الوصف
الاستغفار: خطبةٌ ألقاها فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - في المسجد النبوي يوم الجمعة 18 - 8 - 1431 هـ; وتحدَّث فيها عن فضل الاستغفار وأنه سبب في تكفير السيئات; وزيادة الحسنات; ورفع الدرجات; والذرية الطيبة; والولد الصالح; والمال الحلال; والرزق الواسع; وراحة البال; وطمأنينة القلب; وصحة البدن; والسلامة من العاهات والأمراض.
الخطبة الأولى
الحمد لله الغفور الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له التواب العظيم، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله الكريم اللهُم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
أُوصِيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -، فتقواه سبب السعادة والفلاح، والفوز والنجاح.
إخوةَ الإسلام:
إننا في أمسِّ الحاجة وأشد الضرورة في كل حال، وفي كل وقتٍ إلى أن نطلب المغفرة من ربنا الغفور، إنه الاستغفار الذي يلهَج به اللسان، ويقوله الجنان، الاستغفار الذي يعني الانطراح بين يدي المنان الذي يستر الذنب ويعفو عن الزلل، ويقي شر الموبقات وعواقب السيئات، يقول - جل وعلا -: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 110 ]، ورسولنا - صلى الله عليه وسلم - يقول: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة»؛ رواه البخاري، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «إنه لَيُغَان على قلبي - أي: يُغطّى -، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة»؛ رواه مسلم.
معاشر المسلمين:
أكثِروا من الاستغفار والزَمُوه ليلًا ونهارًا، سفرًا وحضرًا؛ فربنا - جل وعلا - يقول لنبيه آمرًا لأمته: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [غافر: 55 ]، وفي «سنن ابن ماجه» بسندٍ جيدٍ قال - صلى الله عليه وسلم -: «طُوبَى لمن وَجَدَ في صحيفته استغفارًا كثيرًا»، ورواه النسائي في «عمل اليوم والليلة» بسندٍ صحيحٍ، وعند الطبراني بسندٍ حسنٍ، وعند البيهقي بسندٍ لا بأس به: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أحبَّ أن تسُرّه صحيفتُه فليُكثِر من الاستغفار».
إخوة الإيمان:
للاستغفار فضائلُ جمةٌ، وأسرار بديعة، وبركات مُتنوِّعة، أعظمُها أنه سببٌ لمغفرة الذنوب، ونيل أعظم مطلوب: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 135، 136 ]، وفي «صحيح مسلم» عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال مُخبِرًا عن طبيعة البشر: «والذي نفسي بيده؛ لو لم تُذنِبُوا لذَهَبَ الله بكم، ولجاءَ بقومٍ يُذنِبُون فيستغفرون الله فيغفر لهم»، وجاء في حديثٍ صحَّحه الحاكم وقال: على شرط الشيخين، وجوَّد إسنادَه المنذريُّ في «الترغيب» أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيومَ وأتوب إليه، غُفِرَت ذنوبه وإن كان قد فَرَّ من الزحف».
معاشر المسلمين:
إن لزوم الاستغفار سببٌ لدفع الرزايا والبلايا، وسبيلٌ لرفع الكوارث والمصائب؛ ولهذا من لَزِمَ الاستغفار جعل الله له من كل هَمٍّ فَرَجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، فربنا - جل وعلا - يقول: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33 ].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: «شهادة التوحيد تفتح باب الخير، والاستغفار يُغلِقُ باب الشر».
بل إن الاستغفار يجلِبُ راحةَ البال، وانشراحَ الصدر، وسكينةَ النفس، وطمأنينة القلب؛ فربنا - جل وعلا - يقول: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود: 3 ]، فلُزُوم الاستغفار مما يجلِبُ القوة بمُختَلَف صورها، ومما يُعينُ على أمور الدين والدنيا، يقول - جل وعلا - عن هود - عليه السلام - أنه قال لقومه: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52 ].
معاشر المسلمين:
الزموا الاستغفار المُتضمِّن التذلُّلَ للباري والخضوع له - سبحانه - تنالُوا ما تُحِبُّون، وتصِلُوا إلى ما ترغبون، ويتحقَّق لكم ما تصبُون؛ جاء رجلٌ إلى الحسن البصري - رحمه الله - يشكو إليه الجَدْب؛ أي: القحط فقال: «عليك بالاستغفار»، ثم جاءه آخر يشكو الفقر فقال: «عليك بالاستغفار»، ثم جاءه آخر يشكو قلة الولد فقال: «عليك بالاستغفار»، إنه الفهمُ القرآني المُستنبَط من قوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10- 12 ].
إخوة الإسلام:
إن الاستغفار يستلزِمُ من العبد: الصدقَ في التوبة، والترفُّع عن الدَّنَايا، والبُعْد عن الخطايا، إنه الاستغفار الذي يقع معه الإقلاع عن الذنب، مع استحضار الندم وعدم الإصرار عليه؛ فربُّنا - جل وعلا - يقول: {وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135 ]؛ فالزَمُوا - عباد الله - الاستغفارَ تنعَمُوا برحمة الرحمن، ومغفرة المَنَّان، {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النمل: 46 ]، قال الحسن: «أكثِرُوا من الاستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم، وفي طرقاتكم وأسواقكم، وفي مجالسكم؛ فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة».
بارك الله لي ولكم في الوَحْيَيْن، ونفعنا بما فيهما من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أحمد ربي وأستغفره، وأُصلِّي وأُسلِّمُ على النبي محمدٍ - عليه أفضل الصلاة والتسليم -.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
حافِظُوا على الإتيان بسيد الاستغفار في أول الليل والنهار، فقد روى شدَّاد بن أوس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهُم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتَني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذُ بك من شر ما صنعت، أبوءُ لك بنعمتك عليَّ، وأبوءُ لك بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت، من قالها بالنهار مُوقِنًا بها فمات من يومه قبل أن يُمسِي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو مُوقِنٌ بها قبل أن يُصبِح فهو من أهل الجنة»؛ رواه البخاري، فقد جمع هذا الذكرَ من بدائع المعاني ومحاسن الألفاظ ما سمَّاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بسيد الاستغفار؛ إذ فيه الإقرار لله - جل وعلا - وحده بالإلهية والعبودية، والاعتراف بأنه الخالق، والإقرار بالعهد الذي أخذه على العبد، والرجاء بما وَعَدَه به، والاستعاذة من شر ما جَنَى العبد على نفسه، وإضافة النعماء إلى مُوجِدها، وإضافة الذنب إلى العبد ورغبته في المغفرة، واعترافه بأنه لا يقدر أحد على ذلك إلا هو - سبحانه -، فاحرصوا - رحمكم الله - على المحافظة على هذا الذكر، وعلِّموه أولادكم وأهلكم، تُفلِحوا وتسعَدوا.
ثم إن الله - جل وعلا – أمَرَنا بأمرٍ عظيمٍ، ألا وهو: الصلاة والسلام على النبي الكريم، اللهُم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيدنا وحبيبِنا ونبيِّنا وقُرَّةِ عيوننا محمد - عليه الصلاة والسلام -.
اللهُم ارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن الآل ومن تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهُم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، اللهُم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، اللهُم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
اللهُم إنا ظَلَمنَا أنفسنا ظلمًا كثيرًا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين، اللهُم أصلِح أحوالنا وأحوال المسلمين، اللهُم أصلِح أحوالنا وأحوال المسلمين، اللهُم أصلِح أحوالنا وأحوال المسلمين.
اللهُم أعِزَّ المسلمين، اللهُم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهُم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهُم عليك بأعداء الدين، اللهُم عليك بأعداء المسلمين فإنهم لا يُعجِزُونك، اللهُم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزُونك يا قادر يا قوي يا عزيز.
اللهُم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحب وترضى، اللهُم وفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين لما فيه خير رعاياهم.
اللهُم آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذاب النار.
عباد الله:
اذكروا الله ذكرًا كثيرًا، وسبِّحُوه بكرةً وأصيلًا، وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.