الوصف
العبادة: تعريفها - أركانها - شروطها - مبطلاتها: كتابٌ يُبيِّن أهمية العبادة في حياة المسلم، وقد تضمَّن أربعة فصولاً، وهي: تعريف العبادة وحقيقتها، وأركان العبادة وأدلتها، وشروط العبادة وأدلتها، ومبطلات العبادة.
سليمان بن محمد العثيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا لإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا.. أما بعد:
فإنَّ الله لَمَّا خَلق المخلوقات جعل جميعها متعبِّدة له التعبُّد العام، سواء أقرَّ المقِرُّ بذلك أم لا، فهم مدينون له، مُدبَّرون بأمره، قد أسلموا له طوعًا أو كرهًا، ليس لأحدٍ من المخلوقات خروجٌ عمَّا شاءه وقدَّره وقضاه، فهو خالقهم وبارئهم ومصورهم ومليكهم، يصرفهم كيف يشاء، وكل ما سواه مربوب مفطور محتاج فقير إليه – جلَّ وعلا – وهذه عبودية عامة.
لكن اللهَّ قد اختصَّ بعض خلقه وكلَّفهم بعبودية خاصة يقومون بها، بل إنما خلقوا لأجل القيام بها، ومن ذلك الجن والإنس، كما قال تعالى: }وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{ ([1]) .
ومن رحمة الله بهم أنه لم يكلهم في عبادتهم على عقولهم يتخبَّطون فيها، بل أرسل رسله – عليهم الصلاة والسلام – وأنزل كتبه موضِّحة كيف يعبدون الله ويتقرَّبون إليه. ولهذا كانت مهمَّة جميع الأنبياء دعوة أقوامهم على توحيد الله وإفراده بالعبادة، كما قال تعالى مخاطبًا نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم في بيان ما أوحى به إلى الرسُل قبله، فقال: }وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ{ ([2]) فكل رسول من الرسل - عليهم الصلاة السلام - افتتح دعوته بالدعوة إلى عبادة الله وحده والقيام بها على مراد الله - عزَّ وجل - كقول نوح ومن بعده كما في سورة الأعراف وغيرها (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ...{ الآية.
إنها دعوة لعبادة الذي خلق الإنسان من العدم، ونفخ فيه من رُوحه، وأسجد له ملائكته وأسكنه جنته، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، تلك العبودية التي شرَّف الله من دخل في ظلِّها، واستنار بهديها، فنال سعادة الدنيا والآخرة، والإنسان لا ينفكُّ عنه وصف العبودية لأنه كائنٌ حيٌّ ذو حاجات ومطامع وشهوات.
فإما أن يكون عبدًا لله وإلا فهو عبدٌ لغيره حتمًا، سواء كانت حاجاته أو مطامعه أو شهواته أو طواغيت الجن والإنس أو غير ذلك. قال تعالى: }أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ{([3]).
ولقد اتفقت دعوة الرسل قاطبة على التحرُّر من كل معبودٍ سوى عبادة الله وحده، وكان آخرهم نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم الذي أُرسل إلى الثِّقَلَين الجن والإنس، وأنزل الله عليه القرآن }هْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا{ ([4]). وامتنَّ الله على نبيه صلى الله عليه وسلم بإنزاله وشموله، فقال تعالى: }وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ{ ([5]).
ولذا أكمل الله الدين بإرسال النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبإنزال القرآن العظيم، كما قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسلام دِينًا...{ الآية ([6]).، وبلَّغ الرسول – عليه الصلاة والسلام – أمَّته البلاغ المبين، فلا خير إلا دلَّ الأمَّة عليه، ولا شرَّ إلا حذَّرها عنه، وترك أمته على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
فوجب على المُكلَّفين بعد قيام الحجة عبادة الله وحده بما شرع لهم، وهذا هو حقُّ الله على العباد، كما روى معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار، فقال لي: «يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟»
قلت: الله ورسولــه أعلم، قال: «حقُّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحقُّ العباد على الله ألاَّ يعذب من لا يشرك به شيئًا...» الحديث([7]).
فبالقيام بالعبادة لله يحصل للمرء الأنس وراحة الضمير وانشراح الصدر وطمأنينة القلب وتهذيب الأخلاق وتزكية النفس والتلذُّذ بحرية القلب من كلِّ معبود سوى الله، ولا ألذَّ ولا أطيب ولا أسرَّ ولا أنعم من محبة الله والأنس بعبادته، وبالعبادة يتحقَّق للعبد مرضاة ربه وحصول ثوابه وإتيان كتابه بيمينه والفوز بجنة ربه جزاء ما عمل من العبادات الصالحات في الحياة الدنيا كما قال تعالى: }فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤ كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ{ ([8]).
أمَّا من تنكَّب الطريق، وأعرض عمَّا شرع الله من العبادات، واستكبر عن عبادة ربه فإنَّ الله جعل له في الدنيا النكد والضنك في المعيشة، وظُلمة في القلب ووحشة في النفس، والقلق المستمر، والتخبُّط في عبادة الشهوات؛ تلك العبودية التعيسة والجحيم الدائم في حمأتها، وفي الآخرة غضب الله وأليم عقابه كما قال تعالى: }وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى{ ([9]).
ولأهمية العبادة في حياة المسلم، بل هي الهمّ في هذه الحياة أحببت البحث في حقيقتها وأركانها وشروط صحتها ومفسداتها، مبينًا أدلَّة ذلك من الكتاب والسنّة، مُردفًا بعدهما أقوال علماء السلف في ذلك – عليهم رحمة الله – خاصة ونحن في وقتٍ قد حصر كثيرٌ من المسلمين مفهوم العبادة بالشعائر كالصلاة والزكاة والحجِّ والصوم وقراءة القرآن والذكر.. فقط، وأغفلوا – جهلاً – أنَّ العبادة شاملة لكلِّ أمرٍ يقوم به الإنسان في هذه الحياة، سواءً كان قولاً أم فعلاً كبيرًا أم صغيرًا، حتى مع الأسف انبرى بعض الناس – جهلاً أو تجاهلاً – مناديًا ما دخل الدين بالحياة؟ فالعبادة في المساجد ونحوها، ولا دخل للدين في شئون الحياة!.. وهذا ولا شكَّ راجعٌ إلى الجهل بحقيقة دين الله، كما أنهم يجهلون حقيقة العبادة ومفهومها في الإسلام، ذلك المفهوم الشامل كما جاء في القرآن والسنة، فرأيت أنَّ بحث هذه المسألة مهمٌّ جدًّا في حياتنا اليوم بحقيقة دين الله، وتعليم الناس حقيقة العبودية حتى لا تطغى عليهم براثين العلمانية المنتشرة في العالم اليوم وقد قسَّمت البحث إلى أربعة فصول:
الفصل الأول: تعريف العبادة وحقيقتها.
الفصل الثاني: أركان العبادة وأدلَّتها.
الفصل الثالث: شروط العبادة وأدلَّتها.
الفصل الرابع: مبطلات العبادة.
وإني أرجو من الله السداد والتوفيق، والله وحده المعين والهادي إلى سواء السبيل وصلى الله عليه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إحسان إلى يوم الدين.
الفصل الأول
ا – العبادة في اللغة:
قال ابن منظور:
العبد: الإنسان، حرًّا كان أو رقيقًا يُذهب ذلك إلى أنه مربوب لباريه عز وجلَّ .. يقال فلان عبد بيِّن العبودية.
وأصل العبودية: الخضوع والتذلل .. والتعبد: التنسُّك، والعبادة الطاعة، قال ابن الأنباري: فلان عابد: هو الخاضع لربه المستسلم المنقاد لأمره " ([10]).
وقال الفيروزأبادي "... والعبادة الطاعة " ([11])، وعلى هذا فتعريف العبادة في لغة العرب: الذلُّ والخضوع المستلزِم طاعة المعبود أمرًا ونهيًا.. ولذا سُمِّي الرقيق «عبدًا» يذل ويخضع لسيده أمرًا ونهيًا فيما يختص بشئون الحياة.
ب- العبادة في الشرع:
لقد اختلفت عبارات السلف – رحمهم الله تعالى – في تعريف العبادة شرعًا إلا أن المعنى متحد، وإنما الفرق بينها في الشمول، وسأعرض بعضًا منها:
1- قال ابن كثير رحمه الله: " العبادة في اللغة: من «الذلَّة» يقال «طريق معبد» و«بعير معبد» أي مذلَّل .. وفي الشرع: عبارة عمّا يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف " ([12]). فعرَّف العبادة بأنها «كمال المحبة لله مع كمال الخضوع لله مع كمال الخوف من الله» فمن اتصف بذلك فإنه يطلق عليه عابد لله – عز وجل -.
2- وقال القرطبي – رحمه الله -: " والعبادة عبارة عن توحيده والتزام شرائع دينه، وأصل العبادة الخضوع والتذلل " ([13]).
3- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " العبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة " ([14]).
4- وقال ابن القيم – رحمه الله – في النونية:
وعبادة الرحمن غاية حبِّه | مع ذلِّ عابده هما قطبان | |
عليهما فلك العبادة دائرٌ | ما دار حتى قامت القطبان | |
ومدارُه بالأمر أمر رسوله | لا بالهوى والنفس والشيطان([15]) |
وعلى هذا يتضح أنَّ للعبادة تعريفين.
أحدهما: باعتبار العابد، وهو كمال الذُل مع كمال الحب لله عز وجل.
والآخر: باعتبار المتعبَّد به، وهو ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، لكونه - عزَّ وجلَّ - شرعه وعُمل وفق مراده.
ثم مثَّل شيخ الإسلام لهذا فقال: " فالصلاة، والزكاة والصيام والحج، وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد للكفار والمنافقين والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء، والذكر والقراءة، وأمثال ذلك من العبادة، وكذلك حبُّ الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكُّل عليه والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، وأمثال ذلك هي من العبادة لله " ([16]).
جـ - حقيقة العبادة ومفهومها في الإسلام
وحقيقة العبادة: هي استسلام القلب والجوارح لله حبًا وخضوعًا له، وخوفًا من عقابه، لا شريك له في شيءٍ من ذلك ألبته، فهو المستحقُّ للعبادة وحده دون ما سواه.
ومفهوم العبادة في الإسلام: هو أن يكون ما اشتمل عليه ضمير الإنسان وجميع أقواله وأفعاله لأجل الله عزَّ وجل على مراده، والمعنى أنَّ كلَّ حركة يقوم بها المسلم في حياته يكون الدافع لفعلها رجاء محبة الله ورضوانه، فقول القول لله وتركه لله، وفعل الفعل لله وتركه لله... وهكذا فحياته لله جميعها، بل وموته لله كما قال تعالى آمرًا نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يقِّرر هذا للناس، فقال: }قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{ ([17]).
ومن أمثلة العبادة أيضًا طلب العلم وطلب الرزق والنفقة على الأهل والأولاد وتربيتهم ومعاملة الناس بالحسنى والتحلِّي بالأخلاق الفاضلة.
بل إنَّ الإسلام قد أسبغ على جميع أعمال الإنسان صفة العبادة إذا قصد بهذه الأعمال وجه الله ومرضاته، وقام بها على الوجه المشروع الموافق للسنة، وكانت في سبيل تحقيق أهدافها المقصودة المشروعة، فالمزارع والصانع والتاجر وغيرهم من أصحاب الأعمال تُعتَبر أعمالهم عبادة إذا قصد بها كلٌّ منهم نفعَ عباد الله والاستغناء عن الحاجة إلى الناس وإعالة العيال، تحقيقًا لأمر الله سبحانه وتعالى([18]).
وعلى هذا فكلُّ ما أُمر به شرعًا سواءً كان من الشعائر أو من سائر أحوال الناس إذا ابتغى به فاعله وجه الله – عزَّ وجل – فهو عبادة سواء رتّب الشارع عليه جزاءً مُحدَّدًا أو أتى الأمر به مُطلقًا دون تحديد جزاء، وهذا من فضل الله ورحمته بعباده، فمثال ما رُتِّب على فعله جزاء ويحصل للمسلم هذا الجزاء إذا كان إنما فعله من أجل الله ما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل سلامي من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقــة، وبكل خطــوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة » ([19]).
فاشتمل الحديث على بعض الآداب، وجعل الشارع القيام بها عبادة يُثاب عليها المسلم إذا نوى أنه إنما قام بها من أجل الله عزَّ وجل، كما أن التحلِّي بالأخلاق يُعتبر عبادةً أيضًا، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طلق» ([20]).
ومثل ما أُمر به شرعًا ولم يُحدَّد على فعله جزاءً معينًا، ويعتبر القيام به عبادة إذا نُوي بها القربة لله ويؤجر عليها، إجابة دعوة المسلم، قال عليه الصلاة والسلام «إذا دُعي أحدكم فليجب، فإن كان صائمًا فليصل، وإن كان مفطرًا فليطعم» ([21]). فمن كانت نيته في إجابة الدعوة امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وإدخال السرور على أخيه المسلم كان فعله عبادة .. أما من لم تكن له نية في إجابتها فلا يُعتبر قد قام بعبادة، وهذا ينطبق على كلِّ أمرٍ من شئون الحياة، من مأكلٍ ومشربٍ ومنكحٍ ونومٍ ويقظةٍ وسفرٍ وإقامة... وهكذا، فمن نوى بكلِّ هذه وأمثالها وجه الله فهي عبادةٌ مأجورٌ عليها، وكلَّما كانت النية أشمل كان الأجر أعظم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى...» الحديث ([22]).
قال عبد الله بن المبارك رحمه الله: " ربَّ عمل صغير تعظمه النية، وربَّ عمل كبير تُصغِّره النية " ([23]).
أما من لم ينوِ شيئًا فليست سوى أفعال عادية، لذا تباين الناس في ذلك تباينًا عظيمًا، فمن الناس من كلِّ عاداته وأفعاله عبادة لله لأنه مُحضر نيته، قاصد وجه الله بذلك، بينما بعض الناس قد تكون كلُّ عباداته حتى "الشعائر" أو بعضها عادات، وذلك لخلوِّ قلبه من نية التقرُّب لله عزَّ وجل، وعلى هذا فالعبادة تشمل قول اللسان والقلب وعمل القلب والجوارح كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى: " وبُني }إياك نعبد{ على أربع قواعد: التحقُّق بما يُحبُّه الله ورسوله ويرضاه من قول اللسان، والقلب، وعمل القلب والجوارح، فالعبودية اسم جامع لهذه المراتب الأربع، فأصحاب }إياك نعبد{ حقًا هم أصحابها ".
فقول القلب: هو اعتقاد ما أخبر الله سبحانه به عن نفسه وعن أسمائه وصفاته وأفعاله وملائكته ولقائه على لسان رُسله.
وقول اللسان: الإخبار عنه بذلك والدعوة إليه والذَّبُّ عنه، وتبيين بطلان البدع المخالفة له، والقيام بذكره وتبليغ أوامره.
وعمل القلب: كالمحبة له والتوكُّل عليه والإنابة إليه والخوف منه والرجاء له وإخلاص الدين له، والصبر على أوامره وعن نواهيه، وعلى أقداره، والرضا به وعنه والموالاة فيه والمعاداة فيه، والذل له والخضوع، والإخبات إليه والطمأنينة به وغير ذلك من أعمال القلوب التي فَرضُها أفرضُ من أعمال الجوارح، ومستحبُّها أحبُّ إلى الله من مستحبِّها، وعمل الجوارح بدونها إمَّا عديم المنفعة أو قليل المنفعة.
وأعمال الجوارح: كالصلاة والجهاد، ونقل الأقدام إلى الجمعة والجماعات ومساعدة العاجز والإحسان إلى الخلق ونحو ذلك. ([24]).
فالدين كلُّه عبادة لأنه إنما شُرع من أجل أن يرسم للإنسان منهج حياته الظاهرة والباطنة ويُحدد سلوكه وعلاقته بالآخرين، بل إنَّ عبادة الله تَسَع الحياة كلَّها من آداب الأكل والشرب وقضاء الحاجة، إلى بناء الدولة وسياسة الحكم وسياسة المال وشئون المعاملات والعقوبات والعلاقات الدولية في الحرب والسلم وغير ذلك من شئون الحياة، ولذا خاطب الله عباده المؤمنين في كتابه العزيز بأوامر شاملة لجميع شئون الحياة، وليست مقصورة على الشعائر فقط كما يفهمه كثيرٌ من المسلمين اليوم - مع الأسف الشديد - فهم لا يفهمون من كلمة «عبادة» إذا ذُكرت إلاَّ الصلاة والصيام والصدقة والحج والعمرة.. ونحو ذلك من الأدعية والأذكار، ولا يحسب أنَّ لها علاقة بالأخلاق والآداب أو النُظم أو العادات والتقاليد، وكما يحسب بعض الناس أنهم إذا قاموا بهذه الشعائر فقد وفَّوا الألوهية حقَّها وقاموا بواجب العبودية لله كلِّها، وهذا خطأٌ كبيرٌ وضلالٌ مبين.
صحيح إنَّ هذه الشعائر العظيمة والأركان الأساسية في الإسلام، لكنها لا تعني أنها كلّها، إنما هي جزء من العبادات لله وليست هي كلُّ العبادة التي يريدها الله من عباده..
والحقُّ أنَّ دائرة العبادة التي خلق الله لها الإنسان وجعلها غايته في الحياة ومهمته في الأرض دائرة رحبة واسعة، إنها تشمل شئون الإنسان كلها وتستوعب حياته جميعًا، وهذا ما نزل القرآن به، وعلَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، والأدلَّة من سُنته أكثر من أن تُحصى كما ذكرت سالفًا بعضًا من ذلك.
فالرسول عليه الصلاة والسلام علَّم أصحابه أنَّ كلَّ أمرٍ يقوم به المسلم فهو عبادة إذا قَصد وجه الله، حتى أنه لَمَّا ذكر بعضًا من القربات إلى الله ذكر من بينها مباضعة الرجل لزوجته، كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: إن أُناسًا قالوا: يا رسول الله: ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نُصلِّي ويصومون كما نصوم، ويتصدَّقون بفضول أموالهم، قال «أو ليس قد جعل الله لكم ما يصدَّقون به؟ إنَّ بكلِّ تسبيحة صدقة، وكلِّ تكبيرةٍ صدقة، وكلِّ تحميدةٍ صدقة، وكلِّ تهليلةٍ صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة». قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: «أرأيتم لو وضعهــا في حـرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» ([25]).
وفي الصحيحين عن سعد بن أبي وقَّاص عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنك لن تُنفـق نفقــةً تبتغي بها وجه الله إلا أُثِبتَ عليها، حتى اللقمة تجعلها في فـيِّ امرأتك» ([26]).
وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة»([27]).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم».
وهذا المفهوم الشمولي للعبادة هو الذي فهمه الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من السلف. قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: "لكني أنام ثم أقوم، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي" ([28]).
وقال زيد الشامي: "إني لأحب أن تكون لي نية في كلِّ شيء حتى في الطعام والشراب" ([29])
وقال عبد الله بن المبارك: "رُبَّ عملٍ صغيرٍ تعظمه النية، وربّ عمل كبير تصغره النية"([30]).
قال ابن رجب رحمه الله : قال بعض السلف: " من سرَّه أن يكمل له عمله فليحسِّن نيته؛ فإنَّ الله – عز وجل – يؤجِر العبد إذا أحسن نيته حتى باللقمة"([31]).
قال الذهبي – رحمه الله -: "من التفرُّغ للعبادة السعي في السبب، ولاسيَّما لمن له عيال"([32]).
لذا يجب على كل مسلم ذي بصيرة تصحيح هذا المفهوم الخاطئ لدى بعض الناس نحو العبادة ومفهومها على نحو ما شرعه الله في كتابه العزيز وأوضحه النبي – عليه الصلاة والسلام – في سُنته.
الفصل الثاني
من حكمة الله - عزَّ وجلَّ – أن جعل لكل شيء في الوجود يراد قيامه وانتصابه أركانًا يقوم عليها ويعتمد، سواء كان معنويًا أو حسيًا، فلا يمكن أن يقوم ويكون له أثر في الوجود إلا إذا استكمل ما يلزمه من أركان، ومن ذلك عبادة الله – عز وجل – فلا يمكن أن تقوم وتسمَّى عبادة إلا إذا توفرت فيها كل عبارة على هذه الأركان، أما إذا فّقد واحد منها فإنه لا قيمة لها، وبالتالي فلا تسمَّى عبادة، وسأذكر كلَّ ركنٍ مع المراد به ودليله إن شاء الله تعالى.
الركن الأول- المحبَّة:
والمراد بها أن يكون العبد مُحبًا لله تعالى، ومحبته له منتهى الحب، لذا يفعل العبادات بدافع محبته لله وخوفه ورجائه له، طلبًا في إرضاء محبوبه، فالذي دفعه لفعل العبادة هو محبته له - عزَّ وجلَّ – وهو أعظم ركن في العبوديــة، فمن لا يحب الله لم يكن عابدًا، وليس في الوجود من هو أجدر من الله – تعالى – بأن يُحَب، فهو صاحب الفضل والإحسان، الذي خلق الإنسان ولم يكن شيئًا مذكورًا، وخلق له ما في الأرض جميعًا، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة وخلقه في أحسن تقويم، وصوَّره فأحسن صورته وكرَّمه وفضَّله على كثيرٍ ممَّن خلقه، ورزقه من الطيبات وعلَّمه البيان واستخلفه في الأرض، ونفخ فيه من رُوحه، وأَسجَدَ له ملائكته، فمن أولى من الله بأن يُحب؟!
قال ابن القيم – رحمه الله – في شأن محبة الله: "وهي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى علمها شمَّر السابقون، وعليها تفانى المحبـُّون، وبرُوح نسيمها تروّح العابدون؛ فهي قُوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرَّة العيون، وهي الحياة التي مَن حُرمها فهو من جملة الأموات.
والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات. والشفاء الذي من عدمه حلَّت بقلبه جميع الأسقام، واللذَّة التي من لم يظفر بها فعيشه كلُّه هموم وآلام. وهي رُوح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال. التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا رُوح فيه. تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلاَّ بشقِّ الأنفس بالغيها، وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبدًا واصليها، وتبوِّؤهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها، وهي مطايا القوم التي مراهم على ظهورها دائمًا إلى الحبيب. وطريقهم الأقوم الذي يُبلِّغهم إلى منازلهم الأولى من قريب..
تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة؛ إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب، وقد قضى الله يوم قدَّر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة أنَّ المرء مع من أحب، فيا لها من نعمةٍ على المحبِّين سابغة..
تالله لقد سبق القوم السعاة وهم على ظهور الفرش نائمون. وقد تقدَّموا الركب بمراحل وهم في سيرهم واقفون.
من لي بمثل سيرك المدلَّل | ||
تمشي رويدًا وتجيء في الأوَّل؟! | ||
أجابوا منادي الشوق إذ نادى بهم «حيَّ على الفلاح»، وبذلوا نفوسهم في طلب الوصول إلى محبوبهم، وكان بذلهم بالرضا والسماح. وواصلوا إليه المسير بالإدلاج والغدو والرواح.
تالله لقد حمدوا عند الوصول سُراهم , وشكروا مولاهم على ما أعطاهم. وإنما يحمد القوم السُّرَى عند الصباح ([33]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
" لكن العبادة المأمور بها تتضمَّن معنى الذلِّ ومعنى الحب؛ فهي تتضمَّن غاية الذل لله تعالى بغاية المحبة له، فإنَّ آخر مراتب الحب هو التتيُّم، وأوله العلاقة، لتعلُّق القلب بالمحبوب، ثمن الصبابة لانصباب القلب إليه، ثم الغرام وهو الحب الملازم للقلب، ثم العشق، وآخرها التتيُّم .. يقال «تيَّم الله» أي «عَبَدَ الله»، فالمتيم: المعبِّد لمحبوبه، ومن خضع لإنســان مع بغضه له لا يكون عابدًا له، ولو أحبَّ شيئًا ولم يخضع له لم يكن عابدًا له، كما يُحب الرجل ولده وصديقه، ولهذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله تعالى، بل يجب أن يكون الله أحبَّ على العبد من كلِّ شيءٍ وأن يكون الله أعظم عنده من كلِّ شيء، بل لا يستحق المحبة والخضوع التام إلا الله، وكلُّ ما أحبّ لغير الله فمحبته فاسدة " ([34]) .
فمن عبد الله ولم يكن محبًا له فلا عبادة له، بل لا بدَّ أن تكون عبادته قائمة على محبة الله وتعظيمه، ودليل المحبة قوله تعالى: }وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ...{ الآية ([35]).
قال ابن كثير – رحمه الله – " ولحبهم لله وتمام معرفتهم به وتوقيرهم وتوحيدهم له لا يشركون به شيئًا، بل يعبدونه وحده، ويتوكَّلون عليه، ويلجئون في جميع أمورهم إليه " ([36]).
وقال تعالى: }قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُـمْ مِـنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ...{ الآية ([37]).
قال شيخ الإسلام – رحمه الله -: " فمن كان محبًا لله، لزم أن يتبع الرسول فيصدقه فيما أخبر، ويطيعه فيما أمر، ويتأسَّى به فيما فعل، ومن فعل هذا فقد فعل ما يحبه الله، وقد جعل الله لأهل محبته علامتين: اتباع الرسول، والجهاد في سبيله .وذلك لأنَّ الجهاد حقيقته الاجتهاد في حصول ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح، ومن دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان " ([38]).
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «ثلاث من كنَّ فيه وجد بهنَّ طعم الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه ممَّا سواهما، وأن يحبَّ المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذف في النار» ([39]).
والشاهد قوله: « أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما» فكلَّما عظمت محبة العبد لربه كلَّما عظم تقرُّبه له وقويت صلته به وزادت عبادته، وبذلك تحصل محبة الله للعبد، كما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ الله قال: «من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحبُّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه»([40]).
فمن أحب الله حبًّا صادقًا بحيث يدفعه للعمل المشروع والبعد عن المحذور فإنَّ هذا يورث محبَّة الله له، ومن أحبه الله فهو من أوليائه الذين قال فيهم: }أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{([41]).
الركن الثاني- الرجاء:
والرجاء من الأمل نقيض اليأس.
قال ابن القيم رحمه الله: " الرجاء: حادٍ يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب، وهو الله والدار الآخرة، ويطيِّب لها السير. وقيل: هو الاستبشار بجود وفضل الربِّ تبارك وتعالى، والارتياح لمطالعة كرمه سبحانه. وقيل هو الثقة بجود الربِّ تعالى" ([42]).
والرجاء ركنٌ في العبادة، والمراد به هو أن يفعل العبد العبادة بدافع – أيضًا – الرجاء في ثواب الله ورحمته ورجاء مرضاته، لأنه هو النافع فهو المرجو جلَّ وعلا وحده دون ما سواه.
والرجاء من الأسباب التي ينال بها العبد ما يرجوه من ربه، ودليل كونه مقربًا إلى الله قوله تعالى في وصف بعض أنبيائه وذكر عبادتهم والدافــع لها، فقال: }إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبًا ورهبًا وكانوا لنا خاشعين{ ([43]).
وأخبر تعالى عن خواص عباده الذين كان المشركون يزعمون أنهم يتقرَّبون بهم إلى الله تعالى أنهم كانوا راجين له خاضعين، فقال تعالى: }قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا{ ([44]).
كما وصف المؤمنين أنهم يرجون الله طمعًا في ثوابه والقرب منه فقال تعالى: }تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ{ ([45]).
وقال تعالى: }أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ{ ([46]).
وأخبر عن الصحابة المهاجرين الذين فرُّوا بدِينهم وتركوا أموالهم وأولادهم وأوطانهم وما عملوه في الإسلام والدافع لذلك، فقال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ ([47]).
وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي» الحديث ([48]).
وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث: «لا يموتن أحدكم إلاَّ وهو يحسن الظن بربه» ([49]).
وقد ذكر ابن القيم – رحمه الله – فوائد في رجاء العبد لربه، فقال: " منها إظهار العبودية والفاقة، والحاجة إلى ما يرجوه من ربه، ويستشرفه من إحسانه، وأنه لا يستغنى عن فضله وإحسانه طرفة عين، ومنها: أنه يحب – سبحانه – من عباده أن يؤملوه ويرجوه ويسألوه من فضله لأنه الملك الحقُّ الجواد، أجود من سُئِل، وأوسع من أَعطى، وأحب شيء إلى الجواد أن يُرجى ويؤمل ويُسأل. ومنها أنَّ الرجاء حادٍ يحدو به في سيره إلى الله، ويطيب له المسير، ويحثُّه عليه، ويبعثه على ملازمته، فلولا الرجاء ما سار أحد، فإنَّ الخوف وحده لا يحرك العبد، وإنما يُحرِّكه الحب، ويزعجه الخوف ويحدوه الرجاء.. ومنها أنه يبعثه على أعلى المقامات وهو مقام الشكر الذي هو خلاصة العبودية؛ فإنه إذا حصل له مرجوُّه كان أدعى لشكره. ومنها أنه يوجب له المزيد من معرفة لله وأسمائه ومعانيها والتعلُّق بها؛ فإنَّ الراجي متعلِّق بأسمائه الحسنى متعبِّدٌ بها، داع بها. ومنها أنَّ العبد إذا تعلَّق قلبه برجاء ربه فأعطاه كان ذلك ألطف موقعًا وأحلى عند العبد، وأبلغ من حصول ما لم يَرجُهُ، وهذا أحد الأسباب والحكم في جعل المؤمنين بين الرجاء والخوف في هذه الدار فعلى قدر رجائهم وخوفهم يكون فرحهم في القيامة بحصول مرجوهم واندفاع مخوفهم. ومنها أنَّ الله – سبحانه وتعالى – يريد من عبده تكميل مراتب عبوديته بالتوبة التي هي من أحبِّ عبوديات عبده إليه، فكذلك تكميلها بالرجاء والخوف، ومنها أنّ في الرجاء من الانتظار والترقُّب والتوقُّع لفضل الله ما يُوجب تعلُّق القلب بذكره ودوام الالتفات إليه بملاحظة أسمائه وصفاته" ([50])
والفوائد أكثر من أن تحصى.
وفي عدم رجاء العبد لربه يأس وقنوط من رحمته، وهذا محرم لا يجوز بل هو كُفرٌ كما قال تعالى: }يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ{ ([51]).
وقال تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام في جوابه للملائكة }قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ{ ([52]).
كما نهى – تعالى – عباده الذين ارتكبوا المحرَّمات وأسرفوا على أنفسهم ألا يقنطوا من رحمة الله، وعليهم الاستقامة ورجاء ثوابه، فقال تعالى: }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{([53]).
وقد جعل الرسول – عليه الصلاة والسلام – الدعاء هو العبادة كما في حديث النعمان بن بشير – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلـم قال: «الدعاء هو العبادة» ([54]) وذلك لأنَّ الدعاء من أقوى أسباب الرجاء لذلك يغضب الله على من ترك دعاءه لأنه ترك للرجاء كما روى أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم – قال: «من لم يسأل الله يغضب عليه» ([55]).
الركن الثالث- الخوف:
فكما أنَّ المسلم يعبد ربَّه تبارك وتعالى حبًّا له ورجاءً لثوابه وطمعًا في جنته، فإنه كذلك يعبده خوفًا من عقابه وحذرًا من ناره..
والخوف:
قال أبو القاسم الجنيد([56]): هو توقع العقوبة على مجاري الأنفاس.
وقيل: الخوف اضطراب القلب وحركته من تذكُّر المخوف.
وقيل: الخوف هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره..
والوجل والخوف والخشية والرهبة ألفاظ متقاربة غير مترادفة، والخشية أخصُّ من الخوف؛ فإنَّ الخشيــة للعلمـاء بالله، قال تعالى: }إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ{ الآية ([57])، فهو خوف مقرون بمعرفة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله...» الحديث ([58])
فالخوف حركة، والخشية انجماع وانقباض وسكون" ([59]).
لذا يجب على العابد أن يعبد الله بدافع ما مضى من الأركان وبدافع الخوف من الله عزَّ وجل.
ومن أدلَّــة وجوب الخوف قوله تعالى: }... وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ{([60])، وقال تعالى: }فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ{ ([61])، وقال تعالى: }وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ{([62]).
وقال تعالى: }فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ...{ الآية ([63])، كما مدح الخائفين والخاشعين لله فقال في معرض ذكر صفات المؤمنين }وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ{([64])، كما وصف بعض أنبيائه فقال تعالى: }إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ{([65])، وأخبر عن ملائكته والدافع لعبادتهم فقال تعالى: }يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ{([66])، وقال في وصفهم أيضًا: }... أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورًا{([67]).
وقال تعالى في وصف المؤمنين: }تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ{([68])
وقال عن المؤمنين وما عملوه والدافع لذلك }إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا{([69]).
كما وعد مـــن خافــه أن يُدخله الجنة،فقال تعالى: }وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ{([70]).
وقال تعالى: }وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى{([71])
وقال عليه الصلاة والسلام: «والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله»([72]).
وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: يا رسول الله قول الله تعالى: }وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ{ أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق؟
قال: «لا يا ابنة الصديق، ولكنَّ الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف ألاَّ يُقبَل منه » ([73]).
قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: " عملوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها، وخافوا أن تُردَّ عليهم، إنَّ المؤمن جمع إحسانًا وخشيةً والمنافق إساءةً وأمنًا " ([74])
وقال ابن كثير: " يُعطون العطاء وهم خائفون وجلون ألاَّ يُتقبَّل منهم لخوفهم أن يكونوا قد قصَّروا في القيام بشروط العطاء"([75]).
قال ابن القيم رحمه الله: " الخوف المحمود الصادق: ما حال بين صاحبه وبين محارم الله – عز وجل – فإذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس والقنوط .. قال أبو عثمان: صِدق الخوف هو الورع عن الآثام ظاهرًا وباطنًا، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية – قدَّس الله روحه – يقول: الخوف المحمود ما حجزك عن محارم الله " ([76]).
وهذه من فوائده العظيمة، وهو أنه يحمي العبد من الوقوع في المعاصي والآثام كما حكى الله عن ابن آدم الذي تبرَّأ من مقاتلة أخيه إذ أراد قتله، وأوضح أنَّ السبب في الكفِّ عن مقاتلته هو خوفه من الله، فقال تعالى عنهما: }نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ{([77]).
ومن فوائده أنه يدفع إلى فعل الطاعات والمسارعة فيها، لذا يقول عليه الصلاة والسلام: « من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة » ([78]).
وبهذا نعرف أنَّ العبادة لا تقوم وتستقيم إلا بهذه الأركان الثلاثة ـ فلا بدَّ من اجتماعها في قلب العبد وأن تكون مجتمعة حال فعله للعبادة، بل الدافع لفعلها اجتماعها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "اعلم أنَّ محركات القلوب إلى الله – عزَّ وجل – ثلاثة: المحبة، والخوف، والرجاء، وأقواها المحبة، وهي المقصودة لذاتها لأنها تُراد في الدنيا والآخرة، بخلاف الخوف؛ فإنه يزول في الآخـرة، قال تعالى: }أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ{ ([79]) والخوف المقصود منه: الزجر والمنع من الخروج عن الطريق، فالمحبة تلقى العبد في السير إلى محبوبه، وعلى قدر ضعفها وقوتها يكون سيره إلى الله، والخوف يمنعه أن يخرج عن طريق المحبوب، والرجاء يقوده، فهذا أصل عظيم، يجب على كلِّ عبد أن يتنبهَّ له، فإنه لا تحصل له العبودية بدونه وكلُّ أحد يجب أن يكون عبدًا لله لا لغيره"([80]).
وقال ابن القيم رحمه الله: القلب في سيره إلى الله عزَّ وجل بمنزلة الطائر، فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سَلِم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران، ومتى قُطِع الرأس مات الطائر، ومتى فُقِد الجناحان فهو عرضة لكلِّ صائدٍ وكاسر، ولكنَّ السلف استحبُّوا أن يقوى في الصحة جناح الخوف على جناح الرجاء، وعند الخروج من الدنيا يقوى جناح الرجاء على جناح الخوف، هذه طريقة أبي سليمان وغيره، قال: ينبغي للقلب أن يكون الغالب عليه الخوف، فإن غلب عليه الرَّجاء فسد، وقال غيره: أكمل الأحوال اعتدال الرجاء والخوف وغلبه الحب، فالمحبة هي المركب، والرجاء حاد والخوف سائق والله الموصل بمنّه وكرمه"([81]).
ولعلَّ الراجح أن يعتدل رجاء العبد وخوفه، فلا يطغى أحدهما على الآخر إلا عند الاحتضار، فيغلب جانب الرجاء والثقة بالله عزَّ وجل، لقوله عليه الصلاة والسلام: « لا يموتنَّ أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عزَّ وجل»([82]).
واعتدال الرجاء والخوف في الحياة قد اختاره جملة من العلماء.
قال النووي رحمه الله: " اعلم أنَّ المختار للعبد في حال صحته أن يكون خائفًا راجيًا، ويكون خوفه ورجاؤه سواء، وفي حال المرض يمحض الرجاء، وقواعد الشرع من نصوص الكتاب والسنة متضافرة على ذلك"([83])، لأنَّ العبد في ساعة الاحتضار وما بعدها أحوج ما يكون إلى رحمة الله عزَّ وجل، فلا يُقدِّم ولا يُؤخِّر ولا يستطيع أن يعمل صالحًا، فلزم أن يكون راجيًا مغفرة الله ورضوانه ويظنُّ بالله خيرًا، والله عند ظنِّ عبده به .. نسأل الله حُسن الرجاء وحُسن العاقبة .. آمين.
د- الذين ضلُّوا في تحقيق أركان العبادة:
وقد ضلَّ في تحقيق أركان العبادة لله ثلاث طوائف أذكرها على سبيل الإيجاز خشية الإطالة وهي:
1- الصوفية ([84]):
فإنهم زعموا أنهم يعبدون الله حبًّا له فقط، فلا يرجون ثوابه ولا يخافون عذابه، وقد أبطلوا كلَّ سبب يئول إلى الرجاء، مثل الدعاء والإنابة والتضرُّع ونحوها، كما أبطلوا كلَّ سببٍ يئول إلى خوف الله مثل دوام المراقبة والمحاسبة ونحوهما، وقد تواترت عبارات أئمَّتهم حول هذا المعنى في كثيرٍ من الكتُب التي حكت مقالاتهم.
2- المرجئة([85]):
فإنهم يزعمون أنهم يعبدون الله بالرجاء فقط، فلا محبة ولا خوف، بل عماد عبادتهم على الرجاء، وهذا الذي دفع كثيرًا منهم إلى الانغماس في المعاصي والآثام وارتكاب المحرمات، عياذًا بالله من ذلك.
3- الخوارج ([86]):
الذين يزعمون أنهم يعبدون الله بالخوف فقط، فلا يحبون ولا يرجون، بل يتقرَّبون إليه بأنواع العبادة خوفًا من عذابه فقط.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وقال من قال من السلف: من عبد الله بالحبِّ وحده فهو زنديق، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري([87]) ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحِّد" ([88]).
والنصوص الواردة في الكتاب والسنة والتي ذكرت بعضها عند ذِكر كلِّ ركنٍ من أركان العبادة – تردُّ على هؤلاء الطوائف الضَّالة، وتبيِّن أنَّ العبادة لا تقوم ولا يستقيم عودها إلاَّ بهذه الأركان مجتمعة، وهذا هو الذي قرَّره علماء السلف عليهم رحمة الله في كتبهم، وردُّوا على هذه الطوائف، ويكفي في الردِّ أنَّ الله جمع بين أركان العبادة في كثيرٍ من الآيات في آيةٍ واحدة.
الفصل الثالث
من رحمة الله بعباده – وهو أرحم الراحمين – أنه لَمَّا فرض عليهم عبادته وجعلها مبنيةً على محبته ورجائه وخوفه، أوضح لهم بعد ذلك شروط صحة تلك العبادة، وأنها لا تكون صحيحة ومقبولة عنده إلا إذا توافرت فيها هذه الشروط، وقد دلَّ عليها الكتاب والسنة وإجماع الأمَّة وهي:
الشرط الأول- الإخلاص:
فالإخلاص هو لبُّ الدين، وعموده الأعظم، وهو لغةً: «تصفية الشيء وتنقيته»، يقال: خلص الشيء من الشوائب إذا صفا، وأخلص الشيء: نقاه، وخلَّصه: أزال عنه ما يكدره([89]).
وقد اختلفت عبارات العلماء في المراد به شرعًا، فقيل: هو «قصد المعبود وحده بالعبادة» كما قال تعالى: }وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا{ [الكهف: 110]([90])
وقيل: تخليص القلب من كلِّ شوب يُكدِّر صفاءه([91]).
وقيل: التوقِّي من ملاحظة الخلق([92]).
وقيل: إفراد الحقِّ سبحانه في الطاعة بالقصد([93]).
وقيل: ما لا يعلمه مَلَك فيكتبه، ولا عدوٌّ فيفسده، ولا يعجب به صاحبه فيبطله([94]).
وقيل: أن يكــون الداعــي إلى الإتيان بالمأمور وإلى ترك المنهي إرضاء الله تعالى([95]).
والتعريفات متقاربة، ومدارها على أن يريد العبد بطاعته التقرُّب إلى الله سبحانه دون أيِّ شيءٍ آخر من تصنُّعٍ لمخلوقٍ أو اكتساب محمدةٍ عند الناس، أو محبة مدحٍ من الخلق، أو معنى من المعاني سوى التقرُّب به إلى الله تعالى.
قال ابن القيم رحمه الله: " أهل الإخلاص للمعبود والمتابعــة هم أهل }إياك نعبد{ حقيقة، وأعمالهم كلُّها لله، وأقوالهم لله، وعطاؤهم لله، ومنعهم لله، وحبهم لله وبغضهم لله، فمعاملتهم ظاهرًا وباطنًا لوجه الله وحده، لا يريدون بذلك من الناس جزاءً ولا شكورًا، ولا ابتغاء الجاه عندهم وطلب المحمدة والمنزلة في قلوبهم ولا هربًا من ذمِّهم، بل قد عدُّوا الناس بمنزلة أصحاب القبور لا يملكون لهم ضرًّا ولا نفعًا ولا حياةً ولا نشورًا " ([96]).
وقد وردت أدلَّةٌ كثيرةٌ في الكتاب والسُنة مُقرِّرةً هذا الشرط، ومنها قوله تعالى آمرًا نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يُوضِّح لأمته ما أُمر به من قِبل الله – عزَّ وجل – فقال: }قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ{ الآية([97]): }قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ{([98]).
وقال تعالى: }قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي{ ([99]).
وقال تعالى موضحًا ما أُمــر بـه المؤمنــون: }وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ...{ الآية ([100]).
وقال تعالى: }وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى{([101]).
وقـال تعالى: }لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ{ ([102]).
وقال تعالى: }فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا{ ([103]).
وقال عليـه الصلاة والسلام: « إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى، فمن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امــرأة ينكحها فهجرتــه إلى ما هاجر إليه » ([104])
وقال عليه الصلاة والسلام: « إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم ».
وفي رواية أخرى: « إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم » ([105]).
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياءً، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله » ([106]).
فهذه الأدلة تدلُّ على وجوب إخلاص النية في جميع العبادات.
فالإخلاص شرط لصحة العمل وقبوله إن كان عبادة محضة كالصلاة والزكاة والصيام والحج والطواف وقراءة القرآن، وشرط لحصول الثواب إن كان غير ذلك كالأكل والشرب والنوم والكسب ونحو ذلك.
وما أعظم مقام الإخلاص عند الله!.. وما أشقَّه على النفس!.. لذا جديرٌ بالمسلم أن يجاهد نفسه ويحاسبها في كلِّ قول وعمل، بل وفي كلِّ مقام ولحظة.
قال سهل بن عبد الله: "ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص، لأنه ليس لها فيه نصيب" ([107]).
وقال يوسف بن الحسين الرازي: " أعزُّ شيء في الدنيا الإخلاص وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي، وكأنه ينبت فيه على لون آخر " ([108]).
قال ابن القيم رحمه الله: " فعمل القلب هو رُوح العبودية ولُبها، فإذا خلا عمل الجوارح منه كان كالجسد الميت بلا رُوح، والنية هي عمل القلب..."
إلى أن قال: "... والكلام في مسألة النيَّة شديد الارتباط بأعمال القلوب ومعرفة مراتبها وارتباطها بأعمال الجوارح وبنائها عليها وتأثيرها فيها صحةً وفسادًا، وإنما هي الأصل المراد المقصود، وأعمال الجوارح تبع ومكمِّلة ومتمِّمة، وأنَّ النية بمنزلة الرُوح، والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء، الذي إذا فارق الروح فموات، وكذلك العمل إذا لم تصحبه النية فحركة عابث .. فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح؛ إذ هو أصلها، وأحكام الجوارح متفرِّعة عنها... ".
إلى أن قال: "... والمؤمنون العارفون بالله وبأمره قاموا له بحقيقة العبودية ظاهرًا وباطنًا، وقدَّموا قلوبهم في الخدمة، وجعلوا الأعضاء تبعًا لها، وهي حقيقة العبودية، ومن المعلوم أنَّ هذا هو مقصود الربِّ بإرسال رسله وإنزال كتُبه وشرعه شرائعه .. ومن تأمَّل الشريعة في مصادرها ومواردها علم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب، وأنها لا تنفع بدونها، وأنَّ أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح، وهل يميز المؤمن عن المنافق إلا بما في قلب كلِّ واحد منهما من الأعمال التي ميزت بينهما، وهل يمكن لأحدٍ الدخول في الإسلام إلاَّ بعمل قلبه قبل جوارحه، فعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح وأكثر وأدوم، فهي واجبة في كلِّ وقت، ولهذا كان الإيمان واجب القلب على الدوام، والإسلام واجب الجوارح في بعض الأحيان، فمركب الإيمان القلب، ومركب الإسلام الجوارح"([109]).
الشرط الثاني- أن تكون العبادة مبنية على اعتقاد صحيح:
وهو أن يكون العابد مؤمنًا بما جاء عن الله وعن رسوله، مصدقًا بكل خبرٍ وجب الإيمان به، وقد دلَّ على هذا الشرط قوله تعالى: }وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا{ ([110]).
وقال تعالى: }مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{([111]).
قال الشنقيطي رحمه الله: "فقيَّد ذلك بالإيمان، ومفهوم مخالفته أنه لو كان غير مؤمن لما قبل منه ذلك العمل الصالح " ([112]).
وقال تعالى: }فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ{ ([113]).
وقال تعالى: }وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا{ ([114]).
وقال تعالى: }وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا{([115]).
وقال تعالى: }مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ{ ([116])
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطـب في حجـة الوداع فقال: « اتقوا الله وصلوا خمسكم وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا أمراءكم تدخلوا جنة ربكم»([117]).
فقوله – عليه الصلاة والسلام -: «اتقوا الله» يعنى الإيمان الذي أُمر به العبد شرعًا الذي لولاه ما قُبلت الأعمال التي ذكرها بعده، فدلَّ على لزوم صحة الاعتقاد حتى تصح الأعمال المتقرَّب بها إلى الله – عزَّ وجل – ولهذا الشرط أبطل الله قربات الكفار، فقال تعالى: }وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا..{ الآية ([118]).
وقال تعالى: }وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا{ ([119]) وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قلت: يا رسول الله، إنَّ ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويُطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ قال: « لا ينفعه، إنه لم يقل يومًا: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين»([120]).
ولولا هذا الشرط لصحَّت أعمال كثيرة من أصحاب النحل والفرق الضَّالة الذين يُخلصون في عبادتهم لله، فتجدهم لا يريدون بالقرب إلا الله لكن عندهم من البدع والنحل ما يقدح بإيمانهم أو يزيله بالكلية، إذن لا بدَّ من صحَّة الاعتقاد حتى تقبل الأعمال الصالحة.
وهذا الشرط – وهو صحة الاعتقاد – والذي قبله وهو الإخلاص لله في العمل المتقرب به إليه هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله.
الشرط الثالث - المتابعة:
ومعناها أن تكون عبادة المسلم تابعةً لِما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو تحقيق شهادة أنَّ محمدًا رسول الله، وهو طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألاَّ يعبد الله إلاَّ بما شرَّع عليه الصلاة والسلام، ودليل هذا الشرط قوله تعالى: }وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا{ ([121]).
وقال تعالى: }وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ...{ الآية([122]).
وقال تعالى: }مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ...{ الآية([123]).
وقال تعالى: }وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ{ الآية([124]).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ» رواه مسلم.
وفي رواية متفق عليها «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ» أي مردود عليه غير متقبل منه كائنًا من كان.
قال ابن القيم رحمه الله وهو يذكر أهل الإخلاص للمعبود والمتابعة قال ما نصه: "وكذلك أعمالهم وعبادتهم موافقة لأمر الله ولِما يُحبه ويرضاه، وهذا هو العمل الذي لا يقبل الله من عاملٍ سواه، وهو الذي ابتلى عباده بالموت والحياة لأجله، قال تعالى: }الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً{([125]). وجعل ما على الأرض زينة لها ليختبرهم أيهم أحسن عملاً.
قال الفضيل بن عياض: "العمل الحسن هو: أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إنَّ العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبل حتى يكون خالصًا وصوابًا، والخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السُنة .. فلا يقبل الله من العمل إلاَّ ما كان خالصًا لوجهه، على متابعة أمره، وما عدا ذلك فهو مردودٌ على عامله، يُرد عليه أحوج ما هو إليه هباءً منثورًا"([126]).
وقد جمع الله بين هذه الشروط الثلاثة في آية واحدة، فقال تعالى: }وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً{([127]).
وبيان ذلك:
الشرط الأول- الإخلاص، ودليله قوله تعالى: }أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ...{ الآية.
والشرط الثاني- المتابعة، ودليلها قوله تعالى: }وَهُوَ مُحْسِنٌ{ والمحسن هو ما كان عمله وفق ما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
الشرط الثالث- صحَّة المعتقَد، ودليله قوله تعالى: }وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا...{ الآية.
قال الشيخ السعدي – رحمه الله – في تفسير هذه الآية: " أي: لا أحدَ أحسن من دينِ مَن جَمَع بين الإخلاص للمعبود، وهو إسلام الوجه لله، الدَّال على استسلام القلب وتوجُّهه وإنابته وإخلاصه، وتوجُّه الوجه وسائر الأعضاء لله.
}وهو{ مع هذا الإخلاص والاستسلام }مُحسِن{ أي متبع لشريعة الله التي أرسل الله بها رُسله، وأنزل كتُبه وجعلها طريقًا لخواص خلقه وأتباعه.
}واتبع ملة إبراهيم{ أي دينه وشرعه.
}حنيفًا{ أي مائلاً عن الشرك إلى التوحيد وعن التوجُّه للخلق، إلى الإقبال على الخالق" ([128]).
فلا بدَّ من توفُّر هذه الشروط في العبادة حتى تكون صالحةً مقبولةً عند الله عزَّ وجل .. أمَّا إذا اختلَّ شرطٌ من هذه الشروط فإنها لا تصحُّ، وبالتالي لا تنفع صاحبها، بل تكون وبالاً عليه.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
الفصل الرابع
رأينا في الفصل السابق أنَّ العبادة لا تصحُّ حتى تجتمع فيها ثلاثة شروط، والأدلَّة على كلِّ شرطٍ من هذه الشروط، فالعبادة لا تنفع صاحبها حتى تتمَّ هذه الشروط، والعبادة - وهي ما يُقدِّمه المسلم في هذه الحياة - إنما هي رصيدٌ له يوم القيامة، لذا فإنَّ العبادات التي يفعلها العبد في هذه الدار إنما ينال جزاءها يوم الحساب، يوم تُجزى كلُّ نفسٍ بما كسبت.
لكن لهذه العبادة مُفسدات ومُبطلات، إذا وُجدت فإنه لا قيمة لهذه العبادات، بل يكون نصيب صاحبها العنت والتعب في هذه الحياة وفوات أجرها في الآخرة .. ولكلِّ عبادة مفسداتها الخاصة بها، إما فوات الشرط أو وجود المانع من الصحة بارتكاب مفسد، لكن المبحث هنا عن المبطلات العامة ومن ذلك:
1- الإشراك في العبادة
وهو أن يريد العبد بعبادته غير الله أو مع الله، فهذا مستحق للعذاب العظيم وباطل عمله، قال الله تعالى: }إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ...{ الآية ([129]).
وقال تعالى: }مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{([130])
كما أوحى الله تعالى إلى جميع أنبيائه أنَّ الشرك مُحبِط للعمل، فقال تعالى: }وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ ([131]).
وقال سبحانه في الحديث القدسي: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» رواه مسلم.
لذا أبطل الله جميع قربات المشركين، وإن كانوا قاصدين بها وجه الله لأنهم مشركون.
قال تعالى: }وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا{ ([132]).
2- الردَّة:
وهي أن يترك المسلم دينه، ويعتنق أي ملة من ملل الكفر والعياذ بالله؛ فإنَّ الردَّة محبطة للعمل والعبادة السابقة إذا مات المرتد على ردته على أرجح قولي العلماء كما قال تعالى: }وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{ ([133]).
وذلك لأنَّ الردَّة كفر، والكافر لا يُقبل منه أي عبادة وذلك لأنَّ عقيدته ليست صحيحة، فاختلَّ شرط من شروط صحة العبادة.
3- الرياء:
وهو أن يكون قصده وجه الله لكن يُحسِّن هيئة العبادة لِما يرى من الناس، فالقول الصحيح إنَّ عبادته التي راءى فيها باطلة إذا كانت مما لا يتجزَّأ كالصلاة، وإن كانت مما يتجزَّأ كالصدقة، كمن تصدق بمائة أراد خمسين منها وجه الله، ثم زاد خمسين أخرى رياء، فإنها تُقبل الخمسون التي لله تعالى، وتُردُّ الخمسون الأخرى التي زادها لأجل نظر الناس إليه، لقوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ...{ الآية([134]).
فدلَّ على أنَّ العبادة تبطل بالرياء، وإن كان قصد فاعلها وجه الله، ثم لابسها الرياء في أثنائها، وفي الحديث القدسي يقول الله تبارك وتعالى «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» ([135]).
قال الإمام النووي رحمه الله: "ومعناه: أنا أغنى عن المشاركة وغيرها، فمن عمل شيئًا لي ولغيري لم أقبله، بل أتركه لذلك الغير. والمراد: أنَّ عمل المرائي باطل لا ثواب فيه ويأثم به" ([136]).
4- المنَّ في العبادة:
فالمن بالعبادة يبطلها سواء مَنَّ الفاعل بها على الله أو مَنَّ بها على خَلقه .. قال تعالى: }يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إسلامكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ{ ([137]).
فالمنة لله على خلقه في كلِّ شيءٍ من شئونهم، ومن ذلك أفضلها وهي هداية العبد للإيمان، فإذا منَّ العبد بطاعته على الله فإنَّ الله غنيٌّ عن العالمين، لا ينفعه طاعة المطيع ولا تضرُّه معصية العاصي.
كما تبطل عبادة المرء إذا مَنَّ بها على عباد الله، سواء كانت مالية أو غيرها، فالمنُّ بالصدقة يُبطلها، وكذا المنُّ في تعليم الجاهل وإرشاد السائل، والعطية والهدية والشفاعة ونحو ذلك.
فالله هو المنَّان، وهو صاحب الفضل والإحسان جل وعلا، والدليل على بطـلان ذلك قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى...{ الآية ([138]).
قال القرطبي رحمه الله:
"المنُّ: ذكر النعمة على معنى التعديد لها والتقريع بها، مثل أن يقول: قد أحسنتُ إليك، ونعشتك وشبهه".
وقال بعضهم:
المــنّ: التحدث بما أعطى حتى يبلغ ذلك المُعطَى فيؤذيه، والمَنُّ من الكبائر...([139]).
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المنان بما أعطى والمسبل إزاره والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» ([140]).
وخلاصة القول أنَّ الله لا يقبل العبادة من المشرك والكافر والمرائي والمانِّ بها، وهم مع ذلك مستحقون لوعيد الله في الآخرة حسب ما جاء في القرآن والسنة.
أسأل الله أن يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح، كما أسأله أن يوفِّقنا للإعانة على شكره وذِكره وحُسن عبادته، إنه ولي ذلك والقادر عليه...
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.
([1]) سورة الذاريات آية (56).
([2]) سورة الأنبياء آية (25).
([3]) سورة يس آية (60).
([4]) سورة الإسراء آية (9).
([5])سورة النحل آية (89).
([6]) سورة المائدة آية (3).
([7]) أخرجه البخاري (13 / 300) في التوحيد، ومسلم رقم (3 0) في الإيمان، والترمذي رقم (2645) في الإيمان.
([8]) سورة الحاقة الآيات (19 – 24)0
([9]) سورة طه الآيات (124 – 127).
([10]) لسان العرب المحيط (2 / 664) لابن منظور – طبعة دار لسان العرب – بيروت
([11]) القاموس المحيط (1 / 311) للفيروز أبادي – طبعة دار الفكر – مصر.
([12]) تفسير القرآن العظيم (1 / 25) تأليف إسماعيل بن كثير. الناشر دار المعرفة – بيروت.
([13]) الجامع لأحكام القرآن (1 / 225) تأليف: محمد بن أحمد القرطبي – الناشر دار أحياء التراث العربي – بيروت.
([14]) رسالة العبودية (ص 38) لشيخ الإسلام بن تيمية – رحمه الله تعالى – الناشر: المكتب الإسلامي – دمشق.
([15]) شرح القصيدة النونية (1 / 99) شرح الشيخ محمد خليل هراس. ط: الأولى – دار المكتبة العلمية – بيروت.
([16]) رسالة العبودية ص (38)
([17]) سورة الأنعام الآيتان (162 – 163).
([18]) ينظر كتاب: مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية للشيخ عثمان ضميرية ص (285) ط: الأولى. مكتبة السواري – جدة.
([19]) أخرجه البخاري (5/226) في الصلح، ومسلم رقم (1009) في الزكاة.
([20]) أخرجه مسلم رقم (2626) في البر والصلة.
([21]) أخرجه مسلم رقم (1150) في الصيام، وأبو داود (2461) في الصوم، والترمذي (780) في الصوم.
([22]) أخرج البخاري (1/7) في بدء الوحي، ومسلم رقم (1907) في الأمارة، وأبو داود رقم (2201) في الطلاق، والترمذي رقم (1647) في فضائل الجهاد، والنسائي (1/59) في الطهارة.
([23]) جامع العلوم والحكم ص (10).
([24]) مدارج السالكين (1/100-101) لابن قيم الجوزية – نشر: دار الكتاب العربي – بيروت.
([25]) أخرجه مسلم رقم (1006) في الزكاة.
([26]) جزء من حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية. أخرجه البخاري (3/165)، ومسلم رقم (1628).
([27]) أخرجه البخاري (9 / 437)، ومسلم رقم الحديث (1002).
([28]) سير أعلام النبلاء (1/449).
([29]) جامع العلوم والحكم لابن رجب ص (10).
([30]) المصدر السابق ص (10).
([31]) المصدر السابق ص (10).
([32]) سير أعلام النبلاء (2/567) في ترجمة أبي ثعلبة الخشني.
([33]) مدارج السالكين لابن القيم (3/6، 7) ط. الثانية. الناشر دار الكتاب العربي – بيروت عام 1397) هـ.
([34]) رسالة العبودية ص (44) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – الناشر – المكتب الإسلامي – بيروت.
([35]) سورة البقرة الآية (165).
([36]) تفسير القرآن العظيم (1/358) دار المعرفة – بيروت.
([37]) سورة التوبة الآية (24).
([38]) العبودية ص (104) شيخ الإسلام ابن تيمية، الناشر: المكتب الإسلامي – بيروت.
([39]) أخرجه البخاري (1/56) في الإيمان، ومسلم رقم (43) في الإيمان، والترمذي رقم (2926)، والنسائي (8/96) بلفظ: «ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان...» الحديث.
([40]) أخرجه البخاري (11/292) في الرقاق باب التواضع.
([41]) سورة يونس الآيات (62-64).
([42]) مدارج السالكين (2/35) لابن القيم ط: الثانية عام 1393 هـ.
([43]) سورة الأنبياء الآية (90).
([44]) سورة الإسراء الآيتان (56-57).
([45]) سورة السجدة الآية (18).
([46]) سورة الزمر الآية (9).
([47]) سورة البقرة الآية (218).
([48]) أخرجه الترمذي رقم (3534) في الدعوات وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
([49]) أخرجه مسلم رقم (2877) في صفة الجنة، وأبو داود رقم (3113) في الجنائز.
([50]) مدارج السالكين (2/50-51) لابن القيم بتصرف يسير تقديم وتأخير – الناشر – دار الكتاب العربي – بيروت.
([51]) سورة يوسف الآية (87).
([52]) سورة الحجر الآية (56).
([53]) سورة الزمر الآية (53).
([54]) أخرجه أبو داود رقم (1479) في الصلاة، والترمذي رقم (3244) في التفسير. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
([55]) أخرجه الترمذي رقم (3370) في الدعوات.
([56]) هو الإمام المحدث أبو القاسم الجنيد القايني نزيل هراة ولد عام (466هـ) سمع الحديث من علماء هراة ومرو وغيرهما كان فقيهًا محدثًا موصوفًا بالعبادة مات سنة 547 هـ ينظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (20/272)، الوافي بالوفيات (11/203)، وطبقات السبكي (7/54).
([57]) سورة فاطر الآية (28).
([58]) أخرجه مسلم رقم (1109) في الصيام، والموطأ (1/291) في الصيام، وأبو داود رقم (2388).
([59]) مدارج السالكين (1/512) لابن القيم الجوزية – الناشر: دار الكتاب العربي – بيروت.
([60]) سورة البقرة الآية (40).
([61]) سورة آل عمران الآية (175).
([62]) سورة الأعراف الآية (56).
([63]) سورة المائدة الآية (44).
([64]) سورة المعارج الآيتان (27-28).
([65]) سورة الأنبياء الآية (90).
([66]) سورة النحل الآية (50).
([67]) سورة الإسراء الآية (57).
([68]) سورة السجدة الآية (16).
([69]) سورة الإنسان الآيات (8-10).
([70]) سورة الرحمن الآية (46).
([71]) سورة النازعات الآيتان (40-41).
([72]) أخرجه مسلم رقم (1109) في الصيام، والموطأ (1/291) في الصيام، وأبو داود رقم (2388).
([73]) أخرجه الترمذي رقم (3174) في التطير والحاكم في المستدرك (2/394) وقال: حديث صحيح ووافقه الذهبي.
([74]) مدارج السالكين (1/512) لابن قيم الجوزية – رحمه الله – الناشر – دار الكتاب العربي – بيروت.
([75]) تفسير القرآن العظيم (2/472).
([76]) مدارج السالكين (1/514) لابن قيم الجوزية – رحمه الله – الناشر – دار الكتاب العربي – بيروت.
([77]) سورة المائدة الآيتان (27- 28).
([78]) أخرجه الترمذي (2452) وقال الترمذي: هذا حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي النضر.
([79]) سورة يونس الآية (62).
([80]) الفتاوى (1/95) لشيخ الإسلام بن تيمية – جمع القاسم – الطبعة الأولى – الرياض.
([81]) مدارج السالكين (1/517) لابن القيم – الناشر – دار الكتاب العربي – بيروت.
([82]) أخرجه مسلم رقم (2877) في صفة الجنة، وأبو داود رقم (3113) في الجنائز.
([83]) رياض الصالحين ص (206) النووي – الناشر – المكتب الإسلامي – بيروت.
([84]) الصوفية: سُمُّوا بذلك نسبة إلى التزامهم بلباس الصوف في الغالب، ولقد مر التصوف بعدة مراحل. فقد كان أوله زهدًا في الدنيا وانقطاعًا للعبادة، ثم صار حركات ومظاهر خالية من الروح والعبادة، ثم صار إلحادًا وخروجًا عن دين الله، والقول بالحلول ووحدة الوجود، وإباحة المحرمات وترك الواجبات وعلم الباطن. ينظر كتاب: اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للفخر الرازي ص (87، ص 115)
([85]) المرجئة: سُمُّوا بذلك لقولهم بالرجاء، وأصل الإرجاء التأخير وذلك أنهم أخروا الأعمال عن مسمى الإيمان، وقيل: من إعطاء الرجاء حيث قالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وقيا الإرجاء: تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة فلا يقضي عليه بحكم في الدنيا. والمرجئة أربعة أصناف. مرجئة الخوارج، ومرجئة القدرية، ومرجئة الجبرية، والمرجئة الخالصة. ينظر تفاصيل مذهبهم في كتاب الملل والنحل للشهرستاني (1/186)، والفصل والملك والنحل لابن حزم (2/113)
([86]) الخوارج: هم الذين خرجوا على الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه ونزلوا بأرض حروراء فسموا بالحرورية. وهم الذين يكفرون أصحاب الكبائر ويزعمون أنهم مخلدون في النار، كما يجوزون الخروج على أئمة الجور ويكفرون جملة من الصحابة.. إلى غير ذلك من عقائدهم الباطلة. ينظر كتاب: اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للفخر الرازي ص (150)، وكتاب الملل والنحل للشهرستاني (1/154).
([87]) اسم من أسماء الخوارج نسبة إلى أرض حروراء في العراق، نزلوا فيها أول أمرهم.
([88]) رسالة العبودية (128) لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – الناشر، المكتب الإسلامي – بيروت.
([89]) معجم مقاييس اللغة لابن فارس: (2/208)، المصباح المنير للفيومي: (94).
([90]) عمدة الحفاظ (1/600).
([91]) التوقيف على مهمات التعريف ص (43).
([92]) الرسالة القشيرية: (2/444).
([93]) المرجع السابق (2/434).
([94]) الفوائد لابن القيم (148).
([95]) التحرير والتنوير (23/318).
([96]) مدارج السالكين (1/83) لابن القيم – رحمه الله – الناشر: دار الكتاب العربي – بيروت.
([97]) سورة الرعد آية (36).
([98]) سورة الزمر الآية (11).
([99]) سورة الزمر الآية (14).
([100]) سورة البينة الآية (5).
([101]) سورة الليل الآيتان (19-21).
([102]) سورة الحج آية (37).
([103]) سورة الكهف الآية (110).
([104]) أخرجـه البخاري (1/7) فر بدء الوحي، ومسلم رقم (1907) في الإمارة، وأبو داود رقم (2201) في الطلاق، والترمذي رقم (1647) في فضائل الجهاد، والنسائي (1/59) في الطهارة.
([105]) أخرجه مسلم رقم (2564).
([106]) أخرجه البخاري (1/197)، ومسلم رقم الحديث (1904) واللفظ لمسلم.
([107]) جامع العلوم والحكم لابن رجب ص (16).
([108]) المصدر السابق ص (16).
([109]) بدائع الفوائد (3/187) وما بعدها.
([110]) سورة النساء الآية (124).
([111]) سورة النحل الآية (97).
([112]) أضواء البيان تفسير القرآن بالقرآن (3/353) للشنقيطي – الناشر عالم الكتب – بيروت.
([113]) سورة الأنبياء الآية (94).
([114])سورة طه الآية (75).
([115]) سورة طه الآية (112).
([116]) سورة غافر الآية (40).
([117]) أخرجه الترمذي رقم (616) في الصلاة وقال: هذا حديث حسن صحيح، والحاكم في المستدرك (1/9) وصححه ووافقه الذهبي.
([118]) سورة النور آية (39).
([119]) سورة الفرقان آية (23).
([120]) أخرجه مسلم (214) في الإيمان.
([121]) سورة الحشر الآية (7).
([122]) سورة النساء الآية (64).
([123]) سورة النساء الآية (80).
([124]) سورة الأحزاب الآية (36).
([125]) سورة الملك الآية (2).
([126]) مدارج السالكين (1/83 – 84) لابن القيم – رحمه الله – الناشر: دار الكتاب العربي – بيروت.
([127]) سورة النساء الآية (125).
([128]) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (2-178) للشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – الناشر – المؤسسة السعيدية – الرياض.
([129]) سورة النساء الآية (48).
([130]) سورة هود الآيتان (15، 16).
([131]) سورة الزمر آية (65).
([132]) سورة الفرقان آية (23).
([133]) سورة البقرة آية (217).
([134]) سورة البقرة آية (264).
([135]) أخرجه مسلم رقم الحديث (2289).
([136]) شرح النووي على مسلم (18/116).
([137]) سورة الحجرات آية (17).
([138])سورة البقرة آية (64).
([139]) الجامع لأحكام القرآن (3/308) للقرطبي ط: دار إحياء التراث العربي – بيروت
([140]) أخرجه مسلم رقم (106).