي السَّتْرِ أَوْ مَا هُوْ مَظِنَّةٌ بِذْلَةٍ ولَيْسَ بِمَكْرُوْهٍ كِتَابَةُ غَيْرِهِ وحَلَّ لِمَنْ يَسْتَأجِرُ البَيْتَ حَكُه التـ وفِي نَصِّهِ اكْرَهْ لِلرَّجَالِ ولِلِنَّسَا الرَّ ويُكْرَهُ تَقْصِيْرُ اللِّباسِ وطُوْلُهُ وأَطْوَلُ ذَيْلِ المَرْءِ لِلْكَعْبِ والنِّسَا وأَشْرَفُ مَلْبُوسٍ إِلَى نِصْفِ سَاقِهِ ولِلرُّصْغِ كُمُّ المُصْطَفَى فإنْ ارْتَخَى ولا بَأْسَ في لُبْسِ السَّراوِيْلِ سِتْرَةً بسُنَّةِ إبْراهِيْمَ فِيْه وأَحْمَدٍ ويَحْسُنُ تَنْظِيفُ الثِيَابِ وَطِيُّهَا ولا بأْسَ فِي لُبْسِ الفِرَاءَ واشْتِرَائِهَا وكاللَّحْمِ الأَوْلَى احْظِرَن جِلْدَ ثَعْلَبٍ ومَن يَرتَضِي أَدْنَى اللِّبَاسِ تَواضُعًا ويَحْسُنُ حَمْدُ اللهِ في كُلِّ حَالةٍ وكُنْ شَاكِرًا للهِ واْرَض بقَسْمَه وقُلْ لأَخٍ ابْلِ وأَخْلِقِ وَيُخْلِفُ الْـ ولا بأْسَ في الخَاتَامِ مِن فِضَّةٍ ومِنْ ويُكْرَهُ مِن صُفْرٍ رَصَاصٍ حَدَيْدِهِمْ ويَحْسُنُ في اليُسْرَي كَأَحْمَدُ وصَحْبِهِ ومَن لَمْ يَضَعْهُ في الدُّخُول إِلى الخَلا ويَحْسُنُ فِي اليُمْنَى ابْتِدَاءُ انْتِعَالِهِ ويُكْرَهُ مَشْي المَرْءِ فِي فَرْدِ نَعْلِهِ ولا بَأْسَ فِي نَعْلٍ يُصَلِي بِهِ بِلا ويَحْسُنُ الاسْتِرْجَاعُ فِي قَطْعِ نَعْلِهِ وقَدْ لَبِسَ السِّبْتِيَّ وَهْوَ الذي خَلا ويُكْرَهُ سِنْدِيُ النِّعَالِ لِعُجْبِهِ وسِرْ حَافيًا أَوْ حَاذِيًا وامْشِ وارْكَبَنْ ويُكْرَهُ في المَشْي المُطَيْطَا ونَحْوُهَا ويُكْرَهُ لُبْسُ الخُفِ والأَزْرِ قائِمًا وثِنْتَيْنِ وافْرُقْ في المَضَاجِعِ بَيْنَهُمْ ويُكْرَهُ نَوْمُ المَرْءِ مِن قَبْلِ غَسْلِهِ ونَوْمُكَ بَعْدَ الفَجْرِ والعَصْرِ أَوْ عَلَى ويُكْرَهُ نَوْمٌ فَوْقَ سَطحٍ ولَمْ يُحَطْ ويُكْرَهُ بَيْنَ الظِلِّ والشَمْسِ جِلْسَةٌ وقُل في انْتِبَاهٍ والصَّبَاحِ وفي المَسَا ويَحْسُنُ عِنْدَ النَّومِ نَفْضُ فِرَاشِهِ وخُذْ لَكَ مِن نُصْحِي أُخَيَّ نَصِيْحَةً ولا تَنْكِحَنْ إِنْ كُنْتَ شَيْخًا فُتَيَّةً ولا تَنْحِكنْ مَن تَسْمُ فَوقَكَ رُتبَةً ولا تَرْغَبَنْ في مَالِهَا وأَثَاثِهَا ولا تَسْكُنَنْ في دارِهَا عِنْدَ أَهْلِهَا فلا خَيْرَ فِيْمَنْ كَانَ فِي فَضْلِ عِرْسِهِ ولا تُنْكِرَنْ بَذْلَ اليَسِيْرِ تَنَكُّدًا ولا تَسْأَلَنْ عن مَا عَهِدْتَ وغُضَّ عن وكُنْ حَافِظًا إِنَّ النِسَاءَ ودَائِعٌ ولا تُكْثِرْ الإنكارَ تُرْمَى بتُهْمَةٍ ولا تَطْمَعَنْ في أَنْ تُقِيْمَ اعْوِجَاجِهَا وسُكْنَى الفَتَى في غُرْفَةٍ فَوْقَ سِكَةَ وإِيَّاكَ يَا هَذَا ورَوْضَةَ دِمْنَةٍ ولا تَنْكِحَنْ في الفَقْرِ إلا ضَرُوْرَةً وكُنْ عَالِمًا إِنَّ النِّسَا لُعِبٌ لَنَا وخَيْرُ النِسَا مَن سَرَّتِ الزَّوْجَ مَنْظَرًا قَصِيْرَةُ أَلْفَاظٍ قَصِيْرَةُ بَيْتِهَا عَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّيْنِ تَظْفُرُ بالمُني الْـ حَسِيْبَةُ أَصْلٍ مِن كِرَامٍ تَفُزْ إِذَنْ وَوَاحِدةُ أَدْنَى إِلى العَدْلِ فاقْتَنِعْ ومَن عَفَّ تَقْوى عن مَحَارِمِ غَيْرِهِ فَكَابِدْ إِلى أَنْ تَبْلُغَ النفسُ عُذْرَهَا ولا يَذْهَبَنَّ العُمُرُ مِنْكَ سَبَهْللا فَمَنْ هَجَرَ اللَّذاتِ نَالَ المُنَى ومَنْ وفِي قَمْعِ أَهْوَاءِ النُفُوسِ اعْتِزَازُهَا فلا تَشْتَغِلْ إِلا بِمَا يُكْسِبُ العُلا وفي خَلْوةِ الإِنْسَانِ بالعِلْمِ أُنْسُهُ ويَسْلَمُ مِن قِيْلٍ وقَالٍ ومِن أَذَى وكُنْ حِلْسَ بَيْتٍ فَهْوَ سَتْرٌ لَعَوَرةٍ وخَيْرُ جَلِيْسِ المَرْءِ كُتْبٌ تُفِيْدُهُ وخَالِطْ إِذَا َخَالَطتَ كُلَّ مُوَفَّقٍ يُفِيْدُكَ مِن عِلْمٍ ويَنْهَاكَ عَن هَوَى وإِيَّاكَ والهَمَّازَ إِنْ قُمْتَ عَنِه والْـ ولا تَصْحَبِ الحَمْقَى فَذُوْ الجَهْلِ إِنْ وخَيْرُ مَقَامٍ قُمْتَ فِيْهِ وخَصْلَةٍ وكُفَّ عن العَوَرا لِسَانَكَ واليَكُنْ وحَصِّنْ عن الفَحْشَا الجَوارِح كُلها وحَافِظْ عَلَى فِعْلِ الفُرُوْضِ بوَقْتِهَا ونَادِ إِذَا مَا قُمْتَ باللَّيلِ سَامعًا ومُدَّ إِليهِ كَفَّ فَقْرِكَ ضَارِعًا ولا تَسْأَمَنَّ العِلْمَ واسْهَرْ لِنَيْلِهِ ولا تَطْلُبَنَّ العِلمَ لِلْمالِ والرِّيَا وكُنْ عَامِلاً بالعِلمِ فِيْمَا اسْتَطَعْتَهُ حَرِيْصًا عَلَى نَفْعِ الوَرَى وهُدَاهُم وكُنْ صَابِرًا بالفَقْرِ وادَّرِعِ الرِّضَا فَمَا الِعُّز إِلا فِي القَنَاعَةِ والرضَا فَمَنْ لَمْ يُقَنِّعْهُ الكَفَافُ فما إلى فَمَنْ يَتَغَنَّي َيْغِنِه اللهُ والغِنَى وإِيَّاكَ والإعْجَابَ والكِبْرَ تُحْظَ بالسَّـ وهَا قَدْ بَذَلْتُ النَّصْحَ جُهْدِي وإِنَّنِي تَقَضَّتْ بِحَمْدِ اللهِ لَيْسَتْ ذَمِيْمَةً يَحَارُ لَهَا قَلْبُ اللَّبِيْبِ وعَارِفٌ فَمَا رَوْضَةٌ حُفَّتْ بِنَوْرِ رَبِيْعِهَا بأَحْسَنَ مِن أَبْيَاتِهَا ومَسائِلٍ فَخُذْهَا بِدَرْسِ لَيْسَ بالنَّومِ تُدْرِكَنْ وقَدْ كَمُلَتْ والحَمدُ للهِ وَحْدَهُ | كَثِيْرًا كَمَا تَرْضَى بِغَيْرِ تَحَدُّدِ وأَصْحَابِهِ مِنْ كُلِّ هَادٍ ومُهْتَدِي مِن الأَدَبِ المأْثُوْرِ عَنْ خَيْرِ مُرْشِدِ تَقَدَّسَ عَنْ قَوْلِ الغُواةِ وجُحَّدِ أَئمةِ أَهْلِ السِّلْمِ مِنْ كُلِّ أَمْجَدِ ويُنْزِلُنَا فِي الحَشْرِ فِي خَيْرِ مَقْعَدِ لِيُصْغِ بقَلْبٍ حَاضِرٍ مُتَرَصِّدِ حَرِيِصٍ عَلَى زَجْرِ الأَنَامِ عَنِ الرَّدِيِ سَأَبْذِلُهَا جُهْدِي فأَهْدِي وأَهْتَدِي جَوَارِحَه عَنْ مَا نَهَى اللهُ يَهْتَدِي وارْسَالُ طَرْفِ المَرْءِ أَنْكَى فَقَيِّدِ ومُتْعِبُهُ فَاغْضُضْهُ مَا اسْطَعْتَ تَهْتَدِي وإِفْشَاءُ سِرٍ ثُمَّ لَعْنُ مُقَيَّدِ وسُخْرِيَّةٌ والهُزْؤُ وَالكِذْبِ قَيِّدِ ولَلْعْرسِ أَوْ إِصْلاح أَهْلِ التَّنَكُّدِ يُضَاهِيْهِمَا مِنْ آلَةِ اللَّهْوِ والرَّدِي فَمِنْهَا ذَوُوْ الأَوْتَارِ دُوْنَ تَقَيُّدِ وصَنْعَتِهِ مَن رَدَّ ذَلِكَ يَعْتَدِي وتَشْبِيْبِهِ مِن غَيْرِ تَعْيِيْنِ خُرَّدِ وتَشْبِيْبِهِ بالأَجْنَبِيَّاتِ أَكِّدِ فَتِيَّاتِ أَوَ نَوْحِ التَّسَخُّطِ مُوْرَدِ ونَدْبٌ عَنْ المَكروهِ غَيْرَ مُشَدِّدِ عَنْ المُنْكَرِ اجْعَلْ فَرْضَ عَيْنٍ تُسَدَّدِ سِوَاهُ بِهِ مَعْ أَمْنِ عُدْوَانِ مُعْتَدِي ـذِي قِيْلَ فَرْضٌ بالكِفَايَةِ فاحْدُدِ بِهِم وبِمَنْ يَسْتَنْصِرُوْنَ بِهِ قَدِ وأَقْوَاهُ إِنْكَارُ الفَتَى الجَلْدِ باليَدِ لِتأْدِيْبِهِم والعِلْمِ فِي الشَّرْع بِالرَّدِيِ فإِنْ لَمْ يَزُلْ بالنَّافِذِ الأَمْرَ فاصْدُدِ إِذَا كَانَ ذَا الإنْكَارِ حَتْمَ التَّأَكُّدِ ولا صُوَرٍ أَيْضَا ولا آلةِ الدَّدِ وكُتْبٍ حَوَتْ هَذَا وأَشْبَاهَهُ أَقْدُدِ بِلا رَيْبَ مِذْيَاعٌ وَتِلْفَازُ مُعْتَدِي" وكُوْرَاتِهم مَزِّقْ هُدِيْتَ وقَدِّدِ" وآلةُ تَصْويْر بها الشَّرُّ مُرْتَدِي" وآلةُ تَطْفَاةٍ لَهُ اكْسِرْ وَبدِّدِ" يَسُوقُ لَكَ الآدَابَ عَنْ خَيْرِ مُرْشِدِ" يُزِيْلُ عن المَنْكُورِ مَقْصَدَ مُفْسِدِ إِذَا عَجِزَ الإِنْكَارُ دُوْنَ التَّقَدُّدِ ضَمِنْتَ الذي يُنْقَى بَتغْسِيْلِهِ قَدِ وقَدْ قِيْلَ إِنْ يَرْدَعْهُ أَوْجِبْ وَأَكِّدِ ولاقِهْ بَوجْهٍ مُكْفَهِرٍ مُعَرْبَدِ بِفِسْقٍ وماضِي الفِسْقِ إِنْ لَمْ يُجَدِّدِ مُفَسِّقٍ احْتِمْهُ بِغَيْرِ تَرَدُّدِ ويَدْفَعُ أضْرارَ المُضِلِّ بمِذْوَدِ ولا هَجْرَ مَعْ تَسْلِيْمِهِ المُتَعَوِّدِ على غَيْرِ مَن قُلْنَا بهَجْرٍ فَأَكِّدِ وَرَدُّكَ فَرْضٌ لَيْسَ نَدْبٌ بأَوْطَدِ ورَدُّ فَتى مِنْهُم عَلَى الكُلِّ يا عَدِي ـبِيْلِ وَرُكْبَانِ عَلَى الضِدِّ أَيِِّدِ فَقَدْ حَصَلَ المَسْنُونُ إِذْ هُوَ مُبْتَدِي وسَلِّمْ إِذَا مَا جِئْتَ بَيْتَكَ تَهْتَدِي مِن الناسِ مَجْهُولاً ومَعْرُوْفًا أَقْصُدِ وتَنَكِيْرُهُ أَيْضًا عَلَى نَصِّ أَحْمَدِ كَلِلْمَيْتِ والتِّودِيْعِ عَرِّفْ كَرَدِّدِ عَلَى غيرِهِ مِن أَقْرَبِيْنَ وَبُعَّدِ ولا سِيْمَا مِن سَفْرَةِ وَتَبَعُّدِ فإِنْ لَمْ يُجَبْ يَمْضِي وإِنْ يَخْفَ يَزْدَدِ لِدَخْلَتِهِ حَتَّى لِمَنْزِلِهِ اشْهَدِ وَوَالِدِهِ أَوْ سَيِّدٍ كُرْهَهُ امْهَدِ تَنَاثَرْ خَطايَاكُمْ كَمَا في المُسَنَّدِ ويُكْرَهُ تَقْبِيْلُ الثَّرَى بتَشَدُّدِ وتَقْبِيْلُ رَأْسِ المَرْءِ حَلَّ وفي اليَدِ ويُكْرَهُ تَقْبِيْلُ الفَمِ افْهَمْ وقَيِّدِ وأَنْ يَتَنَاجَى الجَمْعُ مِنْ دُوْنِ مُفْرَدِ بِسِرٍ وقِيْلَ احْضِرْ وإِنْ يَأْذَنِ اقْعُدِ وخَلْوَتُهَا اكْرَهْ لا تَحِيْتهَا اشْهَدِ للشَّباب مِن الصِّنفَيْنِ بُعْدَى وأَبْعَدِي وقِيْلَ ومَعْ خَوْفٍ ولِلْكُرْهِ جَوِّدِ تُوَفَّرَ في عُمْرٍ ورِزْقٍ وتَسْعَدِ ولا سِيَّمَا لِلْوَالِدِ المُتَأَكِّدِ سِوَى في حَرامٍ أَوْ لأَمْرٍ مُؤَكَّدِ وتَطْلِيْقِ زَوْجَاتٍ بِرَأْي مُجَرَّدِ فَهَذَا بَقَايَا بِرِّهِ المُتَعَوَّدِ وذِكْرِ لِسَانٍ والسَّلامُ لِمُبْتَدِي ولِلْقَزَعِ اكْرَهْ ثُمَّ تَدْلِيْسَ نُهَدِ وإيْجَافُ أَبْوَابٍ وَطَفْءُ لِمُوْقَدِ وحَلْقًا ولِلَتَّنْوِيْرِ لِلْعَانَةِ أَقْصِدِ وإِنْ يُغَطِّيَ وَجْهًا لاسْتِتَارٍ مِن الرَّدِي لِتَحْمِيْدِهِ والْيُبْدِ رَدَّ المُعَوَّدِ ولِلطِّفْلِ بُوْرِكْ فِيْكَ وأْمُرْهُ يَحْمَدِ فَذَلِكَ مَسْنُونٌ لأَمْرِ المُرَشِّدِ وشَكْوَى الذِي تَلْقَى وبالحَمْدِ فابْتَدِي ولَمْ تَتَيقَنْ فيه حُرْمَةَ مُفْرَدِ ولاقِ بِحُسْنِ الظَّنِّ رَبَّكَ تَسْعَدِ تَخُضْ رَحْمَةً تَغْمُرْ مَجَالِسَ عُوَّدِ تُصَلِّي عَلَى مَنْ عَادَ مُمْسيً إِلى الغَدِ عَليهِ إِلى اللَّيْلِ الصَّلاةِ فأَسْنِدِ لَذِي يُورِثُ التَّطْوِيلَ مِن مُتَوَدِّدِ تَعُوْدُ وَلا تُكْثِرْ سُؤَالاً تُنَكَّدِ لإحْرَازِ مَالٍ أَوْ لِقِسْمَتِهِ اشْهَدِ وما رَكَّبُوْهُ مِن دَوَاءٍ مُوَصَّدِ طَبِيْبًا سِوَى فَحْل أَجِزْهُ وَمَهِّدِ ويَنْظَرُ مَا يَحْتَاجُهُ حَاقِنٌ قَدِ مَكَانِ ولادَاتِ النِسَا في التَّوَلُّدِ وبَطِّ الأَذَى حِلٌ كَقَطْعٍ مُجَوِّدِ تَخَافَنَّ عُقْبَاهُ ولا تَتَردَّدِ وعَنْهُ عَلَى الإطْلاقِ غَيْرِ مُقَيَّدِ لِتَعْذِيْبِهِ المَنْهِيِ عَنُه بمُسْنَدِ بلا ضَرَرٍ تَغْيِيْرُ خَلْقٍ مُعَوَّدِ يَضُرُ بِلا نَفْعٍ كَنِمْرٍ ومَرْثَدِ كَذَا حَشَراتُ الأَرْضِ دُوْنَ تَقَيُّدِ ودَبْرٍ وَحَيَّاتٍ وشِبْهِ المُعَدَّدِ بِهِ واكْرَهَنْ بالنَّارِ إحْراقَ مُفْسدِ أَذَي لم يَزُلْ إِلا بِهِ لَمْ أُبَعِّدِ وتَدْخِيْنَ زُنْبُورٍ وشَيًا بمَوْقدِ وصِرْدَانِ طَيْرٍ قَتْلُ ذَيْنِ وَهُدْهُدِ وَإِنْ مُلِكَتْ فاحْظِرْ إِذًا غَيْرَ مُفْسدِ ثًلاثًا لَهُ اذْهَبْ سَالِمًا غَيْرَ مُعْتَدِ وما بَعْدَ إِيْذَانِ تُرَى أَوْ بفَدْفَدِ وكَلْبٍ وفَهْدٍ لاقْتَصادِ التَّصَيُدَ وإِنْ مُلِكَتْ فاحْظِرْ وإنْ تُؤْذِ فاقْدُدِ وجَوْلانُ أَيْدٍ في طَعَامٍ مُوَحَّدِ نُهِيْ في اتَّحَادٍ قَدْ عُفِي فِي التَّعَدُّدِ بِيُسْرَاهُ فاكْرَهْهُ ومُتَّكِئًا ذُدِ ومَعْ أَكْلِ شَيْنِ العُرْفِ إِتْيَانَ مَسْجِدِ وأَوْسَاخِهِ مَعْ نَثْرِ مَا أَنْفِهِ الرَّدِي عَلَى يَدِهِ اليُسْرَى وَرَا ظَهْرِهِ اشْهَدِ وقِيْلَ مَعَ التَّشْرِيْكِ لا فِي التَّفَرُدِ اليَمِيْنِ وبَسْمِل ثُمَّ في الانْتِهَا احْمَدِ ولَكِنَّ رَبَّ البَيْتِ إِنْ شَاءَ يَبْتَدِي ومَكْرُوْهٌ الإِسْرَافُ والثُّلْثَ أَكِّدِ وبَعْدَ ابْتَلاعِ ثَنِّ والمَضْغَ جَوِّدِ وأُكْلُ فَتَاتِ سَاقِط بتَثَرُّدِ وأَلْقِ وجَانِبْ مَا نَهَى اللهُ تَهْتَدِي ويُكْرَهُ بالمَطْعُوْمِ غَيْرَ مُقَيَّدِ تُلاقِيْهِ مِن حِلٍ ولا تَتَقَيَّدِ ولا عَائِبٍ رِزْقًا وبالشَّارِعِ اقْتَدِي إِنَاءَ وانْظُرنْ فِيهِ ومَصًّا تَزَرَّدِ هُوْ أَهْنَا وأَمْرَا ثُمَّ أَرْوَي لِمَنْ صُدِي تِعَالُ الفَتَى في الأَظْهَرِ المُتَأَكِّدِ وَوَاصِفُ جِلْدٍ لا لِزَوْجٍ وسَيِّدِ فذَلِكَ مَحْظُورٌ بِغَيْرِ تَرَدُّدِ أُمُورِ وحَالٌ بَيْنَ أَرْدَى وأَجْوَدِ وما لَمْ يُدَسْ مِنْهَا لِوَهْنٍ فَشَدِّدِ وحَيٍّ فَبَيِّضْ مُطْلَقًا لا تُسَوِّدِ مَعَ الجَهْلِ في أَصْبَاغِ أَهْلِ التَّهَوُدِ وإِنْ تَعْلَم التَّنْجِيْسَ فاغْسِلْهُ تَهْتَدِي لِلُبْسِ رِجَالٍ حَسْبُ فِي نَصِّ أَحْمَدِ مِن الزَّعْفَرانِ البَحْتِ لَوْنَ المُوَرَّدِ ولا لِلنَّسَا والبُرْنُسِ اَفْهَمْهُ واقْتَدِي سِوَى لِضنىً أَوْ قَتْلٍ أَوْ حَرْبِ جُحَّدِ وتَخِيِيْطُهُ والنَّسْجُ في نَصِّ أَحْمَدِ سِوَى ما قَد اسْتَثْنَيْتَهُ فِي الذي ابْتُدِي حَوَى صُوْرَةً لِلْحَيِّ في نَصِّ أَحْمَدِ لِيَكْرَهْ كَكَتْبٍ لِلْقُرانِ المُمَجَّدِ مِنَ الذكرِ فِيْمَا لَمْ يُدَسْ ويُمَهَّدِ تَصَاوِيْرَ كَالحَمَّامِ لِلدَّاخِلِ اشْهَدِ رَقِيْقَ سِوَى لِلزَّوْجِ يَخْلُو وَسَيِّدِ بلا حَاجَةِ كِبْرًا وتَرْكُ المُعَوَّدِ بِلا الاُزْرِ شِبْرًا أَوْ ذِرَاعًا لِتَزْدَدِ وما تَحْتَ كَعْبٍ فاكْرَهَْهُ وصَعِّدِ تَنَاهَى إِلى أَقْصَى أَصَابِعِهِ قَدِ أَتَمَّ ِمَن التَّأْزِيْرِ فالْبَسْهُ واقْتَدِ وأَصْحَابِهِ والأُزْرُ أَشْهَرُ أَكِّدِ ويُكْرَهُ مَعْ طَوْلِ الغِنَا لُبْسُكَ الرَّدِي جُلُودَ حَلالٍ مَوتُه لَمْ يُوَطَّدِ وعنه لِيُلْبَسْ والصَلاةَ بِهِ اصْدُدِ سَيُكْسَى الثِيَابَ العَبْقَرِيَّاتِ فِي غَدِ ولا سِيَّمَا فِي لُبْسِ ثَوبٍ مُجَدَّدِ تُثَبْ وتُزَدْ رِزْقًا وارْغامَ حُسَّدِ إِلهُ كَذَا قُلْ عِشْ حَمِيْدًا تُسَدَّدِ عَقِيْقٍ وبَلُوْر وشِبْهِ المُعَدِّدِ ويَحْرُمُ لِلذُّكْرَانِ خَاتَمُ عَسْجَدِ ويُكْرَهُ في الوُسْطَى وسَبَابَةِ اليَدِ فَعَنْ كُتْبِ قُرآنٍ وذِكْر بِهِ أَصْدُدِ وفي الخَلْعِ عَكْسٌ وأَكْرَهِ العَكْسَ تَرْشُدِ اخْتِيَارًا أَصِخ حَتَّى لإِصْلاحِ مُفْسِدِ أَذَى وافْتَقِدْهَا عِندَ أَبْوابِ مَسْجِدِ وتَخْصِيْصُ حَافٍ بالطَّرِيْقِ المُمهَّدِ مِن الشَّعْرِ مَعْ أَصْحَابِهِ بِهِمُ اقْتَدِي بِصَرَّارِهَا زِيَّ اليَهُوْدِ فأَبْعِدِ تَمَعْدَدْ واخْشَوْشِنْ ولا تَتَعَوَّدِ مَظِنَّةَ كِبْرٍ غَيْرَ في حَرْبِ جُحَّدِ كذَاكَ التْصَاقُ اثْنَيْنَ عُرْيًا بمَرْقَدِ ولَوْ أخْوةً مِن بَعْدِ عَشْرٍ تُسَدَّدِ مِن الدُهْنِ والأَلْبَانِ لِلْفَمِ واليَدِ قَفَاكَ ورَفْعُ الرِجْلِ فَوقَ اخْتِهَا امْدُدِ عَليهِ بِتَحْجِيْرٍ لِخَوفِ مِن الرَّدِي ونَوْمٌ عَلَى وَجْهِ الفَتَى المُتَمَدِّدِ ونَوْمٍ مِن المَرْوِيّ مَا شِئْتَ تَرْشُدِ ونَوْمٌ عَلَى اليُمْنَي وكُحْلٌ بأَثْمَدِ وكُنْ حَازِمًا واحْضِرْ بِقَلْبٍ مُؤَيَّدِ تَعِشْ في ضِرَارِ العَيْشَ أَوْ تَرْضَ بالرَّدِي تَكُنْ أَبدًا في حُكْمِهَا في تَنَكُّدِ إِذَا كُنْتَ ذَا فَقْر تُذَلَّ وتُضْهَدِ تَسَمَّعْ إِذَا أَنْوَاعَ مِن مُتَعَدِّدِ يَرُوْحُ عَلَى هُوْنٍ إِليْهَا ويَغْتَدِي وسَامِحْ تَنَلْ أَجْرًا وحُسْنَ التَّوَدُدِ عَوارِ لَدَينا احْفَظْ وصِيَّةَ مُرْشِدِ عَوانٍ لَدَينا احْفَظْ وصِيَّةَ مُرْشِدِ ولا تَرْفَعنَّ السَّوْطَ عن كُلِ مُعْتَدِ فَمَا هِيَ إلا مِثْلُ ضِلْعٍ مُرَدَّدِ تَؤُولُ إِلَى تُهْمَى البَرِيءِ المُشَدِّدِ سَتَرجعُ عَن قُرْبِ إِلى أَصْلِهَا الرَّدِيِ ولذْ بِوِجَاءِ الصَّومِ تُهْدَى وتَهْتَدِي فحَسِّنْ إِذَنْ مَهْمَا اسْتَطَعْتَ وَجَوِّدِ ومَنْ حَفِظَتْهُ فِي مَغِيْبٍ ومَشْهَدِ قَصِيْرَةُ طَرْفِ العَيْنِ مَن كُلِّ أَبْعَدِ وَدُوْدِ الوَلُودِ الأَصْلِ ذَاتِ التَّعَبُّدِ بِوِلْد كِرَامٍ والبَكَارَةَ فاقْصِدِ وإِنْ شِئتَ فَابْلُغْ أَربعًا لا تَزَيَّدِ يَعفْ أَهْلُه حَقًا وإِنْ يَزْنِ يَفْسُدِ وكُنْ في اقْتِبَاسِ العلمِ طَلاعَ أَنْجُدِ ولا تُغْبَنَنْ بالنَّعْمَتَينِ بَلْ اجْهِدِ أَكَبَّ عَلَى اللَّذَاتِ عَضَّ عَلى اليَدِ وفي نَيْلِهَا مَا تَشْتَهِيْ ذِلُّ سَرْمَدِ ولا تَرْضَ لِلنَّفْسِ النَّفِيْسَةِ بالرَّدِيِ وَيَسْلَمُ دِيْنُ المَرْءِ عندَ التَوَحُدِ جَلِيْسٍ ومِن وَاشٍ بَغْيِضٍ وَحُسَّدِ وحِرْزُ الفَتَى عن كُلِّ غَاوٍ ومُفْسِدِ عُلُومًا وآدابًا كَعَقْلٍ مُؤَيَّدِ مِن العلما أَهْلِ التُّقَى والتَّعَبُدِ فَصَاحِبْه تُهْدَى مِن هُدَاهُ وتَرْشُدِ بَذِيَّ فإنَّ المَرْءَ بالمَرْءِ يَقْتَدِي يَرُمْ صَلاحًا لأَمْرٍ يَا أَخَا الحَزْمِ يُفْسِدِ تَحَلَيْتَهَا ذِكْرُ الإِلَهِ بِمَسْجِدِ دَوامًا بذكْرِ اللهِ يَا صَاحِبِيْ نَدِي تَكُنْ لكَ في يومِ الجَزَا خَيْرَ شُهَّدِ وخُذْ بنَصِيْبٍ في الدُجَا مِن تَهَجُّدِ قَرِيْبًا مُجِيْبًا بالفَواضِلِ يَبْتَدِي بقَلْبٍ مُنِيْبٍ وادْعُ تُعْطَ وتَسْعَدِ بلا ضَجَرٍ تَحْمِدْ سُرَى اللَّيلِ في غَدِ فإنَّ ملاكَ الأَمْرِ في حُسْنِ مَقْصَدِ لِيُهْدَى بِكَ المَرْءُ الذي بكَ يَقْتَدِي تَنَلْ كُلَّ خَيرٍ في نَعِيْم مُؤَبَّدِ بِمَا قدَّرَ الرحمنُ واشْكُرْهُ تُحْمَدِ وبأَدْنَى كَفَافٍ حَاصِلٍ والتَّزَهُدِ رِضَاهُ سَبِيْلٌ فاقْتَنِعْ وتَقَصَّدِ غنى النَّفْسِ لا عَنْ كَثْرةِ المُتَعَدِّدِ ـعَادَةِ في الدَّارَيْنِ فارْشُدْ وأَرشِدِ مُقِرٌ بتقصِيْرِي وباللهِ أَهْتَدِي ولَكِنَّها كالدُّرِ في عِقْدِ خُرَّدِ كَرِيْمَانِ إِنْ جَالا بِفِكْرٍ مُنَضَّدِ بِسَلْسَالِهَا العَذْبِ الزّلالِ المُبَرَّدِ أَحَاطَتْ بِهَا يَوْمًا بِغَيْرِ تَرَدُّدِ لأَهْل النُهَى والفَضْلِ في كُلِّ مَشْهَدِ عَلَى كُلِّ حَال دَائمًا لَمْ يُصَدِّدِ |
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام ثبت محبتك في قلوبنا وقوها والهمنا يا مولانا ذكرك وشكرك وأمنا من عذابك يوم تبعث عبادك. اللهم إليك بدعائنا توجهنا وبفنائك أنخنا وإياك أملنا ولما عندك من الكرم والجود والإحسان طلبنا ومن عذابك أشفقنا ولغفرانك تعرضنا فاغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمدٍ وآله وسلم.
وَكُنْ عَالِمًا إِنَّ الذُّنُوبَ جَمِيْعَهَا فَمَا فِيْهِ حَدٌ في الدُّنَا أَوْ تَوَعُدٌ وَزَادَ حَفِيْدُ المَجْدِ أَوْجَا وَعِيْدُهُ كَشِرْكٍ وَقَتْلِ النَّفَسِ إِلا بِحَقِّهَا وأَكْلُكَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ببَاطِلٍ كَذَاكَ الزِّنَا ثُمَّ اللَّوَاطُ وَشُرْبُهُم وَسَرْقَةُ مَالِ الغَيْرِ أَوْ أَكْلُ مَالِهِ شَهَادَةُ زُوْرٍ ثُمَّ عَقٌّ لِوَالِدٍ يَمِيْنٌ غَمُوسٌ تَارِكٌ لِصَلاتِهِ مُصَلٍ بِغَيْر الْوَقْتِ أَوْ غَيْرِ قِبْلَة قُنُوطُ الفَتَى مِن رَحْمَةِ اللهِ ثُمَّ قُلْ وأَمْنٌ لِمَكْرِ اللهِ ثُمَّ قَطِيْعَةٌ كَذَا كَذِبٌ إِنْ كَانَ يَرْمِيْ بِقِتْنَةٍ قِيَادَةُ دَيُّوثٍ نِكَاحٌ مَحُلِّلٍ وتَرْكٌ لِحَجٍ مُسْتَطِيْعًا ومَنْعُهُ بِحَقِّ لِخَلْقِ وارتِشْاهُ وفِطْرُهُ وقَوْلٌ بِلا عِلْمٍ عَلَى الله رَبِّنَا مُصِرٌّ عَلَى العِصْيَانِ تَرْكُ تَنَزُهٍ واتْيَانُ مَنْ حَاضَتْ بِفَرْجٍ ونَشْزُهَا وإِلِحَاقُهَا بالزَّوْجِ مَنْ حَمَلَتْهُ مِنْ وتَصْوِيْرُ ذِي رُوْحٍ وإِتْيَانُ كَاهِنٍ سُجُودٌ لِغَيْرِ اللهِ دَعْوَةُ مَنْ دَعَا عُلُولٌ ونَوْحٌ والتَّطَيُّرُ بَعْدَهُ وَجَوْرُ لِمُوْصٍ في الوَصَايَا وَمَنْعُهُ وإِتْيَانُهَا في الدُّبْرِ بَيْعٌ لِحُرَّةٍ ومِنْهَا اكْتِسَابٌ لِلرِّبَا وَشَهَادَةٌ ومَنْ يَدَّعِي أَصْلاً ولَيْسَ بأَصْلِهِ فَيَرْغَبُ عن آبَائِهِ وَجُدُوْدِهِ وغِشُّ إِمَامٍ لِلرَّعِيَّةِ بَعْدَهُ وتَرْكٌ لِتَجْمِيْعٍ إِسَاءَةُ مَالِكٍ | بِكُبْرَى وصُغَرَى قُسِّمَتْ في المُجَوَّدِ بِأُخْرَى فَسِمْ كُبْرَى عَلَى نَصِّ أَحْمَدِ بِنَفْيٍ لإِيْمَانٍ وَلَعْنٍ لِمُبْعَدِ وأَكْلِ الرِّبَا والسِّحْرِ مَعْ قَذْفِ نُهَّدِ تَوَلِيْكَ يَوْمَ الزَحْفِ في حَرْبِ جُحَّدِ خُمُورًا وَقَطْعٌ لِلطَّريْقِ المُمَهَدِ بِبَاطِلِ صُنْعِ القَوْلِ والفِعْلِ وَالْيَدِ وغِيْبَةُ مُغْتَابٍ نَمِيْمَةُ مُفْسِدِ مُصَلٍّ بِلا طُهْرٍ لَهُ بِتَعَمُّدِ مُصَلٍّ بِلا قُرْآنِهِ المُتَأَكِّدِ إِسَاءَةُ ظَنٍّ بالآلهِ المُوَحَّدِ لِذِيْ رَحِمٍ والكِبْرَ والخُيَلا اعْدُدِ أَوْ المُفْتَرى يَوْمًا عَلَى المُصْطَفَى أَحْمَدِ وهَجْرُكَ عَدْلٍ مُسْلِمٍ وَمُوَحِّدِ زَكَاةً وحُكْمُ الحَاكِمِ المُتَقَلِّدِ بِلا عُذْرِهِ في صَوْمِ شَهْرِ التَّعَبُدِ وَسبٌّ لأَصْحَابِ النَّبِيِّ مُحَمَّدِ مِن البَوْلِ في نَصِّ الحَدِيْثِ المُسَدَّدِ عَلَى زَوْجِهَا مِن غَيْرِ عُذْرٍ مُمَهَّدِ سِوَاهُ وكِتْمَانُ العُلُومِ لِمُجْتَدِ وإِتْيَانُ عَرَّافٍ وتَصْدِيْقُهُمْ زِدِ إِلَى بِدْعَةٍ أَوْ لِلضَّلالَةِ مَا هُدِي وأَكْلٌ وشُرْبٌ في لُجَيْنٍ وَعَسْجَدِ لِمَيْرَاثِ وُرَّاثٍ إِبَاق لأَعْبُدِ ومَنْ يَسْتَحِلُّ البَيْتَ قِبْلَةَ مَسْجِدِ عَلَيْهِ وذُوْ الوَجْهَيْنِ قُلْ لِلتَّوَعُّدِ يَقُولُ أَنَا ابْنُ الفَاضِل المُتَمَجِّدِ ولا سِيَّمَا أَنْ يَنْتَسِبْ لِمُحَمَّدِ وَقُوْعٌ عَلَى العَجْمَا البَهِيْمَةِ يُفْسدِ إِلى القِنِّ ذَا طَبْعٍ لَهُ فِي المُعَبَّدِ |
تم هذا الكتاب بعون الله وتوفيقه ونسأله الله الحي القيوم العلي العظيم ذا الجلال والإكرام الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد أن يعز الإسلام والمسلمين وأن يخذل الكفرة والمشركين وأعوانهم وأن يصلح في صلاحه صلاح للإسلام والمسلمين ويهلك من في هلاكه عز وصلاح للإسلام والمسلمين وأن يلم شعث المسلمين ويجمع شملهم ويوحد كلمتهم وأن يحفظ بلادهم ويصلح أولادهم ويشفي مرضاهم ويعافي مبتلاهم ويرحم موتاهم ويأخذ بأيدينا إلى كل خير ويعصمنا من كل شر ويحفظنا من كل ضر وأن يغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين برحمته إنه أرحم الراحمين وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
المؤلف عبد العزيز بن محمد السلمان